الرئيسية / الاسلام والحياة / مداواة الرجل للمراة والمراة للرجل – محمد هادي آل راضي

مداواة الرجل للمراة والمراة للرجل – محمد هادي آل راضي

ان من المسائل التي كثيرا ما يبتلى بها المسلم هي مسالة
مداواة الرجل للمراة وكذا مداواة المراة للرجل.. ولقد وزع
فضيلة الشيخ الاستاذ الباحث دراسته على محورين:
الاول: حكم الطبيب المعالج..
الثاني : حكم المريض المعالج.. وقد بين الباحث ذلك مفصلا.
وكان من جملة ما افاده هو كفاية صدق الضرورة بمعناها
العرفي المسامحي لا بمعناها الحقيقي الدقيق في جواز
المعالجة في الجملة لا بالجملة كما يقال..

«بسم الله الرحمن الرحيم‏»

مقدمه

لابد في البداية من القاء الضوء على عنوان المسالة لغرض
توضيحه; وذلك لان البحث‏حول العنوان المطروح يبتني
على افتراض امرين لا معنى لهذا البحث من دون افتراضهما:
الاول: كون المداواة في عنوان البحث تستلزم النظر او نحوه
لغير المماثل حتى يقع البحث في المقام عن جوازه وعدمه،
واما اذا فرض ان المداواة تتحقق بدون ذلك فلا بحث; اذ لا
اشكال في الجواز حينئذ.
الثاني: حرمة النظر ونحوه الى غير المماثل في الجملة، واما
اذا فرض عدم الحرمة فلا معنى لهذا البحث; لوضوح الجواز
حينئذ، كما في مداواة الرجل لمثله والمراة لمثلها في ما اذا
لم تستلزم النظر الى العورة.

اما الاول: فقد عرفت انه مفروض في المسالة، والا فالمداواة
التي تتم عن طريق المحاورة بين الطبيب والمريض مثلا، او
عن طريق الاطلاع على التحاليل الطبية والصورة (الاشعة)
ونحو ذلك، لا ينبغي الاشكال في جوازها; اذ ليس فيها ما
يوجب توهم الحظر والحرمة.
واما الثاني: فبالرغم من كونه اصلا موضوعيا لهذه المسالة
وهو من ناحية فنية ينبغي ان يؤخذ مسلمامفروغا عنه الا انه
لا باس بالاشارة الى ادلة هذا الحكم بشكل مختصر باعتبار ان
ذلك يلقي الضوء على اصل البحث; وذلك لان موضوع
البحث يعتبر استثناء من هذا الحكم، ومن الواضح ان فهم
اصل الحكم بدليله يعين على تحديد الاستثناء وفهمه بشكل
جيد.

والحكم الذي اخذ مفروضا في المسالة هو عبارة عن:
1- حرمة نظر الرجل الى المراة عدا الوجه والكفين.
2- حرمة نظر المراة الى الرجل في الجملة.
3- حرمة النظر الى عورة الغير.

اما الاول: فهو مورد اتفاق كل المسلمين في الجملة، ويدل
عليه امور:
منها الروايات الدالة على حرمة النظر الى الاجنبية عدا
الوجه والكفين.
ومنها الادلة الدالة على جواز نظر الرجل الى شعر المراة
التي يريد الزواج بها، وكذا الامة اذا اراد شراءها، وكذا الادلة
الدالة على جواز النظر الى شعور وايدي نساء اهل الذمة
لانهن لا حرمة لهن، فان‏ذلك كله يدل دلالة واضحة على
حرمة النظر الى المراة في غير هذه المواضع.

وكذا يدل عليه ما رواه الترمذي وغيره عن بريدة قال: قال
رسول الله(ص) لعلي(ع): «يا علي لا تتبع النظرة النظرة;
فان لك الاولى وليست لك الثانية‏» وروى الصدوق قريبا منه
في عيون الاخبار بسنده عن الرضا(ع).
واما الثاني: فهو محل خلاف بين الفقهاء، فيرى بعضهم ان
المحرم هو النظر الى ما بين السرة والركبة من الرجل، واما ما
زاد عليه فهو مباح، واستدل عليه باننا لا نملك دليلا على
حرمة نظر المراة الى الرجل عدا ما دل على حرمة النظر الى
عورة الغير، فاذا ضممنا الى ذلك ما دل على تحديد عورة
الرجل في ما بين السرة والركبة كانت النتيجة حرمة النظر
الى ذلك المقدار فقط.

وقد يقال بالجواز في المقام; لعدم وجود دليل معتبر على
التحريم، بل دلت السيرة القطعية المنعقدة من عصر
الرسول(ص) الى زماننا على الجواز.
ويجاب عنه بان السيرة المتقدمة لا تدل على الجواز الا
بالمقدار المتعارف كشفه‏للرجال كالراس والعنق، واما ما
عداه فلا سيرة على النظر اليه من‏النساء.

واما الثالث: فهو مما لا خلاف فيه، ويدل عليه كل ما دل على
حرمة النظر الى عورة المماثل: مثل ما رواه مسلم والترمذي
عن النبي(ص) انه قال: «لا ينظر الرجل الى عورة الرجل ولا
تنظر المراة الى عورة المراة‏»، ومثل صحيحة حريز عن الامام
الصادق(ع) «لا ينظر الرجل الى عورة اخيه‏» ونحوه غيره، فانه
يدل على حرمة النظر الى عورة غير المماثل بالاولوية
القطعية.

ويمكن ان يستدل على ذلك بقوله تعالى: (قل للمؤمنين
يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم…وقل للمؤمنات
يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن) بناء على ان
المقصود بغض النظر في الآية غض النظر عن عورة الغير رجلا
كان او امراة، والشاهد على هذا التفسير هو ان الروايات
العديدة قد دلت على ان‏المقصود بحفظ الفرج في الآية هو
حفظه عن نظر الغير، وبمقتضى المقابلة يكون المراد من
غض‏النظر هو غضه عن عورة الغير، فالآية تدل على ان كل
مكلف يجب عليه حفظ عورته عن نظر الغير، ويحرم عليه
النظر الى عورة الغير.
ومن ادلة الباب ما روي عن الامام علي بن الحسين(ع) عن
رسول الله(ص) انه قال: «عورة المؤمن على المؤمن حرام‏»
فانها تشمل المماثل وغيره.

والحاصل: ان الكلام في المقام عن حكم مداواة الرجل للمراة
وبالعكس مع افتراض استلزام ذلك لفعل محرم كنظر
الرجل الى جسد المراة او لمسه فضلا عن عورتها وكنظر
المراة المعالجة الى جسد الرجل على القول بحرمته او الى
عورته الذي لا اشكال في حرمته عند الجميع. فالبحث‏ينصب
على ان تعنون النظر المحرم بعنوان المداواة هل يوجب
ارتفاع الحرمة، نظير العناوين الثانوية الطارئة على الفعل
المحكوم بحكم بعنوانه الاولي الموجبة لتبدله الى حكم آخر،
وهل هناك دليل على ذلك ام لا؟ فان امكن اقامة الدليل على
ذلك التزمنا بمضمونه; اي الجواز كحكم ثانوي للنظر المحرم،
والا فيبقى على الحرمة; لان مجرد طرو عنوان ثانوي لا يوجب
ارتفاع الحكم الاولي ما لم يدل دليل معتبر على هذا
الارتفاع.

«تقسيم البحث‏»

يمكن تقسيم البحث في مقامين:

الاول: في حكم الطبيب المعالج رجلا كان او امراة، وهل
يجوز له النظر ونحوه الى الغير مما يحرم عليه في الحالات
الاعتيادية؟
الثاني: في حكم المريض المعالج رجلا كان او امراة، وهل
يجوز له كشف ما يجب عليه ستره امام الطبيب المعالج؟

ثم ان كلا من المقامين يمكن تقسيمه الى قسمين:
الاول: المداواة التي تستلزم النظر الى سائر اجزاء البدن عدا
العورة كالساعدين والصدر.
الثاني: المداواة التي تستلزم النظر الى العورة.

والداعي لهذا التقسيم وجود ادلة خاصة يفهم منها التشديد
في امر العورة، وهذا يولد عند الباحث احتمال الفرق بين
القسمين; بمعنى ان الجواز لو التزم به في القسم الاول
وساعدت عليه الادلة فقد لا يلتزم به في القسم الثاني; باعتبار
هذه الادلة الخاصة، فلابد من افراده في البحث والتكلم فيه
على ضوء تلك الادلة الخاصة وغيرها.

«المقام الاول‏»

ثم ان الكلام الآن يقع في المقام الاول اي في حكم الطبيب
المعالج بلحاظ كلا القسمين:

القسم الاول

المداواة التي تستلزم النظر الى سائر اعضاء الجسد عدا
العورة، فهل يجوز للطبيب المعالج ذلك ام لا؟
هناك عدة روايات واردة في هذا القسم لابد من استعراضها:
الرواية الاولى:
صحيحة ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر(ع) قال: «سالته
عن المراة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها اما كسر واما
جرح في مكان لا يصلح النظر اليه يكون الرجل ارفق بعلاجه
من النساء، ايصلح له النظر اليها؟ قال: اذا اضطرت اليه
فليعالجها ان شاءت‏».
والظاهر ان الرواية واردة في هذا القسم، فان السؤال عن
حكم مداواة الرجل للمراة مع فرض استلزامه النظر الى
الجسد الذي لا يصلح النظر اليه، ولا تشمل صورة استلزامه
النظر الى العورة الذي هو القسم الثاني الآتي; وذلك بقرينة
قوله : «اما كسر واما جرح‏» فان افتراضهما في العورة او ما
يقاربها بعيد، كما سياتي مفصلا.

والرواية معتبرة سندا; اذ كل رواتها موثقون، بل بعضهم
من اجلاء الطائفة.
واما الدلالة فالكلام فيها يتضح من خلال بيان النقاط التالية:
1- لا شك في دلالة الرواية على الحكم الاولي في المقام اي
حرمة نظر الرجل الى جسد المراة; وذلك باعتبار تقرير
المعصوم(ع) لما ادعاه السائل بقوله: «لا يصلح النظر اليه‏»،
مضافا الى دلالة سياق الرواية على الفراغ عن هذه الحرمة
وافتراضها امرا مسلما.
ثم ان مورد الرواية وان كان معالجة الرجل للمراة الا انه
يستفاد منها حكم معالجة المراة للرجل في حالة الاضطرار;
اذ لا نحتمل ان الاضطرار يوجب ارتفاع الحرمة في الحالة
الاولى دون الحالة الثانية، وهذا معناه ان الجواز في
معالجة الرجل للمراة يستلزم الجواز في العكس، بل قد
يتوهم الاولوية باعتبار ارتكازية اشدية حرمة نظر الرجل
للمراة من حرمة نظر المراة للرجل، ولعل هذا هو السر في
ظهور الرواية في الاستلزام المشار اليه.

2- ان الرواية دالة على بقاء هذا الحكم الاولي في غير صورة
الاضطرار وان تعنون النظر بعنوان المعالجة والمداواة،
وهذا يستفاد من مفهوم الجواب; اي اذا لم تضطر اليه فلا
تجوز المعالجة المستلزمة للنظر المحرم.

3- دلت الرواية على ارتفاع هذا الحكم الاولي في صورة
الاضطرار، فيكون النظر المحرم جائزا في هذه الصورة اذا كان
بعنوان المعالجة، ودلالة الرواية عليه واضحة.

4- ان الرواية سؤالا وجوابا ناظرة اولا وبالذات الى حكم
المعالج من حيث جواز نظره الى الغير في ما اذا اضطر الى
ذلك اي المقام الاول وليس لها نظر الى حكم نفس
المعالج (المريض) وان كان حكمه يفهم ضمنا من الرواية،
كما سيتضح. والمتحصل من معنى الرواية بعد وضوح
عود الضمير في قوله(ع) : «اذا اضطرت اليه‏» الى الرجل
المعالج ان اضطرار المراة الى مداواة الرجل ومعالجته او
العكس يوجب ارتفاع حرمة النظر عن الطبيب المعالج.

5- ان مفاد هذه الرواية يختلف تماما عن مفاد الادلة العامة
الواردة بمضمون «رفع عن امتي ما اضطروا اليه‏» او قوله(ع):
«ليس شي‏ء مما حرم الله الا وقد احله لمن اضطر اليه‏» فان
مفاد هذه الادلة هو ارتفاع الحرمة عن نفس الشخص الذي
اضطر الى فعل الحرام، فيصح الاستدلال بها على ارتفاع
الحرمة عن المراة المعالجة مثلا في ما اذا اضطرت الى
تمكين الاجنبي من النظر اليها، الذي سياتي الحديث عنه في
المقام الثاني، واما نفس الرجل المعالج فهو ليس مضطرا الى
النظر حتى ترتفع حرمته عنه.
فلو بقينا وهذه الادلة العامة لما صح الاستدلال بها على
حكم المسالة اعني جواز نظر الرجل الى المراة او العكس
للعلاج حتى في حالة الاضطرار الا بعنايات اضافية، بينما
هذه الرواية تدل على ذلك كما تقدم فيصح الاستدلال بها
على جواز نظر الرجل للمراة او العكس بمجرد اضطرار الآخر
الى علاجه ومداواته. ومنه يتضح اختلاف مفاد الدليلين، فلا
يتوهم ان الرواية في المقام لم تات بشي‏ء جديد; لان مفادها
موجود في الادلة العامة المشار اليها، فلاحظ.

6- ما هو المقصود بالاضطرار في هذه الرواية؟ للجواب على
ذلك نطرح عدة اسئلة مع اجوبتها ليتضح المقصود منه:

ا-هل وجود المندوحة يرفع الاضطرار؟ بمعنى ان وجود
المعالج المماثل او المحرم على المراة كالاخ هل يوجب زوال
حالة الاضطرار؟ الجواب: نعم; وذلك لان عنوان الاضطرار
الى الاجنبي لا يصدق مع وجود المماثل او المحرم، فلابد لكي
يصدق الاضطرار من افتراض عدم ذلك.

ب- هل يمكن اعتبار كل الحالات المرضية حالات اضطرارية
يجوز معها النظر؟ والجواب هو: ان‏الحالات المرضية تختلف
باختلاف الاشخاص وطول المرض وقصره والآثار التي يتركها
المرض وغير ذلك، فلا يمكن اعطاء جواب مطلق من هذه
الناحية.
نعم، الضابط في ذلك هو ان كل حالة مرضية يلزم عن ترك
علاجها الوقوع في الضرر المعتنى به تعتبر حالة اضطرارية.

ج- في حالة وجود المعالج المماثل هل يجوز مراجعة غير
المماثل لمجرد كونه ادق او اكثر ممارسة واحاطة بالمسائل
الطبية، وبعبارة اخرى: ان كون غير المماثل اعلم من
المماثل هل يحقق حالة الاضطرار اليه؟
لا يبعد تحقق الاضطرار في هذا الفرض في ما اذا كانت
الاعلمية مؤثرة في قوة احتمال الشفاء او سرعته او حتى كونه
ارفق بالعلاج، كما فرضه نفس السائل في الرواية، والسر في
ذلك ان المراد بالاضطرار في الرواية على الظاهر معنى
اوسع من الاضطرار بمعناه الحقيقي، وليسمى بالاضطرار
العرفي، وهو متحقق في هذا الفرض.
ولعل قوله(ع) في ذيل الرواية : «ان شاءت‏» قرينة على ذلك;
باعتبار ان الاضطرار بمعناه الحقيقي لا يناسب التعليق
على المشيئة عرفا، فلاحظ.

د – هناك حالات خاصة قد يشك في دخولها في صورة
الاضطرار، مثل حالة تساقط الشعر، والحالات التي تحتاج
الى عمليات التجميل الجراحي وغيرها مما لا يكون صدق
الاضطرار فيها واضحا؟
والصحيح دخولها في حالة الاضطرار; وذلك لتحقق الضابط
المذكور سابقا، فان هذه الحالات يلزم من ترك علاجها الضرر
المعتنى به وان كان لا يعتنى به بالقياس الى الضرر اللازم
من ترك العلاج في الحالات الصعبة والمستعصية، ونفس
الكلام يقال في حالات العقم الدائم والمؤقت، فانها تعتبر
من موارد الاضطرار.

ه – قد يقال: ان هذا التوسع في مفهوم الاضطرار في الرواية
ينافي ما افترضه السائل، فانه فرض البلاء في جسد المراة اما
كسر واما جرح، فلابد من الاقتصار على هذا ونحوه؟
والجواب: هو انه لا موجب لتقييد جواب الامام(ع) بما ذكره
السائل; لامكان حمل الكسر والجرح على المثالية; لعدم
احتمال الفرق بينهما وبين الحرق والرض مثلا، وهذا في قوة
تصريح السائل بهذه الامور، فيكون جواب الامام(ع) شاملا لكل
هذه الامور.

و – في حالات الشك وعدم وضوح الدخول في حالة
الاضطرار، ما هو الحكم؟
ان القاعدة في حالة الشك تقتضي عدم الدخول; لان الجواز
في الرواية معلق على صدق الاضطرار، ومع الشك في
صدقه لا يمكن اثبات الجواز.

7- ان مورد الرواية وان كان هو جواز النظر الى المراة الا انه
يمكن ان يستفاد منها جواز اللمس ونحوه مما يتوقف عليه
العلاج; وذلك لاطلاق جواب الامام(ع)، فانه لم يجوز
خصوص النظر في جوابه وان كان هو مورد السؤال بل الذي
ذكر في الجواب عنوان المعالجة، وهي تشمل اللمس ونحوه
اذا اضطرت اليه.
بل قد يقال: ان نفس عدول الامام(ع) عن بيان حكم النظر
الواقع مورد السؤال الى بيان حكم المعالجة قرينة واضحة
على ذلك، والا كان المناسب ان يقول: «اذا اضطرت اليه
فلينظر اليها» بعد قول السائل : «ايصلح له النظر اليها».

والحاصل: ان المستفاد من الرواية جواز نظر الرجل ولمسه
للمراة وبالعكس لغرض المعالجة اذا صدق الاضطرار.
وصدق هذا العنوان يتوقف على امرين:
الاول: عدم وجود المعالج المماثل او المحرم اذا كان مساويا
لغير المماثل في الجهات الدخيلة في العلاج.
الثاني: ان يكون ترك العلاج عند غير المماثل مستلزما
للوقوع في الضرر المعتنى به.

الرواية الثانية:
صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر(ع) قال:
«سالته عن المراة يكون بها الجرح في فخذها او بطنها او
عضدها هل يصلح للرجل ان ينظر اليه يعالجه؟ قال: لا».
وهي معتبرة سندا ومتحدة المورد مع الرواية الاولى;
بمعنى ان موردها النظر الى ما عدا العورة مما يحرم النظر
اليه، ولا ينافي ذلك ما في الرواية من فرض الجرح في الفخذ
والبطن; لعدم الملازمة بين النظر الى هذه الامور وبين
النظر الى العورة، مضافا الى قوله في الرواية : «او عضدها»
حيث لا مجال لتوهم الملازمة المذكورة فيه.

ثم ان مورد الرواية معالجة الرجل للمراة، وحيث ان الحكم
المذكور فيها هو التحريم، فالتعدي الى معالجة المراة
للرجل يكون مشكلا; لاحتمال اختصاص المنع بمعالجة
الرجل للمراة دون العكس، وذلك لارتكازية اشدية الحرمة
في نظر الرجل للمراة منها في حالة العكس كما اشرنا اليه
سابقا، وهذا بخلاف الرواية السابقة باعتبار ان الحكم فيها هو
الجواز لا المنع، فلاحظ. وعليه فمفادها حرمة نظر ومعالجة
الرجل للمراة مطلقا حتى في صورة اضطرار المراة اليه،
وحينئذ تقيد بمدلول الرواية السابقة الدالة على الجواز في
صورة الاضطرار، كما هو القاعدة في تعارض المطلق مع
المقيد، فيتحد مفادها مع مفاد الرواية الاولى.

الرواية الثالثة:
رواية السكوني عن ابي عبدالله(ع) قال: «سئل امير المؤمنين
صلوات الله عليه عن الصبي يحجم المراة؟ قال: اذا كان
يحسن يصف فلا».
وقد يستدل بها على عدم جواز معالجة الرجل للمراة حتى
في حالة الاضطرار كالرواية السابقة; الا انها مخدوشة سندا
بالنوفلي حيث لم يثبت توثيقه راجع الملحق ودلالة
بظهورها في صورة عدم الاضطرار من جهتين:

الاولى: ان نفس الحجامة لا يصدق معها الاضطرار; لانها لا
تعبر عن مرض محسوس يضطر معه الى العلاج.
الثانية: ان العادة قاضية في مثل ذلك بوجود المماثل
القادر على الحجامة; فانها امر بسيط يمارسه كل احد من
دون فرق بين الرجال والنساء.
هذا مضافا الى انها ناظرة الى المقام الثاني الآتي، ولا علاقة
لها بمحل الكلام; اي انها في مقام بيان حكم المراة المعالجة،
لا حكم الطبيب المعالج; فان مفروض الرواية كون الحاجم
صبيا، وهو غير مشمول للتكليف، فلاحظ.
مضافا الى ان مفادها لا يزيد عن مفاد الرواية الثانية، فتقيد
بالرواية الاولى.

الرواية الرابعة:
صحيحة علي بن جعفر الاخرى قال: «وسالته عن الرجل
يكون ببطن فخذه او اليته الجرح هل يصلح للمراة ان تنظر
اليه وتداويه؟ قال: اذا لم يكن عورة فلا باس‏».
وهي معتبرة سندا، وموردها معالجة المراة للرجل عكس
الروايات السابقة، فتدل على الجواز في هذه الصورة، ولا يصح
التعدي الى صورة العكس; لما تقدم من احتمال الفرق،
وعدم الملازمة بين الجواز في معالجة المراة للرجل والجواز
في صورة العكس، وعليه فهي دالة على جواز نظر ومعالجة
المراة للرجل مطلقا، اي حتى في صورة عدم الاضطرار في
القسم الاول، اي في غير العورة. وحينئذ قد يقال: انه
لابدمن تقييدها بمفهوم الرواية الاولى القاضي بعدم الجواز
في حالة عدم الاضطرار، نظير تقييد الرواية الثانية بمنطوق
الاولى كما تقد م.

وفيه: ان المعارض لهذه الرواية انما هو مفهوم الرواية الاولى
الدال على المنع في صورة عدم الاضطرار، واما منطوقها
الدال على الجواز في حالة الاضطرار فهو لا ينافي هذه الرواية
اصلا، وعليه فلابد من ملاحظة هذه الرواية مع مفهوم الرواية
الاولى; فان اتحد موردهما فلابد مما ذكر من التقييد، وتكون
النتيجة هي الجواز في صورة الاضطرار والمنع في صورة
عدمه، وهي نفس مفاد الرواية الاولى، الا ان الصحيح ان
موردهما متعدد، فالمفهوم في الرواية الاولى يختص
بمعالجة الرجل للمراة; لان الحكم المذكور فيه هو الحرمة،
ويحتمل اختصاصها بهذه الحالة دون العكس على ما تقدم،
وهذه الرواية تختص بمعالجة المراة للرجل وتدل على جوازه
مطلقا حتى في حالة عدم الاضطرار، ولابد من العمل بهذا
الاطلاق; اذ لا دليل على تقييده.
وعليه، فلابد من التفصيل بين حالتين:

الاولى معالجة الرجل للمراة: وفيها نلتزم بالجواز في حالة
الاضطرار العرفي المشار اليه في الرواية الاولى، وهو اوسع
من الاضطرار بمعناه الحقيقي، واما في صورة عدم
الاضطرار بهذا المعنى فنلتزم بعدم الجواز.
الثانية معالجة المراة للرجل: وفيها نلتزم بالجواز مطلقا
حتى في حالات عدم الاضطرار بشرط صدق المداواة
والمعالجة عملا باطلاق الرواية الرابعة.

القسم الثاني

مداواة الرجل للمراة وبالعكس مع استلزامه النظر الى
العورة.
والظاهر انه لا خصوصية حينئذ لغير المماثل; فان حرمة
النظر الى العورة لا يفرق فيها بين غير المماثل والمماثل،
ولذا ينبغي طرح هذا القسم بهذا الشكل.

المداواة غير المستلزمة للنظر الى العورة :
والبحث‏يقع في ان حرمة النظر الى العورة هل ترتفع بطرو
عنوان المداواة والمعالجة او لا؟
وقبل الدخول في البحث لابد من الالتفات الى ان المستفاد
من السنة الادلة الدالة على حرمة النظر الى العورة اشدية
هذه الحرمة من حرمة النظر الى سائر اعضاء الجسد التي
يحرم النظر اليها، كما يظهر ذلك ايضا من الموارد العديدة
التي جوز الشارع النظر فيها الى بدن الغير ولم يجوز النظر الى
عورته، كما في المحارم والمماثل وغيره.

وبناء على ذلك يطرا في المقام احتمال عدم ارتفاع حرمة
النظر الى العورة وان قلنا بارتفاع حرمة النظر الى ما عداها;
لمكان هذه الاشدية.
ومنه يتضح انه في صورة عدم الاضطرار بالمعنى المتقدم
في الرواية الاولى لابد من الالتزام ببقاء الحرمة وعدم ارتفاعها
في هذا القسم; وذلك لان هذه الرواية دلت بمفهومها على بقاء
الحرمة في صورة عدم الاضطرار في القسم الاول، فتدل
بالاولوية على ذلك في محل الكلام; اذ لا نحتمل حرمة النظر
الى بدن الغير للمعالجة مع جواز النظر الى عورته لذلك.

واما في صورة اضطرار المريض المعالج، فتارة نبني على
شمول الرواية الاولى لهذا القسم ايضا بمعنى ان النظر
المسؤول عن حكمه لا يختص بالنظر الى سائر اجزاء الجسد
عدا العورة، بل يشمل العورة ايضا اذا استلزمه العلاج،
واخرى نبني على عدم الشمول واختصاصها بالقسم الاول.

اما الاول فيمكن ان يقرب بتقريبين:
اولهما دعوى شمول قول السائل : «يصيبها البلاء في جسدها
اما كسر واما جرح‏» لما اذا كان ذلك في العورة او قريبا منها
بحيث يتوقف العلاج على النظر اليها.
ثانيهما دعوى التمسك باطلاق كلام الامام(ع) «اذا اضطرت
اليه فليعالجها» فانه شامل لكلا القسمين وان كان مورد
السؤال هو الاول.
فاذا تم هذان التقريبان او احدهما فحينئذ يكون حكم هذا
القسم حكم القسم الاول من حيث ارتفاع الحرمة في صورة
الاضطرار التي هي محل الكلام فعلا، ويستفاد ذلك من
منطوق الجواب في الرواية.

واما الثاني فهو يبتني على منع كلا التقريبين المتقدمين:
اما الاول منهما : فلما تقدم من ان مفروض السؤال يختص
بالقسم الاول; فان المفهوم منه عرفاان‏البلاء في الجسد اما
كسر واما جرح، اي يمكن فرضه كسرا ويمكن فرضه جرحا،
ومن الواضح ان‏افتراض الكسر في العورة او في ما يقاربها
بعيد جد ا. هذا مضافا الى احتمال انصراف نفس كلمة «
الجسد » الى غير العورة.

واما الثاني من التقريبين: فلمنع اطلاق جواب الامام(ع) على
نحو يشمل القسم الثاني، بل المراد منه اذا اضطرت اليه،
فيجوز علاج ذلك البلاء المفروض في كلام السائل، وقد بينا
اختصاصه بالقسم الاول.
وبعبارة اخرى: ان مورد السؤال الذي هو غير العورة
بحسب الفرض يكون قدرا متيقنا في مقام التخاطب، وهو
يمنع من انعقاد الاطلاق في الجواب قطعا حتى لو قلنا بان
القدر المتيقن من الخارج لا يمنع منه.

ثم انه حتى لو فرض وجود اطلاق في الرواية الاولى، فلابد
من تقييده بالرواية الرابعة المتقدمة الدالة بمفهومها على
عدم الجواز اذا كان موضع المداواة عورة، وهي وان كان
موردها نظر المراة الى عورة الرجل الا اننا لا نحتمل الفرق
بينه وبين نظر الرجل الى عورة المراة الذي هو مورد الرواية
الاولى، بل قد يدعى الاولوية في المقام، فلاحظ.
وعليه، فلا يمكن الاستدلال بتلك الرواية على جواز النظر الى
العورة في صورة الاضطرار.
نعم، يمكن الاستدلال على الجواز بالادلة العامة الدالة على
ارتفاع الحرمة التكليفية بالاضطرار في ما اذا صدق الاضطرار
في حق الطبيب المعالج، ولكنه شي‏ء آخر غير الاضطرار
الذي تعنيه الرواية السابقة كما تقدم.

ومما تقدم يظهر انه يمكن الاستدلال على عدم الجواز في
المقام بالرواية الرابعة المتقدمة; فان مفهومها انه اذا كان
موضع الجرح عورة فلا يجوز النظر اليه، وهو باطلاقه يشمل
صورة الاضطرار العرفي، ولا مقيد لهذا الاطلاق حيث لم
يدل دليل على الجواز في صورة الاضطرار في هذا القسم كما
تقدم.
وعليه، فالمعالجة المستلزمة للنظر الى العورة غير جائزة،
سواء كانت عورة المماثل ام غيره وسواء تحققت‏حالة
الاضطرار العرفي ام لا. نعم حالات الاضطرار الحقيقي لها
حساب آخر كما اشرنا اليه.

«المقام الثاني‏»

في حكم نفس المريض من حيث جواز عرض نفسه على
الطبيب وتمكينه من النظر الى جسده اذا كان غير مماثل او
الى عورته مطلقا وان كان مماثلا.
وهو ينقسم الى القسمين المتقدمين ايضا.

القسم الاول

مراجعة الطبيب المستلزمة للنظر الى سائر اعضاء البدن عدا
العورة. والكلام في هذا القسم يختص بغير المماثل; لوضوح
جواز النظر الى بدن المماثل، ويختص ايضا بالمواضع التي
يحرم النظر اليها في الحالات الاعتيادية.
وهنا لا ينبغي الاشكال في الجواز في صورة الاضطرار
بمعناه الحقيقي، كما في حالات المرض الشديد مع عدم
وجود المندوحة; وذلك للادلة العامة الدالة على ارتفاع
حرمة المحرمات في حق المضطر، وقد تقدمت الاشارة اليها.

واما في غير هذه الصورة كبعض الحالات المتقدمة التي لا
تعتبر حالات مرضية شديدة مثل حالة العقم الدائم او
المؤقت او حالة تساقط الشعر ونحو ذلك فهل يجوز التداوي
حينئذ؟
الجواب: ان الروايات السابقة وان كان المقصود بها بالاصالة
بيان حكم المعالج كما يظهر من خلال التامل فيها، واما
حكم نفس المريض فليست الروايات بصدد بيانه، بل لم يقع
مورد السؤال اصلا، الا ان هناك ملازمة عرفية بين ما كانت
الروايات بصدد بيانه وبين محل الكلام; فان جواز نظر الطبيب
المعالج الى المريض يلازم عرفا جواز عرض المريض نفسه
على الطبيب، والتفكيك بينهما بالالتزام بالجواز في حق
الطبيب المعالج والتحريم في حق المريض المعالج غير
عرفي.

وعليه، فتدل الروايات السابقة على الجواز في محل الكلام في
نفس الصورة التي دلت على الجواز فيها في المقام الاول; وهي
صورة معالجة المراة للرجل حتى اذا لم يكن اضطرار عرفي
وصورة الاضطرار العرفي بمعناه المتقدم سابقا في صورة
معالجة الرجل للمراة، كما انها تدل على بقاء الحرمة في غير
ذلك من الصور، وحينئذ يصبح حكم المعالج والمعالج
واحدا جوازا ومنعا.

القسم الثاني

مراجعة الطبيب المستلزمة لنظره الى العورة:
والكلام فيه لا يختص بغير المماثل; لان حرمة كشف العورة
ووجوب حفظها لا يفرق فيه بين المماثل وغيره.

وهنا ايضا لا اشكال في الجواز في صورة الاضطرار بالمعنى
الحقيقي له; لنفس الادلة العامة المتقدم اليها الاشارة.
واما في غير ذلك فقد تقدم تقريب عدم دخول صورة
المداواة المستلزمة للنظر الى العورة في روايات الباب،
وعليه فلا دليل على ارتفاع الحرمة في المقام من دون فرق
بين صورة الاضطرار بمعناه العرفي وبين صورة عدم
aالاضطرار، فيكون حكم المعالج والمعالج واحدا ايضا، فكما
يحرم على الطبيب المعالج النظر الى عورة المريض في غير
حالات الاضطرار الحقيقي كذلك يحرم على المريض
تعريض نفسه لذلك وكشف عورته امام الطبيب المعالج،
فلاحظ.

«خلاصة البحث‏»

1- حكم الطبيب المعالج من حيث نظره الى غير العورة
في ما اذا كان غير مماثل:
الف – اذا كن رجلا يحرم عليه النظر ونحوه مما يحرم عليه في
الحالات الاعتيادية في صورة عدم اضطرار المريض بالمعنى
المتقدم في رواية الثمالي.
ب – يجوز له ذلك في صورة الاضطرار المذكور.
ج – اذا كان الطبيب امراة يجوز لها النظر ونحوه مما يحرم
عليها في الحالات الاعتيادية مطلقا اي سواء كان هناك
اضطرار ام لا.

2- حكم المريض من حيث تمكين غير المماثل من النظر
الى سائر بدنه غير العورة:
الف – اذا كان امراة يحرم عليها ذلك في غير صورة الاضطرار.
ب – يجوز لها ذلك في صورة الاضطرار.
ج – اذا كان رجلا يجوز له ذلك مطلقا.

3- حكم كل منهما بلحاظ النظر الى عورة الغير وان كان
مماثلا ومن حيث كشف العورة للغير كذلك.
يحرم عليهما ذلك مطلقا حتى في صورة الاضطرار بمعناه
العرفي المتقدم.
4- كل ما تقدم يكون جائزا في حالة الاضطرار بمعناه
الحقيقي.

«ملحق‏»

ان النوفلي لم يوثق صريحا في كتب الرجال. نعم، قد تذكر
وجوه لاثبات وثاقته، منها:
الاول وقوعه في اسناد كامل الزيارات لابن قولويه.
وفيه: عدم كفاية ذلك في التوثيق، كما ذكر في محله.

الثاني الاستدلال على وثاقته بشهادة الشيخ في العدة بان
الاصحاب عملوا بروايات السكوني، قال في العدة : «ولاجل ما
قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث… والسكوني…».
وجه الاستدلال: ان معظم روايات السكوني التي عملت بها
الطائفة وصلت اليهم عن طريق‏النوفلي، فعمل الطائفة
بروايات السكوني يكون عملا بروايات النوفلي.

وفيه:
اولا: انه تبين بعد المراجعة ان الرواة غير النوفلي عن
السكوني كثيرون، فراجع ترجمته في كتب الرجال .
نعم، رواياته الواصلة الينا عن طريق السكوني اكثر من
الواصلة عن طريق غيره، الا ان هذا لا يكفي لاثبات عمل
الطائفة بروايات النوفلي.
وثانيا: ان ظاهر كلام الشيخ في العدة هو ان كون الراوي
عاميا لا يمنع من العمل بروايته اذا كان ثقة في نفسه، واما
سائر الشرائط الاخرى فالكلام ليس ناظرا اليها، وليس بصدد
احرازها، فكانه قال: ان روايات السكوني اذا كانت جامعة
للشرائط فالطائفة تعمل بها، فلاحظ، والا لكان اللازم
العمل بكل رواية يقع احد هؤلاء المذكورين في كلام الشيخ
في سندها، وهو باطل جزما.

مجلة فقه اهل البیت

شبكة المرأة والأسرة الاسلامية

 

 

https://t.me/wilayahinfo

 

[email protected]

شاهد أيضاً

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ]

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ] إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: القضية الأساسية في ...