الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 15

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 15

ثالثا : في مقام الإمامة
20 – مقومات الإمامة
21 – البركة والإعجاز
22 – الحج ” في سيرة الحسين . عليه السلام
23 – مع الشعر والشعراء .
24 – رعاية المجتمع الإسلامي .
25 – مواقف قبل كربلاء .
20 – مقومات الإمامة
إن الإمامة في الحضارة الإسلامية هي ولاية أمور المسلمين المرتبطة بدينهم ،
وبدنياهم .
والإمام هو الوالي ، المدبر لتلك الأمور حسب المصالح المتوفرة في زمنه ،
وبالأدوات والأساليب الممكنة له كما وكيفا .
ولا بد أن يتصف الإمام بالأهلية التامة لمثل تلك الولاية ، التي يرتبط بها مصير
الأمة كلها ، والإسلام نفسه ، كما أن إرادته هي التي تحدد مسير الدولة ودوائرها
وسياستها .
ومن أجل خطورة المنصب ، وعظمة ما يترتب عليه ويرتبط به من أمور
مصيرية ، فإن العلم بتوفر تلك الأهلية ، التي تكونها مقومات خلقية ، ونفسية
وقابليات ، ونيات ، وأهداف ، لا يمكن الاطلاع عليها إلا من خلال المعرفة
التامة ، والتداخل الوثيق في الماضي والحاضر ، وحتى المستقبل المستور ، وذلك
ليس متصورا حصوله إلا لله العالم بكل الأمور .
ومن هنا ، فإن عنصر النص ، والتعيين الإلهي من خلاله لشخص الإمام
المالك لأهلية الإمامة ، شرط أساسي ، وضروري ، لإثبات الإمامة لأي إمام .
ثم المواصفات الأخرى :
فالعلم بالدين ، بجميع معارفه وشؤونه ، وبشكل كامل وتام ، من أبده الأمور
اللازم وجودها في الإمام الذي يتولى أمر الدولة الإسلامية ، ومن الواضح : أن ذلك
لا يحصل إلا بالاتصال الوثيق بمصادر المعرفة الإسلامية الثرة الغنية ، والبعيدة عن
الشوب والتحريف ، ليكون الإمام أعلم الناس ، ومرجعا لهم في أمور الدين ،
ومعارفه .
والفضل ، وأدواته : من الشرف ، والتقى ، ومكارم الأخلاق ، فلا بد أن يكون
الإمام مقدما على أمته فيها ، حتى يكون القدوة لهم .
والقيادة ، بأن يكون بمستوى رفيع من الحكمة والتدبير ، والجرأة في الإقدام
على الصالح للدين وللمسلمين ، والمتكفل لعزتهم ودوامه .
وفي الفترة من سنة ( 50 ) إلى سنة ( 60 ) انحصرت هذه الخلال ، واجتمعت
في شخص الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، بالإجماع وبلا منازع .
أما النص :
فقد روى أهل الإسلام كافة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحسن
والحسين صلوات الله عليهما : ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا ، ذلك الحديث الذي
أجمع عليه أهل القبلة ، وتلقته الأمة بالقبول ، وبلغ حد التواتر ( 1 ) .
مضافا إلى الأدلة الخاصة الدالة على إمامة الحسين عليه السلام بعد أخيه
الحسن ، وما دل على أن الأئمة اثنا عشر ، أولهم علي أمير المؤمنين ، والآخرون
من ذريته . مما طفحت به كتب الإمامة .
وأما العلم :
فمن أولى باستيعابه من الحسين الذي تربى في حجر الرسول وهو مدينة
العلم ، ونشأ ونما في مدرسة حجر أمه الزهراء البتول ، ولازم عليا أباه باب مدينة العلم ،
وصحب أخاه الحسن الإمام بإجماع أولي العلم ؟
فلا بد أنه قد امتلأ من علم الدين من هذه العيون الصافية .
وقد أجمع أهل الولاء على تقدمه على من عاصره في ذلك ، والتزموا بإمامته
لذلك ، أما الآخرون فقد اضطرهم هذا الواقع إلى الاعتراف :
فهذا ابن عمر – لما يحاسب على تصرفه ، ويقاس عمله إلى عمل الحسنين
عليهما السلام المتزن والملئ بالحكمة – مع أنهما أصغر سنا منه – أجاب ابن عمر
بقوله :
[ 176 – 177 ] ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إنهما كانا يغران بالعلم غرا ،
أي يزقانه ، كما يزق الطائر فرخه ، وهذا يعطي أنهما كانا منذ الصغر يبث فيهما
جدهما ، وأبوهما ، وأمهما ، العلم . فهل يكون أحد أعلم منهما في عصرهما ؟
وروى عكرمة ، حديثا فيه الاعتراف بعلم الحسين عليه السلام ، إليك
نصه بطوله [ 203 ] روى عكرمة : بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام
إليه نافع بن الأزرق ، فقال له : يا بن عباس ، تفتي الناس في
النملة والقملة ، صف لي إلهك الذي تعبد ،
فأطرق ابن عباس إعظاما لقوله ، وكان الحسين بن علي
جالسا ناحية ، فقال : إلي يا بن الأزرق ، قال [ ابن الأزرق ] : لست إياك أسأل
قال ابن عباس : يا بن الأزرق ، إنه من أهل بيت النبوة ، وهم ورثة العلم .
فأقبل نافع نحو الحسين ، فقال له الحسين : يا نافع ، إن من
وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس ، سائلا ،
ناكبا عن المنهاج ، طاعنا بالاعوجاج ، ضالا عن السبيل ،
قائلا غير الجميل .
يا بن الأزرق ، أصف إلهي بما وصف به نفسه ، وأعرفه بما
عرف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ،
قريب غير ملتصق ، وبعيد غير منتقص ، يوحد ولا يبعض ،
معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو الكبير
المتعال .
فبكى ابن الأزرق ، وقال : يا حسين ، ما أحسن كلامك .
قال له الحسين : بلغني أنك تشهد على أبي وعلى أخي
بالكفر ، وعلي ؟
قال ابن الأزرق : أما والله ، يا حسين ، لئن كان ذلك ، لقد
كنتم منار الإسلام ، ونجوم الأحكام ( 1 ) .
فشهادة ابن عباس الحقة ، بأن الحسين عليه السلام من أهل بيت النبوة ، وهم
ورثة العلم ، ليست الأولى منه ، لكن رواية عكرمة – وهو من الخوارج – لها دليل
على خضوع الأعداء لعلم أهل البيت .
أما إعراض ابن الأزرق عن مسائلة الحسين ، وتوجهه إلى ابن عباس ، فهذا
يكشف جانبا من مظلومية أهل البيت ، وصد الناس عن معادن العلم وورثته
وخزنته !
أما الحسين عليه السلام فهو لا يترك الأمر سدى ، بينما السؤال على رؤوس
الأشهاد عن أعظم قضية جاء من أجلها الإسلام ، وهي التوحيد ، فهو ينبري
للجواب .
أما ابن الأزرق ، فحيث يجد الحق من معدنه ، لا يملك إلا الإقرار والخضوع
والقبول ،
ولما يستغل الإمام الحسين عليه السلام الموقف ليحرق جذور العدوان ،
ويقطع شأفة الظلم ، ويبدد نتائج المهاترات السياسية طيلة الأعوام السوداء ، مما
تكدس في عقول علماء الأمة – مثل ابن الأزرق – وصار فكرة ورأيا وقولا ، على
فظاعته ، وشناعته ، وسوئه ، وهو تكفيره أهل البيت عليهم السلام بدلا من
تقديسهم – ولما يبهت الحسين ابن الأزرق ، ويواجهه بهذا الكلام الثقيل ، لا
يملك ابن الأزرق أيضا إلا الاعتراف ، والتراجع عن أشد المواقف للخوارج التزاما
وتصلبا واعتقادا .
ويصرح ابن الأزرق معترفا بأن أهل البيت : منار الإسلام ونجوم
الأحكام . .
وابن هند : ذلك العدو اللدود لمحمد وآل محمد ، ولما جاءوا به من معالم دين الإسلام
ومكارم الأخلاق ، والذي استنفد كل سهام مكره ودهائه في قمع هذا الدين ،
واجتثاث أصوله وفروعه ، وقتل ذويه وأنصاره ، وإطفاء أنواره ، وتهديم مناره ،
وتحريف شرائعه وإبطال أحكامه ،
هذا المنافق الحسود الحقود ، لم يجد بدا من الاعتراف بعلم الحسين
والإشادة بمنزلته ،
فقد أخذ الحسين عليه السلام العلوم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ، حيث فتح عينه ، وتعلم ألف باء الحياة والإسلام معا ، ومعلمه الأمين هو
جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
واليوم ، حين آلت إلى الإمام الحسين عليه السلام مهمة تعليم الأمة
وإرشادها ، اتخذ نفس المسجد مدرسة .
وابن هند – ذلك الضليل – الذي لم يهدأ لحظة يجد في تحريف مسيرة
الإسلام ، ويطمس تعاليمه السامية ، لا يمكنه أن يتغافل عن وجود تلك
المدرسة ، لأنه باسمها يتسنم العرش ، ولا يمكنه أن يغض الطرف عن وجود
معلم مثل أبي عبد الله الحسين ، الذي هو الامتداد الحقيقي لجده الرسول مؤسس
المدرسة ، فقال معاوية لرجل من قريش :
[ 189 ] إذا دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير ، فتلك
حلقة أبي عبد الله ، مؤتزرا على أنصاف ساقيه ، ليس فيها
من الهزيلي شئ .
والهزيلي فعل المشعوذ الذي يسحر أعين الناس ، لكن ليس في مجلس
درس الحسين عليه السلام إلا حقائق المعرفة ، وعيون الحكمة ، والعلم الموروث ،
ومعارف الكتاب ، وأحكام السنة .

شاهد أيضاً

    إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: الشعوب المسلمة تتوقع من حكوماتها قطع العلاقات مع ...