الرئيسية / من / الشعر والادب / الآداب الطبية في الإسلام

الآداب الطبية في الإسلام

بل إن كل منجزاتها بدون الإسلام ليس شيئاً يستحق الذكر إذا ما قورنت بمنجزاتها في هذه الفترة المحدودة .
مع أن تلك الأمم قد كانت تمتلك – قبل الإسلام – الدولة القوية ، والموارد المادية الضخمة ، والمعنويات العالية ، والطموحات البعيدة ، حسبما يدعون ، أو حسبما يريدون الإيحاء به للبسطاء والسذج من الناس .
وهكذا . . فإنه يجب أن يعزى ما حققه المسلمون على اختلاف أجناسهم إلى الإسلام نفسه ، واعتباره العامل الرئيسي في تفجير الطاقات ، وتحقيق الطموحات .
بل إننا نجد الآخرين الذين لم يعتنقوا الإسلام ، رغم أنهم كانوا المعلمين الأول للمسلمين في علم الطب ، وهم أهل جند يشابور وغيرهم من أتباع الأديان المختلفة ، قد بدأ يتقلص ظلهم ، ويأفل نجمهم ، كلما زاد تألق شمس المعارف الطبية في العالم الإسلامي ( 1 ) والذي كان يتم بسرعة مذهلة .
نعم . . لقد تقلص ظلهم ، وأفل نجمهم ، مع أنه قد كان لخلفاء المسلمين وحكامهم عناية فائقة بهم ، واهتماماً لا نظير له بشؤونهم .
وحسبنا ما ذكرناه هنا ، ولننقل الكلام إلى عصر النهضة العلمية لدى المسلمين . . والذي يستدعي منا الحديث في نقاط عديدة ، منها :
1 – حركة الترجمة في العلوم الطبية وغيرها .
2 – حركة التأليف ، وازدهار الطب عند المسلمين .
3 – بعض المنجزات العلمية للمسلمين ، وأثر المسلمين في النهضة الطبية الحديثة .
4 – أثر المسلمين في الصيدلة .
5 – إشارة إلى بعض الخدمات الطبية ، كبناء المستشفيات ونحوها .
إلى غير ذلك من الأمور التي يقتضيها البحث : والتي ربما لا يمكن تجاهلها فإلى المطالب التالية :
حركة الترجمة :
لقد بدأت الترجمة في الحقيقة في القرن الأول الهجري ، ولكن بشكل محدود جداً ، ونشطت في مطلع الدولة العباسية [ التي أسست سنة 132 ه‍ ] وانتعشت أكثر في زمن هارون ، الذي توفي سنة 193 ه – . وبلغت ذروتها في زمن المأمون المتوفي سنة 218 . ه‍
وبنشاط حركة التأليف والإبداع لدى المسلمين . . بدأت حركة الترجمة بالتراجع ، فلم يعد لها في أواسط القرن الثالث فما بعده رونق يميزها عن غيرها من النشاطات ، إن لم نقل : إنها لم يعد لها رونق أصلاً . .
بل يرى البعض : أن أكثر الترجمات قد كانت ما بين أواسط النصف الأول من القرن الثاني ، وحتى النصف الأول من القرن
الثالث ( 1 ) .
وعلى كل حال . . فقد كان غير المسلمين هم الذين يقومون بأمر الترجمة بصورة عامة ، سواء في ذلك النصارى ، أو اليهود ، أو غيرهم . . فهم رواد هذه الحركة ، وعليهم كان الاعتماد فيها . . ولكننا لا يجب أن ننسى هنا دور النوبختيين في الترجمة ، وهم من الفرس ، المسلمين الشيعة ، فإنهم قد أسدوا خدمات جلى في هذا السبيل .
ويقول گوستاف لوبون : إن أول كتاب طبي ترجم إلى العربية قد ترجمه هارون سنة 685 م ( 2 ) . . ونحن نعتقد : أنه قد غلط في ذلك ، ف‍ :
أولاً : إن الكتاب هو كناش « أي مجموعة فيها قواعد وفوائد طبية » من مؤلفات [ أهرن ] ، وقد ترجمه ماسر جويه ، إما في زمن عمر بن عبد العزيز ، أو أنه ترجمه في زمن مروان بن الحكم ، وبقي في خزائن الكتب حتى أخرجه ابن عبد العزيز إلى الناس ( 3 ) .
وثانياً : إننا نجدهم يقولون : إن ابن أثال طبيب معاوية – الذي قتل في زمنه – قد سبق إلى ترجمة كتاب في الأدوية المفردة من اليونانية إلى العربية ( 4 ) . . وبمثل ذلك يرد على من زعم ان خالد بن يزيد كان أول من
ترجم كتب النجوم والطب . . الخ ( 1 ) ، ويقول وجدي : إن ابن وحشية قد ترجم عن الكلدان كتاباً في السموم وذلك في سنة 170 م ( 2 ) .
وهو غلط أيضاً ، فإن ابن وحشية قد عاش في أواخر القرن الثالث ، وفي مطلع القرن الرابع الهجري ( 3 ) ، ومما ذكرنا نعرف عدم صحة قولهم : إن جورجس هو أول من ابتدأ في نقل الكتب الطبية إلى العربية عندما استدعاه المنصور ( 4 ) .
وعلى كل حال . . فإنهم يقولون : إن الخليفة العباسي هارون قد أرسل إلى روما من جلب له الكتب الخطية الطبية . . كما أنه هو نفسه قد جلب معه مخطوطات من أنقرة ، وعمورية وغيرها من بلاد الروم ، وطلب من يوحنا بن ماسويه ، أن يترجمها من اليونانية إلى العربية ( 5 ) .
أما في زمن المأمون فقد بلغ هذا الأمر ذروته ، حتى ليذكرون ، أنه كان يعطي وزن ما يترجم له ذهباً ( 6 ) ، بل لقد ذكر وجدي : أن المأمون قد جعل بعض شروط الصلح مع اليونانيين إعطاءه نسخة من كتاب نادر الوجود ( 7 ) .
كما أنه قد أرسل جماعة إلى بلاد الروم ليأتوه بالمخطوطات ( 1 ) . وأسس دار الحكمة المشهورة ، وكان فيها قسم للترجمة . . وبعضهم ينسب دار الحكمة للرشيد ، لكن من المؤكد أنها قد بلغت أوج عظمتها في عهد المأمون ( 2 ) . .
كما أن الاهتمام بجمع المخطوطات لم يكن مقصوراً على الخلفاء ، بل كان غيرهم من الأعيان يهتم بذلك أيضاً ( 3 ) . .
وقد نقلوا إلى العربية كتب جالينوس وأبقراط وغيرهما . . ومن المعروفين بالنقل : حنين بن إسحاق ، وحبيش الأعسم ( 4 ) وأصطفان بن بسيل ، وثابت بن قرة ، وإسحاق بن سليمان ، وابن البطريق ، ومنكه الهندي ، وقسطا بن لوقا البعلبكي ، وابن دهن ، وغيرهم كثير ، فراجع الباب التاسع من عيون الأنباء للاطلاع على أسماء الكثيرين منهم . .

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...