بسم الله الرحمن الرحيم

الأدب والفن في التصور الإسلامي

بما أن أحد الجوانب التأثيرية والمجبولة عليها النفس الإنسانية هو حب الجمال، ومن خلاله انطلق الإبداع الإنساني في الفنون المختلفة، وبما أن للفن والأدب خصوصية التأثير في طبع الإنسان بحكم انسجامه مع هذا الطبع، فكل فرع منهما مؤثر فيه، حتى لو لم يستطع ذلك الشخص تفسيره، فالفن والأدب يتركان أثراً في النفس الإنسانية، قد يغيّر القلب ويترك أثره على الروح، وكلما كان الجانب الفني أقل كلما كان التأثير أضعف. وفي امتداد الحياة البشرية الكثير من عشّاق الفنون الذين أبدعوا - بحسّهم المرهف المستمد من قيم السماء - أعمالاً تتناقل الأجيال الإكبار لهذه الأعمال.

ولضعف الإيمان في نفوس بعض، إنجرفوا بعيداً عن الوازع الديني والإنساني، فحوّلوا الفن الى وسيلة تخريبية لقيم المجتمع، وتدميرية للبناء الأخلاقي، فتحوّل ذلك الفن وبالاً على الإنسانية، عانت منه البشرية ولا تزال.

ومع انطلاقة الدين الإسلامي، أضفى على الفن بعداً جديداً، فانطلق الفنان والأديب المسلم في إبداع مميز، يدعمه الفكر الإسلامي، ويشدّ من أزره، ويأخذ به الى هدى في عطائه، مستجلياً المفاهيم الإسلامية يترجمها من خلال نافذة إبداعه وفنّه.

وبما أن الإسلام يعتمد في إيصال أهدافه وتشريعاته ونشر تعاليمه على التبليغ، إعتُبر الفن الإسلامي من أهم الوسائل التبليغية وأكثرها فاعلية، شريطة أن يتوفر عنصر بنّاء مأخوذ من الفكر الإسلامي، ومع عودة الإسلام من جديد الى الواجهة يأخذ الفن الإسلامي بعداً جديداً، فبعد قيام الثورة الإسلامية المباركة لا ينبغي الشك في حاجتها الى فن ملتزم، يحمل مفاهيم جديدة - بعد أن كان الإسلام مبعداً عن الساحة - تُرسِّخ قيم ومعالم الإسلام، فناً مميزاً وتقدمياً، ينطلق الى النفوس، تستشرف منه معاني الدين والكرامة.

ولترشيد هذه الإنطلاقة الجديدة للفن الإسلامي نضع بين يدي القارئ والباحث - والفنان بالأخص - رؤية إسلامية معاصرة للفن هي رؤية قائد الثورة الإسلامية من خلال توجيهاته وآرائه وفتاويه، بما له من بُعد فقهي ونظر علمي ورعاية للأمة. آملين أن تكون وثيقة توجيهية يسترشد بها الفنان المسلم، ويسير على ضوئها، ويستشرف من خلالها رأي الإسلام للفن والأدب.

والكتاب، في فصوله الأربعة وملاحقه، وثيقة لم يسبق لأهل الفن والأدب الإطلاع عليها من خلال نظرة معاصرة لعلمائنا الأعلام.

نأمل أن نواصل تقديم ما هو جديد لأهل الحقيقة والإبداع، وأن يعمّ النفع بها لإحداث نقلة نوعية يأخذ المبدع فيها دوره ويستلهم من فنّه قيم السماء لتكون أبلغ وسيلة لإيصال رسالة السماء الخالدة.

والله نعم العون والنصير.

"محمــد ســالار"

المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية في لبنان

** ** ** **

(الفصل الأول)

أهمية دور الفن والأدب

أبلغ وسائل التبليغ:

... الوسائل الفنية هي - ولا شك - أبلغ الوسائل التبليغية وأكثرها فاعلية(1).

** **

الفن هو أسلوب للبيان والأداء، وهو أبلغ وأدق وأكثر تأثيراً وبقاءاً من الأساليب التبليغية الأخرى؛ والتدبر في كل واحدة من هذه الخصائص التي ذكرتها يعين في معرفة معنى الفن. وربما كان التقرير غير الفني - وإن كان علمياً وتحقيقاً ودقيقاً - فاقداً لخاصية البيان الفني.

لقد قلت مراراً أن لا حظ لأي رسالة ودعوة وثورة وحضارة وثقافة، من التأثير والإنتشار والبقاء إذا لم يُطرح في شكل فني، ولا فرق في ذلك بين الدعوات المحقة والباطلة(2).

** ** **

لا ينبغي الشك في حاجة الثورة للفن، وحيث أن فن الثورة يحمل مفاهيم جديدة، لذا فطبيعي أن يكون غريباً، لكنه يجب أن يكون ممتازاً وفاخراً وتقدمياً، إذ من المؤكد أنه سيصطدم بأشكال المعارضة والعداء التي لا مناص لأي ثورة عن مواجهتها؛ يضاف الى ذلك أن عليه أن يرسخ في الأذهان المعارف الجديدة(3).

** ** **

البلاغ الخالد:

الشعر والأدب يشكّلان أجمل صور إبلاغ الدعوات الجديدة ووسائل نشرها وإيصالها الى أعماق القلوب والأرواح الإنسانية، وقد استطاع الشعراء والأدباء الواعدون رسم أسمى المعارف الإنسانية فـي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من كلمة القائد في مراسم ذكرى تأسيس منظمة الإعلام الإسلامي (22/6/1989م).

(2) من حديث له مع أعضاء المؤتمر الثالث للشعر والأدب للطلبة الجامعيين في عموم إيران الذي ينظمه الجهاد الجامعي، بتاريخ (18/12/1986م)، وسيأتي النص الكامل لهذا الحديث المهم كملحق للفصل الخاص بالفن الشعري.

(3) من رسالة القائد الى المهرجان المسرحي الجامعي الثاني لجامعات إيران (5/11/1986م).

(1) من رسالة القائد الى المؤتمر الأول للشعر والأدب للجامعيين الإيرانيين بتاريخ (18/12/1984م).

صحائف الدهر بخطوط خالدة وإيصالها الى الأجيال اللاحقة(1).

** ** **

إن من الضروري اليوم القيام بحركة جدية ودؤوبة لرفع المستوى الأدبي والفني على الصعيد الإجتماعي، فاشرعوا بها.. ويد الله وتأييد الشعب معكم، وإمكانات البلد تحت تصرفكم(2).

** ** **

إن الشاعر والأديب والفنان الملتزم لا يلبس حلل إبداعه سوى للقيم الأصيلة، وهذه هي المعرفة الصحيحة لأدق وألطف الخصائص للروح الإنسانية(3).

** ** **

دور ترسيخ رسالة الثورة:

إن لغة الشعر والأدب والفن هي القادرة على ترسيخ رسالة الثورة في أعماق المجتمع؛ فعلى شعر الثورة أن يكون قادراً على عرض لبّ لباب الثورة ومحتواها الحقيقي بأفضل الأشكال الفنية؛ وشعر اليوم هو مرآة المستقبل التي سيعرف أبناء العصور القادمة ما يجري اليوم في مجتمعنا.

وحقاً إن من الصعب تعريف الجيل القادم بعد خمسين سنة من أبناء مجتمعنا الذين لم يشهدوا الوقائع المعاصرة بمجريات وقائع الثورة في أيام الحرب المفروضة، وأيام انتصار الثورة وعودة الإمام، وما جرى في هذه السنين العجيبة التي شهدت كل لحظة منها واقعة في هذا البلد... والوسيلة الوحيدة القادرة على تعريف الأجيال القادمة بذلك هي وسيلة الشعر والفن والأدب(4).

** ** **

يجب الإهتمام بالأديب والفنان، باعتباره صاحب أبلغ لغة في تبليغ الأفكار النبيلة، كما يجب اعتبار تشجيع الأدب والفنانين الملتزمين، وتربية أمثالهم مهمة أساسية(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من رسالة القائد الى المؤتمر الأول للشعر والأدب للجامعيين الإيرانيين بتاريخ (18/12/1984م).

(2) من رسالة القائد الى المؤتمر العام الرابع للشعر والأدب والفن (16/5/1984م).

(3) من رسالة القائد الى مؤتمر الشعر والأدب الذي أقامته نهضة مكافحة الأمية (30/9/1985م).

(4) من كلمة القائد في المؤتمر الشعري الذي أقامته مؤسسة الشهيد (3/2/1987م).

(5) من بيان القائد بمناسبة بدء السنة الرابعة من عمر حزب "الجمهورية الإسلامية" (18/2/1982م).

الإنسجام مع الطبيعة الإنسانية:

... وللفن والأدب خصوصية التأثير في طبع الإنسان، بحكم انسجامه مع الطبع الإنساني، فكل فرع منهما مؤثر فيه حتى لو لم يستطع الشخص المتأثر به أن يفسّره، فالفن والأدب ينجز أثره في النفس، بمعنى أن يغيّر القلب ويترك أثره على الروح، وكلما كان الجانب الفني فيه أقل كلما كان تأثيره أضعف(1).

** ** **

ينبغي تبليغ رسالة الثورة بلغة الشعر والأدب والفن، وهي أكثر أساليب البيان أصالة وتأثيراً، ويمكن تصدير الثورة بها بصورة أيسر وأكثر صدقاً من أية وسيلة أخرى(2).

** ** **

المحتوى وإسلامية الأعمال الفنية

معيار الإسلامية:

ترتبط إسلامية بعض الأعمال الفنية - كالقصة والتمثيلية - بمحتواها، فمثلاً ما هو تعريف القصة أو المقالة الإسلامية؟ إنها التي توضح المعايير والمفاهيم الإسلامية، وإذا لم تشتمل على المسائل الدينية بمعناها الخاص بل تشتمل على قضايا إجتماعية وسياسية وأمثالها، فيجب أن لا تكون معارضة للأصول الإسلامية؛ فإذا التزمتم بهذه المواصفات فهذه المقالة إسلامية، أو على الأقل ليست مضادة للصبغة الإسلامية، ولا مغايرة لها(3).

 

لا إشكال فـي تطوير الأساليب الفنية:

لا يوجد في الجوانب الفنية في كتابة القصة شيء خاص يمكن اعتباره معياراً لإسلامية القصة أو عدم إسلاميتها، فكل ما يمكن به تحسين القصة أو تطوير شكلها الفني فلا إشكـال فيــه، بــل هــو أمــر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من كلمة القائد في جمع من شعراء مدينة مشهد المقدسة (24/3/1986م).

(2) من رسالة القائد للمؤتمر العام الخامس للشعر والأدب (5/5/1985م).

(3) من حديث لسماحته مع أعضاء القسم الثقافي في صحيفة "الجمهورية الإسلامية" (5/2/1980).

راجح، وكذلك الحال مع التمثيلية.

ولكن إذا كان فيها تربية وأفكار منحرفة وإغواء وبهتان وافتراء وفحش، فهي غير إسلامية(1).

** ** **

تصور خاطئ:

من الطبيعي أن يكون العلم المسرحي والفنون المماثلة التي دخلت في بلدنا في العقود الخمسة الأخيرة - أي في فترة غربة القيم الإسلامية ونبذها والهجوم الشامل عليها - قد أقيمت على أسس غير إسلامية، بل إنها نمت في اتجاه مغاير، بل وحتى مضاد للمفاهيم الإسلامية.

فالمغتربون هم رواد هذه الفروع الفنية - بأساليبها الجديدة - وهم الذين عرضوها في بلدنا الإسلامي، وهؤلاء كانوا غرباء، بل ولعلهم معاندون للإسلام، ولذلك ولد تدريجياً في أذهـان الجميـع - ولا سيما الأجيال الفتيّة - تصور أن للمسرح والسينما طبيعة غير دينية، بل مضادة للدين، ولا يمكن ولا ينبغي الإنتفاع منها لعرض المفاهيم الإسلامية(2).

** ** **

مميزات أدب الثورة وفنها:

.... وأحد هذين النمطين من التفكير هو منهج الإسلام المعزول عن النزعات الثورية، لذا ترَون أشعاراً جيدة للغاية قيلت في مختلف المفاهيم الإسلامية، ولكن في المجالات الخالية من الجوانب الثورية.

إن رباعيات "جمال الدين عبد الرزاق" و"هاتف" وعدد من القصائد الأخرى، هي حقاً في درجة ممتازة من الزاوية الفنية، وبعضها في ذروةالإبداع الفني؛ كما أن ما ورد في مقدمة "النظامي" أو في بعض الكتب العرفانية، أو قصائد "سعدي" في التوحيد والأخلاق تضم جميعاً مفاهيم إسلامية، لكنها وعلى الرغم من جودة بُعدها الفني، ليست شعر الثورة، وإن كان من الممكن للثورة الإستفادة منها كما سأتحدث عن ذلك لاحقاً، فهي إسلامية ويتوفر فيها الجانب الفني، لكنها ليست ثورية، حيث لا تلاحظ فيها الأبعاد الثورية للإسلام(3).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) من رسالة للقائد وجّهها للمهرجان الثاني للمسرح الجامعي (5/11/1986م).

(3) من حديث القائد مع المشاركين في المؤتمر الثالث للشعر والأدب للجامعيين الإيرانيين - الجهاد الجامعي (18/12/1986م).

الشكل وإسلامية العمل الفنـي:

وإضافة الى المحتوى، يؤثر الشكل في تشخيص إسلامية أو عدم إسلامية الفن، فمثلاً في فنون الرسم وأمثاله يشخَّص الأمر من جهة المحتوى في كون اللوحة تشتمل على صورة امرأة عارية أو صورة مغرية، أو منظر كاذب واتهامي وغير ذلك؛ أما الظاهر والشكل فهو أيضاً يمكن أن يكون معياراً لمعرفة إسلاميتها، أي نفس الشكل المنحوت، بغض النظر عن كونه نحتاً لإنسان عارٍ أو مستور، فأصل هذا النحت محرّم وفي بعض الفتاوى، فالبحث هنا هو عن شرعية أصل العمل وليس في كون مجسَّمة هذه المرأة عارية أم محجَّبة(1).

** ** **

... في التمثيلية يمكن أن يكون نوع الأداء مؤثراً في معرفة إسلاميتها وعدم إسلاميتها، بغض النظر عن محتواها، فمثلاً ارتداء امرأة لزيّ الرجل وبالعكس محرّم شرعاً، سواء جاءت هذه المرأة لتقرأ آية من القرآن أو للتفوّه بكلمات مثيرة للشهوة(2).

** ** **

تعريف الفن الإسلامي:

إن الفن الإسلامي غير فن المسلمين، وقد أشرت لذلك مراراً في أحاديثي لوقوع الخلط بينهما غالباً، فمثلاً عندما يقوم مسلم بـإعداد قطعة موسيقية أو إنتاج فيلم فهذا لا يعني أنهما إسلاميان حتماً.

الفن الإسلامي هو الذي يتوفر فيه عنصر بنّاء مأخوذ من الفكر الإسلامي... أي أن يتوفر في الشكل الفني وليس في المحتوى فقط شيء مأخوذ من الإسلام ومفاهيمه؛ فابحثوا عن هذا الشيء لكي تستطيعوا العثور على منبع الفن الإسلامي(3).

** ** **

أفضل مضامين الفن الإسلامي المعاصر:

إن نداء هذه الدماء وقصة تضحيات المجاهدين في التاريخ الإسلامي هي أفضل موضوع وخير محتوى يمكن أن يحقق رسالة المسرح في الجمهورية الإسلامية بالمستوى المطلوب، وذلك بمساعــدة الفــن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من حديث القائد مع أعضاء القسم الثقافي في صحيفة "الجمهورية الإسلامية" (5/2/1982م).

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

ووسائله وتقنيته المناسبة(1).

** ** **

إذا كانت قضية أن الفن للشعب وفي خدمته حقيقة وليست شعاراً مجرداً فمما لا شك فيه أن موضوع الحرب يجب أن يشكّل أحد الموضوعات الأساسية لمحتوى الفن اليوم، وفي الحقيقة فإن هذه الحرب هي من أعظم الملاحم المليئة بالصور الفنية والقيم التي جسّدها شعبنا في هذا العصر(2).

** ** **

حضور المرأة فـي العمل الفنـي:

أما فيما يتعلق بالسؤال الذي ورد عن إمكانية حضور المرأة في العمل السينمائي والمسرحي، فيجب القول في الجواب: إذا كان ظهور المرأة في الفيلم أو التمثيلية بشكل غير محرّم في غيرهما فهو أيضاً غير محرّم فيهما، وعليه فاشتراكها في التمثيل في الفيلم أو التمثيلية غير محرّم؛ وغاية الأمر هو أنه يحدث أحياناً أن يحتضن رجل امرأة أجنبية، وهذا عمل محرّم في كل مكان وبضمها في الفيلم والتمثيلية، أو أن تظهر المرأة بحالة مثيرة للشهوة أو تتفوّه بكلمات أو تقوم بحركات مثيرة للشهوة، وهذا محرّم أيضاً. لذا فظهور المرأة في الفيلم أو على المسرح لا مانع منه أصلاً إذا خلا من موجبات الإشكال(3).

** ** **

مظاهر الفن الإسلامي:

.... وعلى سبيل المثال فإن إيقاعات القرآن تشكّل فناً إسلامياً ونمطاً كاملاً من الموسيقى، ويوجد في بعض البلدان العربية أفضل القراء ذوقاً وفناً في هذا المجال، والقرآن يجب أن يُقرأ بهذه الكيفية لكي يوصل مضمونه بصورة صحيحة.

قبل مدة قرأت مقالة لكاتب أجنبي أجاد كثيراً التشبيه في هذا الباب وأورد أمثلة عليه، منها أنه تحدث عن الفن الإسلامي في بناء المسجد وقال: إن قبة المسجد هي نموذج دقيق للفن الإسلامي، فهي تشير الى قيام النظرة المعرفية للإسلام على محور التوحيد، بمعنى أن كل شيء فيها يتحرك حول محور واحد هو "الله"، وعندما يجلس الشخص تحت تلك القبة يشعر بأنه في مركز العالم ويرى نفسه مرتبطاً بجميع الكائنات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقطع من رسالة للقائد وجهها لمهرجان 17 شهريور المسرحي المنعقد (8/9/1984م).

(2) من كلمة القائد الإفتتاحية لمجمع "الأدب والفن في خدمة الحرب" (21/9/1984م).

(3) من حديث القائد مع أعضاء القسم الثقافي في صحيفة "الجمهورية الإسلامية" (5/2/1982م).

والمحراب هو المكان الذي يقف فيه إمام الجماعة ويأخذ بيده - عادة - قرآناً أو كتاباً ليعلّم الناس شيئاً، لذا فهو في مكان يراه الناس، لذا يوضع حتماً فوقه قنديل، إستُبدل بمرور الأيام في المحاريب الجديدة بمصابيح وثريات جميلة، وحتى في المحاريب القديمة كان يوضع قنديل معلّق بسلسلة، وفي ذلك تمثيل لمفهوم {الله نور السموات والأرض} حيث أن {مَثَل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة}.

أو أعمدة المساجد التي جرت العادة على بنائها بصورة تكون قاعدتها أعرض، في كيفية تعيد الى الأذهان صورة نخيل مسجد الرسول الأكرم (ص) الذي أقيم على أعمدة من النخل، ونفس الأمر يصدق على مدلولات طراز المنائر وغيرها، فهي في شكلها المعماري تعتبر من مظاهر الفن الإسلامي(1).

** ** **

متانة الشكل الفني

التعليم الفنـي:

لا ينتهي أمر العمل الفني بـإجادة محتواه فقط، فشكل الأداء الفني مهم أيضاً فالوعاء القبيح يصور ما فيه قبيحاً وإن كان جميلاً في الواقع. وفي العمل الفني لا تكفي الموهبة وحدها في صنع الإطار الجميل بل التعليم ضروري أيضاً وعلى الفنانين الذين يجدون في أنفسهم القدرة على تعليم الأصول الفنية أن يبادروا لمساعدة الشباب(2).

** ** **

إن الشعر، وكذلك سائر الأساليب الفنية، هي مواهب إلهية، فيجب أن تجنَّد لخدمة خلق الله، وأن تكون حاملة للأهداف الإلهية السامية(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) مقطع من رسالة وجهها القائد للمؤتمر العام الرابع للأدب والفن والشعر (16/5/1984م).

(3) مقطع من رسالة وجهها القائد للمؤتمر الأول للأدب الجامعي (18/12/1984م).

الإبداع والتجديد:

.... والأمر الآخر هو أن يتوفر عنصر الإبداع والتجديد في اللغة والتعبير والجمال ومحسّنات (العمل الأدبي) وكذلك في أسلوبه وشكله إذا اقتضى الأمر، وهناك ضروريات أخرى.. لا غنى عنها لتحقق الكمال المطلوب لشعر هذا العصر(1).

** ** **

.... لقد أنشد هؤلاء الفتية نشيدهم مثل المنشدين المحترفين، فحركاتهم وأفعالهم تدل على ذلك، كما أن أصواتهم متناسبة، وهذا أمر مهم في الإنشاد المشترك، إذ أن عدم التناسب يؤدي الى تخريب العمل؛ أما أنتم فقد وجدتم الأصوات المتناسبة(2).

** ** **

إذا صيغت أسمى المضامين في شكل شعري سيئ فلن تحقق تأثيرها المطلوب، وبالطبع فنحن لا نستطيع جعل الإهتمام بمضمون الشعر في الدرجة الثانية، بل يجب أن يستحوذ على الدرجة الأولى فيجب أن يكون المضمون جيداً، ولكن المحتوى الجيد لا فائدة منه إذا خلا من الإبداع الشعري الفني الجيد ولن يستطيع القيام بالمهمة الأساسية للفن وهي التبليغ(3).

** ** **

.... إنني أخاطب الأشخاص القادرين على إنجاز الأعمال الفنية المؤثرة الذين يجتهدون في تبليغ رسالتهم الفنية، أن من الضروري أن يستفيدوا من الأساليب الفنية الجيدة والتقنية الصالحة والمؤثرة في كافة الفروع والمجالات الفنية والأدبية(4).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقطع من كلمة القائد في المؤتمر الأدبي "شاهد" الذي أقامته مؤسسة الشهيد بتاريخ (3/2/1987م).

(2) من حديث لسماحته بعد إجراء برنامج أناشيد في مقر محافظة شيراز (28/11/1987م).

(3) من المقابلة الصحفية التي أجرتها مع سماحته معاونية وزارة الإرشاد الإسلامي الإيرانية (21/4/1985م) حول موضوع العمل السينمائي، ونشرتها مجلة "صحيفة" الصادرة في نيسان 1985.

(4) من كلمة القائد ألقاها في مراسم خاصة بمناسبة ذكرى تأسيس منظمة الإعلام الإسلامي (22/6/1987م).

الفن فـي ظل الحكم الطاغوتي

مظلومية الفن:

كان الفن في العهد السابق مظلوماً، لأنهم عزلوه عن القيم والأهداف الإنسانية، فلقد أقاموا حكمهم على الترهيب والترغيب، وكانوا محتاجين لوسائل تعينهم على إبقاء عرشهم وسلطتهم؛ وكان الفن مسخّراً لخدمة أهداف السلطويين والذين يكنزون الذهب (الأثرياء)، فاستخدموه أداة لتسويغ مسلكهم وسلوكياتهم كلما احتاجوا لذلك وحرية ضد القيم الأصيلة ووسيلة للتخدير والتضليل على كل حال.

والحالة الوحيدة التي يكون فيها الفن في خدمة الأصول والقيم الحقيقية، هي أن يجتمع في الفنان الإيمان والجرأة، وهذه كانت حالة يندر تحققها واستمرارها(1).

** ** **

الثورة الإسلامية وتحرير الفن:

لقد حررت الثورة الإسلامية الفن من أغلال الظلم، ولكن إزالة سلاسل الثقافة الغربية المنحطة والغاوية عن أعناق الذين اصطبغوا وتعلّقوا بها أمر صعب، ومن قيود هؤلاء الفنانين الذين تربَّوا في ظل نظام الظلم الملكي المنحط، لذا يجب اعتبار الفن الذي نما في بوتقة القيم الطاغوتية بأنه خطر مهدِّد(2).

** ** **

إستخدام الفن لمحاربة الإسلام:

في فترة أواخر الثلاثينات وعلى مدى عقد الأربعينات(3) - وهي الفترة التي شهدت توجه النشاط المسرحي والسينمائي الى الإمتزاج باتجاهات يسارية أيضاً - إزداد وضوح ظهور المشاهد المضادة للدين فيه. والجدير بالعلم هو أن السلطة المتجبّرة عمدت - بعد تأجج شعلة نهضة العلماء في سنة 1341 هـ.ش (1962م) - الى تأييد أي تحرك مضاد للدين حتى لو كان يسارياً، وذلك بهدف استغلاله لمواجهة انتشار الإسلام الثوري بين جيل الشباب(4).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من رسالة للقائد الى المؤتمر الأول للمسرح الجامعي (7/8/1987م).

(2) تقارن العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين الميلادي.

(3) المصدر السابق.

(4) من رسالة القائد الى المؤتمر الثاني للمسرح الجامعي (5/11/1986م).

غربـة الفـن:

على مدى الأعوام التي سبقت انتصار الثورة كان الفن يعيش نوعاً من الغربة لأنه لم يكن في محلّه ومجراه الأصلي، ولا أقصد أننا لم يكن لدينا فن شعبي أصلاً، ففي كل حال يوجد مَن يُنفقون ما عندهم في محلّه الصحيح، ولكن الوضع العام للفن في المجتمع لم يكن كذلك بل كان في خدمة أصحاب السلطة والحكام... وكانت كافة وسائل وأدوات العمل الفني ومصادر الإبداع الفني لدى بني الإنسان وفي كل مكان ومن كل صنف ونوع تحت سيطرة السلطات(1).

** ** **

عندما وقعت الثورة تبدّل كل شيء وفي كل مجال، وبضمنها العمل الفني، ولنتجاوز عن تلك العدة من الفنانين، الذين ظلوا محجمين عن مواكبة حركة الشعب، والعمل في خدمته وإدراك أهدافه وآماله ومطالبه أولاً ثم الإستجابة لها ثانياً(2).

** ** **

الفن المعادي للشعب:

محفوظ للشعب دوماً حق مسائلة بعض الأدباء الأدعياء عن سر انفصالهم عنه في تلك الأيام التي لم يكن هناك أي حاجز بينهم وبين هذا الشعب الرحيم والمقدِّر للمبدعين في وطنه؟! ما هو نقصهم الذي جعلهم يحجمون عن قول شيء في تلك الأيام التي شهدت تلك التحركات الإنسانية العظيمة لأبناء جلدتهم والتي أجبرت العالم أجمع على الإعراب عن الإعجاب والتمجيد؟ وما الذي دعا بعض مدّعي الأدب الى الخطابة والكتابة خلافاً لقناعات ومطالب شعبهم؟(3).

** ** **

لا ريب أن الشعر والأدب والفن قد استُخدم - وكسائر مظاهر جمال الحياة - لخدمة الحكام والطواغيت، في ظل وساوس الترهيب والترغيب، وبما يجلب الأضرار لخلق الله، ويخدم أهواء أرباب السلطة والثروة. ولكن وعلى الرغم من هذه المظاهر القبيحة التي ألصقها الأشرار ومعلمو السوء بوجه هذه الموهبة السماوية فإنهم لن يستطيعوا أبداً تدمير لطفها وقيمتها الحقيقية؛ فلم يستطع الذيـن فتحـوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من كلمة القائد في مراسم افتتاح مجمع "الأدب والفن في خدمة الحرب" (21/9/1984م).

(2) المصدر السابق.

(3) من بيان القائد الى المؤتمر العام الرابع للشعر والأدب والفن (16/5/1983م).

أفواه المدح للظالمين على مدى التاريخ، أو الذين اتخذوا الشعر وسيلة لترويج الفساد وأداة للقبح والرذيلة، أن يسحقوا كرامة الشعر، بل إن ما قاموا به هو فضح أنفسهم(1).

** ** **

التشجيع المخادع:

في السابق لم يكن تشجيع الشعر والأدب أكثر من خدعة، فهو تشجيع لم يكن يشمل سوى الذين كانوا على استعداد لفرش "تلك الحلّة المغزولة من القلب والمحاكة بالروح" تحت أقدام الجبارين واستجلاب قلوب آلهة السلطة والذهب باستغلال هذه الموهبة الإلهية القيّمة... وثانياً إن أيدي الترهيب والترغيب والتضليل قد أغلقت العيون عن رؤية الآفاق الجميلة النيّرة التي أقيم عليها المفهوم الإلهي للمجتمع وللإنسان(2).

** ** **

إن الشاعر والأديب والفنان، القادر على رؤية الحقائق بعينه البصيرة ورؤيته الدقيقة ثم تحويلها في "مصنع" ذهنه الخلاّق الى شكل بديع وعرضه على بني الإنسان، كان يرى (في العهد السابق) أن الواقع الحياتي لمجتمعه مليء بالتوافه والفساد والظلم والعدوان والشقاء والجهالة والعصبية الجاهلية والتطلعات الحقيرة وأماني الغفلة والأوهام، وكان يرى أن المال والشهوات الجنسية والترف الحيواني هي أكثر البضائع مرغوبية في قيم ذلك النظام... وكان الشاعر والأديب والفنان مجبوراً على الخضوع لذلك والإستسلام أو الإعتزال أو الإنسياق الى الإتجاه الذي كانت تريده السلطة السياسية؛ وكان هناك كثيرون ممن لم يقبّلوا صراحة أيدي السلطويين، لكنهم كانوا يكتحلون عملاً بغبار طريقهم!! ولذلك كان حال الشعر والأدب والفن في العهد السابق باعثاً - حقاً - للأسف والأسى والحسرات(3).

** ** **

لقد لوثت الأيدي الخبيثة آلاف الينابيع المتفجرة ليس فقط في عهد حكم الظلم الملكي - وهو الذي مثّل ذروة المحنة والمصاب - بل على مدى قرون طويلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من رسالة القائد الى المؤتمر الأول للشعر والأدب الجامعي (18/12/1984م).

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

نحن شعب لا نقلّ في جانب المواهب الفنية عن سائر الشعوب الأخرى وعلى حد اطلاعي على القضايا الأدبية والفنية أرى أن لنا سابقة طويلة، والمضامين الموجودة في أشعارنا وقصصنا وبعض المجالات الأدبية والفنية الأخرى، ومنذ قديم أزمان شعبنا وبلدنا، هي مضامين سامية... وحتى في عصرنا، وفي عهد المحنة العظمى للشعب الإيراني حيث جاؤوا بالنظام الملكي البهلوي، ونهبوا كل شيء، كنا نرى مواهب قوية للغاية في مجالات الشعر وكتابة القصة والأفلام والتصوير وغيرها.. ولكن أيدي الناهبين الملوثة لوثت هذه الينابيع، بحيث أنها لم تعد تروي الظمأ وتشفي الجرح، بل وأكثر من ذلك أصبحت سامة قاتلة(1).

.... وهناك أيضاً أفكار غير إسلامية ومعادية للإسلام، أمثال التي دخلت آدابنا خلال الأربعين أو الخمسين عاماً المنصرمة، وبعضها ماركسية، وبعضها معادية للإسلام مباشرة ولها ميول للثقافة الغربية والتحديث الغربي، كما هو حال بعض الأشعار التي أنشدها بعض شعراء أوائل هذا القرن (الهجري الشمسي) فقد أنشدوا أشعاراً حملت أفكاراً أرادوا ترويجها، وهي لا تحمل أي صبغة إسلامية، بل إن قسماً منها معادٍ للإسلام بصراحة... ويوجد اليوم أيضاً شعراء يتابعون نفس تلك المناهج.

** ** **

إذاً، فالشعر الذي كان يحمل في ذلك العهد هدفاً ورسالة ما، كان خالياً من الروح الثورية الإسلامية، هذا إذا كان إسلامياً؛ أما إذا لم يكن كذلك فأمره واضح. وعليه، فلا يوجد بينها ما ينفع ثورتنا، وليس هو شعرها(2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من كلمة القائد في مراسم افتتاح مركز الفكر والفن (6/3/1985م).

(2) من حديث القائد مع أعضاء المؤتمر الثالث للشعر والأدب الجامعي في عموم إيران الذي أقامه "الجهاد الجامعي" (18/13/1986م).

المهام الراهنة والمستقبلية

الحرب الفنية:

أزيلوا الصورة المشوّهة لثورتكم التي رسمتها أقلام أولي السوابق السيئة أو القلوب الخبيثة من الرموز المعروفة لملوّثي صفاء الطينة الإنسانية، سواء في داخل البلد أو أي بقعة من أرجاء المعمورة؛ والذين يواجهونكم ليسوا تلك الشرذمة من الفنانين والأدباء الأشقياء مسودي الوجوه الذين تنكّروا للثورة فحكموا على أنفسهم بالفناء، بل هناك جيش كبير من الوسائل الفنية العالمية التي تتحكم بها قبضة السياسات الإستكبارية(1).

 

** ** **

الإستفادة من ثمار الثورة:

مما لا شك فيه أن الثورة الإسلامية ستتمكن بعد فترة وجيزة من تقديم أفضل النتاجات الفنية في هذا المجال للعالم، وتوصل للبشرية إحدى أقيـَم هدايا المنهج الإلهي والإسلامي، وذلك إذا ما شد شبابنا المؤمن أحزمة العزم والجد، وجنَّد ذخائر القيمة من المواهب، واستفاد من الأرضية الملائمة التي هيأتها له الثورة، وانتفع من الوقائع البديعة الفريدة التي قدّمتها له ميادين الثورة والحرب المفروضة، وأحس بالحاجة الشديدة للفن التمثيلي في ترسيخ ونشر المفاهيم الثورية، وقام بالإستفادة من كل ذلك في العمل المسرحي والسينمائي وتطويره وتطوير أساليبه ومضامينه(2).

** ** **

من المؤكد أن ما يجري في مجتمعنا سينعكس في المرايا الصافية لذوق ومواهب فناني وأدباء هذا العصر؛ وبالطبع فإن على الفنان والأديب المثقف واجب القيام بالمزيد من صقل وتصفية وتنوير هذه المرآة...

ومعلوم أن هذه المرآة لا تعكس دوماً الحقائق الواقعية بصورة دقيقة فأحياناً تظهر معوجّة، ولكن الحقيقة ستتضح يوماً، وسيُفضح الذين سعَوا لتشويهها وحرفها(3).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من كلمة القائد الإفتتاحية في مركز الفكر (6/3/1985م).

(2) من رسالة وجهها للمؤتمر الثاني للمسرح الجامعي (5/11/1986م).

(3) من حديث القائد خلال تفقده مجمع "الأدب والفن في خدمة الحرب" (21/9/1987م).

نحن نعتقد أن الفنان والأديب الشاب، الذي أودع قلبه لدى الثورة وجنّده لخدمتها وخدمة أهدافها وقيمها وهو يتحدث عنها بصدق، سيصبح المؤرخ الخالد لتاريخ هذا العصر وحقائقه(1).

يمكن أن تصبح نتاجاتنا الثورية إذا طوت مسير نموّها وتطورها الحالي نموذجاً للأعمال الأدبية في هذا العصر؛ وإن الشاعر والفنان الناضج الذي ترعرع في مهد الثورة الإلهية والجماهيرية، وتعلّم نظامها القيّم السامي في ظل صفاء وقدسية الأجواء الخاضعة لحاكمية الوحي الإلهي، هو الأقدر من الجميع على تصوير طموحات حياة الإنسان المعاصر ونقاط قبحه ونقاط جماله، ورسم الطريق الذي يوصله الى السعادة والفلاح والسمو الحقيقي(2).

** ** **

... وبالطبع فإن الفن الثوري لا زال فتياً لم يمر بالتجارب المكسبة للخبرات؛ وإن من طبيعة هذا الوليد الفتي والبرعم اليافع أن ينمو بصورة تدريجية؛ وتقع مسؤولية تنمية هذا البرعم عليكم أنتم أيها الأعزاء من الفنانين والشعراء وكتّاب القصة والعاملين في المجال التمثيلي والسينمائي والرسم وكافة الفنون الجميلة، وهذا واجب لا يخرج عن إطار إلهامكم الداخلي، بل هو يشكّل عملاً بمسؤوليتكم الفنية والأخلاقية(3).

قوة الشكل والمحتوى:

أيها الأعزاء، إنتبهوا الى حقيقة أن الفن والأدب الذي يقدَّم اليوم بعنوان "الفن والأدب الإسلامي والثوري" هو وجه الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية، لذا يجب أن يكون غاية في القوة في تقنيته وأساليبه ومحتواه... والأمل (أن) نحقق هذا المستوى الرفيع بعد بضعة أعوام، كما يجب أن يكون تطور المحتوى مقترناً بتطور الأسلوب(4).

** ** **

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) من بيان القائد موجه الى المؤتمر الأول للشعر والأدب للجامعيين (18/12/1984م).

(3) من خطاب القائد ألقاه خلال افتتاح مجمع "الأدب والفن في خدمة الثورة" (21/9/1984م).

(4) المصدر السابق.

تعميق قيم الثورة:

إن الثورة الإسلامية باقية لأن دعامتها هو التأييد الإلهي والشعبي، ويجب أن يكون نتاجكم الفني والأدبي باتجاه تعميق قيمها؛ وعليكم أن تصنعوا من وسائلكم الفنية سيفاً تستأصلون به الخبائث والشوائب لكي تفتحوا وتُعبّدوا بذلك سبيل تنامي الطهارة والإخلاص والتقوى في المجتمع(1).

** ** **

لقد فُتح أمام الجميع اليوم ميدان اختبار إبداعهم الفني بعد تحقق حاكمية القيم الإلهية ودخول جماهير الشعب في ميادين الحياة الجادة والحقيقية، وأكبر مشجع لهم في هذا الإختبار هي الأجواء الثورية لثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة، تسندها أيدي الشعب وقلوبه"، فالمفاهيم والأهداف الثورية والملاحم الجماهيرية هي أوسع ميدان لجولان ذهن الشاعر والفنان، وكل ذهن خلاق يستطيع أن يشاهد في نبل الشعب وبسالته في مقارعة ذئاب الإستكبار المتوحشة وتحطيم آلهة السلطة والثروة والخداع، سعياً للحياة الكريمة؛ وأن يرى في صفاء قلوب الشباب وصلابة واستقامة الأمهات في رفع راية الدفاع عن المستضعفين في سائر مظاهر الثورة الإسلامية أشد صور الفضائل سحراً وتأثيراً، ويجسّدها للآخرين بـإبداعات ذهنه الخلاّق؛ وهذا أدنى ما تتوقعه الثورة من الشاعر والأديب والفنان في هذا العصر، فعيون الثورة لن تتطلع للذين كانوا يقولون "نحن ضد الطاغوت" لكنهم ساروا عملياً معه، بل إن جلّ اعتماد الثورة هو على الطاقات التي أنجبتها الثورة وترعرعت في مهدها(2).

** ** **

لقد لوّثت الأيدي القذرة الخائنة آلاف العيون الفنية المتفجرة... ونحن نرى اليوم عن قرب الآثار الثقافية لما كان يُصطلح عليها بالحركة الأدبية والفنية للعهد البائدة، لذا فإنكم تتحملون مسؤولية جسيمة، وبالخصوص أنتم الفنانون والأدباء وسائر الفنانين والأدباء من غير الحاضرين هنا، ومهمتكم صعبة ولا شك. ولكننا وبفضل الله نحظى بميزة مهمة، وهي الثورة، وهي ميزة عجيبة تشبه أجواء الربيع، فالزهور تنمو حتى في السندانة الموضوعة في غرفة ولكن لا يمكن مقارنة نموّها هنا بنموّها في الحقول الواسعة حيث تمنحها أمطار الربيع وأشعة الشمس وبركة الأرض الخصبة طراوة خاصة وسرعة مضاعفة في النمو(3).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من رسالة القائد للمؤتمر العام الرابع للشعر والأدب والفن (16/5/1984م).

(2) من رسالة لسماحته للمؤتمر الأول للشعر والأدب الجامعي (18/12/1984م).

(3) من كلمته الإفتتاحية لمركز الفكر والفن (6/3/1985م).

المنجم الغنـي:

إن طاقات الشعب كنز لا يفنى ومنجم ثمين لا ينفذ، وقد سعى البعض الى إساءة استغلاله. أما اليوم فهذا المنجم الثري هو تحت صرف الثورة والإسلام، وهو منجم ذوق ومواهب وإبداعات الفن الإنساني... فاستخرجوا منه - ما أمكن - الأفضل والأنقى والأخلص من الغش، واصنعوا، وأنتجوا(1).

** ** **

لدي إيمان راسخ وجازم في أعماق القلب بأن مستقبل الفن والأدب في هذا البلد سيكون أكثر عطاءاً وأفضل نوعية، مثلما شاهدنا في المجالات الأخرى، حيث إنجازات قوانا العسكرية وشعبنا في ميادين الحرب وفنون القتال والمقاومة؛ وأنتم ترَون اليوم عظمة ذلك وعظمة الملاحم الفريدة التي تشهدها ميادين الجهاد، وأنتم تتولَّون مهمة تسجيل وتصوير هذه الوقائع، فهذا ما لا يستطيعه أيٌ كان؛ بل إن رواياتكم وقصصكم هي القادرة على تجسيد روعة وجمال هذه الملاحم للعيون، لذا فعليكم أن تُقوّوا - ما استطعتم - طاقاتكم الفنية، وتزيلوا مختلف مواطن الضعف، فلا تتهاونوا في ذلك(2).

** ** **

الهدم والبناء:

لن يكون ممكناً تلافي الأضرار التي ألحقها عهد التسلط الثقافي دون جهادكم الدؤوب، أنتم الشعراء الواعون والرساليون، ولن يتحقق بدونكم تفتّح وتفجّر الشعر الثوري بالصورة المطلوبة. لذا يجب:

أولاً: يجب تشغيل كامل السعة الأدبية للمجتمع، والتعرف على المواهب، وتربيتها، وإعادة الطاقات المنسية التي لـفّتها أيدي الغفلة أو التغافل، إذا كانت سليمة.

ثانياً: ينبغي أن يصل الشعر الى الجزالة والقوة اللازمة، ويطهر بالكامل من التوافه والضعف والجمود.

ثالثاً: يجب الإهتمام أكثر - في الموضوعات والأهداف الشعرية - بالقضايا الراهنة المهمة للمجتمع، وكذلك بالمعارف الإسلامية، وهي عامل رسوخ وثبات النظام الإسلامي، فيتحرك الشعر في مواكبة كاملة لحركة الثورة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق.

رابعاً: ينبغي التجديد والإبتكار والإبداع في اللغة الأدبية والصورة التعبيرية والتشبيهية والمحسّنات(1)....

** ** **

الفن العصري:

إن الفن الإيراني اليوم هو فن المقاومة لا الإستسلام والخضوع، ومثل هذا الفن يستلزم أساساً الوعي ومعرفة خصوصيات العصر وكذلك الشجاعة والجرأة في مواجهة الهجمات الوحشية التي فيها كافة الوسائل لقمع وإذلال شعبنا(2).

** ** **

لا يمكن أن يكون لبقايا فن عصر الطاغوت - الذي شكّل الإستسلام للهجوم الثقافي الأجنبي روحه وميزته الأساسية - دور في بناء الثقافة الثورية والفن الثوري في هذه الحقبة(3).

** ** **

يجب البدء بتحرك عملي شامل ودؤوب على صعيد التعليم والتربية الفنية؛ وعلى المسؤولين المتصدين للشؤون الثقافية والفنية في الحكومة أن يضعوا الإمكانات اللازمة تحت تصرف الفنانين والباحثين في هذا المجال(4).

حادي قافلة الثورة:

إن استمرار هذه الحركة الجامعية يبعث الأمل بتنامي وتفتّح شجرة الشعر الثوري الفتي... إن روح هذه الحركة التضحوية يجب أن توجِد قدوة ونموذجاً بارزاً وواضحاً في مضمون الشعر والأدب الفارسي وفي أساليبه أيضاً وفي الحقيقة فإن شعر عهد الثورة ينبغي أن يكون حادي قافلتها(5).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من بيان للقائد وجهه لمؤتمر الشعر والأدب الذي أقامته "نهضة مكافحة الأمية في خراسان" (1/10/1985م).

(2) من بيان لسماحته وجهه للمؤتمر العام الخامس لشعر والفن (5/5/1985م).

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السابق.

(5) من رسالة لسماحته وجهها الى مؤتمر الشعر والأدب الجامعي لعموم إيران (18/12/1985م).

إن الشعراء الشباب يستطيعون أن يصبحوا - من خلال نتاجاتهم الشعرية - مرآة عاكسة لكافة أهداف ثورتهم وسياساتها وأساليبها وحقائقها... وشعوب العالم ترى اليوم في ثورتنا وشعبنا وبلدنا ونظامنا قدوة لها، وكثيرون هم الذين يريدون أن يرَوا مصيرهم في مرآة هذه الثورة(1).

** ** **

الفن والأدب الشعبـي:

يجب أن نعلن مواقفنا بحزم وقوة ونقول: يا كتّاب وصنّاع الأفلام والتمثيليات! إذا أردتم حقاً مواكبة هذه الثورة والشعب فعليكم بمعرفة عقيدة هذا الشعب والتحرك وفقها لتصبحوا شعراء وكتّاباً وفنانين شعبيين؛ أما إذا بقيتم في البروج العاجية وواصلتم كتابة نفس الأفكار القديمة فستظلون منفصلين عن الشعب وتُعزَلون؛ ولأن هذه الحكومة شعبية فإذا اعتزلتم الشعب فستصبحون غرباء في كل مكان(2).

** ** **

ضمن الرسائل التي تصلني، وصلتني رسالة من شاعر معروف لا أريد ذكر اسمه وفيها - وبعد أن شكر اهتمامنا بالشعر - يشكو من أن أحداً لم يهتم بأمره رغم أنه أنشد بعد الثورة عدة قصائد..! وعندما قرأت هذه القصائد وجدته يبشّر في إحداها بـ"بقرب رحيل هذا الخريف"!! فقلت لأحد الإخوة أن يكتب في الجواب على رسالته: إن نظرك ضعيف الى درجة توهمك أن هذا هو عهد "الخريف" فلا ترى هذا الربيع المزهر، ورغم ذلك تشكو من انفصالك عن الشعب!!

لقد حل الربيع ولكن أيدي السرّاق هاجمته لاقتطاع زهوره، لذا فالواجب هو مواجهة هذه الأيدي وإخراج الحمار الذي دخل هذه الرياض، وليس إنكار أصل وجود الربيع الذي أزهر بخضرته وجماله، لكنك أنت الذي لا تستطيع رؤيته!

وتقول إن الفجر سيأتي؛ فأي بصر لديك وأنت لا ترى هذا الفجر الصادق الذي انفلق؟!

وقد رد هذا الشاعر برسالة ثانية أعرب فيها عن سروره الكبير وقدّم فيها توضيحات لأقواله؛ وقد أجاب ذلك الأخ عليها برسالة بليغة للغاية(2).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) من حديث القائد مع أعضاء القسم الثقافي في صحيفة "الجمهورية الإسلامية" (15/2/1982م).

(3) المصدر السابق.

.... وعلى أي حال، فالفنانون هم من الفئات الحريصة أكثر من الجميع على أن يعرف الآخرون قدرها، وهذا هو سبب الحالة التي ترَونها في الفنان والأديب من كونه شديد التأثر سريع الأذى مرهف الحساسية، فهو عندما يتحدث مع شخص ويرى أنه لا يُفهم كلامه يتأذى بسرعة ويقول لنفسه: ماذا أقول لمن لا يفهم قولي، لذا يجفوه ولا يعكف نفسه عناء النقاش والبحث(1).

** ** **

الفن وتبليغ العقائد:

... ويمكن إعطاء موضوع ما لكاتب أديب أو فنان ليخرجه بأسلوب مبتكر عبر الإستفادة من فنه؛ وليس في ذلك تحديد له ليقال إن فئة جاءت لتقييد الفنانين بالأغلال وتحديدهم وسلبهم الحرية، وإن الفن لا يمكن إخضاعه لأُطر العقائد والتيارات الفكرية. إن هذا كذب محض، فالفن كان على الدوام أفضل أساليب تبيين العقائد. وعليه، يجب تجهيز الفنان والأديب بالأولويات التي يحتاجها المخاطبون اليوم(2).

** ** **

يجب القول بأننا قصّرنا كثيراً في العمل قبل الثورة فيما يرتبط بالمجال الفني والأدب وإعداد الكوادر الكفوءة في هذا المجال، وهذا ما يجب تلافيه الآن(3).

** ** **

أخاطب القادرين على إعداد الأعمال الفنية والأدبية المؤثرة وتبليغها بأن عليهم أن يجتهدوا في العمل في هذا المجال ويستفيدوا من الأشكال والأساليب الفنية الجيدة والمؤثرة في مختلف الفروع والمجالات الفنية والأدبية(4).

** ** **

يجب تنقية ثقافة شعبنا المستندة على أسس ورؤية إسلامية من الأفكار الموروثة من عهد الإنحطاط الثقافي السابق، وهي موجودة بلا شك حالياً وتشتمل على شوائب مضرة... فعلينا العمل بما يؤدي الى خبرات تخلّفنا الثقافي الموروث الذي ابتُلينا به على مدى قرون عديدة وبالخصوص في العهد الأخير(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) من كلمة القائد في مراسم ذكرى تأسيس منظمة الإعلام الإسلامي (22/6/1987م).

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السابق.

(5) من كلمة القائد بمناسبة المرحلة الرابعة لمعرض كتاب السَنة (شباط 1986م) بمناسبة احتفالات عشرة الفجر.

(الفصل الثاني)

مسألة الغناء والموسيقى

.... أما فيما يتعلق بالموسيقى والغناء، فعليّ أن أعترف بأننا لم نقدّم الى الآن جواباً واضحاً وكاملاً بشأن هذه المسألة؛ في السابق كنا نعتقد - ولا زلت على هذا الرأي - بأن الموسيقى المخصصة والمختصة بمجالس اللهو محرّمة، وكنا آنذاك نتصور أن الموسيقى الغنائية مختصة بمجالس اللهو، ولكن ما هو حكم الأدوات الحماسية أو طريقة "أبو عطا" أو "همايون" وأمثالهما؟

إن جميع الحناجر الإنشادية يُخرجون أنغاماً تنطبق مع هذه الأجهزة (الإيقاعات) الإثني عشرة.

إذاً، فهذه ليست محرّمة؛ والموسيقى ليست سوى هذه الأنغام والإيقاعات والأطوار. وعليها، فهي ليست محرّمة إلا إذا داخلها شيء محرّم(1).

** ** **

... ثم ظهر فيما بعد رأي كنا نحن أيضاً نقول به على نحو الإحتمال، وكان يقول به أيضاً سماحة الشيخ المنتظري عندما كان منفياً في "طبس"، وعندما قال به سماحته قَوِيَ لدينا، وهذا الرأي هو: إننا عندما نقول إن الغناء محرّم في شرع الإسلام فالمشار إليه هنا هو المحتوى وليس الشكل؛ وأساساً إذا أردتم البحث عن مصداق الغناء فلا تدرسوا الموسيقى من زاوية شكلها لتقولوا بأنها حرام أو حلال، بل ابحثوا في المورد من زاوية المحتوى، بمعنى أن الغناء قضية محتوى لا شكل؛ فـإذا بيـّنتم مضمونـاً توحيديـاً بأجمل الأغاني أو بأي صورة أخرى فهذا ليس محرّماً، ولكن إذا تحدثتم عن مضمون محرّم فيه معصية عبر موسيقى رزينة ولحن مقبول فهذا غناء (محرّم)... وبالطبع فهذا الرأي ليس بعنوان فتوى ونحن أيضاً لم نثبته بهذا العنوان(2).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من حديث القائد مع أعضاء القسم الثقافي في صحيفة "الجمهورية الإسلامية" (15/2/1982م).

(2) المصدر السابق.

.... كان هذا هو المطروح عندنا سابقاً؛ أما الآن فالمطروح هو: أنه نُقل عن الإمام إنه قال بشأن بعض موارد الموسيقى، حتى المقترنة بأنغام الآلات الوترية: "لا إشكال في هذا المقدار". ونستنبط من رأي الإمام أن أنغام الآلات الموسيقية الوترية ليست محرّمة على نحو الإطلاق، وكذلك الأغاني المنشَدة، أي لا إشكال في التي تشتمل على محتوى سليم وتُنشَد بأنغام مناسبة، أما إذا كانت الأنغام قبيحة غير مناسبة والمضمون غير سليم فكل منهما سبب للحرمة.

وبالطبع ينبغي أن أشير الى أن الأنغام عموماً تُخرج الإنسان بمقدار عن حالة الجدّ، وهذا طبع الموسيقى، فلا ينبغي إنكار الواقع، اللهم إلا إذا كان محتواها من القوة بحيث لا يسمع بحدوث ذلك، كما هو حال القرآن، فاللحن القرآني له هذه الخاصية فهو يبعث الروح في المقروء ويبرزه أمام الإنسان ويدخله ذهنه كلمة كلمة، ويجري في الروح جريان الماء، وبذلك يزيل تلك الحالة السلبية (الإخراج عن حالة الجدّ) الناتجة من صوت جميل مثل صوت الشيخ مصطفى إسماعيل مثلاً.

أنا نفسي عندما سمعت للمرة الأولى نشيد المرحوم الشهيد البهشتي رأيت أنه أخرجني بالكامل عن حالة الجدّ (الواقعية)، وذلك بملاحظة ذكرياتي الخاصة وسوابقي الذهنية التي جعلت موسيقى هذه الأنشودة ومضمونها تؤثر في أكثر من الشخص العادي الذي لا اطلاع له على هذه القضية (ولا معرفة له بالشهيد): والآن أيضاً عندما يُبَث هذا النشيد أسرح في عالم الذكريات والذهنيات وهذه حالة قد لا تكون لطيفة(1).

** ** **

السؤال الآخر هو: لم يُتخذ الى الآن موقف واضح بشأن قضية الموسيقى في المجتمع الإسلامي، وهناك اختلاف في التعامل مع هذا الموضوع بين المسؤولين والآيات العظام، فلماذا؟

الجواب: هذا من الإشكالات الصحيحة بالكامل؛ وأعترف بأننا كان ينبغي أن نحدد موقفاً واضحاً تجاه موضوع الموسيقى قبل الآن بأمد طويل. ولا بد هنا من أن أقول لكم: إن المحرّم في الإسلام هو الغناء وليس الموسيقى، فالموسيقى هي كل نغمة وصوت يخرج من حنجرة أو أداة معيّنة وفق أسلوب معيّن، والمحرّم هو نمط خاص منها هو الغناء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

وسبب اختلاف الآراء هنا هو أننا نفتقد الآيات والأحاديث الصريحة التي تحدد تعريفاً كاملاً للغناء، لذا يختلف الإستنباط الفقهي بهذا الشأن، فمثلاً المرحوم آية الله العظمى البروجردي (رضوان الله عليه) كان يعتقد بأن الغناء يعني الأنغام والأنماط الموسيقية والأنشودات الخاصة بمجالس اللهو والتسلية فتُقرأ فقط فيها، فهذه محرّمة حتى لو قُرأت في غير هذه المجالس، وكنا نطبّــق هــذا المفهــوم - الى آخر حياة المرحوم آية الله البروجردي - على الأنغام والأغاني التي كانت متعارفة في ذلك العهد (عهد الحكم الملكي)، وكنا نعتبرها مصداقاً لا شك فيه للغناء (المحرّم). أما الموارد الأخرى فلا يقين في كونها مصداقاً له(1).

لسماحة آية الله الشيخ المنتظري استنباط فقهي لطيف جداً بشأن موضوع الغناء، فقد زرته عندما كان منفياً في "طبس" وسمعته منه للمرة الأولى هناك، يقول سماحته: إن الغناء قضية محتوائية. وهذا ما يستنبطه من الآيات الكريمة والروايات الشريفة المستندة إليها؛ بمعنى أنكم لو قرأتم شيئاً ذا مضمون سيئ بهذه الأنغام والموسيقى الخاصة فهو محرّم، ولكنه إذا كان مضمونه جيداً ولا يصدق عليه مفهوم {لهو الحديث} و{ليضل عن سبيل الله بغير علم} فهو ليس غناءاً وليس حراماً؛ وبالطبع فهو لم يطرح ذلك على نحو الجزم والقطع بل أطلعنا على استنباطه الفقهي، وقد نقلناه عنه في الكثير من الأماكن. وقد سألته مؤخراً: هل تتذكرون رأيكم الفقهي الذي أخبرتنا به آنذاك؟ فأجاب بالإيجاب. ويتضح أن رأيه بهذا الشأن لم يتغير.

أما في موارد الشبهة والشك بأن هذا المورد هل هو غناء محرّم أم لا؟ فهنا "شبهة مفهومية" حسب اصطلاح علماء الأصول ومعظمهم يُجرون حكم "أصل البراءة" عليها، بمعنى أننا حيثما شككنا بأن هذا المورد هو غناء محرّم أو لا فعلينا القول بالنفي وعدم الحرمة.

ولكن إضافة لكل ذلك، من الضروري جداً أن نقوم بعمل تحقيقي صحيح في هذا المجال، وهذه مسؤولية الفقهاء. وقد قلت مراراً لإخوتنا الكبار من الفقهاء والأساتذة: إننا الآن لا نملك الفرصة اللازمة للبحث في هذه القضايا، وليس لدينا المجال اللازم للنشاط العلمي والفقهي، لذا فعلى الإخوة في قم من الفقهاء والخبراء الإسلاميين أن يعمدوا للبحث وحل مسألة الغناء والموسيقى للناس(2).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من ندوة أجاب فيها سماحة القائد على أسئلة الحاضرين في جامعة طهران (16/12/1987م).

(2) المصدر السابق.

يجب شكر السيد "توكلي" على جهوده حيث أعدّ نتاجاً قيّماً للغاية للثورة، فكل واحد من هذه الأناشيد التي أُنشدت هو نتاج قيّم للثورة، وكل جزء من أجزاء هذا النشيد هو عمل فني إبداعي حقاً من الشعر والموسيقى وتشكيل مجموعة الإنشاد وإنشاده بهذا الإختيار الجيد. لذا يجدر بنا شكر هذا الرجل الكادح الصابر - حيث لا يمكن إنجاز مثل هذه الأعمال دون الصبر وتحمّل المشاقّ - ويجدر أن نقدّم التبريكات لهم على نجاحهم في إنجاز هذا العمل الفني بصورة جيدة والحمد لله.

كما أن جميع أفراد فرقة الإنشاد الأعزاء قد أجادوا أداء مهامهم، وقد دقّقت النظر في التلفزيون عند بث هذه الأناشيد فوجدت عمل وأداء هؤلاء الفتية المكرمين يدل حقاً على النضوج والتمرس مما يدل على جهود مدربيهم؛ كما أن أصواتهم متناسبة بصورة جيدة للغاية حيث أن عدم تناسب الأصوات في الإنشاد الجماعي يؤدي الى تخريب العمل...

كما أشكر هذا السيد العازف على "الناي" المنفرد على أدائه الهادئ والمؤثر، وهكذا يجب أن يكون العزف، لأن للعزف وللأنغام في أداء النشيد ككل حكم الملح للطعام فيجب عدم الإكثار منها فالتأثير الأساسي هو لأنفاس المنشدين فهي الموصلة للمضمون الى أذهان الجميع(1).

** ** **

مدائح أهل بيت العصمة النبوية بيان نهج الحياة الحقّة

دور مدائح أهل البيت فـي حفظ الإسلام الحق:

لقد شملتمونا أيها الإخوة الأعزاء بألطافكم، ونوّرتم - يا بلابل الرياض المحمدية - قلوبنا وعطّرتم محل عملنا بعبقات المدائح النبوية وهذه الكلمات اللطيفة البليغة. أسأل الله أن يحطيكم ويحيطنا في هذا المحفل وسائر محافلنا وأعمالنا وحركاتنا وسكناتنا ببركات السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).

إن شجرتكم طيبة وسلسلتكم طويلة، وعلى الدوام نهضتم منذ عصر الأئمة (عليهم السلام) بمسؤولية أصعب الأعمال التبليغية في مواجهة أعداء الحق والحقيقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من كلمة قصيرة للقائد في مركز محافظة شيراز بعد برنامج اشتمل على إنشاد بعض الأناشيد (28/11/1987م).

وتمتد شجرتكم وسلسلتكم النسبية المعنوية الى دعبل والكميت والسيد الحميري وأمثالهم من الذين حملوا - في أصعب حقب التاريخ الإسلامي - رايةً كانت تجلب على كل مَن يحملها أشد أنواع الأذى؛ والسبب هو أن هذه الأشعار تحمل رسالة سامية، ولم يكن ليتعرض لهم أحد لولا وجود هذه الرسالة في أشعارهم. "دعبل" كان يُعلن أنه حمل خشبته خمسين عاماً ينتظر مَن يصلبه عليها. وكان ممنوعاً قراءة أشعار السيد الحميري حتى في المجالس التي لا تضم أكثر من ثلاثة أو أربعة أشخاص لأنها تحمل تلك الرسالة. وقد استُشهد الكميت بعد سنين طويلة على أيدي حكام بني أمية الظالمين، وجرمه هو حب أهل بيت النبي الأكرم (ص).

لقد ختم دعبل بصمة عار على جبهة كل خليفة (غاصب) وصل للحكم في عصره، وكتب لكل منهم شعراً خالداً على كتيبة التاريخ لا يمحى، بيّن فيه قبائح باطلهم ببلاغة تفوق تأثير عشرات الخطب.

عليكم أن تحفظوا تلك الرسالة التي جعلت لمدّاحي أهل البيت هذه المنزلة السامية، وهذه الرسالة عبارة عن: حفظ الدين الإلهي الحق في ظل موالاة أهل البيت ومجاهدة أعدائهم - أعداء الحق - ومجاهدة كافة الطواغيت والعتاة المتمردين على الحق.

أيها الإخوة، إن لهذه الثورة أعداء شرسين تقف في مواجهتهم، مستندة الى إيمان الشعب، وهذا الإيمان يجب أن يتعمق ويصفو ويزداد نقاءاً... وأي لغة أقدر على ذلك من لغة مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام) عليكم أنتم أن تنشدوا للناس أشعاراً قوية في الموازين الشعرية.

وفي نفس الوقت تحمل رسالة الثورة - وهي رسالة كافة الأنبياء والأولياء والأوصياء - الدفاع عن الحق ومجاهدة الباطل، وقد شمل الباطل عالم اليوم.

لدينا - ولله الحمد - شعراء كثيرون اليوم، وشعراء مجيدون؛ والأشعار التي قرأها الأخ العزيز قوية جداً ولطيفة حقاً، وإن كنت لا أرغب في مدحها لاحتوائها على إشارات بشأني.

قرّاء المدائح والمسؤوليات الراهنة:

إن الشيء الذي يجب أن يحظى بالإهتمام الأول هو رسالة الثورة، في ذكر المصائب وفي المدح وفي الشؤون الأخلاقية... وما أجمل أن تقوموا بـإيصالها للناس بواسطة شعركم الذي يتحلّى باللغة الشعبية المحببة والألحان التي تعدّونها.

عرّفوا الناس بحقيقة أميركا وفي كل مجلس وحيثما تحدثتم، عرّفوهم بهوية يزيد هذا العصر وشمر هذا العصر وبني أمية والمستعمرين في هذا العصر.

القضية الأخرى قضية اللغة، أنتم تعلمون أن نتاجاتنا الأدبية اليوم مرتبطة بدرجة كبيرة بهذه الأمور التي تُقرأ وتقال؛ فاختاروا الأشعار الجيدة وذات المواصفات الشعرية المطلوبة؛ لدينا شعراء جيدون وتستطيعون نشر نتاجاتنا الأدبية الجيدة الصالحة والحاملة لهذه الرسالة بين عموم جماهير الشعب.

أسأل الله لكم التوفيق واستجابة الأدعية التي دعوتموه بها اليوم بلغة الشعر والنثر(1).

** ** **

المدائح النبوية وتحديد نهج أهل البيت العملي:

جميلة جداً دنيا ذكر أهل البيت ومدحهم والغرق في عشقهم وإغراق الآخرين في محبة عترة النبي (ص) وإيقاد شعلة هذا الحب في القلوب وترغيبها في مضاعفة عشقها وتعلّقها بهذه الشجرة الطيبة...

عظيم جداً هذا العالم، ومهنة مباركة مهنتكم، فهي في خدمة أفضل وأسمى أنماط المحبة والعشق، والحب نفسه هو أسمى الخصال الإنسانية وأسمى أنماطه هو حب عباد الله الصالحين وأوليائه وعترة النبي وأوليائه وعترة النبي الأكرم (ص) وهذا ما يمكن الإحساس به في عالمكم، والمهم هو أن تبيّنوه للناس.

في الأعوام الماضية، تحدثت للإخوان عن قضيتين أو ثلاث فيما يرتبط بذكر ومدائح أهل بيت العصمة (عليهم السلام) فلا أكرر الحديث لكني أريد التأكيد على قضية لعلّي أشرت لها سابقاً ولكن لا ضير من تكرارها وهي: إن ثورتنا قامت على أساس معرفة الشعب ووعيه، لقد قلت في كلمة سابقة إن معظم الثورات العالمية الأخرى قامت بدافع الجوع، فتفجّر الثورة الروسية الأولى - إذ أن عام 1917 شهد حركتين شعبيتين عظيمتين فصلت بينهما عدة أشهر، والحركة الثانية هي البلشفية التي وقعت في أكتوبر - تفجرت بسبب جوع الشعب حيث أن الشعب فقد الخبز ومسّه الجوع فنزل الى الشوارع في العاصمة الروسية - وكانت آنذاك بطرسغراد - ثم احتل المعسكرات والدوائر الحكومية وقصر الملك المخلوع؛ فكان هذا الجوع سبباً لتلك الحركة الشعبية الضخمة، وهذا ما تصرّح به الوقائع التاريخية وليس تحليلي للأحداث.

أما في بلدنا فلم يكن الحال كذلك، بل إن الثورة هنا قامت على أسس معرفة الناس ووعيهم لحقائق الأحداث. في سنة 1349 هـ.ش (1391 هـ.ق/ 1970م) كانت المجاميع اليسارية قد بدأت للتو بالنشاطات النضالية والعملية، وكان وضعنا يسمح لهؤلاء العاملين في الجناح العسكري منهم بالمجيء إلينا، لذا كان لبعضهم ارتباط بنا، فأتاني أحدهم يوماً فقلت له: إن الشعب لا يؤيدكم ولا بد من العمل الثقافي كمقدمة للعمل السياسي والعسكري، فأجابني ببسمة ساخرة قائلاً: هذا حسب منهجكم الفكري الإسلامي، أما منهجنا فليس كذلك، نحن يجب أن نبدأ بالحرب المسلحة ونفرضها عليهم!!

وقد رأينا ما فعلوا، فقد استمروا في تلك الأعمال لثلاثة أو أربعة أعوام فسبّبوا ازدياد القمع في البلد، وكان جهادنا سيتقدم بصورة أسرع لولا فعالهم تلك التي سبّبوا بها مضايقات لجهادنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من حديث القائد خلال استقباله جمعاً من قراء مدائح أهل بيت العصمة النبوية من طهران وقم (14/3/1985م).

إن الجهاد الإسلامي قائم على أساس المعرفة، واليوم أيضاً كلما ترسّخت هذه المعرفة لدى الشعب كلما ترسّخت الثورة، ونقصد بالمعرفة: العلم بكل ما يجب العلم به من أصول العقائد (التوحيد، المعاد، النبوة والإمامة)، والمسائل الدينية المختلفة كالقضاء والقدر والأخلاق، الصفات المذمومة والصفات الممدوحة، وآداب المعاشرة والمفاهيم الرائجة في عرف القرآن والحديث الشريف كالصبر والجهاد والتقية وحقيقة الدنيا والآخرة وغير ذلك، وكذلك المعرفة بالقضايا السياسية كمعرفة التيارات السياسية الرئيسية في الدنيا، وتشخيص الأصدقاء والأعداء، وأساليب العمل السياسي، ومعرفة الأساليب العدائية، وأشكال الضربات التي يوجهها العدو، ومكامنها، وما الذي يجب علينا فعله لمواجهتها.

إن واجبنا اليوم هو تزويد الناس بهذه المعارف، وتمليكهم القدرة التحليلية اللازمة؛ ويجب ترسيخ تلك المعارف في شعبنا، من معرفة التوحيد الى معرفة شعار "الموت لأميركا"، ولها وحدة ومتصلة، فشعار "الموت لأميركا" عمل سياسي قائم على أسس الدين والتوحيد والعقائد، وكل هذه المعارف - بـإطارها الواسع الممتد من أصول العقائد، الى آداب المعاشرة، والأخلاق، والفرائض الدينية، والأحكام، والإهتمام بالصلاة والحج، والى العمل السياسي والتوعية السياسية - يجب أن تتعمق في الشعب، فعندها تستقر الثورة وتثبت جذورها بحيث أن كل قبضة توجد لها ضربة تكون نتيجتها تهشّم القبضة نفسها.

فمَن الذي يجب أن يقوم بهذه المهمة؟! إنها مسؤولية عشرات الوسائل وإحدى أهمها أنتم. فتأكيدي هو أن على مدّاحي أهل البيت القيام بدور التوعية في المجتمع؛ قد تقولون: لنفترض أننا نستطيع أداء دور ما في الشؤون السياسية من المجالات التي ذكرتها، ولكن ما الذي نستطيعه في المجالات الثقافية المعمّقة؟!

إن المادة الشعرية الموجودة كثيرة - ولله الحمد - والذين يغورون في دواوين الشعراء يجدونهم قد نظموا في كافة المجالات، لا سيما أشعار شعراء السبك الهندي فإنهم قد نظموا في كل المجالات التي تريدونها وهذا سر علاقتي بهذا النمط كما أشار الى ذلك الأخ "إنساني"، والنماذج التي تلاها الإخوة تدل على ذلك، فأخونا العزيز الذي أنشد في البداية قرأ أشعاراً جيدة للغاية - لا أعرف شاعرها - وكانت في الأخلاق، فأكثروا من هذه الأشعار في المجالات المختلفة: السياسية، المعارف، آداب المعاشرة وغيرها.. أكثروا منها في مجالسكم، وعندها سترَون أنها ستصبح مجالس إستثنائية، وبأصوات مثل هذا الصوت الدافئ لأخينا العزيز ذاك، وكذلك الأخ العزيز الآخر الذي جاء من قم، والحمد لله فأحدهم أفضل من الآخر، وهكذا ولو استطعت حفظها لأشرت الى بعض خصوصيات كل منها وهي مؤثرة في رفع مستوى ثقافة المجتمع، وكذلك حال أشعار مدح أهل البيت.

توجد خصوصيتان أساسيتان في أشعار مدح أهل البيت (عليهم السلام) يجب على الأقل رعاية إحداهما، الأولى أنها تزيد حبنا لهم (عليهم السلام)، وكل شعر يحقق هذا التأثير هو من المدائح الجيدة، وهذا أمر أساسي فلا يُتوهم أنه فرعي، هذا الحب هو ضامن كل شيء؛ وتوجد أشعار تتحدث عن أخلاقهم ومناقبهم وعلومهم ونسبهم وفضائلهم، وهي أشعار جيدة تحقق الخصوصية الأولى.

والخصوصية الثانية هي أن حياتهم ومواقفهم ترسم لنا منهجاً عملياً للحياة الحقة المتجلّية في صراحة لهجتهم وقولهم الحق وشجاعتهم وإيثارهم وتضحياتهم وجهادهم وكرمهم وإنفاقهم وذوبانهم ومحوهم في مقابل ربهم ونظائر ذلك.. هاتان ميزتان رئيستان في مدائحهم، وتوجد بالطبع ميزات أخرى تأتي في مراتب لاحقة، وأشعار المدح الخالية من هاتين الميزتين لا تفيد مجتمعنا، ومن نماذجها القصيدتان اللتان تُليتا في هذا المجلس في مدح الأئمة المعصومين (عليهم السلام) والسيدة الزهراء (سلام الله عليها).

يمكن دائماً العثور على أشعار مربية ومفيدة للغاية في باب حياة الأئمة (عليهم السلام)، وفي الأخلاق والمعارف وتلاوتها في المجالس، ويستطيع مدّاحو أهل البيت - وفي ظل أسلوبهم في إنشاد المدائح - القيام بأكبر دور في تعميق الثـقافة والمعارف الإسلامية في أذهان الشعب؛ وبالطبع فهم في حاجة الى جمعيات يحضر فيها مع قراء المدائح الذين لديهم تجارب في هذا الفن، ليتم في محافل هذه الجمعيات نقد الأشعار وإصلاحها فمثلاً الإخوة الذين أنشدوا أشعار المدائح هنا أجادوا في الإنشاد كثيراً، ولكن قُرأت كلمة "به تو" (إليك) بصورة "برتو" (عليك) فأدى ذلك الى تدمير معنى الشعر، وما أحسن أن تراعى هذه الأمور الدقيقة من الزاوية الأدبية بصورة كاملة لتستطيعوا بدوركم نقل اللغة الفارسية الى جماهير الشعب، وهي اليوم تمثل لغة الثورة ولغة الدين، فيجب تقويتها من أجل نشر معارف الإسلام في أرجاء العالم.

وعليه، فمن خلال رعاية الموازين الأدبية في الأشعار يتحقق ضمناً تقوية اللغة أيضاً، وعلى البعض في هذه الجمعيات القيام بهمة نقد الأشعار وإصلاحها - مضموناً وألفاظاً - فيما يتولى البعض الآخر نقد وإصلاح فن الإنشاد وقراءة المدائح. ويوجد اليوم -ولله الحمد - الكثير من المدّاحين على العكس من الوضع في السابق حيث كانوا - قبل ثلاثين أو أربعين عاماً - قلة، فمثلاً كان لنا في "مشهد" اثنان منهم فقط لكنهما كانا جيدين حقاً - رحمهما الله كليهما - وقد ورد ذكرهما في محفلكم هذا، الأول هو المرحوم السيد "ستايشغر" وكان ذا وجه صبيح وحسن الصوت، والآخر المرحوم "أفصح" وكان حياً الى فترة قريبة؛ كما كانوا قلة في طهران أيضاً، بالطبع أكثر من أمثالهم في "مشهد"، ولكنهم على أي حال كانوا قليلين جداً مقارنة بعددهم الآن في طهران وسائر المدن الأخرى، وبأكثر من زيٍّ ومن فئات مختلفة، وهم قراء وفق أنماط متعددة، وهذا الحال لم يكن في السابق؛ لذا يجب استثمار هذه الفرصة بأقصى ما يمكن من أجل تقوية الإسلام والثورة وإيمان الشعب، وأعتقد أن هذا الأمر ممكن وعملي(1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من حديث القائد خلال استقباله جمعاً من قراء مدائح أهل بيت العصمة النبوية (9/2/1988م).

(الفصل الثالث)

الشعر: الإلتزام والتجدّد

الأدب الحي:

إنني - باعتباري محباً للأدب والشعر - أشعر بالسرور لوجود مثل هذا الشعر الممتزج - ولله الحمد - بالمفاهيم الحية لمجتمعنا وخروجه من الجمود والتكرار، وبالطبع إن لكل أمر استثناء، وهذا أمر كان على الدوام وما زال، ولكن الحركة الشعرية كانت في السابق - وبصورة عامة - تكرار مكررات ولم يكن الشعر في خدمة الأهداف الإنسانية السامية والقضايا الأساسية لحياة المجتمع الإنساني(1).

** ** **

في كل حقبة تشهد تحولاً داخل المجتمع يتبدل معها مساره... ويجري هذا الأمر على الشعر أيضاً فكان يتغيّر ولكن يعود فيما بعد الى مساره العادي، فمثلاً تعرّض خلال الحركة الدستورية في بلدنا الى هزة، وشهدت مضامينه حالة من التجديد، ولكنه عاد فيما بعد تدريجياً الى نفس رتابته السابقة؛ .... وكل ما كان كان تكرارياً، فلا جديد فيه لأهل عصره، فلا من نداء فيه ولا خير ولا إحساس؛ حتى جاءت ثورتنا فأوجدت - ولله الحمد - تحولاً في الأدب والفن وخصوصاً الشعر(2).

** ** **

خصوصيات شعر الشهادة:

.... إن أحد أكثر الموضوعات حماسية وملحمية هو موضوع الشهادة والشهيد، فقارنوا هذه المجموعة من الأشعار التي أُنشدت في هذا الموضوع بالمراثي التاريخية المعروفة كمرثية الخاقاني لولده... بيني وبين الله أشهد بأن هذا الشعر الذي يُنشَد اليوم بشأن أحد الشهداء، وبالفهم الذي تتضمنه لمعنى الشهادة، وبمضامينها السامية، وبـإحساس الشاعر الوجداني فيه لحقيقة القتل في سبيل الله والتخضّب بالدماء دفاعاً عن القيم الإنسانية، هذا الشعر هو من نمط آخر لا يمكن مقارنته بمرثية ذلك الشاعر والحكيم الفلاني لابنه العزيز مهما كانت تلك المرثية متينة، وحتى لو كانت من الناحية الفنية أقوى من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقاطع من كلمة القائد في المؤتمر الشعري الذي أقامته مؤسسة الشهيد تحت عنوان "شعر الشاهد" في حسينية "الإرشاد" بطهران (3/2/1987م).

(2) المصدر السابق.

هذا الشعر؛ وهذا مسلك وظاهرة جديدة يجب متابعة تطويرها(1).

** ** **

هذه موضوعات جديدة ومفعمة بالعاطفة تلك التي دخلت في الأدب في عصر ثورتنا، كقضية الجهاد في سبيل الله والدفاع عن المستضعفين ومجاهدة المستكبرين والظالمين، وظاهرة عمومية العشق للقائد وأحاسيس المودة الصادقة تجاه الإمام الخميني(2)....

** ** **

يجب تطوير الشعر من أجل تبيان وتفهيم الحقيقة، لأن تفهيم الإنسان العادي يحتاج أولاً الى جذب انتباهه وقلبه وعينه، وهذا الأمر ممكن فقط عندما تتوفر الجاذبية في العمل الفني والجمال والتمثيل الحسن والصور الجميلة في الشعر(3).

** ** **

الروح الثورية والعمل الأدبي:

هؤلاء الشباب الذين أنشدوا أشعارهم هنا، هم طاقات يمتلكون مواهب متفجرة، وأعجب لذلك فأين كانت كل هذه المواهب، ولماذا لم تظهر قبل الثورة في هذا البلد؟! كنا نعلم بما كان يجري في عالم الأدب والشعر في تلك الأيام فلم تكن توجد مثل هذه المواهب، والثورة هي التي هيأت القلوب لتفجّر ينابيع هذه المواهب، فما لم تتأجج النار في القلب فلن يصدر القول المؤثر، وعندما تفتّحت القلوب تفتّحت الألسن وأخرجت كنوز الفن من الأرواح وأُظهرت(4).

** ** **

توجد - ولله الحمد - كل هذه المواهب الجيدة في مجتمعنا، وعلى أصحابها أن ينشطوا في عملهم؛ وهذه هي وصيتي للفنانين والأدباء والشعراء الشباب، فالموهبة وحدها لا تكفي بل يجب أن تقترن بالعمل(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السابق.

(5) المصدر السابق.

أسمى الصور المطلوبة للأديب:

في السابق كانت الشجاعة تجذب الشاعر، فقيلت في وصف الشجعان كل تلك الأقوال، فهل تجدون في التاريخ نظائر لكل هذه الصور المعاصرة للشجاعة في ميادين المعارك؟ شجاعة الشبان والرجال والنساء والزوجات والأمهات..؟ فأين تجدون مثل شجاعة تلك العوائل حيث تقدّم الأم أربعة وخمسة شهداء بكل شجاعة وصبر... هذه الصور الجميلة الجاذبة في مختلف الأبعاد المعنوية كان ينشدها ويبحث عنها دائماً الشعراء وأرباب البيان والقلوب لينشدوا نتاجهم الفني على أعتاب جمالها المعنوي. إذاً، فعلى أصحاب المواهب الفنية القيام بذلك، اليوم(1).

** ** **

لقد سعى مديرو السلطة الثقافية الغربية - وعبر جهود مكثفة - الى تسخير الأدب الفارسي لخدمة أهداف منحرفة أو فارغة تافهة، وسعَوا - في ذروة تصاعد نشاط ما سمّيت بـ"الحركة التجديديـة" - الى تلويث الشعر بالفساد والفجور والوضاعة، وليس قليلاً - من جهة الكمية - الشعر الذي جُنّد لإضلال أفكار الناس وحرف قلوبهم أو تمجيد الجبابرة خلال حاكمية تلك السلطة الثقافية.

** ** **

كان رسول الله الأمين (ص) يعتبر الشعراء المؤمنين الرساليين بأنهم أمراء مملكة البيان؛ وسنّة أولياء الله الحسنة هي أن يعرضوا على القلوب أسمى الحقائق في أحسن حلل البيان، فينزلوا صواعق كلماتهم الفاخرة المنتصرة كسيف ذي الفقار الغالب على جسد أشرار العصر(2).

** ** **

الإسلام يكرم البيان، والإلهيين من أرباب البيان؛ والبيان الجميل هو علامة من علامات الله الجميل، الذي أجلس أحسن الحديث - وهو الكلام الإلهي - على أجنحة الفصاحة والبلاغة لطائر الخلود فنوّر بأنواره الساطعة كل حقب التاريخ(3).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) مقاطع من رسالة القائد لمؤتمر "شعر الحرب" الذي أقيم في مدينة الأهواز الإيرانية (26/11/1986م).

(3) المصدر السابق.

لقد أصبحت عاشوراء - ببركة هذه الكلمات والخطب البليغة والحماسية في كربلاء - ثقافة كاملة وليست واقعة وحسب، ولوحة معبّرة كتبوا فيها شعر العشق السامي بمداد الدم وعرضوه على التاريخ(1).

** ** **

إن الحرب هي بحد ذاتها شعر كُتِب على صحائف الدهر، وهي أبلغ من كل بيان، وسيقرأ أحرار العالم أبيات العشق والإيمان والتضحية على خنادق شبابنا الشجعان(2).

** ** **

كيف يمكن أن يكون الإنسان شاعراً وفناناً وأديباً وهو لا يرى ولا يشعر ولا ينشد متحدثاً عن هذا الصراع الدموي بين الحق والباطل وبين النور والظلمة، والذي يتجلّى اليوم - أوضح من كل مكـان - في جبهات معركتنا الشجاعة ضد العدو المعتدي؟!(3).

** ** **

رأيت على الصفحة الأولى لإحدى الصحف شعراً لأحد الإخوة الصالحين، الأخ نفسه إنسان صالح ولكن الشعر ليس صالحاً، ومع ذلك نشروه في الصفحة الأولى وبحروف بارزة، وهو يشتمل على أخطاء واضحة وقواعد بديهية وليس كتلك التي يوردها المختصون وحدهم، بل هو ضعيف جداً وساقط من جهة الموازين الأدبية، وفيه أخطاء من جهة الوزن والقافية والحشو القبيح الملحوظ، وكل شيء فيه قبيح، فإذا أخذ الصحيفة أحد أصحاب الذوق الأدبي والشعر ووقع بصره عليه لألقى الصحيفة جانباً حتى لو كان هدفه هو قراءة خبر فيها(4).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

(4) من حديث القائد خلال لقاء أعضاء القسم الثقافي في صحيفة "الجمهورية الإسلامية" (15/2/1982م).

 

الملحق الأول

ترجمة نص الكلمة التي ألقاها سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي (حفظه الله) في المؤتمر الثالث للشعر والأدب الجامعي في عموم إيران بتاريخ 18/12/1986 م.

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت أفضل أن أبقى فيما بقي من الوقت مستمعاً وأنتم تنشدون أشعاركم، ولكنكم أعددتم البرنامج بهذه الصورة، وها أنا أخضع لبرنامجكم.

في البداية، أرى لزاماً عليّ الإعراب عن شكري الصادق للإخوة والأخوات المنظمين لهذا المؤتمر الشعري، وكذلك لكم جميعاً فرداً فرداً، وبالخصوص للذين أنشدوا تلك الأشعار المربية والمفيدة.

هناك الكثير من المطالب المرتبطة بالشعر وأتمنى لو تسنح فرص للحديث عنها بين الحين والآخر، ولكني أكتفي هنا ببعض المطالب القصيرة بما يسعه الوقت المخصص المحدود.

أولاً: إن للشعر ميزة خاصة في عالم الأدب والفن؛ وبالطبع فإن لكل فرع من الفروع الفنية والأدبية بجميع أساليبها - سواء الفنون التمثيلية، أو فنون الرسم والتجسيم، أو ما يمكن وصفها بالفنون الصوتية كالشعر والقصة والمسرحية وأشكال النثر الفني - لكل منها دور كبير في موقعه الخاص في تبليغ دعوة ما وتجسيد أحاسيس وعواطف معيّنة لا تقلّ أهميتها عن الفكر والعقل في محالّها المناسبة، بل هي بمثابة مصفاة للفكر والعقل.

والفن والأدب في حقيقتهما يشكّلان أسلوباً في البيان والتعبير ولا أكثر، لكنه إذا تحقق الجانب الفني فيه بمعنى الكلمة الحقيقي فهو أبلغ وأدق وأكثر تأثيراً واستجابة من جميع الأساليب الأخرى، وقيمة الفن والأدب تكمن في هذه النقطة بالذات.

ولكل واحدة من هذه المميزات التي ذكرتها - الأبلغ والأدق والأكثر تأثيراً وخلوداً - حديث طويل، ولعل إدراكها الدقيق يساعد على فهم حقيقة الفن والأدب، فقد يكون بحث ما علمياً وتحقيقياً ودقيقاً لكنه يفتقد الجانب الفني في العرض، وجميع الإبداعات الفنية متساوية من هذه الزاوية، وإذا توفرت فيها جميعاً فقط جنبة عرض وتقرير دعوة معيّنة فهي مع ذلك لا تبيّن سوى بُعد واحد من أبعاد الفن وليس كافة أبعاده الأخرى الموجودة في ماهيته وعنصره، ولكل منها قيمة خاصة ليس الآن مجال الحديث عنها. ولقد قلت مراراً أن لا حظ لأي رسالة ودعوة وثورة وحضارة وثقافة، من التأثير والإنتشار والبقاء إذا لم تُطرح في شكل فني مناسب، ولا فرق في ذلك بين الدعوات المحقة والباطلة.

إن الفن وسيلة إستثنائية، ولكن من بين أساليبه المتعددة تحظى بعض فروعه بخصوصية خاصة، ومنها الشعر، فأنتم تلاحظون أنه يمثل إحدى أقدم مظاهر التمدن الإنساني، وقد يشاركه الرسم في هذه الميزة الى حد ما؛ وهذه الميزة تلاحظون قلّة ظهورها في الفروع الفنية الأخرى.

ولغة الشعر والتعبير الشعري قديمة للغاية وهي تكشف أن الإنسان كان بحاجة إليها منذ البداية، وعندما أقول الإنسان أقصد الشاعر والفنان ومخاطبهما أيضاً، فالجميع كانوا بحاجة إليه وإلا لم يظهر منذ تلك الفترة المبكرة ولم يكتب له البقاء في الطبيعة والخلق والتاريخ.

أجل إن للشعر هذه الميزة، وإذا أردتم دراسة ثقافة وتمدن وحضارة وتاريخ وأفكار بلد ما من بين الثقافات والحضارات والثورات وجميع الظواهر المعنوية للإنسانية... وإذا أردتم معرفة عمق تأثيرها فأحد أفضل وسائل ذلك وأكثرها توفراً للباحثين هي دراسة تراثه الشعري.

الشعر هو العنصر الأساسي في المجال الأدبي، وهذه هي قيمته، فيجب الإنتباه إليها، وتقييمه على أساسها، وتقديمه على الفنون الأخرى، وإن كان لكل منها قيمته المهمة في مجاله المناسب، ولعل بعضها يصل الى ذروة مستواه الفني إذا اقترن بالشعر.

إذا عرفنا قدر هذا التحول التاريخي العظيم الذي حصل لدى الشعب الإيراني، واستطعنا - إن شاء الله - حفظه وتطويره، فإن إنجازه ذلك يحتاج بكثرة الى النشاط الأدبي والفني، والحضارة الآتية والتي ستأتي وستعم كل الدنيا حتماً هي حضارة هذه العقيدة والثقافة التي أشرقت شمسها مع طلوع هذه الثورة، وهي تحتاج بشدة أيضاً الى جميع الوسائل لحمل رسالتها المعنوية العظيمة، وأفضل وأبلغ هذه الوسائل وأكثرها تأثيراً هي وسائل الفن والأدب وبضمنها الشعر. وعليه، فالإسلام والثورة بحاجة للشعر، وهنا بالذات أقول: إن الذين يتصورون أن الثورة الإسلامية لا علاقة لها بالأدب والفن يقعون في خطأ فاحش وهم لا يعون ما يقولون، فهذه الثورة أحوج من الجميع للأعمال الأدبية القوية والثقافة الغنية.

أفكر مع نفسي، أن هذه الثورة لو كانت قد ظهرت في بلد يفتقد للغة غنية - كما هو حال بعض البلدان الأفريقية - فماذا كان سيحدث؟ ماذا كان سيحدث لو لم تكن لغته مثل اللغة الفارسية، بسابقتها التاريخية الطويلة وسعتها الإستيعابية العظيمة، كما يؤكد علماء اللغة الذين يصفونها بأنها من أفضل اللغات.. وكيف كان يمكن للغة محلية محدودة ضيقة نقل هذه الثقافة الثورية للآخرين؟! وهل كانت ستستعين بلغة أجنبية؟ وأي بلاء سيجرّه مثل ذلك على الثورة؟! هذا البلاء لا نعاني منه نحن اليوم فلدينا لغة قوية وثقافة تاريخية غنية وعميقة وذهنية ثقافية يتحلّى بها شعبنا وجماهيرنا؛ ولكن مع ذلك نفتقد الآن لفن على مستوى عالٍ، وهذه بالخصوص هي القضية التي سأتحدث عنها لشدة حاجتنا إليها.

إن جميع الإمكانات اللازمة متوفرة، ولكن المفقود هو العمل الغني المؤثر والفاعل القادر اليوم على تركيب هذه الإمكانات وتعبئة وعائها بالمحتوى الثقافي لهذه الثورة وعرضه، وهذه هي المشكلة الكبرى في عملنا، وعلينا الإهتمام بجهود معالجتها.

وكمقدمة لذلك أُلفت انتباهكم الى تجربة صدر الإسلام، والذي أتحدث عنه هو مفاهيم هذه التجربة الإسلامية والمفاهيم لا يبليها القِدَم الذي يتسلل لكل شيء باستثناء المفاهيم الإنسانية الأصيلة كالفضائل والقيم والكرامات الإنسانية والأمور التي يشخّص العقل الإنساني قبحها أو حُسنها، فهذه ثابتة لا تتغير، أما المتغير فهو الوسائل والأساليب والروابط.

إذاً، فالمعرفة الإسلامية جديدة دائماً عندنا، والإسلام نفسه عُرض في البداية في إطار فني بالكامل وهو القرآن الذي يُعتبر - بالمعايير الفنية - ظاهرة فنية فريدة وإستثنائية. نحن الذين تشكّل الفارسية لغتنا الأم نستطيع إدراك عمق جملة أو مفردة منها بصورة لا يمكن لغيرنا فهمها، إلا أن يكون قد عاش منذ الصغر بينكم ولسنين طويلة، أو كانت له مواهب خارقة واشتغل بهذه اللغة أعواماً عديدة، وإلا فلن يكون قادراً على إدراك أعماق جمالها الفني وألفاظها وتركيباتها، وقد أجمع الخبراء في شؤون اللغة - أي الشعراء والفصحاء والبلغاء والخبراء في القضايا الأدبية والفنية - على الإعتراف بالعجز قبال سمو الذروة الفنية الإبداعية في القرآن الكريم، ولكننا نعتقد في الثورة لشيء من هذا القبيل، باستثناء ما تحلّى به بعض المسؤولين المشتغلين بشؤون النهضة والثورة؛ والأفضل مما لدى الجميع، وفي العديد من الأبعاد، هو ما توفر في شخصية الإمام من مميزات عدة؛ وأبرز ما تمتاز به أدبيات الإمام في باب الثورة هي البساطة والسلاسة والبلاغة والشعبية وسلامة الأفكار في نفس الوقت الذي يستطيع الجميع فهمها، وهذه هي في الحقيقة من خصوصيات الأدبيات الإسلامية، ومع ذلك لا يمكن أصلاً مقارنة سعتنا الأدبية ولغة ثورتنا بالقرآن.

ويضاف الى ذلك أن الرسول الأكرم (ص) نفسه كان يستفيد من أساليب أدبية سامية، وكذلك حال كلمات زعماء الإسلام في عصره من كبار الصحابة والأئمة، وكان (ص) يستفيد بالقدر المستطاع من نتاجات الشعراء، التي كانت تشكّل أكثر الوسائل الثقافية رواجاً وتأثيراً في تلك الحقبة، رغم وجود آيات في القرآن - كما تعلمون - تذم بشدة الشعراء الفاقدين لخصوصية الإيمان {والشعراء يتبعهم الغاوون} الى قوله {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات..} حيث ذكر ثلاث أو أربع خصوصيات للشعراء الصالحين الذين استثناهم.

لقد كان (ص) يولي اهتماماً كبيراً بالشعراء ويحترمهم، كما هو مشهود في تجربة صدر الإسلام وفي سيرته (ص)، حيث كان يقيـِّم الشعر والشعراء من خلال نظرته الإحترامية لهم، وجذبهم ودفعهم لإنشاد الشعر وتشجيعهم، وكان يفعل ذلك في مجتمع أعرض بالكامل عن الأمور الترفية وغير الأساسية، وكانت سياحته ولذته في الجهاد، حتى أن العديد من الروايات تؤكد أن مَن يريد الزهد والرهبانية والسياحة التعبدية فعليه بالجهاد.

في هذا الدين الجهادي والثوري وفي هذا المجتمع الذي قد يتصور البعض أن لا محل فيه للشعر تلاحظون ظهور شعراء كان يحترمهم النبي الأكرم حتى لو كان شعرهم ليس بشأن الجهاد أو القضايا الإسلامية الأساسية، فأعداء الثورة في ذلك العصر كانوا يمتلكون طاقات أدبية قوية وشعراء مشهورين؛ لذا كان (ص) يشجع شعراء الإسلام على مواجهتهم لأن الشعر يواجَه بالشعر ولكيلا يسجل التاريخ أشعار الأعداء فقط ويبقى الإسلام أعزل في مواجهة هذه الحقبة التاريخية الخالدة.

واليوم، نحن بحاجة في ثورتنا لمثل هذه السعة والقدرة الفنية العالية، وحديثي كما قلت هو عن الشعر الذي يحظى بلغة غنية، ونحن لدينا فيها شعراء أمثال "حافظ" و"مولوي" و"سعدي" إستطاعوا تضمين أدق وأصعب المفاهيم في كلمات غاية في الجمال، بحيث تصل أحياناً الى حد لا يمكن تشخيص درجة جمالية معيّنة لها، وبذلك يمكن فهم تلك المفاهيم الدقيقة الصعبة بصورة جيدة؛ وهذا مستوى شعري راقٍ قلما نجد مثيلاً له في بلاغته وقوّته، وقد لا نجد أفضل منه في الشعر العربي، الذي أستطيع فهمه ولا أستطيع مقارنته (الشعر الفارسي) بشعر اللغات الأخرى التي لا أُجيدها.

إذاً فلغتنا مرنة وذات سعة كاملة يمكن بها صنع أي شيء، بحيث أن الشاعر غير الفارسي يستطيع إدراك مدلولات كلماتها، والمثال البارز على ذلك هو "إقبال اللاهوري" الذي تعرّف على شعر "حافظ" و"مولوي" وتعلّم الفارسية عن هذا الطريق.

إذاً فلماذا نحن متخلّفون عن الثورة في المجال الشعري؟! هناك سبب واضح هو أن الأفكار التي تنطلق منها الثورة وتشكّل شرايينها الأساسية ليست لها سابقة تاريخية طويلة في مجتمعنا المعاصر، وقبل ظهور هذه الأفكار الموجودة في مجتمعنا على نمطين كانت تدخل في إطاريهما الأشعار الرسالية التي اصطُلح عليها اسم "شعر الدعوة"، أحدهما عبارة عن منهج الإسلام المعزول عن النزعات الثورية؛ لذا ترَون أشعاراً جيدة للغاية قيلت في مختلف المفاهيم الإسلامية ولكن في المجالات الخالية من الجوانب الثورية؛ فرباعيات جمال الدين عبد الرزاق وهاتف، وعدد آخر من القصائد هي حقاً في درجة ممتازة من الزاوية الفنية وبعضها في ذروة الإبداع الفني؛ كما أن ما في مقدمة "النظامي الغنجوي" أو ما في بعض الكتب العرفانية أو قصائد سعدي في التوحيد والأخلاق تضم جميعاً مفاهيم إسلامية، لكنها وعلى الرغم من جودة بُعدها الفني ليست شعر الثورة وإن كان من الممكن للثورة الإستفادة منها، كما سأتحدث عن ذلك لاحقاً، فهي إسلامية ويتوفر فيها الجانب الفني لكنها ليست ثورية حيث لا تلاحظ فيها الأبعاد الثورية للإسلام؛ هذا هو النمط الأول للتفكير والشعر.

أما النمط الثاني فهو يشمل الأفكار غير الإسلامية والمعادية للإسلام، أمثال التي دخلت آدابنا خلال الأربعين أو الخمسين عاماً المنصرمة وبعضها ماركسية وبعضها معادية للإسلام صراحة ولها ميول للثقافة الغربية والتحديث الغربي، كما هو حال بعض الأشعار التي أنشدها بعض شعراء أوائل هذا القرن (الهجري) الشمسي، فقد أنشدوا أشعاراً حملت أفكاراً أرادوا ترويجها وهي لا تحمل أي صبغة إسلامية، بل إن قسماً منها معادٍ للإسلام بصراحة، ويوجد اليوم أيضاً شعراء يتابعون نفس تلك المناهج.

إذاً فالشعر الذي كان يحمل في ذلك العهد رسالة وهدفاً ما كان خالياً من الروح الثورية الإسلامية، هذا إذا كان إسلامياً، أما إذا لم يكن كذلك فأمره واضح. وعليه، فلا يوجد بينها ما ينفع ثورتنا وليس هو شعرها؛ وهذا هو حال "شعر الدعوة"، أي شعر بيان الفكر، فإذا تجاوزناه هناك شعر كثير لا علاقة له أصلاً ببيان فكر أو هدف معيّن بل هو إما مدح وإما هجاء أو وصف للحال أو غزل أو عشق بمختلف الأنواع، فبعضها جيدة وفي سماء الإبداع الفني السابعة لكنها خالية من أية هدف؛ وهذا ما تلاحظونه في تاريخ الشعر على مدى أكثر من ألف عام وفي مختلف الفنون الشعرية منذ زمان "رودكي"، حيث توجد أشعار في غاية القوة والجودة والجمال من زاوية الفن الشعري لكنها خاوية ليس فيها أي فكرة سوى ذاك الوصف لحالة العشق وأمثالها أو الحمد والهجاء. وقد جمعت مرة الموضوعات الواردة في الشعر الفارسي فوجدتها بحدود الخمسة عشر موضوعاً عاماً، وأنتم أيضاً تعرفونها، وخلاصة الأمر أنها لا تمثل شعر الثورة.

وهنا لا بد أن أشير الى أننا عندما نقول إن الشعر الفلاني ليس شعر الثورة فهذا لا يعني أننا نرفضه بالكامل بل هو وسيلة قد يستلذ بها البعض، فطريق التخيلات لـ"لطيفة المؤنسة" لم يغلق بوجه بني الإنسان؛ ونحن نقول إنه ليس شعر الثورة، لا إنه ليس شعراً أصلاً، ولكونه شعراً فهو فن وجمال، وقد يكون مطلوباً وقد لا يكون، ولا ضير أصلاً من وجوده في مجتمعنا، ولكنه لا يحظى بمكانة واحترام وافتخار شعر الثورة.

هذه هي سابقة شعرنا، ونحن اليوم نرى فكراً ورؤى جديدة ظهرت في المجتمع منذ عشرين عاماً ونيّف ووصلت ذروتها بعد انتصار الثورة ولا زالت أبعاد هذا التحول العظيم التي نراها اليوم مجهولة للأغلبية، وكلما أمعنا في التفكير وجدناها أوسع مما فهمنا، وبظهور هذا التحول تحققت وتجسدت هذه الرؤى والفكر، ولهذا الواقع رسالة فمَن الذي يعرضها؟! إنهم الثوريون، فمثل هذا العمل لا يستطيع القيام به الفاقدون للإدراك الثوري، فالذي لم يحصل على شيء من الوجود كيف يستطيع إعطاء الوجود؟!

إذاً، فالثوري هو الذي يجب أن يقوم بهذه المهمة وأصحاب السابقة الثورية قليلون. وبالطبع يوجد شعراء أصحاب مواهب شعرية وطاقات فنية جيدة وهم يخدمون الثورة ويضعون فنّهم في خدمة أفكارها ورسالتها، ونشاطهم قيـّم، وإني أحترم وأقدّر وأثني على جميع الذين جنّدوا طاقاتهم الفنية في خدمة الثورة فهم يقدّمون أعظم خدمة لها، ولا ينبغي لنا الشك في ذلك، ولكن عدد هؤلاء ليس كبيراً وليسوا جميع أصحاب البيان، فهم لا يكفون.

والعناصر الشابة التي تظهر الآن هي عناصر ثورية تتحلّى - أمثالكم أنتم الجامعيون والعلماء - بمستوى فكري عالٍ. وفهم صادق وخالص ونقي للثورة ولديها مواهب فنية بلا شك وهي تريد القيام بمهمة عرض رؤى الثورة وفكرها، فما الذي تحتاجه؟ وما الذي يجب أن تقوله؟ وأي مسير تسلكه؟! أعتقد أن الشيء الذي ينبغي أن نحصل عليه - تدريجياً - في هذا المؤتمر هو الإجابة على هذه الأسئلة.

لدي هنا عتاب، وفي الحقيقة بيان لحقيقة واقعية هي أن الكثير كانوا قادرين على جعل مواهبهم الفنية القوية في خدمة الثورة والجماهير، لكنهم لم يفعلوا ذلك رغم كونهم شعراء على مستوى جيد من زاوية الموهبة الفنية، وبالطبع فإن بعضهم لم يكونوا يدّعون أنهم في خدمة الشعب، فأحدهم كان يقول: أنا قارئ رثاء لقلبي المجنون!! فهو كان يقول شعراً لنفسه ولا شأن له بالأفكار والأهداف الثورية، ونحن لا شغل لنا بأمثاله ولا نتوقع منهم أن يأتوا لتقديم خدمة لهذه الثورة ويحركوا ذهنهم من أجلها، فبعضهم قد تقوقع في زاوية وانشغل بشأنه، والبعض الآخر لا يفعل شيئاً أصلاً.

ولكن البعض ادّعـَوا أنهم في خدمة الشعب لكنهم لم يلتحقوا بصفوف الشعب، ولذلك أسباب عديدة، فبعضهم بسبب أن انتصار الثورة أبطل مرة واحدة كل الأفكار والمعتقدات التي كانت حاكمة على أذهانهم مثلما أن تحقق المعجزة يجعل السحر يتحول بنفسه الى هباء منثور، فقبل تحوّل عصا موسى الى ثعبان مبين كانت تلك الحبال المتحركة على الأرض تبدو - خداعاً - كمعجزة، ولكن وبمجرد تحقق المعجزة الحقيقية اندحرت تلك الحبال ومعجزتها الكاذبة؛ وعندما تحققت معجزة الثورة دحضت كافة ما نسجته أذهانهم، غربيّهم وشرقيّهم؛ دحضت العلمانيين على النمط الغربي الذي كانوا يتحدثون عن حقوق الإنسان والإنسانية وقيمها وأمثال ذلك، ويشيدون بالجمال والمحبة ويطلقون ادعاءات جوفاء ليس لها مصداق خارجي، كما دحضت اليساريين الذين اتخذوا خدمة الشعب والطبقة الكادحة شعاراً لهم وتعلّقوا به عمراً، فجاءت الثورة واتضح أن جميع تلك الشعارات جوفاء لا حقيقة لها ولا روح فيها.

فهؤلاء إذا أرادوا التخلي عن هذه الأفكار والتصديق بالحقائق الواقعية والقبول بها بكامل إشراقها، فالأمر يحتاج الى تضحية وشهامة يفتقدونها، لذا لم يلتحقوا بالثورة ولم يقبلوا أفكارها، ولذلك فهم لا يستطيعون طبعاً قول شيء بشأنها. هذا هو حال قسم من الذين لم يتقبلوا فكر الثورة.

وهناك فئة أخرى كانوا يريدون إطلاق سمة الشاعر الجماهيري عليهم والتوسل بافتخار السمة الثورية وفي نفس الوقت الإنغماس بالترف واللهو والرذيلة والسكر الأسود، مثلما يفعل الشخص البعيد بالكامل عن الشعب وطموحاته؛ وكان يوجد أمثال هؤلاء أيام العمل ضد الحكم، وإني أعرف أشخاصاً من أصحاب الأسماء والألقاب المعروفة في عالم الأدب كانوا إذا جلسوا عندكم وكان المقام مقام قول - أي التحدث فقط عن العمل الثوري وليس نفس العمل - تجدوهم يطلقون الدعاوى العريضة التي يصغر قبالها كل كبار الثوريين في التاريخ؛ ويخرج من دائرة المقارنة بهم "ماكسيم غوركي" وكافة مَن يحسب أنه من الشعراء والأدباء الثوريين!! هذا في مقام القول والإدعاء، ولكن بمجرد بدء العمل تجد انعدام حضورهم بالكامل، حتى أنهم لم يكونوا مستعدين لقول كلمة واحدة قد تجلب عليهم خطراً مهما كان قليلاً، وإذا فعلوا شيئاً ولو على نحو الإشتباه وتلقَّوا بسببه صفعة واحدة كانوا يعلنون توبة مئة عام!! وكانت حياتهم التي ألـفَوها حياة ترفية لهوية وضعية حيث كان أحدهم يُجلَب مخموراً محمولاً بعد ساعة أو ساعتين من منتصف الليل بعد أن يُنتزع بالقوة من حانات طهران أو أماكن أخرى لإرجاعهم الى منازلهم؛ كانت هذه حياتهم، وكانوا يريدون مثلها للمجتمع الثوري!! وكانون يطلبون ثورة تحقق لهم ذلك.

ومن الطبيعي أن لا يكون لثورة قامت على أكتاف جماهير "حزب الله" المؤمنة - وبتلك الحركة العظيمة - شأن بأمثال هؤلاء الفاقدين للإحساس بالمسؤولية، العاطلين وغير النافعين، ومن الطبيعي أن لا يكون لهم موقع في الثورة، فاعتزلوها لأنها لا تحقق لهم مصالحهم، وهذا حال طائفة أخرى فقد اعتزلت الثورة لأنها لا تحقق أهواءها.

وهناك طائفة أخرى كانت تتوقع أن تصبح "نجوم الثورة المتألقة"!! ولم تكن ترضى بأقل من ذلك ولا بقيد أنملة! فهجرت الثورة واعتزلتها لمجرد أن شخصاً أو مجموعة أغفلت الحفاوة بها قليلاً، أو أن أسماءها لم تتردد بين الناس؛ وبالطبع فإن هؤلاء إذا كانوا ثوريين حقاً، كما حدث مثل هذا، فموقفهم هذا ناشئ من عدم صدق ثوريتهم وعدم التزامهم بالإسلام والثورة، فهم كانوا يرغبون أن يكون أول عمل يقوم به الشعب، بعد إسقاطه نظام الظلم الملكي ودحر هذه العقبات السبع، هو التوجه الى هؤلاء السادة وحملهم فوق رؤوسه، وأن يتحدث عنهم ويسلّط الأضواء عليهم؛ ولكن هذا لم يحدث، ومن الطبيعي أن لا يقوم الشعب به، فتأثروا لكونهم لم يصبحوا نجوم الثورة!!

وهناك مجموعة أخرى بعض أفرادها تدخل ضمن الطائفة السابقة أو الى جانبها، وهؤلاء لا دوافع لهم سوى الخبث والإرتباط بمختلف الأطراف المعادية للثورة، لذا لم يبادروا لخدمة الثورة فهم لم يرغبوا في ذلك أصلاً، بل وإنهم قاموا بالعمل ضدها، وبعضهم قابلوا الإحسان بالإساءة وحطموا وعاء الملح بعدما طعموا منه.

وقد عرف عالم الأدب بعد ثورتنا بعض الأفراد أمسكوا القلم - ودون أن يحمّلوا أنفسهم مشقة أدنى تفكر أو تأمل - وأخذوا يسطّرون سلسلة من الخزعبلات، واتَهموا بالوقوع في الخطأ والإنحراف شعباً كاملاً وثقافة عظيمة متجذرة وثورة بهذه العظمة، وأطلقوا من الأوصاف ما لا يجدر بالمسلمين والفضلاء إطلاقه، ولدينا أمثال هؤلاء الآن يعيشون في بلدنا ويستفيدون من أجواء الحرية التي أوجدتها الثورة ويكتبون ويتحدثون ويخطبون بحرية.

وبالطبع - وكما ذكرت - كانت هناك أيضاً أقلية من الأدباء والفنانين والشعراء المعروفين وذوي المواهب القوية والأسس الفنية المتينة، تخدم الثورة وتنشد لها الأشعار حتى قبل انتصارها، وبين هذه الطائفة أفراد تعرضوا للتعذيب بسبب ذلك وهم الآن يواصلون خدمة الثورة، ونحن نكنّ لهم كبير الإحترام والتقدير، ولكنهم قلة.

إن الثورة تريد أن يكون الناطقون باسمها أشخاصاً منها، وهؤلاء هم أنتم الذين تشكّلون الجيل الجديد الذي يريد التحدث لخدمة ذاته والشيء الذي أدركه بكل وجوده، ولتحقق ذلك من الضروري - حسب وجهة نظري - الإلتزام بعدة قضايا:

الأولى: الأسس الفنية، فلو كانت نتاجاتكم تفتقد الأسس الفنية بالمستوى المناسب لما كان لها قيمة، إذ من الممكن إطلاق الحديث العادي بسهولة في حين تلك الخصوصيات التي تحدثت عنها تتعلق بالعمل الفني الجيد المؤثر وهذا الذي يجب أن تكتسبوه.

وبالطبع فالمواهب الموجودة جيدة للغاية، وقد شاهدت ذلك في الأشعار التي قرأها هؤلاء الشباب الأعزاء إخوة وأخوات هنا - ومعلوم أن السيد "مرداني" مستثنى فهو من مشايخ عالـم الأدب الثـوري - وقد وجدت شيئاً جديداً قيماً وجذاباً للغاية في أنفاسهم، ولكن من السابق لأوانه أن نحدد خصوصيات هذه الوليدة الشعرية الفتية والحتمية للثورة، وتعيين إطار لها، فمن الضروري مرور فترة تسجل فيها نتاجاتها، أما ما أُحس به فهو وجود وحضور الثورة في المصطلحات والتركيبات الجديدة والمفعمة بالسرور والأمل المستخدمة بكثرة في هذه النتاجات، وكثيرة هي المضامين النادرة التي قلّما استطاعت الألفاظ اصطيادها. وبهذه المميزات يمكن - الى حد ما - وصف هذا الشعر الجديد.

إن الشعر الثوري اليوم بحاجة الى مصطلحات جديدة وبديعة، والتجديد هنا لا يعني تلفيق مصطلحات مفتعلة ركيكة، أو مصطلحات فارسية مقترنة بالفرار، أو محاربة المفردات العربية التي هي جزء من لغتنا، فهذا المقدار الذي نتحدث به من المفردات العربية هو جزء من اللغة الفارسية، على حد تعبير المرحوم "آل أحمد" في جوابه على مَن سأله عن كثرة المفردات العربية في عباراته حيث قال: إنني أنا الذي أسألكم: ولماذا لا يكون؟! فهذه المفردات العربية لغتي فقد ولدتُ وفتحتُ عيني عليها وكبرت معها، فمَن ذا الذي يستطيع أن يجبرني على قطعها واحدة واحدة، كـ"الموضوع" و"المحمول" وغيرها من التعبيرات المختلفة للمفردات العربية الموجودة في لغتي بمقدار ما فيها من المفردات الفارسية، والقيام برميها بعيداً والإتيان بمفردات غريبة مستوحشة لتحل محلها؟!

إذاً فالتجديد الذي نقصده لا يعني متابعة بعض التيارات ذات النيّات المشبوهة أو الأذواق الهابطة التي كانت تحارب وتعادي المفردات العربية، كلا إن ميادين الفكر والإبداع مفتوحة، واليوم نجد هذه التعبيرات والمصطلحات والتركيبات الجديدة البديعة في شعر هؤلاء الشباب كاشفة عن جودة مواهبهم، ولعل السابقة الشعرية لبعضهم من الذين أنشدوا أشعارهم هنا لا تتجاوز السنتين أو الثلاث أو الخمس، وقد لا تكون لبعضهم سابقة شعرية أصلاً لكن مواهبهم قوية، واضحة وملحوظة؛ وأرى بينكم كثيرين سيتطورون ويتقدمون في وادي الشعر، وإذا استمر التقدم على هذا النحو فسيكون لدينا في المستقبل مَن يجمع بين خصوصيات السبك الشعري الهندي لـ"صائب" - وليس للسبك الهندي لـ"عبد القادر بيدل" - من متانة النظم وسهولة الفهم، وبين خصوصيات لطافة السبك العراقي لـ"حافظ" (الشيرازي)، أي ذروة ما يصله شعرنا المعاصر هو الجمع بين خصوصيات شعر "صائب التبريزي" و"حافظ الشيرازي".

وكما أشرت فمن غير الممكن الآن تحديد خصوصيات الشعر المعاصر، الذي ظهر وتفجر بعد الثورة، وقد بحثت بنفسي حول هذا الموضوع وسعيت لتحديد خصوصياته، لكني وجدت أنه لا زال غير منظم، ويحتاج الأمر لمرور فترة من الوقت لتثبيت هذه الخصوصيات. وعلى أي حال، فاجتهدوا في العمل بما استطعتم لتقوية هذا الفن الأدبي، وحذار من أن يتصور شاعر شاب أنه أصبح في غنى عن تنقيح وتجويد وإصلاح نتاجاته الشعرية لمجرد كونه قد أنشد خمسين أو مئة قصيدة كان في كل منها بيت أو بيتان جيدان أثارت إعجاب الآخرين، كلا فلا غنى حتى للشعراء الأقوياء الذين تمتد سوابقهم الشعرية عشرين عاماً عن التنقيح والإصلاح، بل إن تقوية الروح الشعرية والفنية أمر يحتاجه الشاعر الى النهاية لأن الفن غير محدود فهو في حركة تطورية مستمرة ما لم توقفوه بأنفسكم.

واطلبوا دائماً النقد، فعالم الشعر من العوالم التي تحتاج الى النقد، ولا يكفي هنا تقبّل النقد واستماعه - وهو أمر ضروري - بل من اللازم طلب النقد والسعي له، لقد كانت لدينا في مدينة "مشهد" جمعية أدبية ولسنين طوال، وكان إذا أُنشد في محافلها شعر ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين ولم يُشْـكِلوا ولم يستفسروا، فهذا الموقف كان علامة على أن الشعر تافه لا يستحق النقد، حيث لم يكن ممكناً أن يحجموا عن النقد إذا كان الشعر جيداً، اللهم إلا أن يكون الشاعر ضيفاً قادماً من مناطق أخرى فيسكتون احتراماً له؛ وغالباً ما كانت أشعار أمثال هذا دون مستوى الأشعار التي كانت تُنشد في الجمعية.

نحن بحاجة الى اتحاد أو جمعية أدبية في كل مدينة. ومع أن عقد هذا المؤتمر الشعري فرصة طيبة لاجتماعكم لكنه لا يكفي؛ ولا أدري هل أن مثل هذه المؤتمرات قد شهدت الى الآن قيام شخص أو أشخاص لنقد بعض ما يُنشد وتقديم اقتراحات لإصلاح البيت الفلاني، أو استبدال هذه الكلمة أو هذا المصرع بذاك، أو أن هذا التركيب فيه خلل، أو أن هذا المضمون تكراري؟؟ وهكذا الجمعيات الأدبية ومن خلال عرضه على أساتذة الفن. ويجب التفكير من الآن بالأشياء التي يحتاجها شعر الثورة في أساليبه وأُطره وفي مضامينه، ومع الأسف فالمجال محدود، لذا أكتفي بالقول هنا: إن الشعر الثوري يجب أن يتحلّى بالروح الثورية والإتجاه الثوري، إذ لا يمكن تجديد أي موضوع خاص لشعر الثورة، فلا تتصوروا أن شعر الثورة يجب أن يتحدث فقط عن الثورة أو الحرب أو شخص الإمام أو المقاتلين، بل يمكن لكم أن تتناولوا في شعرهم قضايا أخلاقية، ولكن ضمن الإطار والإتجاه الثوري، وهذا المعنى تدركونه اليوم جيداً.

فمرة قد يكون طرح الأخلاق في اتجاه غير ثوري، بل مناقض للثورة. ولكننا نستطيع القيام بـإنجاز مهم إذا استطعنا دعوة الناس الى القناعة الثورية والصبر الثوري والتعلّم والحلم الثوري والشجاعة الثورية من خلال أشعارنا وقصائدنا ونتاجاتنا الأدبية، ففي هذه الحالة تكون هذه النتاجات أدباً ثورياً قيـّماً وقوياً، أي أن الشعر الثوري لا يعني أن نتحدث فقط عن وقائع الحرب والمقاومة في خوزستان وميادينها الدامية، بل يمكن أيضاً أن يتناول قضايا أخلاقية، ولكن شريطة أن يكون الإتجاه ثورياً.

وبالطبع فإن أفضل الشعر الثوري هو الذي يعرض الظواهر التي تختص بها الثورة فلا توجد في غيرها، ولدينا الكثير من هذه الظواهر، فهناك - في المجالات السياسية - مبدأ اللاشرقية واللاغربية، ومبدأ مجاهدة المستكبر، ونصرة المستضعف على الصعيد العالمي، والدفاع عن فلسطين وأفريقيا، ومحاربة التمييز العنصري في كل مكان، وهذه من مختصات الثورة لا يملكها الآخرون، وبالطبع يوجد أدعياء لها ولكن لا توجد ثورة ونظام تشكّل هذه المبادئ إطار تحركها عملياً. كما توجد في مجال البناء الإجتماعي ظاهرة بناء المجتمع على أساس القيم الإلهية، وهذا موضوع تختص به لا نظير له في كل العالم، بل وحتى الذين لديهم بعض القيم الإلهية يطلقون عليها وصف "القيم الإنسانية" أو "الدفاع عن حقوق الفرد والمجتمع"، فتكون القيم أحياناً إلهية لكن المجتمع الذي يقام عليها مفقود؛ وهذا جزء من الأهداف الأساسية لرسالتنا الشعرية، فالدفاع عن الشعب من مختصات مجتمعنا التي لا ينظر لها حتى في المجتمعات الثورية. كما أن روحية التعاون والتكاتف بين فئات الشعب، وبساطة حياة مسؤوليه، وعدم التمايز بين مختلف فئاته، هي جزء خصوصياتنا الثورية.

ومن هذه الخصوصيات، قيادتنا الإلهية المعنوية والعرفانية، فهذا القائد العام للقوات المسلحة هو عارف، وهذا ما لا تجدونه لا في التاريخ الحديث ولا القديم، فأين كنتم تجدون العرفاء في السابق؟! كانوا دائماً في الزوايا أو المساجد أو الخلوات، وفي حالة البكاء؛ ولكن هذا العارف يتحلّى بنفس حالات التضرع في الأسحار، ويقوم بأشكال الرياضات المعنوية، وله تلك الجذبات المعنوية، وعنده تلك الإتصالات والإلهامات الغيبية، والى جانب ذلك فهو القائد العام للقوات المسلحة، ويقوم بتعبئة كافة القوى للحرب والسلام؛ وهذه الظاهرة من خصوصياتنا الفريدة.

وبخصوص شخصية الإمام الخميني باعتباره قائد الثورة، فمرة تُنشِدون في مدحه أشعاراً مدفوعين بعاطفة حبكم له وتعلّقكم به، وقد قيل الكثير من هذا النوع لكنه لا يحمل رسالة لشعوب العالم، والمهم أن تحمل أشعاركم تعريفات لهذه الظاهرة التي تتميز بها دولتنا ومعنى "ولاية الفقيه"، وهي القيادة العامة لكل القوى وكيف أنها يجب أن تكون لولي الفقيه الأعلم بالدين ومصالحه، فيكون بيده أمر الحرب والسلام والتعبئة العامة وغير ذلك..

وهناك قضايا أخرى في ثورتنا مجهولة للعالم، ومنها وقائع الثورة، فمثلاً يمكن بواسطة الشعر (وصف) كيفية عودة الإمام الخميني الى إيران، وقد مرت على ذلك اليوم ثمانية أعوام، والذي يبلغ عمره منكم اليوم أربعة وعشرين عاماً كان عمره يومئذ ستة عشر عاماً، والكثيرون منكم لم يكونوا في طهران آنذاك، فلا أدري هل تتذكرون ذلك اليوم أم لا؟ ولكن الذين كانوا شهود عيان ويتذكرون يستطيعون تصوير وقائع ذلك اليوم وحالة الشوارع التي شهدت ذلك الإستقبال، ومقدمات العودة، ووصول الإمام، وكيفية حركته الى مقبرة "جنة الزهراء" ثم الذهاب الى مدرسة "علوي" ثم مدرسة "رفاه"، فستكون من ذلك ملحمة شعرية خالدة إذا اقترنت - كما قلت - بالمستوى الفني المناسب فستصبح ملحمة أدبية فريدة.

وكذلك نظير وقائع الأيام الأولى لانتصار الثورة، والتحركات المنحرفة والضالة التي واجهتها، ونشاطات المستغلّين المتسترين بشعارات الدفاع عن مصالح الشعب، وكيف رفعوا السلاح بوجه الشعب وقيادته، وما فعلوه في طهران وغيرها، فهذه موضوعات ملاحم شعرية قوية. كما أن خطاب الإمام الخميني في "جنة الزهراء" وسائر الخطابات تحمل نداءات مهمة يمكن للشعر الثوري أن يجعلها مضامين له.

إذاً، ترَون أن لا حدّ ولا حصر للموضوعات والمضامين الثورية المتوفرة عندنا اليوم للشعر المعاصر، فإذا أخذت الآن قلماً وأردت كتابة عناوينها لاستطعت - دون تفكير مسبَّق - كتابة العشرات منها، يستطيع كلٌ منها أن يجذب إليه فيتحدث وينشد عنه، وبالطبع فمن الضروري أن توضع هذه المضامين في أوعية فنية مناسبة.

إن إبداعكم يكمن في اقتطاف الكلمات بالشكل المناسب، مثلما يفعل صانع الفسيفساء، وقد رأيتم كيف يجلس يرتب القطع ذات الأشكال والألوان المختلفة بصورة فنية متناسقة بحيث لا يمكن فصلها وتفكيكها فيشكّل بها شكلاً واحداً في غاية الجمال. عليكم أن ترتبوا مثله أجمل تصوير في شعركم بواسطة الكلمات، فاقتحموا غمار بحور هذه المطالب والمضامين التي أشرت إليها لكي تستطيعوا تبيان المضامين الجميلة بأساليب وألفاظ وتركيبات جميلة.

هذا فيما يتعلق بمحتوى شعر الثورة. أما فيما يرتبط بأساليبه فالحديث عنها طويل أيضاً.. ولكن مع الأسف فقد ذكّروني الآن أن لدي موعداً اقترب حينه ويا ليتني لم أقرر هذا الموعد إذ لاستطعنا مواصلة حديثنا وتوضيح الإطار والأساليب المناسبة لشعر الثورة وكيف يمكن أن يكون.

أسأل الله التوفيق للإخوة والأخوات الأعزاء والمحترمين، وأستثمر هذه الفرصة مجدداً لكي أشكر المنظمين لهذا المؤتمر من الأعزاء في الجهاد الجامعي وكذلك المشاركين فيه، فواصلوا هذا النشاط ولا تكتفوا بمؤتمر واحد في العام، وواصلوا نشاطاتكم بين هذا المؤتمر ومؤتمر العام المقبل، مع هذه المضامين والآثار والوصايا التي عرضتها هنا، وهناك الكثير غيرها لم أذكرها وهي في ذهني وأتمنى حلول فرصة للتحدث عنها.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الملحق الثاني

ترجمة الرسالة التي وجهها سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي (حفظه الله) الى المؤتمر الذي أقيم تكريماً للشاعر الإيراني الشيخ مصلح الدين الشيرازي، المعروف بـ"سعدي"، بمناسبة مرور ثمانية قرون على ولادته (25/11/1984 م).

بسم الله الرحمن الرحيم

إن إقامة مؤتمر تكريمي إحياءاً لذكرى الشاعر والكاتب الفارسي الكبير مصلح الدين "سعدي الشيرازي" هي من خيرة الخطوات التي شهدها عالم الأدب والثقافة الثورية في هذا العصر، فتكريم "سعدي" هو تكريم للأخلاق والحكمة والمعرفة البليغة وليس للشعر والنثر البليغ وحسب؛ وقد حوّلت الثورة الإسلامية المباركة حياتنا - نحن شعب إيران - في هذا العصر الى وطن للقيم الإسلامية، ووضعت الحكمة والمعرفة في محلّها المناسب؛ لذا فمن الحريّ بالمقدّرين للقيم الإسلامية أن يكون الذكر الجميل لـ"سعدي" حيا على ألسنتهم وفي أذهان سالكي هذا الوادي مكرراً ومؤكداً.

أقدّم خالص شكري لمعدّي ومنظمي هذا المجتمع التحقيقي والأدبي والفني، وأُكرم وأقدّر هذا العمل الإبتكاري الكبير.

لا شك أن "سعدي" هو أحد أعمدة صرح الأدب الفارسي، وتشكّل ثمار شعره ونثره إحدى أكثر شجر ثقافتنا المعاصرة بركة وعظمة، فمواعظ "سعدي" المستقاة من معارف القرآن والأحاديث الشريفة كان لها على الدوام تأثيراً بالغاً على أهل الموعظة، فيما كان بيانه الفصيح الصريح كاشفاً لأسرار كنوز المعاني السامية أمام الأمم المشتاقة لها والباحثة عنها. واليوم - كما هو الحال علـى الـدوام - يستطيع أحباب البلاغة وأولو الألباب أن يجدوا أعز هدية يطلبونها في بدايع طيبات ديوانه ويحصلوا على أجمل زهور الفكر البشري في رياض مصفّى نظمه ونثره.

إن أفضلية "سعدي" على الكثير من نجوم اللغة الفارسية تكمن في احترامه لقدر البيان فلم يجعله وسيلة للتزلف والإرتزاق، فقلّة من أصحاب البيان لم ينثروا عطايا البيان السماوية عند أقدام حكام عصورهم ولم يصقلوا بها سيف الظلم، و"سعدي" هو من هذه الثلة النادرة فهو كان إذا يفتح بالمدح لسانه أحياناً لم يكن يضع في كأس مدحه الذهبي سوى الدواء الشافي والحامل أحياناً لمرارة الموعظة.

حمل شعره ونثره - وهو السائح الذي شاهد الدنيا، والعارف الصادق بالإنسان - على الدوام ورسالته مستقياً لها إما من منبع الوحي وكنوز القرآن والحديث أو من أنوار قلبه وإحساسه النقي.

ومن المميزات الأخرى لهذا المعلّم الجماهيري العظيم، هي إنسيابية بيانه الشفاف والخالي من التكلف، فكلامه مثل الماء الزلال يروي روح المستمع قطرة قطرة، ويدخل قلبه خالياً بالكامل من غبار التكلف، وكثيرون هم الذين تسنّموا عروش الفصاحة في مملكتَي النظم والنثر، ولكن "سعدي" هو وحده الذي استطاع إيجاد شعر سلس مثل النثر، ونثر رصين مثل الشعر، وأعدّ خليطاً عجيباً من المضمون والتركيب والمعنى واللفظ في الشعر والنثر.

وعلى أي حال فهذه فرصة حانت لإظهار الإعجاب بهذا الصانع لقلائد البيان البديع والمعاني السامية، وحريّ اليوم أن يبيَّن ويقدَّر حق كلامه الذي شد إليه وعلى مدى قرون أذهان الحزين والمسرور، وأحاط بالعشق والشباب والضعف والشيخوخة، وعلّم آداب الحديث للشيب والشباب، وكشف أسرار التربية للعالم والعارف، ولكن لا يمكن تحقق هذا التقدير الحقيقي له بدون معرفته بصورة صحيحة. وعلى هذا المؤتمر أن يعرف الجوانب المجهولة في شخصية "سعدي" وإشراقات نتاجه وإبداعه الفني، وأن يعبّد الطريق أمام الجيل الثوري المعاصر للإستفادة من هذا الكنز الثمين، وهذا أفضل تكريم له، وهو مهمة ضرورية، وواجب لازم على الجمهورية الإسلامية القيام به تجاه الرموز الخالدة لعالم الفن والأدب الجماهيري السليم.

إن الأدب الثوري لا يسعى الى هدم بناء الثقافة والأدب التاريخي في هذا البلد من الأساس واستبداله بشيء جديد، فسابقة آدابنا وفنوننا تشكّل ميراثاً قيـّماً ينبغي أن يمنح لأدب الثورة الأساس والقوة ومشعل الهداية الذي يحمله شعر الثورة وفنـّها، يستطيع إضاءة كافة الآفاق والأوعية المتقبلة للفن والعارفة بالبيان، وذلك من خلال الوقوف بثبات فوق القلعة العظيمة التي يشكّلها هذا الميراث الأدبي القيّم.

ومع أن "سعدي الشيرازي" يحظى هنا بموقع متميز لكونه كان على الأغلب يحمل في منطقه وقلبه كثيراً من هذه القيم، التي انتشرت اليوم وببركة الثورة لتعطّر أجواء كافة نواحي حياة الشعب، لكن دعم النتاجات الشعرية والفنية الإبداعية تمثّل في نظام الجمهورية الإسلامية موقفاً مستلهماً من القرآن وسنّة الرسول والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، والثورة الإسلامية في مضمونها مناصِرة ومقدِّرة للفن والأدب.

وللآداب والفنون - باعتبارها وسيلة لتبيان أسمى الأفكار الإسلامية - موقع متميز في التاريخ، وينبغي أن يكون لها موقع مماثل اليوم أيضاً.

لا ريب بأن الثورة تغيّر اتجاه الأدب والفن وتضعه في المسار المطلوب، وهذا الواقع يصنِّف بطبيعته الشعراء والفنانين والأدباء الى طوائف، أولئك الذين يسيرون مع هذا التغيير الأساسي أو لا يبادرون على الأقل لمعاداته، وأولئك الذين يحاربون - عن عداء وعناد - الحركة الثورية للشعر والأدب؛ وهذه الطبيعة الدائمة للتحولات الإجتماعية في كل مكان في العالم، وهذا ما يتكرر اليوم في ثورتنا الإسلامية العظيمة، وأدى الى وقوع البعض في حالة من الشك والقلق تجاه مصير تناسق حركة الفن والأدب مع هذه الثورة.

وحقيقة الحال هي أن الثورة، ولكونها منطلقة من أفكار وقلوب ومساعي وجهود الجماهير الإنسانية، فهي بذاتها المولّدة للشعر والأدب والفن، لأن هذه مقولات إنسانية وشعبية، فحيثما وجدت الجماهير وجد الأدب والشعر والفن، والموجود من هذا حقاً هو ما يفكر به الناس وما يريدونه، وما عداه فلا يدخل القلب ولا يكون له البقاء.

وإضافة لما تقدّم، فإن الثورة الإسلامية تقرر احتراماً كبيراً لنتاجات فكر الإنسان ولبـّه لأنها تؤمن بقوة بخلاقية الإنسان، لذلك لم تتوقف ولم تجمد حركة النشاطات الأدبية والفنية في مجتمعنا الثوري على الرغم من تنكّر وجفاء بعض الأدباء المنفصلين عن الشعب فلم يؤدّ إعراض هؤلاء، الذين لم يرغبوا في فهم وتقدير الغليان الثوري للشعب، الى خمود وتوقف هذه الحركة المتفجرة، فبراعم الأدب والفن الثوري أخذت تتفتح وتنمو في نفس الإتجاه الذي أشارت إليه الثورة، فاستجاب الكثير من أهل البلاغة والبيان لدعوة الثورة. ونحن اليوم نتوقع مستقبلاً مزهراً وأكثر إشراقة من أي وقت مضى للفنون الأدبية الفارسية.

والقضية التي أرى من المفيد ذكرها هنا هي أن الثورة لا تظل منتظرة لهذا أو ذاك في حركتها البنّاءة؛ وعلى سالكي الطريق أن يبادروا هم لعثور على مسيرة الثورة والتمسك بعراها لكي لا يتخلّفوا عن قافلة الحياة والكمال، ونداء الثورة لكافة أهل البيان والكتّاب والفنانين والأدباء هو دعوة للفلاح والصلاح والبقاء، وهذه ثمرة تجارب التاريخ الخالدة.

وفي نهاية الحديث، أكرر الشكر لمنظمي هذا المؤتمر العظيم، وأرحّب بجميع الضيوف المحترمين من الإيرانيين والأجانب، وأسال الله تعالى التوفيق للجميع.

(الفصل الرابع)

القصة والتمثيل

إن وضع فن كتابة القصة ليس جيداً فهو لم يتطور كثيراً، ولم يكن لدينا في العهد السابق كتّاب قصة جيدون في إيران، على الرغم من أن سابقة هذا الفن في إيران قديمة نسبياً(1).

** ** **

.... إذا كان فيها (القصة أو التمثيلية) تربية سيئة وأفكار منحرفة وإغواء واتهامات وافتراء وقول سيئ وفحش، فهي غير إسلامية(2).

** ** **

لا يوجد في الجانب الفني لكتابة القصة شيء يمكن اتخاذه معياراً لتحديد إسلاميتها أو عدم إسلاميتها، فكل ما يمكن تجميل وتطوير الجانب الفني للقصة لا إشكال فيه، بل هو أمر راجح، وكذلك الحال مع التمثيلية(3).

** ** **

حدث مراراً أنني تأثرت بشدة، وتغيّر حالي، خلال قراءة أو مشاهدة أو سماع الآثار الجميلة والنشاطات الفنية لهؤلاء الأعزاء من هذا الجيل، وأغلبها ترتبط بنفس هذا المركز (مركز الفكر والفن)، وكثيراً ما أثّـرت فـيّ أفلامه وتمثيلياته وأشعاره الى درجة البكاء تأثراً وشوقاً(4).

** ** **

عليكم البحث عن الجيدين من الكتّاب والشعراء وكتّاب القصة والنصوص التمثيلية، وأدعوهم (للتعاون)، لأن هناك أشخاصاً ليسوا منكم لكنهم ليسوا ضدكم أيضاً، لذا يمكن أن يصبحوا في خدمة الثورة(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقطع من كلمة القائد في افتتاح مركز الفكر والفن (6/3/1985م).

(2) من حديث القائد مع أعضاء القسم الثقافي في صحيفة "الجمهورية الإسلامية" (15/2/1982م).

(3) المصدر السابق.

(4) مقطع من كلمة القائد في افتتاح مركز الفكر والفن (6/3/1985م).

(5) من حديث القائد مع أعضاء القسم الثقافي في صحيفة "الجمهورية الإسلامية" (15/2/1982م).

.... أما فيما يتعلق بالموضوع، فلدينا اليوم - ولله الحمد - موضوعات كثيرة جداً تغنينا عن البحث، فهذه الحرب نفسها تضم موضوعات مثيرة للحس الشعري ومواد للقصة والتمثيلية، فما المانع من أن ندوّن تصويراً لحياة شخص في الخندق على مدى اليوم والليلة، وما يدور في ذهنه وهو في خندقه، وما يفكر به المجاهد والمضحي، ونصور قصة الشهيد؟!... ليجسّد كاتب القصة المبدع ذلك ويكتب عنه، وبالطبع فالذي يجب أن ينجز هذه المهمة يجب أن يكون قد عاش بنفسه حياة الخندق؛ وهذا الموضوع متوفر في كافة قضايا حرب العراق ضد الجمهورية الإسلامية، فكتابة وقائع جولة في الأهواز وديزفول وسوسنغر تشكّل بحد ذاتها قصة متكاملة أجمل من أي قصة أخرى(1).

** ** **

تلاحظون أن هذا الأثر الخالد "البؤساء" لا يبلى أبداً، أو على الأقل ما دامت ثقافتنا المتعارفة موجودة؛ وتشكّل الحروب الداخلية في فرنسا - بين دعاة الجمهورية وبين السلطة الملوكية التي أعقبت نابليون - جزءاً أساسياً في هذا الأثر، الذي ترَون أنه مملوء بشرح حوادث التاريخ الفرنسي من أواسط حكم نابليون الى فترة الأعوام (1850 - 1860 م) وحقبة ما بعد نابليون وحكم ملوك عائلة "بوربون"، ولذا فأفضل المحاور لكتابة القصة هي أمثال هذه الحوادث، ونحن لدينا مثل ذلك(2).

** ** **

ومن القضايا الأخرى الجديرة بأن تكون موضوعاً للنتاجات الأدبية والفنية هي مثلاً قضايا أعداء الثورة؛ وكنت دائماً أفكر مع نفسي في واقع أننا لو استطعنا فرضاً تصوير الأشياء التي تحملها ذاكرتنا بشكل فني ممثَّل، أي بصورة فيلم أو تمثيلية، فمن المؤكد أن تأثيرها سيتضاعف أضعافاً مضاعفة... حتى فيلم "الملك السارق" هذا فالمحتوى الذي حمله هو خواء أعمال ودوافع أعداء الثورة، وقد تم تجسيد هذا المعنى في هذا الفيلم بصورة جيدة، حيث أوضح كيف أنهم حتى في نشاطاتهم الكذائية المعارضة للجمهورية الإسلامية لم يكفّوا عن أدنى أهوائهم وشهواتهم الحيوانية...

إذاً، فلو تم إنتاج وعرض مثل هذا الفيلم في مجال قضايا المجاميع المعادية للثورة لكان تأثيره كبيراً.

إنني أعتقد أن الموضوعات التي لدينا الآن، والتي تصلح أن تكون مضموناً للأعمال الفنية، هي موضوعات فريدة لا نظير لها، والواجب هو توجيه الفنانين إليها(3).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقطع من كلمة القائد في افتتاح مركز الفكر والفن (6/3/1985م).

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

يجب عليكم تقوية أسسكم الفنية بما استطعتم، ومعالجة أشكال الضعف الموجودة في هذا المجال ولا تتهاونوا في ذلك.

وأعتقد أن النقد لم يَجِد له الى الآن مصداقاً صحيحاً في مجتمعنا سوى العنوان، ففي السابق كانوا يتبادلون فيما بينهم السباب والإفتراء ويسمونه نقداً!! وبالطبع فلا أستطيع القول إن النقد كان مفقوداً بالكامل ولكن الحقيقي منه كان قليلاً جداً، واليوم أيضاً نفتقد النقد الفني، فبادروا أنتم للبدء بالنشاط النقدي بلغة طيبة محببة ومربية(1).

** ** **

العمل المسرحي والعمل السينمائي

دور جهادي:

يجد المسرح في الجمهورية الإسلامية أصالته ورفعته في تبيان معاناة بني الإنسان وشرح قصة مظلوميتهم؛ وميدان هذا العرض الفني الكبير واسع بسعة محيط عيش مستضعفي الأرض؛ وفنانوه هم: مجاهدة الظلم وصرخة الرفض للظالم والدفاع عن المظلوم؛ وتقنيته الفنية هي: التضحية بالنفس في سبيل الهدف؛ وثمرته هي: إنتصار الدم على السيف(2).

** ** **

في نهاية عقد الثلاثينات وطوال العقد الرابع (من القرن الهجري الشمسي الجاري)، اللذين شهدا اقتران تطور حركة العمل المسرحي والسينمائي تدريجياً باتجاه الميول اليسارية، إتضحت وبرزت فيه أكثر وأكثر الجنبة المعادية للدين... وكانت السلطة المتجبرة تدعم أي تيار معادٍ للدين - حتى لو كان يسارياً - وذلك لمواجهة انتشار الإسلام الثوري، وعلى الطرف الآخر كانت تحارب أي ظاهرة يمكن أن تتحدث عن نضوج العقيدة الإسلامية والإيمان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من كلمة القائد في افتتاح مركز الفكر والفن (6/3/1985م).

(2) من رسالة القائد لمهرجان"السابع عشر من شهريور المسرحي (8/9/1982م).

وفي ظل هذه الأحوال نما الفن، وخاصة أشكاله الفنية الحديثة الظهور كالمسرح والسينما، باتجاه التغرب ومحاربة القيم الدينية، وكانت معظم نتاجاته تصطبغ بصبغة معاداة الدين(1).

** ** **

تفتّح براعم الفن السليم:

لقد غيّر سقوط حكم الطاغوت وقيام حاكمية القيم الإسلامية تجاه حركة كل شيء، وهيّأ الأرضية اللازمة لتطور الفن، والأهم منه توجيهه بالإتجاه الصحيح والسليم؛ الفن الباطل فقد دعامته، وحصل الفن الحق على ميدان التحرك وإمكانية تفتّح براعمه(2).

أشكر كثيراً الإخوة الأعزاء في الفرقة التمثيلية... فقد كان عملهم جيداً للغاية حقاً؛ وهذا نموذج للأعمال الفنية القوية والصعبة والتي تخدم الأهداف الثورية وبأساليب فنية عالية للغاية تشتمل على مضامين سامية جداً.

وحقاً فإن ميادين الثورة نفسها هي ساحة عرض مسرحي عظيم... وهذه الحركة العظيمة التي قام بها شعبنا حملت - حقاً - ظاهرة جديدة للعالم، ومَعْلمُ هذا الإندفاع المقدس والروح التضحوية وهذه الحركة العظيمة والمعنويات السامية هو إمامنا الخميني العظيم وهو حقاً رائد هذه القافلة؛ وما يجده وما يراه الشعب في هذه الشخصية العظيمة الكبيرة هو نهج الأنبياء الحقيقي، وقد وجده بالفعل، ولذا فنحن متفائلون جداً تجاه مستقبل هذه الحركة الشعبية(3).

** ** **

آمل أن تنجزوا وتعرضوا الأعمال اللاحقة أيضاً وتعلّموا الناس المضامين المتينة والدعوات الجديدة، مع الإلتزام بالمحور الأساسي للثورة وعماد مسيرتها الذي تمثلها حركة إمامنا الخميني العزيز؛ وأشكر بـإخلاص المسؤولين في وزارة الإرشاد والقائمين بهذا العمل.

لقد أوضحتم أيها الإخوة الأعزاء الكثير من الحقائق بلغة التمثيل، وهذه لغة قوية ومؤثرة للغاية(4).

** ** **

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقطع من رسالة القائد للمهرجان المسرحي الجامعي (5/11/1984م).

(2) المصدر السابق.

(3) من رسالة القائد لمهرجان 17 شهريور المسرحي (8/9/1982م).

(4) من كلمة القائد في جمع من الفنانين.

الملحق الأول

ترجمة النص الكامل للمقابلة التي أجرتها معاونية وزارة الإرشاد الإسلامية الإيرانية مع سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي حول العمل السينمائي والتي نشرتها مجلة "صحيفة" الإيرانية في عددها الصادر في نيسان 1985 م:

قيمة العمل السينمائي:

س: ما هو الموقع الذي ترَونه للسينما في الجمهورية الإسلامية، وما هي أهمية وجود أو عدم وجود النشاط السينمائي - حسب نظركم؟

ج: لا تنفصل قضية السينما عن عموم قضايا الفن، ومثلما نولي أهمية كبرى لكافة فروع الثقافة - بهدف الوصول الى المقاصد التي تشكّل جزءاً أساسياً من أهداف نظام الجمهورية الإسلامية - فمن الطبيعي أن نولي الفن هذه الأهمية باعتباره وسيلة متفوّقة، ونولي مثلها لفروعه، كلٌ بحسب قيمة ومستوى فاعليته. أما فيما يتعلق بالسينما، فجوابي بشأنها هو نفس الجواب الذي أجيب به عليكم لو كان سؤالكم عن أي فرع من فروع الفن الأخرى؛ وبخصوص السينما يجب أن أرى ما هو ثمن وجودها لكي أستطيع الجواب عن أهمية وجودها أو عدمها..

نحن نولي احتراماً وتقديراً كبيراً للعمل السينمائي الذي نقبله، والذي يحقق المقاصد التي يؤيدها الإسلام والثورة، في حين نرى أن من غير الصالح وجود العمل السينمائي الذي يتحرك خلاف هذه المقاصد ولا نرى له قيمة أصلاً؛ وبغض النظر عن النمط الخالي من كلا هاتين الحالتين المتقدمتين إذا افترضنا وجود مثل ذلك، إذ أن لكل فيلم رسالة وكلمة ما يعرضها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وحكم هذا النمط يتضح من معرفة حكم العمل السينمائي النافع أو الضار.

وبناءاً على ما تقدّم، فنحن نولي قيمة كبيرة للعمل السينمائي المطلوب وقيمته هي أكبر من أكثر الفروع الفنية الأخرى، لأن أسلوب إبلاغه لرسالته أفضل وأبرز وأكثر تأثيراً من غيره.

الجاذبية فـي العمل السينمائي:

س: يعتقد الكثيرون أن من اللازم رعاية جانب التلهية في الأفلام السينمائية، فما هي بنظركم طبيعة الإرتباط الذي يجب توفره بين جاذبية الفيلم ومضمون الرسالة التي يحملها؟

ج: بالطبع إن الجاذبية عنصر أساسي في الفيلم ولا يمكن تجاهلها، ولكن مصطلح "التلهية" لا نراه مصطلحاً جيداً، ونحن لا نستخدمه، ونرغب أن لا يكون هناك شيء بهذا المعنى، بل نريد أن يكون عامل تعليم وتوعية الى جانب كونه جذاباً أيضاً، ولا تعارض بين هذين أصلاً، فالجاذبية عنصر أساسي في الفيلم، بمعنى أننا لو فرضنا أن فيلماً يحمل أفضل مضمون ورسالة لكنه يفتقد الجاذبية فهو عاجز عن تحقيق وتبليغ أي شيء وحاله حال الإنسان الذي يجلس وحده في غرفة ويتحدث عن أسمى موضوع. ولكن هناك اشتباه وخلط موجود في أذهان البعض ينبغي أن نزيله وهو: أنهم يتصورون أن الرسالة التي يجب أن يحملها الفيلم - ونقصد هنا رسالة الثورة الإسلامية وهي المحترمة المقدسة عندنا - تقتضي أن يتجه الفيلم باتجاه انعدام الجاذبية، ويبدو أنهم توهموا وجود تعارض بين هذين، بمعنى أن الفيلم إذا لم يكن إسلامياً وثورياً فهو جذاب حتماً، هذه معادلة خاطئة ونحن نرفضها، بل قد يحدث أحياناً أن تكون رسالية الفيلم ومحتواه عاملاً في إضفاء الجاذبية عليه بحيث يغطي حتى على التقنية والأسلوب الفني له بحيث يهيمن على المشاهد الكلام الذي يحبه ويجذبه بحيث يجعله يغفل حتى عن ضعف التقنية.

واستناداً الى ما تقدّم فإن الهدف والرسالية هما الأصل عندنا في الفيلم والعمل السينمائي، وإلا فما الذي يدفعكم باعتباركم ثوريين الى العمل في هذا المجال؟! وهل ستواصلون العمل فيه إذا خلى من المحتوى الثوري أو الإسلامي؟! الجواب واضح: كلا.

إذاً، فالشخص المنسجم والمتفاعل مع الثورة يريد العمل السينمائي المستلهم منها ولا ريب في ذلك، وهو المهم عندنا بالدرجة الأولى، وغاية الأمر هي أننا نعلم أن إيصال العمل السينمائي لرسالته يستلزم أن يكون جذاباً. وعليه، فلا مناص من توفير الجاذبية فيه باعتبارها وسيلة ضرورية فيما المحتوى هو الهدف والمقصد.

إذا وُضِعت أفضل المضامين في شعر سيئ من الزاوية الفنية فلن تحقق أثرها المطلوب، ولكننا مع ذلك لا نضع المضمون في الدرجة الثانية في العمل الشعري بل يجب أن يكون الإهتمام به في الدرجة الأولى شريطة أن يقترن بالتقنية الفنية المطلوبة إذ بدونها لا يكون مفيداً فيما لا يمكن إنكار أن التبليغ هو المهمة الأساسية للعمل الفني.

محذورات العمل السينمائي الصالح:

س: ما هو الفيلم الذي لا يصلح للعرض بنظركم؟ وبعبارة أخرى: ما هي العوامل الداخلة في الفيلم والتي تجعله غير صالح للعرض؟

ج: أعتقد أننا لو عرفنا الشروط التي يجب توفرها في الفيلم الفارسي المطلوب فإن الأمور التي يجب اجتنابها ستتضح بنفسها، لذا يجب أن نعرف أولاً هذه الشروط. أما فيما يتعلق بالمحذورات فأستطيع القول إنها تشمل كل ما من شأنه إحياء أو تقوية ما يخالف القيم الإسلامية التي يتبنّاها الفيلم الفارسي حالياً، وكذلك ما يخالف الفطرة الإنسانية السليمة والقيم المفيدة والضرورية للشعب والمؤثرة في تكامله؛ هذه أبرز المحذورات التي يؤدي وجودها في فيلم ما إلى جعله غير صالح ويجعلنا نرفضه؛ ولا اعتراض لنا على الأعمال السينمائية الخالية من هذه المحذورات. نعم إن درجة قبولنا بها ترتبط بمستواها.

العاملون فـي الوسط السينمائي:

س: العاملون من قَبل انتصار الثورة في العمل السينمائي ينقسمون بمختلف مراتبهم الى طائفتين: الأولى: هي العاملة في جانبه الثقافي، والثانية: المتكفلة بالجانب الفني والتقني، وهناك في الطائفة الأولى اتجاهات متعددة بعضهم معروف بالفساد والبعض الآخر ليس كذلك، بعضهم معارض للجمهورية الإسلامية والبعض الآخر يدعمون العمل المضاد ضد الثورة، وبعض تركوا العمل السينمائي أصلاً. فما هي طبيعة تعاملكم مع هؤلاء، فالبعض يعتقد بضرورة عدم السماح لأي منهم بالعمل في هذا المجال، فيما يعتقد البعض الآخر بضرورة التمييز بينهم، وهناك مَن يعتقد بضرورة السماح للجميع بالعمل شريطة فرض الرقابة والإشراف. ما هي وجهة نظركم بهذا الخصوص؟

ج: هذا الموضوع من المسائل الحساسة التي وردت بشأنها العديد من التساؤلات منذ أوائل الثورة. لاحظوا إنكم لم توجهوا أي سؤال فيما يرتبط بالطائفة الثانية المتكفلة بالأمور الفنية والتقنية، ولا بأس من الحديث عنها بجملتين أو ثلاث. وحقيقة الحال هي: أن العاملين في الشؤون الفنية السينمائية كالمصورين والعاملين في المكياج والإنارة وغير ذلك يستطيعون القيام بأعمالهم بصورة أفضل مما يقومون به الآن لو أرادوا خدمة الشعب، ونحن نسمع أنهم أكثر رغبة في العمل للأفراد الذين لا ينسجمون مع الثورة بتلك الصورة، فهم يهتمون أكثر بعملهم معهم ويسخّرون خبرتهم الفنية بدرجة أكبر. وعليه، فلا ينبغي لنا الإهتمام فقط بأمر جانب المحتوى أو المتصدين للجانب الثقافي حسب تعبير تقسيمكم، بل إن المتكفلين بالأمور الفنية يمكن أن يكونوا أكثر نفعاً، لذا يجب التساؤل عما نفعله معهم؟! لعلّي أتحدث في النهاية عن أمر يشمل هؤلاء أيضاً.

إن العاملين في النشاط السينمائي اليوم هم ضمن مجموعتين: الأولى تشمل الممثلين وعملهم في الدرجة الثانية، وإن كانوا في الواقع هم الذين يجذبون الأنظار؛ ولكن الذين يؤثر عملهم أكثر من الممثلين هم المخرجون وكتّاب السيناريو وأمثالهم، لذا يجب البحث بشأن هؤلاء أكثر؛ ولكن سؤالكم يختص بالمجموعة الأولى أي الممثلين - على ما يبدو، وبقرينة الأسئلة المتكررة التي وردتني الى الآن بهذا الخصوص - فسؤالكم عن الذين يظهرون أمام العيون، وأنا لا أعرف الكثير من هؤلاء، والسبب هو أننا لم نكن نشاهد الأفلام أصلاً في العهد السابق، واليوم أيضاً لا نمتلك الفرصة الكافية لذلك رغم إمكانية وجود الأفلام الجيدة، اللهم إلا أن يجبرونا أحياناً على الجلوس لمشاهدة شيء ما، وهذا نادر الحدوث، ولكني أستطيع القول على نحو الإجمال وبحدود الأطر العامة:

إن البعض لا يتمتعون بمستويات فنية عالية وسبب شهرتهم يرجع غالباً الى جوانب عامية مبتذلة، وهم في نفس الوقت غارقون في المظاهر القبيحة، وهؤلاء - بدون شك - يُضعفون أي محتوى ومضمون لفيلم ما مهما كان المحتوى قوياً إذا صدر عنهم، وهذه حقيقة ينبغي علينا الإنتباه إليها، وأنا هنا لا أطرح قضية عدم الإستفادة من هؤلاء كفتوى شرعية، فلهذه مقام آخر نقرر فيه في دراسة شاملة أمر الإستفادة منهم أو عدم الإستفادة، ولكني أرى أن حضور الممثل - رجلاً كان أو امرأة - الذي لا تحمل أذهان الناس عنه سوى الصور السيئة والمناظر الجنسية القبيحة المبتذلة والتي تجعل الشاب المؤمن، وحتى الفرد العادي - غير "الحزب اللهي" - والذي يعيش في أجواء الثورة، لا يشعر بأي احترام لهذا الممثل بل يحس بالنفرة منه، أقول إن هذا الحضور هو أمر سلبي، فحتى لو جاء هذا الممثل مثلاً ليفتح القرآن ويفسر آية منه فلا شك أنه سيضعف مفهوم هذه الآية والرسالة التي تحملها لأن الناس لا يصدقونه حقاً، إلا أن تضاف الى هذه الحالة أشياء أخرى، وحينئذ يجب التفكير بشأنها.

ولكن يوجد بين الممثلين مَن ليست لهم سوابق، كسوابق الذين تحدثنا عنهم آنفاً، في حين أن مستواهم الفني وعملهم السينمائي لا يقلّ عن أولئك إن لم يكن أفضل، وهؤلاء يجب الإنتفاع منهم بدرجة أكبر وفتح ميادين الحضور لهم ومساعدتهم في إظهار طاقاتهم الفنية، كما يجب الإنتفاع أكثر من الوجوه الجديدة، فيجب عليكم تشجيع الشباب الموهوبين القادرين على التحول الى فنانين جيدين، وإدخالهم في الميادين الفنية والإستفادة منهم، فإذا توجهنا الى القدماء فقط وملأنا بهم ميادين العمل الفني فإن الشاب الثوري لن يجد فرصة له بل قد يأنف عن المشاركة في عمل مع الممثل الفلاني الذي لا يحترمه لسوء سوابقه.

إذاً، علينا أن نأخذ بنظر الإعتبار العوامل والمعايير التالية:

أولاً: معيار عدم إضعاف المضامين الجيدة بجعلها تصدر من أفواه وألسنة يعتبرها الناس ملوثة.

ثانياً: فسح المجال أمام غير الملوثين بهذه القبائح، والذين يحظَون بقابليات فنية أفضل، وإن كانوا غير مقبولين من العوام.

ثالثاً: وهو الأهم: فسح المجال أمام العناصر الشابة والجديدة والثورية، أي أمام الذين يؤمنون بأن الثورة قد اكتسبت القوة اللازمة لتغيير العمل السينمائي أيضاً وإيجاد تحول في الأفلام وشخصياتها، فليدخل هؤلاء ميادين العمل لكي يصبح لدينا مستقبل سينمائي أفضل، السينما هي بأيديهم. والعناصر القديمة من هؤلاء قلّما يخلصون للثورة بل وقلّما يقفون موقفاً محايداً، فهم في الأغلب وجّهوا ضربات لها؛ وأعتقد أن علينا أن نستفيد من وجود المستعدين حقاً لخدمة الثورة من هؤلاء شريطة أن تكون هذه الإستفادة حذرة للغاية، وهذا الشرط يصدق أيضاً على المجموعة الأولى التي تحدثت عنها، أي الممثلين.

لا ينبغي لحكومة الجمهورية الإسلامية والمسؤولين عن الشؤون الثقافية في الدولة أن يغفلوا عن أمر النشاط السينمائي، وأحد مصاديق عدم الغفلة هنا هو عدم السماح بالعمل للأشخاص الذين كانوا يلعقون أقدام خدام الملك، وهم اليوم غير مستعدين لخدمة الشعب، بل ويقومون أحياناً بطعنه وطعن الثورة غدراً، نظير ما فعله أحدهم رغم تقدير نظام الجمهورية الإسلامية له حيث تحدث للإذاعات الأجنبية ضدكم - أنتم الذين شجعتموه وضد نظامكم.

كنا نتصور أن بعض الأفراد متعلقون بالثورة، لذا سمحنا لهم بالعمل دون أن نلتفت الى أنهم لم يكونوا من الثورة في شيء فقاموا بما أرادوا، وأعتقد أن هذه المجموعة أساؤوا العمل حتى في هذه المسلسلات التي تعرض عبر التلفزيون، فلدي اعتراضات حتى على مسلسل "سربدران" (المصلوبون)، فمثلاً كان يمكن لهؤلاء أن يغيّروا أدوار الممثلين، فلم تكن هناك ضرورة أن يؤدي دور "القاضي شارح" ممثل قوي فيما يقوم بتمثيل دور "حسن الجوري" شاب ضعيف الجاذبية؛ ولا أستطيع أن أصدق بأن الدقة اللازمة قد توفرت في مثل هذه المسلسلات مع خروجها بهذه الكيفية، فإما أن الدقة المطلوبة انعدمت فيها أو أن هناك شيئاً من العناد المتعمد، ولا أقصد هنا "سربدران" بل حديثي عن النشاطات الجارية في عالم السينما وصناعة الأفلام في بلدنا بصورة عامة.

وبناءاً على ما تقدم، يجب عليكم - ما استطعتم - التعامل بحذر وذكاء في الإستفادة من عناصر هذه الفئة الثالثة، فلا يمكننا أن نغفل عن الثورة والشعب ومشاعر جماهير حزب الله العظيمة والعازمة على الدفاع عن الثورة، نغفل عن كل ذلك من أجل مُخرج كان الى الأمس يفعل كل ما اشتهى من القبائح ويرقص مع كل دقة طبل!! هذه من الموارد غير الصحيحة التي أريد التحذير منها؛ فهذا المخرج الذي يتجاهل مشاعر الشعب وقيمه والذي لا زال معرضاً عن الإستفادة من فنـّـه من أجل خدمة الشعب، وحتى إذا قام بـإنجاز عمل ما ينجزه بصورة يخلط فيها الصالح بالفاسد لكي يستطيع الإعتذار إذا عاد "بختيار" يوماً!! مثل هذا من الأفضل أن لا يقوم بـإنجاز شيء أصلاً حتى لو عطلنا العمل السينمائي، فأنا أرجح تعطيل السينما الفارسية، أو أن يقلّ حجم إنتاجها وبيعها للأفلام على أن يأتي مَن لا يخفق قلبه للثورة ويصنع أفلاماً بنيّة غير خالصة.

الرقابة الحكومية على العمل السينمائي:

س: هل ترَون أن للحكومة دور الإشراف فقط على النشاط السينمائي والعاملين فيه أم يتعدى دورها الى التوجيه والإرشاد والدعم أيضاً؟ وما هي حدود الدعم الذي يجب أن تقدمه للعمل السينمائي المطلوب والذي تريده الجمهورية الإسلامية؟

ج: أعتقد أن الحكومة لا يمكنها عزل دورها تجاه المجال السينمائي عن المسؤوليات التوجيهية.

وإذا كان مقصودكم من الإشراف هو المعنى الذي يشمل التوجيه والمراقبة والمنع من الأشياء السيئة، فأجيب: نعم يجب أن يكون للحكومة إشراف؛ أما إذا كان المعنى المقصود أقلّ من هذا فلا يكفي الإشراف، إذ أني أعتقد أن على الحكومة أن تكون مؤثرة وحاضرة في الشؤون المربوطة بالعمل السينمائي، وهذا الحضور المؤثر يشمل عدة مصاديق:

دعم وتأييد وتشجيع الفنانين الثوريين، ووضع الإمكانات تحت تصرفهم، والتعريف بهم، وإقامة مثل هذه المهرجانات الفنية لتوسيع خبراتهم وتجاربهم وتعليمهم، وتطهير ميادين العمل من العناصر المعرقلة لنموهم وتقدمهم.

كما يجب على الحكومة التعامل بحذر وذكاء - على الجانب الآخر - مع الذين يمكن أن يستخدموا العمل السينمائي والفيلم وسيلة ضد الجمهورية الإسلامية، ويجب عليها منعهم من القيام بذلك، فلا يمكننا أن نضع العمل السينمائي في بلدنا بأيدي أشخاص معادين للثورة، فلا يمكن وضع قسم كبير وشديد التأثير من قنوات التغذية الثقافية للشعب بأيدي أشخاص يرفضون الأفكار التي يؤمن بها عامة الشعب والمنطلقة من المعتقدات العامة التي يقف الشعب على أُهبة الإستعداد للتضحية دفاعاً عنها، أو بأيدي أشخاص لا يؤمنون بهذه الثورة التي تقوم على أسس أرقى المقاصد التي عرفها العالم المعاصر؛ فهذا الأمر يرفضه الشعب وترفضه الثورة بلا شك.

إذاً، فيجب أن يكون للحكومة حضورها المؤثر في هذا المجال، ولكن هذا لا يعني أن تتكفل الحكومة بكافة الإستثمارات، في العمل السينمائي اليوم حركة تكاملية، إذ قد لا يكون غيرها قادراً على ذلك الآن لكونه ليس مربحاً مادياً بالصورة السريعة المطلوبة أو لكثرة المشكلات التي تعترضه. لذا فقد لا يمكن معالجة الأمر في الفترة الراهنة سوى بمبادرة الحكومة للقيام بذلك، لكنني لا أقترح ذلك بل إن ما أقترحه هو أن يدير القطاع الخاص العمل السينمائي شريطة أن يكون تحت إشراف حكومة الجمهورية الإسلامية.

العمل السينمائي والقطاع العام والخاص:

س: شكل الإنتاج والعمل السينمائي في البلد يمكن أن يكون على ثلاثة أشكال، هي:

1- من قبل القطاع الخاص وحده.

2- من قبل القطاع العام (الحكومي) وحده.

3- مشتركاً من كليهما.

فأي هذه الأشكال يمكن أن تكون أفضل؟ هذا أولاً، وثانياً: ما هي المواصفات التي تطلبونها من القطاع الحكومي ومن نتاجات القطاع الخاص؟

ج: طبيعي أننا نتوقع أموراً أكثر من الحكومة، لأن القطاع الخاص يفكر بأرباحه التجارية في حين أن الحكومة تعمل من موقع المسؤول، والعمل السينمائي هو من المجالات التي تتعرض الى الإنحراف حتماً إذا كان هدفها هو الربح المادي وحده؛ وقد اتضحت الإجابة على السؤال بمقدار من خلال الإجابة على السؤال السابق، وأعتقد أن الواقع القائم فعلاً في القطاع الخاص لا يدفعه للعمل بالإندفاعة المطلوبة إذا أراد الإلتزام بالمبادئ والمعايير والضوابط التي تحددها الجمهورية الإسلامية للعمل السينمائي.

مخاطر السينما الأجنبية:

س: ما هي درجة التناسب - كماً وكيفاً - بين الأفلام الإيرانية والأفلام الأجنبية؟ وبعبارة أوضح: ما هي مواصفات الفيلم الإيراني الذي نستطيع أن نُعرض بوجوده عن الفيلم الأجنبي الجيد؟ وما هي الأخطار التي يمكن أن نغض الطرف عنها في الفيلم الإيراني لكي يصلح للعرض ونقلّل بذلك من عرض الأفلام الأجنبية؟

ج: يبدو أن الفرض الذي يقوم عليه هذا السؤال هو توفر فيلم أجنبي جيد وحاضر للإستفادة في مقابل كل فيلم إيراني نجده يفتقد التقنية الفنية بالمستوى المطلوب، فإذا لم نستطع تحمّل هذا نقدّم ذلك للعرض بدلاً عنه فوراً؛ هذا هو الفرض الذي يقوم عليه السؤال - على ما يبدو - لكنني أتصور أن الوضع القائم فعلاً ليس كذلك، فعندما نشاهد فيلماً إيرانياً لا تتوفر فيه المواصفات المطلوبة بالكامل، فهذا لا يعني أننا حرمنا أنفسنا من فيلم أجنبي جيد.

إننا لا نعارض الفيلم الأجنبي الجيد، فأْتوا بما شئتم منه، ولكن ما هي كمية الأفلام الأجنبية الجيدة يطبِّق موازينكم وموازين الثورة الموجود لديكم؟ ونقصد بالجيد: الفيلم الذي ليس فيه تربية سيئة ولا يتعارض مع القيم الإسلامية في مضمونه وفي أسلوبه وتقنيته؛ فأْتوا بكل ما لديكم من هذا النوع، ولا تقدّموا عليه أي فيلم إيراني، فحتى لو جئتم بها جميعاً فسيبقى لديكم نقص عليكم أن تسدّوه بالأفلام الإيرانية.

أما فيما يتعلق بالفيلم الإيراني فينبغي أن تتوفر فيه كافة المواصفات التي نطمح إليها، ولكن ونظراً للملابسات الواقعية الموجودة فعلاً علينا أن نقلّل من الشروط بعض الشيء، فلو كان محتوى الفيلم جيداً ومطلوباً فلا ينبغي أن نرفضه حتى لو كان فيه ضعف في الجانب الفني، والأمر المهم لدينا اليوم هو محتوى الفيلم فيجب أن يحمل رسالة الثورة، وهذا أصل أساسي كما قلنا سابقاً. صحيح أن الجاذبية شرط ضروري فيه، وعليكم أن تبحثوا عن الأفلام التي تتوفر فيها بأفضل ما يمكن، ولكن إذا لم تجدوها بالحد الأعلى فاقنعوا بأقل من ذلك بعض الشيء.

نحن - كما قلت - لا نعارض الفيلم الأجنبي إذا انسجم مع مفاهيم ثقافتنا، لكنني أشاهد ما يعرض عبر التلفزيون، وأسمع عما يعرض في دور السينما، فأرى - مع الأسف - أن كثيراً من أن الأفلام الأجنبية التي تُجلب غير صالحة، وليس من جهة محتواها فقط بل حتى من الزاوية الفنية، فهي ضعيفة للغاية وتسبّب الملل والضجر، ولا أرى فيها الفيلم الجيد في محتواه وفي تقنيته وجانبه الفني وعلى درجة عالية بحيث يجعلنا نعتقد أنه لو دخل أجواء البلد فسيضيق مجال الفيلم الإيراني.

س: توضح إحصائيات النشاط السينمائي في إيران ازدياد إنتاج الفيلم الإيراني، فما هو تقييمكم لهذا النشاط خلال هذه الأعوام الستة التي تلت انتصار الثورة الإسلامية؟

ج: بالطبع إن ازياد عدد الأفلام المنتجة من ستة أفلام في العام سابقاً الى ستين فيلماً سنة 1361 (هـ.ش) هو تطور كمي واضح وهو جيد بالطبع، والتطور الكمي خلال هذه الأعوام الثلاثة المنصرمة جيد كما ذكرتم؛ أما التطور النوعي فلا أستطيع الآن إعطاء رأي بشأنه لعدم اطلاعي بالكامل عليه، وعدم مشاهدتي الكاملة لأفلام هذه الفترة؛ لذا فإني أؤكد قولي السابق وهو: إذا أردتم تطوير السينما الفارسية فعليكم الإهتمام بأمرين: الأول فسح مجال العمل أمام العناصر الموهوبة الموالية حقاً للثورة ولمصالح البلد وليست أجنبية عنها، والثاني إيجاد تحول في أصل السينما الفارسية، بمعنى إخراج العناصر المضادة للقيم التي زُرعت فيها وإزالتها بكل صورة ممكنة، أي أن تعوّدوا المشاهد على عدم توقع مشاهد عنف، ومناظر مبتذلة في الفيلم؛ فيجب إيجاد سعي حقيقي لأعمال الإبداع الفني الحقيقي في الفيلم، ومتابعة تأثيره، وإيجاد المضامين الحقيقية المطلوبة، فإذا تحقق هذا تحقق معه تحول أساسي في العمل السينمائي.

علاقة العمل السينمائي والجمهور:

س: الى أي حد يستطيع الإنتاج السينمائي في البلد معتمداً على استقبال المشاهد له؟

ج: العمل السينمائي هو للمشاهد أساساً، ومعلوم أنه لا يستطيع الإنفصال عنه، ولكن لا يمكن ضمناً نسيان أن له أيضاً دور الهداية كسائر (الخطباء) الذين لديهم مَن يستمع لقولهم ويعتبرون وجودهم للمستمع فلا يمكنهم تجاهل رأي المستمع؛ لكن حكمة وجودكم هي هداية المستمع؛ وبين هذين خط مستقيم يمكن السير عليه بالتسلح بالدقة.

س: بنظركم هل يشترط أن تكون فكرة الفيلم من المسائل الإسلامية أو القضايا الحربية والثورية؟ أم يمكن أن تتسع لتشمل أيضاً سائر المضامين والقضايا الإجتماعية؟ أي ما هو معنى إسلامية الفيلم بنظركم؟

ج: كافة الموضوعات يمكن أن تكون إسلامية، فحتى الفيلم الذي يحكي سيرة النبي الأكرم (ص) يمكن إعداده بحيث يكون معادٍ للإسلام. إذاً، فكون أن الفيلم يحمل اسم محمد (ص) والدور الأول فيه هو عنه (ص) لا يعني إسلاميته مطلقاً، بل إن كافة الموضوعات يمكن أن تعدّ بصورة إسلامية، ونحن نريد تحقق أمرين لأسلمة الفيلم: الأول أن تكون القيم التي يدعو لها ويركزها قيماً إسلامية، والتحقيق يثبت أن للقيم الإسلامية مساحة واسعة، تمتد من تعليم الصلاة الى تعليم الصدق، الشجاعة، والمقاومة وسلامة العمل...، وكل فيلم يعلّم أمثال هذه القيم فهو ذو محتوى إسلامي، هذا هو الأمر الأول.

أما الأمر الثاني المطلوب لإسلامية الفيلم هو أن تكون فيه مظاهر ورموز غير إسلامية، فقد يُظهر فيلم حالة الصلاة ولكن الممثلين يُظهرون أشياء مضادة للقيم الإسلامية من خلال طريقة تحركهم ووضعهم ونظراتهم، فهذه القضية مهمة بمقدار أهمية القضية الأولى فكلتاهما يجب أن تكونا إسلاميتين.

س: ما هي الآثار والثمار التي يمكن أن يحققها مهرجان الفجر السينمائي؟

ج: مثل هذه المهرجانات يمكن أن تكون مفيدة للغاية، وبالطبع فالأمر يرتبط بطبيعة القيم التي تديرون بها هذه المهرجانات وكيفية إدارتكم لها، فإذا جعلناها وسيلة لتشجيع أصحاب المواهب الفنية أو أسلوباً للتعاون وتبادل وتكميل المعلومات للفنانين الإيرانيين، أو وسيلة لتعليم أساليب ومناهج صناعة الأفلام للراغبين من الشباب حديثي العهد بالعمل في هذا المجال، أو لتعريف العناصر المجربة التي يمكن الإستفادة منها... فإذا استطاع هذا المهرجان تحقيق مثل هذه الثمار فهو مفيد وجيد حسبما أعتقد.

وبالطبع فإن من الضروري التعامل بحذر وذكاء مع إدارة هذه المهرجانات، فقد يكون تعريف أحد الشخصيات أو الإتجاهات فيها أمر غير جائز حسب موازين الجمهورية الإسلامية، وإجمالاً فإني أؤيد إقامتها.

س: هل ترجحون بقاء مهرجان الفجر السينمائي داخلياً أم تحوّله الى مهرجان دولي تشترك في مسابقته أفلام أجنبية؟

ج: لا ضرر في تصوري من جلب الأفلام الأجنبية، بل يمكن أن يكون مفيداً ضمن شروط خاصة، فلا اعتراض عليكم إذا عرضتم ما ترَونه مفيداً على الناس خلال هذه المهرجانات، ولكن يجب الإعتماد على أسس صحيحة واختيار الأفلام المنسجمة مع الصبغة الرسالية التعليمية لهذا المهرجان، أي تكون تعليمية حقاً ودرساً للحاضرين.

الجانب الترفيهي:

س: إذا أخرجنا الأعمال السينمائية المسبِّبة للإنحرافات الأخلاقية والعقائدية والمروّجة للفساد والفحشاء والمنكرات، وكذلك النتاجات المحاربة للقيم الإسلامية، ومنعنا تسلّلها، يمكن تقسيم الأعمال السينمائية الأخرى الى ثلاثة أنماط رئيسية:

أ / التي يغلب عليها جانب التلهية.

ب / التي تخدم الفكر الحاكم.

ج / التي تُستلهم مضامينها من الفكر والمعتقدات الإسلامية.

ما هي وجهة نظركم بشأن هذه الأنماط بملاحظة ما تقدم ذكره؟

ج: ليس لدينا شيء بعنوان "الفكر الحاكم" مقابل الفكر الإسلامي، فالفكر الحاكم هو الفكر الإسلامي، فحكام المجتمع الإسلامي من نفس الشعب ولا توجد هناك عقيدة خاصة بالسلطة الحاكمة بالمعنى الذي يتداعى للذهن، فعقيدة الحكم هي نفس عقيدة الشعب، فأنا مثلاً أرأس السلطة التنفيذية في هذا البلد وأنا أساساً إمام جمعة؛ وعليه تلاحظون أن ما يحكم الجهاز المدير لشؤون البلد ليس سوى عقائد وعواطف وآمال وطموحات هذا الشعب. إذاً فليس صحيحاً في نظري تعبيركم "السينما التي تخدم الفكر الحاكم" والأفضل أن تقولوا التي تخدم الأفكار الإسلامية وعقيدة الناس وإيمانهم.

إذاً فالقسم الثاني والثالث شيء واحد، فالمستلهم من فكر معيّن والذي يخدمه شيء واحد، فكل مضمون مستلهم من الفكر الإسلامي يخدم هذا الفكر بلا شك. وعليه، يصبح لدينا نمطان من العمل السينمائي أحدهما للتلهية المجردة، أي أنه فارغ لا يحمل شيئاً، وكل ما يقوم به هو أنه يلهي الإنسان ساعة ويقتل وقته، فلا فائدة منه سوى هذه!! والنوع الثاني هادف ويحمل مضموناً آمال الشعب وطموحاته، ومن الطبيعي أنني أختار الثاني وأرفض الأول، فأنتم قد أخرجتم العمل السينمائي المحيي للأشياء المضادة للقيم الإسلامية، فهل الأعمال التي لا تحمل سوى البطالة واللهو يمكن أن تخدم أياً من القيم الإسلامية؟!

س: أن يخرج العمل السينمائي الذي تغلب عليه التلهية؟

ج: نعم، إلا أن يكون جانب التلهية قوي فيه لكنه يحمل أيضاً هدفاً ومضموناً إسلامياً، ومثل هذا أرغب فيه وأتقبله إذا كان موجوداً.

لاحظوا أنني تحدثت في جواب السؤال الأول عما يرتبط بالمحتوى والجاذبية وقلت كل ما لدي في هذا الباب. ونحن عندما نعتبر الأساس والعمود الفقري للفيلم هو مضمونه والكلمة التي يريد أن يوصلها ونؤكد عليه فمن الطبيعي أننا لا يمكن أن نغفل عن جاذبيته وهي نفس الجانب الترفيهي فيه والذي يجعله مرغوباً، بل إن كلا هذين الجانبين ممتزجان، ويكمل كل منهما العمل الفني الكامل.

الملحق الثاني

ترجمة حديث آية الله العظمى السيد الخامنئي مع أعضاء مهرجان عشرة الفجر المسرحي (10/2/1988 م):

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة والأخوات الأعزاء، لقد وقعت القضايا المربوطة بالفن في مطبّات عجيبة؛ وليس الأمر بعيداً عن التوقع، لأننا نعيش في حقبة خاصة حيث أدى تفجر المواهب واتساع وشمول كافة المظاهر الإنسانية الجيدة - وبضمنها الفن - ووصولها الى الجميع، أدى ذلك الى زيادة اهتمام الناس بالفن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن تدخل المفاهيم والمضامين الثورية الجديدة للعمل الفني وتتجلّى وتتفتح فيه، في حين توجد عقبات تعترض سبيل التنظيم الصحيح للعمل الفني و التمهيد للتنظيم الجماهيري.

لذا، يجب تجاوز هذه المطبات، ولا يكفي لتحقق التطوير المطلوب توفر العزم لديكم والإيمان بالعمل الفني، بل يجب توفر الإندفاعة والعشق لتعبيد هذا الطريق للعمل المستقبلي؛ وأعتقد أن لهذا العمل الفني المسرحي فاعلية كبيرة لكنها مجهولة للناس مع الأسف، وهكذا كان الحال في السابق أيضاً؛ فالبضاعة التي تصنعها يد الفنان المبدع الدقيق لا تجلب أنظار العوام بقدر ما تجلبها البضاعة البرّاقة المصنوعة في المعامل؛ وهذا ما يصدق على المسرحية إذا أردنا مقارنتها بالفيلم، فالعارفون بقيمة الفن المسرحي قليلون في حين أن له على المشاهد والمستمع تأثيراً وخصوصيات يفتقدها الفيلم في أغلب الحالات على الأقل.

فالفيلم يجب أن يكون قوياً جداً، وأداء الممثلين فيه إستثنائي، والتصوير والعمل التقني والإنارة كلها إستثنائية لكي يصور حركة الممثلين بأنها طبيعية وحية ومحسوسة؛ أما في المسرحية فالممثلون أناس حقيقيون والكلام يخرج من أفواههم مباشرة وصورهم الحقيقية هي أمام المشاهد، ولذلك تأثيرات حتمية تتوفر في المسرحية ويفتقدها الفيلم، وتوجد أشياء وخصوصيات أخرى تعرفونها أنتم أهل العمل المسرحي أفضل مني ولا شك، وأنا تحدثت عن إحساسي كمستمع ومشاهد.

ومن الضروري الإستفادة من الفن المسرحي بأقصى حد ممكن لسببين: الأول هو أن الكلام الذي يجب تبليغه للناس كثير ويحتاج الى ألف لغة لكي يستطيع الإنسان قول هذه الألف حقيقة الجميلة المجهولة، وحتى لو تمت الإستفادة من جميع أنواع الفنون على الصعيد الإجتماعي لبقيت هناك الكثير من الحقائق والصور الجميلة مجهولة لم يتم تصويرها وتجسيدها للناس، فالفنان هو - على أي حال - إنسان محدود والآلاف من الفنانين محدودون أيضاً، في حين أن الحوادث والحقائق الواقعية وصور الجمال واللطافة في حياة بني الإنسان غير محدودة، لذا فهم غير قادرين على تصويرها جميعاً.

وعلى أي حال، ففي مجتمع مثل مجتمعنا الثوري هناك كل هذه الوقائع والقضايا الإستثنائية المشهودة فيها، والتي قرأنا نظائر بعضها في الكتب والآثار، ففي كل هذه الصور الخالدة للشجاعة والتضحية والفراسة والفطنة والبسالة في أشكال الدفاع المقدس ضد أشرس مصاديق العداء، وصور كل هذه الصعاب المقترنة بنقل المجتمع من الوضع السابق الى الحالة النموذجية التي يطمح لها، وهي الصعاب التي تواجهها كل الثورات، كل هذه القضايا يجب توضيحها وتبيانها، فمَن القادر على تصوير كل ذلك؟! أي كاتب وأي شاعر مقتدر؟! بل وكم لدينا من هؤلاء؟! وأي بيان بليغ يجب توفره ليعرف شعبنا نفسه بحقائق حياته؟!

إذا كان من الضروري في المجتمعات العادية المتعارفة وجود دور الفن الذي يرسم في الواقع لوحة الحياة - أي ينتخب الصور الجميلة والبارزة ويعرضها - فإن ضرورة وجوده في مجتمعنا الثوري أشد وألزم، الأسباب كثيرة، فمثلاً مَن يستطيع تصوير كل الحوادث المثيرة للإعجاب والحيرة التي يشهدها مجتمعنا؟!

أُدرسوا وضع إحدى عوائل الشهداء أو أحد المعوقين في الجهاد أو المقاتل الذي تحثه عائلته على الذهاب للجبهة، صوّروا طبيعة الحياة في الجبهة لليلة واحدة وتصوروها في أذهانكم، تصوروا الإنتفاضة العظيمة للشعب في الدفاع عن الثورة والوطن بآلاف النماذج والمظاهر التجسيدية والمصاديق المتناثرة.

تمعّنوا في الجهاد الدفاعي الذي يخوضه هذا الشعب والبلد، وبشاعة العداء والأعمال العدائية للأعداء ضد هذا الشعب وحقدهم عليه؛ لاحظوا حالات انتقال الناس من انعدام الإيمان أو ضعفه أو التعلق بالحياة المادية والشخصية الى رحاب العالم الملكوتي والذوبان في الجمع.... هذه آلاف الموضوعات الحية والمهمة والجذابة والجميلة التي لا يستطيع تصويرها سوى إبداع الفن ولا يستطيع توضيحها سوى لغته؛ فعلينا توضيحها بمختلف أنواعه ومنها: فن التمثيل، وهو الأفصح والأكثر تأثيراً.

هذا هو السبب الأول لضرورة الإهتمام بالفن المسرحي واستثمار المواهب. أما السبب الثاني فهو أن الفن يشكّل إحدى الخصائص الإنسانية، ولا يمكن إيصال المجتمع للتكامل مع الغفلة عنه، مثلما هو حال الجسم الذي نموّن بعض أعضائه دون البعض الآخر.

إذا أراد مجتمع ما تحقيق التطور والتكامل في الجوانب المادية والمعنوية والفكرية فيجب أن ينمو الفن فيه، ونحن نعتقد - إستناداً الى أصول فلسفتنا الشمولية - أن جميع الفنون يجب أن تنمو، ومنها فن التمثيل، ولغته أفصح وأبلغ من لغات الفنون الأخرى؛ وبالطبع فللشعر والقصة وبعض الفروع الفنية الأخرى خصوصيات يفتقدها التمثيل، ولكن لا شك في المقابل أن لهذا خصوصيات تفتقدها الفروع الفنية الأخرى. لذا فإني أساند بقوة الدعوة الى العمل في الفن التمثيلي، الذي يجب أن يصبح جماهيرياً اليوم، حيث تحضر الجماهير في مختلف ميادين الحياة؛ في حين أن هذا الفن لم يتركز بين جماهير الشعب في السابق؛ وكم هي جيدة الفكرة التي أشار إليها الإخوة بشأن إقامة عروض تمثيلية في الشوارع والمعابر العامة، فلو انتشرت هذه الظاهرة لكان لها آثار جيدة ولطيفة.

ولكن على الإخوة المديرين لهذه الأمور الإنتباه الى أنه كلما كان الفن المعيّن أكثر تأثيراً، والرسالة التي يحملها أهم كلما وجب أن تتوفر الدقة بدرجة أكبر بشأن الوسيلة التبليغية لها من جهة التقنية والجانب الفني أولاً، فأفضل رسالة تضيع إذا كان هذا الجانب ضعيفاً؛ وتارة تكون للكلمة الجيدة فرصة واحدة فقط تقال فيها فإذا قيلت بصورة سيئة فلن تأتي فرصة أخرى لتعرض فيها بصورة جيدة.

أحياناً أرى أو أسمع أشياء في التمثيليات التلفزيونية أو الإذاعية تعبّر عن حقائق صحيحة جيدة بحد ذاتها، لكن طريقة أداء الممثلين سيئة الى درجة أن تأثيرها السلبي على الإنسان ينتقل الى أصل تلك الحقائق التي يتحدثون عنها.

إذاً، فالتقنية الفنية القوية أمر مهم للغاية في العمل الفني، فأفضل المضامين إذا أعطيتموها لشاعر ضعيف لضيّعها.

إذاً، فالشرط الأول هو قوة الجانب الفني في العمل الفني، أي شرط التأثير والفائدة، أي أن المدح الذي أوردته بشأن العمل المسرحي - وهو دون قدره بكثير - لا يشمل العرض الضعيف فهو خاص بالعمل الجيد الصحيح والقوي. وعلى الفنانين وأساتذة هذا الفن والخبراء فيه أن يُفهموا الذين يريدون العمل فيه ضرورة عدم السماح بـإنتاج العمل الضعيف.

لنضرب مثلاً على ذلك من عالم الشعر، لأن العمل المسرحي في بلدنا لا سابقة له باستثناء ما يُجرى في مراسم العزاء الحسيني سابقاً. أما المسرحية بالمعنى الجديد فهي فن حديث الولادة، فالشعر الفارسي يمتاز بسابقة طويلة في مجتمعنا ولغتنا، كذلك في اللغة العربية - وهي لغة قريبة منا، بل جارة لنا من جميع الجهات - وقد ظهر فيها شعراء كبار كان أحدهم يشتغل بنظم قصيدة واحدة على مدى عام كامل، ولذلك يُطلق على هذا النمط من القصائد وصف "الحوليات"، وطبيعي أن تكون هذه القصائد خالدة في التاريخ خلود النقوش المحفورة على الصخور الصمّاء، ولا زالت هذه القصائد محفوظة متداولة، على الرغم من أن مضامينها في الحقيقة فارغة، لكن جانبها الفني قوي الى درجة أنه خلّدها الى الآن.

أتذكر الى الآن بعض قصائد الشعراء العرب، التي لو أنشد أحدهم مضامينها في شعر فارسي اليوم لاعتقلته اللجان الثورية دون أمرنا، ولما أطلقت سراحه حتى لو طلبنا منهم ذلك! ورغم هذه المضامين لا زلت أتذكرها وهي لا زالت حية على الرغم من مرور أكثر من ألف ومئة أو مئتي عام؛ فالفن الجيد هو الذي يبقى كما هو وأثره ومحال أن يزول أو يُزال. والمثال الذي ضربته في فن الشعر بصدق على سائر الفروع الفنية من قصة وتمثيلية وغيرها.

إذاً، فالتقنية الفنية القوية أمر مهم ومهم جداً، وإذا أردتم عرض أي مضمون قوي في الثورة ومقبول في مجتمعنا الحالي، فعليكم أن تودعوه في عمل تمثيلي قوي ومناسب. وأرجو من الإخوة المسؤولين عن هذه الأمور في وزارة الإرشاد في أنحاء البلد أن يولوا اهتمامهم البالغ بقوة وصحة ومتانة التقنية الفنية وأسلوب العرض، بمعنى أن يضعوا مصفى لتنقية النتاجات من العمل الضعيف. هذه هي القضية الأولى.

أما القضية الثانية فترتبط بالمضمون، والمضامين التي خلقتها الثورة في أجواء مجتمعنا، وهي كثيرة، وقد أشرت الى نماذج منها في مجال الحرب والجهاد وتلك الروح الجهادية التي تتجلّى اليوم في سلوكيات شعبنا. أحياناً أزور منازل عوائل الشهداء وأجلس معهم في أجواء حياتهم، والد الشهيد ووالدته والزوجة والإخوة والأخوات، وأطلب أن يسجلوا أحاديثهم، وأسمعها بدقة، وأحصل على تلك الصور الدقيقة الرائعة التي تتجلّى فيها، وأطلب أن يصوروا تلك الحالات المعنوية العظيمة، ولكن هل يكفي ذلك؟ وهل يمكن تصويرها؟ كنت أفكر مراراً في سر عجزي عن تصوير وتبيان كل مظاهر العظمة في هذه العوائل الصغيرة؟! عليكم أنتم أن تقوموا بهذه المهمة فأنتم قادرون عليها، فالفن والعمل المسرحي الجيد يستطيع إنجاز ذلك لأنه يستطيع أن يجسّد أدق المشاعر والعواطـف الإنسانيــة - كما أعتقد - وهذا هو الفن الصادق والأداء التمثيلي الجيد، وأنتم قادرون على ذلك وهذه مهمتكم.

من المفيد أن تقوم الفرق المسرحية بزيارة الجبهات - وفي ذلك جهاد عظيم - وزيارة المقرات ومراكز تجمع المقاتلين، واعرضوا لهم أعمالكم الفنية هناك وعرّفوهم بالحياة التي يعيشونها، أوضحوا لهم تلك الجنان الصافية التي يحيَون فيها، فالإنسان ما دام يعيش في هذه الجنان المعنوية لا يحس بها عادة، ويجب أن يراها في الخارج ليعرفها؛ فأعطوهم فرصة مشاهدة ذلك في أعمالكم الفنية والإحساس به، وعلى أي حال أقدّم لكم شكري أولاً وآخراً.

** ** **

الملحق الثالث

الأناشيد والموسيقى وما يناسب المقام

س: ما هو حكم الإستماع الى صوت المرأة لغير المحرم في الموارد التالية:

أ / تلاوة القرآن.

ب / قراءة العزاء.

ج / الإنشاد (الثوري، الشعبي).

د / قراءة الشعر والقصائد مع التنغيم، والتي غالباً ما تكون حالات حزن وغم (مع الموسيقى).

هـ / قراءة المقالات والأشعار.

و / المحادثة العادية.

ز / الضحك والبكاء؟

ج: في تمام الصور المذكورة، إستماع صوت المرأة، بصرف كونه صوت امرأة، فلا إشكال. أما إذا كان بنحو مهيّج أو موجب للفساد والفتنة فغير جائز.

س: ما حكم الموسيقى المشكوكة؟

ج: على فرض الشك محكومة بالحلية.

س: ما الحد بين الموسيقى المحلَّلة والمطربة؟

ج: الموسيقى المطربة حرام، وتشخيص الموضوع موكول الى رأي العرف.

س: هل أن الضرب على "الدف" و"الدربكّة" في مجالس الأعراس، وكذلك بيعها وشراءها، هل هو جائز أم لا؟

ج: إذا كانت تعتبر من آلات اللهو فلا يجوز بيعها وشراؤها وحفظها واستعمالها.

س: ما حكم الصوت أو الموسيقى التي تبثها إذاعة وتلفزيون الجمهورية الإسلامية، إذا شك الشخص بـإطرابها أو عدمه؟

ج: إذا شك في صدق الموسيقى المطربة عليها، لا يحرم عليه استماعها.

 

س: الموسيقى المطربة (شريط أو ...) في مراسم العرس في مجلس خاص بالنساء، وكذلك في مجلس خاص بالرجال، ما هو حكمه؟

ج: مع فرض كون الموسيقى مطربة، غير جائز.

س: هل الأفلام التي يبثها التلفزيون لها حكم الصور أم حكم الأشخاص الحاضرين، وهل من فرق بين الفيلم الذي يبث مباشرة والمسجل مسبَّقاً؟

ج: في حكم الصور، إلا في حالة البث المباشر.

س: توجد في لبنان عدة فرق للأناشيد الإسلامية وتستعمل الآلات الموسيقية، وهذه الفرق لها أهمية على الساحة اللبنانية والإسلامية، فهل استعمال الآلات الموسيقية مع الأناشيد جائز، مع أنه يوجد بعض المراجع ممن حرّم العزف على هذه الآلات مطلقاً، وحتى بيعها وشرائها أو اقتنائها، أفتونا مأجورين، أدام الله ظلّكم على رؤوس المسلمين؟

ج: لا مانع شرعاً من استعمال الآلات الموسيقية في الموارد المحلّلة شرعاً، كإجراء وقراءة الأناشيد المحلّلة مع العزف على الآلات الموسيقية.

س: ما حكم التصفيق باليدين في الإحتفالات الدينية وإنشاد الأناشيد الفرحة؟ وما حكم التصفيق في الأعراس؟

ج: لا إشكال في التصفيق بالنحو المتعارف، وإذا لم يكن صوت الموسيقى مطرباً طرباً لهوياً فلا مانع، وإلا فغير جائز.

س: بعض الأمراض في هذه الأيام، مثل حالات الإضطراب والمشكلات الجنسية وبرودة المزاج، يستعملون لعلاجها الموسيقى، فهل استخدام الموسيقى في علاج هكذا أمراض جائز شرعاً أم لا، ولا بد من التذكير أن الإحصاءات والتجارب أثبتت نجاح المعالجة الموسيقية؟

ج: إذا أحرز من خلال رأي الطبيب الحاذق والأمين أن علاج المرض يتوقف على ذلك فلا إشكال بعلاج المرض، بمقدار الضرورة.

 

س: ما حكم الإستماع الى أشرطة الغناء المبتذل في مجلس العرس؟

ج: لا إشكال في الغناء في مجلس النساء المخصص لزفاف العروس.

س: ما حكم التصفيق في الأعراس وغيرها؟

ج: لا مانع منه، إذا كان على النهج المتداول في الأعراس والأفراح وموارد التشويق والتأييد وما الى ذلك.

س: هل يجوز الإستماع الى أشرطة التسجيل المبتذلة؟ وكيف يشخًّص ذلك؟

ج: لا يجوز الإستماع لأشرطة التسجيل المبتذلة اللهوية والموسيقى المطربة الملهية. وفي جميع الأسئلة يكون تشخيص كون الموسيقى لهوية مطربة بعهدة المكلَّف.

س: هل يجوز الإستماع لجميع البرامج التي تُبَث في الراديو والتلفزيون في الجمهورية الإسلامية؟

ج: يمكن أن تكون بعض الموارد لا تنطبق عليها الموازين الشرعية، وتشخيص الموضوع في عهدة السامع أو المشاهد، فإن شخّص أن الموسيقى مطربة لهوية أو كان البرنامج فيه مفسدة لم يَجُز الإستماع والمشاهدة.

س: ما حكم التصفيق والتصفير في احتفالات الأعياد بغرض تشجيع الفنانين؟

ج: لا إشكال في التصفيق من أجل التشجيع، لكن الأفضل أن يُستبدل ذلك بذكر الصلوات المباركة أو التكبير بشكل جمعي في الموارد المناسبة.

 

س: هل أن الحرمة ثابتة لذات الموسيقى أو لكلمات شعرها؟

ج: الحكم متعلّق بالصوت واللحن، لكن الكلمات ومضمون الشعر لهما دخالة في تحقق موضوع الحرام.

س: ما حكم قراءة الأشعار والقصائد مع لحن بشكل يظهر بوضوح حالة من الحزن لكنه غير مطرب، مع فرض أن المنشد من النساء منذ أيام الشاه الظالم، وهو إنشاد مشعر بالفساد، وقد فررن بعد انتصار الثورة في إيران؟

ج: إن كانت المشكلة فقط هي كون الصوت صوت امرأة فلا يحرم شرعاً الإستماع لصوت المرأة، مع عدم قصد الريبة؛ لكن لو ترتب عليه مفاسد من جهات أخرى وجب الإجتناب عنه. وعلى كل حال فإن هذه المسألة هي من الأمور التي يترجح فيها الإحتياط.

س: ما هو حكم الإستماع للموسيقى التي يبثها التلفزيون والراديو والتي تدعو المرء لإصدار صوت متناغم معها؟ وما هو حكم إصدار هذا الصوت؟

ج: إذا كانت من الموسيقى المطربة المختصة بمجالس اللهو حسب نظر السامع لم يَجُز الإستماع إليها.

س: هل يحرم على المرأة الرقص لزوجها فقط مع الموسيقى التي يبثه التلفزيون والراديو؟

ج: أما الموسيقى فحكمها هو ما ذُكر في المسألة السابقة، والرقص غير جائز إن استلزم تهيّج الشهوة، أو استلزم ارتكاب الحرام. ولا مانع شرعي عن رقص المرأة لزوجها فقط.

س: ما هو حد جواز الموسيقى؟ وهل أن تلفزيون الجمهورية الإسلامية حجة باعتبار أنه تحت نظر "ولاية الفقيه"؟

ج: إن كانت الموسيقى من القسم المطرب المخصوص بمجالس اللهو فهي حرام، وتشخيص الموضوع موكول إلى رأي المكلَّف نفسه، ومجرد بثها من التلفزيون ليس دليلاً على حلّيتها، فإن كان ما يُبَث مخصوصاً بمجالس اللهو حَرُم بثّه وحَرُم الإستماع إليه.

س: ما حكم بث الموسيقى من الراديو والتلفزيون؟ وهل يجوز الإستماع إليها بدون شك ولا شبهة؟

ج: إن لم تكن الموسيقى من الموسيقى المطربة المخصوصة بمجالس اللهو فلا إشكال، وتشخيص الموضوع موكول الى نظر السامع. وعلى كل حال فمجرد بث الموسيقى من الراديو والتلفزيون ليس دليلاً على حلّيتها.

س: كما تعلمون يحضر "الحزب اللهيون" والمؤمنون المناصرون للثورة الى مسجد "الشهداء" في الليالي للمشاركة في صلاة الجماعة، فيقوم شباب التعبئة والشباب المسلم بمناسبة بعض الأعياد بأناشيد بين صلاتي المغرب والعشاء أو بعد صلاة العشاء، وعادة تكون الأناشيد مع الموسيقى، وحيث أن ذلك لا يتلاءم مع قداسة المسجد وقع خلاف وجدال في الأمر، والجميع مطيع لأمركم، فنرجو أن تذيّلوا لنا حكم النشيد مع الموسيقى في المسجد بين الصلاتين أو بعد صلاة العشاء؟

ج: إن كانت الموسيقى ليست من الموسيقى المطربة الخاصة بمجالس اللهو فلا إشكال في ذلك ولا مانع من الأناشيد الثورية أو الدينية في المسجد، لكن يشترط أن لا يكون ذلك موجباً لمعارضة صلاة المؤمنين ومزاحماً لها، وإلا لم يَجُز.

س: يبث راديو الجمهورية الإسلامية يوم الجمعة بحيث يشعر بعض الأفراد بالسرور عند سماعها فهل هذه الموسيقى تكون محرّمة عليهم؟ كما أننا قد سمعنا أن الإمام (قده) قد قال وذكر في توضيح المسائل أنه يجوز سماع الأغاني في الأعراس؟

ج: إن كان في سماع الموسيقى مفسدة على السامع أو كانت الموسيقى في نظره من الموسيقى المطربة اللهوية لم يَجُز له الإستماع إليها، ولا إشكال في الغناء في العرس مع كون المجلس للنساء.