الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 14

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 14

إن خصوم الشيعة أيام الأمويين والعباسيين قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ
هذا ليشككوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته من ناحية ،
وليشنعوا على علي وشيعته من ناحية أخرى ، فيردوا بعض أمور الشيعة إلى
يهودي أسلم كيدا للمسلمين ، وما أكثر ما شنع خصوم الشيعة على الشيعة .
فلنقف من هذا كله موقف التحفظ والتحرج والاحتياط ، ولنكبر المسلمين في
صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من
صنعاء ، وكان أبوه يهوديا وكانت أمه سوداء ، وكان هو يهوديا ثم أسلم ، لا رغبا
ولا رهبا ولكن مكرا وكيدا وخداعا ، ثم أتيح له من النجح ما كان يبتغي ، فحرض
المسلمين على خليفتهم حتى قتلوه ، وفرقهم بعد ذلك أو قبله شيعا وأحزابا .
هذه كلها أمور لا تستقيم للعقل ، ولا تثبت للنقد ، ولا ينبغي أن تقام عليها
أمور التاريخ ، وإنما الشئ الواضح الذي ليس فيه شك هو أن ظروف الحياة
الإسلامية في ذلك الوقت كانت بطبعها تدفع إلى اختلاف الرأي ، وافتراق الأهواء ،
ونشأة المذاهب السياسية المتباينة ، فالمستمسكون بنصوص القرآن وسنة النبي
وسيرة صاحبيه كانوا يرون أمورا تطرأ ، ينكرونها ولا يعرفونها ، ويريدون أن
تواجه كما كان عمر يواجهها في حزم وشدة وضبط للنفس وضبط للرعية ،
والشباب الناشئون في قريش وغير قريش من أحياء العرب كانوا يستقبلون هذه
الأمور الجديدة بنفوس جديدة ، فيها الطمع ، وفيها الطموح ، وفيها الأثرة ، وفيها
الأمل البعيد ، وفيها الهم الذي لا يعرف حدا يقف عنده ، وفيها من أجل هذا كله
التنافس والتزاحم لا على المناصب وحدها بل عليها وعلى كل شئ من حولها ،
وهذه الأمور الجديدة نفسها كانت خليقة أن تدفع الشيوخ والشباب إلى ما دفعوا
إليه ، فهذه أقطار واسعة من الأرض تفتح عليهم ، وهذه الأموال لا تحصى تجبى لهم
من هذه الأقطار ، فأي غرابة في أن يتنافسوا في إدارة هذه الأقطار المفتوحة ،
والانتفاع بهذه الأموال المجموعة ؟ وهذه بلاد أخرى لم تفتح ، وكل شئ يدعوهم
إلى أن يفتحوها كما فتحوا غيرها ، فما لهم لا يستبقون إلى الفتح ؟ وما لهم لا
يتنافسون فيما يكسبه الفاتحون من المجد والغنيمة إن كانوا من طلاب الدنيا ، ومن
الأجر والمثوبة إن كانوا من طلاب الآخرة ؟ ثم ما لهم جميعا لا يختلفون في سياسة
هذا الملك الضخم وهذا الثراء العريض ؟ وأي غرابة في أن يندفع الطامحون
الطامعون من شباب قريش من خلال هذه الأبواب التي فتحت لهم ليلجوا منها إلى
المجد والسلطان والثراء ؟ وأي غرابة في أن يهم بمنافستهم في ذلك شباب الأنصار
وشباب الأحياء الأخرى من العرب ؟ وفي أن تمتلئ قلوبهم موجدة وحفيظة وغيظا
إذا رأوا الخليفة يحول بينهم وبين هذه المنافسة ، ويؤثر قريشا بعظائم الأمور ،
ويؤثر بني أمية بأعظم هذه العظائم من الأمور خطرا وأجلها شأنا ؟
والشئ الذي ليس فيه شك هو أن عثمان قد ولى الوليد وسعيدا على الكوفة
بعد أن عزل سعدا ، وولى عبد الله بن عامر على البصرة بعد أن عزل أبا موسى ،
وجمع الشام كلها لمعاوية ، وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حد ممكن بعد أن كانت
الشام ولايات تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب ، وولي عبد الله
ابن أبي سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص ، وكل هؤلاء الولاة من
ذوي قرابة عثمان ، منهم أخوه لأمه ، ومنهم أخوه في الرضاعة ، ومنهم خاله ، ومنهم
من يجتمع معه في نسبه الأدنى إلى أمية بن عبد شمس .
كل هذه حقائق لا سبيل إلى إنكارها ، وما نعلم أن ابن سبأ قد أغرى عثمان
بتولية من ولى وعزل من عزل ، وقد أنكر الناس في جميع العصور على الملوك
والقياصرة والولاة والأمراء إيثار ذوي قرابتهم بشؤون الحكم ، وليس المسلمون
الذين كانوا رعية لعثمان بدعا من الناس ، فهم قد أنكروا وعرفوا ما ينكر الناس
ويعرفون في جميع العصور ( 1 ) .

شاهد أيضاً

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠ *  *  * ٢٢١ الأسئلة ...