الرئيسية / بحوث اسلامية / المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي45

المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي45

ش
المراجعة 85 رقم : 7 ربيع الأول سنة 1330
التماس الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنص
أخذت كتابك الأخير ، فإذا هو معجز في تقريب ما استبعدناه ، مدهش في
تمثيله بأجلى مظاهر التصوير ، فسبحان من ألان لك أعطاف البرهان ، وألقى
إليك مقاليد البيان ، فبلغت إلى ما لا تبلغ إليه الوسائل ، وظفرت بما لا تظفر به
الأماني وكنا نظن أن الأسباب لا تعلق بما استشهدت عليه بنصوص الأثبات ، وأن
لا سبيل إلى ما خرجت من عهدته بنواهض البينات . وليتك أشرت إلى الموارد التي لم
يتعبدوا فيها بالنصوص الصريحة ، ليتبين وجه السداد ، ويتضح سبيل الرشاد ،
فألتمس تفصيل ذلك ، استظهارا بذكر المأثور من سيرتهم ، وسبر المسطور في كتب
الأخبار من طريقتهم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
س
المراجعة 86 رقم : 8 ربيع الأول سنة 1330
1 – رزية يوم الخميس
2 – السبب في عدول النبي عما أمرهم به يومئذ
1 – الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنص أكثر من أن تحصى ، وحسبك منها
رزية يوم الخميس فإنها من أشهر القضايا ، وأكبر الرزايا ، أخرجها أصحاب
الصحاح ، وسائر أهل السنن ، ونقلها أهل السير والأخبار كافة ، ويكفيك منها ما
أخرجه البخاري ( 1 ) بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن
عباس ، قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفي البيت رجال
فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي صلى الله عليه وآله : هلم أكتب لكم كتابا
لا تضلوا ( 2 ) بعده ، فقال عمر : إن النبي قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن
حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قربوا يكتب
لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو
والاختلاف عند النبي ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : قوموا
[ عني خ ل ] ، فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله
( ص ) ، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم . ا ه‍ . ( 848 )
وهذا الحديث مما لا كلام في صحته ولا في صدوره ، وقد أورده البخاري في عدة
مواضع من صحيحه ( 3 ) ، وأخرجه مسلم في آخر الوصايا من صحيحه أيضا ( 4 ) ،
ورواه أحمد من حديث ابن عباس في مسنده ( 5 ) ، وسائر أصحاب السنن والأخبار ،
وقد تصرفوا فيه إذ نقلوه بالمعنى ، لأن لفظه الثابت إن النبي يهجر ، لكنهم ذكروا أنه
قال : إن النبي قد غلب عليه الوجه تهذيبا للعبارة ، وتقليلا لمن يستهجن منها ،
ويدل على ذلك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة ( 6 )
بالإسناد إلى ابن عباس ، قال : ” لما حضرت رسول الله الوفاة ، وفي البيت رجال
فيهم عمر بن الخطاب ، قال رسول الله : إئتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا
تضلون بعده ، ( قال ) : فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله
صلى الله عليه وآله ، ثم قال : عندنا القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف من
في البيت واختصموا ، فمن قائل : قربوا يكتب لكم النبي ، ومن قائل ما قال
عمر ، فلما أكثروا اللغط واللغو والاختلاف غضب صلى الله عليه وآله ،
فقال : قوموا . . . الحديث ” ( 849 ) وتراه صريحا بأنهم إنما نقلوا معارضة عمر
بالمعنى لا بعين لفظه . ويدلك على هذا أيضا أن المحدثين حيث لم يصرحوا باسم
المعارض يومئذ ، نقلوا المعارضة بعين لفظها ، قال البخاري في باب جوائز الوفد
من كتاب الجهاد والسير من صحيحه ( 1 ) : حدثنا قبيصة حدثنا ابن عيينة عن
سلمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، أنه قال : يوم الخميس وما يوم
الخميس ، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتد برسول الله وجعه
يوم الخميس ، فقال : إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ،
فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله ، قال صلى الله
عليه وآله وسلم : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ، وأوصى عند
موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما
كنت أجيزهم ، ( قال ) ونسيت الثالثة ( 2 ) . ا ه‍ . ( 850 ) ” .
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا في آخر كتاب الوصية من صحيحه ، وأحمد
من حديث ابن عباس في مسنده ( 3 ) ، ورواه سائر المحدثين ، وأخرج مسلم في
كتاب الوصية من الصحيح عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس ،
قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه
كأنها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إئتوني
بالكتف والدواة ، أو اللوح والدواة ، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ،
فقالوا : إن رسول الله يهجر ( 1 ) . ا ه‍ . ( 851 ) .
ومن ألم بما حول هذه الرزية من الصحاح ، يعلم أن أول من قال يومئذ :
هجر رسول الله . إنما هو عمر ، ثم نسج على منواله من الحاضرين من كانوا على
رأيه ، وقد سمعت قول ابن عباس – في الحديث الأول ( 2 ) – : فاختلف أهل البيت
فاختصموا ، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ، ومنهم
من يقول : ما قال عمر – أي يقول : هجر رسول الله – وفي رواية أخرجها الطبراني
في الأوسط عن عمر ( 3 ) ، قال : ” لما مرض النبي قال : إئتوني بصحيفة ودواة ،
أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فقال النسوة من وراء الستر : ألا تسمعون ما
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال عمر : فقلت إنكن صويحبات
يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن ، وإذا صح ركبتن عنقه ! قال : فقال
رسول الله : دعوهن فإنهن خير منكم ” ا ه‍ . ( 852 ) .
وأنت ترى أنهم لم يتعبدوا هنا بنصه الذي لو تعبدوا به لآمنوا من الضلال ،
وليتهم اكتفوا بعدم الامتثال ولم يردوا قوله إذ قالوا : حسبنا كتاب الله ، حتى كأنه لا
يعلم بمكان كتاب الله منهم ، أو أنهم أعلم منه بخواص الكتاب وفوائده ، وليتهم
اكتفوا بهذا كله ولم يفاجئوه بكلمتهم تلك – هجر رسول الله – وهو محتضر بينهم ،
وأي كلمة كانت وداعا منهم له صلى الله عليه وآله ، وكأنهم – حيث لم يأخذوا
بهذا النص اكتفاء منهم بكتاب الله على ما زعموا – لم يسمعوا هتاف الكتاب آناء الليل
وأطراف النهار في أنديتهم * ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو ) *
( 853 ) وكأنهم حيث قالوا : هجر ، لم يقرأوا قوله تعالى : * ( إنه لقول رسول كريم
ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ) * ( 854 ) وقوله
عز من قائل : * ( إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول
كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ) * ( 855 ) وقوله جل وعلا * ( ما ضل
صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ) *
( 856 ) إلى كثير من أمثال هذه الآيات البينات ، المنصوص فيها على عصمة قوله من
الهجر ، على أن العقل بمجرده مستقل بذلك ، لكنهم علموا أنه صلى الله عليه وآله
وسلم ، إنما أراد توثيق العهد بالخلافة ، وتأكيد النص بها على علي خاصة ، وعلى
الأئمة من عترته عامة ، فصدوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار بينه
وبين ابن عباس ( 1 ) ( 857 ) .
وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وآله : إئتوني أكتب لكم كتابا لن
تضلوا بعده ، وقوله في حديث الثقلين : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن
تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ( 858 ) ، تعلم أن المرمى في الحديثين
واحد ، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم ، أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما
أوجبه عليهم في حديث الثقلين .
2 – وإنما عدل عن ذلك ، لأن كلمتهم تلك التي فاجؤوه بها اضطرته إلى
العدول ، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه
هل هجر فيما كتبه – والعياذ بالله – أو لم يهجر ، كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو
واللغط نصب عينيه ، فلم يتسن له يومئذ أكثر من قوله لهم : قوموا كما سمعت ،
ولو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر ، ولأوغل أشياعهم في إثبات هجره –
والعياذ بالله – فسطروا به أساطيرهم ، وملأوا طواميرهم ردا على ذلك الكتاب
وعلى من يحتج به .
لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب صلى الله عليه وآله ، عن ذلك
الكتاب صفحا لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم بابا إلى الطعن في النبوة –
نعوذ بالله وبه نستجير – ، وقد رأى صلى الله عليه وآله ، أن عليا وأولياءه
خاضعون لمضمون ذلك الكتاب ، سواء عليهم أكتب أم لم يكتب ، وغيرهم لا
يعمل به ولا يعتبره لو كتب ، فالحكمة – والحال هذه توجب تركه إذ لا أثر له
بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى ، والسلام .متي
ظاهرين على الحق . . . الحديث ( 860 ) وقوله تعالى * ( وعد الله الذين آمنوا منكم
وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا
يشركون بي شيئا ) * ( 861 ) إلى كثير من نصوص الكتاب والسنة الصريحين بأن الأمة
لا تجتمع بأسرها على الضلال ، فلا يعقل مع هذا أن يسنح في خواطر عمر أو غيره أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين طلب الدواة والبياض ، كان خائفا من اجتماع
أمته على الضلال ، والذي يليق بعمر أن يفهم من الحديث ما يتبادر منه إلى
الأذهان ، لا ما تنفيه صحاح السنة ومحكمات القرآن . على أن استياء النبي صلى
الله عليه وآله وسلم منهم ، المستفاد من قوله : قوموا ، دليل على أن الذي تركوه كان
من الواجب عليهم ، ولو كانت معارضة عمر عن اشتباه منه في فهم الحديث كما
زعموا لا زال النبي شبهته وأبان له مراده منه ، بل لو كان في وسع النبي أن يقنعهم بما
أمرهم به ، لما آثر إخراجهم عنه ، وبكاء ابن عباس وجزعه من أكبر الأدلة على ما
نقوله .
والإنصاف ، أن هذه الرزية لمما يضيق عنها نطاق العذر ، ولو كانت – كما
ذكرتم – قضية في واقعة ، كفرطة سبقت ، وفلتة ندرت ، لهان الأمر ، وإن كانت
بمجردها بائقة الدهر ، وفاقرة الظهر ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم .
ش
المراجعة 89 رقم : 14 ربيع الأول سنة 1330
1 – الإذعان بتزييف تلك الأعذار
2 – إلتماسه بقية الموارد
1 – قطعت على المعتذرين وجهتهم ، وملكت عليهم مذاهبهم ، وحلت
بينهم وبين ما يرومون فلا موضع للشبهة فيما ذكرت ، ولا مساغ للريب في شئ مما به
صدعت .
2 – فمض على رسلك حتى تأتي على سائر الموارد التي تأولوا فيها النصوص ،
والسلام .

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...