الرئيسية / بحوث اسلامية / دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه واله – أبو هريرة

دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه واله – أبو هريرة

تأليف: الامام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي14

منازعته أمراً هوله (1).

ثم كان من الناكثين والقاسطين والمارقين ما ملأ الاجواء، وطبق الأرض والسماء وما اكتفوا حتى:ـ

لعنوا أمير المومنين * كمثل اعلان الاقامة

وليتهم لم يتناولوا السنن المقدسة بتمزيق ما جاء منها تفصيله حيث حكموا ـ بغير دليل ـ على صيححها بالوضع، وعلى صريحها بالتأويل، وعلى رواتها بالرفض، وعلى اثباتها بالتضعيف، فشوهوا كثيراً من خصائصها الحسي؛ ومسخوا كيراً من أمثالها العليا. وحرفوا كثيراً منها عن مواضعه وصرفوا الكثير منها إلى غير اهله كما فصلناه في كتابنا «تحفة المحدثين» وكما يمثله أبو هريرة في حديثه هذا إذ يقول بعثني أبو بكر اذ يقول: بعثني أبو بكر في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل حجة الوداع بسنة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: ان لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ثم أردف رسول الله بعلي بن أبي طالب فأذّن معنا يوم النحر الحديث.

كأن لم يكن لعلي بن أبي طالب في ذلك الموسم سوى انه اذن في معية أبى هريرة، ولا عجب من أبى هريرة في هذه الجرأة فانه كان يفتئت الأحاديث فيقتها ويرتجلها (2) مزخرفة مزوقة على ريق لم يبلعه ونفس لم يقطعه فيخرجها لرعاع الناس بالوشي الذي يحبه السواد الاعظم من العامة وتقتضيه السياسة الغاشمة وتوجبه دعايتها الكاذبة.

ألا تراه كيف حرف الحديث عن موضعه، وصرف الفضل فيه عن أهله متقرباً فيما حرف الى اولياء الأمور، ومتحبباً فيما صحف إلى سواد الجمهور

____________

(1) هذا مقتبس من الخطبة: 167 من النهج أيضاً.

(2) يفتئتها بمعنى ييتدعها، ويقتها بمعنى يزورها ويحسنها، ويرتجلها بمعنى يختلقها لساعته.

الصفحة 131

اختلق لهم ما يروقهم من تأمير أبى بكر الصديق.

وما أدرك ما فعل؟؟ انه اخرس بذلك ألسنة الثقات الاثبات عن معارضته. وألجم أفواههم ان تنبس في بيان الحقيقة ببنت شفة خوفاً من تألب العامة ورعاع الناس. واشفاقاً من نكال أولي الامر ووبالهم يومئذ؟ وما أدراك ما يومئذ؟!.

اراد أبو هريرة بحديثه هذا أن يجتاح المقام المحمود الذي رفع الله ورسوله يومئذ سمكه مقام أمير المؤمنين في ذلك الموسم إذ كان يرمي الى امرين.

(أحدها) ان المهمة التي جاء بها علي انما كان امرها بيد أبى بكر الصديق بسبب امارته على الحج وولايته العامة تلك السنة على الموسم وان أبا بكر لم يكتف بعلي في اداء المهمة حتى بعث أبا هريرة في رهط من امثاله الا قوياء الاشداء!! اهتماماً بأدائها.

(ثانيهما) أنه لم يكن لعلي في تلك المهمة اكثر مما كان لابى هريرة وسائر الرهط الذين بعثهم أبو بكر لانهم قاموا بأدائها كما قام علي معهم بذلك.

وحسبك في تزييف هذا ان الله تعالى لم ير أبا بكر نفسه أهلا لاداء هذه المهمة فارجعه عنها واوكلها الى احد كفئيها اللذين لا ثالث لهما اذ لم يكن لها ثمة سوى النبي والوصي كما سمعت النص عليه اذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لابد ان اذهب بها أنا أو تذهب بها أنت قال علي فان كان ولابد فسأذهب بها أنا.

وقد روت الامة احاديث صحيحه صريحة في ذلك لا تزال تدوي فتملأ الخافقين.

على ان أبا هريرة كان قبل ان يتسخر لدعاية بني أمية يحدث عن هذه المهمة فلا يؤمر أبا بكر ولا يأتى على ذكره، وكان يضيف نفسه وسائر البعث الى علي، فيزعم انه انما كان في البعث الذي كان في ركابه عليه السلام؛ وقد مر عليك حديثه في هذا فراجع.

الصفحة 132

والنفس لاتطمئن شهد الله بكلا حديثيه ولا بكونه ممن نادى يوم النحر ولا بكونه ممن حضر الموسم، ولا بشئ مما يرويه مطلقاً والله على ما أقول وكيل.

(المبحث الخامس): في الاشارة الى ما جنته الدعاية السياسية على الآثار النبوية وما اختلفته دجاجيلها تزلفا اليها وما زوقوه ليشتروا به ثمناً قليلا وما افتأتوه من الاسانيد تثبيتاً لحديث حيمد عن أبى هريرة.

كان وضع الحديث على عهد معاوية حرفة منمقة يتجربها كل متزلف الى تلك الدولة وعمالها؛ وكان لأولئك المتزلفين المتجرين لباقة في تزويق تجاربهم وترويجها لا يشعرنها (على عهدهم) الا أولو البصائر النافذة، والاحلام الراسخة ـ وقليل ما هم ـ وكان من ورائهم من يرفع ذكرهم من الخاصة ويروج حديثهم من حفظة السنن المسأجرين، وحملة العلم المتزلفين ومن المرائين بالعبادة والتقشف كحميد بن عبد الرحمان ومحمد بن كعب القرظي وأمثالهما، ومن زعماء القبائل في الحواضر؛ وشيوخ العشائر في البوادي، وكان هؤلاء كلهم اذا سمعوا ما يحدث به اولئك الدجالون روجوه عند العامة، واذاعوه في رعاع الناس (من مسلمي الفتوحات بعد النبي) وخطبوا به على المنابر؛ واتخذوه حجة، واعتدوه أصلا من الأصول المتبعة، وكان الثقات الاثبات من سدنة الآثار النبوية لا يسعهم في ذلك العهد الا السكوت عن معارضة اولئك المتزلفين المؤيدين برعاية اولي الأمر وعناية أهل الحول والطول، فكان المساكين اذا سئلوا عما يحدث به اولئك الدجالون يخافون ـ من مبادهة العامة بغيرها عندهم ـ ان تقع فتنة عمياء بكماء صماء، ولاسيما اذا كان الحديث موضوعاً في فضل الصديق والفاروق، فكانوا يضطرون في الجواب الى اللواذ بالمعاريض من القول خوفاً من تألب اولئك المتزلفين ومروجيهم من الخاصة، وتألب من ينعق معهم من العامة ورعاع الناس، فضاعت بذلك حقائق؛ وحفظت أباطيل وكان هذا الباطل ـ أعني حديث حميد عن أبى هريرة ـ أوفرها حظاً من كل

الصفحة 133

عدو لأهل البيت، اختلفوا في سبيل تأيبده احاديث ترادفه في معناه فركبوها على اسانيد رفعوا أحدها إلى علي نفسه، ورفعوا الثاني الى ابن عمه وخريج حوزته عبد الله بن العباس، والثالث الى وليه وخصيصه جابر بن عبد الله الأنصاري، والرابع الى حفيده ووارث علمه الامام أبى جعفر الباقر، وهذه مكيدة اعتادها خصوم علي فاستمرت عليها سيرتهم في مكابرة أهل البيت، ونكاية اوليائهم من حيث لا تشعر عامة الناس، وجاء بعدهم قوم ممن جمعوا الاخبار على علاتها فاغتروا بهم، فاثبتوها فيما جمعوه وهم غافلون.

والآفة فيما أسندوه من هذا الباطل الى علي أبو زرعة وهب بن راشد، وكان مفرطأ في النصب، أخذ عداوة بني هاشم وبغض علي بالخصوص عن شيخه أبى يزيد يونس بن يزيد بن النجاد الأ بلى مولى معاوية ين أبى سفيان(1).

وآفة فيما اسندوه الى ابن عباس أبو القاسم مقسم بن مجزاة كان لا يكتم عداوة أمير المؤمنين، وقد اغتر الحاكم به لظنه أنه من رجال البخاري فاخرج في: 3/51 من مستدركه ما لفقه هذا الناصب (من امرة أبى بكر)عن ابن عباس مع ان مقسما احد الضعفاء الذين نص البخاري على ضعفهم في كتابه الذي افرده لهم، وقد ترجمه الذهبي في الميزان فنقل تضعيفه عن البخاري وعن ابن حزم» وترجمه ابن سعد في: 5/346 من طبقاته فقال: وكان كثير الحديث ضعيفاً.

(قلت): ولضعفه أعرض عنه الشيخان، فلم يرويا له شيئاً نعم روى

____________

(1) ذكر أبو نصر الكلاباذي وأبو بكر الاصبهاني وابو الفضل الشيباني المعروف بابن القيسراني كلهم يونس بن يزيد هذا في كتبهم التي ترجموا فيها رجال الأسانيد فنصوا جميعاً على انه من موالي معاوية بن ابى سفيان فراجع: 485 من كتاب ابن القيسراني، وهذا الاموى السيفاني يونس الابلى هو الذي روى موت ابى طالب على الكفر فيها أخرجه مسلم عنه في: 1/30 من صحيحه وهو شيخ ابى زرعة وهب ومربيه تستفيد ذلك من ترجمة وهب بن راشد في ميزان الذهبي.

الصفحة 134

البخاري عن عبد الكريم بن مالك الجزري أنه سمع مقسما يقول: قال ابن عباس لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون الى بدر.

وقد اورد البخاري هذا التفسير عن ابن عباس بواسطة مقسم في موضعين من صحيحه احدهما في غزوة بدر (1) والثاني في تفسير سورة النساء (2) ولم يرو عن مقسم في جميع صحيحه سوى هذا التفسير، وانما رواه عنه مع جزمه بضعفه لاجماع الأمة على التسامح في امثال هذا التفسير إذ لم يشتمل على حكم شرعي، على انه لم يرفع الى رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون من السنن التي اشترط صحتها كما لا يخفى.

وآفة ما رفعوه الى جابر بن عبد الله الانصاري أبو صالح اسحاق بن نجيح الملطى، فانه رجل سوء خبيث مفرط في الكذب؛ جرئ على وضع الحديث ساقط باجماع أهل الجرح والتعديل، وقد ترجمه الذهبي في ميزانه: فأورد ما قاله الأئمة في خبثه وكذبه ودجله.

وآفة ما أسندوه من هذا الباطل الى الإمام أبى جعفر الباقرعليه السلام محمد بن اسحاق، اذ أورده في سيرته التي شحنها بأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان.

وعلى كلٍ: فالأمر سهل في هذه الأضاليل، لا نحطاطها بانحطاط طرقها عن درجة الاعتبار، ولركة متونها ومناقضتها للصحيح الثابت عمن اسندت اليهم بل لمناقضتها لما أوردناه في المبحث الثاني من حديث أبى بكر وعلي وابن عباس وابن عمر وسعد وأنس ولاتتفق مع سيرة النبي في بعوثه صلى الله عليه وآله وسلم فانه ما أمر على علي احداً مدة حياته بل كانت له الامرة، وكان حامل لوائه في كل زحف بخلاف غيره، فان أبا بكر وعمر ومن دونهما كانوا ـ حين لحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الاعلى ـ في بعث اسامة باجماع اهل الاخبار، وكانا في غزوة

____________

(1) في: 3/2 من الصحيح.

(2): 3/81.

الصفحة 135

ذات السلاسل في بعث عمرو بن العاص بالاتفاق، ولهما قضية في تلك الغزوة مع أميرها ابن العاص (1).

اما علي فلم يكن طيلة حياة النبي تابعاً لغيره صلى الله عليه وآله وسلم الا ترى أنه لم يرسله في جيش اُسامة ولا في جيش ابن العاص، ولا في جيش أبى بكر وعمر حين بعثهما الى خيبر فلما رجعا وبعث علياً كانا كلاهما تحت لوائه حتى فتح الله عليه، ولما بعث خالد بن الوليد الى اليمن بجيش وبعث علياً اليها بجيش آخر عهد اليهما بأنه اذا التقيتما فعلي على الجيشين وان افترقتما فكل منكما على جيشه الحديث (2).

وقد قال ابن عباس: ان لعلي اربعة خصال ليست لاحد.

هو اول عربي وعجمي صلى لله تعالى مع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف الحديث (3).

وقد مر عليك آنفاً قول الحسن البصري ما أقول فيمن خمع الخصال الاربع ائمتانه على ببراءة وما قال له رسول الله في غزوة تبوك الى ان قال وانه لم يؤمر عليه أمير قط وقد أمرت الاُمراء على غيره، وهذا القدرلا كاف لما اردناه في هذه العجالة، والحمد لله على الهداية والتوفيق.

19 ـ الملائكة تكلم عمر

أخرج البخاري (4) عن ابى هريرة مرفوعاً لقد كان فيمن كان قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء فان يكن من أمتي منهم

____________

(1) اخرجها الحاكم وصححها في: 3/43 من المستدرك واورده الذهبي فصححها ايضاً في تلخيصه.

(2) أخرجه الامام احمد في: 5/356 من مسنده.

(3) أخرجه الحاكم في: 3/111 من مستدركه.

(4) في باب (مناقب عمر) في: 2/194 من صحيحه.

الصفحة 136

أحمد فعمر أ هـ (1).

وأخرج البخاري (2) عن أبى هريرة مرفوعاً أيضاً قال: انه كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وانه كان في أمتي هذه منهم فانه عمر بن الخطاب أ هـ.

حديث مفترى صاغه أبو هريرة من زخرف القول ـ بعد وفاة عمر بأعوام ـ فجاء مزوقاً منمقاً على ما تقتضيه سياسة الخاصة يومئذ مما تصفق له العامة طربا، فقد كان للخاصة من ساسة البغي الأموي مآرب ضد الوصي وآل النبي لا تتم على زعمهم إلا برفع أبى بكر وعمر إلى مستوى الأنبياء والمعصومين وكان غوغاء الأمة وسوادها مندفعين إلى ذلك كل الاندفاع بما فتح الله على المسلمين في أيام الخليفتين، فكان أبو هريرة يتزلف بهذا الحديث وأمثاله إلى كل من سائس الأمة ومسوسها، وبهذا نال الحظوة من الخاصة والمنزلة في نفوس العامة. ولو حدث بهذه الاحاديث على عهد عمر لأخذت درة الخليفة من ظهره مأخذها. لكن خلاله الجو على عهد معاوية فجاء بمرمات الاخبار.

وقد علم اولو الألباب أن من كان من الأمم الماضية مكلما أو محدثاً على سبيل الحقيقة او على سبيل المجاز فإنما هم المعصومون كانوا جميعاً بين نبي ووصي

____________

(1) قال السقطلاني في تفسير هذا الحديث من كتابه ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 7/349 ما هذا لفظه: يكلمون بفتح اللام المشددة تكلمهم الملائكة (قال): وليس قوله: فان يكن للترديد بل للتأكيد كقولك: إن يكن لي صديق ففلان، اذ المراد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء (قال) واذا ثبت ان هذا وجد في غير هذه الأمة المفضولة فوجوده في هذه الأمة الفاضلة احرى أ هـ.

(2) في: 2/171 من صحيحه بعد حديث أقرع وابرص واعمى بمقدار صفحة من كتاب بدء الخلق وهو موجود في باب مناقب عمر من البخاري أيضاً، واخرجه النسائي في المناقب.

الصفحة 137

نبي فا لنبي تحدثه الملائكة وتكلمه على سبيل الحقيقة. والوصي يلهمه الله الحق فيتجلى له كفلق الصبح لا يختلج فيه ريب حتى كأن ملكاً حدثه به عن الله عز وجل ولا محدث ولا مكلم في الحقيقة وإنما هو ما يلقيه الله تعالى في روعه من الصواب.

ولا كلام في أن عمر قد توغل الدرجات الرفيعة في الإسلام. وبلغ الأقدار الخطيرة في هذه الامة، لكنه لم يكن بنبي ولا بوصي ولا بمعصوم اجماعاً وقولا واحداً؛ فلا تكلمه الملائكة على سبيل الحقيقة، ولا تحدثه على سبيل المجاز، وإنما تحدث من كان في هذه الأمة بمنزلة هارون أو كان في أقل المراتب كيوشع أو شمعون.

على ان بوادر عمر ـ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعده ـ لا تجتمع مع كونه محدثاً مطلقاً.

20 ـ تركة النبي صدقة

أخرج الشيخان (1) با لاسناد الى أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يقتسم ورثني ديناراً ما تركت بعد نفقة نسائي؛ ومؤنة عاملي؛ فهو صدقة!.

هذا مضمون الحديث الذي انفرد ابو بكر بروايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محتجاً به على عدم توريت الزهراء، أخرجه الشيخان وغيرهما بالاسناد الى عائشة اذ قالت (2) ان فاطمة بنت النبي ارسلت الى أبى بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبو بكر: ان رسول الله قال: لا نورث ما تركنا

____________

(1) راجع من صحيح البخاري:2/125 في باب نفقة نساء النبي بعد وفاته من كتاب الجهاد، وراجع من صحيح مسلم: 2/74 في آخر باب قول النبي: لا نورث ما تر كناه فهو صدقة.

(2) كما في: 3/37 من صحيح البخاري اثناء غزوة خيبر: 2/72 من صحيح مسلم في باب قول النبي لا نورث ما تركناه فهو صدقة من كتاب الجهاد والسير: 1/6 من مسند أحمد.

الصفحة 138

صدقة (1) قالت عائشة: فأبى أبو بكر أن يدفع منه شيئاً فوجدت فاطمة على أبى بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة اشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا (بوصية منها) (2) ولم يؤذن بها أبا بكر الحديث وتراه صريحاً بوجدها وغضبها وهجرها حتى توفيت عليها السلام.

نعم غضبت على أثاره (3) واستقلت غضباً (4) فلاثت خمارها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة في حفدتها ونساء قومها؛ تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة (5) ثم أنت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس فأمهلتهم حتى سكن نشيجهم وهدأت فررتهم افتتحت الكلام بحمد الله عز وجل ثم انحدرت في خطبتها:

____________

(1) هذا الحديث ردته الزهراء والأئمة من بنيها وهو مع ذلك لا يصلح لأن يكون حجة عليها، إلا ان يكون لفظ صدقة مرفوعا على الاخبار به عن ما الموصولة في قوله: ما تركناه، ولا سبيل الى اثبات مجيئه مرفوعا. ولعل ما الموصولة في محل نصب على المفعولية بتركنا وصدقة حال من، ما فان الأموال التي تركها كان منها ما هو ملكه ومنها ما هو صدقة يضعها في مواضعها فلعله خشى صلى الله عليه وآله وسلم ان يتوهم متوهم بأن الأنبياء يورثون كل ما كان في قبضتهم سواء أكان ملكهم ام كان صدقة فقال: نحن لا نورث ما تركناه صدقة، ليعلم ان حالهم في هذه المسألة حال الناس.

(2) كما اعترف به شارحوا البخاري فراجع: ص157 من المجلد الثامن من كل من ارشاد الساري وتحفة الباري اذ ينتهيان فيهما الىهذا الحديث.

(3) انما يقولون: غضب فلان على أثارة ـ بالفتح ـ إذا كان غضبه مسبوقاً بغضب كغضب الزهراء لارثها مسبوقاً بغضبها لكشف بيتها.

(4) انما يقولون: استقل غضباً، اذا اشخصه فرط الغضب كما اشخص الزهراء من بيتها حتى دخلت على الخليفة محتجة.

(5) الملاءة: الازار والريطة ذات لفقين.

الصفحة 139

تعظ القوم في أتم خطاب * حكت المصطفى به وحكاها

فخشعت الأبصار، وبخعت النفوس، ولولا السياسة ضاربة يومئذ بحرانها لردت شوارد الأهواء، وقادت حرون الشهوات، لكنها السياسة توغل في غاياتها لا تلوى على شئ.

ومن وقف على خطبتها في ذلك اليوم(1) عرف ما كان بينها وبين القوم (2) حيث أقامت على ارثها آيات محكمات هن (من) ام الكتاب حججاً

____________

(1) السلف من بني علي وفاطمة يروي خطبتها في ذلك اليوم لمن بعده ومن بعده رواها لمن بعده، حتى انتهت الينا يداً عن يد، فنحن الفاطميين نرويها عن آبائنا وآباؤنا يروونها عن آبائهم، وهكذا كانت الحال في جميع الأجيال إلى زمن الأئمة من ابناء علي وفاطمة ودونكموها في كتاب احتجاج الطبرسي وفي بحار الأنوار وقد أخرجها من اثبات الجمهور واعلامهم ابو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك بطرق وأسانيد ينتهي بعضها إلى السيدة زينب بنت علي وفاطمة وبعضها إلى الامام أبي جعفر محمد الباقر، وبعضها إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن يرفعونها جميعاً إلى الزهراء كما في: ص87 من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي، وأخرجها ايضاً أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني بالاسناد إلى عروة بن الزبير عن عائشة ترفعها الى الزهراء كما في: ص93 من المجلد الرابع من شرح النهج واخرجها المرزباني أيضاً كما في: ص94 من المجلد المذكور بالاسناد الى أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده يبلغ بها فاطمة عليها السلام، ونقل ثمة عن زيد انه قال رأيت مشائخ آل أبي طالب يرونها عن آبائهم ويعلمونها أولادهم.

(2) ومما كان بينها وبينهم ان قالت لأبي بكر حين منعها ارثها: لئن مت اليوم يا ابا بكر من يرثك؟ قال ولدي واهلي، قالت: ورئت انت رسول الله دون ولده واهله؟ قال: ما فعلت يا بنت رسول الله، قالت: بلى عمدت الى فدك وكانت صافية لرسول الله فأخذتها منها وعمدت الى ما انزل الله من السماء فرفعته عنا الحديث اخرجه ابو بكر بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك (كما في: ص87 من المجلد الرابع من شرح النهج) بسنده الى مولى ام هاني، واخرجه الجوهري في كتابه المذكور(كما في: ص82 من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد الى ابى سلمة ان فاطمة لما طلبت ارثها قال لها ابو بكر: سمعت رسول الله يقول: ان النبي لا يورث ولكني أعول من كان النبي يعوله وانفق على من كان النبي ينفق عليه، فقالت يا أبا بكر أيرثك بناتك؟ ولا يرث رسول الله بناته؟ فقال: هو ذاك، وأخرج الامام احمد بالاسناد إلى أبي سلمة نحوه فراجع: ص10 من الجزء الأول من مسنده حيث أورد حديث أبي بكر، واخرج الجوهري في كتاب السقيفة وفدك ايضا

(كما في: ص81 من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد الى ام هاني بنت ابي طالب: ان فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك اذا مت؟ قال: ولدي واهلي، قالت: فما لك ترث رسول الله دوننا؟ قال: يا بنت رسول الله ما ورث ابوك شيئا. قالت: بلى سهم الله الذي جعله لنا وصار فيأنا وهو الآن في يدك، فقال لها: سمعت رسول الله يقول انما هي طعمة اطعمناها الله فاذا مت كانت بين المسلمين، وعن ابي الطفيل فيماخرجه الجوهري مثله، والاخبار في هذا هذا متواترة ولا سيما من طريق العترة الطاهرة وحسبك خطبتها العصماء التي اشرنا اليها في الاصل ولهاخطبة اخرى تتعلق بالخلافة أخرجها الجوهري في كتاب السقيفة وفدك (كما في ص87 من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد الى عبدالله بن الحسن بن الحسن عن امه فاطمة بنت الحسين قالت: لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله الوجع وثقلت في علتها اجتمع عندها نساء المهاجرين والانصار فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ قالت أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجلكن، الخطبة. وهي من ابلغ المأثور عن أهل البيت عليهم السلام وقد أخرجها أيضاً الامام أبوالفضل أحمد بن أبي طاهر في ص23 من كتابه بلاغات النساء بالاسناد الى الزهراء واصحابنا يروونها بالاسناد الى سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي عن الزهراء، وقد أوردها المجلسي في البحار والطبرسي في الاحتجاج.

 

 

مركز الأبحاث العقائدية

 

https://t.me/wilayahinfo

 

[email protected]

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...