الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / في ذكر خلق آدم وحوّا صلوات الله عليهما

في ذكر خلق آدم وحوّا صلوات الله عليهما

في ذكر آدم عليه السّلام 
فصل ـ 1 ـ

في ذكر خلق آدم وحوّا صلوات الله عليهما : 
1 ـ أخبرني الشّيخ عليّ بن عليّ بن عبد الصّمد (1) النّيشابوري ، عن أبيه ، أخبرنا السّيد أبو البركات عليّ بن الحسين الجوزي (2) ، أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قالا : أخبرنا سعد بن عبدالله أخبرنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، أخبرنا الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام هل كان في الأرض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل (3) آدم عليه السلام وذرّيته ؟ فقال : نعم قد كان في السّماوات والأرض خلق من خلق الله يقدّسون الله ، ويسبّحونه ، ويعظّمونه باللّيل والنّهار لا يفترون ، وأنّ الله (4) عزّ وجلّ لمّا خلق الأرضين (5) خلقها قبل السّماوات . 
ثم خلق الملائكة روحانيّين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله ، فأسكنهم فيما بين (6) أطباق السّماوات يقدّسونه في اللّيل والنّهار (7) ، واصطفى () منهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل . 

ثم خلق عزّ وجّل في الأرض الجنّ روحانيين لهم (8) أجنحة ، فخلقهم دون خلق الملائكة ، وخفظهم (9) أن يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران وغير ذلك ، فأسكنهم فيما بين أطباق الأرضين السّبع وفوقهنّ يقدّسون (10) الله اللّيل والنّهار لا يفترون . 
ثم خلق خلقاً دونهم ، لهم أبدان وأرواح بغير أجنحة ، يأكلون ويشربون نسناس أشباه (11) خلقهم وليسوا بإنس ، وأسكنهم أوساط الأرض على ظهر الأرض مع الجن يقدّسون (12) الله اللّيل (13) والنّهار لا يفترون . 

قال : وكان الجن تطير في السّماء ، فتلقى الملائكة في السّماوات ، فيسلمون عليهم ويزورونهم ويستريحون اليهم ويتعلّمون منهم الخير . 
ثمّ أنّ طائفة من الجن والنّسناس الّذين خلقهم الله واسكنهم أوساط الأرض مع (14) الجن تمرّدوا وعتوا عن أمر الله ، فمرحوا وبغوا في الأرض بغير الحقّ ، وعلا بعضهم على بعض في العتوّ على الله تعالى ، حتّى سفكوا الدماء فيما بينهم ، وأظهروا الفساد ، وجحدوا ربوبيّة الله (15) تعالى . 
قال : وأقامت الطائفة المطيعون من الجن على رضوان الله تعالى وطاعته ، وباينوا الطايفتين من الجن والنسناس اللّين (16) عتوا عن أمر الله . 
قال : فحط الله أجنحة (17) الطائفة من الجنّ الّذين عتوا عن أمر الله وتمرّدوا ، فكانوا لا يقدرون على الطّريان إلى السّماء وإلى ملاقاة الملائكة لما (18) ارتكبوا من الذّنوب والمعاصي . 
قال : وكانت الطائفة المطيعة لأمر الله من الجنّ تطير إلى السّماء اللّيل والنّهار على ما كانت عليه ، وكان ابليس ـ واسمه الحارث ـ يظهر للملائكة أنه من الطائفة المطيعة . 

ثم خلق الله تعالى خلقاً على خلاف خلق الملائكة وعلى خلاف خلق الجن (19) وعلىخلاف خلق النّناس يدبّون كما يدبّ الهوام في الأرض يشربون ويأكلون كما تأكل الأنعام من مراعي الأرض ، كلّهم ذكران ليس فيهم أناث ، ولم يجعل (20) الله فيهم شهوة النّساء ، ولا حبّ الأولاد ، ولا الحرص ، ولا طول الأمل ، ولا لذّة عيش (21) ، لا يلبسهم اللّيل ، ولا يغشاهم النّهار ، وليسوا ببهائم (22) ولا هوام ولباسهم (23) ورق الشجر ، وشربهم من العيون الغزار والأودية الكبار . 
ثم أراد الله يفرقهم فرقتين ، فجعل فرقة خلف مطلع الشّمس من وراء البحر ، فكوّن لهم مجينة أنشأها لهم تسمّى (24) « جابرسا » طولها اثنا عشر ألف فرسخ في اثنى عشر ألف فرسخ ، وكوّن عليها سوراً من حديد يقطع الأرض إلى السّماء ، ثمّ أسكنهم فيها . 
وأسكن الفرقة الأخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر ، وذول لهم مدينة أنشاها تسمّى (25) « جابلقا » طولها اثنا عشر ألف (26) فرسخ في اثني عشر ألف فرسخ ، وكوّن لهم سوراً من حديد يقطع إلى السماء (27) ، فأسكن الفرقة الأخرى فيها ، لا يعلم أهل جابرسا بموضع أهل جابلقا ، ولا يعلم أهل جابلقا بموضع أهل جابرسا ، ولا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجنّ والنّسناس . 
وكانت (28) الشّمس تطلع على أهل أوساط الأرض (29) من الجنّ والنّسناس ، فينتفعون بحرّها ويستضيئون بنورها ، ثمّ تغرب في عين حمئة ، فلا يعلم بها أهل جابلقا اذا غربت ولا يعلم بها أهل (30) جابرسا اذا طلعت ، لأنّها تطلع من دون جابرسا ، وتغرب من دون جابلقا . 
فقيل يا أمير المؤمنين : فكيف يبصرون ويحيوُن ؟ وكيف يأكلون ويشربون ؟ وليس تطلع الشّمس عليهم (31) ؟ 
فقال صلوات الله عليه : أنّهم يستضيئون (32) بنور الله ، فهم في أشدّ ضوء من نور الشّمس ، ولا يرون أن الله تعالى خلق شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا كواكب ، ولا يعرفون شيئاً غيره . 
فقيل يا أمير المؤمنين : فأين ابليس عنهم ؟ 
قال : لا يعرفون ابليس ولا سمعوا (33) بذكره ، لا يعرفون إلاّ الله وحده لا شريك له ، لم يكتسب أحد منهم قطّ خطيئة ولم يقترف (34) اثماً لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون ، يعبدون الله إلى يوم القيامة لا يفترون ، الليل والنهار عندهم سواء . 
قال : إنّ الله (35) أحبّ أن يخلق خلقاً ، وذلك بعد ما مضى من الجن (36) والنّسناس سبعة آلاف سنة ، فلمّا كان من خلق الله أن يخلق آدم للّذي أراد من التّدبير والتّقدير فيما هو مكوّنه من السماوات والأرضين كشف عن (37) أطباق السّماوات . 
ثم قال الملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنّسناس هل ترضون أعمالهم وطاعتهم لي ؟ فاطلعت الملائكة ورأوا (38) ما يعملون فيما من المعاصي وسفك الدّماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، اعظموا ذلك وغضبوا لله ، وأسفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم وقالوا : ربّنا أنت (39) العزيز الجبّار الظّاهر العظيم (40) الشّأن وهؤلاء كلّهم خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، كلّهم ينقلبون (41) في قبضتك ، ويعيشون برزقك ويتمتّعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه (42) فيك . 
قال : فلمّا سمع الله تعالى مقالة (43) الملائكة قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة فيكون حجّتي على خلقي في الأرض (44) ، فقالت الملائكة : سبحانك ربّنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ؟ 
فقال الله تعالى : يا ملائكتي انّي أعلم ما لا تعلمون أنّي أخلق خلقاً بيدي أجعلهم (45) خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم (46) ويهدونهم الى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، أجعلهم حجّة لي عذراً ونذراً (47) وأنفي الشّياطين من أرضي وأطهّرها منهم ، فأسكنهم في الهواء من أقطار (48) الأرض وفي الفيافي ، فلا يراهم خلق ، ولا يرون شخصهم ، ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يؤاكلونهم ، ولا يشاربونهم ، وأنفرّ مردة الجنّ العصاة عن نسل (49) بريّتي وخلقي وخيرتي ، فلا يجاورون خلقي ، وأجعل بين خلقي وبين الجانّ حجاباً ، فلا يرى خلقي شخص الجنّ ، ولا يجالسونهم ، ولا يشاربونهم ، ولا يتهجّمون تهجّمهم ، ومن عصاني من نسل خلقي الّذي عظّمته واصطفيته لغيبي أسكنهم (50) مساكن العصاة وأوردهم موردهم (51) ولا أبالي . 
فقال الملائكة : لا علم لنا ألاّ ما علّمتنا انّك أنت العليم الحكيم ، فقال للملائكة (52) : انيّ خالق بشراً من صلصال من حماء مسنون فاذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (53) . 
قال : وكان ذلك من الله تقدمة للملائكة قبل أن يخلقه احتجاجاً منه عليهم ، وما كان الله ليغيّر ما بقوم إلاّ (54) بعد الحجّة عذراً عذراً أو نذراً ، فأمر تبارك ملكاً من الملائكة ، فاغترف غرفة بيمينه ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال الله عزّ وجلّ : منك أخلق (55) 
____________
(1) في ق 2 : الشيخ علي بن عبد الصمد . . . أقول : وهو النّيسابوري التّميمي ، قال عنه الشّيخ الحرّ في تذكرة المتبحرين [ ص 192 ط النجف ] : فاضل عالم ، يروي عنه ابن شهر آشوب ، ولا يبعد اتحاده مع التميمي السبزواري ، قال الشيخ منتجب الدين : الشيخ علي بن عبد الصمد التميمي السبزواري فقيه دين ثقة قرأ على الشيخ أبي جعفر . وقال الشيخ الحر بعد عدة أسامي : الشيخ ركن الدين علي بن علي بن عبد الصمد التّميمي النّيسابوري فقيه ثقة قرأ على والده وعلى الشّيخ أبي علي بن الشيخ أبي جعفر رحمهم الله قاله منتجب الدين انتهى والظاهر اتّحاد العناوين الثّلاثة .
(2) في ق 3 : الخوزي ، وفي ق 2 وق 4 : الحوري . ويأتي في الخبر المرقم ( 16 و95 ) .
(3) في ق 2 : خلق الله تعالى قبل .
(4) في ق 3 وق 4 : فان الله . 
(5) في ق 2 : الأرض .
(6) في ق 4 : ما بين .
(7) في ق 3 وق 4 : ويعظّمونه منهم ، والصّحيح : ويعطّمونه . واصطفى منهم .
(8) في ق 2 وق 4 : ولهم .
(9) في ق 1 وق 3 : وحفظهم .
(10) في ق 2 وق 4 : وفوقهن بعد سبع سماوات يقدسون الله ، وفي ق 3 : الأرضين وفوقهن يسبحون الله .
(11) في ق 3 : نسناس جون أشباه .
(12) في ق 2 : أوساط الأرض مع الجن يقدسون ، وفي ق 3 : على طهر الأرض والكل يقدسون .
(13) في ق 4 : بالليل .
(14) في ق 3 : أوساط الأرض على ظهرها مع . 
(15) في ق 3 : وأنكروا ربوبية الله .
(16) في ق 2 : الطائفتين اللذين .
(17) في ق 3 : فحفظ أجنحة .
(18) في ق 2 : إلى السّماء والأرض وإلى ملاقاة الملائكة لما ، وفي ق 3 : وإلى السّماء وإلىملاء الملائكة بما ارتكبوا .
(19) في ق ص وق 4 : على خلاف خلق الجنّ وعلى خلاف خلق الشّياطين .
(20) في ق 1 وق3 : لم يجعل . 
(21) في ق ‍1 وق 3 : ولا لذة العيش .
(22) في ق 3 : بهائم . 
(23) في ق 1 وق 3 : لباسهم ، بدون الواو .
(24) في ق 2 : أنشأها تسمى . 
(25) في ق 3 : أنشأها لهم تسمى .
(26) في ق 2 وق 4 : طولها ألف .
(27) في ق 1 : يقطع الأرض إلى السماء .
(28) في ق 3 : فان كانت .
(29) في ق 1 وق 3 : الارضين .
(30) في ق 2 : ولا أهل .
(31) في ق3 : وكيف ما تطلع الشمس عليهم .
(32) في ق 1 : ليستضيئون .
(33) في ق 3 : ولا يسمعون . 
(34) في ق 2 وق 4 : ولا يقترف .
(35) في ق 1 : قال ثم ان الله ، وفي ق 3 : ثم قال ان الله .
(36) في ق 1 وق 3 وق 4 : ما مضى للجن .
(37) في ق 1 وق 3 وق 4 : مكونه في السماوات والارضين كشط عن ، والكشط بمعنى الكشف .
(38) في ق 1 وق 3 : فاطلعت ورأوا .
(39) في ق 3 وق 4 : يا ربنا أنت .
(40) في البحار : القاهر العظيم ، وفي ق 1 وق 3 : الطاهر العظيم .
(41) في ق 1 وق 3 والبحار : يتقلّبون .
(42) في ق 2 : ذلك واكبرناه .
(43) في ق 1 : مقال .
(44) في ق 4 : فيكون حجة على خلقي في أرضي ، وفي ق 1 وق 3 : في أرضي . 
(45) في ق 2 وق 3 وق 4 : أجعل ، وفي البحار : وأجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعباداً صالحين وأئمة مهتدين وأجعلهم خلفائي .
(46) في البحار : وينذرونهم من عذابي .
(47) في ق 1 والبحار : عذراً أو نذراً .
(48) في ق 1 والبحار : وأسكنهم في الهواء وأقطار . . . فلا يراهم خلقي .
(49) في ق 2 وق 3 وق 4 : من نسل .
(50) في ق 1 : عظمته واصطنعته لعيني ، وفي ق 3 : عظمته أسكنهم .
(51) في ق 4 : مواردهم .
(52) في ق 1 : فقال الله تعالى للملائكة .
(53) والايات : الاولى والثانية من سورة البقرة ( 30 ـ 32 ) ، والثالثة في سورة الحجر ( 28 ـ 29 ) .
(54) في ق 3 : ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم الاّ بعد .
(55) بحار الأنوار الجزء ( 57 | 58 ) أشار هنا إلى جملات من صدر الخبر ، وأورد تمامه في نفس الجزءص( 322 ـ325 ) تحت الرقم : ( 5 ) ، ونبّه على جملات من أوائل الخبر أيضاً في الجزء ( 59 | 252 ) . 

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...