الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أعْلامُ النِّساءِ المُؤمِنَاتِ

أعْلامُ النِّساءِ المُؤمِنَاتِ

الجنة تحت أقدام الاُمهات :
اهتمت الشريعة الإسلامية بشأن الاُم كثيراً ، وأعطتها كثيراً من الحقوق التي أوجبتها على بنيها ، كلّ ذلك وفاءً لما تقدّمه الاُم من خدمات جليلة في سبيل أبنائها ، وإعدادهم ذلك الإعداد الجيّد لكي يكونوا علماء المستقبل وأبناء الوطن الأوفياء .
فمنذ أن تحمل الاُم طفلها في بطنها فهي تعاني من آلام ومشاكل غير خفيّة على أحد ، وعند الولادة تتحمّل أوجاعاً لا يعرفها إلاّ الاُم وحدها .
ثم بعد ذلك تسهر على تربية ولدها وترعاه بكلّ ما تسطيع ، حتى أنّها تفضّله على نفسها ، تجوع من أجل أن تُشبعه ، وتعرى من أجل أن تكسوه ، وتسهر الليالي من أجل أن ينام طفلها نوماً هادئاً ، إلى غير ذلك من المتاعب الكثيرة .
ثم بعد هذا كلّه فهي المعلّمة الاُولى للطفل ، والمدرسة الصغيرة له ، توجّه أولادها نحو الفضيلة والكمال .
وتتضح جليّاً مكانة الاُم ومنزلتها في قوله تعالى :
( ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته اُمّه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) (1)

وقال تعالى :
( فلا تقل لهما اُف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ) (2) .

وفي قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المشهور : « الجنة تحت أقدام الاُمهات » .
وروى ثابت بن دينار ، عن زين العابدين عليه السلام أنه قال :
« وأمّا حقّ اُمك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبالِ أن

____________
1 ـ الأحقاف : 15 .
2 ـ الإسراء : 23 .
(49)

تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحّي وتظلك ، وتهجر النوم لأجلك ، ووقتك الحر والبرد لتكون لها ، وانك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه » (1) .

وروى هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال :
« جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله مَن أبرُّ ؟
قال : أُمك .
قال : ثم مَنْ ؟
قال : اُمك .
قال : ثم مَن ؟
قال : اُمك .
قال : ثم مَنْ ؟
قال : أبوك » (2) .

وقال زكريا بن ابراهيم لأبي عبدالله عليه السلام :
إنّي كنت نصرانياً فأسلمت ، وإنّ أبي و اُمّي على النصرانيّة وأهل بيتي ، و اُمي مكفوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم ؟
قال : « يأكلون لحم الخنزير » ؟
قلت : لا ، ولا يمسونه .
فقال : « لا بأس ، وانظر اُمّك فبرها ، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك » ، ثم ذكر أنه زاد في برّها على ما كان يفعل وهو نصراني ، فسألته فأخبرها أنّ الصادق عليه السلام أمره ، فأسلمت (3) .

____________
1 ـ وسائل الشيعة 11 : 135 حديث 1 .
2 ـ وسائل الشيعة 15 : 207 ، حديث 1 .
3 ـ وسائل الشيعة 15 : 207 ، حديث 2 .
(50)

وعن المعلّى بن قيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« جاء رجل وسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : مَن برّ الوالدين ؟
فقال : ابرر اُمك ، ابرر اُمك ، ابرر اُمك ، ابرر أباك ، ابرر أباك ، ابرر أباك . وبدأ بالاُم قبل الأب » (1) .

وروى جابر عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال :
« قال موسى عليه السلام : يا ربّ أوصني ، قال : اُوصيك بك ثلاث مرات ، قال : يا ربّ أوصني ، قال : اُوصيك باُمك مرّتين ، قال : يا ربّ أوصني ، قال : اُوصيك بأبيك . فكان لأجل ذلك يقال : إنّ للام ثلثي البر وللأب الثلث » (2) .

الحجاب :
الحجاب لغة : الستر ، كما صرّح به جمع من اللغويين وأصحاب المعاجم (3) .
وهو حكم شرعي فرضته الشريعة الإسلاميّة على المرأة ، وأوجبت عليها اتباعه والالتزام به ، ودلّ على ذلك القرآن والسنّة .
قال الله تعالى :
( يا أيها النبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ) (4) .

والجلابيب ، جمع جلباب : وهو الثوب الواسع ، أوسع من الخمار ودون الرداء ، تلويه المرأة على رأسها ، وتبقي منه ما ترسله على صدرها .
____________
1 ـ وسائل الشيعة 15 : 208 ، حديث 3 .
2 ـ وسائل الشيعة 15 : 208 ، حديث 4 .
3 ـ الصحاح 1 : 107 ، مجمع البحرين 2 : 34 « حجب » ، وغيرهما من المصادر .
4 ـ الأحزاب : 59 .

وقيل : الجلباب : هو الملحفة ، وكلّ ما يستر به من كساء أو غيره .
ومعنى ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) أي يرخينها عليهن بها وجوههن وأعطافهن (1) .
وقال تعالى :
( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلاّ لبعولتهنَّ أو آبائهنَّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنَّ أو اخوانهنّ أو بني اخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير اُولي الإربة من الرجال أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهنّ وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) (2) .

وهناك أحاديث كثيرة وردت عن المعصومين سلام الله عليهم في وجوب الحجاب وتحديده ، ذكرها علماؤنا في كتبهم الحديثية .
ولم يوجب الدين الإسلامي الحجابَ على المرأة إلاّ لحفظ كرامتها وشرفها ، وصون عزّها ، وليحافظ عليها من الذئاب المفترسة الذي لا يخلو مجتمع منهم .
إذاً فرض الحجاب لمصلحتها الدنيويّة قبل أن تكون لمصلحتها الاُخرويّة ، ففي الدنيا تعيش المرأة المحجّبة مصونة محترمة في المجتمع ، وفي الآخرة لها جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار .
ويمكننا أن نقول لدعاة القومية : إنّ الحجاب عادة قوميّة وشرقيّة قبل أن تكون دينية ، فلماذا لا نتمسك بها تمسكنا بعاداتنا الاُخرى ، ونحن نشاهد أن الشعوب الاُخرى تتمسّك بعاداتها وإن كانت مضرّة أو متوحّشة أحياناً . وهل بإمكاننا أن نقول للمجتمع الغربي أو الشرقيّ : اُتركوا عادتكم ؟ إذاً فلماذا نترك نحن عاداتنا مع ما فيها من الخير والصلاح .
وقد كثر الكلام عن الحجاب لا من غير المسلمين فحسب ، بل من المسلمين
____________
1 ـ انظر : الصحاح 1 : 107 ، مجمع البحرين 2 : 23 « جلب » .
2 ـ النور : 31 .
(52)

والمسلمات اللواتي خُدعن بمظهر الحضارة البرّاق ، وأخذوا يطلقون الشبهات والأراجيف والتخرّصات علينا ، ويدّعون بأن الإسلام قد ظلم المرأة إذ فرض عليها الحجاب .
ولا أدري ماهو نوع الظلم بفرض الحجاب ؟ ! وهل أنّ خروج المرأة محجّبة وذهابها إلى معاهد العلم والتربية ، وهي تؤدي دورها في هذا المجتمع ظلماً ؟ ! أم أنّهم يريدون منها أن تسفر عن وجهها ومحاسنها لكي يشبعوا غرائزهم ، وما مطالبتهم بحريّة المرأة حرصاً عليها ، بل لحاجة في نفس يعقوب .
وهل في الإسلام ذرّة ظلم ؟ ! بل وهل ظلم الدين الإسلامي مخلوقاً من مخلوقات الله حتى يظلم المرأة ؟ ! فما هي إلاّ شبهات المستعمرين وأعداء الدين .
وقد أحسن الرصافي في الردّ عليهم بقوله :

يقولـون فـي الإسلام ظلماً بأنّه * يـصد ذويـه عن طريـق التقدّم
فإن كـان ذا حقّاً فكيـف تقدّمت * أوائلـه فـي عهـدهـا المتقـدّم
وإن كان ذنب المسلم اليوم جهله * فمـاذا على الإسلام من جهل مسلم
هـل العلم في الإسلام إلاّ فريضة * وهـل اُمّة سـادت بغيـر التعـلّم
لقد أيقظ الإسلام للمجد والعلـى * بصـائر أقـوام عـن المجـد نوّم
ودكّ حصون الجـاهليّة بـالهدى * وقـوّض أطنـاب الضلال الـمخيّم
ألا قل لمن جاروا علينا بـحكمهم * رويـداً فقـد قـارفتم كـلّ مـأثم
فـلا تنكروا شمس الحقيقـة إنّها * لأظهر مـن هـذا الحـديث المرجم

والشيء العجيب أنّ الفتاة المسلمة قد انخدعت بهذه الأباطيل ، واستجابت لدعاة السوء دُعاة الرذيلة والتبرج ، وقد أعمت المدنيّة الزائفة بصيرتها ، وأوحت لها أنّ التقدّم والرقي إنّما هو بترك ما كان عليه الآباء والأجداد ، فنراها تركت تراثها العظيم ، وانحدرت إلى أسفل درك بفضل الإستهتار والخلاعة والتبرّج ، كلّ ذلك كي لا تتصف بالرجعية .
قال الشاعر الاُزري :

أكريمة الزوراء لا يذهب بك * هـذا الخـداع ببيئة الزوراء

(53)

لا يخـدعنـك شـاعر بخيــالــه * إنّ الخيــال مـطيّــة الشعــراء
حصروا علاجك في السفور وما دروا * إنّ الـذي وصفــوه عيـن الـداء
أولـم يـروا أنّ الفتــاة بطبعهــا * كـالمـاء لـم يـحفظ بغيــر إنـاء
ومـن يكفـل الفتيـات بعـد بروزها * ممـا يـجيش بخـاطــر العـذراء
ومـن الذي ينهـى الشبيبـة رادعـاً * عـن خـدع كـلّ خـريدة حسنـاء

ولو أنّ الفتاة المسلمة راعت الاحتشام في ملبسها وتصرّفاتها وحركاتها وأخفت زينتها إلاّ لمن أجازه الشرع ، لكان ذلك أعفى لها وأتقى ، ولكانت في حصن حصين من أن تقع في مزالق الفوضى مخدوعة ببريق كلام المفسدين دعاة السفور .
ولقد أحسن الشاعر حينما قال :

أفـوق الـركبتين تشمـرينـا * بـربّــك أي نهـر تعبـرينـا
وما الخلخال حين الساق صارت * تطـوّقها عيـون النـاظرينـا
عيـون المعجبين لـديك جمر * ستشعل إن أردت هـوى دفينـا
فتاة الجيـل مثلـك لا يجاري * سفيهـات يبعـنَ تقــى ودينا
فبالتقصيـر طالتنـا الأعـادي * وبـاللذات ضـيّعنـا العـرينـا
أبنت خـديجة كونـي حيـاء * ك اُم ـك تنجبـي جيتـلاً رزينـا
خذيها قـدوة ننهض جميعـاً * وتبـق ديارنا حصنـاً حـصينا
ولا يشغلك قـشر عـن لباب * ولا تضلـك ( صـوفياهم ولينا )

ويقولون : إنّ الحجاب يعارض تعلّم المرأة ويمنع من تطورّها وسيرها في مضمار المدنيّة!!! والحقيقة على العكس من ذلك ، فمتى كان الحجاب عائقاً من ذهاب المرأة إلى المدارس والمعاهد العلميّة لإرتشاف العلم ، ومتى كانت الأزياء الخليعة والملابس الشفّافة سبباً لتعلّم المرأة وتقدّمها ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو يحثّ المرأة على طلب العلم ـ في حديثه المشهور : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة » .

(54)

وأحسن الشاعر الاُزري بقوله :

ليس الحجاب بمانع تعليمها * فالعلم لم يرفع على الأزياء
أولم يسع تعليمهن بغير أن * يملأن بالأعطاف عين الرأي

وهو يرد بذلك على المعرّي الذي يحارب تعلّم المرأة بقوله :

علموهن الغزل والنسج والرون * وخلّــوا كتـابـة وقــراءة
فصلاة الفتاة بالحمد والإخلاص * تغنـي عـن يـونس وبـراءة

ولا شكّ ولا ريب أنّ المرأة المتعلّمة أفضل من الجاهلة ، فهي تستطيع وبكلّ جدارة إدارة بيتها بما يرضي الله وزوجها ، وتستطيع أيضاً أن تربّي أولادها تربية صالحة تعدّهم للمستقبل ، فهي المعلّم الأوّل والمدرسة الاُولى التي يتخرّج منها العلماء والمفكرون .
قال الشاعر :

الاُم مدرسة إذا أعددتهـا * أعددت جيلاً طيّب الأعراق
الاُم اُستاذ الأستاذة الاُولى * شغلت مآثرها مدى الآفاق
الاُم روض إن تعهّده الحيا * بالـريّ أورق أيمـا ايراق

والمرأة الجاهلة يأخذها العجب والغرور فلا تراها إلاّ منشغلة بنفسها وزينتها ، تحاول أن تظهر بغير وجهها الحقيقي ، وتتصوّر بعملها هذا قد ازدادت جاهاً ورفعة ، وهي في الواقع قد انطمست في دياجير الجهل .
قالت احدى الشاعرات :

قـد زيّنت بالدر غرّة جبهـة * وتوشّحت بخمـار جهل أسود
وتطوّقت بالعقد يبهج جيـدها * والجهل يطمس كلّ فضل أمجد
وقال آخر :
ما العزِ لبسك أثـواب فخرت بهـا * والجهل من تحتها ضاف على الجسد

ولا شك أنّ هكذا امرأة يكون ضررها على المجتمع وخيماً ، فلا تعلّم أبناءها إلاّ سيء الأخلاق ، وما ورثته من عادات بالية أكل الدهر عليها وشرب ، فشأنها شأن المعلم السيء .

(55)

يقول شوقي في ذلك :

وإذا المعلـم سـاء لحظ بصيـرة * جاءت على يده البصائـر حـولاً
وإذا أتى الإرشاد من سبب الهوى * ومـن الغـرور فسمّـه التضليلا
وإذا اُصيـب القـوم في أخلاقهم * فـأقم عليهـم مـأتمـاً وعـويلا

وبعد كلّ ما قرأته معي عزيزي القارىء عن الحجاب ـ وإن كان قليلاً لا يفي بالمطلوب ـ ألا ترى من الأجدر بنا نحن أبناء الإسلام أن نحرص على نساء أمّتنا الإسلامية ، ونحاول بكلّ ما اُوتينا من قوّة أن نقف سدّاً منيعاً أمام التيار الإلحادي الذي لا هدف له سوى هدم قِيمنا ، وبالتالي القضاء على ديننا الحنيف .
وأنتِ اُختي القارئة أليس الأجدر بكِ أن تحافظي على حجابك صوناً لعزّتك وكرامتك وشرفك ، وتكونين قد جمعتِ سعادة الدارين ، ففي الدنيا محترمة موقّرة ، والجميع ينظر إليك نظرة إجلال وتقدير ، وفي الآخرة جنات عدن تجري من تحتها الأنهار .

الإرث :
عرفنا أنّ الاُمم السابقة قد حرمت المرأة من الإرث ، وإن جوّزه بعضها لها فمنعها من التصرّف فيه إلاّ بإذن الرجل .
أما الشريعة الإسلامية السمحاء والتي أعطت المرأة كلّ حقوقها ، فقد جوّزت لها الإرث ، وجعلت نصيبها نصف نصيب الرجل . وكثر الكلام حول هذا الموضوع ، واُثيرت شبهات وشبهات ، وادّعى أعداء الإسلام أنّه قد ظلم المرأة إذ أنقصها إرثها ، وأجاب علماؤنا عن هذه الشبهة بجوابات وافية منهم العلاّمة الطباطبائي في ميزانه حيث قال :
وأما كون سهم الرجل في الجملة ضعف سهم المرأة ، فقد اُعتبر فيه فضل الرجل على المرأة بحسب تدبير الحياة عقلاً ، وكون الإنفاق اللازم على عهدته ، قالى تعالى :
( الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من

(56)

أموالهم ) (1)
والقوام من القيام ، وهو إدارة المعاش ، والمراد بالفضل هو الزيادة في التعقّل ، فإن حياته حياة تعقلية ، وحياة المرأة إحساسية عاطفية . وإعطاء زمام المال يداً عاقلة مدبّرة أقرب إلى الصلاح من إعطائه يداً ذات إحساس عاطفي ، وهذا الإعطاء والتخصيص إذا قيس إلى الثروة الموجودة في الدنيا المنتقلة من الجيل الحاضر إلى الجيل التالي يكون تدبير ثلثي الثروة الموجودة إلى الرجال وتدبير ثلثها إلى النساء ، فيغلب تدبير التعقل على تدبير الإحساس والعواطف ، فيصلح أمر المجتمع وتسعد الحياة .
وقد تدورك هذا الكسر الوارد على النساء بما أمر الله سبحانه الرجل بالعدل في أمرها ، الموجب لاشتراكها مع الرجل فيما بيده من الثلثين ، فتذهب المرأة بنصف هذين الثلثين من حيث المصرف وعندها الثلث الذي تتملكها وبيدها أمر ملكه ومصرفه .
وحاصل هذا الوضع والتشريع العجيب أنّ الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصرف ، فللرجل ملك ثلثي الدنيا وله مصرف ثلثها ، وللمرأة ملك ثلث الثروة ولها مصرف ثلثيها ، وقد لوحظ في ذلك غلبة روح التعقّل على روح الإحساس والعواطف في الرجل . والتدبير المالي بالحفظ والتبديل والإنتاج والإسترباح أنسب وأمسّ بروح التعقل وغلبة العواطف الرقيقة والإحساسات اللطيفة على روح التعقل في المرأة ، وذلك بالمصرف أمسّ وألصق ، فهذا هو السر في الفرق الذي اعتبره الإسلام في باب الإرث والنفقات بين الرجال والنساء .
وينبغي أن تكون زيادة روح التعقل بحسب الطبع في الرجل ومزيته على المرأة في هذا الشأن هو المراد بالفضل الذي ذكره الله سبحانه في قوله عزّ من قائل : ( الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض ) ، دون الزيادة في البأس والشدة والصلابة ، فإن الغلظة والخشونه في قبيل الرجال وإن كانت مزية وجودية يمتاز بها الرجل عن المرأة ، وتترتب
____________
1 ـ النساء : 34 .
(57)

عليها في المجتمع الإنساني آثار عظيمة في أبواب الدفاع والحفظ والأعمال الشاقة وتحمّل الشدائد والمحن والثبات والسكينة في الهزائز والأهوال ، وهذه شؤون ضرورية في الحياة لا يقوم لها قبيل النساء بالطبع .
ولكن النساء أيضاً مجهزات بما يقابلها من الإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة التي لا غنى للمجتمع عنها في حياته ، ولها آثار هامة في أبواب الاُنس والمحبة والسكن والرحمة والرأفة وتحمل أثقال التناسل والحمل والوضع والحضانة والتربية والتمريض وخدمة البيت ، ولا يصلح شأن الإنسان بالخشونة والغلظة لولا اللينة والرقة ، ولا بالغضب لولا الشهوة ، ولا أمر الدنيا بالدفع لولا الجذب .
وبالجملة ، هذان تجهيزان متعادلان في الرجل والمرأة تتعادل بهما كفتا الحياة في المجتمع المختلط المركب من القبيلين ، وحاشاه سبحانه أن يحيف في كلامه أو يظلم في حكمه ( أم يخافون أن يحيف الله عليهم ) (1) ، ( ولا يظلم ربك أحداً ) (2) ، وهو القائل : ( بعضكم من بعض ) (3) وقد أشار إلى هذا الإلتئام والبعضية بقوله في الآية : ( بما فضّل الله بعضهم على بعض ) .
وقال أيضاً :
( ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مَودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (4)

وانظر إلى عجيب بيان الآيتين حيث وصف الإنسان ـ وهو الرجل بقرينة المقابلة ـ بالإنتشار وهو السعي في طلب المعاش ، وإليه يَعود جمع أعمال إقتناء لوازم الحياة بالتوسل
____________
1 ـ النور : 50 .
2 ـ الكهف : 49 .
3 ـ آل عمران : 195 .
4 ـ الروم : 20 ـ 21 .
(58)

إلى القوة والشدة حتى ما في المغالبات والغزوات والغارات ، ولو كان للإنسان هذا الانتشار فحسب لا نقسم أفراده إلى واحد يكر وآخر يفر .
لكن الله سبحانه خلق النساء وجهزهن بما يوجب أن يسكن إليهن الرجال وجعل بينهم مودّة ورحمة ، فاجتذبن الرجال بالجمال والدلال والمودّة والرحمة ، فالنساء هنّ الركن الأوّل والعامل الجوهري للإجتماع الإنساني .
ومن هنا ما جعل الإسلام الإجتماع المنزلي وهو الإزدواج هو الأصل في هذا الباب ، قال تعالى :
( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) (1)

فبدأ بأمر ازدواج الذكر والاُنثى وظهور التناسل بذلك ، ثم بنى عليه الإجتماع الكبير المتكوّن من الشعوب والقبائل .
ومن ذيل الآية يظهر أنّ التفضيل المذكور في قوله : ( الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض ) ، إنما هو تفضيل في التجهيز بما ينتظم به أمر الحياة الدنيوية ، أعني المعاش أحسن تنظيم ، ويصلح به حال المجتمع إصلاحاً جيداً . وليس المراد به الكرامة التي هي الفضيلة الحقيقيّة في الإسلام ، وهي القربى والزُلفى من الله سبحانه ، فإنّ الإسلام لا يعبأ بشيء من الزيادات الجسمانية التي لا يستفاد منها إلاّ للحياة المادية ، وإنّما هي الوسائل يتوسل بها لما عند الله .
وقد تحصّل من جميع ما قدّمناه أنّ الرجال فضّلوا على النساء بروح التعقّل الذي أوجب تفاوتاً في أمر الإرث وما يشبهه ، لكنها فضيلة بمعنى الزيادة ، وأمّا الفضيلة بمعنى الكرامة التي يعتني بشأنها الإسلام فهي التقوى أينما كانت (2) .
____________
1 ـ الحجرات : 13 .
2 ـ الميزان 4 : 215 .

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...