الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / حكم ومواعظ من حياة الانبياء ( عليهم السلام ) – السيد مرتضى الميلاني

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ( عليهم السلام ) – السيد مرتضى الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله
عزيزي القارئ بين يديك القسم الاول من سلسلة « حكم ومواعظ من حياة الانبياء » وابتدئها بحياة الانبياء الخمسة الذين سماهم القران الكريم بـ « اولي العزم » لما يوجد في حياتهم من حكم ومواعظ وعبر ودروس قيمة يمكن الاستفادة منها والاعتبار بها في تهذيب النفس وتزكيتها ، حيث نحن الان بامس الحاجة لمثلها ، وخاصة في زماننا هذا حيث تحيط بنا من كل جانب وصوب التيارات المنحرفة ، وكثرت وسائل اللهو والفسق والفجور التي تزداد يوما بعد يوم ، والحرب الفكرية التي هاجمتنا من الشرق والغرب. 
وقد فكرت في ان اقدم خدمة ولو بسيطة ومختصرة من المواعظ والارشادات والعبر لابنائي واخوتي واخواتي الاعزاء ، ليتمكنوا من الاتعاظ بها والعمل على ضوئها لتزكية انفسهم وتحصنها من اقتحام جنود الشيطان الى داخل قلعة القلب ، وقد شجعني بعض الاصدقاء على ذلك. 

وقد وجدت افضل طريق واقصر مسير ، هو سيرة السلف الصالح من الانبياء والرسل والاوصياء والائمة الاطهار عليهم افضل الصلاة والسلام. 
وقد وجدت اقرب اوجه التشابه بين الحوادث والوقائع والمحن التي نعيشها ونشاهدها في ايامنا هذه ، بتلك التي مرت على الامم والشعوب من قبلنا ، ومن بداية ما خلق لله عزوجل ادم عليه السلام وابنائه ، فاحببت ان امر مرورا سريعا ومختصرا على بعض ما جرى على انبيائنا ورسلهم واوصيائهم من اهل بيت النبوة عليهم السلام ونتعض ونعتبر منهم ونجعلهم قدوة لنا ولابناءنا واجيالنا القادمة ، حيث قال عزوجل : 
« قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا براء منكم ومما تعبدون من دون الله » الى قوله تعالى « لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر » (1). 

لقد كان الانبياء والرسل والاوصياء لنا اسوة حسنة ، ولا يزالون كذلك ، وليس فقط في موقفهم ضد منهج الكفر وعبدة الاوثان والمستكبرين ، بل هم اسوة لنا في الدعاء بين يدي الله عزوجل ، وقدوة لنا في طلب المغفرة منه تعالى ، كما هم عليهم السلام عبر ودروس اخلاقية ، ومنهج سليم ومتكامل. 
وعلى هذا الاساس بعث الله عزوجل الانبياء والرسل ، وبعث مع بعضهم الكتب والشرائع السماوية ، ليحكموا بين الناس بالعدل ، ومبشرين ومنذرين ، وجعل الجنة لمن اطاعه ولو كان عبدا حبشيا ، والنار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا. 

وقد اختار الله عزوجل من جميع الانبياء خمسة ، وسماهم « اولي العزم » ، واختصهم بكتب وشرائع لم يخص غيرهم من الانبياء ، وذلك لمصلحة هو اعلم بها منا. 
وقد خاطب خاتم الانبياء وخامس اولي العزم ( ص ) بالصبر والثبات وتحمل المسؤلية الخطيرة في قوله تعالى : « فاصبر كما صبر اولي العزم من الرسل ولا تستعجل لهم … » (2). 
كما ذكرهم الله تعالى باسمائهم في اية اخرى من كتابه الكريم في قوله تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم : « واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ، ومن نوح ، وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا » (3).

 
تشير هذه الاية المباركة بان الله تعالى اخذ الميثاق من جميع الانبياء ، على تبليغ الرسالة ، وكلفهم بان يؤيد بعضهم بعضا ، والانبياء اللاحقين يصدقون الانبياء السابقين ، ويبشرون بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم خص منهم بالذكر خمسة انبياء وهم اولو العزم ، وعلى راسهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لعظمة جلالته وشرفه وفضله على سائر الانبياء ، وبعده يأتي الانبياء الاربعة وهم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، صلوات الله عليهم اجمعين. 
وكذلك قال الله تعلى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى : « فاصبر كما صبر اولي العزم … » اي لست انت الوحيد الذي واجهت مخالفة هؤلاء البشر وعداوتهم ، وقد واجه من قبلك اولو العزم مثل هذه المشاكل والاتهامات ، ولكنهم ثبتوا واستقاموا امامها. 

مثلا نرى النبي نوح عليه السلام دعا قومه « 950 » عاما ولم يؤمن به الا فئة قليلة ، وكان قومه يؤذونه دائما ويتهمونه بالجنون. 
والنبي ابراهيم عليه السلام : القوه في النار ، وذهب بزوجته وابنه اسماعيل الرضيع وتركهم في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا زرع ، وامتحنه الله بذبح ابنه. 
وكذلك موسى عليه السلام : هددوه بالقتل ، وخرج من مدينته هاربا خائفا ، وكان قلبه قد امتلأ قيحا من عصيانهم. 
والنبي عيسى بن مريم عليه السلام : ارادوا قتله وصلبه فانجاه الله منهم ، وصلبوا شبيهه بعد ان اذوه كثيرا واتهموا امه. 

لقد واجه الانبياء الخمسة من اولي العزم مصاعب كثيرة وتحملوا الام ومشاق من اجل هداية الناس وتبليغ الرسالة وسعادة البشرية ، ومن اجل مواجهة التيارات المنحرفة والعقائد الباطلة من المشركين وعبدة الاصنام ، منحهم الله تعالى العزيمة والارادة القوية والصبر ، وسماهم بـ « اولي العزم » وكذلك توجد روايات كثيرة تدل على ان اولي العزم كانو خمسة منها : 
روي عن ابي جعفر عليه السلام قال : اولو العزم من الرسل خمسة : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم اجمعين (4). 
وجاء في تفسير قوله تعالى : « فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل » هم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ( ص ). 
ومعنى اولو العزم ، انهم سبقوا الانبياء الى الاقرار بالله واقروا بكل نبي كان قبلهم وبعدهم ، وعزموا على الصبر مع التكذيب لهم والاذى. (4) 
وروي عن ابن عباس انه قال : اول المرسلين ادم ، واخرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت الانبياء مائة الف واربعة وعشرين الف نبي ، الرسل منهم ثلاث مائة. (5) 
وخمسة منهم اولو العزم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم. 

وخمسة منهم من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، واسماعيل ، ومحمد صلى الله عليهم. 
وخمسة منهم سريانيون : ادم ، وشيث ، وادريس ، ونوح ، وابراهيم عليهم السلام. 
واول انبياء بني اسرائيل ، موسى واخرهم عيسى عليهم السلام ، والكتب التي انزلت على الانبياء عليهم السلام مائة كتاب واربعة كتب ، منها على ادم خمسون صحيفة ، وعلى ادريس ثلاثون ، وعلى ابراهيم عشرون ، وعلى موسى التوراة ، وعلى داود الزبور ، على عيسى الانجيل ، وعلى محمد الفرقان ، صلى الله عليهم اجمعين. (6) 
وعن ابي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ان اول وصي على وجه الارض هبة الله بن ادم ، وما من نبي مضى الا وله وصي ، كان عدد جميع الانبياء ، مائة واربعة وعشرين الف نبي ، خمسة منهم اولو العزم ، نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم اجمعين. 
وان علي بن ابي طالب كان هبة الله لمحمد ، ورث علم الاوصياء وعلم من كان قبله ، اما ان محمد ورث علم من كان قبله من الانبياء والمرسلين. (7) 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الانبياء والمرسلين وعلى خاتم النبيين محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين. 
المؤلف
________________________________________
1 ـ الممتحنة : 4 ـ 6.
2 ـ الأحقاف : 35.
3 ـ الاحزاب : 7.
3 ـ الخصال : ج 1 ص 144.
4 ـ تفسير علي بن ابراهيم : 624.
5 ـ وفي رواية ، ثلاث مائة وثلاثة عشر.
6 ـ البحار : ج 11 ص 42 عن الاختصاص.
7 ـ بصائر الدرجات : 33.

شاهد أيضاً

كيف انتصر اليمن في حروب الجيل الخامس؟

إن ما يخشونه هو الحق والحقيقة، فضباط الوعي والبصيرة يقضون مضاجع الأعداء، ويدمغون باطل الأعداء ...