الرئيسية / الشهداء صناع الحياة / 189 الشهيد همام ثامر خضر – أبو دعاء البغدادي

189 الشهيد همام ثامر خضر – أبو دعاء البغدادي

تفكير ساعة خير من عبادة سبعين سنة. هكذا تغير ساعة تفكير صاحبها وتحوله من ضلال إلى هدى، من جهل إلى علم، من ظلام إلى نور، وهكذا تكون المواقف والقرارات مؤثرة تحول صاحبها من الجنة إلى النار كما هو موقف الحر بن يزيد الرياحي حين خير نفسه بين الجنة والنار فاختار الجنة واللحوق بالإمام الحسين عليه‌السلام وإن كانت نتيجة ذلك القرار القتل وتقطيع الأوصال. هكذا فعلت لحظة التفكير بالسحرة، تركوا للطاغوت خيار أسلوب القتل وإن قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم على جذوع النخل.، ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاض إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ (طـه: من الآية72).
وهكذا كان قرار أبي‌دعاء، الالتحاق بالمجاهدين وخوض غمار الحرب بعد ان حولته لحظة التفكير من الصابئية إلى رحاب الإسلام.
ولد في مدينة الناصرية عام 1962م وسط أسرة تدين بالصابئية، انتقل مع أسرته للسكن في مدينة بغداد حي القادسية، مقابل جامع أم الطبول، حي 606، وهناك أكمل الدراسة المتوسطة في متوسطة الفداء عام 1979م.
زج في الحرب الخاسرة التي أشعل فتيلها النظام البعثي المجرم بتشجيع من أسياده ودعم من بعض مشايخ الخليج الذين لم يكن يروق لهم بل خافوا على كراسيهم من نظام إسلامي يتّبع نهج أهل البيت عليهم‌السلام، فكان همام واحدًا من مئات الآلاف الذين ألقي بهم في لهوات تلك الحرب بتاريخ 20/05/1981م وكان رافضًا لها فهو من قوم مسالمين لايحبون التجاوز على الآخرين فلهذا كان يتحين الفرص للخلاص، حتى أتيحت له فرصة في 30/04/1982م أثناء هجوم الحرس الثوري في الجمهورية الإسلامية على منطقة الطاهري في قاطع المحمرة مع آلاف من أفراد الجيش الذي أسرعوا لتسليم أنفسهم.
نقل إلى معسكر بندر أنزلي في شمال إيران ثم نقل إلى معسكر كهريزك في العاصمة طهران، فكانت معسكرات الأسر فرصته للاطلاع على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومدرسة أهل البيت عليهم‌السلام، فقد كانت المعسكرات مدارس تعليمية وتربوية تحوي برامج مختلفة ومناهج متعددة من تعليم القراءة والكتابة لغير المتعلمين إلى تعليم اللغة العربية والفقه والأصول ومحاضرات الفقه والسيرة.
حضور همام للمحاضرات الدينية رغم كونه صابئيا، لفت انتباه أحد المؤمنين والمثقفين الذي كان ينحدر من أسرة علمائية معروفة فبذل ذلك المؤمن قصارى جهده فبين له حقيقة الدين وترك له فرصة التفكير مليًّا، فقارن همام ما تعلم مع ما كان يدين به فاتخذ قرار اعتناق الدين الإسلامي، وقرر أخذه من ينبوعه الصافي ومدرسته الأصيلة من أهل البيت عليهم‌السلام.
يقول أحد أصدقائه السيد خالد الموسوي: «شاءت الأيام ان يبتعد عن أستاذه بعد ان بيّن له علوم أهل البيت عليهم‌السلام، فما كان من أبي‌دعاء إلا ان يقترب مني، فكنت ألمح عليه سيماء الإيمان والالتزام وكان يكثر من المطالعة للكتب الإسلامية ويحضر دروس الفقه المختارة آنذاك من الرسالة العملية — تحرير الوسيلة — للإمام الراحل قدس‌سره حتى أتقن ما يحتاجه من الفقه وبعض علوم القرآن الكريم وكان يكثر من الصلاة والصيام، وعندما سألته عن كثرة الصلاة والصيام أجابني: إنها قضاء لما في الذمة، فقلت له: إن الإسلام يجبُّ ما قبله، فلا قضاء عليك من صوم وصلاة. فلم يجبني واستمر على هذا المنوال ولم يترك صلاة الليل وتلاوة القرآن الكريم.
لقد قذف الله في قلبه نورًا فهو يمشي به بين الناس وقد كان أرضًا خصبة لما يمتلك من أخلاق نبيلة وحسن سيرة، وهنا يقول السيد خالد الموسوي: «كان يمتاز بهدوء الطبع ومعاشرة الطيبين من أخوانه العراقيين، حسن السيرة والسمعة، طيب النفس، وكأنه يحمل الكرم العربي الأصيل، يبتعد عن كل من يراه غير صالح للمعاشرة والصداقة، يختار من الأصدقاء ما يمكن ان يكتسب منه خلقًا إضافة إلى خلقه.
أما المجاهد أبوحسن السلامي فقد قال عنه: «كان ملتزمًا لايترك صلاة الليل بعد اعتناقه الدين الإسلامي وقد جاء بجميع ما فاته من صلاة على الرغم من عدم وجوب قضائها عليه.
أما المجاهد أبوهمام البغدادي فقد قال عنه: «كان لهمام خصائص خاصة، فهو يمتاز بالأخلاق النبيلة العالية والتفاني بالعمل الإسلامي والجدية والمثابرة على العمل، وكان يمتاز بحبه لإخوانه التوابين( )، وكان مواظبًا على صلاة الليل وحضور صلاة الجماعة ومحاربة نفسه… .
نعم لقد كان همام خلوقًا، وما زاده اتباعه لأهل البيت إلا مزيدًا في الأخلاق والسلوك الحسن، فقد ارتشف من سيرتهم الكثير الكثير، حتى أصبح يشار له بالبنان، لقد تأثر كثيرًا بشخصية الإمام الحسين عليه‌السلام وكان مثله الأعلى وقدوته، لهذا اتخذ قرار الالتحاق بالمجاهدين العراقيين ليحظى بشرف مشاركتهم مقارعة الظلم والظالمين؛ الذين عاثوا في أرض الرافدين الفساد وجعلوا أعزة أهلها أذلة.
بعد الإصرار والإلحاح على المسؤولين في الجمهورية الإسلامية من أجل السماح له بالالتحاق بالمجاهدين، تحققت أمنيته التي انتظرها طويلًا فالتحق بأول دورة من دورات المتطوعين من معسكرات الأسر بتاريخ 10/07/1986م والتي شكلت فوج حمزة سيد الشهداء فيما بعد.
شرع في التدريبات العسكرية وكان أبودعاء يطبق التمارين والفعاليات العسكرية بكل إخلاص وجدية وكان يحسب الأيام والساعات لانتهاء الدورة بغية الاشتراك بعمليات جهادية ضد الطغمة البعثية.
وكان له ذلك فقد اشترك مع فوجه في أول واجب جهادي يكلف به في كردستان العراق في عمليات حاج عمران البطولية التي نفذها المجاهدون بتاريخ 01/09/1986م وكان لأبي‌دعاء دور بطولي فيها.
اشترك في العلميات الجهادية التي خاضها المجاهدون على مشارف مدينة البصرة وكان أبودعاء من السباقين في الهجوم على مواقع العدو، وفي ذلك يقول المجاهد أبوعلي البصري من فوج ذو الفقار — فوج مقاومة الدروع—: «كان أبودعاء البغدادي عاشقًا للشهادة ويطلبها كثيرًا في دعائه من الله عز وجل، رأيته يتحدث مع الشهيد أبومحمد الكناني( ) ويطلب منه الانتقال والعمل معه في الهندسة العسكرية، فسألته عن السبب في ذلك وقلت له: ان المجاهد أين ما يكون فهو يؤدي واجبه وتكليفه، فكان يقول لي «إني أحب دائمًا أن أكون في أقرب نقطة من العدو لعل الشهادة تكون قريبة مني» وقد نالها بصدق نيته.
لقد حمل سلاح القاذفة الآربي‌جي7 يتقدم أخوته المجاهدين على الرغم من كثافة نيران المعركة، وعندما جرح آمر سريته بادر هو ليؤدي واجبه لتنظيم تلك السرية فتقدموا وكان يزيدهم همة وعزيمة وثباتًا وطمأنينة وكان يخاطب المجاهدين «أخوتي الآن هو دوركم… هذا هو اليوم الذي كنا نتمناه فجاهدوا أيها الأخوة عن دينكم لكي نلاقي رسول الله صلّى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الأطهار عليه‌السلام وهم راضون عنا… .
بتلك العزيمة وبذلك اليقين، كان أبودعاء يتقدم الجموع ويقاتل وكأنه بين يدي سيده الإمام الحسين عليه‌السلام الذي شغف به حبًّا، وكم كان ملهوفًا لزيارة قبره الشريف، ولكن الله ختم له بالشهادة، لصدق نيته، بعد أن أصيب بنيران الحقد، فسقط مضرجًا بدمه الطاهر بتاريخ 21/01/1987م لتعرج روحه إلى ربها راضية مرضية ويلتحق بركب الشهداء مع الحسين وأصحابه الأبرار، وحقق الله بذلك أمنيته التي تفنن في طلبها ان يكون قتله على يد أشقى عصابة وأرذل قوم وأبغضهم عند الله.
عثر على رفاته سنة 1994م فشيع ودفن في مقبرة البقيع في مدينة قم المقدسة.
من وصيته رحمه‌الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على منجي البشرية من الظلمات إلى النور سيدنا محمد صلّى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، السلام على صاحب العصر والزمان روحي له الفداء الإمام المهدي عليه‌السلام والسلام على نائبه بالحق الإمام الخميني حفظه الله، الذي لفت أنظار العالم إليه وأيقظهم من الغفلة التي كانوا يسبحون فيها، السلام على الأرواح الطيبة لشهداء الإسلام وخاصة شهيد عصرنا الحاضر السيد الشهيد السعيد محمد باقر الصدر قدس‌سره.
إلهي ها أنا عبدك الضعيف المذنب أكلمك، أفضي إليك همومي فساعدني حتى أتغلب على هوى نفسي، إني جئتك أناجيك بكل شوق ولهفة لعلك تمن عليّ بالسعادة الأبدية وتحشرني مع أوليائك الصالحين، وإني رأيت هذا الطريق المستقيم هو طريق الحق فسلكته، ربي فاغفر لي خطيئتي وتوفني مسلمًا وألحقني بالصالحين.
إلهي أحب أن ألقاك وأنا عطشان، أحب ان يكون قتلي على يد أشقى إنسان في هذا الزمان، أحب أن أقطع إربًا إربًا في سبيلك، لرفع كلمة لاإله إلا الله عاليًا في ربوع العالم.
أخوتي في الدين، أوصيكم بتقوى الله ولزوم طاعته والسير على خط شهيد عصرنا السيد محمد باقر الصدر قدس‌سره، وتذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام، وأوصيكم بالصلاة وخاصة صلاة الليل لأنها تزيل الهموم، واجعلوا قلوبكم مملوءة بحب الله ولا تحبوا سواه، واذكروا الإمام الحسين عليه‌السلام دائمًا لأنه رمز الشهادة والوفاء لكي تسلكوا هذا الطريق، وأفرغوا قلوبكم من حب الدنيا وملاذاتها لأنها فانية والآخرة هي دار المقر الأبدي.
أهلي الأعزاء، والدي، والدتي، وإخواني وأخواتي، إني سلكت هذا الطريق المستقيم وهو الإسلام وهو طريق الحق لأني فكرت كثيرًا فلم أر طريقًا أفضل منه وأكتب إليكم اليوم وقلبي مطمئن بالإيمان وأن لكم حقًا عليّ لكي ألقي عليكم هذه الحجة بأن تسلكوا هذا الطريق المستقيم لكي تنجوا من العذاب الأليم يوم القيامة حيث قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران:85).
فإذا سلكتم هذا الطريق وقبلتم مني هذه النصيحة فإني ولدكم إن شاء الله أكون من الشفعاء يوم الحساب، وأجركم على الله لأنه غفور رحيم، وإن لم تقبلوا مني هذه الكلمات فإني بريء منكم وإني اليوم ابن الإسلام ونذرت نفسي قربانًا لله في سبيل الدين الإسلامي الحنيف، أرجو منكم جميعًا أن تعذروني عن كل شيء صدر مني لتبرأ ذمتي أمام الله.
الفقير إلى الله العبد الضعيف همام ثامر خضر.
سلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًّا

 

https://t.me/wilayahinfo

3

شاهد أيضاً

مفاجآت القرن الـ 21: ملحمة فلسطين وأسطورة إيران

ناصر قنديل يبدو القتال الأميركي الإسرائيلي والغربي عموماً لإنكار صعود العملاق الإيراني وإبهار الملحمة الفلسطينيّة ...