الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 20

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 20

رسالة الإمام إلى معاوية :
ولقد اغتنم الإمام جواب هذا الكتاب ، فرصة لتوجيه السهام المربكة على
معاوية ، لتنتزع ثقته بتدبيراته الخبيثة ، وينغص عليه استثمار جهوده الكبيرة التي
زرعها طيلة سنوات حكمه ، وليعرفه أنه رغم السكوت المرير طيلة تلك الفترة ،
فإن الإمام له ولمخططاته بالمرصاد ، وأنه مراقب لأعماله وتصرفاته الهوجاء
ومتربص للوثبة عليه حينما تسنح له الفرصة ، وتؤاتيه الإمكانات ، وإن لم تحن بعد .
ولقد كان جواب الإمام – على ذلك التهديد – صاعقة على معاوية بحيث لم
يخف تأثره من ذلك فأصدر كلمة قصيرة تنبي عن كل مخاوفه ،
فقال : [ ص 198 ] إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا ( 2 ) .
ولقد تداول الرواة نبأ هذا الجواب وتناقلوه ، واعترف كثير منهم بشدة محتواه .
قال البلاذري : فكتب إليه الحسين كتابا غليظا ، يعدد عليه فيه ما فعل . . .
ويقول له : إنك قد فتنت بكيد الصالحين مذ خلقت ، فكدني ما بدا لك .
وكان آخر الكتاب : والسلام على من اتبع الهدى .
وكان معاوية – من شدة تأثره وارتباكه – يشكو ما كتب به الحسين إليه ، إلى
الناس ( 3 ) .
لكن سرقة الحضارة ، وخونة التاريخ ، حاولوا جهد إمكانهم أن يختصروا ما
في هذا الكتاب ، وأن لا يوردوا إلا جزءا منه .
فلذلك نجد رواية ابن عساكر تقتصر على قوله
[ ص 198 ] : فكتب إليه الحسين : أتاني كتابك ، وإني بغير
الذي بلغك عني جدير ، والحسنات لا يهدي لها إلا الله ،
وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا ، وما أظن لي عند الله
عذرا في ترك جهادك ، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر
هذه الأمة ( 1 ) .
وينقطع الحديث عند ابن عساكر ، بينما الكتاب يحتوي على فقرات هامة ، لا
تفي بالغرض منها هذه القطعة القصيرة .
ولوضع هذه القطعة في إطارها المناسب ، رأينا إيراد الجواب كاملا نقلا عما
أورده المؤرخ القديم البلاذري في أنساب الأشراف ( 2 ) قال : فكتب إليه الحسين :
أما بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر أنه : بلغك عني أمور ترغب عنها ، فإن كانت
حقا لم تقارني عليها .
ولن يهدي إلى الحسنات ولا يسدد لها إلا الله .
فأما ما نمي إليك ، فإنما رقاه الملاقون ، المشاؤون بالنمائم ، المفرقون بين
الجمع .
وما أريد حربا لك ، ولا خلافا عليك ، وأيم الله لقد تركت ذلك ، وأنا أخاف الله
في تركه ، وما أظن الله راضيا مني بترك محاكمتك إليه ، ولا عاذري بدون الاعتذار إليه
فيك وفي أوليائك القاسطين الملحدين ، حزب الظالمين وأولياء الشياطين .
ألست قاتل حجر بن عدي وأصحابه المصلين العابدين – الذين ينكرون
الظلم ، ويستعظمون البدع ، ولا يخافون في الله لومة لائم – ظلما وعدوانا ، بعد
إعطائهم الأمان بالمواثيق والأيمان المغلظة ؟
أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
الذي أبلته العبادة فصفرت لونه ، وأنحلت جسمه [ بعد أن آمنته وأعطيته من عهود
الله عز وجل وميثاقه ما لو أعطيته العصم ففهمته لنزلت إليك من شعف الجبال ، ثم
قتلته جرأة على الله عز وجل ، واستخفافا بذلك العهد ) ( 1 ) ؟ !
أو لست المدعي زيادا بن سمية ، المولود على فراش عبيد عبد ثقيف ؟
وزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الولد
للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخالفت
أمره متعمدا ، واتبعت هواك مكذبا ، بغير هدى من الله . ثم سلطته على العراقين ،
فقطع أيدي المسلمين ، وسمل أعينهم ، وصلبهم على جذوع النخل ،
كأنك لست من هذه الأمة ، وكأنها ليست منك ؟
عليه وآله وسلم : من ألحق بقوم نسبا ليس لهم ، فهو ملعون .
أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب إليك ابن سمية أنهم على دين علي ،
فكتبت إليه : أقتل من كان على دين علي ورأيه ، فقتلهم ومثل بهم بأمرك ؟
ودين علي دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يضرب عليه أباك ،
والذي انتحالك إياه أجلسك مجلسك هذا ولولاهمو كان أفضل شرفك تجشم
الرحلتين في طلب الخمور
وقلت : انظر لنفسك ودينك والأمة ، واتق شق عصا هذه الأمة ، وأن ترد الناس
إلى الفتنة .
[ فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة ] ( 1 ) ولا أعلم نظرا لنفسي
وديني أفضل من جهادك ، فإن أفعله فهو قربة إلى ربي ، وإن أتركه فذنب أستغفر الله
منه في كثير من تقصيري ، وأسأل الله توفيقي لأرشد أموري .
وقلت فيما تقول : إن أنكرك تنكرني وإن أكدك تكدني .
[ وهل رأيك إلا كيد الصالحين منذ خلقت ؟ فكدني ما بدا لك ] ( 2 ) فإني أرجو
أن لا يضرني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك ، على أنك تكيد
فتوقظ عدوك وتوبق نفسك ، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثلت بهم ، بعد الصلح
الصلح
والأيمان والعهد والميثاق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا ، إلا لذكرهم فضلنا
وتعظيمهم حقنا بما به شرفت وعرفت ، مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن
يفعلوه ، أو ماتوا قبل أن يدركوه ؟ فأبشر يا معاوية بالقصاص ، وأيقن بالحساب .
واعلم أن لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وليس الله بناس لك
أخذك بالظنة ، وقتلك أولياءه على الشبهة والتهمة ، ونفيك إياهم من دار الهجرة إلى
الغربة والوحشة ] ( 1 )
وأخذك الناس بالبيعة لابنك غلام سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب .
ولا أعلمك إلا قد خسرت نفسك ، وأوبقت دينك ، وأكلت أمانتك ، وغششت
رعيتك [ وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت التقي الورع الحليم ] ( 2 ) وتبوأت
مقعدك من النار ، فبعدا للقوم الظالمين .
والسلام على من اتبع الهدى ( 3 )
إن موقف الإمام الحسين عليه السلام هذا الذي أبداه في جواب معاوية ،
أربك معاوية بحيث فوجئ به ، وهو في أواخر أيامه ، وقد استنفد كل الجهود
واستعد ليجني ثمارها ، فإذا به يواجه أسدا من بني هاشم يثور في وجهه ،
ويحاسبه على جرائمه التي تكفي واحدة منها لإدانته أمام الرأي العام ، فكان
يقول : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا .
إن الحسين عليه السلام باتخاذه هذا الموقف من معاوية ، وضع أمام إنجازاته
حجرة عرقلت سيرها ، وأوقفت إنتاجها السريع ، مما جعل معاوية يفكر ويخطط
من جديد ، ولكن كبر السن لم يساعده ، والأجل لم يمهله ، وإن كان قد فتح
للحسين صفحة في وصاياه لابنه من بعده .
أما الإمام الحسين عليه السلام فقد بدأ بالعمل لحركة جهادية استتبعت
تحطيم كل منجزات معاوية ، في حركة لم تطل سبعة أشهر بدأت من منتصف
رجب سنة ( 60 ) – حين مات معاوية – وانتهت في يوم عاشوراء العاشر من المحرم
سنة ( 61 ) . فكان حديث كربلاء وما تضمنه من مآس وأحزان ، وما تبعه من
إحياء للإسلام من جديد ، حتى أصبح حسيني البقاء ، بعد أن كان محمدي
الوجود . وصدق ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حسين مني وأنا من
حسين .

شاهد أيضاً

الإسرائيلي لم ولن يربح الحرب وواشنطن تاجر لا يهمّه من لبنان إلا مصالح تل أبيب

أكّد المفتي الجعفري الممتاز الشّيخ ​أحمد قبلان​، أنّ “لا شيء أهمّ ممّا يجري على جبهة ...