الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 260

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 260

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

256

((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) فإنّ الله لم يُلجأ الخلق الى إعتناق الدين بل جعل فيهم الإختيار والإرادة فإن شاؤوا دانوا وإن لم يشاؤوا لم يدينوا ((قَد تَّبَيَّنَ))، أي وضح ((الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ))، أي الهداية من الضلالة والإيمان من الكفر والحق من الباطل ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ)) وهو كل ما يُعبد من دون الله ((وَيُؤْمِن بِاللّهِ)) وحده، وقدّم نفي الكفر لأن النفي مقدّم على الإثبات كما قدّم في كلمة (لا إله إلا الله) ((فَقَدِ اسْتَمْسَكَ))، أي تمسّك واعتصم وأخذ ((بِالْعُرْوَةِ)) وهي المسكة لمثل الكوز ((الْوُثْقَىَ))، أي الوثيقة التي لا تنفصل فقد شبّه الخير بإناء للسقي أو الطعام له عروة فالإيمان بالله عروة وثقى للخير لأنه ((لاَ انفِصَامَ لَهَا)) ولا إنقطاع بل يدوم الإستفادة من الخير بسبب الإيمان في الدنيا والآخرة بينما الإيمان بالطاغوت عروة واهية تنفصم إذا فارق الإنسان الحياة الدنيا ينقطع الخير الذي يناله الإنسان -فرضاً- بسبب الكفر ((وَاللّهُ سَمِيعٌ)) لأقوالكم ((عَلِيمٌ)) بنيّتكم وأعمالكم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

257

((اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)) يلي أمورهم وينصرهم ويُعينهم ((يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ)) ظلمات الحياة ومشاكلها، من ظلمة العقيدة، وظلمة القول، وظلمة الدنيا كلها ((إِلَى النُّوُرِ)) نور الهداية، ونور الآخرة ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ))، أي إن جنس الطاغوت يكون أولياء يكون أولياء لهم، فإن الطواغيت من الجن والإنس يتولّون أمورهم وضلالهم وحيث أن الطاغوت أُريد به الجنس جاز الإتيان بصيغة الجمع في “أوليائهم” صفة له ((يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ)) الكامن في فطرتهم، ومن نور الدنيا ((إِلَى الظُّلُمَاتِ)) ظلمات الكفر والضلال في الدنيا، وعذاب الله في الآخرة ((أُوْلَئِكَ)) الذين كفروا ((أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الى الأبد فلا منجي لهم ولا مخلّص.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

258

سبق الحديث عن الإيمان والكفر، فلتناسب المقام قصة حوار حول هذا الموضوع بين إبراهيم (عليه السلام ) ونمرود ((أَلَمْ تَرَ))، أي ألم تعلم، وقد تقدّم أن هذه العبارة تذكر لإفادة العلم ((إِلَى الَّذِي حَآجَّ)) من المُحاجّة بمعنى المجادلة والمخاصمة ((إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ))، أي في باب رب إبراهيم (عليه السلام) الذي كان يعبده، أو رب الذي حاجّ وإن كان الأول أقرب ((أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ))، أي حيث أنّ الله أعطى نمرود المُلك والسلطة بطر فأنكر وجود الخالق وجعل يجادل نبيّه إبراهيم (عليه السلام) حول وجود الله سبحانه فقد قابل الإحسان بالإساءة ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)) في جواب نمرود حيث قال له: مَن ربُّك؟، والمراد بالإحياء إحياء الجماد فإنّ كلّ حي أصله التراب والماء إذ التراب بسبب الماء ينقلب عشباً والعِشب ينقلب نطفة إنساناً أو حيواناً ((قَالَ)) نمرود ((أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)) فأخرج نفرين من حبسه وضرب عنق أحدهما وأطلق الآخر وكان هذا مغالطة من نمرود إلا إنّ إبراهيم (عليه السلام) أراد أن يلزمه بحجّة لا يتمكن حتى من المغالطة فيها فـ ((قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ)) هكذا يظهر للأبصار سواءً دارت هي أو دارت الأرض كما يقوله بعض علماء الفلك ((فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)) إن كُنتَ إلهاً خالقاً ((فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ))، أي تحيّر نمرود ولم يحر جواباً ((وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) الذين ظلموا أنفسهم بتعاميهم عن الحق فإنه سبحانه لا يلطف لطفه الخاص بمثل هؤلاء وإن أتمّ عليهم الحجة وأراهم الطريق.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

259

((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ))، أي ألم ترالى الذي مرّ على قرية، والمعنى إن شئت فانظر الى الذي حاجّ وإن شئت فانظر الى الذي مرّ على قرية وهو عُزير النبي (عليه السلام) أو أرميا ((وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا))، أي ساقطة حيطانها على سقوفها وأهلها موتى والسباع تأكل الجيف ففكر في نفسه ساعة ((قَالَ أَنَّىَ))، أي كيف ((يُحْيِي هَذِهِ)) الأموات ((اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)) وكان ذلك منه تعجباً لا إنكاراً ((فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ)) حتى بلي ونخرت عظامه ((ثُمَّ بَعَثَهُ)) أحياه كما كان ((قَالَ)) الله سبحانه له بإيجاد صوت في الجو ((كَمْ لَبِثْتَ)) في مبيتك ومنامك ((قَالَ)) النبي ((لَبِثْتُ يَوْمًا)) ثم نظر فإذا هو نام صباحاً والآن قبل غروب الشمس فأضرب قائلاً ((أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ)) الله سبحانه ((بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ)) وقد كان معه طعام وشراب وحمار، فكان الطعام والشراب باقيين كما هما وكان الحمار قد مات وتفرقت عظامه ونخرت دلالة على كمال قدرة الله سبحانه ((فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)) لم تغيّره السنون، والإتيان بلفظ المفرد باعتبار كل واحد منهما ((وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)) كيف مات ونخرت عظامه ((وَلِنَجْعَلَكَ)) أيها الرسول ((آيَةً لِّلنَّاسِ))، أي حُجّة حيث أحييناك بعد مائة عام حتى يعرف الناس أنّ الله قادر على بعث الأموات ((وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ)) لحمارك المتفتتة ((كَيْفَ نُنشِزُهَا))، أي كيف نرفع بعضها الى بعض لنركّب منها الهيكل العظمي للحمار ((ثُمَّ نَكْسُوهَا))، أي نلبس العظام ((لَحْمًا)) حتى يستوي حماراً حيّاً ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ))، أي وضح له إحياء الأموات عياناً ((قَالَ)) النبي ((أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، أي علماً عيانياً وإلا فقد كان يعلم ذلك قبل السؤال.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

260

((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)) فإنه (عليه السلام) رأى جيفة تمزّقها السباع فيأكل منها سباع البر وسباع الهواء ودواب البحر فسأل الله إبراهيم فقال: يارب قد علمت أنك تجمعها من بطون السباع والطير ودواب البر فأرني كيف تحييها لأُعاين ذلك ((قَالَ)) الله سبحانه ((أَوَلَمْ تُؤْمِن)) على نحو إستفهام التقرير، ليقول آمنت، كقوله: “ألستم خير من ركب المطايا” ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((بَلَى)) أنا مؤمن ((وَلَكِن)) أسأل ذلك ((لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) ويكون يقيني عين اليقين فإن الإنسان الذي يعلم أن النار -مثلاً- حارة، يسمى ذلك علم اليقين، فإذا رآها سمّي حق اليقين، فإذا أدخل يده فيها فاحترقت سمّي عين اليقين، وورد أنه (عليه السلام) علم أنّ الله يتخذ عبداً له خليلاً إذا سأله إحياء الموتى أحياها فأراد أن يطمئن أنه هو ((قَالَ)) الله سبحانه ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ)) الطاووس والحمام والغراب والديك فاذبحهنّ وقطّعهنّ واخلطهنّ بعضاّ ببعض ((فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)) من صرته بمعنى قطعته و(إليك) إنما هو من مستلزمات القطع، فإنّ الإنسان إذا أراد أن يقطع شيئاً قطعاً جيداً ويخلطه لابد وأن يجذبه إليه ولعله كناية عن القطع الجيد والتخليط البالغ ((ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ)) من عشرة جبال ((مِّنْهُنَّ جُزْءًا)) وإنما ذلك يدل على أن الأجزاء الميتة تجتمع من محلات متباعدة وقت الحشر ((ثُمَّ ادْعُهُنَّ)) بأن تأخذ بمنقار كل واحد من الطيور الأربعة في يدك وتدعوه باسمك ((يَأْتِينَكَ)) يجتمع الأجزاء من الجبال ((سَعْيًا)) مسرعات ((وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ)) لا يمتنع عليه شيء ((حَكِيمٌ)) فيما يفعل فلا يفعل شيئاً إعتباطاً وعبثاً، ففعل إبراهيم (عليه السلام) ذلك فتطايرت الأجزاء بعضها الى بعض حتى استوت الأبدان وجاء كل بدن حتى نظم الى رقبته ورأسه فأطلقها إبراهيم (عليه السلام) فطرن فالتقطن الحب وشربن الماء ثم دعون لإبراهيم (عليه السلام).

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...