الرئيسية / من / طرائف الحكم / تذكرة المتقين

تذكرة المتقين

قيم تربويـّة واجتماعيـّة في شهر رمضان الكريم

مفاهيم محورية:

– حسن الخُلُق.

– قيمة التصدّق.

– صلة الرحم.

– تكريم الأيتام.

تصدير الموضوع

“يا أيّها النّاس من حسّن منكم في هذا الشّهر خُلقه كان له جواز على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام، ومن خفّف في هذا الشّهر عمّا ملكت يمنيه خفّف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه…”1.

 

الصّوم عبادة لها أبعادها وآثارها الإيمانية والروحية في العلاقة مع الله تعالى، إضافة إلى العديد من الآثار والقيم الاجتماعية والتربوية التي تنعكس على الفرد والمجتمع.

والصوم أمانة في عنق المكلّف استودعه الله إياها، فأمره أن يحفظ نفسه وجوارحه من الآثام، وإذا استطاع الإنسان أن يكون أميناً في كبح جماح نفسه وشهواته وفي حفظ حواسه من الوقوع في الحرام، فإنّه يصبح أهلاً لتحمّل المسؤولية والأمانة في جميع عباداته وعلاقاته الاجتماعية.

 

وقد تحدّث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن قسمٍ مهمٍ من العلاقات الاجتماعية في خطبته في استقبال شهر رمضان كونها تشكّل عنصراً معِيناً للصائم وتفتح له آفاق العلاقة بالآخر، وهي:

 

1- الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.

حسن الخلق

جاء في خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “يا أيّها النّاس من حسّن منكم في هذا الشّهر خُلقه كان له جواز على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام”2.

حسن الخلق هو حالة نفسية تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الإمام الصادق عليه السلام حينما سئل عن حدّه، فقال: “تليّن جناحك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن3.

 

وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين يديه، فقال: “يا رسول الله ما الدين؟ فقال: حُسن الخلق، ثمّ أتاه من قبل يمينه فقال: يا رسول الله ما الدين ؟ فقال: حُسن الخلق، ثمّ أتاه من قبل شماله فقال: يا رسول الله ما الدين ؟ فقال: حُسن الخلق4.

 

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم”5. والأكناف جمع كنف، وهو: الناحية والجانب، ويقال (رجل موطأ الأكناف) أي كريم مضياف.

1- النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى في حسن الخلق:

روي عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهو يصوّر أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “كان أجود الناس كفاً، وأرحب الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبّه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله”6.

2- الشيخ الصدوق، الامالي، ص155.

3- الكافي، ج2، ص103.

4- بحار الأنوار، ج 68، ص393.

5- الكافي، ج2، ص102.

6- بحار الأنوار، ج16، ص190.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “إنّ يهودياً كان له على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهوديّ ما عندي ما أعطيك. فقال: فإنّي لا أفارقك يا محمّد حتّى تقضيني. فقال: أجلس معك، فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة (الصبح)، وكان أصحاب رسول الله يتهدّدونه ويتوعّدونه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم وقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهوديّ يحبسك! فقال: لم يبعثني ربّي عزّ وجلّ (كي) أظلم معاهداً ولا غيره. فلمّا علا النهار قال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت، إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة”7.

 

2- الآثار المترتّبة على الخلق الحسن:

من الآثار العظيمة التي تترتّب على الخلق الحسن ما ورد في العديد من الروايات منها:

ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق”8.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ الخلق الحسن ليميت الخطيئة كما تميت الشمس الجليد9.

 

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أكثر ما تلج به أمّتي الجنّة تقوى الله وحسن الخلق10.

ومن النتائج المهمة الناتجة عن الخلق الحسن حفظ الجوارح عن الوقوع في

7- الامالي، ص552.

8- بحار الأنوار، ج68، ص373.

9- الكافي، ج2، ص100.

10- م.ن.

الحرام والخطأ، واحترام الآخرين بتوقير الكبار ورحمة الصغار ولا سيما أثناء الصوم، روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة شهر رمضان قوله: “ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم…”.

 

ونجد أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد شدّد في خطبته على أكثر الجوارح التي توقع الإنسان في المعصية والخطأ وهي: اللسان، والعين، والأذن، من خلال الكلام والنظر المحرّم، والاستماع إلى المحرّمات، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم”.

 

واللسان من أكثر الأعضاء التي توقع الإنسان في المعصية، لذلك قيل: “إذا كان الكلام من فضة فإنّ السكوت من ذهب” جملة عظيمة قالها لقمان عليه السلام لابنه وهو يعظه، ولا شكّ أنّها وصية عظيمة جليلة لو عمل بها الناس لاستراحوا وأراحوا. ألا ترى أنّ اللسان على صغره عظيم الخطر، فلا ينجو من شرِّ اللسان إلا من قيده بلجام الشرع؟

 

فالصمت خصلة من خصال الإيمان وسبب موجب لصاحبه إن كان مؤمناً لدخول الجنان، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “من صمت نجا11 وقال أيضاً: “من ضمن لي ما بين لحييه – يعني اللسان – وما بين فخذيه ضمنت له الجنة”12. وحفظ اللسان من كثرة الكلام ولزوم الصمت سلامة من الشّر، ومنجاة من الهلكة، والمرء مخبوءٌ تحت لسانه فإذا تكلّم بان وظهر, وما خلق الله للإنسان لساناً وأذنين إلا ليسمع أكثر مما يقول. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه, فإنّه يلقي الحكمة13. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”14.

11- بحار الأنوار، ج74، ص88.

12- وسائل الشيعة، ج15، ص251.

13- بحار الأنوار، ج1، ص154.

14- الكافي، ج2، ص234.

وجاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “يا رسول الله أوصني، فقال: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانك، ويحك وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم15؟ والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرّم وعقوباته، فإنّ الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيّئات ثم يحصد يوم القيامة ما رزع، فمن زرع خيراً من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شراً من قول أو عمل حصد الندامة.

 

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أكثر ما يدخل به النار من أمتي الأجوفان قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما الأجوفان ؟ قال: الفرج والفم16. وقيل: إنّ اللسان يقول كلّ يوم للجوارح: كيف أنتنّ؟ فيقلن له: نحن بخير ما تركتنا، وإذا كان من الخير ومن تمام الإيمان أن تقول خيراً أو تصمت، فالنطق بالخير أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، وتعلّم الجاهل، وتذكر الغافل وتنذره من عقاب الله، وترشد الضال إلى طريق الهداية، ومن ذلك تلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل، والإصلاح بين المتخاصمين، وإفشاء السلام ومخاطبة الناس بطيب الكلام لا سيما أهل الإسلام ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً17، والدعاء بما تريد من الصالحات وبما تريد من خيري الدنيا والآخرة والصلاة على النبيّ وآله الطاهرين.

 00002

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

شاهد أيضاً

تذكرة المتقين

العيد بين العبادة والسعادة   مفاهيم محورية: – العيد في النظرة الإسلامية. – الأبعاد الدينية ...