الرئيسية / تقاريـــر / لقاء الحبيب: قائدي الحبيب…نـوّرتُــم – مهدي قزلي

لقاء الحبيب: قائدي الحبيب…نـوّرتُــم – مهدي قزلي

في سياق الزيارات التي يقوم بها السيد القائد دام ظله إلى المناطق التي تصيبها الزلازل، توجّه سماحته إلى محافظة كرمنشاه لتفقّد السكّان المتضرّرين والتخفيف عنهم.

وكان الزلزال الذي أصاب هذه المنطقة بمدنها وقراها قد خلّف نسبة كبيرة من الأضرار والخسائر تجاوزت الـ08%. بدأ القائد زيارته إلى مدينة “سربل ذهاب” ثمّ غادرها والوفد المرافق معه إلى القرى المجاورة.

خرجنا من مدينة “سربل ذهاب”، ودخلنا في السهل والناس يلوّحون بأيديهم للقائد، وهو يردّ عليهم بدوره، متّجهين نحو القرى الأربعة التي أصابها الزلزال المدمّر…   * قائدي الحبيب… توقّف عرّجنا نحو قرية “كوئيك مجيد”.

كانت أعمال الإغاثة في هذه القرية موكلة إلى عناصر الحرس والتعبئة، الذين عندما علموا بقدوم القائد، سبقوا الناس لملاقاته.

دخل القائد عبر سور خرِب لبيت وَوَرد باحته.

تفقّد الخيم التي كانت منصوبة في الباحة، واطمأنّ على أحوال ساكنيها.

اجتمع أهالي القرية وراحوا يشيرون إلى القائد بأيديهم غير مصدّقين.

ألقى القائد بضع كلمات، ثمّ توجّهنا إلى القرية الثانية “كوئيك حسن”، وقد صار الناس على علم بمجيء القائد. في هذه القرية، راح رجل ذو لحية بيضاء يعدو إلى جانب السيّارة، ويقول: “قائدي الحبيب توقّف”! بالطبع، لم يكن التوقّف بهذه السهولة.

بعد ذلك توقّفت السيّارة في باحة أكثر اتّساعاً، حيث البيوت مهدّمة من أثر الزلزال، وقد نصب الناس الخيم في باحات بيوتهم.

تقدّم القائد بين زحمة الناس المجتمعين متفقّداً الخيم، يسأل أهلها عن أحوالهم. اقترب رجلٌ إلى الأمام وقال: أسألكم بالله أن تنتبهوا، لقد جمعنا جميع حاجياتنا وأدواتنا داخل الخيمة، فقام بعض عاملي الإغاثة من الحرس الثوري، والذين كانوا قد تجمّعوا لرؤية الإمام الخامنئي، بتشكيل حلقة حول خيمة الرجل وضبط جموع الناس.

  * زيارتكم فخرٌ لقريتنا أظنّ أنّنا كنّا في “كوئيك الثالثة” حينما شاهدت شاباً يرتدي معطفاً أحمر اللون، دفَع جموع الناس وحاول جاهداً الاقتراب من القائد، ثم أمسك بيد سماحته وقد أراد التكلّم، ولكنّ الإمام أشار إليه أنْ يَصبر حتى تتكلّم السيدة المتقدّمة في السن أولاً…

انتبه الإمام الخامنئي إلى أنّ عناصر المرافقة يُبعدون الشابّ، فأشار سماحته إليه وقال: “أحضروا ذاك الشابّ لأستمع إليه”.

بمجرد أن اقترب الشاب قال لسماحته: تعرّضنا للحرب عدّة سنوات، لكن بعد هذا الزلزال قسماً بعزة الله أنّ وضعنا أسوأ ممّا كان عليه أيّام الحرب، أملنا بالله أولاً وبسماحتكم ثانياً. قال له الإمام: “هل تتذكّر أيّام الحرب؟”، فأجاب: “لا، ولكنّي سمعت عنها”.

قال الإمام الخامنئي: “لقد كنتُ في أيام الحرب تلك هنا أيضاً”. أكمل الشاب كلامه: “إنّه لفخرٌ لقريتنا أن تتشرّف بزيارتكم، كنّا نسأل الله أنْ تتفضلوا في وقت غير هذا لنُقدِّم الأضاحي احتفالاً بمجيئكم”.

تحدَّث الإمام الخامنئي في الناس بكلمة مقتضبة، وتفقَّد بعدها القرية كما فعل مع القرى السابقة، ثمّ توجّهنا نحو قرية “قلعة بهادري”.   * نوّرتُم… دخلنا القرية، وتوقّفنا أمام أحد المنازل، حيث دخل الإمام الخامنئي دام ظله باحته، ولم يكن الناس قد تجمّعوا بعد. خرجت من المنزل امرأة مسنّة وبمجرد رؤيتها لسماحته فتحت يديها متجهة نحوه!

جمع سماحته نفسه قليلاً؛ فأدركت المرأة أنَّ عليها السيطرة على حماسها، وعندما اقتربت ضبطت نفسها وقامت بتقبيل عباءته.

كان ثمة رجلٌ في إحدى الخيام، استأذنتُ منه، وخلعتُ حذائي، ثمّ دخلت الخيمة، فالتقيتُ فيها سيّدتين شابّتين تحمل إحداهما طفلاً صغيراً، وسيّدة ثالثة مسنّة. كانوا هم مَن نصبوا تلك الخيمة، مستخدمين القصب والبلاستيك. وعندما دخل الإمام دام ظله الخيمة ألقى السلام فردّ عليه الرجل: “نوَّرتم”.

سأل سماحته الجميع عن أحوالهم، ثمّ أشار إلى القصب والخيمة وسأل: “هل أنتم مَن صنع هذه؟”، فردّت النساء بالإيجاب. فدعا الإمام الخامنئي لهنّ، ثمّ تقدّم سماحته خطوة وأمسك بأطراف أصابعه وجْنة الطفل الصغير وقبّل أصابعه.

بعد ذلك، خاطب سماحته أهالي القرية عبر مكبّر الصوت قائلاً: .. “أسأله تعالى أنْ يشملكم بلطفه تعويضاً عن هذه المصيبة التي حلّت بكم.. كما أسأله تعالى أن يوفقنا جميعاً للقيام بواجباتنا على أفضل نحو ممكن”.   * بيوتٌ سوّيت بالأرض القرية الأخيرة التي قمنا بزيارتها كانت “سراب ذهاب”.

كانت بيوتها قد سُوِّيت بالأرض. توقّفت سيّارة سماحته وسط القرية، وصافح جموع الناس الذين مدّوا أيديهم نحوه، ثمّ كلّمهم فقال: “… نسأله تعالى ونتضرع إليه أن يشملكم برحمته وفضله… أتمنّى أنْ أُشارككم أفراحكم في يوم من الأيام..”. تابعنا طريقنا نحو معسكر شهداء “بازي دراز”. وفي مصلّى المعسكر جلس الإمام الخامنئي دام ظله على أحد الكراسي، فيما جلس الجميع في صفوف الصلاة منتظرين وقت الصلاة وهم في سكون. ثم سأل سماحته الملّا قادر قادري(1) عن الأضرار والخسائر التي لحقت بحيِّهم. حلَّ الصمت مرّة ثانية. هذه المرة كان الصمت أطول، كان صمت الإمام الخامنئي دام ظله عجيباً، يشوبه الحزن والغم. هزَّ سماحته برأسه، وأخذ نفساً عميقاً وقال بصوت هادئ: “تحتاج هذه القرى إلى الكثير من العمل، الكثير.. لقد سُوّيت بالأرض”.

* الزلزال آية إلهيّة بعد الصلاة بدأ سماحته كلمته: “الزلزال من الآيات الإلهية. هذا الزلزال وزلازل العالم التي نشعر حيالها بالعجز والضعف، ليست بشيء مقابل زلزلة يوم القيامة، وينبغي أن يذكّرنا هذا الزلزال بذلك الزلزال. وإذا أردنا الخلاص من هول يوم القيامة والدهشة التي تعتري كلّ البشر في مشهد القيامة علينا أن نرحم عباد الله هنا.. لأنّنا غير مبتلين، فلا نفهم الابتلاء.. إنّ حياة الناس هنا قد اختُصرت في هذه الخيم وما في داخلها، وهذه ليست بحياة. كانت لي مشاركة في إغاثة المتضرّرين بالزلازل والسيول. نحتاج هنا إلى شيئين: الأوّل الإنقاذ، والثاني الإغاثة والإمداد… الآن وقد انتهت عمليات الإنقاذ، يجب تأمين المَسكن، وإزالة الأنقاض وإعادة الإعمار. يجب القيام بهذا العمل بسرعة”.

أنهى القائد كلمته، وحين قام ليخرج، مرّ شابّ من جانبي وقال للقائد: سيّدي، هلّا أعطيتني كوفيّتك؟ كان الشابّ يجلس في الصفّ الثالث، وفيما كان القائد ينزع الكوفيّة عن كتفيه أمسك شخص آخر بطرفها وجذبها نحوه، التفت القائد إلى أنّ الكوفيّة لم تصل إلى الشابّ وبقيت فوق رؤوس الجموع بين يدي شخص أو اثنين، فوقف ينتظر ليرى إنْ كانت الكوفيّة ستصل إلى الشابّ أم لا. عندها تركها الشخصان اللذان كانا قد أخذاها وهما خجلان، ليسلّمها المرافق إلى الشابّ الذي أشار إليه القائد. غادر القائد، فتبعناه إلى غرفة كبيرة بجانب المُصلَّى حيث جلس القائد على المائدة، وكان الآخرون يأتون إليه ويسألونه الأسئلة.

قال أحدهم: إنّ إزالة الأنقاض وترحيلها أمران بالغا الصعوبة. ولكننا سوف نعمد إلى إزالة هذه الأنقاض بمقدار يصبح معه بإمكاننا وضع بيت جاهز في باحة كل منزل. وضع سماحته ملعقته جانباً، وقال: “أخبرني، متى يتم القيام بإزالة الأنقاض بنحو يتسع معه المكان للبيت الجاهز؟”.

دار نقاش بين الحضور، ومن بينهم قائد الجيش واللواء جعفري(2) عن كيفية تجهيز وتأمين البيوت للمتضرّرين. فأعاد الإمام الخامنئي الذي كان يستمع إلى كلامهم السؤال: “لَم تخبروني متى سوف يتم تسليم الأهالي البيوت الجاهزة هذه”. خاطر أحدهم وقال: يستغرق الأمر شهرين. فقال سماحته بهدوء: “شهران!”.

كان القادة العسكريّون يتكلّمون مع بعضهم بعضاً بهدوء وذهبوا إلى ناحية من الغرفة لمتابعة اجتماعهم. خرج سماحته من الغرفة، وانتهت الأحداث التي جمعتنا بسماحته خلال تفقّده محافظة “كرمانشاه”.

ما زال يتردّد في ذهني لَحْنُ سؤال السيد القائد حين قال: أخبروني متى سيتمّ تأمين البيوت الجاهزة للأهالي؟ (*) قصّة مرافقة الإمام القائد الخامنئي دام ظله في تفقّد منطقة “سربل ذهاب” والمناطق المحيطة بها التي ضربها الزلزال. 21 آبان/ 13 تشرين الثاني 2017م.

1.خطيب جمعة أهل السنّة في مدينة باوه الإيرانية وهو رمز من رموز الوحدة بين السنّة والشيعة.

2.قائد حرس الثورة الإسلامية.

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...