الرئيسية / من / طرائف الحكم / تذكرة المتقين

تذكرة المتقين

شهر العبادة والتقوى

مفاهيم محورية:

– خصائص شهر رمضان وأسراره.

– العبادة وآثارها في شهر الله.

– كيف نستعد لشهر رمضان المبارك.


تصدير الموضوع

ورد في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان: “أيّها النّاس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله تعالى بالبركة والرحمة والمغفرة… وهو شهرٌ قد دُعيتم فيه إلى ضيافة الله وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله… فاسألوا الله ربكم بنيَّات صادقةٍ, وقلوبٍ طاهرةٍ، أن يوفِّقكم لصيامه وتلاوةِ كتابه، فإنَّ الشَّقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشَّهر1.

 

دعوة إلى أشرف ضيافة يمكن أن يطمح إليها إنسان في هذه الدنيا، وهي ضيافة الله تعالى, في شهر الله تعالى, أفضل الشهور, وأفضل الأيام والليالي والساعات. وهدف هذه الدعوة توطيد العلاقة بالله تعالى من خلال تطهير الروح، وبناء الإرادة المرتبطة بقوّة الإيمان، التي تحكم علاقة الإنسان بربّه وبمجتمعه على مستوى الدنيا، وتحدّد مصيره على مستوى الآخرة. وقد ورد في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “هو شهرٌ دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله”.

 

1- وسائل الشيعة، ج10، ص313.

خصائص شهر رمضان وأسراره

إنّ الذي يؤكِّد ضرورة الاستعداد والتهيّؤ لهذا الشّهر الكريم، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يبشِّر أهل بيته عليه السلام بقدومه، ويدعو أصحابه للاستعداد لأيامه ولياليه. وهذا ما يتطلّب استحضار عدّة أمور مهمّة ترتبط بخصوصيّات هذا الشّهر وأسرار العبادة والطَّاعة فيه أهمّها:

1- استشعار أنّ الله تعالى اختصّ الصوم بنفسه:

من المزايا العظيمة لهذا الشهر، أنّ الله تعالى اختصّ قدر الثواب والجزاء للصائم بنفسه من بين سائر الأعمال كما في الحديث عن النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: “قال الله عزّ وجلّ: كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به”2.

 

2- استحضار أسرار الصوم وآثاره:

من الأمور المهمّة التي تساهم في الاستعداد النفسيّ والروحيّ للدخول إلى شهر رمضان بروح مقبلة على الصوم، كعبادة سنوية استثنائية وينتظرها المؤمنون ليعيشوا أيامها ولياليها بخضوع وتذلّل في ضيافة الرحمان، هو استحضار آثار الصوم في شهر رمضان. فقد خصّ الله الصوم في شهر رمضان بكثير من الخصائص والفضائل منها:

– خلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك.

– تستغفر الملائكة للصائمين حتّى يفطروا.

– يغفر للصائمين في آخر ليلة من شهر رمضان.

– تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار.

– في الجنة باب يقال له الريّان لا يدخله إلّا الصائمون.

 

 

2- وسائل الشيعة، ج10، ص397.

– فيه ليلة القدر وهي خيرٌ من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرم الخيرَ كلَّه.

– لله عتقاء من النّار في آخر ليلة من رمضان.

– الصيام يشفع للعبد يوم القيامة حتّى يدخل الجنّة.

– التطوّع بالنوافل والصلاة المستحبة فيه براءة من النار.

– يستجاب دعاء الصائم في رمضان.

 

3- شهر تقييد الشيطان:

روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “ألا أُخبركم بشيءٍ إن فعلتموه تَباعَدَ الشيطان منكم كما تباعد المشرق مِن المغرب؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهرَه، والحبُّ في الله والمؤازرة على العمل الصالح تقطع دابرَه، والاستغفار يقطع وتينَه3.

 

وفي الحديث القدسيّ، يقول الله تعالى لجبرائيل عليه السلام: “انزلْ على الأرض فَغُلَّ فيها مَرَدةَ الشياطين, حتّى لا يُفسِدوا على عبادي صومَهم4.

 

4- شهر التكريم بالتكليف:

روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّما فرَضَ اللهُ صيامَ شهر رمضانَ على الأنبياء دون الأُمم، ففضّل اللهُ به هذه الأُمّة، وجعل صيامَه فرضاً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أُمّته5.

 

5- شهر البركة والرحمة:

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “أيُّها الناس، إنّه قد أقبلَ إليكُم شهرُ اللهِ بالبركةِ

 

3- الكافي، ج4، ص62.

4- مستدرك الوسائل، ج7، ص427.

5- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص62.

والرحمة والمغفرة، شهرٌ هو عندَ اللهِ أفضلُ الشهور، وأيّامُه أفضلُ الأيّام، ولياليه أفضلُ الليالي، وساعاتُه أفضلُ الساعات6.

 

6- فرصة الخيرات والكرامات:

روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “إذ دخل شهر رمضان، فاجهدوا أنفسَكم, فإنّ فيه تُقسّم الأرزاق، وتُكتب الآجال، وفيه يُكتَب وفدُ الله الذين يَفِدون إليه، وفيه ليلةٌ العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر7.

7- شهر تثبيت الإخلاص:

روي عن مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام: “فرَضَ اللهُ الصيامَ تثبيتاً للإخلاص8. إنّ أكثر ما نحتاج إليه في شهر العبادة الإخلاص الكامل والدائم لله تعالى في نيّة الصوم والعبادة، فهي مفتاح لقبول الباقيات الصالحات. وعلى قدر النية والإخلاص والصدق مع الله وفي إرادة الخير تكون معونة الله لعبده المؤمن. وقد أمرنا الله جلّ جلاله بإخلاص العمل له وحده دون سواه فقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء9. فالنية هي القصد والإرادة المحرّكة للإنسان نحو الفعل ولها تأثيرها في أعمال العباد وأنفسهم في الدنيا ويوم القيامة، وهي شرطٌ واجبٌ لجميع العبادات ولا يمكن لأحدٍ أن يؤدّي عبادةً بدون نية القربة إلى الله تعالى، بل يمكن تحصيل الثواب في جميع الأعمال والمعاملات المختلفة -التي لا تشترط النية فيها أصلاً – إذا نَوى فيها القربة لله تعالى، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “يا أبا ذر ليكن لك في كل شيء نيّة صالحة حتّى في النوم

6- وسائل الشيعة، ج4، ص227.

7- بحار الأنوار، ج96، ص375.

8- وسائل الشيعة، ج1، ص22.

9- البيّنة، 5.

والأكل”10، وورد عن الإمام الصَّادق عليه السلام قوله: “لا بدّ للعبد من خالص النية في كلّ حركة وسكون11.

 

8- شهر زكاة الأبدان:

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لكلّ شيء زكاة، وزكاة الأبدان الصيام12.

 

9- شهر الصبر:

قال الله عزّ وجل: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ13، ورد في تفسير الآية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ﴾، يعني الصيام14.

 

والصوم التزام عمليّ بالانفصال لفترة طويلة نسبياً عن ألصق العادات بحياة الإنسان من طعام وشراب ومتعة، فإنّ ذلك يمثّل تمرّساً عملياً للنفس على الصبر، ومن صبر على ترك هذه العادات هان عليه الصبر على غيرها.

10- ختامه جنّة:

ففي الحديث القدسيّ الشريف: “والصائم يفرح بفرحتين: حين يُفطر فيَطعَم ويشرب، وحين يلقاني فأُدخله الجنّة15.

 

العبادة وآثارها في شهر الله

العبادة من التكاليف التي منّ الله بها على عباده كي يعيشوا طاعة الله في حياتهم ويستشعروا الشكر الدائم له على نعمه التي لا تحصى، وينالوا التكريم الإلهيّ بدخول

 

10- مكارم الأخلاق، ج2 ، ص370.

11- مستدرك الوسائل، ج1، ص99.

12- الكافي، ج4، ص62.

13- البقرة، 45.

14- وسائل الشيعة، ج7، ص298.

15- الخصال، 45.

الجنّة يوم القيامة. وجعل للعبادة خصوصية في شهر رمضان تتجلّى في:

1- القيام: جاء في دعاء الإمام السجّاد عليه السلام إذا دخل شهر رمضان: “الحمدُ لله الذي حَبانا بدِينه، واختصّنا بملّته، وسبّلنا في سبيل إحسانه, لنسلكها بمَنّه إلى رضوانه، حمداً يتقبّلُه منّا، ويرضى به عنّا. والحمد لله الذي جعل مِن تلك السبل شهرَه شهرَ رمضان، شهرَ الصيام، وشهر الإسلام، وشهرَ الطَّهُور، وشهرَ التمحيص، وشهرَ القيام16.

 

2- أنّه شهر التطوّع بالصلاة والذكر: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مَن تطوّع فيه بصلاةٍ كتَبَ اللهُ له براءةً مِن النار، ومَن أدّى فرضاً كان له ثوابُ مَن أدّى سبعين فريضةً فيما سواه من الشهور، ومَن أكثرَ فيه مِن الصلاةِ علَيّ ثقّل اللهُ ميزانَه يومَ تخفّ الموازين، ومَن تَلا فيه آيةً مِن القرآن كان له مِثلُ أجرِ مَن ختم القرآنَ في غيره من الشهور”17.

 

4- أنّ الصوم وقاية من النار: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “عليك بالصوم، فإنّه جُنّة مِن النار18. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “أيُّها الناس، إنّه مَن ورَدَ عليه شهرُ رمضان وهو صحيح سَوِيّ، فصام نهارَه، وقام وِرْداً مِن ليله، وواظب على صلاته، وهجّر إلى جمعته، وغدا إلى عيده، فقد أدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الربّ”19.

 

وقد ورد الحث على العديد من الأعمال العبادية التي لها الكثير من الآثار على الإنسان في الدنيا والآخرة والتي يمكن استحضارها والعمل بها في هذا الشهر الكريم من أهمها:

 

16- الطوسي، مصباح المتهجّد، ، ص607.

17- وسائل الشيعة، ج4، ص227.

18- م.ن، ج96، ص256.

19- المقنعة، ص308.

1– قيام الليل: فقد ورد الحثّ الشديد، كتاباً وسنةً، على صلاة الليل، إذ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا20. وعن النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: “شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزُّ المؤمن كفّه عن أعراض الناس21. وفي الحديث: “جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: إنّي حُرِمت الصلاة بالليل، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنت رجل قد قيّدتك ذنوبك22.

 

2– ذكر الله كثيراً: وهو المعايشة الشعوريّة والذهنيّة لعقيدة الإيمان بالله تعالى، وهذا هو الأصل في الذكر. إضافة إلى ذكر الله تعالى باللسان كتسبيحه، وتحميده، واستغفاره، وتهليله، وتكبيره، وما شاكل ذلك. روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيراً23. وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: “وكان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطعام، وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدِّث القوم، وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه، يقول: “لا إله إلا الله”، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس. ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا، ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر24.

 

3- المحافظة على صلاة الجماعة والصلوات المستحبة في المساجد: فهي قربان كل مؤمن وتقيّ، وهي معراج المؤمن، ووسيلة الاتّصال بين العبد وخالقه.

4- صلاة الرواتب اليوميّة والصلوات المستحبة: الواردة في أيام وليالي هذا الشهر.

 

20- المزمل، 1-4.

21- الخصال، ص6.

22- الكافي، ج3، ص450.

23- الكافي، ج2، ص499.

24- الكافي، ج2، ص499.
5- دعاء الافتتاح والسحر: إضافة إلى أدعية الأيام وما يمكن من بقية الأدعية الواردة في كتب الأدعية الخاصة.

6- إحياء ليالي القدر.

مفاهيم رئيسة

1- لقد دعانا الله تعالى في شهر رمضان المبارك إلى مائدة رحمته، وهدف هذه الدعوة توطيد العلاقة بالله تعالى من خلال تطهير الروح، وبناء الإرادة المرتبطة بقوّة الإيمان، التي تحكم علاقة الإنسان بربّه وبمجتمعه على مستوى الدنيا، وتحدّد مصيره على مستوى الآخرة.

 

2- على الإنسان المؤمن أن يعرف أهم خصائص شهر رمضان وأسراره، ومنها: استشعار أنّ الله تعالى اختصّ الصوم بنفسه، واستحضار أسرار الصوم وآثاره، وأنّه شهر تقييد الشيطان، وشهر التكريم بالتكليف، وشهر البركة والرحمة، وأنّه فرصة الخيرات والكرامات، وشهر تثبيت الإخلاص، وشهر زكاة الأبدان، وشهر الصبر، وشهر الإخلاص لله في الصيام، وأنّ ختامه جنّة.

 

3- على المؤمن أن يستحضر العبادة وآثارها في شهر الله، وذلك من خلال الأمور الآتية: التركيز على القيام لعبادة الله تعالى، وعلى أنّه شهر التطوّع بالصلاة والذكر، وأنّ الصوم يورث اليقين، وأنّه الصوم وقاية من النار.

 

4- من الأعمال العبادية الهامة في هذا الشهر: قيام الليل، وذكر الله كثيراً، والمحافظة على صلاة جماعة والصلوات المستحبة في المساجد، وصلاة الرواتب اليوميّة، وإحياء ليالي القدر، وقراءة الأدعية (الافتتاح والسحر…).

11_15_2016_01_11_16

 

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

شاهد أيضاً

تذكرة المتقين

العيد بين العبادة والسعادة   مفاهيم محورية: – العيد في النظرة الإسلامية. – الأبعاد الدينية ...