الرئيسية / تقاريـــر / أحدث البصرة: التوقيت والدلالات

أحدث البصرة: التوقيت والدلالات

الوقت- أعلنت اللجنة التنسيقية لتظاهرات البصرة تعليق التظاهرات، مشيرةً إلى أن من يريد الاستمرار في التظاهر فهو يؤيد أعمال التخريب. كلام اللجنة التنسيقية ردّده اغلب أبناء الشعب العراقي بالأمس، وأهل البصرة على وجه التحديد. لا يختلف إثنان على أحقّية البصراويين في التظاهر للمطالبة بحقوقهم المشروعة، إلا أن هناك من حاول الركوب على موجة الاعتراضات وتنفيذ أجندات أجنبية دون أدنى شكّ.

الواقع والمنطق يقول أن من يطالب بالاصلاح لن يقدم على السرقة، لن يلجئ إلى الاعتداء على12 سيارة إطفاء، لن يذهب إلى مستشفى جعفر الطيار ويحرق الأجهزة الطبيّة الموجودة، وبطبيعة الحال لن يحجتز الجرحى ويعتدي بالضرب على أفراد الطاقم الطبي العامل في المستشفى، وكذلك الأمر بالنسبة للقنصلية الإيرانيّة في البصرة.

المظاهرات التي بدأت بمطالبات محقّة تجاه الحكومة، بدأت بعض روافدها تتخذ مسارات بعيدة كل البعد على الشعارات التي ترفعها. المثلمين الذين أقدموا بالأمس على كسر المحرّمات لا يمتّون إلى المتظاهرين بصلة. ربّما هناك من غُرّر بهم بالأمس في ساحات البصرة، إلا أن الملثمين الذين أحرقوا مقرّرات الحشد الشعبي وأقدموا على ما أسلفناه أعلاه، هم بطبيعة الحال مرتبطين بأجندات لا تخدم وحدة وسلامة العراق.

بدا لافتاً الحكمة التي تحلّت به قيادة الحشد الشعبي ومتطوعيه بالأمس في عدم الانجرار نحو فتنة داخليّة تفوّت الفرصة على العراقيين في استعادة الاستقرار، ولكن ما كان أشدّ لفتاً هي التحركات التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية والعراقية خلال الأشهر القليلة الماضية، ووصلت إلى ذروتها في الأسابيع الأخيرة. من راقب وسائل التواصل الاجتماعي جيّداً أدرك وجود مساعي حثيثة لإيجاد التفرقة بين الشعبين. هؤلاء المندسين الذين مهّدوا لمشروعهم في الإعلام انتقلوا اليوم إلى الميدان لتحقيق الهدف ذاته.

إن ما حصل في البصرة بالأمس، مدينة الشهداء، يؤكد وجود مخطّط جديد لاستهداف العراق الذي نجح في تكريس تجربة انتخابية ناجحة، رغم ما طرئ بعدها. ومن هنا لا بدّ الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:

أولاً: لا يمكن فصل ما حصل بالأمس في مدينة البصرة عن السيناريوهات التي طرأت على المشهد العراقي منذ الانسحاب الأمريكي عام 2011. بعبارة، أدق يندرج ما حصل بالأمس في إطار استهداف وحدة العراق، و يأتي استكمال للمشروع الداعشي المنهزم، ومشروع التقسيم الأكثر انهزاماً.

ثانياً: بدا لافتاً أن عملية الاستهداف بالأمس طالت القنصلية الإيرانية، مقرات الحشد الشعبي ودور المرجعية الدينية البارز، ولعل نقاط الإلتقاء لدى هذه القوى الثلاث هي تظافر جهودها في مكافحة الإرهاب ودوره. أي أن ما حصل بالأمس هو استهدف مباشر للقوى التي ساهمت في تحرير الأراضي العراقية، قبل أن تكون عملية الاستهداف تخص فريق هنا وآخر هناك. فهل يلجأ أبناء المدينة التي قدّمت النسبة الأكبر من الشهداء إلى استهداف جرحاهم؟ فتّشول عن المحرّك، وإن لم تجدوه فالمستفيد.

ثالثاً: هناك دور بارز لهذه القوى في احتواء النفوذ الأمريكي في العراق، بعد العام 2011 وقبل العام 2011. فهذه القوى تحديداً هي التي منعت الأمريكي من استغلال ورقة داعش والعودة إلى أيام الحاكم بريمر، وبالتالي منعت الامريكي في السيطرة مجدداً على القرار العراقي.

رابعاً: تأتي هذه العملية في ظل تقارب غير مسبوق بين الشعبين الإيراني والعراقي وعلى أبواب محرم وذكرى عاشوراء والأربعين التي تساهم في تذويب الخلافات وتحقق نموذجاً من التعايش السلمي والتقارب بين الشعبين. أن يحصل هذا الأمر قبل محرم ومسيرة الأربعين الكبرى، فيعني أن العدو يريد أن يوتر العلاقة بين الشعبين العراقي والإيراني خشية تعزيز أواصر هذه العلاقة التي يحلّ ربيعها في ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام.

خامساً: يمكن القول وبجدارة أن ما حصل بالأمس محاولة لتدفيع اهالي البصرة الثمن بسبب دروهم البارز في مكافحة الإرهاب الداعشي. المشهد الذي بدأ بالنيل من أكثر المحافظات تقديماً للشهداء على الأراضي العراقي من خلال وقف المشاريع الخدمية، يُستكمل اليوم عبر محاولات الاستهداف التي تسعى لإيجاد حرب بين أبناء البصرة، إضافةً إلى التاثير على مجريات ما يحصل في البرلمان العراقي، وتشكيل حكومة جديدة خاضعة للقرار الأمريكي.

سادساً: لا تنفصل هذه الأعمال عن الشهادات التي يدلي بها بعض النواب العراقيون، أو مقربين منهم، حول تعرّضهم لتهديدات غير مسبوقة هي الأكبر منذ عام 2003 من الجانب الأمريكي. فالجهة التي تخطط لخلط الأوراق سياسياً في مجلس النواب عبر الضغط على البرلمان، هي نفسها التي دفعت بمندسين بالأمس في جنوب البلاد بغية خلط الأوراق أمنياً.

باختصار، ما حصل بالأمس لا يمثّل أهالي البصرة، كما أنّه لا يمثل الفصيل الأكبر من المتظاهرين. هناك من يسعى دون ظهور عراقي قوي كسر شوكة داعش وأمريكا، ولكن من هزم مشروع داعش 2014 سيهزم أي مشروع مماثل اليوم.

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...