الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أساليب الغزو الفكري للعالم الاسلامي 36

أساليب الغزو الفكري للعالم الاسلامي 36

الفصل الثاني
مقومات الصهيونية
المبحث الأول
المقومات الدينية
أولا : امتلاك فلسطين والأقطار المجاورة لها :
يعتقد اليهود أن ملك فلسطين حق مشروع لهم ، حيث وعد الله
به ذرية إبراهيم عليه السلام في التوراة : ” واجتاز ابرام في الأرض
إلى مكان شكيم إلى بلوطة مورة ، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض ،
وظهر الرب لإبرام ، وقال : لنسلك أعطي هذه الأرض ، فبنى هناك
مذبحا للرب الذي ظهر له ( 1 ) ” .
ثم وجه هذا الوعد ، ولما يتحقق بعد ، إلى إسحق بن إبراهيم ،
عليهما السلام : ” وكان في الأرض جوع غير الجوع الأول الذي كان في
أيام إبراهيم ، فذهب إسحق إلى أبي مالك ملك الفلسطينيين إلى جرار ،
وظهر له الرب وقال : لا تنزل إلى أرض مصر ، أسكن في الأرض التي
أقول لك ، تغرب في هذه الأرض ، فأكون معك ، وأباركك ، لأني لك
ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد ، وأفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم
أبيك ( 2 ) ” .
ومفهوم هذا النص أن الله قد اختص إسحق عليه السلام ونسله
بجماع ما وعد به أباه إبراهيم ونسله ، فيما عدا مصر التي أمره بعدم
النزول فيها ، والتي ينبغي أن تؤول بناء على هذا إلى إسماعيل عليه
السلام ، لولا أن الله قد استثناه من ذرية إبراهيم عليه السلام فيما
وعدها به – كما يزعم محرفو التوراة وقال إبراهيم لله :
” ليت إسماعيل يعيش أمامك ، فقال الله : بل امرأتك تلد لك ابنا وتدعو
اسمه إسحق ، وأقيم عهدي مها عهدا أبديا لنسله من بعده . وأما
إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا .
اثني عشر رئيسا بلد ، واجعله أمة كبيرة ، ولكن عهدي أقيمه مع إسحق
الذي تلده سارة في هذا الوقت في السنة الآتية ( 1 ) ” .
ثم وجه هذا الوعد مرة أخرى إلى يعقوب ثم إسحق عليهما السلام
في صورة حلم تراءى ليعقوب وهو نائم في أرض حاران ، وورد ذكر
تمليك أرض كنعان لموسى وهارون عليهما السلام ( 2 ) . وبعد وفاة موسى
وجه الله وعده إلى خليفته يوشع بن نون في صورة أكثر تفصيلا :
” موسى عبدي قد مات ، فآلان قم أعبر هذا الأردن ، أنت وكل هذا
الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم ( أي لبني إسرائيل ) . كل
موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته ، كما كلمت موسى ، من البرية
ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات ، جميع أرض الحيثيين وإلى
البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخومكم ( 3 ) ” .
وجاء الوعد الإلهي أخيرا إلى داوود عليه السلام ونسله على لسان
ناثان النبي ( 4 ) ، وتكرر ذكر الوعد الإلهي في أسفار شتى ، كما رددته
المزامير في أكثر من موضع ، ومن ذلك : ” لأن الله يخلص صهيون
ويبني مدن يهوذا ، فيسكنون هناك ويرثونها ، ونسل عبيده يملكونها ،
ومحبو اسمه يسكنون فيها ( 5 ) ” .
هكذا تكررت الوعود الإلهية بملك اليهود لفلسطين ، وكأنما وجهت
متتالية لمجرد التشويق والإثارة لا للتنفيذ ، فهي توجه لهذا تارة ولآخر
تارة أخرى من غير أن تتحقق لا لهذا ولا لذاك .
ثانيا – فكرة المسيح المنتظر :
يعتقد اليهود أن عودتهم إلى أرض الميعاد سوف تتم على يدي
المسيح المنتظر ، Paraclet ويقصد به المنقذ أو المخلص ، إذ سوف
يبعثه الله من صهيون من نسل داوود ، لينقذهم من المحن والشدائد
والهوان ، جزاء عصيانهم أوامر الله ، ومروقهم عن طاعة أنبيائه ،
وإمعانهم في الآثام والموبقات ، وينتقم لهم من جميع الشعوب ،
ويفرض عليها سلطان اليهود .
وجاء في التوراة ( 1 ) : أن ظهر في مملكة إسرائيل في عهد الملك اخاب
ابن عمرى النبي إيليا التشبي داعيا إلى تطهير البلاد من أدران الوثنية
والمفاسد الخلقية التي تردى فيها المجتمع الإسرائيلي ، إلا أن دعوته
صادفت ازورارا وإنكارا فصعد إلى السماء في غمار عاصفة عاتية ، مستقلا مركبة نارية تجرها خيل من نار كذلك
ويعيش اليهود على أمل إيليا من السماء ، بشيرا بمقدم
المسيح المنتظر هاديا ومخلصا
ثالثا – إخضاع العالم لسلطان اليهود – شعب الله المختار :
حرص اليهود على إخفاء أطماعهم الاستعمارية الخيالية ، وتكتموا
الأسباب التي يعزون إليها حقهم في حكم العالم وسيادة البشر ، فلا
يتناجون بها إلا في خاصة مجالسهم ومجتمعاتهم ، متخافتين حتى
لا يستثيروا السخط العالمي ، ويواجهوا عداوة . ولهذا بادر الصهيونيون
إلى إنكار دستور اليهودية العالمية ( بروتوكولات صهيون ) ، متبرئين
منها فور إماطة اللثام عنها ، وحاولوا إحراق الطبعات الأولى منها قبل
تداولها وذيوعها ، ولكنهم فشلوا ، إذ تكرر طبعها في أنحاء العالم
بمختلف اللغات .
وقد سار الصهيونيون في تحقيق أهداف البروتوكولات الخطيرة
– رغم إنكارها لها – مترسمين تعاليمها ومناهجها بدقة وإصرار ودأب
متصل ، وكان الزعيم الصهيوني الكبير ( هرتزل ) قد صرح في عدة
بيانات أصدرتها اللجنة الصهيونية في عام 1901 م ( 1319 ه‍ ) أن بعض الوثائق الخطيرة قد سرقت من قدس الأقداس ، وما كان ينبغي
لها أن تنشر قبل الأوان ، مشيرا بذلك إلى تلك البروتوكولات دون
ريب ، وكان أمرها قد افتضح للعالم مما أثار الرأي العام العالمي
ضد اليهود .
ويستند اليهود في ادعائهم حق السيطرة على العالم إلى ما جاء
في التوراة من أنهم شعب الله المختار الذي فضله الله على العالمين ،
واستخلفه في الأرض ، ومن ثم كان من حقه السيطرة على شعوب
الأرض والقوامة على حكومتها ، ومما جاء في التوراة : ” ويقف الأجانب
ويرعون غنمكم ، ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم ، أما أنتم
فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا ، تأكلون ثروة الأمم ، وعلى
مجدهم تتأمرون ( 1 ) ” .
وفي التوراة أيضا : ” أني أخبر من جهة الرب ، قال لي :
أنت ابني ، أنا اليوم ولدتك ، اسألني فأعطيك الأمم ميراثا لك ، وأقاصي
الأرض ملكا لك ، تحملهم بقضيب من حديد ، مثل إناء خزف
تكسرهم ( 2 ) ” .
وقد كان الكاهن ( عزرا ) يعتقد أن العالم قد خلق من أجل
بني إسرائيل شعب الله المختار ، وأن آماله إلى الخضوع لحكمهم ، وأن
بني إسرائيل يمرون في ذلك الوقت من عصر عزرا بمرحلة تمهيدية ضرورية
للوصول بهم إلى الملك العالمي الموعود .
والعجيب أن هذه المرحلة التمهيدية لم تنته بعد ، رغم مرور أكثر
من أربعة وعشرين قرنا من الزمان .
ونكتفي بالرد على أوهام الصهيونية بقوله تعالى : ( وإذ ابتلى
إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال : إني جاعلك للناس إماما ، قال :
ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ( 3 ) .
التعاليم السرية في التلمود والكبالا :
هذا ولا تقتصر النصوص الدينية لدى الصهيونيين على أسفار
التوراة فحسب ، فالصهيونية تنتمي بعقيدتها إلى طائفة اليهود الربانيين
الذين يؤمنون بالتلمود كتابا مقدسا ، ويعتقدون أن منزل من عند الله
على موسى عليه السلام كالتوراة سواء بسواء ، ولا يختلف عن التوراة
إلا في أنه أنزل على موسى مشافهة ، بينما كتبت نصوص التوراة على
لوحين حجريين بيد القدرة الإلهية ، وأكمل موسى عليه السلام تدوينها
في كتاب .
ولئن نسب كثير من تعاليم التلمود إلى حاخامات اليهود الربيين ،
فإن ذلك مما يؤكد قداستها في عرفهم ، لأن كلام الحاخامات كما يقول
التلمود هو كلام الله وله عند الله المقام الأسمى ، حتى أنه سبحانه
وتعالى يستشيرهم كلما أعضلته مشكلة مستعصية ( 1 ) .
( تعالى الله عما يقولون )
ومبنى تعاليم التلمود أن بني إسرائيل صفوة الخلق ، اصطفاهم
الله على العالمين ، واستخلفهم في الأرض يتملكونها ويسودون أهلها ،
حقا مقضيا لهم وقد بشر التلمود اليهود بملك العالم في قوله :
” كل مكان تطؤه أقدامكم يكون لكم ، كل الأماكن التي تحتلونها فإنها
لكم ، فأنتم سترثون الجوييم ( أي الكفرة والأنجاس غير اليهود )
المستكبرين في الأرض ، وبعد ذلك كل مكان بعد أرض إسرائيل التي
يجب أن لا تكون نجسة تحت أقدام الجوييم ، إنكم بعد أن تحتلوا
أرض إسرائيل يحق لكم أن تحتلوا غيرها ” .
وجاء في التلمود أيضا : ” يجب على كل يهودي أن يسعى لأن
تظل السلطة على الأرض لليهود دون سواهم ، وقبل أن يحكم اليهود
نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق ، ويهلك ثلثا
العالم ، وسيأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر المرتقب ، وحينئذ تصبح
الأمة اليهودية غاية في الثراء ، لأنها تكون قد ملكت أموال العالم
جميعا ، ويتحقق أمل الأمة اليهودية بمجئ إسرائيل ، وتكون هي
الأمة المتسلطة على باقي الأمم عند مجئ المسيح ” .
ويلحق بالتلمود – وهو كتاب اليهود السري المقدس – كتاب
سري آخر يعرف بالكبالا لا يقل عنه خطورة ، بما يثير من التعصب
العنصري العنيف ، ويروج له بغلظة ووحشية .
والكبالا كتاب يتوارثه اليهود منذ القدم ، يعالج التصوف اليهودي
عن طريق السحر الذي يمثل شطرا من الطقوس الدينية التي يمارسونها
خفية خشية اطلاع أحد من الشعوب الأخرى عليها ، لما فيها من التفنن
في الكيد لتلك الشعوب التحريض على اغتيالها لاستنزاف دمائها ،
واستخدامها في ممارسة هذه الطقوس ، ويحقق الكبالا لليهود الأهداف
التالية :
1 – الحفاظ على مبادئ اليهود العدوانية المتطرفة حيال الشعوب
الأخرى ، بإيجاد المناخ النفسي الملائم لتعيش فيه هذه المبادئ ، وذلك
بإشعال نار الحقد والتعصب العنصري في صدور اليهود بما تتضمنه
من فنون الكيد والانتقام ، التي تحضهم عليها كشعائر دينية مقدسة .
2 – إشباع ثائرة اليهود العدوانية ، وشفاء غليلهم باستنزاف
دماء أعدائهم ، واستخدامها في الطقوس السحرية الدموية .
3 – يحس اليهود في ممارسة تعاليم الكبالا طمأنينة وراحة نفسية
عميقة ويستشعرون أنهم إنما يمارسون شعائر مقدسة تقربهم من الله
وترفع عنهم ما حاق بهم من غضب إلهي منذ الحقب الخالية .
وقد كانت تعاليم الكبالا نواة للنشاط السري الهدام الذي توفر
عليه اليهود دائبين متمثلا في مختلف الجمعيات والمؤتمرات التي سعوا
من خلالها إلى تحقيق آمالهم وأطماعهم ، كما كان لتلك التعاليم تأثير
مباشر في صياغة أفكار اليهود الصهيونيين على الصورة الشائهة
القائمة ، والأسلوب الدموي الفصل الثاني
مقومات الصهيونية
المبحث الأول
المقومات الدينية
أولا : امتلاك فلسطين والأقطار المجاورة لها :
يعتقد اليهود أن ملك فلسطين حق مشروع لهم ، حيث وعد الله
به ذرية إبراهيم عليه السلام في التوراة : ” واجتاز ابرام في الأرض
إلى مكان شكيم إلى بلوطة مورة ، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض ،
وظهر الرب لإبرام ، وقال : لنسلك أعطي هذه الأرض ، فبنى هناك
مذبحا للرب الذي ظهر له ( 1 ) ” .
ثم وجه هذا الوعد ، ولما يتحقق بعد ، إلى إسحق بن إبراهيم ،
عليهما السلام : ” وكان في الأرض جوع غير الجوع الأول الذي كان في
أيام إبراهيم ، فذهب إسحق إلى أبي مالك ملك الفلسطينيين إلى جرار ،
وظهر له الرب وقال : لا تنزل إلى أرض مصر ، أسكن في الأرض التي
أقول لك ، تغرب في هذه الأرض ، فأكون معك ، وأباركك ، لأني لك
ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد ، وأفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم
أبيك ( 2 ) ” .
ومفهوم هذا النص أن الله قد اختص إسحق عليه السلام ونسله
بجماع ما وعد به أباه إبراهيم ونسله ، فيما عدا مصر التي أمره بعدم
النزول فيها ، والتي ينبغي أن تؤول بناء على هذا إلى إسماعيل عليه
السلام ، لولا أن الله قد استثناه من ذرية إبراهيم عليه السلام فيما
وعدها به – كما يزعم محرفو التوراة وقال إبراهيم لله :
” ليت إسماعيل يعيش أمامك ، فقال الله : بل امرأتك تلد لك ابنا وتدعو
اسمه إسحق ، وأقيم عهدي مها عهدا أبديا لنسله من بعده . وأما
إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا .
اثني عشر رئيسا بلد ، واجعله أمة كبيرة ، ولكن عهدي أقيمه مع إسحق
الذي تلده سارة في هذا الوقت في السنة الآتية ( 1 ) ” .
ثم وجه هذا الوعد مرة أخرى إلى يعقوب ثم إسحق عليهما السلام
في صورة حلم تراءى ليعقوب وهو نائم في أرض حاران ، وورد ذكر
تمليك أرض كنعان لموسى وهارون عليهما السلام ( 2 ) . وبعد وفاة موسى
وجه الله وعده إلى خليفته يوشع بن نون في صورة أكثر تفصيلا :
” موسى عبدي قد مات ، فآلان قم أعبر هذا الأردن ، أنت وكل هذا
الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم ( أي لبني إسرائيل ) . كل
موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته ، كما كلمت موسى ، من البرية
ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات ، جميع أرض الحيثيين وإلى
البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخومكم ( 3 ) ” .
وجاء الوعد الإلهي أخيرا إلى داوود عليه السلام ونسله على لسان
ناثان النبي ( 4 ) ، وتكرر ذكر الوعد الإلهي في أسفار شتى ، كما رددته
المزامير في أكثر من موضع ، ومن ذلك : ” لأن الله يخلص صهيون
ويبني مدن يهوذا ، فيسكنون هناك ويرثونها ، ونسل عبيده يملكونها ،
ومحبو اسمه يسكنون فيها ( 5 ) ” .
هكذا تكررت الوعود الإلهية بملك اليهود لفلسطين ، وكأنما وجهت
متتالية لمجرد التشويق والإثارة لا للتنفيذ ، فهي توجه لهذا تارة ولآخر
تارة أخرى من غير أن تتحقق لا لهذا ولا لذاك .
ثانيا – فكرة المسيح المنتظر :
يعتقد اليهود أن عودتهم إلى أرض الميعاد سوف تتم على يدي
المسيح المنتظر ، Paraclet ويقصد به المنقذ أو المخلص ، إذ سوف
يبعثه الله من صهيون من نسل داوود ، لينقذهم من المحن والشدائد
والهوان ، جزاء عصيانهم أوامر الله ، ومروقهم عن طاعة أنبيائه ،
وإمعانهم في الآثام والموبقات ، وينتقم لهم من جميع الشعوب ،
ويفرض عليها سلطان اليهود .
وجاء في التوراة ( 1 ) : أن ظهر في مملكة إسرائيل في عهد الملك اخاب
ابن عمرى النبي إيليا التشبي داعيا إلى تطهير البلاد من أدران الوثنية
والمفاسد الخلقية التي تردى فيها المجتمع الإسرائيلي ، إلا أن دعوته
صادفت ازورارا وإنكارا فصعد إلى السماء في غمار عاصفة عاتية ، مستقلا مركبة نارية تجرها خيل من نار كذلك
ويعيش اليهود على أمل إيليا من السماء ، بشيرا بمقدم
المسيح المنتظر هاديا ومخلصا
ثالثا – إخضاع العالم لسلطان اليهود – شعب الله المختار :
حرص اليهود على إخفاء أطماعهم الاستعمارية الخيالية ، وتكتموا
الأسباب التي يعزون إليها حقهم في حكم العالم وسيادة البشر ، فلا
يتناجون بها إلا في خاصة مجالسهم ومجتمعاتهم ، متخافتين حتى
لا يستثيروا السخط العالمي ، ويواجهوا عداوة . ولهذا بادر الصهيونيون
إلى إنكار دستور اليهودية العالمية ( بروتوكولات صهيون ) ، متبرئين
منها فور إماطة اللثام عنها ، وحاولوا إحراق الطبعات الأولى منها قبل
تداولها وذيوعها ، ولكنهم فشلوا ، إذ تكرر طبعها في أنحاء العالم
بمختلف اللغات .
وقد سار الصهيونيون في تحقيق أهداف البروتوكولات الخطيرة
– رغم إنكارها لها – مترسمين تعاليمها ومناهجها بدقة وإصرار ودأب
متصل ، وكان الزعيم الصهيوني الكبير ( هرتزل ) قد صرح في عدة
بيانات أصدرتها اللجنة الصهيونية في عام 1901 م ( 1319 ه‍ ) أن بعض الوثائق الخطيرة قد سرقت من قدس الأقداس ، وما كان ينبغي
لها أن تنشر قبل الأوان ، مشيرا بذلك إلى تلك البروتوكولات دون
ريب ، وكان أمرها قد افتضح للعالم مما أثار الرأي العام العالمي
ضد اليهود .
ويستند اليهود في ادعائهم حق السيطرة على العالم إلى ما جاء
في التوراة من أنهم شعب الله المختار الذي فضله الله على العالمين ،
واستخلفه في الأرض ، ومن ثم كان من حقه السيطرة على شعوب
الأرض والقوامة على حكومتها ، ومما جاء في التوراة : ” ويقف الأجانب
ويرعون غنمكم ، ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم ، أما أنتم
فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا ، تأكلون ثروة الأمم ، وعلى
مجدهم تتأمرون ( 1 ) ” .
وفي التوراة أيضا : ” أني أخبر من جهة الرب ، قال لي :
أنت ابني ، أنا اليوم ولدتك ، اسألني فأعطيك الأمم ميراثا لك ، وأقاصي
الأرض ملكا لك ، تحملهم بقضيب من حديد ، مثل إناء خزف
تكسرهم ( 2 ) ” .
وقد كان الكاهن ( عزرا ) يعتقد أن العالم قد خلق من أجل
بني إسرائيل شعب الله المختار ، وأن آماله إلى الخضوع لحكمهم ، وأن
بني إسرائيل يمرون في ذلك الوقت من عصر عزرا بمرحلة تمهيدية ضرورية
للوصول بهم إلى الملك العالمي الموعود .
والعجيب أن هذه المرحلة التمهيدية لم تنته بعد ، رغم مرور أكثر
من أربعة وعشرين قرنا من الزمان .
ونكتفي بالرد على أوهام الصهيونية بقوله تعالى : ( وإذ ابتلى
إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال : إني جاعلك للناس إماما ، قال :
ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ( 3 ) .
التعاليم السرية في التلمود والكبالا :
هذا ولا تقتصر النصوص الدينية لدى الصهيونيين على أسفار
التوراة فحسب ، فالصهيونية تنتمي بعقيدتها إلى طائفة اليهود الربانيين
الذين يؤمنون بالتلمود كتابا مقدسا ، ويعتقدون أن منزل من عند الله
على موسى عليه السلام كالتوراة سواء بسواء ، ولا يختلف عن التوراة
إلا في أنه أنزل على موسى مشافهة ، بينما كتبت نصوص التوراة على
لوحين حجريين بيد القدرة الإلهية ، وأكمل موسى عليه السلام تدوينها
في كتاب .
ولئن نسب كثير من تعاليم التلمود إلى حاخامات اليهود الربيين ،
فإن ذلك مما يؤكد قداستها في عرفهم ، لأن كلام الحاخامات كما يقول
التلمود هو كلام الله وله عند الله المقام الأسمى ، حتى أنه سبحانه
وتعالى يستشيرهم كلما أعضلته مشكلة مستعصية ( 1 ) .
( تعالى الله عما يقولون )
ومبنى تعاليم التلمود أن بني إسرائيل صفوة الخلق ، اصطفاهم
الله على العالمين ، واستخلفهم في الأرض يتملكونها ويسودون أهلها ،
حقا مقضيا لهم وقد بشر التلمود اليهود بملك العالم في قوله :
” كل مكان تطؤه أقدامكم يكون لكم ، كل الأماكن التي تحتلونها فإنها
لكم ، فأنتم سترثون الجوييم ( أي الكفرة والأنجاس غير اليهود )
المستكبرين في الأرض ، وبعد ذلك كل مكان بعد أرض إسرائيل التي
يجب أن لا تكون نجسة تحت أقدام الجوييم ، إنكم بعد أن تحتلوا
أرض إسرائيل يحق لكم أن تحتلوا غيرها ” .
وجاء في التلمود أيضا : ” يجب على كل يهودي أن يسعى لأن
تظل السلطة على الأرض لليهود دون سواهم ، وقبل أن يحكم اليهود
نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق ، ويهلك ثلثا
العالم ، وسيأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر المرتقب ، وحينئذ تصبح
الأمة اليهودية غاية في الثراء ، لأنها تكون قد ملكت أموال العالم
جميعا ، ويتحقق أمل الأمة اليهودية بمجئ إسرائيل ، وتكون هي
الأمة المتسلطة على باقي الأمم عند مجئ المسيح ” .
ويلحق بالتلمود – وهو كتاب اليهود السري المقدس – كتاب
سري آخر يعرف بالكبالا لا يقل عنه خطورة ، بما يثير من التعصب
العنصري العنيف ، ويروج له بغلظة ووحشية .
والكبالا كتاب يتوارثه اليهود منذ القدم ، يعالج التصوف اليهودي
عن طريق السحر الذي يمثل شطرا من الطقوس الدينية التي يمارسونها
خفية خشية اطلاع أحد من الشعوب الأخرى عليها ، لما فيها من التفنن
في الكيد لتلك الشعوب التحريض على اغتيالها لاستنزاف دمائها ،
واستخدامها في ممارسة هذه الطقوس ، ويحقق الكبالا لليهود الأهداف
التالية :
1 – الحفاظ على مبادئ اليهود العدوانية المتطرفة حيال الشعوب
الأخرى ، بإيجاد المناخ النفسي الملائم لتعيش فيه هذه المبادئ ، وذلك
بإشعال نار الحقد والتعصب العنصري في صدور اليهود بما تتضمنه
من فنون الكيد والانتقام ، التي تحضهم عليها كشعائر دينية مقدسة .
2 – إشباع ثائرة اليهود العدوانية ، وشفاء غليلهم باستنزاف
دماء أعدائهم ، واستخدامها في الطقوس السحرية الدموية .
3 – يحس اليهود في ممارسة تعاليم الكبالا طمأنينة وراحة نفسية
عميقة ويستشعرون أنهم إنما يمارسون شعائر مقدسة تقربهم من الله
وترفع عنهم ما حاق بهم من غضب إلهي منذ الحقب الخالية .
وقد كانت تعاليم الكبالا نواة للنشاط السري الهدام الذي توفر
عليه اليهود دائبين متمثلا في مختلف الجمعيات والمؤتمرات التي سعوا
من خلالها إلى تحقيق آمالهم وأطماعهم ، كما كان لتلك التعاليم تأثير
مباشر في صياغة أفكار اليهود الصهيونيين على الصورة الشائهة
القائمة ، والأسلوب الدموي الجان

شاهد أيضاً

ثلاث عمليات لقوات المسلحة اليمنية حققت أهدافها بنجاح

أعلنت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ قواتها البحرية ثلاث عمليات عسكرية استهدفت سفينة ومدمرة أميركيتين في ...