الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 27

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 27

الحسين عليه السلام أن يدخل الجنة ،
وهذا هو واحد من أوجه التردي في الضلال ، والتقهقر في الوعي ، والتخلف
في الشعور ، والبعد عن الإسلام
فكيف يحتمل أن يدخل الجنة قاتل الحسين – سيد شبابها – ؟ بينما القرآن الكريم يقول : ( ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) كما يقول القرآن ؟
العريان :
وقبل أن نغادر كربلاء ، ونودع عاشوراء بآلامه وشجاه ، لا بد أن نلقي
نظرة وداع على تلك الجثث الطاهرة ، المضرجة بدمائها ، في سبيل الإسلام
ورسالته الكبرى ،
فإذا بنا نواجه مشهدا فظيعا ، جسم الحسين ، حبيب النبي ، ملقى ، عاريا عن
كل ما يواريه عن حر الشمس
ولقد جاء في الحديث أن الحسين نفسه كان قد توقع من لؤم القوم أن
يجردوه من ثيابه :
[ 277 ] قال الحسين بن علي حين أحس بالقتل : ابغوني
ثوبا لا يرغب فيه ، أجعله تحت ثيابي ، لا أجرد ! ! !
فأخذ ثوبا ، فخرقه ، فجعله تحت ثيابه
فلما قتل ، جرد صلوات الله عليه ورضوانه ( 1 )
واحسرتاه ، على هذه الأمة
إلى أي حد وصلت إليه من اللؤم ، والرذالة ، والخبث ، والنذالة ، وهم يدعون
الانتماء إلى أفضل دين عرفته البشرية بتعاليمه الإنسانية القيمة .
أربعة آلاف في بداية القتال ، بلغوا اثني عشر ألفا على بعض الأقوال
، وثلاثين ألفا على أوسط الأقوال ، وأكثر على أقوال أخر ، جنود الدولة الإسلامية ،
ليس فيهم من يعرف من الإسلام أوليات واجباته الأخلاقية ! ! ؟ ؟ ، حقا ، إن من
المستنكر أن يدعي أحدهم الإسلام !
وقد ذهلوا عن هذه الدعوى ، لما واجهتهم أخت الحسين ، بمثل هذا
السؤال : أما فيكم مسلم ؟ فلم يجبها أحد منهم
وكيف يجرؤ على ادعاء الإسلام من يقدم على هذا الإجرام ، الذي تأبى
نفوس أحقر الناس وأفقرهم عن ارتكابه : تجريد ابن بنت رسول الله من ثوب
ممزق ، ملطخ بالدم ! !
ولماذا ؟
إنه أمر يقزز الشعور ، ويجرح العاطفة ، ويستدر العبرة .
لكنهم فعلوا كل ذلك ، وهم يزعمون أنهم مسلمون عرب ! !
أما الحسين عليه السلام فقد فند بمواقفه وتضحياته مزاعمهم ، كما صرح في
خطاباته بانتفائهم عن كل ما ينتمون إليه حين صاح بهم :
ويحكم ، يا شيعة آل أبي سفيان !
إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا
أحرارا في دنياكم ، إن كنتم عربا كما تزعمون ( 1 )
فقد نفى عليه السلام أن يكون لهم دين يعتقدون بأحكامه ، أو يكونوا مسلمين يخافون
المعاد الذي يخافه كل ملي معتقد ، فيمتنع من ارتكاب الأصغر من تلك الجرائم
النكراء البشعة .
ونفى أن يكونوا عربا ، لأن للعروبة عند أهلها قوانين وسننا وآداب
وموازين ، أقلها الشعور بالتحرر والإباء والحمية والمروءة والتأنف من ارتكاب
المآثم الدنيئة والاعتداءات الحقيرة .
أما هؤلاء المسلمون ! والعرب ! ! فهم الممسوخون ، المغمورون في
الرذيلة إلى حد الغباء ، والعمى ، لبعدهم عن الحق ، وانضوائهم تحت لواء الباطل .
وظلت كربلاء ، ويوم عاشوراء ، وصمة عار على جبين التاريخ الإسلامي
وعلى جبين أهل القرن الأول ، لا يمحوها الدهر ، ولا يغسلها الزمن .
الباب الرابع :
أحداث بعد كربلاء
31 – مواقف متأخرة .
32 – أحزان الأحلام .
33 – رثاء الطبيعة .
34 – الأسى والرثاء .
35 – الانتقام للدماء .
31 – مواقف متأخرة
ودائما ، وفي كل حوادث التاريخ ، يبقى بعض الناس في المؤخرة ، لأنهم
يحتاطون ، فيقفون بعيدا عن الأحداث ، لئلا يصيبهم شرر أو أثارة من سوء .
لكن ليس مصير المتأخرين دائما النجاة والسلامة ، وإن بقوا بعيدين عن
الإصابات ، فهم ليسوا بمنجاة من الحسابات ، حسابات التأريخ والضمير والواقع .
وهكذا كان شأن الذين تخلفوا عن اللحوق بالحسين عليه السلام سواء في
مسيره إلى أرض كربلاء ، أو في سيرته على أهداف كربلاء ، وخاصة أولئك الذين
كانت تمد إليهم الأعناق ، باعتبارهم حاملين للنصوص الفاصلة لكل نزاع ، التي
هي وصايا النبي وسنته صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم صحابته وحاملو آرائه .
ولكن هؤلاء الذين لم يلحقوا الفتح بتخلفهم عن وجهة الحسين عليه السلام
في المسير والسيرة ، وجدوا أنفسهم – بعد الحسين عليه السلام – بين مخالب
القتلة ، وزهوهم بعد المذبحة التي ارتكبوها بحق الثائرين .
ومهما فرضنا لهؤلاء المتخلفين من البساطة ، وأنهم لم يكونوا يتصورون أن
الدولة الإسلامية تقدم على قتل جمع من خيرة رجال المسلمين ، وفي
مجموعتهم كوكبة من آل محمد ، وعلى رأسهم الحسين ابن بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وأنهم فوجئوا بذلك ، فأسقط في أيديهم
لكن بعدهم عن مجريات الأحداث ، إلى الحد الذي يؤدي بهم إلى هذه
السذاجة ، وتخلفهم عن ركب الدفاع عن حياض الإسلام ، والالتحاق بالوحيد
المتبقي من سلالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هو في نفسه يشكل نقطة
محاسبة عسيرة .
وكفاهم ذلا ومهانة ، أن يحضروا مجلس الحكام القتلة ليشاهدوا بأعينهم ما
يجري على رأس الحسين – ذلك الرأس الذي رأته أعينهم ذاتها على صدر
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى عاتقه وفي حجره – ولكن في حالة
أخرى ، وبالضبط كما يروونها هم – :
فهذا أنس بن مالك :
[ 319 ] قال : لما قتل الحسين جئ برأسه إلى عبيد الله ابن
زياد ، فجعل ينكث بقضيب على ثناياه ، وقال : إن كان
لحسن الثغر
فقلت : أما والله لأسوأنك ، لقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه ( 1 )
وهل كان أنس – وهو خادم النبي – جريئا حتى يتمكن من مواجهة ابن زياد
بهذا ؟
ولماذا لم يحاول أن يسيئ إلى ابن زياد ، قبل أن يضرب ثنايا الحسين بل
قبل أن يقتل الحسين عليه السلام ؟
ألم يكن عبيد الله مجرما ، ومستحقا للإسائة قبل هذا ؟
ثم ماذا يفعل أنس في مجلس عبيد الله ، في مثل هذا الوقت ؟
وهل رأى أنس رسول الله يفعل ذلك – فقط – بسبطه الحسين ؟ دون غيره
من أعمال عملها مع الحسين ، وأقوال قالها في الحسين ، والتي عرفنا بعضا منها في
فصلي [ 10 و 11 ]
وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ملازم له على باب
داره
ثم – أخيرا – لماذا لم يحاول أن يبرز هذا الذي رآه يفعله الرسول بسبطه
الحسين ، قبل هذا المجلس ؟ حتى لا يصل الأمر إلى هذه الحال ؟
وهذا زيد بن أرقم
[ 321 ] قال : كنت عند عبيد الله بن زياد لعنه الله ، إذ أتي
برأس الحسين بن علي ، فوضع في طست بين يديه ، فأخذ
قضيبا ، فجعل يفتر به عن شفتيه ، وعن أسنانه
فلم أر ثغرا – قط – كان أحسن منه ، كأنه الدر ، فلم أتمالك أن
رفعت صوتي بالبكاء ،
فقال : ما يبكيك ، أيها الشيخ ؟
قلت : يبكيني ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
يمص موضع هذا القضيب ويلثمه ، ويقول : اللهم إني أحبه
فأحبه ( 1 )
وفي نص آخر ، أن ابن زياد قال لزيد : إنك شيخ قد خرفت وذهب
عقلك !
والذي يستوقف الناظر : ماذا كان يفعل هذا الصحابي الشيخ في مجلس
عبيد الله ؟ داخل القصر ؟ في مثل هذه الأيام ؟
هل كان يجهل أن الناس في الكوفة قد ذهبوا لقتال الحسين عليه السلام ؟
وأن الحسين قد قتل ؟
فهو إذن قد خرف حقا !
ثم أين كان حماسه هذا ، قبل أن يؤتى برأس الحسين عليه السلام ؟
ولماذا لم يرو قبل هذا ما رواه بعد هذا المجلس ، لما
[ 322 ] خرج زيد بن أرقم من عنده – يعني ابن زياد – يومئذ
وهو يقول : أما والله ، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، يقول : اللهم إني استودعكه وصالح المؤمنين .
فكيف حفظكم لوديعة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ( 1 )
لكن ، كيف كان حفظك أنت يا زيد ، يا صحابي ! لوديعة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ؟ وقد أسلمته وحده ، في كربلاء ، يذبح هو وأهل بيته ، وشيعته ؟ وأنت
تنادم قاتله ابن زياد ؟
ولكن هذه المواقف المتأخرة ، هل تسد شيئا مما أصيب به الإسلام من
الثلمات ؟ أو ترد على الأمة ما فقده من الرجالات ؟
ولو وقفوا هذه المواقف قبل قتل الحسين عليه السلام ، لكانت أشرف لهم ،
وأنفع للأمة !
ولو ساروا بعد ذلك بسيرة الحسين عليه السلام ، لكان أعذر لهم ، وأخلد
لذكرهم ،
أما لو ضيع الصحابة وديعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم
السلف ، المخاطبون بحفظها مباشرة ، فما هو عتابه على البعداء التابعين لهم في
دينهم وعقيدتهم ، وهم الخلف الذين يستننون بسنتهم ! ؟
32 – أحزان الأحلام
ومهما كانت الأحلام وواقعها ، فإن الحزن بألم عاشوراء ، لم يقف على عالم
اليقظة ، بل لقد تحدثت الأخبار عن أحزان عالم الرؤيا :
[ 324 – 325 ] قال ابن عباس : رأيت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في ما يرى النائم بنصف النهار أغبر ،
أشعث ، وبيده قارورة فيها دم .
فقلت : بأبي أنت وأمي ، يا رسول الله ، ما هذا ؟
قال : هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل – منذ اليوم – ألتقطه !
فأحصي ذلك اليوم ، فوجدوه قتل يومئذ .
وأم سلمة ، زوجة الرسول ، المتقية ، المحبة لأهل بيته ، الحنون على
الحسين ، والتي لها ذكر مكرر في سيرة الحسين عليه السلام ، قد أفزعها المنام
كذلك هي الأخرى :
[ 327 ] عن سلمى قالت : دخلت على أم سلمة ، وهي
تبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟
قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في
المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : مالك ؟ يا رسول
الله ، مالك ؟
قال : شهدت قتل الحسين ، آنفا ( 1 )

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...