الرئيسية / بحوث اسلامية / توحيد المفضل للمفضل بن عمر

توحيد المفضل للمفضل بن عمر

 (ريش الطائر ووصفه)

 تأمل ريش الطير وكيف هو…؟ فإنك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك (3) دقاق، قد ألف بعضه إلى بعض، كتأليف الخيط إلى الخيط والشعرة إلى الشعرة، ثم ترى ذلك النسج إذا مددته ينفتح قليلا ولا ينشق لتداخله الريح، فيقل الطائر إذا طار، وترى في وسط الريشة عمودا غليظا متينا قد نسج عليه الذي هو مثل الشعر ليمسكه بصلابته، وهو القصبة التي في وسط الريشة، وهو مع ذلك أجوف، ليخف على الطائر ولا يعوقه عن الطيران.

(هامش)

(1) المرج – بالتحريك – الاضطراب واللبس والفساد والاختلاط وفي بعض النسخ بالزاء المعجمة… والأول أظهر وأجلى للمعنى المقصود. (2) الدراج طائر تقدم ذكره. (3) السلوك جمع سلك وهو الخيط ينظم فيه الخرز ونحوه. (*)

ص 71

(الطائر الطويل الساقين والتدبير في ذلك)

 هل رأيت يا مفضل هذا الطائر الطويل الساقين (1) وعرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه، فإنه أكثر ذلك في ضحضاح (2) من الماء فتراه بساقين طويلين، كأنه ربيئة (3) فوق مرقب (4) وهو يتأمل ما يدب في الماء، فإذا رأى شيئا مما يتقوت به، خطا خطوات رقيقا حتى يتناوله، ولو كان قصير الساقين وكان يخطو نحو الصيد ليأخذه، يصيب بطنه الماء، فيثور ويذعر منه، فيفرق عنه، فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ولا يفسد عليه مطلبه. تأمل ضروب التدبير في خلق الطائر، فإنك تجد كل طائر طويل الساقين طويل العنق، وذلك ليتمكن من تناول طعمه من الأرض ولو كان طويل الساقين قصير العنق، لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض وربما أعين مع العنق بطول المناقير، ليزداد الأمر عليه سهولة وإمكانا أفلا ترى أنك لا تفتش شيئا من الخلقة إلا وجدته على غاية الصواب والحكمة. (العصافير وطلبها للأكل) أنظر إلى العصافير، كيف تطلب أكلها بالنهار فهي لا تفقده ولا تجده مجموعا معدا، بل تناله بالحركة والطلب، وكذلك الخلق كله فسبحان من

(هامش)

(1) ينطبق الوصف الذي ذكره الإمام الصادق للطائر الطويل الساقين على بعض الطيور المائية كالنحام والأنيس. (2) الضحضاح: الماء اليسير أو القريب القعر. (3) الربيئة: العين التي ترقب، أو الطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل. (4) المرقب: الموضع المرتفع يعلوه الرقيب جمعه مراقب. (*)

ص 72

قدر الرزق كيف فرقه. فلم يجعل مما لا يقدر عليه، إذ جعل بالخلق حاجة إليه، ولم يجعل مبذولا ينال بالهوينا (1) إذ كان لا صلاح ذلك فإنه لو كان يوجد مجموعا معدا كانت البهائم تنقلب عليه، ولا تنقلع عنه حتى تبشم (2) فتهلك. وكان الناس أيضا يصيرون بالفراغ إلى غاية الأشر والبطر، حتى يكثر الفساد وتظهر الفواحش. (معاش البوم والهام والخفاش) أعلمت ما طعم هذه الأصناف من الطير التي لا تخرج إلا بالليل، كمثل البوم والهام (3) والخفاش؟… قلت: لا يا مولاي. قال: إن معاشها من ضروب تنتشر في الجو من البعوض والفراش وأشباه الجراد واليعاسيب (4). وذلك أن هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع.. واعتبر ذلك بأنك إذا وضعت سراجا بالليل في سطح أو عرصة دار، اجتمع عليه من هذه الضروب شيء كثير.. فمن أين يأتي ذلك كله، إلا من القرب؟ فإن قال قائل: إنه يأتي من الصحارى والبراري، قيل له: كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد، وكيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه، مع أن هذه عيانا تتهافت على السراج من قرب، فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل

(هامش)

(1) الهوينا: التؤدة والرفق، وهي تصغير الهونى، والهونى تأنيث الأهون… وقد كتبت الهوينا في الأصل هكذا: الهويني. (2) تبشم أي تتخم من الطعام. (3) الهام جمع هامة: نوع من البوم الصغير تألف القبور والأماكن الخربة وتنظر من كل مكان أينما درت أدارت رأسها، وتسمى أيضا الصدى. (4) اليعاسيب جمع يعسوب وهو ذكر النحل وأميرها. (*)

ص 73

موضع من الجو، فهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها. فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو، واعرف ذلك المعنى في خلق هذه الضروب المنتشرة، التي عسى أن يظن ظان أنها فضل لا معنى له.

 (خلقة الخفاش)

 خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع، هو إلى ذوات الأربع أقرب، وذلك أنه ذو أذنين ناشزتين (1) وأسنان ووبر وهو يلد ولادا ويرضع ويبول، ويمشي إذا مشى على أربع، وكل هذا خلاف صفة للطير، ثم هو أيضا مما يخرج بالليل، ويتقوت بما يسري (2) في الجو من الفراش وما أشبهه، وقد قال قائلون إنه لا طعم للخفاش وإن غذاءه (3) من النسيم وحده، وذلك يفسد ويبطل من جهتين: أحدهما خروج الثفل (4) والبول منه، فإن هذا لا يكون من غير طعم، والأخرى إنه ذو أسنان، ولو كان لا يطعم شيئا لم يكن للأسنان فيه معنى، وليس في الخلقة شيء لا معنى له، وأما المآرب فيه فمعروفة، حتى أن زبله يدخل في بعض الأعمال، ومن أعظم الأرب فيه خلقته العجيبة الدالة على قدرة الخالق جل ثناؤه، وتصرفها فيما شاء كيف شاء لضرب من المصلحة.

(هامش)

(1) الناشز: ما كان ناتئا مرتفعا عن مكانه… وفي نسخة ناشر بالراء أي مبسوط. (2) يسري: يسير في الليل. (3) سقطت الهمزة في الطبعة الأولى. (4) الثفل – بالضم – الكدرة المستقرة في أسفل الشيء. (*)

ص 74

(حيلة الطائر أبو نمرة بالحسكة ومنفعتها)

 فأما الطائر الصغير الذي يقال له ابن نمرة (1) فقد عشش في بعض الأوقات في بعض الشجر، فنظر إلى حية عظيمة قد أقبلت نحو عشه فاغرة فاها، تبغيه لتبتلعه، فبينما هو يتقلب ويضطرب في طلب حيلة منها إذ وجد حسكة، فحملها فألقاها في فم الحية فلم تزل الحية تلتوي وتتقلب حتى ماتت. أفرأيت لو لم أخبرك بذلك، كان يخطر ببالك أو ببال غيرك أنه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة، أو يكون من طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة.. اعتبر بهذا وكثير من الأشياء يكون فيها منافع لا تعرف بحادث يحدث أو خبر يسمع به. ( النحل عسله وبيوته) أنظر إلى النحل واحتشاده في صنعة العسل، وتهيئة البيوت المسدسة وما ترى في ذلك من دقائق الفطنة، فإنك إذا تأملت العمل رأيته عجيبا لطيفا، وإذا رأيت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس، وإذا رجعت إلى الفاعل الفيتة غبيا جاهلا بنفسه (2) فضلا عما سوى ذلك، ففي هذا أوضح الدلالة على أن الصواب والحكمة في هذه الصنعة ليس للنحل بل هي للذي طبعه عليها، وسخره فيها لمصلحة الناس.

(هامش)

(1) في الأصل المطبوع أبو تمرة وهو غير صحيح، وفي نسخة البحار ابن تمرة… وتمرة أو ابن تمرة طائر أصغر من العصفور. (2) أي ليس له عقل يتصرف في سائر الأشياء على نحو تصرفه في ذلك الأمر المخصوص، فظهر أن خصوص هذا الأمر إلهام من مدبر حكيم أو خلقة وطبيعة جبله عليها في شأن مصلحته الخاصة، مع كون هذا الحيوان غافلا عن المصلحة أيضا، ولعل هذا يؤيد ما يقال إن الحيوانات العجم غير مدركة للكليات. (من تعليقات البحار). (*)

ص 75

(الجراد وبلاؤه)

 أنظر إلى هذا الجراد ما أضعفه وأقواه!. فإنك إذا تأملت خلقه رأيته كأضعف الأشياء وإن دلفت (1) عساكره نحو بلد من بلدان لم يستطع أحد أن يحميه منه.. ألا ترى أن ملكا من ملوك الأرض لو جمع خيله ورجله (2) ليحمي بلاده من الجراد لم يقدر على ذلك. أفليس من الدلائل على قدرة الخالق أن يبعث أضعف خلقه، إلى أقوى خلقه فلا يستطيع دفعه. (كثرة الجراد) أنظر إليه كيف ينساب على وجه الأرض مثل السيل فيغشى السهل، والجبل والبدو والحضر، حتى يستر نور الشمس بكثرته، فلو كان هذا مما يصنع بالأيدي، متى كان تجتمع منه هذه الكثرة؟ وفي كم سنة كان يرتفع؟ فاستدل بذلك على القدرة التي لا يؤدها شيء، ولا يكثر عليها.

 (وصف السمك)

 تأمل خلق السمك ومشاكلته للأمر الذي قدر أن يكون عليه، فإنه خلق غير ذي قوائم، لأنه لا يحتاج إلى المشي، إذ كان مسكنه الماء وخلق غير ذي رية، لأنه لا يستطيع أن يتنفس وهو منغمس في اللجة، وجعلت له مكان القوائم أجنحة شداد يضرب بها في جانبيه، كما يضرب الملاح

(هامش)

(1) دلف دلفا ودلفانا: مشى كالمقيد وقارب الخطو في مشيه. (2) الرجل – بالفتح – جمع راجل وهو من يمشي على رجليه لا راكبا. (*)

ص 76

بالمجاذيف من جانبي السفينة، وكسا (1) جسمه قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع والجواشن (2) لتقيه من الآفات، فأعين بفضل حس في الشم، لأن بصره ضعيف، والماء يحجبه، فصار يشم الطعم من البعد البعيد، فينتجعه (3) فيتبعه، وإلا فكيف يعلم به وبموضعه؟ وأعلم أن من فيه إلى صماخه (4) منافذ، فهو يعب الماء بفيه، ويرسله من صماخيه فيتروح إلى ذلك، كما يتروح غيره من الحيوان إلى تنسم هذا النسيم.

 (كثرة نسل السمك وعلة ذلك)

 فكر الآن في كثرة نسله وما خص به من ذلك، فإنك ترى في جوف السمكة الواحدة من البيض ما لا يحصى كثرة، والعلة في ذلك أن يتسع لما يغتذي به من أصناف الحيوان، فإن أكثرها يأكل السمك، حتى أن السباع أيضا في حافات الآجام (5) عاكفة على الماء أيضا كي ترصد السمك، فإذا مر بها خطفته، فلما كانت السباع تأكل السمك، والطير يأكل السمك، والناس يأكلون السمك، والسمك يأكل السمك كان من التدبير فيه أن يكون على ما هو عليه من الكثرة. (سعة حكمة الخالق وقصر علم المخلوقين) فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق، وقصر علم المخلوقين،

(هامش)

(1) في الأصل كتبت الألف المقصورة. (2) الجواشن جمع جوشن وهو الدرع أو الصدر. (3) ينتجع: يطلب الكلأ في موضعه. (4) الصماخ – بالكسر – خرق الأذن الباطن الماضي إلى الرأس، والجمع صمخ وإصمخة. (5) الآجام جمع الجمع للأجمة: الشجر الكثير الملتف. (*)

ص 77

فانظر إلى ما في البحار من ضروب السمك ودواب الماء والأصداف والأصناف التي لا تحصى، ولا تعرف منافعها إلا الشيء بعد الشيء يدركه الناس بأسباب تحدث، مثل القرمز (1) فإنه لما عرف الناس صبغه، بأن كلبة تجول على شاطئ البحر فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمى الحلزون (2)، فأكلته فاختضب خطمها (3) بدمه فنظر الناس إلى حسنه فاتخذوه صبغا (4)، وأشباه هذا مما يقف الناس عليه حالا بعد حال وزمانا بعد زمان. (5). قال المفضل: وحان وقت الزوال، فقام مولاي عليه السلام إلى الصلاة وقال: بكر إلي غدا إن شاء الله تعالى.. فانصرفت وقد تضاعفت سروري بما عرفنيه، مبتهجا بما منحنيه، حامدا لله على ما آتانيه، فبت ليلتي مسرورا مبتهجا.

(هامش)

(1) القرمز صبغ أحمر. (2) الحلزون: دويبة تكون في صدق وهي المعروفة بالبزاق. (3) الخطم مقدم أنف الدابة وفمها. (4) يظهر من كلام الإمام عليه السلام اتحاد القرز والحلزون، ويحتمل أن يكون المراد أن من صبغ الحلزون تفطن الناس بأعمال القرمز للصبغ، لما فيهما من تشابه. (5) ليس العجب من خالق أمثال هذه الذرة والدودة وأصناف الأسماك الغريبة، التي اختلفت أشكالها وتنوعت الحكمة فيها، وليس العجيب – أن يهتدي إلى الحكمة في كل واحد من تلك المصنوعات بعد وجودها وتكوينها، وإنما العجب ممن ينكر فاطر السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن، مع اتقان الصنعة وأحكام الخلقة وبداعة التركيب، ولو نظر الجاحد إلى نفسه مع غريب الصنع وتمام الخلق، لكان أكبر برهان على الوجود ووحدانية الوجود. (الإمام الصادق للمظفر ج 1 ص 177). (*)

ص 78

 

(المجلس الثالث)

 فلما كان اليوم الثالث بكرت إلى مولاي فاستؤذن لي فدخلت فأذن لي بالجلوس فجلست فقال عليه السلام: – الحمد لله الذي اصطفانا ولم يصطف علينا، اصطفانا بعلمه (1)، وأيدنا بحلمه (2) من شذ عنا (3) فالنار مأواه، ومن تفيأ بظل دوحتنا فالجنة مثواه.. قد شرحت لك يا مفضل خلق الإنسان، وما دبر به، وتنقله في أحواله، وما فيه من الاعتبار، وشرحت لك أمر الحيوان… وأنا ابتدئ الآن بذكر السماء والشمس والقمر والنجوم والفلك والليل. والنهار والحر والبرد والرياح والجواهر الأربعة الأرض والماء والهواء والنار والمطر والصخر والجبال والطين والحجارة والنخل والشجر وما في ذلك من الأدلة والعبر.

 (لون السماء وما فيه من صواب التدبير)

 فكر في لون السماء وما فيه من صواب التدبير، فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة وتقوية للبصر، حتى أن من صفات الأطباء لمن أصابه شيء أضر ببصره إدمان النظر إلى الخضرة وما قرب منها إلى السواد وقد وصف الحذاق منهم لمن كل بصره الاطلاع في إجانة (4) خضراء مملوءة ماء، فانظر كيف جعل الله جل وتعالى أديم السماء بهذا اللون الأخضر إلى السواد ليمسك الأبصار المتقلبة عليه، فلا ينكأ فيها بطول مباشرتها له فصار هذا الذي أدركه الناس بالفكر

(هامش)

(1) اصطفانا أي اختارنا وفضلنا على الخلق، بأن أعطانا من علمه ما لم يعطه أحدا. (2) أيدنا بحلمه أي قوانا على تبليغ الرسالة بما حلانا به من حلمه لنصبر على ما يلقانا من أذى الناس وتكذيبهم. (3) شذ عنا: ندر عنا وأنفرد. (4) الإجانة – بكسر فتشديد – إناء تغسل فيه الثياب والجمع أجاجين. (*)

ص 79

والروية والتجارب، يوجد مفروغا منه في الخلقة حكمة بالغة (1) ليعتبر بها المعتبرون، ويفكر فيها الملحدون، قاتلهم الله أنى يؤفكون (2).

 (طلوع الشمس وغروبها والمنافع في ذلك)

 فكر يا مفضل في طلوع الشمس وغروبها، لإقامة دولتي النهار والليل، فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله، فلم يكن الناس يسعون في معائشهم، ويتصرفون في أمورهم، والدنيا مظلمة عليهم، ولم يكونوا يتهنون بالعيش مع فقدهم لذة النور وروحه… والأرب في طلوعها ظاهر مستغنى بظهوره عن الإطناب في ذكره، والزيادة في شرحه… بل تأمل المنفعة في غروبها، فلولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع عظم حاجتهم إلى الهدوء والراحة لسكون أبدانهم، وجموم حواسهم (3) وانبعاث القوة الهاضمة لهضم الطعام، وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء، ثم كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل، ومطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم، فإن كثيرا من الناس لولا جثوم (4) هذا الليل بظلمته عليهم، لم يكن لهم هدوء ولا قرار، حرصا على الكسب والجمع والادخار، ثم كانت الأرض تستحمي بدوام الشمس بضيائها، ويحمي كل ما عليها من حيوان ونبات، فقدرها الله بحكمته وتدبيره، تطلع وقتا وتغرب وقتا، بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم، ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليهدؤا ويقروا، فصار النور والظلمة، مع تضادهما منقادين متظاهرين ما فيه صلاح العالم وقوامه.

(هامش)

(1) خبر مبتدأ محذوف أو بالنصب على الحالية أو لكونه مفعولا لأجله. (2) يؤفكون: يكذبون. (3) الجموم مصدر جم تقول جم القوم: استراحوا وكثروا. (4) الجثوم مصدر من قولهم جثم الليل. (*)

ص 80

(التدبير والمصلحة في الفصول الأربعة من السنة)

 ثم فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما في ذلك من التدبير والمصلحة، ففي الشتاء تعود الحرارة في الشجر والنبات، فيتولد فيهما مواد الثمار، ويتكثف (2) الهواء فينشأ منه السحاب والمطر، وتشتد أبدان الحيوان وتقوى، وفي الربيع تتحرك وتظهر المواد المتولدة في الشتاء، فيطلع النبات، وتنور (3) الأشجار ويهيج الحيوان للسفاد، وفي الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار، وتتحلل فضول الأبدان، ويجف وجه الأرض، فتهيأ للبناء والأعمال، وفي الخريف يصفو الهواء، وترتفع الأمراض، وتصح الأبدان، ويمتد الليل فيمكن فيه بعض الأعمال لطوله، ويطيب الهواء فيه إلى مصالح أخرى لو تقصيت لذكرها لطال فيها الكلام. (معرفة الأزمنة والفصول الأربعة عن طريق حركة الشمس) فكر الآن في تنقل الشمس في البروج الاثني عشر (4) لإقامة دور السنة وما في ذلك من التدبير. فهو الدور الذي تصح الأزمنة الأربعة من السنة الشتاء والربيع والصيف والخريف تستوفيها على التمام، وفي هذا المقدار من دوران الشمس تدرك الغلات والثمار، وتنتهي إلى غاياتهم ثم تعود فيستأنف النشو والنمو.. ألا ترى أن السنة مقدار مسير الشمس من الحمل إلى

(هامش)

(1) يريد بذلك الإمام عليه السلام الفصول الأربعة. (2) يتكثف الهواء – أي يغلظ ويكثر. (3) تنور الأشجار أي تخرج نورها – بفتح فسكون – أي زهرها أو الأبيض منه. (4) بروج السماء الاثني عشر هي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. (*)

 

شاهد أيضاً

محاولات هدم قبور الصالحين في التاريخ

‏‪ *محاولة نبش قبر امنة بنت وهب (رضوان الله تعالى عليها)*  *قال الحافظ ابن عقيل ...