Home / القرآن الكريم / آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 10

آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 10

لا يقال النهى ظاهره التحريم وإن احتمل التنزيه ، لأنّا نقول ذلك في صيغة النهي لا مطلق طلب الترك ، فإن للنفي في هذا المقام معنيين مجازيين : أحدهما معنى نهى التحريم ، والآخر نهى التنزيه ، بل ثالث هو طلب الترك مجملا ، فإذا تعذر
الحقيقة وجب الحمل على المجاز ، لكن لا يجوز التخصيص إلَّا بمخصّص خصوصا في التحريم ، لمزيد مخالفته للأصل ، على أنه لو تساوى الجميع فلا ريب أن الكراهة تثبت على كل من المعنيين الأخيرين ، فيكون أقوى وأرجح .
وقد يقال التحريم وإن كان خلاف الأصل ، إلَّا أنه أقرب المجازات إلى النفي لدلالته على الانتفاء شرعا حتما ، وفيه نوع تأمّل فليتدبّر .
وفي الكشاف ( 1 )
: « ومن الناس من حمله على القراءة أيضا ، ولا يخفى بعده ، ولهذا لم يذهب إليه أحد من الفقهاء ، وفي بعض التفاسير عن محمّد بن الفضل : لا يقرء القرآن إلَّا موحّد ، وعن حسين بن الفضل لا يعلم تفسيره وتأويله إلَّا المطهّرون من الكفر والنفاق ، وعن أبي العباس بن عطا لا يعرف حقائق القرآن إلَّا المطهّرون بأنوار العصمة عن أقذار المعصية ، وعن جنيد المطهّرون أسرارهم عمّا سوى اللَّه ، وقيل المراد المطهّرون من الحدث الأكبر نحو الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ، وأما المس فقيل اختص بالملاقاة بباطن الكف وقيل بل هو اسم للملاقاة مطلقا ، وهو الأقرب من حيث اللَّغة .
* * *
التوبة : « فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا والله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ » المرويّ عندنا عن الباقر والصادق عليهما السّلام ( 2 )
وهو الأشهر عند العامة ( 3 )
أيضا انها نزلت في أهل قباء ، فروي لجمعهم في الاستنجاء من الغائط بين الأحجار والماء ، وروي لاستنجائهم بالماء ، والجمع ممكن ، وفيها دلالة على استحباب الجمع في الاستنجاء من الغائط وأولوية الماء من مجرد الأحجار ، فإنه أتمّ ، وربما دل على استحباب المبالغة في الاجتناب من النجاسات ، ولا يبعد فهم استحباب النورة وأمثالها ، واستحباب الكون على الطهارة .
وتأييد لدلائل الأغسال المستحبّة ، واستحباب المبالغة في الاجتناب عن المحرمات والمكروهات ، والاجتناب عن محالّ الشبهات ، وكلّ ما فيه نوع خسّة ودناءة ، والحرص على الطاعات والحسنات ، فإنهنّ يذهبن السيئات ، فإنّ الطهارة إن كانت لها شرعا حقيقة فهي رافع الحدث ، أو المبيح للصلاة ، وهنا ليست مستعملة فيه اتّفاقا فلم يبق إلَّا معناها اللغوي العرفيّ أي النزاهة والنظافة ، وهو يعمّ الكل ، كما لا يخفى .
ويؤيّد هذا العموم قوله تعالى : « إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » قال القاضي أي المتنزهين عن الفواحش والأقذار والإتيان في غير المأتي ، وحينئذ يكون لكلّ من الأقوال الباقية وجه .
قال في الكشاف ( 1 )
وقيل : هو عامّ في التطهّر من النجاسات كلَّها ، وقيل كانوا لا ينامون اللَّيل على الجنابة ، ويتبعون الماء على أثر البول ، وعن الحسن هو التطهر من الذنوب بالتوبة ، وقيل يحبّون أن يتطهّروا بالحمّى المكفّرة لذنوبهم ، فحمّوا عن آخرهم ، ومحبّتهم للتطهّر حرصهم عليه حرص المحبّ للشيء المشتهى له ، ومحبة اللَّه إيّاهم أنّه يرضى عنهم ويحسن إليهم كما يقول المحبّ لمحبوبه هذا .
[ وقيل : يفهم من الآية أن من فعل حسنا مع عدم أخذه بدليل شرعي كان ممدوحا مثابا حيث وقع هذا الثناء العظيم من اللَّه سبحانه لهم ، مع عدم علمهم كما يفهم من شأن النزول ، وفيه منع ظاهر ، على أن كفاية الماء وحده والأحجار كذلك على بعض الوجوه كما هو المقرر ، كاف في إفادة أولوية الجمع ، والماء عند العقل ، لظهوره أن المقصود هو النظافة كما لا يخفى ] .
* * *
الفرقان « وأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً » قيل أي مطهّرا عنه ( 2 )
عليه السّلام طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا إحداهن بالتراب أي مطهره وعنه ( 3 )
عليه السّلام
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وعنه عليه السّلام أيضا وترابها طهورا ، ولو أراد الطاهر لم يكن فيه مزيّة ، وعنه عليه السّلام ( 1 ) وقد سئل عن الوضوء بماء البحر : هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته ولو لم يرد مطهرا لم يصلح جوابا .
وقال اليزيدي ( 2 ) الطهور بالفتح من الأسماء المتعدية ، وهو المطهر غيره ، وأيضا
يقال ماء طهور ولا يقال ثوب طهور ولا شيء يختص به الماء يقتضي ذلك الَّا التطهير ، وأيضا فعولا للمبالغة ، ولا يتحقق إلَّا مع إفادة التطهير .
وفي الكشّاف ( 1 )
طهورا بليغا في طهارته . وعن أحمد بن يحيى ( 2 ) : هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره ، فان كان ما قاله شرحا لبلاغته في الطهارة ، كان سديدا و
يعضده قوله تعالى « ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ » وإلَّا فليس فعول من التفعيل في شيء .
والطهور في العربيّة على وجهين صفة واسم غير صفة ، فالصفة ماء طهور كقولك طاهر ، والاسم كقولك لما يتطهّر به طهور ، كالوضوء والوقود لما يتوضأ به وتوقد به النار ، وقولهم تطهّرت طهورا حسنا كقولك وضوء حسنا ذكره سيبويه ومنه قوله صلَّى اللَّه عليه وآله : لا صلاة إلَّا بطهور ، أي بطهارة انتهى .
واعترضه النيشابوريّ بأنه حيث سلم أنّ الطهور في العربيّة على الوجهين اندفع النزاع ، لأنّ كون الماء ممّا يتطهر به هو كونه مطهرا لغيره ، فكأنه سبحانه قال وأنزلنا من السماء ما هو آلة للطهارة ، ويلزم أن يكون طاهرا في نفسه ، قال ومما يؤيد هذا التفسير أنه تعالى ذكره في معرض الانعام ، فوجب حمله على الوصف الأكمل ، وظاهر أنّ المطهر أكمل من الطاهر ، ونظيره قوله : « ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ » انتهى ، ولا يخفى ان تسليمه ذلك على وجه لا يصح كون ذلك مرادا هنا إذ قد صرّح بكونه حينئذ اسما غير صفة أي لا يوصف به ، وذلك لأنّ أسماء الآلة كأسماء الزمان والمكان لا يوصف بها من المشتقّات كما هو المصرّح به في النحو ، فكيف يستلزم ذلك التسليم اندفاع النزاع ، على أنّ نزاعه هو في كون التطهير من مفهومه الموضوع له كما هو صريح قوله « فان كان ما قاله شرحا لبلاغته في الطهارة كان سديدا » وحينئذ لو صحّ التوصيف به وكان هو مرادا كان النزاع باقيا لتغاير مفهومي المطهّر وآلة الطهارة ، وإن تلازما هنا ، ولذلك لم يلزم مثل هذا التلازم في في نظيرهما كليا ، ولا صحّت نسبة الفعل إلى الآلة كذلك حقيقة ، بل ولا مجازا تدبر .

Check Also

14 أسرار الآيات وأنوار البينات

فالفريق الأول من الأشقياء الذين هم أهل القهر الإلهي لا ينجع فيهم الإنذار ولا سبيل ...