الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / تربية الطفل – الرؤية الإسلامية للأصول والأساليب

تربية الطفل – الرؤية الإسلامية للأصول والأساليب

دار المعارف الإسلامية الثقافية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على الأسوة الحسنة والنموذج السلوكيّ الأعلى في التربية، حبيبنا رسول الله محمّد بن عبد الله، صلّى الله عليه وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين.

كانت التربية ومازالت، ميداناً خصباً لجدليّة العلاقة بين النظريّة والتطبيق. وفي هذا السياق نلاحظ أنّ بعض الباحثين ذهب ذات اليمين في طرح رؤى تربويّة أقرب إلى الطابع الفلسفيّ، فغرق في البعد النظريّ المتعلّق بتعريف التربية ومناقشة الآراء حولها، وشرح أهداف التربية والعوامل المؤثّرة إيجاباً أو سلباً فيها، وتحليل الطبيعة البشريّة وبيان أبعاد الشخصيّة الإنسانيّة. فأجاب عن أسئلة، مثل: ما؟ ولم؟ وهل؟ وأغمض عينه اليسرى عن: كيف؟ ومتى؟ أي لم يقدّم لنا رؤية حول الأساليب والتقنيّات التي تقع على صراط صناعة هويّة المتربّي، ولم تبيّن لنا الوسائل والآليّات التي توصل إلى الأهداف المنشودة في التربية، في حين أنّنا نعاين بعض التربويّين يهتمّ بالجانب التطبيقيّ للتربية، باعتبار أنّها مجرّد مجموعة عمليّات، فقدّم تقنيات مهمّة في إيصال المتربّي إلى كمال طبيعته، مجيباً عن كيف؟ ومتى؟ لكن كان ثمّة نقطة ضعف في أعمالهم التربويّة، وهي أنّها لم تؤسس على قاعدة متينة، ولم تستند على أيّ تأصيل نظريّ.

ولا شكّ في أنّ خير الأمور الوسط، فميدان التربية يحتاج إلى كلا الأمرين معاً، أي النظرية والتطبيق، لأنّهما بمنزلة الجناحين اللذين يحتاجهما التربويّ ليحلِّق بهما في سماء هذا الفضاء الواسع.

وانطلاقاً من مسار حركتنا في رفد المؤسّسات التعليميّة والتربويّة المهتمّة ببناء الكادر التربويّ تعليماً وتدريساً وبحثاً وتأليفاً، كان القرار بالعمل على تأليف متن تعليميّ وتدريسيّ يوازن بين عمق التأصيل النظريّ من جهة، لصناعة شخصيّة الباحث والمنظّر التربويّ في ضوء أسس ومرتكزات قويّة ومتينة، وبين التقنيّات التطبيقيّة والأساليب العمليّة من جهة ثانية، ليستطيع المتعلّم أن يكون مربياً، وليس مجرّد باحث أو منظّر في التربية.

في هذا السياق، وُلدت فكرة كتاب “المنهج الجديد في تربية الطفل”، حيث تمّ التركيز في الجزء الأول على البعد النظريّ فيما يتعلّق بتربية الطفل، مع تلوينه ببعض الدروس التي تحمل طابعاً عمليّاً، وكنّا قد وعدنا في مقدّمة الجزء الأوّل أن نتمّم العمل بجزء ثانٍ نعالج فيه أساليب وتقنيّات التربيات المضافة، وقد وفّينا في هذا الجزء بما وعدنا به، وأطلقنا عليه عنوان: “المنهج الجديد في تربية الطفل – الرؤية الإسلاميّة للأصول والأساليب”.

وبالإضافة إلى ما تقدّم، كان أيضاً من خصائص ومميّزات هذا الكتاب عن غيره من الكتب التربويّة:

أولاً: أنّه تعرّض لأغلب الساحات التربويّة كالتربية العقائديّة والفكريّة والعباديّة والأخلاقيّة والاجتماعية والاقتصاديّة والبيئيّة والجهاديّة والفنيّة والصحّيّة والجنسيّة والرياضيّة والجماليّة… هذا، ولا ندّعي أنّنا قد عالجنا ساحات التربيات المضافة كلّها، بل بقي هناك بعض الساحات التي لم نتعرّض لها، كالتربية الإعلاميّة والتربية السياسيّة… وهذا ليس غفلة منّا عن أهمّيّتها، ولكن بسبب أنّ المسار التعليميّ لهذه المادّة يقتضي عدداً معيّناً من الوحدات.

ثانياً: أنّه عالج أساليب التربية وتقنيّاتها في ضوء رؤية منبثقة من النصوص الدينيّة ومستنبطة منها أو متناغمة ومنسجمة معها، فيلاحظ في كلّ درس مجموعة من الآيات أو الروايات التي تمّت استفادة الأصول والأساليب التربويّة في ضوئها.

ثالثاً: أنه اعتمد على عدد كبير من المصادر والمراجع التربويّة في مختلف الميادين والساحات.

رابعاً: أنّه جمع بين أصالة الفكر الإسلاميّ وبين حداثة ما تفتّق عنه الذهن البشريّ من نظريّات تربويّة.

هذا بالإضافة إلى نقاط أخرى، كوضوح المنهج والترتيب الهندسيّ بين المباحث، وكالموازنة بين عمق المضمون وسلاسة اللغة…

أخيراً، نسأل الله تعالى أن يكون هذا الكتاب موضع عناية الباحثين التربويّين ومحلّ اهتمام المؤسّسات الناشطة في ميدان التربية والتعليم، لنراكم على التجربة، وننتقل من نقص إلى كمال، ومن كمالٍ إلى أكمل، لتكون أمّتنا الإسلاميّة رائدة في تقديم نموذج حضاريّ في مجال التربية والتعليم عالميّاً.

والحمد لله رب العالمين

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

الدرس الأول:

الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يعرض النصوص الدينيّة التي تحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم.

2- يحدّد مسؤوليّة الوالدين تجاه تربية الطفل وتعليمه.

3- يعرف إقرار الإسلام حقّ الطفل في التعليم قبل أيّ إعلان عالميّ.

تمهيد

كل أبّ أو أمّ يرغب بشدّة في أن يفتخر بأولاده، ويشعر بأنّهم على قدر آماله وأحلامه، وكلّ أب وأمّ يُحبّ أن يرى أنوار الصلاح والفلاح والنجاح تشعّ في حياة أولاده، لأنّ ذلك من محقّقات سعادة الإنسان. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “من سعادة الرجل الولد الصالح[1].

وقد ركّزت الروايات كثيراً في هذا المصطلح: “الولد الصالح“، منها:

– عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الولد الصالح ريحانة[2] من الله قسّمها بين عباده”[3].

– وعنه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنّة[4].

– وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له...”[5].

– وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “مرّ عيسى بن مريم عليه السلام بقبر يُعذّب صاحبه، ثم مرّ به من قابل[6]، فإذا هو ليس يُعذّب، فقال عليه السلام: يا ربّ، مررتُ بهذا القبر

عام أوّل وهو يُعذّب، ومررتُ به العام وهو ليس يُعذّب؟! فأوحى الله جلّ جلاله إليه: يا روح الله، قد أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فغفرت له بما عمل ابنه…”[7].

– وعن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: “الولد الصالح أجمل الذكرين[8].

– وعن الإمام الصادق عليه السلام: “ميراث الله من عبده المؤمن، الولد الصالح يستغفر له[9].

– وعنه عليه السلام، قال: “كان أبي عليه السلام يقول: خمس دعوات لا يُحجبن عن الربّ تبارك وتعالى… ودعوة الولد الصالح لوالديه…”[10].

كما أنّ الإنسان يغتمّ ويحزن ويتألّم إذا لم يكن الولد صالحاً، بل كان ولداً سيّئاً، وقد عبّرت عنه الروايات بـ”ولد السّوء“، فكما أنّ الولد الصالح زين لأهله، يكون ولد السوء شيناً لأهله، يُعيّرون به ويُلامون من قِبَل الناس على سلوكه وأخلاقه وتصرّفاته.

عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: “ولد السوء يهدم الشرف، ويشين السلف”[11].

وعنه عليه السلام أيضاً: “ولد السوء يعرّ[12] السلف، ويفسد الخلف[13].

وعنه عليه السلام: “ولد السوء يعرّ الشرف[14].

وعنه عليه السلام: “ولد عقوق محنة وشؤم[15].

وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “… إنّ ولد السوء يُعيَّر والده بعمله…”[16].

والولد الصالح أو ولد السوء، ليس وليد نفسه وحسب، بل للأب والأمّ الدور الرئيس في صلاحه أو سوئه. فبعد 9/ 14 سنة مثلاً من وجود الطفل في البيئة الأسريّة، لو صدر عنه مجموعة أفعال غير مرغوب فيها، وكانت أخلاقه غير مرضيّة، لا ينبغي أن يبرئ الأهل أنفسهم ويلقوا اللوم والذمّ على الولد، بل من الأفضل أن يسألوا أنفسهم: ألا يُمكن أن يكون هذا إشارة إلى كوننا نحن الأهل، لم نتحمّل مسؤوليّاتنا التربويّة كما يجب؟ أليس من الممكن أن نكون نحن فاشلين، أو على الأقلّ، مقصّرين في عمليّة التربية؟ بنحو تؤدّي هذه التساؤلات إلى حثّهم على مراجعة أنفسهم، والقراءة النقديّة لذواتهم، التي لم تُثمر ولداً مؤدّباً بعد سنوات من رحلته معهم في سفينة أسريّة واحدة.

فسلوك الطفل غير المرغوب فيه ليس فطرياً بأصل الخلقة، بل هو مكتسب يتعلّمه من خلال التواصل مع البيئة الأسريّة والاحتكاك بها، والمحاكاة لوالديه قولاً وعملاً.

عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنّه قال: “أمّا حقّ ولدك، فأنْ تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وُلّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه[17].

لذا، من أهمّ مسؤوليّات الوالدين مطلقاً تجاه أطفالهم هي التربية بالمعنى الأعمّ، فلا يكفي أن يسأل الإنسانُ اللهَ تعالى أن يرزقه الولد الصالح كي تتحقّق هذه النتيجة وتصبح أمراً واقعاً، فإنّ الطفل أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كلّ نقش وصورة، وهو قابل لكلّ نقش ومائل إلى كلّ ما يُمال به إليه، فإن عُوّد الخير وعُلّم

نشأ عليه، وسعد في الدّنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكلّ معلّم له ومؤدّب. وإن عُوّد الشرّ وأُهمل شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم به والوالي عليه[18].

قال أمير المؤمنين لولده الحسن عليهما السلام: “إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبُّك”[19].

إذاً، من أهمّ عناصر صلاح الأطفال، مبادرة الأهل إلى مسؤوليّاتهم التربويّة، بالاهتمام بشؤون أطفالهم ورعايتهم وتهذيب أخلاقهم، وعدم التخلّي عنهم وإهمالهم، فإنّ للأطفال حقّاً على الآباء في التربية. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ لولدك عليك حقّاً[20].

لذا، لا ينبغي للأهل أن يتذرّعوا بأسباب خارجية لتبرئة أنفسهم من تحمّل مسؤوليّة ما آلت إليه شخصيّة طفلهم سلباً، فيلقوا التهمة تارة على المدرسة، وأخرى على الأصدقاء، وثالثة على الأقارب، ورابعة على الجمعيّة الكشفيّة…إلخ، لأنّهم هم المسؤولون أولاً عن تربية أبنائهم، ووضعهم موضعاً صالحاً، وتوجيههم وإرشادهم، واختيار المدرسة المناسبة، والأصدقاء اللائقين، والجمعيّة الكشفيّة الملائمة، لتكون بيئات حاضنة للنموّ الصالح لأبنائهم.

يقول السيّد محمد رضا الكلبايكانيّ: “إنّ وظيفة الوالدين تأديب أولادهم وتربيتهم على الأخلاق الكريمة والآداب الحسنة، وتمرينهم وتعويدهم كرائم العادات وفعل الحسنات، ومنعهم عن كلّ عمل يضرّ بأنفسهم وبغيرهم. وعلى وليّ الأطفال تكميل نفوسهم وسوقهم إلى ما فيه صلاحهم وسدادهم”[21].

وهذه النقطة موضع اتّفاق من قِبَل بعض الفلاسفة الغربيّين مع النظرة الإسلاميّة. يقول جون لوك: “التربية الجيّدة للأطفال واجب الوالدين ومهمّتهما الأساسيّة”[22].

ومن هنا، حثّ الإسلام الأهل على حسن تربية الأبناء وتعليمهم وتأديبهم، سواء أكانوا ذكوراً أم إناثاً.

 

الحثّ على تعليم الأطفال وتأديبهم

وقد ورد الحثّ على تأديب الأطفال والأبناء في العديد من الأحاديث والروايات، نذكر منها:

– عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من عال ثلاث بنات، فأدّبهنّ ورحمهنّ وأحسن إليهنّ، فله الجنّة[23].

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “من عال ثلاث بنات، علّمهنّ وزوّجهنّ وأحسن أدبهنّ، أدخله الله الجنّة...”[24].

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم، يغفر لكم[25].

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه”[26].

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “لأن يؤدّب أحدكم ولده خير له من أن يتصدّق بنصف صاع كلّ يوم”[27].

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “ما نحل[28] والد ولده أفضل من أدب حسن[29].

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “يا عليّ، حقّ الولد على والده أن يُحسن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً[30].

– وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: “حقّ الولد على والده إذا كان ذكراً أن يستفره أمّه، ويستحسن اسمه، ويُعلّمه كتاب اللَّه، ويُطهّره، ويُعلّمه السباحة. وإن كانت أنثى أن يستفره أمّها، ويستحسن اسمها، ويُعلّمها سورة النور…”[31].

– وعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنه قال: “حقّ الولد على والده: أن يُحسن اسمه، ويُحسن أدبه، ويُعلّمه القرآن”[32].

– وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “تجب للولد على والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه”[33].

– وعنه عليه السلام: “إنّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال، فإنّ المال يذهب، والأدب يبقى[34].

– وعنه عليه السلام، فيما وعظ به لقمان الحكيم ابنه أن قال له: “يا بنيّ، إن تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً، ومن عُني بالأدب اهتمّ به، ومن اهتمّ به تكلّف علمه، ومن تكلّف علمه اشتدّ له طلبه…”[35].

– وعنه عليه السلام: “لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتّى يدخلهم الجنّة جميعاً، حتّى لا يفقد منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً. ولا يزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السيّئ حتّى يدخلهم النار جميعاً،


حتّى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً”[36].

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “علّموا أولادكم السباحة والرماية[37].

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “علّموا أولادكم الصلاة…”[38].

– وعنه عليه السلام، قال: “علّموا صبيانكم ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها[39].

– وعنه عليه السلام، قال: “بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة[40].

– وعنه عليه السلام، قال: “علّموا صبيانكم الصلاة…”[41].

– وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: “حقّ الولد على والده:… ويُعلّمه القرآن”[42].

– وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “كان أمير المؤمنين يُعجبه أن يُروى شعر أبي طالب، وأن يُدوّن. وقال: تعلّموه، وعلّموه أولادكم، فإنّه كان على دين الله، وفيه علم كثير”[43].

– وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “يا معشر الشيعة، علّموا أولادكم شعر العبديّ[44]، فإنه على دين الله”[45].


– وعنه عليه السلام: “علّموا أولادكم (يس)، فإنّها ريحانة القرآن”[46].

… إلخ من الروايات التي تحثّ على تعليم الأطفال وتأديبهم في مجالات مختلفة، حتى تتشكّل هويّة الطفل بنحو يكون ناتج عملية التربية وحاصلها “ولداً صالحاً“.

 

حقّ الطفل في التعليم

من خلال ما تقدّم من الروايات، يظهر بوضوح أنّ من حقّ الطفل على الأهل تعليمه، وقد حثّ الإسلام على هذا الحقّ قبل أيّ إعلان أو اتّفاق حقوقيّ عالميّ عن حقوق الطفل فمثلاً تنصّ المادّة 26 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان لعام 1948 على: “لكلّ طفل الحقّ فيالتعليم، ويجب أن يُوفّر التعليم مجّاناً…”، وتنصّ اتفاقيّة حقوق الطفل لعام 1989 (المادّتان: 28-29)، على حقّ الطفل في التعليم. وممّا جاء فيهما: “تعترف الدول الأطراف بحقّ الطفل في التعليم… إلخ”، وقد نصّ الإمام زين العابدين عليه السلام على ذلك في رسالة الحقوق قبل ذلك بمئات السنين، حيث قال: “وأما حقّ الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه…”[47].

ونلفت إلى أنّه من حقّ الطفل حسن اختيار البيئة العلميّة (المدرسة) التي سيتعلّم بها، فإنّه من مصاديق ما أوردناه أعلاه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “حقّ الولد على والده… ويضعه موضعاً صالحاً[48].

كما أنّ وضع الطفل في المدرسة، لا يعني إلقاء المسؤوليّة التعليميّة عن ظهر الأهل، فإنّ التعليم المدرسيّ جزء مساهم في بلورة هويّة الطفل، ولكن لممارسة الأهل دورهم التعليميّ، أهمّيّة خاصّة في تشكيل هويّة الطفل أيضاً، وهذا يقتضي أن يسعى الأهل للتعليم والرفع من مستواهم العلميّ، وإن كانوا أمّيين، فعليهم أن يشعروا أبناءهم بأنّهم يسعون للتعلّم من خلال الانتماء إلى الجمعيّات المتخصّصة في محو الأمّيّة، فإنّ ذلك يُشكّل دافعاً أكبر للأبناء نحو التعلّم.

وتعليم الطفل بمعنى التمدرس، كما اتّضح من خلال تقسيم الثلاث سبعات لمراحل الطفولة في الجزء الأول[49]، إنّما يبدأ من سن الـ7. فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: “الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين[50].

وعنه عليه السلام، قال: “احمل صبيّك حتّى يأتي على ستّ سنين، ثم أدّبه في الكُتّاب ستّ سنين، ثم ضمّه إليك سبع سنين، فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصلح وإلا فخلّ عنه[51].

وهي السن المعتمد عليها في أكثر دول العالم، بمعنى أنّ بدء التعليم الإلزاميّ للأطفال يكون عند انتهاء سنّ السادسة، إذ إنّ السنّ النظاميّة لدخول الطفل المدرسة هي كذلك في 91 دولة، وفي 32 دولة سبع سنوات، وفي 15 دولة 5 سنوات.

المفاهيم الرئيسة

– لقد ركّزت الروايات كثيراً في مصطلح: “الولد الصالح”، منها: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الولد الصالح ريحانة من الله قسّمها بين عباده”. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له…”.

– إنّ الإنسان يغتمّ ويحزن ويتألّم إذا لم يكن ولده صالحاً، بل كان ولداً سيّئاً. وقد عبّرت عنه الروايات بـ “ولد السّوء”. فكما أنّ الولد الصالح زين لأهله، يكون ولد السوء شيناً لأهله. عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: “ولد السوء يهدم الشرف، ويشين السلف”. وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “… إنّ ولد السوء يُعيَّر والده بعمله…”.

– إنّ للأب والأم الدور الرئيس في صلاح الولد أو سوئه، فبعد 9/ 14 سنة مثلاً من وجود الطفل في البيئة الأسريّة، لو صدر عنه مجموعة أفعال غير مرغوب فيها، وكانت أخلاقه غير مرضيّة، لا ينبغي أن يبرّئ الأهل أنفسهم ويلقوا اللوم والذمّ على الولد، بل من الأفضل أن يسألوا أنفسهم: ألا يُمكن أن يكون هذا إشارة إلى كوننا نحن الأهل لم نتحمّل مسؤوليّاتنا التربويّة كما يجب؟

– وبالتّالي، فإنّ حقّ الولد على والديه مبادرتهم إلى تحمّل مسؤوليّاتهم بالاهتمام بشؤون أطفالهم وتأديبهم وتعليمهم وتهذيب أخلاقهم. عن الإمام زين العابدين عليه السلام: “أمّا حقّ ولدك، فأنْ تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وُلّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه”.

– ورد الحثّ على تأديب الأطفال والأبناء في العديد من الأحاديث والروايات، نذكر منها: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه، كانت له منعة وستراً من النار”. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم، يُغفر لكم”.

– من حقّ الطفل على الأهل تعليمه، وقد حثّ الإسلام على هذا الحقّ قبل أيّ إعلان أو اتفاق حقوقيّ عالميّ عن حقوق الطفل.

أسئلة الدرس

1- لقد ركّزت الروايات كثيراً في مصطلح الولد الصالح، اذكر روايتين في هذا السياق.

2- ورد في بعض الروايات تعبير “ولد السّوء”، من هو؟ واذكر رواية عن الموضوع.

3- إذا كانت أخلاق الولد غير مرضيّة، برأيك هل يستطيع الأهل تبرئة أنفسهم وإلقاء اللّوم والذمّ على الولد، أو على عناصر خارجيّة؟

4- حلِّل حقّ الولد على الوالد على ضوء نصّ الإمام زين العابدين في رسالة الحقوق.

5- اذكر 5 روايات تحثّ على تأديب الأبناء، واستخرج منها بعض النتائج.

6- من أهمّ حقوق الطفل اليوم حقّه في التعليم، اذكر بعض الروايات التي توضح كون الإسلام سبق القوانين الوضعيّة المعاصرة في الحثّ على تعليم الأبناء.

[1] الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363ش، ط5،ج6، ص3.

[2] ريحانة: الريحان نوع من النبات طيّب الريح.

[3] الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص2.

[4] المصدر نفسه.

[5] ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، تقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي / تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، لا.م، لا.ن، 1403 – 1983م، ط1،ج1، ص97.

[6] قابل: وقت لاحق.

[7] الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص4.

[8] الطبرسي، الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل، بيروت – لبنان، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1408ه – 1987م، ط1،ج15، ص113.

[9] الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، لا.ت، ط2،ج3، ص481.

[10] الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص509.

[11] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص215، ح18039.

[12] يعرّ: يلحق العار بالسلف والشرف، وأصل العرّ تلطيخ الشيء بغير طيب.

[13] مستدرك الوسائل، المصدر السابق.

[14] الليثي الواسطي، الشيخ كافي الدين أبو الحسن علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، قم، دار الحديث، 1418ه، ط1،ص503.

[15] المصدر نفسه، ص504.

[16] الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص219.

[17] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص622. وفي نصّ آخر: بعد قوله: المعونة له على طاعته “فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه، ولا قوّة إلا بالله”. ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1404 – 1363 ش، ط2،ص293.

[18] الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت، دار الكتاب العربي، لا.ت، لا.ط،ج8، ص130. والفيض الكاشانيّ، المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج5، ص124-127.

[19] الرضي، السيد أبو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، بيروت – لبنان، لا.ن، 1387ه – 1967م، ط1،من وصيّة له لولده الحسن كتبها إليه بحاضرين منصرفاً من صفّين، رقم269، ص526.

[20] مسلم النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، بيروت- لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط،ج3، ص163.

[21] الجهرميّ، عليّ الكرميّ، الدّرّ المنضود في أحكام الحدود، تقريرات أبحاث السيّد محمّد رضا الكلبايكانيّ، ج2، ص282.

[22] نقلاً عن: طه، حسن جميل، الفكر التربويّ المعاصر وجذوره الفلسفيّة، ص121.

[23] أحمد بن حنبل، المسند -مسند أحمد-، بيروت – لبنان، دار صادر، لا.ت، لا.ط،ج3، ص97.

[24] الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت – لبنان، دار الكتب العلمية، 1408ه – 1988م، لا.ط،ج8، ص162.

[25] الأحسائيّ، ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج1، ص254.

[26] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص169.

[27] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، 1392 – 1972م، ط6،ص222.

[28] النحل: العطيّة والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق.

[29] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص165.

[30] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص372.

[31] الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص49.

[32] نهج البلاغة، فصل في غريب كلامه المحتاج إلى تفسير، ص546، ح 399.

[33] ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص355.

[34] الشيخ الكليني،الكافي، ج8، ص150.

[35] علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر – قم – إيران، صفر 1404، ط3،ج2، ص164.

[36] القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف – القاهرة، 1383 – 1963م، لا.ط،ج1، ص82.

[37] الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.

[38] عيون المواعظ والحكم، ص341.

[39] الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1403ه – 1362ش، لا.ط،ص614.

[40] الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364ش، ط3،ج8، ص111.

[41] المصدر نفسه، ص626.

[42] نهج البلاغة، باب في غريب كلامه المحتاج إلى تفسير، ح 399.

[43] الموسويّ، فخار بن معد، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب، ص25. ويراجع: الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1414ه، ط2،ج17، ص231.

[44] العبديّ: أبو محمّد سفيان بن مصعب العبديّ الكوفيّ، من شعراء أهل البيت عليهم السلام، وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام.

[45] الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1404، لا.ط،ج2، ص704.

[46] الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، قسم الدراسات الإسلامية – مؤسسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع – قم، 1414، ط1،ص677.

[47] ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص270.

[48] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4،صص372.

[49] الدرس الخامس.

[50] الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.

[51] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص223.

شاهد أيضاً

    إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: الشعوب المسلمة تتوقع من حكوماتها قطع العلاقات مع ...