الرئيسية / الاسلام والحياة / لنذق طعم حلاوة ضيافة الله02 – الشيخ بناهيان

لنذق طعم حلاوة ضيافة الله02 – الشيخ بناهيان

لنذق طعم حلاوة ضيافة الله 2

الخوف من فقد فرصة شهر رمضان الذهبية

أليس شهر رمضان فرصة ذهبية؟ أولسنا بحاجة وشوق شديدين إلى هذه الفرصة؟ إذن لابدّ أن نخشى ذهاب هذه الفرصة وعدم انتفاعنا بها. كلما كانت هذه الضيافة أعزّ علينا يزداد خوفنا من ضياعها وتعترينا الهواجس والأسئلة أن: هل سأنتفع بشهر رمضان بأفضل انتفاع؟ أم سأكون في شهر رمضان المبارك من زمرة الذين لا يكون نصيبهم فيه سوى الجوع والعطش؟ وهل ستلبّى احتياجاتنا الكثيرة في هذا الشهر؟… وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي تتبادر إلاّ إلى المشتاقين وأولي الهمم العالية. إلا اللهمّ إذا كنّا مُتخَمين بالنعم المعنوية وأصبحنا غير مضطرّين إلى المزيد منها وأصبح شهر رمضان لنا شهر نزهة وتبديل جوّ فعند ذلك سنكون بغنى من هذا القلق. فإن هذا الكلام من السخافة والتفاهة بمكان بحيث لا يستحقّ الاعتناء. إذ عندما نرى أولياء الله يلتمسون ويتضرّعون إلى الله من أجل كسب ذرة من عنايات الله سبحانه، والحال أن كسب رضا الله ليس بأمر عسير عليهم، فتكليف باقي الناس معلوم.


ولكن من باب ذكر شيء في هذا المقام، أقول إن حالنا لا يخلو من حالين؛ فإما لسنا من أهل العرفان والعبادة، فعند ذلك من الواضح أن سنكون مضطرّين ومحتاجين، وإن لم نشعر بذلك نحن. وإن كنّا من أهل ذلك، فمن المؤكد أن قد أصبحنا من المحبين إلى مناجاة الله واكتساب عنايته بحيث نصبح متعطّشين إلى نيل المزيد من ألطاف الله ورحمته.

فإذن اسمحوا أن نستعرض عبر عبارات واضحة هواجسنا وعواملها:

هواجس الدخول/ 1ـ نقصان ما ننجزه من عمل

أولا يودّ الصالحون من الناس أن ينجزوا جميع أفعالهم بشكل جيّد. فإذا أنجزوا فعلا ما لا يحبون أن يكون ناقصا ومليئا بالعيوب. ورمضان كل سنة عبارة عن فعل وأثر نتركه في عالم الوجود، ونحن سوف نواجه هذا الإنجاز يوم القيامة. وحتى إن أنجزت أشهر رمضان القادمة بشكل جيّد لا تعوّض عن نواقص شهر رمضان الحاضر. فلكلٍّ علامة وسمة مستقلّة. الخوف من عدم إنجاز شهر رمضان بالمستوى المطلوب هو شيء متعارف لدى هؤلاء.

2ـ أن يكون مستوى أوج ارتفاعنا واطئا

ثم إذا كان شهر رمضان أوج صلاحنا وحسننا، وعادة ما لن نحصل على حالة أفضل مما كنا نعيشها في شهر رمضان، وبطبيعة الحال كل درجة سوف نحصل عليها في شهر رمضان، سنحصل على أقلّ منها في غيره من الشهور، فهذه الحقيقة مما تبعث خوفا في نفوس أولي الهمم العالية خشية من أن يكون مستوى أوج تحليقهم وأوج إنسانيّتهم واطئا مما يأباه بعد النظر وعلوّ الهمّة.

3ـ عدم مراعاة حرمة شهر رمضان

كلما ازداد شهر رمضان قدسية ورفعة لدى محبي الله، تصبح أهمية مراعاة حرمة هذا الشهر ومعرفة قدره مدعاة لخوفهم. طبعا لكل من هذه الهواجس طعم خاص. وإن بعض هذه الهواجس كهذا الخوف ليس بمرّ ولا مكروه بل حلو وممتع. وهذا الشعور يشبه بشعور العاشق الذي يخاف على هدية حبيبه، فهو يحافظ عليها بشدّة خشية إصابتها بصدمة.

4ـ الشقاء

المفترض في شهر رمضان هو أن تشملنا المغفرة الإلهية، وإنها من الأهمية بمكان بحيث قال رسول الله(ص): «فَإِنَّ الشَّقِيَ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ» [عيون أخبار الرضا/ج1/ص295] أليس هذا يكفي لخوفنا من عدم الغفران، وعدم العفو والتكفير عن سيئاتنا وأن نخرج من شهر رمضان بنفس مساوئنا؟ وليت شعري أين تطهّر هذه الأقذار إن لم تطهّرها عين رمضان؟

5ـ قبول العمل

إن كان المفترض هو أن يكون شهر رمضان شهر عبادتنا وأن تعرض طاعاتنا وعباداتنا على محضر إله العالمين سبحانه وتعالى، أليست عظمة مقام ربوبيّته وأبهته مدعاة لخوفنا من قلة قيمة أعمالنا؟ أ وليس من شأن علوّ مرتبة بارئ الخلق سبحانه وتعالى أن ترتجف قلوب عباده خوفا من عدم قبول عملهم؟!
لماذا لم يهتمّ البعض لقبول أعمالهم؟
ترى بعض الناس إذا قاموا بعبادة ما مثل الصلاة، لا يهتمّون بعد بأنه هل رضي الله بهذه الصلاة أم لا؟ وهل رضي بصوم شهر رمضان هذا أم لا؟ مع أنهم يحملون مثل هذا الهمّ والقلق لكثير من قضايا حياتهم الأخرى. كأنهم يطلبون الله، وقد سمعوا منه كلاما شديدا اضطرهم إلى القيام بهذه العبادة، وكأنهم يرون أن هذه العبادة على علّاتها كافية وزائدة على من أمرهم بها!
هم لا يعلمون أن الله ينظر إلى مشاعر عباده، فإذا كان أحد غير مهتمّ لقبول عمله، فهو في الواقع يقوم بأعماله كرها. ولا قيمة لهذا العمل عند الله بعد.
ما قيمة عبادات العبد عند الله، إذا رأى عبده يرمي عباداته صوب ربه بغير مبالاة وهو غير مهتمّ لوصولها إلى الهدف وقبولها من قبل المعبود، والحال أن المهمّ لدى الله قبل العمل وبعد العمل وفي أثناء العمل هو العبد نفسه وإقباله إلى الله وقلبه العاشق لربّه. ومن هنا ترى کم من صائم ليس له من صيام شهر رمضان إلا الجوع والظمأ.
مثل الأجير الذي فرضوا عليه حرث الأرض. فبعد أن حرث الأرض كرها لا ينظر إلى عين صاحب العمل باحثا عن رضاه، بل ينظر إلى يده ليستلم أجره. وإن كان لا يتوقّع الأجر وكان يعتبر صاحب العمل ظالما لا يؤجره بشيء، فسوف يرمي المسحاة أمام رجله ويذهب.
هل تعملون متى نكون غير مبالين بنتيجة أعمالنا ولا يعترينا القلق من أن هل سينال عملنا رضى الله أم لا؟ أضرب مثالا قاسيا مع طلب المعذرة، لأنه بمنزلة الضربة القاضية لمن يريد أن يكون مقاوما لهذا الكلام ولا يتأثر.
إن دخل على بيتنا فقير مسكين، وأردنا أن نعطيه طعاما، فبما أن شخصية هذا الفقير غير مهمّة لدينا، وكنا بصدد تقديم بعض فضائل الطعام له، عند ذلك لا نهتمّ بثمن الإناء الذي نصبّ الطعام فيه، وبأنه هل سيعجبه الإناء أم لا. ولا سيّما إن كنّا قد أعطيناه الطعام مع الإناء ولم نتوقّع منه إرجاعه. فنحن في هذا المقام غير مهتمّين باستحسان الفقير عملَنا وأسلوبَ ضيافتنا، بل نريد أن نعطيه شيئا ليذهب ويبتعد.
لا شك في أن الخروج من هذه الهواجس وغيرها التي لم نحصها، لا يمكن إلا بمدد ربّ العالمين. كما أن الدخول في وادي الخوف إنما يتحقق عبر حبّ المعبود ومعرفته.
يا له من إنسان رفيع الهمّة والنظر، وهو ذاك العبد الذي يقلق لنتيجة عمله وآخر فعله منذ البداية، ويردد هذا الدعاء القرآني بمشاعر مزيجة من الخوف المصحوب بالعشق والمعرفة منذ دخوله في شهر رمضان: «وَقُل رَبِّ اَدخِلنِي مُدخَلَ صِدقٍ وَ اَخرِجنِي مُخرَجَ صِدقٍ وَ اجعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلطَاناً نَصِيراً» [الإسراء/80]

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...