الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 280

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 280

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

275

وحث كانت الآيات حول الإنفاق، ناسب السياق ذكر الربا، فإنه عكس الإنفاق إذ هو إستيلاء على أموال الناس من غير مبرر، بخلاف الإنفاق الذي هو إعطاء ماله للناس من غير مكسب وتجارة ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا)) وأكله كناية عن أخذه وإن لم يتصرف فيه ((لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)) الرجل الذي مسّه الشيطان فصُرع وتغيّر حاله ودارت عينه وزال توازن جسده وزبد فمه إذا أراد أن يقوم لبقية ما فيه من الشعور يقوم بعض القيام بكل إنحراف وتأرجح ثم يسقط على الأرض، وهكذا الإنسان الذي يأكل الربا حتى إعتاد ذلك يكون أشبه شيء في عملية إنتهاب أموال الناس بمن تخبطه الشيطان الذي يريد أن يقوم فإنّ تفكيره تفكير منحرف كتفكير المطروح وعينه تنظر بزيغ الى أموال الناس كعين المصروع وفيه يلهج حول المال بانحراف كفم المصروع وإذا أراد أن يقوم من كبوته ويترك الربا ويأخذ بالجادة المستقيمة حول المال لا يلبث أن يسقط في الربا كما إعتاد من أكله ةصار الإبتزاز لمال الناس مَلَكَتُهُ، وهذا تشبيه رائع مفزع وهكذا يكونون هؤلاء يوم القيامة، فقد روى الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: “لما أُسري بي الى السماء رأيت أقواماً يريد أحدهم أن يقوم ولا يقدر عليه من عِظَم بطنه، فقلتُ: من هؤلاء ياجبرئيل؟، فقال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس،” وقد ثبت في العلم أن الأرواح الشريرة قد تدخل في الإنسان فتسبب به صرعاً ((ذَلِكَ)) الأكل للربا الذي إعتادوه ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ قَالُواْ)) ليس في أكل الربا بأس فـ (( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)) كلاهما تعامل برضى الطرفين ((وَ)) ليس كذلك فمنطقهم غلط فقد ((أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)) لما فيه من الفوائد ((وَحَرَّمَ الرِّبَا)) لما فيه من المضار، ويكفي أن نلمح الى ضرر واحد هو أن معطي الربا أما ساقته الضرورة الى الإقتراض كمرض أو نحوه مما أُلجأ للإقتراض برباء فما أقبح أن يستغل الإنسان أخيه في مثل هذا الموقع مما يجدر به أن يساعده ويسعفه، وأما إن إقترض للتجارة وهذا لا يخلو من أحد أحوال ثلاثة، الأول: أن يخسر، الثاني: أن لا يربح ولا يخسر وما أقبح في هاتين الصورتين أن يأخذ صاحب المال زيادة بينما خسر العامل في الأول ولم يربح في الثاني، الثالث: أن يربح وقد قرر الإسلام المضاربة والإشتراك في المربح فيما يُجبر المقترض أن يدفع بمقدار خاص الى المُقرِض بينما قد ربح بمقداره وقد ربح أقل وقد ربح أكثر ((فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ)) في تركه أخذ الربا ((فَانتَهَىَ)) وتاب ((فَلَهُ مَا سَلَفَ)) فإنّ كل ربا أكله الناس بجهالة وعدم علم بحرمته أو قبل الإسلام لا يُسترد منهم ((وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ)) سبحانه لا الى الناس حتى يقول من أعطاه الربا ردّ عليّ ما أخذت مني، أو أمره في قبول الله توبته إليه سبحانه ((وَمَنْ عَادَ)) الى الربا بعد النهي والإسلام ((فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) أبد الآبدين إلا أن يدركهم الله برحمته كما قال سبحانه (إنّ الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

276

((يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا))، أي يُنقصه ويتلفه ويهلكه فما ظن المرابي أنه سبّب زيادة أمواله يكون سبباً لهلاكه ونقصانه فإنّ الربا يسبّب غضب الناس وسخطهم على المُرابي مما يثير حرباً أو نهياً من الناس أو الحكومات لأمواله فيذهب الأصل والفرع ((وَيُرْبِي))، أي يُزيد ويُنمي ((الصَّدَقَاتِ)) فإنه وإن ذهب جزء من المال بالصدقة لكنها تسبّب حب الناس والتفافهم وتعاونهم مع المتصدّق مما ينجر الى زيادة أمواله، وهذا مع الغض عن المحق والنماء الخارجين عن الطبيعة مما يشائهما الله سبحانه بلا واسطة عادية ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ)) كثير الكُفر ((أَثِيمٍ))، أي مذنب وفي هذا دلالة على أن آكل الربا كفّار أثيم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

277

((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ)) بالأصول الإعتقادية ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)) بأن أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات ((وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ)) تخصيص بعد التعميم لأهميتهما ((لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) وقد مرّ تفسير عدم الخوف وعدم الحزن.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

278

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ)) خافوا من عقابه ((وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)) مما كنتم تطلبونه قبل الإسلام، وقد رٌوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: “أن الوليد بن المغيرة كان يُربي في الجاهلية وقد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت الآية ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالإسلام حقاً فإنّ المؤمن هو الذي يأتمر بالأوامر وينزجر بالزواجر.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

279

((فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ)) ولم تنقادوا الى هذا النهي بل أكلتم الربا بعد النهي ((فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ))، أي اعملوا القتال مع الله ورسوله، فأكل الربا يكون كمن أعلن الحرب مع الإله والرسول، وذلك من أفظع الجرائم، وعاقبته خسران الدين والدنيا، وحكم آكل الربا أنه يؤدّب مرتين ثم يُقتل في الثالثةكما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ((وَإِن تُبْتُمْ)) ولن تأخذوا الربا ((فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ)) دون الزيادة التي حصلتموها بالربا ولا مفهوم للآية بأنهم إن لم يتوبوا فليس لهم رأس المال، بل المراد أنّ لكم رأس المال فما تبغون بالزيادة ((لاَ تَظْلِمُونَ)) الناس بأخذ الزيادة منهم ((وَلاَ تُظْلَمُونَ)) بالنقصان من رأس المال.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

280

((وَإِن كَانَ)) فيمن تطلبون منه -ممن ذُكر أنه يرجع رأس المال- ((ذُو عُسْرَةٍ)) بأن كان رأس مالكم الذي تطلبونه عند ذي عُسرة لا يتمكن من أدائه لعُسره وضيقه ((فَـ)) اللازم ((نَظِرَةٌ)) الى إنتظار وتأخير ((إِلَى مَيْسَرَةٍ))، أي الى حال يسار المديون والجملة خبرية معناها الأمر، أي فانظروا الى وقت يساره ((وَأَن تَصَدَّقُواْ)) على المعسر بما عليه من الدَين بأن تجعلوا طلبكم صدقة له ((خَيْرٌ لَّكُمْ)) في الدنيا يجلب المحبة والبركة من الله سبحانه وفي الآخرة بالثواب الجزيل ((إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ))، أي إن كنتم تعلمون الخير من الشر وتميّزون ما ينفعكم مما يضركم لعلمتم أنّ هبة الدَين للمعسِر خير لكم.

شاهد أيضاً

    إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: الشعوب المسلمة تتوقع من حكوماتها قطع العلاقات مع ...