ردت العاصمة الاسلامية طهران علي واشنطن وعواصم غربية أخري وإقليمية تدعوها للتدخل في شؤون العراق الداخلية لتشكيل «حكومة وحدة وطنية عراقية» بعيدا عن ارادة الشعب العراقي ، وقالت بالحرف الواحد : ان «شعوب المنطقة ، هي التي تقرر مصيرها بنفسها ، ولا أحد يقرر بالنيابة عنها» .
جاء ذلک فی سیاق تقریر نشرته صحیفة «السفیر» اللبنانیة الیوم الخمیس ، تساءلت فیه : “هل انتهت صلاحیة النأی بالنفس لبنانیاً فی ضوء غزوة ˈعصابات داعش الارهابية ، أم أن المناخ الدولی والإقلیمی الحامی للاستقرار اللبنانی ما زال ساری المفعول ؟” ،
مشیرة إلی أنه «فی التداول أجوبة لبنانیة عدة أبرزها و أولها ثبات معادلة الاستقرار السیاسی مع الأمنی ، و ثانیها ارتفاع منسوب المخاوف ، وصولاً إلی الحدیث عن بدء العد العکسی لانتهاء ˈالوصفة السحریةˈ التی أدت إلی ولادة الحکومة وما رافقها من إنجازات، خصوصاً فی المجال الأمنی» . و بحسب «السفیر» تتقاطع المعلومات الآتیة من طهران و واشنطن عند استمرار الحرص علی تحیید لبنان عن الاشتباک الإقلیمی الکبیر فی سوریا والعراق ، لکن کیفیة تطور الموقف فی الأسابیع والأشهر المقبلة ، تبقی ˈغامضةˈ ، لکونها مرتبطة بمعطیات سیاسیة ومیدانیة، مفتوحة علی احتمالات شتی ، خصوصاً فی الساحة العراقیة .
و قالت «السفیر» : “شعر الإیرانیون بما شعر به حزب الله فی الخامس من أیار 2008 (انقلاب حکومة فؤاد السنیورة علی المقاومة) . فجأة و من دون أیة مقدّمات ، تحول ˈعصابات داعش الارهابية إلی شریک للسلطة المرکزیة العراقیة علی الأرض ، من خلال إمساکه بالمحافظة التی تشکل باسمها وجغرافیتها صلة الوصل بین العراق و سوریا ، فضلاً عن کونها ثانی أکبر محافظة عراقیة .
تصبح بغداد بین لیلة وضحاها علی تماس مع التنظیم ˈالقاعدیˈ الأکثر تمرساً فی المنطقة. الغزوات لا تتوقف بل تهدد مناطق جدیدة” . و إذ سألت کیف سیردّ الإیرانیون دفاعاً عن حلیفهم العراقی الأول نوری المالکی ؟ ، أشارت الصحیفة إلی أن «کل الرسائل التی تلقتها طهران من واشنطن وعواصم غربیة و إقلیمیة کانت تتمحور حول نقطة واحدة ، تتمثل فی استباق أی خیار عسکری ـ أمنی ، بمسار سیاسی یُفضی الی تشکیل حکومة وحدة وطنیة عراقیة ، و هی العبارة التی یمکن اختصارها بعبارة ثانیة أکثر وضوحاً : ˈالتضحیة بالمالکی سیاسیاًˈ!» .
و أضافت : «کان جواب الإیرانیین علی طریقتهم الدائمة : “شعوب المنطقة تقرر مصیرها ولا أحد یقرر بالنیابة عنها” ، و هی “معادلة تسری علی العراق الخارج لتوّه من الانتخابات ، مثلما تسری علی لبنان والبحرین والیمن .. وسوریا” . و أکدت الصحیفة أن “ما لم یعلنه الإیرانیون هو قرارهم الحاسم بعدم التخلی عن المالکی . عبارة سمعها أمیر الکویت فی زیارته الأخیرة الی طهران من أعلی المراجع السیاسیة التی تتابع الوضع العراقی بتفاصیله کلها .
و قد ردت طهران علی الداعین الی اعادة تقییم العملیة السیاسیة بالقول : ثمة ملاحظات إیرانیة کثیرة علی ما حصل ، و الأخذ والرد مفتوح سیاسیاً .. لکن بعد الانتهاء عسکریاً من ظاهرة ˈعصابات داعش الارهابية.
و بحسب «السفیر» فأن مَن یدق أبواب طهران یستنتج ان احتمال تقدیم أیة تنازلات فی ظل واقع الأزمة المفتوحة غیر وارد فی حساباتهم . و لا یقود ذلک إلی أی افتراض من نوع أن طهران ستزجّ الیوم أو غداً بجیشها أو متطوعیها تحت أی عنوان کان ، خصوصاً “حمایة المقدسات الدینیة” .. وهی کثیرة علی الأراضی العراقیة .
ˈملائکةˈ الإیرانیین موجودون علی الأرض العراقیة أصلاً، وهم منذ انتصار الثورة الإسلامیة فی ایران قبل 35 عاماً ، استفادوا من دروس سلبیة کثیرة، أبرزها فی بعض دول الجوار مثل أفغانستان وباکستان» . و اضافت الصحیفة : اهتمّ الایرانیون کثیراً بالموقف الخلیجی ، خصوصاً السعودی. لسان حالهم عن الموقف السعودی ˈکاد المریب أن یقول خذونیˈ! تحمیل المالکی المسؤولیة عما حصل بمثابة تحصیل حاصل .
ثمة أخطاء فی ادارة العملیة السیاسیة. هناک خیانات وفساد.. والأخطر أن بنیة ˈالبعثˈ أثبتت أنها ما زالت ممسکة ببعض مفاصل الجیش العراقی الجدید . لکن هل هذا کله یقود الی التعامی عن الارهاب ؟ بهذا المعنی ، الانطباع السائد فی أکثر من عاصمة اقلیمیة وغربیة ، أن الخلیج یتعاطی مع ملف العراق بنوع من قصر النظر السیاسی . الانفعال یستدرج بعض العواصم الی ردود أفعال من دون احتساب النتائج بعیدة المدی .
صحیح أن العراق بلد جوار مع ایران.. لکن ماذا یمنع أن یشکل ˈعصابات داعش الارهابية خطراً داهماً بعد شهور قلیلة علی دول الخلیج (الفارسی) کلها.. وأولها السعودیة؟ . وبحسب الصحیفة : «یقود ذلک الی استنتاج سریع بأن ملف الحوار السعودی ـ الایرانی أصبح أکثر تعقیداً، فما جری فی العراق لا یساعد علی إعادة فتح القنوات الدیبلوماسیة بین البلدین .
أقله لن تکون هناک مبادرات من جانب طهران ، کما حصل بعد انتخاب الشیخ حسن روحانی. هذه المرة الکرة فی ملعب السعودیین . اذا أبدوا رغبة بالحوار، فسیأتی الرد ایجابیاً.. لا تجاوز للبروتوکول أو لجدول الأعمال.. وبعد ذلک لکل حادث حدیث» . و أضافت ایضا : «أکثر من ذلک، حاول الخلیجیون التشویش علی التفاوض الإیرانی ـ الغربی . طلبوا من الأمیرکیین وضعهم فی أجواء المفاوضات النوویة فی کل مراحلها : ˈوعندما یتقرر موعد التوقیع علی الاتفاق النهائی، نتمنی علیکم التریث إلی حین بتّ بعض الملفات العالقة بیننا وبین الإیرانیین فی العراق وسوریا ولبنانˈ.
و کان جواب الأمیرکیین بارداً . حق الاطلاع علی مسار المفاوضات حسم إیجاباً فی القمة الأمیرکیة السعودیة الأخیرة فی الریاض .. أما حق التحکم بمسار التوقیع ، فهذا أمر حساباته مختلفة» .
و رأت الصحیفة أن الأمیرکیین أرادوا «التقاط اللحظة سیاسیاً فی ضوء إلحاح السلطات العراقیة علیهم بوضع المعاهدة الدفاعیة بین البلدین قید التنفیذ . طرحوا علی الإیرانیین فی فیینا مناقشة ملف العراق من خارج جدول الأعمال و بطریقة غیر رسمیة .
تکرر “الجواب التاریخی” لوزیر الخارجیة محمد جواد ظریف رداً علی طلب واشنطن مناقشة کل الملفات دفعة واحدة : عندما ننتهی من الملف النووی (بحدود النصف الثانی من تموز المقبل) ننتقل إلی باقی الملفات .. والأولویة بطبیعة الحال للملف العراقی» .
وأشارت الصحیفة إلی أن الأمیرکیین استبقوا الجواب الإیرانی المرتقب . «صارت ملفات لبنان والعراق وسوریا فی وزارة الخارجیة الأمیرکیة تکاد تشکل ملفاً واحداً». وقالت : إنه «فی انتظار الجلوس الی طاولة الملفات الإقلیمیة الکبری ، یحاول کل طرف حجز مقعد له .. تسری هذه القاعدة علی المحور الممتدّ من موسکو حتی حارة حریک (مقر قیادة حزب الله) مروراً بطهران وبغداد ودمشق . المحور المقابل، قرر الهجوم فی العراق، فجاءه الجواب سریعاً : الاحتواء ثم الاحتواء .
ثمة رهان من المالکی علی الوقت . استنفار البیت الشیعی أولاً . إیجاد شریک سنی فاعل. توجیه ضربة عسکریة لـˈعصابات داعش الارهابية وبیئتها الحاضنة. الانتقال إلی المسار السیاسی عبر تشکیل حکومة وحدة وطنیة .
و ختمت الصحیفة : «فی سوریا.. لم یتوقف تبادل الرسائل بین النظام وبعض مکونات المعارضة. یتقاطع ذلک مع معطیات میدانیة من کسب إلی القلمون والزبدانی وآخر ˈالجزر الأمنیةˈ علی طول خط الحدود بین لبنان وسوریا» .