الرئيسية / من / الصحة والعافية / الآداب الطبية في الإسلام

الآداب الطبية في الإسلام

تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين ، محمد وآله الطاهرين .
واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ، إلى قيام يوم الدين .
وبعد . .
فقد مست الحاجة في بعض المجالات في العالم الإسلامي إلى الكتابة حول موضوع الآداب الطيبة في الإسلام ، مع إعطاء لمحة عن تاريخ الطب ، وعن النهضة العلمية الإسلامية في هذا المجال ، وغير ذلك .
فطلب مني أخي الأعز الأكرم ، الشيخ علي الأحمدي الميانجي حفظه الله تعالى أن أكتب حول هذا الموضوع .
ورغم أنني لست مؤهلاً للقيام بمهمة كهذه – لا سيما وأن الآداب الطيبة وسواها مما لا بد من التعرض له هنا ، موضوعات جديدة لم يتطرق إليها
الباحثون فيما أعلم – فقد امتثلت أمره ، شاكراً له ثقته بي ، وأرجو من الله تعالى أن ينفع بما كتبت ، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم .
18 جمادى الأولى سنة 1402 ه
جعفر مرتضى العاملي
القسم الأول
تاريخ الطب
الفصل الأوّل :
الطب . . قبل الإسلام
تذكير :
إننا نرى : أنه لا بد من اعتماد التاريخ الهجري أساساً لضبط الوقائع والأحداث لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي وضع هذا التاريخ ، وبه ضبطت وقائع التاريخ الإسلامي ، وقد تحدثنا عن ذلك بالأدلة القطعية في محله في غير هذا الكتاب . .
ولكننا ربما ننقل هنا بعض المطالب عن الآخرين ، الذين يعتمدون التاريخ المسيحي الميلادي . . فنضطر إلى ذكر التاريخ الميلادي متابعة لهم ، لأننا لا نعطي لأنفسنا حق تغيير النص الذي ننقله عنهم ، ولو بهذا المقدار . . فليلاحظ ذلك . .
وشكراً . .
مبدأ ظهور الطب :
أما متى وكيف كان ظهور علم الطب ؟ ففيه اختلاف بين المؤرخين . .
فيرى البعض : أن سحرة اليمن هم الذين وضعوا أساس علم الطب . ويرى آخرون : أنهم السحرة من فارس . وفرقة ثالثة : أنهم المصريون ، ورابعة : الهنود ، أو الصقالبة ، أو قدماء اليونانيين ، أو الكلدان ، الذين نسب إليهم : أنهم كانوا يضعون مرضاهم في الأزقة ، ومعابر الطرق ، حتى إذا مر بهم أحد قد أصيب بذلك الداء وشفي أعلمهم بسبب شفائه ؛ فيكتبون ذلك على ألواح ، يعلقونها في الهياكل ، فلذلك كان التطبيب عندهم من جملة أعمال الكهنة وخصائصهم ( 1 ) . وقيل غير ذلك . .
ولكن ابن أبي أصيبعة يرى : أن اختراع هذا الفن لا يجوز نسبته إلى بلد خاص ، أو مملكة معينة ، أو قوم مخصوصين ، إذ من الممكن وجوده عند أمة
قد انقرضت ، ولم يبق من آثارها شيء ، ثم ظهر عند قوم آخرين ، ثم انحط عندهم حتى نسي ، ثم ظهر على أساس هؤلاء لدى غيرهم ، فنسب إليهم اختراعه ، أو اكتشافه ( 1 ) .
هذا . . وثمة رأي آخر يقول : إن صناعة الطب مبدؤها الوحي والإلهام ، وقد قال الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكية :
« الطب صحيح ، والعلم به ثابت ، وطريقه الوحي ، وإنا اخذه العلماء به عن الأنبياء ، وذلك أنه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلا بالسمع ، ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلا بالتوفيق . . الخ » ( 2 ) . . هذا . . وقد ذكروا لهذا القول دلائل وشواهد ، لا مجال لإيرادها هنا ؛ فمن أرادها فليراجعها في مظانها ( 3 ) .
أما نحن . . فنرى : أن الطب قد وجد منذ وجد الإنسان على وجه هذه الأرض ، فمنذ ذلك الحين عانى من الداء ، فوفق بإلهام من الله إلى كثير من الأمور التي يمكن أن تعتبر دواء . .
كما أننا نرى : أن كثيراً من المعالجات . وإن كانت قد جاءت عن طريق إرشادات الأنبياء ( عليهم السلام ) للناس إليها ، كما قاله الشيخ المفيد . . إلا أنه ليس كله كذلك ، بل فيه ما جاء عن طريق التجربة أيضاً ، أو الصدفة ، أو الفكر والملاحظة ، بعد الاطلاع على طبائع بعض الأشياء ، كما هو مشاهد وملموس . . ولعلنا يمكن أن نجد لدى ابن أبي أصيبعة بعض الميل إلى هذا
الرأي ( 1 ) ، وإن كان قد عبر في أول كلامه عن صعوبة الجزم برأي ما ، في هذا المجال . .
الصلة بين الطب ، والسحر ، والكهانة :
إن الذي يراجع تاريخ الشعوب والأمم الخالية يجد : أنه قد كان ثمة صلة وثيقة جداً بين السحر والطب ، فقد كانوا يداوون مرضاهم بالسحر ، وكان الساحر طبيباً يداوي المريض بسحره : وكذلك كان الكهان يداوون المرضى أيضاً .
نعم . . لقد كانوا يداوون مرضاهم بالرقى والتضرعات والتوسلات للآلهة . ولاجل ذلك كان الطب من جملة اختصاصات الكهان عموماً في تلك الأزمنة ( 2 ) .
وقد تقدمت الإشارة إلى أن الكثيرين ينسبون هذا العلم إلى كهنة بابل ، أو كهنة الفرس ، أو كهنة اليمن إلى آخر ما تقدم . . الأمر الذي يوضح الدور الهام لهذا الصنف من الناس . . ولسوف نجد فيما يأتي أيضاً بعض ما يشير إلى هذا :
الطب عند الأمم السالفة :
هذا . . ولا بأس بأن نذكر لمحة عن حالة الطب لدى الأمم السالفة ، وإن كنا لا نرى تفاوتاً كبيراً في نوعية المعالجات والتوجهات الطبية بين تلك الأمم ، بحيث يجعل في الحديث عن كل واحدة على حدة كبير فائدة أو جليل أثر .
ولكننا مع ذلك . . سنحاول أن نظهر بعض التوجهات الخاصة التي نلمحها لدى كل أمة بقدر الإمكان ، وذلك على النحو التالي :
ولكننا مع ذلك . . سنحاول أن نظهر بعض التوجهات الخاصة التي نلمحها لدى 

شاهد أيضاً

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي بين نمط د. هشام الهاشمي للقصف الإيراني لقاعدة ...