لم يقتصر الرد على النائب في مجلس الشورى الإسلامي وعضو لجنة الأمن القومي فيه، منصور حقيقت بور، بل كان رد المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية “مرضية أفخم” لا يخلو من الاستهجان والاستحقار والشدة حينما وصفت تصريحات عادل الجبير بأنها “متفرعنة وسخيفة”.
التصريحات السعودية الرسمية لم تقتصر مؤخرا على وزير الخارجية، بل طالت نائب رئيس الشورى السعودية (غير المنتخبة!) يحيى الصمعان، الذي قال بأن “محاولة النظام الإيراني استغلال حادث منى سياسيا امتداد لسجله التاريخي في إحداث الفوضى في الحج”، حسب زعمه.
لكن ما هي أسباب هذا التصعيد السياسي والإعلامي السعودي؟ وهل الأمر سياسة مدروسة وممنهجة، أم أنه لا يعدو ردود أفعال ومحاولات تغطية على وقائع تجري على الأرض..؟ وماهي الخيارات التي يمكن للسعودية اللجوء إليها لتنفيذ تهديداتها ضد ايران؟
بالنسبة إلى أسباب التصعيد السعودي، يمكن رصد الأمور التالية:
1. الفشل السعودي في اليمن رغم مرور سبعة شهور على العدوان، ورغم كل الدعم الذي حصلت عليه الرياض من أميركا وفرنسا والكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية.. ورغم استخدام أسلحة محرمة دولية، ورغم فقر وقلة التسليح في الجانب اليمني والحصار المفروض على حدود اليمن البرية والمائية والجوية.. وهو ما يمكن أن نسميه “عقدة اليمن” التي ستظل تلاحق صانع القرار السعودي لعقود قادمة.
2. تشعر السعودية وحليفتها تركيا في الشأن السوري ومن خلفهما أميركا وفرنسا والكيان الصهيوني بنوع من الإرباك والتأزم بسبب قرب الهجوم البري السوري الشامل، والذي هيأت له موسكو وطهران ودمشق كل أسباب النجاح.. لأن تحرير درعا وإدلب وحلب ودير الزور سيكون الضربة القاضية لكل المشروع السعودي ـ الأميركي في سوريا والمنطقة برمتها..
خاصة وان هذا الهجوم المرتقب تزامن مع تقدم للقوات العراقية وقوامها الاساس قوات الحشد الشعبي في العديد من محاور القتال مع الارهاب بمحافظتي صلاح الدين والانبار وباتجاه حصر الارهابيين في الموصل وتحرير المحافظتين الاوليتين بالكامل.
3. الإعلان عن قرب تنفيذ الإتفاق النووي الشامل ووقف الحظر ضد إيران مع نهاية هذا العام (الميلادي) وبانتظار تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. ومن خلال سير الأمور في الجانبين (الأوروبي ـ الأميركي) و( الإيراني ـ الروسي – الصيني ) يظهر ان النهاية ستكون سعيدة للجميع إلا السعودية و”إسرائيل”!
4. التقارب الإيراني الخليجي، والذي توج مؤخرا بمعاهدة بين إيران وقطر تقضي بحماية الأولى للحدود المائية للأخيرة وتعقب المجرمين.. هذا التقارب الذي استطاع أن يحيد سلطنة عمان والكويت ويجعل الأخيرة تتنصل من التزامها للسعودية في اليمن.. كما تنصلت قطر عن مشاركتها في العدوان السعودي على اليمن.. ولم يبق في المحور السعودي (خليجيا) سوى “مملكة” البحرين، والتي لا تشكل وزنا اقتصاديا أو عسكريا يمكن للرياض الاعتماد عليه، فالبحرين هي بذاتها تشهد انتفاضة جماهيرية وثورة مستمرة لا تستطيع لملمة أطرافها منذ خمس سنوات تقريبا، والإمارات التي انسحبت من المشروع الخليجي في سوريا بسبب مشاكلها مع تركيا وقطر(الممولين الرئيسيين للأخوان) وأيضا بتحول الموقفين المصري والأردني.
5. خدمة المشروع الصهيوني والأميركي في الحيلولة دون ظهور وقيام انتفاضة ثالثة، ستختلف بالطبع عن الانتفاضتين السابقتين من حيث الشدة والثورية والحلول التي تطرحها.. هذا التباني السعودي – الصهيوني يعمل ضمن أكثر من اتجاه.. في الأول يضغط على السلطة الفلسطينية لقمع الشباب المنتفضين، وفي الثاني يمارس سياسة الجزرة والعصا تجاه حركة المقاومة الإسلامية حماس لثنيها عن الانخراط في المواجهات بشكل حقيقي، وفي اتجاه ثالث يحول الرأي العام والأنظار عن فلسطين تجاه العدو الوهمي (إيران) التي يقول عنها الجبير أنها “محتلة!” وآل سعود يعلمون جيدا، أن بقائهم إلى اليوم كان بسبب خدماتهم للغرب والصهاينة ودعم الاخيرتين لهم.
6. المسألة المهمة الأخيرة، هي التغطية على جريمة اختفاء 36 حاجا إيرانيا إلى الآن، بينهم سفير إيران السابق لدى لبنان الدكتور غضنفر ركن آبادي…الذي أعرب وزير الخارجية ظريف عن أمله بعودته سريعا! وقضية المفقودين الايرانيين تأخذ ابعادا اخرى.. فبعد الخبر الذي ظهر نقلا عن “ايديعوت احرنوت” بوجود كنز إيراني ثمين في قبضة الإسرائيليين، فسر البعض ذلك باختطاف السفير ركن آبادي، الذي يؤكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، بأنه تم نقله إلى أحد المستشفيات السعودية بواسطة اسعاف بعد حادثة منى، وقبل اختفائه نهائيا، ونفي السعودية دخوله اراضيها!.. مع انه يوم التاسع من ذي الحجة تلا بيان البراءة من المشركين على صعيد عرفة!.. وطالب بروجردي السلطات السعودية بإعادته إن لم تثبت لنا موته…فهل تستطيع السعودية حل هذا اللغز؟!
يظهر أن السعودية ستبقى رهن هذا اللغز، كما ستبقى عاجزة عن تفعيل خياراتها ضد ايران، والتي لم يبق منها سوى الزج بقطعان ارهابها الى داخل العمق الايراني، والذين بدأ بعضهم أعمالاً إرهابية “خجولة” في جنوب شرق إيران وقرب حدودها الجنوبية الغربية، أو الحرب المباشرة، والتي لا أعتقد مطلقا أن السعودية ستقدم عليها إلا اذا استفحل الزهايمر وانتشر فيروس الغباء في جميع أسرة آل سعود وموجهيهم في واشنطن، لأنه وكما قال النائب الإيراني، سيكون سعر “الجحر” بمليار دولار!.
أما خياراتها الأخرى الاقتصادية والسياسية فقد استنفذتها، فقد صمدت ايران امام اعتى حظر مفروض عليها خلال السنوات الماضية ولم تستطع سياسة تخفيض عائدات النفط أن تنال منها ومن شركائها.. وسياسيا اعتقد ان الموجة الخليجية التي صادرت القرار العربي خلال 2012 – 2013 قد انتهت الى دون رجعة، بل ان المنظومة الخليجية نفسها مهددة بالتلاشي والسقوط.. لذلك فان الحرب لن تنقذ السعودية، بل ستعجل من انهيارها وسقوط نظام آل سعود.. حتى لو اقتصر الامر على حرب محدودة وضربات انتقائية.
فهل يفهم حكام السعودية؟ وهل يتنازلون عن ظهر البعير الذي يسير بهم نحو الهاوية؟
الاجابة كما جاءت في مقال سابق للزميلة “مروة أبومحمد” تخاطب فيه عادل الجبير ونظامه.. “ولا أظنك تفهم!”.