الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

146

وما لكم أيها المسلمون وهنتم في غزوة أُحُد وفررتم، أليس لكم الإقتداء بالمؤمنين السابقين الذين كانوا مع الأنبياء يصمدون في وجه الباطل ((وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)) فإن كثيراً من الأنبياء قاتل وجاهد معه وتحت لوائه أُناس من المؤمنين منسوبون الى الرب تعالى بالطاعة والعبادة والإيمان، أو بمعنى أخيار فقهاء ((فَمَا وَهَنُواْ))، أي ما فتروا ((لِمَا أَصَابَهُمْ)) من القتل والسلب والجروح والقروح ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) للتنبيه على أن شدائدهم كانت في سبيل الله سبحانه ((وَمَا ضَعُفُواْ)) عن عدوهم ((وَمَا اسْتَكَانُواْ))، أي ما خضعوا ولا تضرعوا لعدوهم ((وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)) الذين يصبرون في الشدائد وفي الحروب.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

147

((وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ))، أي قول أولئك الربّيّون عند الجهاد وملاقات الأعداء ((إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)) فكانوا يستغفرون عند اللقاء مما فات منهم من الذنوب إستعداداً للقاء الله سبحانه طاهرين ((وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا))، أي تجاوزنا الحدود وتفريطنا وتقصيرنا ((وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)) حتى لا تزل أمام الأعداء فتنهزم ((وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) فهم جاهدوا وجلين من ذنوبهم لم يطلبوا إلا العفو في تواضع وخشوع، ولم يقصدوا إلا نصرة الدين على القوم الكافرين.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

148

((فَـ)) جزاءً على ما سلف منهم من الصبر والثبات والجهاد في خشوع وتواضع ((آتَاهُمُ اللّهُ))، أي أعطاهم الله سبحانه ((ثَوَابَ الدُّنْيَا)) بالفتح والغلبة والعزة والرفاه ((وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ)) بجنات تجري من تحتها الأنهار، أي ثواب الآخرة الحسن، والإتيان بكلمة “حسن” هنا دون “ثواب الدنيا” لعله للإشارة الى أن ثواب الآخرة هو الذي يوصف بالحسن، أما الدنيا فإنها زائلة فلا قيمة معنوية لثوابها، أو المراد أحسن أقسام ثواب الآخرة الذي لا يُعطة إلا المجاهدون، بخلاف الدنيا فإن ثوابها عام للبَر والفاجر ((وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) ومحبة الله سبحانه فوق كل ثواب كما قال (ورضوان من الله أكبر).

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

149

لما إشتدّ الأمر يوم أُحُد أخذ جماعة من المنافقين يدعون الناس الى الإرتداد عن دينهم حتى يستريحوا فأنزل الله فيهم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) من المنافقين، أو من اليهود والنصارى الذين أخذوا يشيعون أن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قُتل فارجعوا الى دينكم وعشائركم ((يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) كفاراً كما كنتم ((فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ)) قد خسرتم الدنيا والدين، فإن دنيا الجاهلية كانت فوضى وفقراً ورذيلة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

150

((بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ))، أي هو أولى بأن تُطيعوه من الكفار والمنافقين، وهو ينصركم على أعدائكم ((وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)) لأن في نصرته خيراً للدارين بخلاف نصرة غيره.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

151

((سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ))، أي نقذف الخوف والفزع حتى تغلبوهم وهكذا ينصركم الله تعالى ((بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ))، أي بسبب شركهم ((مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا))، أي برهاناً وحجّة، فإن شركهم كان عن تقليد لا عن دليل وحجّة ((وَمَأْوَاهُمُ))، أي محلهم ومستقرهم ((النَّارُ)) في الآخرة ((وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ))، أي أن الناس بئس مقام الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر وقد ورد أن الآية نزلت حين همّ المشركون -يوم أُحُد- بالرجوع الى المسلمين لاستئصالهم عن آخرهم فلما عزموا ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما همّوا به، ولا يخفى أن إلقاء الرعب في قلب الكافر أمر طبيعي فإن المسلم يستمد القوة من الله سبحانه أما الكافر فحيث لا يعتقد به سبحانه يكون قلبه هواءً فيتسرّب إليه الخوف.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

152

ثم بيّن سبحانه أن هزيمتهم يوم أُحُد لم يكن إلا بسبب مخالفتهم أوامر الله والرسول، وإلا فالله سبحانه نصرهم كما وعد حتى هزموا المشركين ((وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ)) وَفى لكم بما وعد من نصرتكم على الكفار ((إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ))، أي تقتلوهم، فإن حسّه بمعنى قتله وأبطل حسّه وحياته، ومعنى “بإذنه” : بأمره، فإن الله أذِن لهم في القتال كما قال (أُذِن للذين يُقاتَلون بأنهم قد ظُلموا) ((حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ)) جبنتم وكففتم وخالفتم أمر الرسول ((وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ)) هل يبقى الرماة الخمسون في الشِعب كما أمرهم الرسول أم يخرجوا يجمعون الغنائم -كما تقدّم- ((وَ)) بالآخرة ((عَصَيْتُم)) أمر الرسول في لزوم أماكنكم فتخلّيتم عن الشِعب، فقد تخلّى من الخمسين سبع وثلاثون ((مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم)) الله سبحانه ((مَّا تُحِبُّونَ)) من هزيمة الكفار ونصرة المسلمين ((مِنكُم)) أيها المسلمون ((مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا)) وهم الذين خالفوا الرسول طلباً للغنيمة ((وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ)) وهم عبد الله رئيس الرماة في الشِعب وإثنى عشر من أصحابه الذين ثبتوا في أماكنهم ((ثُمَّ صَرَفَكُمْ)) أيها المسلمون ((عَنْهُمْ))، أي عن الكفار، بل توجّهتم الى الغنائم عوض أن تحتفطوا بأماكنكم، فإن في حفظ المكان كان توجهاً نحو الكفار لئلا يرجعوا الى المسلمين من ورائهم، بخلاف التوجيه نحو الغنيمة فإنه كان صرفاً عن الكفار، وإضافته إليه سبحانه كسائر الإضافات نحو “ومن يُضلِل” أو باعتبار أن الصرف كان عقوبة لهم على إرادتهم للدنيا ((لِيَبْتَلِيَكُمْ))، أي يمتحنكم ويختبركم حتى يظهر ما أنتم عاملون ((وَلَقَدْ عَفَا)) الله سبحانه ((عَنكُمْ)) خطيئتكم بمخالفة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) ينصرهم على أعدائهم ويعفو عنهم ذنوبهم، ومعنى الفضل المنّ والنعمة فإنه يعطيهم فضلاً، أي فوق إستحقاقهم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

153

ولقد عفى عنكم ((إِذْ تُصْعِدُونَ))، أي تذهبون في وادي أُحُد للإنهزام، فإن الإصعاد الذهاب في الأرض ((وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ))، أي لا تلتفتون الى أحد من ورائكم بل كل همّكم السرعة في الفرار حتى لا يأتيكم الطلب ((وَالرَّسُولُ)) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((يَدْعُوكُمْ)) يناديكم ((فِي أُخْرَاكُمْ))، أي من ورائكم، يُقال جاء فلان في آخر الناس أي من ورائهم ((فَأَثَابَكُمْ))، أي جازاكم الله على فراركم ((غُمَّاً)) متصلاً ((بِغَمٍّ)) غم الهزيمة وغم القتلى الذين قُتلوا منكم -ويحتمل في اللفظين أمور- ((لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ)) من الخير ((وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ)) من الضرر، فإن الإنسان إذا وقع في الشدائد وجرّبها ومارسها تصلب نفسه وتقوى روحه فلا تتزحزح بمصيبة ولا تهتز بكارثة، وهكذا كانت هزيمة أُحُد درساً وعبرة حتى يصغر في نفوس المسلمين كل ما يفوتهم من خيرات وكل ما يصيبهم من شرور وآلام ((وَاللّهُ خَبِيرٌ)) ذو خبر وإطّلاع ((بِمَا تَعْمَلُونَ)) فيجازيكم على حسب أعمالكم.

شاهد أيضاً

20-21-22-23-24 صلوات الليالي ودعوات الايّام في شهر رمضان

صلوات اللّيلة العشرين والحادِية والعشرين والثّانِيَة والعِشرين والثّالِثَة والعِشرين والرّابعة والعِشرين: في كُل مِن هذه ...