الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / قصص و خواطر من اخلاقيات علماء الدين

قصص و خواطر من اخلاقيات علماء الدين

حكى لي أنه في سنة (1384هـ)حيث انقلب عبد الكريم قاسم على الملك فيصل وأعلن جمهويته المتناغمة مع الشيوعيين

أردت الخروج في حملة السيد إبراهيم إلى حج بيت الله الحرام ولكن الحكومة السعودية منعت الفيزة للعراقيين بسبب الانقلاب الشيوعي إلا أن الشوق للحج كان قد أتى بنا إلى الحدود السعودية فلعل الله يفتح علينا سبيل الحج
فذهبت لتوديع المرجع الراحل السيد محسن الحكيم (أعلى الله مقامه )فقلت له أعطني فلسا للتبرك فأنا ذاهب إلى الحج
ابتسم السيد وقال : بل أعطيك عشرة دنانير
قلت :زدها بموعظة
فوضع يده على رأسي وقال : أما العمامة فلا تغيرها

شكرته وودعته وأنا لم أكن استوعب كامل قصده من هذه الوصية إلا بعد ما جرى لنا على الحدود العراقية السعودية في منطقة (تبوك) إذ أوقفونا
وقالوا :ممنوع دخول العراقيين إنكم شيوعيون
ذهبت جانبا ولم أحرك ساكنا حتى أرى كيف تسير الأمور بعد ساعة جاءني رئيس الحملة يعاتبني :يا سيد أنت جالس تحرَك بجدِك …قل ماذا نفعل ؟

فجئت بين الحجاج الغاضبين وكان الإرهاق من شدة الحر وتعب الطريق قد أخذ منهم أعصابهم وكاد أن تذهب معها أخلاقهم فقمت خطيبا فهدأتهم وتكلمت بما استطعت من كلام فيه الخير ثم قلت لهم اختاروا من يتكلم باسمكم عند الأمير فقالوا بصوت واحد ليس لنا غيرك أنت تكلم باسمنا

وكان هذا الموقف في مرأى أحد الشرطة السعوديين فطلبت منه ترتيب لقاء مع الأمير لبحث المشكلة معه وبعد محاولات سمحوا لي بالدخول إلى قصره فألفيته جالسا في قاعة كبيرة وحوله من الشخصيات حوالي مئة شخص
تقدمت نحوه بكامل زيي وعمامتي السوداء على رأسي وعصاي بيدي فجلست عنده بعد السلام عليه

فسألني :من العراق ؟
قلت :نعم
قال :ماذا عندك ؟
قلت :بسلامة الأمير أتلو عليكم آيات من الذكر الحكيم فتلوت :

بسم الله الرحمن الرحيم
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35)فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

فنادى الأمير بالقهوة وهو يقول لي أحسنت يا شيخ فما حاجتك ؟
قلت :إن من يشفع شفاعة حسنة فله أجر عظيم عند الله اسمح أيها الأمير للحجاج العراقيين بأداء مناسك الحج هذا العام
قال :إنهم شيوعيون كفرة زنادقة لا يمكن أن نسمح لهم بتدنيس أرضنا فليرجعوا من حيث أتوا وإلا رميناهم بالرصاص
قلت :نحن معكم في الرأي بأن الشيوعيين كفرة وقد أفتى مرجعنا آية الله العظمى السيد محسن الحكيم أن الشيوعية كفر وإلحاد
وكان بعض الحضور في المجلس من أهل لبنان قالوا للامير نعم نحن رأينا هذه الفتوى لمرجع الشيعة في لبنان إنه موقف مشرف
قلت :فللذين معي أيها الأمير كلهم من أتباع هذا المرجع لقد جئنا كالأعوام السابقة لعبادة الله الحق إلى جانب كافة المسلمين من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
قال :فلماذا جئتم وسفارتنا لم تمنحكم الفيزا ؟
قلت :نحن لا نعرف القوانين جئنا مشتاقين إلى حج بيت الله الحرام
قال :ونحن لا نعرف سوى الرصاص إن لم ترجعوا إلى العراق
وهنا ــ كمايقول السيد جبرئيل ــ ثار عندي عِرق السيادة الحسينية فقلت بشدة :نحن ندخل الحدود وليكن مايكون
قال غاضبا :بأي قدرة يا شيخ ؟
قلت :بقدرة الله عليك وعلى الخلق أجمعين
صمت وراح يتفكر وأنا في هذه اللحظة ربطت قلبي بالله وتوسلت إليه بأهل بيت الرسول عليهم السلام فألهمت بقراءة الدعاء المروي عن الإمام الحجة عليه السلام فقلت للأمير ارفع يدك بالدعاء فقرأت بصوت عال

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية وصدق النية وعرفان الحرمة واكرمنا بالهدى والاستقامة وسدد السنتنا بالصواب والحكمة واملا قلوبنا بالعلم والمعرفة وطهر بطوننا من الحرام والشبهة واكفف ايدينا عن الظلم والسرقة واغضض ابصارنا عن الفجور والخيانة واسدد اسماعنا عن اللغو والغيبة وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة وعلى موتاهم بالرافة والرحمة وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة وعلى الشباب بالانابة والتوبة وعلى النساء بالحياء والعفة وعلى الاغنياء بالتواضع والسعة وعلى الفقراء بالصبر والقناعة وعلى الغزاة بالنصر والغلبة وعلى الاسراء بالخلاص والراحة وعلى الامراء بالعدل والشفقة وعلى الرعية بالانصاف وحسن السيرة وبارك للحجاج والزوار في الزاد والنفقة واقض ما اوجبت عليهم من الحج والعمرة بفضلك ورحمتك يا ارحم الراحمين))

فكان الحاضرون يرددون بعد كل فقرة آمين ولما وصلت إلى فقرة ( وعلى الأمراء بالعدل والشفقة )قال الأمير : أعدها يا شيخ أعدها ياشيخ فأعدتها
وهنا قال :اذهب وسوف اتصل بجلالة الملك فيصل وأخبرك عن النتيجة فورا

ودعتهم وجئت إلى الجمع فقرأنا (حديث الكساء ) ولم تكن إلا ساعات حتى جاء الأمير السعودي بنفسه وقال لي بالحرف الواحد : ياشيخ قد استجاب الله دعاك
فرفع الحجاج العراقيين أصواتهم بالصلاة على محمد وآل محمد هنالك تيقنت ثلاثة أمور من صميم عقيدتنا الناجية :

الاول :أن وصية المرجع الحكيم (أن لا أغير العمامة في السفر ) كانت ملهمة من الغيب وهي لا تخلو من كرامة للسيد قدس سره

الثاني :أن الاتصال القلبي بالله سبحانه وإلقاء الجواب بقراءة دعاء الإمام الحجة أيضا لا يخلو من سر ما ورائي

الثالث :إن الله سبحانه يستجيب الدعاء إذا كان الداعي منقطعا إليه ومتوسلا بالذين طهرهم من كل رجس

وهنا قال السيد أن خير ما ندعو لإصلاح ما فسد من أمور المسلمين أن نقول متضرعين إلى الله عز وجل
(اللهمّ هذا دينك قد أصبح باكياً لفقد وليّك ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرج وليّك رحمة لدينك اللهم وهذا كتابك قد أصبح باكيا لفقد وليك فصل على محمد وآل محمد وعجل فرج وليك رحمة بكتابك ، اللهمّ وهذه عيون المؤمنين قد أصبحت باكية لفقد وليّك فصلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرج وليك رحمةً للمؤمنين).

ثم سألته عن أهم الخطوات للسير في الكمالات المعنوية فأجابني :

ألف :الالتزام بما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من أخرج الغِل من قلبه وسع الله في رزقه )

باء :المداومة على دعاء الرسول عليه السلام (اللهم لا تسلب مني صالح ما أنعمت به علي ولا تردني في سوء أستنقذتني منه ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ولا أقل من ذلك )

جيم :قراءة آية الكرسي خمس مرات بعد صلاة الصبح فقد أخبرني استاذي المرجع الورع السيد أحمد الخونساري (أعلى الله مقامه) أن من قرأها مرة واحدة وكَل الله ملكا لحفظه من كل سوء وإذا قرأها مرتين وكل به ملكين وإذا ثلاثة فثلاثة وإذا أربعة فأربعة ولكنه إذا قرأها خمس مرات فإن الله يقول أنا وكيل لحفظه دون غيري

دال :القيام بصلاة الليل ولوجلوسا أو قضاء

هاء :الاستمرار في قراءة دعاء اليستشير عند الصباح أو العصر

واو :الاستغفار سبعين مرة عقب صلاة الصبح كل يوم بهذه العبارة (أستغفر الله ربي وأتوب
إليه )

زاي :صلاة جعفر الطيار (رضوان الله عليه ) في كل حرم من العتبات المقدسة وإهداء ثوابها إلى صاحب المرقد الشريف

حاء :عندما يكون لك حاجة ملحة أو عرضت عليك مشكلة كبيرة عسيرة قم في منتصف الليل وصل ركعتين برجاء المطلوبية ( قربةإلى الله تعالى )ثم قل ( 110 ) : اللهم صل على ولي أمرك القائم المهدي

أجل أيها القارئ اللبيب هذه سطور بين السطور التي استفدتها في لقائي مع جبرائيل الأرض كما عبر به أحد العلماء مازحا إذ مسح على كتفه وقال : إن لم تصل أيادينا إلى جبرائيل السماء فإنها ولله الحمد تصل إلى جبرائيل الأرض

فقل السيد مبتسما : على أن تعمل بما أوحيه إليك من وحي جدي رسول الله صلى الله عليه وآله
وهو يقصد من كلمة ( أوحيه) معناها اللغوي )

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...