الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات

روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات

الدرس السادس عشر

 

                                               التوسّل والزيارة

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

  1. يبيّن معنى وحقيقة التوسّل.

  2. يبيّن أهمية زيارة المعصومين عليهم السلام وآثارها المعنوية والروحية.

  3. يبيّن دور التوسّل وزيارة المعصومين عليهم السلام وآثارهما على حياة الإنسان الإيمانية والمعنوية.

 

 

معنى التوسّل وحقيقته

قال الراغب الأصفهاني في مفرداته في مادة وسل: الوسيلة التوصّل إلى الشيء برغبة. وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرّي مكارم الشريعة[1].

في اللغة: وسّل: وسّلت إلى ربّي وسيلة، أي عملت عملاً أتقرّب به إليه، وتوسّلت إلى فلان بكتاب أو قرابة، أي تقرّبت إليه.

توسَّل إلى الله بوسيلةٍ: إذا تقرّب إليه بعمل. ووَسَّل فلانٌ إلى الله وسيلةً: إذا عمل عملاً تقرّب به إليه. وتوسّل إليه بكذا: تقرّب إليه بحرمةٍ تُعطفه عليه. والواسل الراغب إلى الله[2].

الوسيلة: المنزلة عند الملك، والوسيلة: الدرجة، والقربة، والوصلة والقربى، وجمعها الوسائل[3].

وقد ورد في الدعاء: “اللَّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّداً الْوَسِيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالْفَضِيلَةَ وَالْمَنْزِلَةَ الْكَرِيمَة[4] أي القرب من الله تعالى، وقيل: هي الشفاعة يوم القيامة. وقيل: هي منزلة من منازل الجنّة.

والذي يتحصّل أن التوسّل والوسيلة، هي ما يجعله العبد من الواسطة بينه وبين ربّه لأجل التوصّل بها إلى تحصيل المقصود وهو القرب منه عزّ وجلّ، أو مطلق ما يوسّطه الشخص للتقرّب به إلى الغير من عمل أو كتاب أو قرابة أو غيرها.

 

في الاصطلاح: والتوسُّل إلى الله تعالى بمعناه الاصطلاحي هو أن يتقرّب العبد إلى الله تعالى بشيء يكون وسيلةً لاستجابة الدعاء ونيل المطلوب. وهو ما جاء به قوله تعالى: ﴿ وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُم جَاءُوكَ فَٱستَغفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱستَغفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابا رَّحِيا[5]. فهم بعد استغفارهم يتّخذون من استغفار الرسول لهم وسيلةً لنيل توبة الله عليهم ورحمته إيّاهم. وهذا توسُّل بدعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياته. قال الله تعالى: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبتَغُواْ إِلَيهِ ٱلوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ[6].

الوسيلة ليست إلاّ توصلاً واتصالاً معنوياً بما يوصل بين العبد وربّه ويربط هذا بذاك، ولا رابط يربط العبد بربّه إلاّ ذلّة العبودية، فالوسيلة هي التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر إلى جنابه تعالى، فهذه هي الوسيلة أي الرابطة. فابتغاء الوسيلة إذن ليست سوى التماس ما يقرّب العبد إلى ربّه استجابةً لأمره تعالى. وإن مخالفة أمره هو خروج عن العبودية.

 

مفردات مرادفة للتوسّل

إن توسّل العبد بالآيات الإلهيّة وتوجّهه وتشفّعه بالوسائط التي نصبها الله عزّ وجلّ من أجل قضاء حوائجه أو قبول توبته وعبادته ونيله للحظوة والقرب من الله تعالى، هو من باب الخضوع والعبودية والتوحيد الحقيقي والتام المرضيّ عند الله عزّ وجلّ كما أسلفنا. ويوجد أكثر من مصطلح قد يكون مرادفاً للتوسُّل بهذا المعنى، منها:

  1. 1. الاستشفاع: أو التشفّع، وهو اتّخاذ الشفيع إلى الله تعالى لاستجابة الدعاء ونيل القرب والرضا.

وقد كان الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبدعائه في حياته ثابتاً في سلوك المسلمين وثقافتهم، كما هو ثابتٌ أيضاً بعد وفاته، والإجماع قائمٌ على تحقّق شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم لأمّته يوم القيامة.

والشفيع بمثابة الوسيلة في الدعاء وطلب القربى.

 

  1. الاستغاثة: وهي طلب الاِغاثة من المستغاث به، إلى المغيث وهو الله تعالى.

  2. التوجّه: وهو التوجّه إلى الله تعالى بما له وجهٌ عنده.

 

لماذا التوسّل؟

إن حياة الإنسان في هذه الحياة الدنيا قائمةٌ على أساس الاستفادة من الوسائل ومن الأسباب والمسبّبات والوسائط المادية وغير المادية. فكما أن الإنسان عند إحساسه بالعطش والجوع أو الحاجة للانتقال من مكان إلى آخر يتوسّل بالأطعمة والأشربة ووسائل النقل المختلفة. كذلك يحتاج الإنسان أيضاً عند الإحساس بالفراغ المعنوي إلى التوسّل بالأسباب المعنوية والغيبية، التي لا انفكاك بينها وبين عالم المادة بالأصل ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وسبب هذه الغفلة شدّة الأنس بعالم المادة والانقطاع عن عالم الغيب والآخرة. ويمكن فيما يلي أن نوجز أهم الأسباب المحتِّمة للتوسّل وهي:

  1. الاستجابة لأمر الله تعالى: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبتَغُواْ إِلَيهِ ٱلوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ [7].

  2. لبيان فضل ومقام من نتوسّل بهم: ﴿ أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلوَسِيلَةَ أَيُّهُم أَقرَبُ وَيَرجُونَ رَحمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحذُورا[8].

  3. للحثّ على محبّة من نتوسّل بهم والتأسّي بهم وطاعتهم: ﴿ قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم ﴾[9].

  4. لنيل شفاعة من نتوسّل بهم والحصول على كراماتهم: ﴿ لَّا يَملِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحمَٰنِ عَهدا[10].

  5. لنيل الطهارة المعنوية والنفسية بمن نتوسّل بهم: خصوصاً عندما يرتكب الإنسان المعاصي والذنوب بحيث تشكل عائقاً أمام استجابة الدعاء. قال الله تعالى:

 

﴿ وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُم جَاءُوكَ فَٱستَغفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱستَغفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابا رَّحِيما[11].

 

أقسام التوسُّل

يتعدّد التوسُّل بتعدّد الوسائل، فليس كل شيء يصلُح أن يكون وسيلةً إلى الله تعالى، وإنّما هناك وسائل أمر الشارع ببعضها وشرّع البعض الآخر على نحو الإباحة أو الاستحباب. وهنا بعض أقسام التوسُّل بهذا الاعتبار:

 

  1. 1. التوسُّل بالله تعالى:

الله تبارك وتعالى أقرب إلى المرء من نفسه، وأعلم به من نفسه، وأرحم به من كلّ شيء، فهو الرّحْمنُ الرَّحِيْم بل هو أرْحَمُ الرَّاحِمِيْن، والتوسُّل به تعالى إنما هو لنيل رضاه، ويعبّر هذا التوسّل عن اليقين به تعالى والوثوق به والاعتماد عليه.

وقد جاء في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: “اللهم لا تبدّل اسمي ولا تغيّر جسمي ولا تجهد بلائي ولا تشمت بي أعدائي أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برحمتك من عذابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك جل ثناؤك أنت كما أثنيت على نفسك وفوق ما يقول القائلون[12].

 

  1. التوسُّل بأسماء الله الحسنى وصفاته جلّ جلاله:

قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ ٱلأَسمَاءُ ٱلحُسنَىٰ فَٱدعُوهُ بِهَا[13]، وهو أمرٌ صريحٌ بدعاء الله تعالى والتوسّل إليه بأسمائه الحسنى. وغالباً ما يأتي الدعاء بالأسماء الحسنى على صيغة التوسُّل والاستغاثة، وهو ما يضيف أُسلوباً جديداً من أساليب التوسُّل والاستغاثة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لله تسعة وتسعون اسماً، من دعا الله بها استجيب له[14].

 

  1. التوسُّل بالقرآن الكريم:

كما ورد سؤال الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، ورد أيضاً سؤاله جلّ شأنه بالقرآن الكريم، وهو كتابه المنزل وكلامه المحكم. وفي حديث الإمام علي عليه السلام ما يبيِّن ذلك، حيث قال: “واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ… فاسألوا الله به، وتوجّهوا إليه بحبِّه، ولا تسألوا به خلقه، إنّه ما توجّه العباد إلى الله تعالى بمثله[15].

وفي الدعاء عن الإمام الصادق عليه السلام: “‏اللهمّ إنّي أسألك بكتابك المنزل وما فيه وفيه اسمك الأكبر وأسماؤك الحسنى وما يُخاف ويُرجَى أن تجعلني من عتقائك من النّار[16].

  1. التوسّل بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام:

من أقسام التوسّل، التوسُّل بالرسول وأهل البيت عليهم السلام، لما لهم عند الله من شأنٍ ومنزلة، وفي بعض المأثور عنهم عليهم السلام كما في هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “قال رسول الله… ونحن الوسيلة إلى الله والوُصْلة إلى رضوان الله ولنا العصمة والخلافة والهداية وفينا النبوّة والولاية والإمامة ونحن معدن الحكمة وباب الرّحمة وشجرَة العصمة ونحن كلمة التقوى والمثل الأعلى والحجّة العظمى والعروة الوثقى التي من تمسّك بها نجا[17]. وعن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في حديثٍ آخر قال: “الأئمّة من ولد الحسين من أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله عز وجل[18].

 

آداب التوسّل

آداب التوسّل هي مثل آداب الدعاء لأن حقيقة التوسّل هو الدعاء الى الله تعالى بحقّ وجاه من أمرنا بالتوسّل بهم، مع فارقٍ بسيط هو استحضار علّة التوسّل بأنها استجابة لأوامر المعبود بابتغاء الوسيلة إليه وإتيانه من الباب الذي أمر أن يُؤتى منه، وكذلك

 

استحضار عظمة ومنزلة المتوسّل بهم عند الله تعالى. ويُضاف إلى ذلك الاعتقاد الجازم والراسخ بحياة وحضور الأفراد الذين أُمرنا بالتوسّل بهم كالنبي محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، وبأنهم يسمعون دعاءنا وتوسّلنا بهم وبأنهم قادرون على الإجابة وعلى التشفّع لنا عند الله عزّ وجلّ.

 

زيارة المعصومين عليهم السلام وفضلها

إحدى الشعائر العبادية التي يتقرّب بها المؤمنون إلى الله تعالى الزيارة إلى المشاهد المقدّسة لأوليائه، وتتلخّص فلسفة زيارة المعصوم في قولٍ ورد عن الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: “إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائهم وشيعتهم، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء، زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً لما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة”[19]. فزيارتهم عليهم السلام هي نوعٌ من الاعتراف بالحق والفضل الذي لهم علينا وتجديد العهد وأداء الأمانة. والنصوص الشريفة في فضل زيارتهم جميعاً عليهم السلام كثيرةٌ جداً نكتفي بذكر بعضها تبرّكاً:

عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليّ في حياتي فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ السّلام فإنّه يبلغني”[20].

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “يا عليّ من زارني في حياتي أو بعد موتي أو زارك في حياتك أو بعد موتك أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها وشدائدها حتّى أُصَيِّرَه معي في درجتي[21].

 

الهدف من الزيارة

ما هي أهمية وأهداف الزيارة؟ قبل بيان هذا الأمر نجمل الأهداف المتعلّقة بزيارة قبور المسلمين، بشكلٍ عام بما يلي:

 

  1. الخشوع وتذكّر الموت والآخرة: وهذه أهداف لا غنى لمؤمنٍ عنها، وفي تحقّق هذه المعاني من وراء الزيارة قولهصلى الله عليه وآله وسلم: “إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن شاء أن يزور قبراً فليزره، فإنّه يُرقُّ القلب، ويُدمع العين، ويذكّر الآخرة[22]. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً قال: “زُر القبور تذكّر بها الآخرة”[23].

 

  1. الدعاء للميت: هذا السلوك الأخلاقي الرفيع، الذي يحفظ كرامة المسلم في مجتمعه حتى بعد موته، ويربّي في المسلمين روح الإخاء والحبّ والمودّة وأداء حقوق الآخرين التي لا تنقطع برحيلهم من الدنيا. فقد كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا دخل المقبرة قال: “عليكم السّلام يا أهل الدّيار الموحشة والمحالّ المقفرة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لنا سلف وفرط ونحن لكم تبع وبكم عما قليل لاحقون‏[24].

 

  1. أداء حقوق الموتى: ولا شك في أنّ لبعض الموتى حقوقاً خاصةً على البعض، تتأكد معها الزيارة، مثل زيارة قبر الوالدين، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “مَنْ زار قبر أبويه أو أحدهما كلَّ جمعةٍ غُفِر له وكتب برّاً”[25].

وكلّما تعاظمت الحقوق أصبح لهذه الزيارة شأن أكبر ومرتبة أرفع. ولا شك في أنّ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبناء أمّته أثبت الحقوق وأعظمها، الأمر الذي يجعل قصد المؤمن لزيارته صلى الله عليه وآله وسلم من القربات المهمّة، وكذلك زيارة الأئمة الهداة من أهل بيته عليهم السلام الذين أمر بحبِّهم والاقتداء بهم.

 

فوائد وآثار زيارة المعصومين عليهم السلام

ذكرنا ما تحقّقه الزيارة بشكلٍ عامٍ من أهدافٍ يعود نفعها على الفرد الزائر وعلى المجتمع الذي تسود فيه هذه القربة، من خلال تحقيق فرصةٍ لا غنى عنها في إحياء

 

القلوب بذكر الله تعالى، وبذكر الموت والآخرة، وسيادة روح احترام حقوق المؤمنين أحياءً وأمواتاً، وأدائها.

إضافةً إلى ذلك فهناك خصوصية معنوية لزيارة مشاهد أولياء الله تعالى، فإنّ زيارة الأنبياء والأئمة والصالحين تزيد وتعمّق أواصر الارتباط بهم، وتجدّد في النفوس العلاقة بهم، وتحيي آثارهم الجليلة وفضلهم على الإنسانية، وأعمالهم الصالحة، ومكارم أخلاقهم. وأيضاً ما يبعثه ذلك من الاقتداء التام بهم، وإحياء ذكرهم على الدوام وتقوية شعور الزائر بقربه من المزور.

 

ويمكن اختصار فوائد الزيارة للزائر بالتالي:

  1. التأكيد على الايمان الراسخ بالله ورسوله واليوم الآخر وبما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

  2. إظهار المودة التي هي أجر الرّسالة المحمّديّة: ﴿ قُل لَّا أَس‍َٔلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا ٱلمَوَدَّةَ فِي ٱلقُربَىٰ[26] وإبراز التكريم والتعظيم لمقامهم الشامخ ومنازلهم الرفيعة.

التخلّق والتحلّي بأخلاقهم الطيّبة تأسيّا بهم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم ﴾[27]، ﴿ لَّقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَة[28].

  1. الاستمداد الروحي والفكري والسلوكي من أرواحهم الطاهرة وجاههم عند الله، فإنّهم وسائط الفيض بين الخالق والخلق، وإنّهم من أتمّ مصاديق الوسيلة ﴿ وَٱبتَغُواْ إِلَيهِ ٱلوَسِيلَةَ[29].

  2. نيل الشفاعة منهم في الدنيا والآخرة. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة[30].

  3. طلب التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله عند أضرحتهم المقدّسة لشرافة المكان.

 

  1. طلب الأجر والثواب والخلاص من الآثام والقبائح بزيارتهم وقصد حرمهم المقدّسة.

  2. زيارتهم من مصاديق التولّي والتبرّي اللذين هما من فروع الدين.

 

الآداب المعنوية للزيارة

كغيرها من الأعمال التي يُتقرّب بها إلى الله تعالى، فإن للزيارة سنناً وآداباً، ينبغي التزامها، والعمل بمقتضاها. أما آدابها الظاهرية فتُطلب في الكتب الخاصّة بالأدعية والزيارات، وما يعنينا هنا هو آدابها المعنوية.

فبما أن الزيارة تمثّل تجسيداً عملياً وروحياً للرابطة بين الإنسان المؤمن والمعصومين عليهم السلام، فمن الآداب أن يعتقد الزائر أنَّه يرد بيت الإمام الذي هو من بيوت الله التي: ﴿ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا ٱسمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلغُدُوِّ وَٱلأصَالِ[31]، وأنّه يتحدّث في هذه الزِّيارة مع الإمام الذي يسمع كلامه ويفهمه ويردّ جوابه. فمن الآداب استحضار معنى الزيارة وأنها وقوف بين يدي المزور كإحساس وجداني، وكذلك استشعار حياة المعصوم، لأن الاعتقاد بحياته من لوازم الاعتقاد بقربه ومنزلته من الله تعالى. ونجد في الاستئذان للدخول إلى مشاهدهم ما يعبّر عن هذه الحقيقة: “اللّهمّ، إنّي وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك صلواتك عليه وآله… اللّهمّ، إنّي أعتقدُ حرمةَ صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته، كما أعتقدها في حضرته، وأعلم أنّ رسولك وخلفاءك عليهم السلام أحياء عندك يرزقون، يرون مقامي ويسمعون كلامي ويردّون سلامي، وأنّك حجبت عن سمعي كلامهم، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم[32].

ومن الآداب أيضاً الإقرار بمقام المعصوم عليه السلام عند الله تعالى ومنزلته الشامخة وفضله علينا. لأن قبول الزيارة مترتّبٌ على العرفان بحق الإمام، أي المعرفة بمنزلة الإمام عند الله تعالى ومقامه المنيع. ورد في الزيارة: “اللهمّ، صلّ على أمير المؤمنين، عبدك وأخي رسولك الذي انتجبته بعلمك وجعلته هادياً لمن شئت من خلقك، والدليل على

 

من بعثته برسالاتك، وديّان الدين بعدلك، وفصل قضائك بين خلقك، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته…”[33].

وكذلك في زيارة الإمام الحسين عليه السلام: تقول: “أتيتك زائراً، عارفاً بحقّك، موالياً لأوليائك، معادياً لأعدائك، فاشفع لي عند ربك[34].

فلا شك أن الذي يزور الإمام وروحه تفيض من معاني التعظيم والاحترام والتقدير، تجاه المعصوم، غير ذلك الذي يزوره بروح خالية من المعاني، وما زيارته إلا عملية ميكانيكية مادية حيث دخل بدنه المشهد الشريف، فإن هذا لا يوجب القرب من المعصوم.

 

التمارين

ضع إشارة û أو ü في المكان المناسب:

 

1 – التوسّل هو الوسيلة الرابطة في التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر إلى جنابه تعالى 

2 – الغاية من التوسّل هي لنيل شفاعة من نتوسّل بهم وتحقيق الطهارة المعنوية والنفسية 

3 – لا يمكن للإنسان التوسّل بغير الله سبحانه وتعالى كتوسّله بالأنبياء والأولياء لأنّ ذلك يُعتبر شركاً بالله سبحانه وتعالى 

4 – حقيقة التوسّل هو سؤال الله سبحانه وتعالى بمكانة ومنزلة الأنبياء والأولياء عنده سبحانه وتعالى 

5 – إنّ زيارة المعصومين عليهم السلام تُمثّل نوع اعتراف بحقّهم وفضلهم ومكانتهم عند الله 

6 – إذا زار الإنسان القبور والصلاة عندها قصد بذلك الاعتماد على أصحابها من دون الله تعالى 

7 – زيارة الأولياء تزيد وتعمّق أواصر الارتباط بهم، وتحيي آثارهم الجليلة وفضلهم على الإنسانية، وأعمالهم الصالحة، ومكارم أخلاقهم 

8 – قبول الزيارة مترتّبٌ على المعرفة العلمية بالإمام من دون الحاجة إلى معرفة حقّه وفضله ومقامه عند الخالق الكريم 

9 – أجر الرّسالة المحمّديّة هو إظهار المودّة لأهل بيت العصمة والطهارة والتي تتحقّق بالزيارة والتوسّل بهم 

10 – الزيارة تُمثّل تجسيداً عملياً وروحياً للرابطة بين الإنسان المؤمن والمعصومين عليهم السلام 

 

المفاهيم الرئيسة

  1. الوسيلة ليست إلاّ توصلاً واتصالاً معنوياً بما يوصل بين العبد وربّه ويربط هذا بذاك، ولا رابط يربط العبد بربّه إلاّ ذلّة العبودية، فالوسيلة هي التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر إلى جنابه تعالى، فهذه هي الوسيلة أي الرابطة.

  2. أهم الأسباب المحتِّمة للتوسّل هي: استجابة لأمر الله تعالى، لبيان فضل ومقام من نتوسّل بهم، للحثّ على محبة من نتوسّل بهم والتأسّي بهم وطاعتهم، لنيل شفاعة من نتوسّل بهم، لنيل الطهارة المعنوية والنفسية بمن نتوسّل بهم.

  3. يتعدّد التوسُّل بتعدّد الوسائل، وهنا بعض أقسام التوسُّل بهذا الاعتبار: التوسُّل بالله تعالى، التوسُّل بأسماء الله الحسنى وصفاته جلّ جلاله، التوسّل بالقرآن الكريم، التوسّل بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام.

  4. آداب التوسّل هي مثل آداب الدعاء لأن حقيقة التوسّل هو الدعاء إلى الله تعالى بحقّ وجاه من أمرنا بالتوسّل بهم، مع استحضار علّة التوسّل بأنها استجابة لأوامر المعبود.

  5. زيارة المعصومين عليهم السلام هي نوعٌ من الاعتراف بالحق والفضل الذي لهم علينا وتجديد العهد وأداء الأمانة. والنصوص الشريفة في فضل زيارتهم عليهم السلام كثيرةٌ جداً.

  6. الخشوع وتذكّر الموت والآخرة، الدعاء للميت وأداء حقوق الموتى هي من أهداف زيارة قبور المسلمين، وكلّما تعاظمت الحقوق أصبح للزيارة شأنٌ أكبر ولذلك كانت زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك زيارة الأئمة الهداة من أهل بيته عليهم السلام من أعظم القربات.

  7. زيارة الأولياء تزيد وتعمّق أواصر الارتباط بهم، وتحيي آثارهم الجليلة وفضلهم على الإنسانية، وأعمالهم الصالحة، ومكارم أخلاقهم. وأيضاً الاقتداء التام بهم، وإحياء ذكرهم على الدوام وتقوية شعور الزائر بقربه من المزور، وغيرها الكثير من الفوائد.

 

للمطالعة

عحبّ الدنيا مفسدٌ لعزم الإنسان

من المفاسد الكبيرة لحب الدنيا أنّه يمنع الإنسان من الرياضات الشرعية والعبادات والمناسك، ويُقوّي جانب الطبيعة في الإنسان بحيث يجعلها تعصي الروح وتتمرّد عليها ويوهن عزم الإنسان وإرادته، مع أن من أكبر أسرار العبادات والرياضات الشرعية هو أن تجعل الجسم وقواه الطبيعية تابعة ومنقادة للروح بحيث يكون للإرادة دور مؤثر في الجسم ويخضع الجسم لأوامر الإرادة فيعمل ما تشاء، ويمتنع عمّا تشاء، ويصبح مُلك الجسم وقواه الظاهرة مقهوراً ومسخّراً للملكوت بحيث إنه يقوم بما يريد من دون مشقّةٍ ولا عناء.

إن من الفضائل والأسرار الشاقّة والصعبة للعبادات تحقُّق هذا الهدف – تسخير مُلك الجسم للملكوت – أكثر حيث يصير الإنسان بذلك ذا عزم، ويتغلّب على الطبيعة والملك. فإذا اكتملت الإرادة وقوي العزم واشتدّ، أصبح كمَثل الجسم وقواه الظاهرة والباطنة مَثل ملائكة الله الذين لا يعصون الله وإنما يطيعونه في كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه، من دون أن يعانوا في ذلك عنتاً ولا مشقة. كذلك إذا أصبحت قوى الإِنسان مسخّرة للروح، زال كل تكلّف وتعب وتحوّل إلى الراحة واليسر، واستسلمت أقاليم الملك السبعة للملكوت وأصبحت جميع القوى عمّالاً له.

فاعلم، يا عزيزي، أن العزم والإرادة القوية لذلك العالم ضروريان وذات فعالية. إن البلوغ لأحد مراتب الجنة والذي يُعدّ من أفضلها هو العزم والإرادة. فالإنسان الذي ليست له إرادة نافذة ولا عزم قوي لا ينال تلك الجنة ولا ذلك المقام الرفيع. جاء في الحديث، أن أهل الجنة عندما يستقرون فيها، تنزل عليهم رسالة من ساحة القدس الإلهي جلّت عظمته بهذا المضمون: “هذه رسالة من الحي الثابت الخالد إلى الحي الثابت الخالد. أنا الذي أقول للشيء: كن، فيكون. وقد جعلتك اليوم أيضاً في مستوىً إذا أمرت الشيء وقلت له كن، فيكون”[35].

[1]  الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن مادة وسل، ص560 ـ 561.

[2]  ابن منظور، لسان العرب، مادة وسل.

[3]  م. ن.

[4]  الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص175.

[5]  الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص175.

[6]  سورة المائدة، الآية 35.

[7]  سورة المائدة، الآية 35.

[8]  سورة الإسراء، الآية 57.

[9]  سورة آل عمران، الآية 31.

[10]  سورة مريم، الآية 87.

[11]  سورة النساء، الآية 64.

[12]  الطوسي، محمد بن الحسن‏، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد ،ص830، بيروت‏، نشر مؤسسة فقه الشيعة، 1411 هـ.، ط 1‏.

[13]  سورة الأعراف، الآية 180.

[14]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص140.

[15]  العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج89، ص23.

[16]  م.ن، ج94، ص4.

[17]  م.ن، ج25، ص23.

[18]  م. ن، ج36، ص244.

[19]  الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص567.

[20]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص337.

[21]  الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص 579.

[22]  الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص376.

[23]  م. ن، ص377.

[24]  م.ن، ج1، ص368.

[25]  م. ن، ص365.

[26]  سورة الشورى، الآية 23.

[27]  سورة القلم، الآية 4.

[28]  سورة الأحزاب، الآية 21.

[29]  سورة المائدة، الآية 35.

[30]  الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص548.

[31]  سورة النور، الآية 36.

[32]  الشيخ الكفعمي، المصباح، ص473.

[33]  الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص573.

[34]  الشيخ المفيد، المقنعة، ص466.

[35]  الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، الحديث السَادِس: من أصبح وأمسى والدنيا أو الآخِرة أكبر همّه.

شاهد أيضاً

الحجاب النوراني والحجاب الظلماني

لكن أنواع ذلك الجلال هو اشراقاتي وهو لفرط العظمة والنورانية واللانهائية، يبعد عنها العاشق بعتاب ...