الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 12

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 12

الفرضية الثانية : التشيع صنيع عبد الله بن سبأ
لنقرأ ما كتبه الطبري حول هذا الوهم المصطنع :
قال : ” إن يهوديا باسم عبد الله بن سبأ المكنى بابن السوداء في صنعاء أظهر
الإسلام في عصر عثمان ، واندس بين المسلمين ، وأخذ يتنقل في حواضرهم
وعواصم بلادهم : الشام ، والكوفة ، والبصرة ، ومصر ، مبشرا بأن للنبي الأكرم
رجعة كما أن لعيسى بن مريم رجعة ، وأن عليا هو وصي محمد ( صلى الله عليه وآله ) كما كان لكل نبي
وصي ، وأن عليا خاتم الأوصياء كما أن محمدا خاتم الأنبياء ، وأن عثمان غاصب
حق هذا الوصي وظالمه ، فيجب مناهضته لإرجاع الحق إلى أهله ” .
” إن عبد الله بن سبأ بث في البلاد الإسلامية دعاته ، وأشار عليهم أن يظهروا
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والطعن في الأمراء ، فمال إليه وتبعه على ذلك
جماعات من المسلمين ، فيهم الصحابي الكبير والتابعي الصالح من أمثال أبي ذر ،
وعمار بن ياسر ، ومحمد بن حذيفة ، وعبد الرحمن بن عديس ، ومحمد بن أبي
بكر ، وصعصعة بن صوحان العبدي ، ومالك الأشتر ، إلى غيرهم من أبرار
المسلمين وأخيارهم ، فكانت السبئية تثير الناس على ولاتهم ، تنفيذا لخطة
زعيمها ، وتضع كتبا في عيوب الأمراء وترسل إلى غير مصرهم من الأمصار . فنتج
عن ذلك قيام جماعات من المسلمين – بتحريض السبئيين – وقدومهم إلى المدينة
وحصرهم عثمان في داره ، حتى قتل فيها ، كل ذلك كان بقيادة السبئيين
ومباشرتهم ” .
” إن المسلمين بعد ما بايعوا عليا ، ونكث طلحة والزبير بيعته وخرجا إلى
البصرة ، رأى السبئيون أن رؤساء الجيشين أخذوا يتفاهمون ، وأنه إن تم ذلك
سيؤخذون بدم عثمان ، فاجتمعوا ليلا وقرروا أن يندسوا بين الجيشين ويثيروا
الحرب بكرة دون علم غيرهم ، وأنهم استطاعوا أن ينفذوا هذا القرار الخطير في
غلس الليل قبل أن ينتبه الجيشان المتقاتلان ، فناوش المندسون من السياسيين في
جيش علي من كان بإزائهم من جيش البصرة ، ففزع الجيشان وفزع رؤساؤهما ،
وظن كل بخصمه شرا ، ثم إن حرب البصرة وقعت بهذا الطريق ، دون أن يكون
لرؤساء الجيشين رأي أو علم ” .
روى الطبري عن هذا الوهم في موضع آخر من كتابه :
” فيما كتب به إلي السري ، عن شعيب ، عن سيف ، عن عطية ، عن يزيد
الفقعسي ، قال : كان عبد الله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء أمه سوداء ، فأسلم
زمان عثمان ، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم ، فبدأ بالحجاز ، ثم البصرة ،
ثم الكوفة ، ثم الشام ، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام ، فأخرجوه
حتى أتى مصر فاعتمر فيهم ، فقال لهم فيما يقول : العجب فيمن يزعم أن عيسى
يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع ، وقد قال الله عز وجل : { إن الذي فرض عليك
القرآن لرادك إلى معاد } ( 1 ) ، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى . قال : فقبل ذلك
عنه ، ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ، ثم قال لهم بعد ذلك : إنه كان ألف نبي ، ولكل
نبي وصي ، وكان علي وصي محمد . ثم قال : محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم
الأوصياء . ثم قال بعد ذلك : من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووثب على
وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتناول أمر الأمة . ثم قال لهم بعد ذلك : إن عثمان أخذها بغير
حق وهذا وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فانهضوا في هذا الأمر فحركوه ، وابدأوا بالطعن على
أمرائكم ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس ، وادعوهم
إلى هذا الأمر . فبث دعاته ، وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ، ودعوا
في السر إلى ما عليه رأيهم ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعلوا
يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ، ويكاتبهم إخوانهم بمثل
ذلك ، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون ، فيقرأه أولئك في
أمصارهم ، وهؤلاء في أمصارهم ، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض
إذاعة ، وهم يريدون غير ما يظهرون ، ويسرون غير ما يبدون . . . إلى آخر ما
يذكره الطبري في المقام ” حتى يتوقف عن إيراد هذه الأحداث بعد حرب الجمل
ولا يأتي بعد ذلك بشئ عن السبئية ( 1 ) .
وهكذا فقد تبين لك مما أوردناه عن الطبري إن جلة من فضلاء الصحابة قد
عدوا من كبار السبئية وقادتها ، وهم الذين كانوا يعرفون بالزهد والتقى والصدق
والصفاء :
فأما عبد الرحمن بن عديس البلوي فهو ممن بايع النبي تحت الشجرة وشهد
فتح مصر ، وكان رئيسا على من سار إلى عثمان من مصر ( 2 ) .
وأما محمد بن أبي بكر : فأمه أسماء بنت عميس الخثعمية ، تزوجها أبو بكر بعد
استشهاد جعفر بن أبي طالب ، فولدت له محمدا في حجة الوداع بطريق مكة ، ثم
نشأ في حجر علي بعد أبيه ، وشهد معه حرب الجمل ، كما شهد صفين ، ثم ولي مصر
عن علي إلى أن قتل فيها بهجوم عمرو بن العاص عليها ( 3 ) .
وأما صعصعة بن صوحان العبدي : فقد أسلم على عهد رسول الله وكان خطيبا
مفوها ، شهد صفين مع علي . ولما استشهد علي واستولى معاوية على العراق نفاه
إلى البحرين ومات فيها ( 4 ) .
وأما الأشتر : فهو مالك بن الحرث النخعي ، وهو من ثقات التابعين ، شهد
وقعة اليرموك ، وصحب عليا في الجمل وصفين ، ولاه على مصر سنة ( 38 ه‍ ) ولما
وصل إلى القلزم دس إليه معاوية السم بواسطة أحد عملائه فتوفي مسموما ” ( 1 ) .
هذا هو الذي ذكره الطبري ، وقد أخذه من جاء بعده من المؤرخين وكتاب
المقالات حقيقة راهنة ، وبنوا عليه ما بنوا من الأفكار والآراء ، فصارت الشيعة
وليدة السبئية في زعم هؤلاء عبر القرون والأجيال .
ومن الذين وقعوا في هذا الخطأ الفاحش دون فحص وتأمل في حقائق
الأمور :
1 – ابن الأثير ( ت 630 ه‍ ) ، فقد أورد القصة منبثة بين حوادث ( 30 – 36 ه‍ )
وهو وإن لم يذكر المصدر في المقام ، لكنه يصدر عن تاريخ الطبري في حوادث
القرون الثلاثة الأول ( 2 ) .
2 – ابن كثير الشامي ( ت 774 ه‍ ) فقد ذكر القصة في تأريخه ” البداية والنهاية “
وأسندها عندما انتهى من سرد واقعة الجمل إلى تاريخ الطبري ، وقال : هذا
ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير ( 3 ) .
3 – ابن خلدون ( ت 808 ه‍ ) ، في تأريخه ” المبتدأ والخبر ” أورد القصة في
حادثة الدار والجمل وقال : هذا أمر الجمل ملخصا من كتاب أبي جعفر
الطبري ( 4 ) .
وأما من جاء بعد أولئك المؤرخين وأخذوا ما أورده السابقون مأخذ التسليم
فنذكر منهم :
4 – محمد رشيد رضا ، مؤسس مجلة المنار ( ت 1354 ه‍ ) ، ذكره في كتابه
” السنة والشيعة ” وقال : وكان مبتدع أصوله ( أي التشيع ) يهودي اسمه عبد الله بن
سبأ ، أظهر الإسلام خداعا ، ودعا إلى الغلو في علي كرم الله وجهه ، لأجل تفريق
هذه الأمة ، وإفساد دينها ودنياها عليها ، ثم سرد القصة وقال : ومن راجع أخبار
واقعة الجمل في تاريخ ابن الأثير مثلا يرى مبلغ تأثير إفساد السبئيين دون ما كاد
يقع من الصلح ( 1 ) .
5 – أحمد أمين ( ت 1372 ه‍ ) ، وهو الذي استبطل عبد الله بن سبأ في كتابه
” فجر الإسلام ” وقال : إن ابن السوداء كان يهوديا من صنعاء ، أظهر الإسلام في
عهد عثمان ، وحاول أن يفسد على المسلمين دينهم ، وبث في البلاد عقائد كثيرة
ضارة ، وقد طاف في بلاد كثيرة ، في الحجاز ، والبصرة ، والكوفة ، والشام ، ومصر .
ثم ذكر أن أبا ذر تلقى فكرة الاشتراكية من ذلك اليهودي ، وهو تلقى هذه الفكرة من
مزدكيي العراق أو اليمن .
وقد كان لكتاب ” فجر الإسلام ” عام انتشاره ( 1952 م ) دوي واسع النطاق
في الأوساط الإسلامية ، فإنه أول من ألقى الحجر في المياه الراكدة بشكل واسع ،
وقد رد عليه أعلام العصر بأنواع الردود ، فألف الشيخ المصلح كاشف الغطاء
” أصل الشيعة وأصولها ” ردا عليه ، كما رد عليه العلامة الشيخ عبد الله السبيتي
بكتاب أسماه ” تحت راية الحق ” .
6 – فريد وجدي مؤلف دائرة المعارف ( ت 1370 ه‍ ) فقد أشار إلى ذلك في
كتابه عند ذكره لحرب الجمل ضمن ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ( 1 ) .
7 – حسن إبراهيم حسن ، وذكره في كتابه ” تاريخ الإسلام السياسي ” في
أخريات خلافة عثمان بقوله : ” فكان هذا الجو ملائما تمام الملاءمة ومهيأ لقبول دعوة
( عبد الله بن سبأ ) ومن لف لفه والتأثر بها إلى أبعد حد – وأضاف – وقد أذكى نيران
هذه الثورة صحابي قديم اشتهر بالورع والتقوى – وكان من كبار أئمة الحديث –
وهو أبو ذر الغفاري الذي تحدى سياسة عثمان ومعاوية واليه على الشام بتحريض
رجل من أهل صنعاء وهو عبد الله بن سبأ ، وكان يهوديا فأسلم ، ثم أخذ ينتقل في
البلاد الإسلامية ، فبدأ بالحجاز ، ثم البصرة فالكوفة والشام ومصر . . . الخ ( 2 ) .
هذا حال من كتب عن الشيعة من المسلمين ، وأما المستشرقون المتطفلون على
موائد المسلمين فحدث عنهم ولا حرج ، فقد ابتغوا تلك الفكرة الخاطئة في كتبهم
الاستشراقية التي تؤلف لغايات خاصة ، فمن أراد الوقوف على كلماتهم فليرجع إلى
ما ألفه الباحث الكبير السيد مرتضى العسكري في ذلك المجال ، فإنه – دام ظله –
حقق المقال ولم يبق في القوس منزعا ( 3 ) .

شاهد أيضاً

الحجاب النوراني والحجاب الظلماني

لكن أنواع ذلك الجلال هو اشراقاتي وهو لفرط العظمة والنورانية واللانهائية، يبعد عنها العاشق بعتاب ...