الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 13

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 13

نظر المحققين في الموضوع :
1 – إن ما جاء في تاريخ الطبري من القصة ، على وجه لا يصح نسبته إلا إلى
عفاريت الأساطير ومردة الجن ، إذ كيف يصح لإنسان أن يصدق أن يهوديا جاء
من صنعاء وأسلم في عصر عثمان ، واستطاع أن يغري كبار الصحابة والتابعين
ويخدعهم ، ويطوف بين البلاد ناشرا دعواه ، بل واستطاع أن يكون خلايا ضد
عثمان ويستقدمهم على المدينة ، ويؤلبهم على الخلافة الإسلامية ، فيهاجموا داره
ويقتلوه ، بمرأى ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم بإحسان ، هذا شئ
لا يحتمله العقل وإن وطن على قبول العجائب والغرائب .
بل إن هذه القصة تمس كرامة المسلمين والصحابة والتابعين وتصورهم أمة
ساذجة يغترون بفكر يهودي ، وفيهم السادة والقادة والعلماء والمفكرون .
2 – إن القراءة الموضوعية للسيرة والتاريخ توقفنا على سيرة عثمان بن عفان
ومعاوية بن أبي سفيان ، فإنهما كانا يعاقبان المعارضين لهم ، وينفون المخالفين
ويضربونهم ، فهذا أبو ذر الغفاري – رحمه الله – نفاه عثمان من المدينة إلى الربذة
لاعتراضه عليه في تقسيم الفئ وبيت المال بين أبناء بيته ، كما أنه ضرب الصحابي
الجليل عمار بن ياسر حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعا من أضلاعه ( 1 ) ،
إلى غير ذلك من مواقفهم من مخالفيهم ومعارضيهم التي يقف عليها المتتبع ، ومع
ذلك نرى في الأوهام التي عرضناها مسبقا أن رجال الخلافة وعمالها يغضون
الطرف عمن يؤلب الصحابة والتابعين على إخماد حكمهم ، وقتل خليفتهم في عقر
داره ، ويجر الويل والويلات على كيانهم ! ! وهذا شئ لا يقبله من له أدنى إلمام
بتاريخ الخلافة وسيرة معاوية .
يقول العلامة الأميني : لو كان ابن سبأ بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن ، وشق
عصا المسلمين ، وقد علم به وبعبثه أمراء الأمة وساستها في البلاد ، وانتهى أمره إلى
خليفة الوقت ، فلماذا لم يقع عليه الطلب ؟ ولم يبلغه القبض عليه ، والأخذ بتلكم
الجنايات الخطرة والتأديب بالضرب والإهانة ، والزج إلى أعماق السجون ؟ ولا آل
أمره إلى الإعدام المريح للأمة من شره وفساده كما وقع ذلك كله على الصلحاء
الأبرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ؟ وهتاف القرآن الكريم يرن في
مسامع الملأ الديني : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من
الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } ( 1 ) فهلا اجتاح
الخليفة جرثومة تلك القلاقل بقتله ؟ وهل كان تجهمه وغلظته قصرا على الأبرار
من أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ففعل بهم ما فعل ( 2 ) ؟ ! !
وهناك لفيف من الكتاب ممن حضر أو غبر ، بدل أن يفتحوا عيونهم على
الواقع المرير ، ليقفوا على الأسباب المؤدية إلى قتل الخليفة ، حاولوا التخلص من
أوزار الحقيقة بالبحث عن فروض وهمية سببت قتل الخليفة وأودت به .
وفي حق هؤلاء يقول أحد الكتاب المعاصرين :
” وفي الشرق كتاب لا يعنيهم من التاريخ واقع ولا من الحياة حال أو ظرف ،
فإذا بهم يعللون ثورة المظلومين على عثمان ، ويحصرون أحداث عصر بل عصور
بإرادة فرد يطوف في الأمصار والأقطار ويؤلب الناس على خليفة ودولة ! .
إن النتيجة العملية لمثل هذا الزعم وهذا الافتراء هي أن الدولة في عهد عثمان
ووزيره مروان إنما كانت دولة مثالية ، وأن الأمويين والولاة والأرستقراطيين إنما
كانوا رسل العدالة الاجتماعية والإخاء البشري في أرض العرب . غير أن رجلا
فردا هو عبد الله بن سبأ أفسد على الأمويين والولاة والأرستقراطيين صلاحهم
وبرهم ، إذ جعل يطوف الأمصار والأقطار مؤلبا على عثمان وأمرائه وولاته
الصالحين المصلحين ، ولولا هذا الرجل الفرد وطوافه في الأمصار والأقطار لعاش
الناس في نعيم مروان وعدل الوليد وحلم معاوية عيشا هو الرغادة وهو الرخاء .
في مثل هذا الزعم افتراء على الواقع ، واعتداء على الخلق ، ومسايرة ضئيلة
الشأن لبعض الآراء ، يغلف ذلك جميعا منطق ساذج وحجة مصطنعة واهية . وفيه
ما هو أخطر من ذلك ، فيه تضليل عن حقائق أساسية في بناء التاريخ ، إذ يحاول
صاحب هذا المسعى الفاشل أن يحصر أحداث عصر بكامله ، بل عصور كثيرة ،
بإرادة فرد يطوف في الأمصار ويؤلب الناس على دولة فيثور هؤلاء الناس على
هذه الدولة لا لشئ إلا لأن هذا الفرد طاف بهم وأثارهم ! .
أما طبيعة الحكم ، وسياسة الحاكم ، وفساد النظام الاقتصادي والمالي
والعمراني ، وطغيان الأثرة على ذوي السلطان ، واستبداد الولاة بالأرزاق ، وحمل
بني أمية على الأعناق ، والميل عن السياسة الشعبية الديمقراطية إلى سياسة عائلية
أرستقراطية رأسمالية ، وإذلال من يضمر لهم الشعب التقدير والاحترام الكثيرين
أمثال أبي ذر وعمار بن ياسر وغيرهما ، أما هذه الأمور وما إليها جميعا من ظروف
الحياة الاجتماعية ، فليست بذات شأن في تحريك الأمصار وإثارتها على الأسرة
الأموية الحاكمة ومن هم في ركابها ، بل الشأن كل الشأن في الثورة على عثمان
لعبد الله بن سبأ الذي يلفت الناس عن طاعة الأئمة ويلقي بينهم الشر .
أليس من الخطر على التفكير أن ينشأ في الشرق من يعللون الحوادث العامة
الكبرى المتصلة اتصالا وثيقا بطبيعة الجماعة وأسس الأنظمة الاقتصادية
والاجتماعية بإرادة فرد من عامة الناس يطوف في البلاد باذرا للضلالات والفساد
في هذا المجتمع السليم .
أليس من الخطر على التفكير أن نعلل الثورات الإصلاحية في التاريخ تعليلا
صبيانيا نستند فيه إلى رغبات أفراد في التاريخ شاءوا أن يحدثوا شغبا فطافوا
الأمصار وأحدثوه ” ( 1 ) .
3 – إن رواية الطبري نقلت عن أشخاص لا يصح الاحتجاج بهم :
أ – السري : إن السري الذي يروي عنه الطبري ، إنما هو أحد رجلين :
1 – السري بن إسماعيل الهمداني الذي كذبه يحيى بن سعيد ، وضعفه غير واحد
من الحفاظ ( 1 ) .
2 – السري بن عاصم بن سهل الهمداني نزيل بغداد المتوفى عام ( 258 ه‍ ) وقد
أدرك ابن جرير الطبري شطرا من حياته يربو على ثلاثين سنة ، كذبه ابن خراش ،
ووهاه ابن عدي ، وقال : يسرق الحديث ، وزاد ابن حبان : ويرفع الموقوفات ، لا
يحل الاحتجاج به ، وقال النقاش في حديث وضعه السري ( 2 ) .
فالاسم مشترك بين كذابين لا يهمنا تعيين أحدهما .
احتمال كونه السري بن يحيى الثقة غير صحيح ، لأنه توفي عام ( 167 ه‍ ) مع أن
الطبري من مواليد عام ( 234 ه‍ ) فالفرق بينهما ( 57 ) عاما ، فلا مناص أن يكون
السري ، أحد الرجلين الكذابين .
ب – شعيب : والمراد منه شعيب بن إبراهيم الكوفي المجهول ، قال ابن عدي :
ليس بالمعروف ، وقال الذهبي : راوية ، كتب سيف عنه : فيه جهالة ( 3 ) .
ج – سيف بن عمر : قال ابن حبان : كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن
الأثبات ، وقال : قالوا : إنه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة . وقال الحاكم : اتهم
بالزندقة وهو في الرواية ساقط ، وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة ،
وعامتها منكرة لم يتابع عليها . وقال ابن عدي : عامة حديثه منكر . وقال
البرقاني – عن الدارقطني – : متروك . وقال ابن معين : ضعيف الحديث فليس خير
منه . وقال أبو حاتم : متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي . وقال أبو
داود : ليس بشئ . وقال النسائي : ضعيف ، وقال السيوطي : وضاع ، وذكر حديثا
من طريق السري بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف فقال : موضوع ، فيه
ضعفاء أشدهم سيف ( 1 ) .
د – فإذا كان هذا حال السند ، فكيف نعتمد في تحليل نشوء طائفة كبيرة من
طوائف المسلمين تؤلف خمسهم أو ربعهم على تلك الرواية ، مع أن هذا هو حال
سندها ومتنها ، فالاعتماد عليها خداع وضلال لا يرتضيه العقل .
عبد الله بن سبأ أسطورة تاريخية :
إن القرائن والشواهد والاختلاف الموجود في حق الرجل ومولده ، وزمن
إسلامه ، ومحتوى دعوته يشرف المحقق على القول بأن مثل عبد الله بن سبأ مثل
مجنون بني عامر وبني هلال ، وأمثال هؤلاء الرجال والأبطال كلها أحاديث خرافة
وضعها القصاصون وأرباب السمر والمجون ، فإن الترف والنعيم قد بلغ أقصاه في
أواسط الدولتين : الأموية والعباسية ، وكلما اتسع العيش وتوفرت دواعي اللهو
اتسع المجال للوضع وراج سوق الخيال ، وجعلت القصص والأمثال كي تأنس بها
ربات الحجال ، وأبناء الترف والنعمة ( 2 ) .
هذا هو الذي ذكره المصلح الكبير كاشف الغطاء ، ولعل ذلك أورث فكرة
التحقيق بين أعلام العصر ، فذهبوا إلى أن عبد الله بن سبأ أقرب ما يكون إلى
الأسطورة منه إلى الواقع . وفي المقام كلام للكاتب المصري الدكتور طه حسين ،
يدعم كون الرجل أسطورة تاريخية عمد أعداء الشيعة إلى تضخيمها وتهويلها
لاستغفال الناس نكاية بالشيعة ومحاولة خبيثة لإلقاء التفرقة والتباغض بين عموم
المسلمين ، ولا بأس بالوقوف على كلامه حيث قال :
وأكبر الظن أن عبد الله بن سبأ هذا – إن كان كل ما يروى عنه صحيحا – إنما
قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة ، وعظم الخلاف ، فهو قد استغل الفتنة ،
ولم يثرها .

شاهد أيضاً

ثلاث عمليات لقوات المسلحة اليمنية حققت أهدافها بنجاح

أعلنت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ قواتها البحرية ثلاث عمليات عسكرية استهدفت سفينة ومدمرة أميركيتين في ...