النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين لمؤلفه العالم العامل والكامل الباذل صدر الحكماء ورئيس العلماء السيد نعمة الله الجزائري طاب ثراه وجعل الجنة مثواه
[ 2 ]
مقدمة المولف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ارسل انبياءه حجة على العالمين وعقبهم بالاوصياء تكميلا للدين المبين و اصطفى منهم خمسة وهم اولوا العزم وفضلهم على انبيائه المرسلين و اختار من بينهم محمدا صلى الله عليه وآله وجعله نبيا وآدم بين الماء والطين ثم فضل اوصياءه صلوات الله عليهم وصيرهم حجة على اهل السموات والارضين وفضل من بينهم ابن عمه واخاه وباب مدينة علمه على الخلق اجمعين وخصه باسم حرم على غيره بان يسمى به وهو امير المؤمنين صلوات الله عليه و على اولاده المعصومين من يومنا هذا الى يوم الدين. و بعد فيقول المذنب الجاني قليل البضاعة وكثير الاضاعة نعمة الله الموسوي الجزائري وفقه الله تعالى لمراضيه وجعل مستقبل احواله خيرا من ماضيه انه لما وفقنا الله سبحانه لتاليف كتابنا الموسوم (برياض الابرار) في مناقب الائمة الاطهار سلام الله عليهم آناء الليل واطراف النهار واستقصينا فيه ما بلغنا من احوال النبي صلى الله عليه وآله واحوال الائمة عليهم السلام من مواليدهم ومعجزاتهم وغزواتهم ومناقبهم على التمام
فجاءت عدته ثلاث مجلدات حسان فيهن من اسرارهم (ع) ما لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان ثم ان جماعة من علماء الاخوان التمسوا منا ان نكتب كتابا في تفصيل احوال الانبياء وما جرى عليهم في سالف الزمان ليكون متمما لكتابنا المذكور وتتلى احاديثه في البكور والعصور وسميناه (النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين) و رتبناه على مقدمة وابواب وفصول و خاتمة
[ 3 ]
المقدمة في بيان ما يشترك فيه الانبياء عليهم السلام وفي عددهم و بيان اولى العزم منهم و الفرق بين النبي والامام و جملة من احوالهم اعلم ان وهب بن منبه صنف كتابا مبسوطا في قصص الانبياء و لا نعتمد ما اورده فيه لانه من طريق الجمهور وتواريخهم فيصلح شاهدا لا حجة على المطلوب و اما الفاضل الراوندي قدس الله ضريحه فهو من علمائنا وكتب ايضا كتابا اوضح فيه عن قصص الانبياء عليهم السلام وروى ما اودع فيه من اخبارنا عن الائمة عليهم السلام الا انه قد شذ عنه اكثر ما ضمنه كتابه فجاءت القصص ناقصة تحتاج الى التتميم و اما شيخنا المعاصر قدس الله سره فقد الف كتاب (بحار الانوار) و جعل الكتاب الخامس في احوال الانبياء (ع) وسماه كتاب النبوة فهو و ان احاط بجميع قصصهم (ع) وتفصيل احوالهم من اخبارنا ورواياتنا الا انه بلغ الغاية في التطويل والتفصيل لانه ذكر الايات اولا وتفسيرها ثانيا وكل ما ورد من طريق العامة والخاصة في بيان احوالهم (ع) فاحببت ان انسج كتابي هذا على منوال عجيب وطرز غريب بان اذكر كل ما ورد من طرق الخاصة و بعض ما احتاج إليه من روايات الجمهور ان وقع الاحتياج إليه على طريق الاختصار فيكون كتابا صغير الحجم غزير العلم تهش إليه الالباب وتستلذه الطلاب قال الله
تعالى: (واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه قال أأقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و انا معكم من الشاهدين).
[ 4 ]
روى الثقة علي بن ابراهيم في الصحيح عن ابي عبد الله عليه السلام: ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع الى الدنيا وينصر امير المؤمنين (ع) وهو قوله تعالى: (ولتؤمنن به) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله ولتنصرن امير المؤمنين (ع) ثم قال لهم في الذر أأقررتم واخذتم على ذلكم اصري - اي عهدي - قالوا: قد اقررنا قال الله: فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين. (اقول) جاءت الاخبار مستفيضه في ان القائم (ع) إذا خرج و قام له الملك يخرج في زمانه النبي صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين (ع) و هو صاحب العصا و الميسم بسم الله في جبهته فينتقش بها هذا مؤمن و بسم الكافر فينتقش في جبهته هذا كافر و يخرج الائمة صلوات الله عليهم والانبياء صلوات الله عليهم لينصروا امير المؤمنين (ع) والمهدي صلوات الله عليه سيما الانبياء الذين اوذوا في الله كزكريا ويحيى وحزقيل و من قتل منهم ومن جرح فان الاخبار جاءت مستفيضه برجوعهم الى الدنيا ليقتصوا ممن آذاهم و قتلهم من الامم و لياخذوا بثار الحسين (ع). (وعن جميل) عن ابي عبد الله (ع) قال: قلت، قول الله عزوجل: (انا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) قال: ذاك والله في الرجعة، أما علمت ان انبياء الله كثيرون لم ينصروا في الدنيا والائمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا في الدنيا وذلك قوله في الرجعة - والاشهاد الائمة (ع). (يقول مؤلف الكتاب) ايده الله تعالى: المراد من الرسل في الاية الانبياء ففي هذا الحديث وما قبله و ما روى بمعناه دلالة على ان الانبياء (ع) كلهم يرجعون
الى الدنيا في القيامة الصغرى وينصرهم الله تعالى بالقوه والملائكة على اعدائهم واعداء آل محمد (ع) ويحيى الله سبحانه اممهم الذين آذوهم كما يخرج بني امية ومن رضى بفعالهم من ذراريهم و غيرها و كذلك يحيى من اخلص الايمان من الامم ليفوزوا بثواب النصر و الجهاد ويتنعموا في دولة آل محمد صلوات الله عليهم كما قال سبحانه: (ويوم نبعث من كل امه فوجا). وقال الصدوق طيب الله ثراه: اعتقادنا في عدد الانبياء (ع) انهم مائة الف نبي واربعة وعشرون الف نبي ومائة الف وصي واربعة
[ 5 ]
وعشرون الف وصي وان سادة الانبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحى وهم اصحاب الشرائع و من اتى بشريعة مستانفة نسخت شريعة من تقدمه وهم خمسة نوح، وابراهيم، وموسى، وعيسى ومحمد وهم اولوا العزم صلوات الله عليهم. (اقول) ما قال في عددهم عليهم السلام هو الذي دلت عليه واضحات الاخبار وقاله علماؤنا رضوان الله عليهم وما دل على خلافه يكون محمولا على طريق التأويل مثل ما روى في قوله صلى الله عليه وآله بعثت على اثر ثمانية آلاف نبي منهم اربعة آلاف من بني اسرائيل بان يراد اعاظم الانبياء (ع) واما المرسلون ففيه صلى الله عليه وآله انهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر وقيل له يا رسول الله كم انزل الله من كتاب ؟ قال مائة كتاب واربعة كتب انزل الله على شيث عليه السلام خمسين صحيفة وعلى ادريس ثلاثين صحيفة و على ابراهيم عشرين صحيفة وانزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان وفي كتاب (الاختصاص) للمفيد طاب ثراه باسناده الى صفوان الجمال عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قال لي يا صفوان هل تدري كم بعث الله من نبي ؟ قال: قلت ما ادري قال بعث الله مائة الف نبي واربعين الف نبي ومثلهم اوصياء وعنه (عليه السلام) قال أبو ذر يا رسول الله كم بعث الله من نبي ؟ فقال ثلاثمائة الف نبي وعشرين الف نبي والمرسلون منهم ثلاثمائة وبضعة عشر والكتب المنزلة
مائة كتاب واربعة وعشرون كتابا، منها انزل على ادريس خمسين صحيفة (اقول) وجه الجمع بين هذين الخبرين و ما تقدم يكون اما بحمل الزائد من عدد الانبياء على ما كان قبل آدم (ع) فان الارض لا تخلو من حجه ما دام التكليف (باق) أو بان يقال ان مفهوم العدد ليس بحجه. وعن ابي الحسن موسى (ع) قال: ان الانبياء واتباع الانبياء خصوا بثلاث خصال السقم في الابدان وخوف السلطان والفقر (اقول) يجوز ان يراد من الانبياء المعصومون منهم المنزهون عن الذنوب ويجوز ان يراد بهم الاعم فيكون ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله من العلويين كلهم داخلين في الامور الثلاثة، واما الاتباع فهم العلماء والصلحاء والفقراء والمتقون وفي كتاب (الاقبال) لابن طاووس قدس الله ضريحه باسناده الى الثمالي قال:
[ 6 ]
سمعت علي بن الحسين (ع) يقول: من احب ان يصافحه مائة الف نبي واربعة وعشرون الف نبي فليزر الحسين (ع) ليلة النصف من شعبان فان ارواح النبيين يستاذنون الله زيارته فياذن لهم فطوبى لمن صافحهم وصافحوه، منهم خمسة اولوا العزم من المرسلين نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم اجمعين (قلت) ولم سموا اولى العزم ؟ قال: لانهم بعثوا الى شرقها وغربها وجنها وانسها (اقول) هذه المصافحة يجوز ان تكون في الدنيا لزائريه وان لم يشعروا بها أو ببعضها فان الملائكة تتصور بصور الرجال ياتون الى زيارته ويصافحون زواره و يجوز ان يكون يوم القيامة في الجنة أو قبل دخولها وقوله فليزر الحسين (ع) الظاهر ان المراد زيارته من قرب واراده البعد محتمله ايضا وما دل عليه من اولي العزم هذه الخمسة صلوات الله عليهم روى في الاخبار المستفيضة ورواه الجمهور عن ابن عباس وقتادة وذهب بعضهم الى انهم ستة نوح وابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف وايوب وقيل هم الذين امروا بالقتال والجهاد واظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين
وقيل هم اربعة، ابراهيم ونوح وهود ومحمد صلى الله عليه وآله ولا عبرة بهذه الاقوال كلها لانها خلاف اجماعنا واصحابنا وما تضمنه ومن وجه التسمية وان رسالتهم عامة هو احد الروايات وفي تفسير الثقه علي بن ابراهيم انهم سموا اولي العزم لانهم سبقوا الانبياء الى الاقرار بالله واقروا بكل نبي كان قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والاذى وفي (عيون الاخبار) عن الرضا (ع) قال: انهم سموا اولوا العزم لانهم كانوا اصحاب العزائم والشرائع وذلك ان كل نبي كان بعد نوح كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه الى زمن ابراهيم الخليل (ع) ثم ساق الكلام في الخمسة على مثال واحد وفيه دلالة على ان الخمسة (ع) رسالتهم عامة ولا كلام في الثلاثة انما الكلام في عموم رسالة موسى وعيسى (ع) لان في بعض الاخبار نوع معارضته لها وان رسالتهما كانت خاصة لا عامة ويمكن تأويل تلك الاخبار وابقاء ما دل على عموم رسالتهما على حاله لاستفاضة والاخبار الدالة عليه. وفي (مشارق الانوار) عن علي بن عاصم الكوفي قال: دخلت علي ابي محمد
[ 7 ]
العسكري (ع) فقال لي يا علي انظر الى ما تحت قدميك فانك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين والائمة الراشدين ثم قال ادن مني فدنوت منه فمسح يده على وجهي فصرت بصيرا قال فرايت في البساط اقداما وصورا وقال: هذا اثر قدم آدم (ع) وموضع جلوسه وهذا اثر هابيل وهذا اثر نوح وهذا اثر قيدار وهذا اثر مهلائيل وهذا اثر يارد وهذا اثر اخنوخ و هذا اثر ادريس و هذا اثر متوشلخ وهذا اثر سام وهذا اثر فخشد وهذا اثر صالح وهذا اثر لقمان وهذا اثر ابراهيم وهذا اثر لوط وهذا اثر اسماعيل وهذا اثر الياس وهذا اثر اسحاق وهذا اثر يعقوب و هذا اثر يوسف وهذا اثر شعيب وهذا اثر موسى وهذا اثر يوشع بن نون وهذا اثر طالوت وهذا اثر سليمان وهذا اثر الخضر وهذا اثر دانيال وهذا اثر
اليسع وهذا اثر ذى القرنين (الاسكندر) و هذا اثر سابور بن اردشير وهذا اثر لوي وهذا اثر كلاب وهذا اثر قصي وهذا اثر عدنان وهذا اثر عبد مناف وهذا اثر عبد المطلب و هذا اثر عبد الله وهذا اثر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اثر امير المؤمنين عليه السلام وهذا اثر الاوصياء من بعدهم والمهدي عليهم السلام لانه قد وطاه وجلس عليه، ثم انظر الى الاثار واعلم انها آثار دين الله وان الشاك فيهم كالشاك في الله ثم قال اخفض طرفك يا علي فرجعت محجوبا كما كنت (اقول) ما اشتمل عليه من ذكر سابور وما بعده يدل على انهم كانوا مسلمين وقتا ما وذلك لان سابور من اجداد علي بن الحسين (ع) كما ان لوي وما بعده من اجداد النبي (ص). (وروى) الشيخ طاب ثراه في الامالي باسناده الى رجل جعفي قال: كنا عند ابي عبد الله (ع) فقال: اللهم اسالك رزقا طيبا قال: فقال أبو عبد الله (ع) هيهات هيهات هذا قوت الانبياء ولكن سل ربك رزقا لا يعذبك عليه يوم القيامة هيهات ان الله يقول (يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) والطيبات الرزق الحلال وفي (الكافي) باسناده الى معمر بن خلاد قال: نظر أبو جعفر عليه السلام الى رجل وهو يقول: اللهم اني اسالك عن رزقك الحلال، فقال أبو جعفر عليه السلام:
[ 8 ]
سالت قوت النبيين قل اللهم اني اسالك رزقا واسعا طيبا من رزقك. (اقول) المراد من الرزق الحلال في الحديثين ما يكون حلالا في الواقع و نفس الامر وهو رزق الانبياء واوصيائهم واما رزق المؤمنين فهو الحلال فى ظاهر الشريعه وربما كان فيه شبهات وفي (الكافي) عن زراره قال سألت ابا جعفر (ع) عن عن قول الله تعالى (و كان رسولا نبيا) ما الرسول وما النبي ؟ قال النبي الذي يرى فى منامه ويسمع الصوت و لا يعاين الملك، والرسول الذي يرى فى المنام و يسمع الصوت ويعاين الملك قلت الامام ما منزلته ؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين
الملك ثم تلا هذه الايه (و ما ارسلنا قبلك من رسول و لا نبي ولا محدث) و عن الرضا (ع) الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه و يسمع كلماته وينزل عليه الوحى و ربما يرى فى منامه نحو رؤيا ابراهيم (ع) و النبي ربما يسمع الكلام و ربما راى الشخص و لم يسمع الامام هو الذي يسمع الكلام و لا يرى الشخص. (وفي الصحيح) عن الاحوال قال: سمعت زراره يسال ابا جعفر (ع) قال: اخبرني عن الرسول و النبي و المحدث فقال الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه و اما النبي فهو يرى فى منامه على نحو ما راى ابراهيم (ع) و نحو ما كان رسول الله (ص) من اسباب النبوه قبل الوحى حتى اتاه جبرئيل من عند الله بالرساله و كان محمد (ص) حين جمع له النبوه و جاءته الرساله من عند الله يجيئه بها جبرئيل (ع) و يكلمه بها قبلا و من الانبياء من جمع له النبوه و يرى فى منامه يأتيه الروح فيكلمه من غير ان يكون رآه فى اليقظه و اما المحدث فهو الذى يحدث فيسمع و لا يعاين ولا يرى فى منامه (اقول) اختلف علماء الاسلام فى الفرق بين النبي و الرسول، فقيل بالترادف وقيل بالفرق بان الرسول من جمع الى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب و انما يدعو الى كتاب من قبله.
[ 9 ]
ومنهم من قال: ان من كان صاحب المعجزة وصاحب الكتاب ونسخ شرع من قبله فهو الرسول و من لم يكن مستجمعا لهذه الخصله فهو النبي غير الرسول، ومنهم من قال: أن من جاءه الملك ظاهرا و امره بدعوة الخلق فهو الرسول و من لم يكن كذلك بل يرى في النوم فهو النبي ذكر هذه الوجوه الفخر الرازي وغيره والظاهر من حديثنا صحة القول الاخير لما مر من عدد المرسلين و كون من نسخ شرعه
ليس الا خمسة (و في كتاب البصائر) عن الباقرين (ع) والمرسلون على اربع طبقا فنبي تنبأ في نفسه لا يعد وغيرها و نبي يرى في النوم و يسمع الصوت و لا يعاين في اليقظة و لم يبعث الى احد و عليه امام مثل ما كان ابراهيم على لوط و نبي يرى فى منامه و يسمع الصوت و يعاين الملك وقد ارسل الى طائفة قلوا أو كثروا كما قال الله تعالى: (فارسلناه الى مائة الف أو يزيدون) و قال يزيدون ثلاثين الفا ونبي يرى في منامه و يسمع الصوت و يعاين في اليقظة وهو امام مثل اولي العزم و قد كان ابراهيم (ع) نبيا و ليس بامام حتى قال (اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) اي من عبد صنما أو وثنا. (اقول) يعني الامامة الرياسة العامة لجميع المخلوقات فهي افضل من النبوة واشرف منها. (الاختصاص للمفيد) عن عمر بن ابان عن بعضهم قال كان خمسة من الانبياء سريانيون آدم وشيث وادريس و نوح وابراهيم، وكان لسان آدم العربية وهو لسان اهل الجنة فلما عصى ربه ابدله السريانية قال وكان خمسة عبرانيون اسحاق ويعقوب وموسى و داود و عيسى و خمسة من العرب هود و صالح و شعيب واسماعيل و محمد (ص) و ملك الدنيا مؤمنان و كافران فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان (ع) واما الكافران فنمرود بن كوش بن كنعان وبخت نصر (اقول) نصر بوزن بقم اسم صنم و بخت يعني اولد لانه وجد مطروحا عنده فكأنه ابنه وروى الصدوق طاب ثراه في اكمال الدين حديثا طويلا يسنده الى
[ 10 ]
الباقر (ع) وفيه ان آدم (ع) لما استكملت ايام نبوته اوحى الله سبحانه إليه ان يجعل العلم وميراث النبوة في ابنه هبه الله وبشر آدم بنوح وكان بينهما عشرة آباء كلهم انبياء فلما مضت ايام نبوة نوح (ع) دفع ميراث العلم والنبوة الى ابنه سام وليس بعد سام
الا هود فكان بين نوح وهود من الانبياء مستخفين وغير مستخفين ومن بعد هود انتهت النبوة الى ابراهيم وكان بين هود وابراهيم من الانبياء عشرة وذكر كلاما طويلا ثم قال فارسل الله موسى و هارون الى فرعون وهامان و قارون و كان يقتل في اليوم نبيين وثلاثة واربعة حتى انه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبيا ويقوم سوق بقلهم آخر النهار ثم ذكر ان موسى (ع) ارسل الى اهل مصر خاصة وان عيسى ارسل الى بني اسرائيل خاصة وارسل الله محمدا صلى الله عليه وآله الى الانس و الجن عامة وهذا الحديث يعارض ما تقدم من عموم رسالة موسى وعيسى عليهما السلام ويجري فيه من التأويل انه من قبيل ما يقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله ارسل الى العرب أو يقال انه ارسل الى مكة لضرب من المجاز والعلاقة ظاهرة (وفي الكافي) يسنده الى البرقي يرفعه الى ابي عبدالله (ع) قال ان الله جعل اسم الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا فاعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفا واعطى نوحا منها خمسة وعشرين واعطى ابراهيم منها ثمانية احرف واعطى منها موسى اربعه احرف و اعطى منها عيسى حرفين وكان يحيى بها الموتى ويبرىء الاكمه و الابرص واعطى محمدا صلى الله عليه وآله اثنين و سبعين حرفا واحتجب حرفا لئلا يعلم ما في نفسه و يعلم ما في نفس العباد. (وعن) عليه السلام: كان مع عيسى ابن مريم حرفان يعمل بهما وكان مع موسى (ع) اربعة احرف وكان مع ابراهيم عليه السلام ستة احرف وكان مع آدم (ع) خمسة وعشرون حرفا وكان مع نوح عليه السلام ثمانية وجمع ذلك كله لرسول الله صلى الله عليه وآله ان اسم الله ثلاثة وسبعون حرفا وحجب عنه واحد. (اقول) ان الله سبحانه حجب الاسم الاعظم عن عباده غير الانبياء واوصيائهم. (قال المحققون): لعل الوجه فيه انه لو عرفهم اياه لاقبلوا على الدعاء به
[ 11 ]
واعرضوا عما سواه من الاسماء الحسنى على ان اكثرهم لا تحتمله عقولهم و لو عرفوه لافسدوا على انفسهم ضياع دينهم و على غيرهم ضياع دنياهم كما وقع لبلعم بن باعورا حتى سلخه الله تعالى علمه وكذلك حجبت ليله القدر في ثلاث ليال ليحافظ على العبادة فيها كلها وكذلك حجب ولي الله في جملة الناس لانه لو عرف بعينه لربما اقبل الناس على توقيره واحترامه وحده وولعوا بالاضرار بغيره وربما اوقع الضرر به فيعظم الذنب ومع انه سبحانه حجبه عن الخلق وورد في الاخبار تارة انه اقرب الى بسم الله الرحمن الرحيم من سواد العين الى بياضها. (وقيل): انه في سورة التوحيد (وقيل) انه لفظة لا غير. وفي الاخبار غير هذا ايضا. واما آدم (ع) وكذلك اعطى نوح (ع) فلا يلزم منه فضلهما وشرفهما على ابراهيم (ع) لان الافضلية لا يلزم ان تكون بكل فرد فرد وشخص شخص من انواع التكامل فى التفاضل بين اولي العزم الاربعة والذي يظهر من اشارات الاخبار انه الخليل (ع) لامور سيأتي التنبيه عليها ان شاء الله تعالى في مواضعها. (وفي بعض) انه كان مع ابراهيم (ع) من الاسم الاعظم ستة احرف ومع نوح (ع) ثمانية ومفهوم العدد ليس بحجة كما تقرر في الاصول. وروى الثقة علي بن ابراهيم عن ياسر عن ابي الحسن (ع) قال ما بعث الله نبيا الا صاحب مرة سوداء صافية. (اقول) صاحب هذه المرة تقرر في علم الطب انه في غاية الحذق والفطانة والحفظ لكن لما كان يجامعها الخيالات الفاسدة والجبن والغضب وصفها بانها صافية اي خالية من هذه الاخلاق الردية. (وعن) ابي عبدالله (ع): ان الله عزوجل احب لانبيائه من الاعمال الحرث والرعي لان لا يكرهوا شيئا من قطر السماء، وقال (ع) ما بعث الله نبيا قط حتى يسترعيه الغنم يعلمه بذلك رعيه الناس. (اكمال الدين) باسناده الى الصادق (ع)
عن النبي صلى الله عليه وآله قال عاش آدم أبو البشر تسعمائة وثلاثين سنه و عاش نوح الفي سنة واربعمائة وعاش ابراهيم (ع) مائة سنة وخمسا وسبعين وعاش اسمعيل بن
[ 12 ]
ابراهيم مائة وعشرين سنة وعاش اسحاق مائة وثمانين سنة وعاش يعقوب (ع) مائة وعشرين سنة وعاش يوسف (ع) مائة وعشرين سنة وعاش موسى (ع) مائة وستا وعشرين سنة وعاش هارون (ع) مائة و ثلاثا وثلاثين سنة وعاش داود عليه السلام مائة سنة منها اربعون سنة ملكه وعاش سليمان بن داود (ع) سبعمائة واثنى عشر سنة. (وعنه) عليه السلام: قال ان كان النبي من الانبياء ليبتلى بالجوع حتى يموت جوعا وان كان النبي من الانبياء ليبتلى بالعطش حتى يموت عطشا وان كان النبي من الانبياء ليبتلى بالسقم و الامراض حتى يتلفه وان كان النبي لياتي قومه فيقوم فيهم يامرهم بطاعة الله ويدعوهم الى توحيد الله وما معه مبيت ليلة فما يتركونه يفرغ من كلامه ولا يستمعون إليه حتى يقتلوه وانما يبتلي الله تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده (وعن ابى الحسن) عليه السلام: من اخلاق الانبياء التنظف والتطيب وحلق الشعر وكثرة الطروقة. (وعن امير المؤمنين) عليه السلام: العشاء بعد العتمة عشاء النبيين. وعن ابي الحسن الرضا عليه السلام ما من نبي الا و قد دعى لاكل الشعير وبارك عليه. وما دخل جوفا الا اخرج كل داء فيه وهو قوت الانبياء وطعام الابرار ابى الله تعالى ان يجعل قوت انبيائه الا شعيرا (وعن الصادق) عليه السلام: السويق طعام المرسلين واللحم باللبن مرق الانبياء و كان احب الاصباغ (1) الى رسول الله صلى عليه عليه وآله الخل و الزيت و هو طعام الانبياء وما افتقر اهل بيت ياتدمون بالخل والزيت. (وروى الصدوق) طاب ثراه فى كتاب (علل الشرايع) باسناده
الى ابن السكيت قال قلت لابي الحسن الرضا (ع) لما ذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء و العصا و آله السحر و بعث عيسى بالطب وبعث محمدا بالكلام والخطب فقال (ع) ان الله تبارك و تعالى لما بعث موسى كان الاغلب على اهل
(1) الصبغ بالكسر ما يسطبغ به من الادام والزيت لان الخبز يغمز فيه. (*)
[ 13 ]
عصره السحر فأتاهم من عند الله عزوجل بما لم يكن في وسع القوم مثله وبما ابطل به سحرهم فاثبت به الحجه عليهم وان الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس الى الطب فأتاهم من عند الله عزوجل بما لم يكن عندهم مثله وبما احيى لهم الموتى وابراء الاكمه والابرص باذن الله و اثبت به الحجة عليهم وان الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى عليه وآله في وقت كان الاغلب على اهل عصره الخطب والكلام فأتاهم من كتاب الله عزوجل ومواعظة واحكامه ما ابطل به قولهم واثبت الحجة عليهم فقال ابن السكيت تالله ما رايت مثل اليوم قط فما الحجة على الخلق اليوم فقال (ع): العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه و الكاذب على الله فيكذبه فقال ابن السكيت هذا والله الجواب. خاتمة في بيان عصمة الانبياء وتاويل ما يوهم خلافه قال الصدوق قدس الله ضريحه: اعتقادنا في الانبياء والرسل والائمة والملائكة صلوات الله عليهم انهم معصومون مطهرون من كل دنس وانهم لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا يعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون ومن نفى عنهم العصمة في شىء من احوالهم فقد جهلهم. واعتقادنا فيهم انهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من اوائل امورهم الى اواخرها لا يوصفون فى شىء من
احوالهم بنقص ولا جهل (روى) قدس الله رمسه في كتاب الامالي باسناده الى ابي الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (ع) اهل المقالات من اهل الاسلام والديانات واليهود والنصارى و المجوس والصابئة وسائر اهل المقالات فلم
[ 14 ]
يقم احد الا وقد الزمته حجته كانه القم حجرا فقام إليه على بن الجهم فقال يا ابن رسول الله اتقول بعصمة الانبياء قال بلى قال فما تقول في قول الله عزوجل (وعصى آدم ربه فغوى)، وقوله عزوجل (و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه)، وقوله في يوسف (ولقد همت به وهم بها)، وقوله في داود (وظن داود انما فتناه)، وقوله في نبيه محمد (وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه). فقال مولانا الرضا (ع) ويحك يا على اتق الله ولا تنسب الى انبياء الله الفواحش ولا تأول كتاب الله برأيك فان الله عزوجل يقول (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم)، واما قوله عزوجل فعصى آدم ربه فغوى فان الله عزوجل خلق آدم حجة في ارضه وخليفة في بلاده ولم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض لتتم مقادير امر الله عزوجل فلما اهبط الى الارض جعل حجة وخليفة عصم بقوله عز و جل (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين) واما قوله عزوجل (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه) انما ظن ان الله عزوجل لا يضيق عليه الا تسمع قول الله عزوجل (واما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) اي ضيق عليه ولو ظن ان الله لا يقدر عليه لكان قد كفر، واما قوله عزوجل في يوسف (ولقد همت به وهم بها) فانها همت بالمعصيه وهم يوسف بقتلها ان اجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء يعني الزنا واما
داود فما يقولون من قبلكم فيه ؟ فقال علي بن الجهم يقولون ان داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له ابليس على صورة طير احسن ما يكون من الطيور فقطع صلاته وقام لياخذ الطير فخرج الطير الى الدار فخرج في اثره فطار الطير الى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار اوريا بن حنان فاطلع داود في اثر الطير فإذا بامرأة اوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها وكان اوريا قد اخرجه في بعض غزواته فكتب الى صاحبه ان قدم اوريا امام الحرب فقدم فظفر اوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود فكتب الثانية ان قدمه امام التابوت فقتل اوريا رحمه الله وتزوج داود بامراته قال فضرب
[ 15 ]
الرضا (ع) بيده على جبهته وقال انا لله وانا إليه راجعون ولقد نسبتم نبيا من الانبياء الى التهاون بصلاته حتى خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل. فقال يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته فقال ويحك ان داود انما ظن ان الله لم يخلق خلقا هو اعلم منه فبعث الله إليه الملكين فتسوروا المحراب فقالا خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب، فعجل داود على المدعي عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجة ولم يسأل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول ما يقول، فقال هذه خطيئة حكمه لا ما ذهبتم إليه الا تسمع قول الله عزوجل (يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق).. الاية. فقلت يا ابن رسول الله فما قصته مع اوريا ؟ فقال الرضا (ع) ان المرأة في ايام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده ابدا واول من اباح الله عزوجل له ان يتزوج بامرأة قتل بعلها داود فذلك الذي على اوريا و اما محمد وقول الله عزوجل (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه) فان الله عزوجل عرف نبيه (ص) ازواجه في دار
الدنيا واسماء ازواجه في الاخرة وانهن امهات المؤمنين واحد من سمى له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة فاخفى صلى الله عليه وآله اسمها في نفسه ولم يبدله لكيلا يقول احد من المنافقين انه قال في امرأة في بيت رجل انها احد ازواجه من امهات المؤمنين وخشى قول المنافقين قال الله عزوجل (والله احق ان تخشاه في نفسك) وان الله عزوجل ما تولى تزويج احد من خلقه الا تزويج حواء من آدم (ع) و زينب من رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة من علي (ع). قال فبكى علي بن الجهم وقال يا ابن رسول الله انا تائب الى الله عزوجل ان انطق في انبياءه بعد يومي هذا الا بما ذكرته. (اقول) قوله (ع) وكانت المعصية من آدم في الجنة ظاهره تجويز الخطيئة على آدم (ع) على بعض الجهات اما لان المعصية منه كانت في الجنة والعصمة تكون في الدنيا أو لانها كانت قبل البعثة وانما تجب عصمتهم بعد النبوة وكلاهما
[ 16 ]
خلاف ما اجمع عليه علماؤنا ودلت عليه اخبارنا، ومن ثم قال شيخنا المحدث ابقاه الله تعالى يمكن ان يحمل كلامه (ع) على ان المراد من المعصية ارتكاب المكروه ويكونون بعد البعثة معصومين عن مثلها ايضا ويكون ذكر الجنة لبيان كون النهي للتنزيه والارشاد لان الجنة لم تكن دار تكليف حتى يقع فيها النهي التحريمي ويحتمل ان يكون المراد الكلام على هذا النحو لنوع من التقية مماشاة مع العامة لموافقة بعض اقوالهم أو على سبيل التنزل والاستظهار ردا على من جوز الذنب على الانبياء (ص)، واما ظن داود (ع) فيحتمل ان يكون ظن انه اعلم اهل زمانه وان كان صادقا الا انه لما كان مصادفا لنوع من العجب نبه الله تعالى بارسال الملكين واما تعجيله (ع) فى حال المرافعة فليس المراد انه حكم بظلم المدعى عليه قبل البينة إذ المراد بقوله لقد ظلمك انه لو كان كما تقول فقد ظلمك وكان الاولى ان لا يقول ذلك ايضا الا بعد وضوح الحكم. (معاني الاخبار) مسندا الى رجل من
اصحابنا عن ابي عبد الله (ع) قال سألته عن قول الله عزوجل في قصة ابراهيم (بل فعله كبيرهم هذا فاسلوهم ان كانوا ينطقون) قال ما فعله كبيرهم ولا كذب ابراهيم (ع) لانه قال فاسألوهم إن كانوا ينطقون إن نطقوا فكبيرهم فعل، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم فما نطقوا وما كذب ابراهيم، فقلت قوله عزوجل في يوسف (ايتها العير انكم لسارقون) قال انهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى انه قال لهم حين قال ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولم يقل سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من ابيه، فقلت قوله (اني سقيم) قال ما كان ابراهيم سقيما وما كذب إنما كان سقيما مرتادا. وقد روى انه عنى بقوله اني سقيم أي سأسقم وكل ميت سقيم قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله (انك ميت) أي ستموت. وقد روي انه عنى اني سقيم بما يفعل بالحسين بن علي عليهما السلام. وفي تفسير علي بن ابراهيم: سئل أبو عبد الله (ع) عن قول ابراهيم هذا ربي لغير الله، هل اشرك في قوله هذا ربي قال من قال هذا اليوم فهو مشرك ولم يكن من ابراهيم شرك وإنما كان في طلب ربه. (وفي قوله) (وما كان إستغفار
[ 17 ]
ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) قال ابراهيم لأبيه إن لم تعبد الاصنام استغفرت لك فلما لم يدع الاصنام تبرء منه. (عيون الاخبار) مسندا الى علي بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (ع) فقال له المأمون يابن رسول أليس من قولك ان الانبياء معصومون ؟ قال بلى قال فما معنى قول الله عزوجل (وعصى آدم ربه فغوى) فقال (ع) ان الله تبارك وتعالى قال لآدم (ع): (اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) وأشار لهما الى شجرة الحنطة فتكونا من الظالمين ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها
فلم يقربا تلك الشجرة وانما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان اليهما وأقسم لهما اني لكما من الناصحين ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فدلهما بغرور فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به النار وانما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الانبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله عزوجل وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عزوجل (فعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه فتاب عليه وهدى) وقال تعالى (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين). فقال له المأمون فما معنى قول الله عزوجل (فلما اتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما اتاهما) فقال الرضا (ع) ان حوا ولدت لآدم خمسمائة بطن في كل بطن ذكرا وانثى وان آدم وحوا عاهدا الله عزوجل ودعواه وقالا لئن آتيتنا صالحا من النسل خلقا سويا برئا من الزمانة والعاهة كان ما اتاهما صنفين صنفا ذكرانا وصنفا اناثا فجعل الصنفان لله تعالى شركاء فيما أتاهم ولم يشكراه كشكر أبويهما له عزوجل فتعالى الله عما يشركون. فقال المأمون أشهد انك ابن رسول الله حقا. فاخبرني عن قول الله عزوجل في ابراهيم (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) فقال الرضا أن ابراهيم وقع على ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه فلما جن
[ 18 ]
عليه الليل رأى الزهرة فقال ربي على الانكار والاستخبار فلما أفل الكوكب قال لا أحب الآفلين لأن الافول من صفات الحدث لا من صفات القديم فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي على الانكار والاستخبار فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكون من القوم الضالين فلما أصبح ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر على الاستخبار لا على الاخبار والاقرار فلما أفلت قال للاصناف
الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما أنا من المشركين، وإنما أراد ابراهيم (ع) بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم ان العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس وانما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والارض وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله عزوجل وأتاه وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه. فقال المأمون لله درك يابن رسول الله فاخبرني عن قول ابراهيم ربي ارني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال الرضا عليه السلام ان الله تعالى اوحى الى ابراهيم (ع) اني متخذ من عبادي خليلا إن سألني احياء الموتى اجبته فوقع في نفس ابراهيم (ع) انه ذلك الخليل فقال رب ارني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلة قال خذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم فأخذ ابراهيم نسرا وبطا وطاوسا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزءا وجعل مناقيرهن بين اصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الاجزاء بعضها الى بعض حتى استوت الابدان وجاء كل بدن حتى انضم الى رقبته ورأسه فخلى ابراهيم (ع) عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن يا نبي الله احييتنا احياك الله فقال ابراهيم (ع) بل الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير. قال المأمون: بارك الله فيك يا ابا الحسن فاخبرني عن قول الله عزوجل (فوكزه موسى فقضى
[ 19 ]
عليه قال هذا من عمل الشيطان). قال الرضا عليه السلام: ان موسى (ع) دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء
فوجد فيها رجلان يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فقضى موسى (ع) على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات فقال هذا من عمل الشيطان يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى (ع) من قتله انه يعني الشيطان عدو مضل مبين. (قال المأمون) فما معنى قول موسى رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي ؟ قال: يقول اني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي اي استرني من اعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له انه هو الغفور الرحيم قال موسى رب بما انعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فلن اكون ظهيرا للمجرمين بل اجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى عني فأصبح (ع) في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر قال له موسى انك لغوي مبين قاتلت رجلا بالامس وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك واراد ان يبطش به فلما اراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما وهو من شيعته قال يا موسى اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد إلا ان تكون جبارا في الارض وما تريد ان تكون من المصلحين. قال المأمون: جزاك الله خيرا يا ابا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون (فعلتها إذا وانا من الضالين). قال الرضا عليه السلام ان فرعون قال لموسى لما اتاه وفعلت فعلتك التي فعلت وانت من الكافرين بي، قال موسى فعلتها إذا وانا من الضالين عن الطريق بوقوعي الى مدينة من مدائنك ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وقد قال الله عزوجل لنبيه محمد (ألم يجدك يتيما فآوى) يقول الم يجدك وحيدا فآوى اليك الناس، ووجدك ضالا يعني عند قومك فهدى اي هداهم إلى معرفتك، ووجدك عائلا فأغنى يقول اغناك بأن جعل دعاءك مستجابا. قال المأمون: بارك الله فيك يابن رسول الله فما معنى قول الله عزوجل (ولما جاء موسى ليمقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال
[ 20 ]
لن تراني) الآية.. كيف يجوز ان يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأل هذا السؤال. فقال الرضا (ع) ان كليم الله موسى بن عمران علم ان الله تعالى عز أن يرى بالابصار ولكنه لما كلمه الله تعالى وقربه نجيا رجع الى قومه فأخبرهم ان الله عزوجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة الف رجل اختار منهم سبعمائة ثم اختار من السبعمائة سبعين رجلا لميقات ربه فخرج الى طور سينا فأقامهم في سفح الجبل و صعد موسى (ع) الى الطور وسأل الله تبارك وتعالى ان يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وامام لان الله عز وجل احدثه في الشجرة وجعله منبثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لن نؤمن لك بأن الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني اسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا انك ذهبت بهم فقتلتهم لانك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله اياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا انك لو سألت الله أن يراك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى يا قوم ان الله لا يرى بالابصار ولا كيفية له وانما يعرف بآياته ويعلم باعلامه فقالوا لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى يا رب انك قد علمت مقالة بني اسرائيل وانت اعلم بصلاحهم فأوحى الله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أواخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى يا رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه وهو يهوي فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل بآية من آياته جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت اليك، يقول رجعت الى معرفتي بك عن جهل قومي وانا أول المؤمنين منهم
بأنك لا ترى. فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه). فقال الرضا (ع) لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لايهم بذنب
[ 21 ]
ولا يأتيه وقد حدثني ابي عن ابيه عن الصادق (ع) قال همت به أن تفعل وهم بأن لا يفعل. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله عزوجل (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه). قال الرضا (ع) ذاك يونس بن متى ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن ان لن نقدر عليه أي لن نضيق عليه رزقه، ومنه قوله تعالى (وأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه) أي ضيق وقتر فنادى في الظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت أن لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله له وقال عزوجل (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا). قال الرضا (ع) يقول الله حتى استيأس الرسل من قومهم ان الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله عزوجل (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر). قال الرضا عليه السلام لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما فلما جاءهم (ص) بالدعوة إلى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا ان هذا لشئ عجاب وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فلما فتح الله على نبيه (ص) مكة قال له يا محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر عند مشركي أهل مكة بدعائك الى توحيد الله فيما تقدم وما
تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه في ذلك عندهم مغفورا بظهوره عليهم. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله عزوجل (عفا الله عنك لم أذنت لهم). قال الرضا (ع) هذا مما نزل باياك أعني واسمعي يا جاره خاطب الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وآله وأراد به امته وكذلك قول الله عزوجل
[ 22 ]
لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين وقوله عزوجل (ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا). قال صدقت يابن رسول الله فاخبرني عن قول الله (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وانعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه). قال الرضا عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها سبحان الذي خلقك وانما اراد بذلك تنزيه الله تعالى عن قول من زعم ان الملائكة بنات الله فقال الله عزوجل: (فاصطفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة اناثا انكم لتقولون عظيما). فقال النبي (ص): فلما رآها تغتسل قال سبحان الذي خلقك أن يتخذ ولدا يحتاج الى هذا التطهير والاغتسال، فلما عاد زيد الى منزله اخبرته بمجئ رسول الله وقوله لها سبحان الذي خلقك فلم يعلم زيد ما اراد بذلك وظن انه قال ذلك لما اعجبه من حسنها فجاء الى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان امرأتي في خلقها سوء واني اريد طلاقها فقال له النبي (ص) امسك عليك زوجك واتق الله وقد كان الله عز وجل عرفه عدد ازواجه وانما تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشى ان يقولوا ان محمدا يقول لمولاه ان امرأتك ستكون لي زوجة فيعيبونه بذلك فانزل الله عزوجل: وإذ تقول للذي انعم الله عليه يعني بالاسلام وانعمت
عليه بالعتق أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه. ثم ان زيدا طلقها واعتدت منه فزوجها الله من نبيه (ص) وانزل بذلك قرآنا: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان امر الله مفعولا) ثم علم عزوجل ان المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له فقال المأمون لقد شفيت صدري يابن رسول الله واوضحت لي ما كان ملتبسا علي فجزاك الله عن انبيائه وعن الاسلام خيرا. (قال علي بن محمد بن الجهم) فقام المأمون إلى الصلاة واخذ بيد محمد بن
[ 23 ]
جعفر وكان حاضرا المجلس فتبعتهما فقال له المأمون كيف رأيت ابن أخيك فقال عالم ولم نره يختلف الى أحد من أهل العلم، فقال المأمون ان ابن أخيك من أهل بيت النبي الذي قال فيهم: ان ابرار عترتي وأطائب ارومتي احلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا لا تعلموهم فانهم أعلم منكم لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلال. وانصرف الرضا (ع) إلى منزله فلما كان من الغد غدوت إليه واعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له فضحك (ع) ثم قال يا علي بن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه فانه سيغتالني والله ينتقم لي منه. (قال الصدوق) هذا الحديث عجيب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام. (أقول) هذا ليس بعجيب لأن الله سبحانه يجري الحق لأوليائه على السنة اعدائه في كثير من الاحوال وفي أغلب الازمان. (وفي كتاب الخصال) مسندا الى الاشعري رفعه الى أبي عبدالله (ع) قال ثلاث لم يعر منها نبي فمن دونه الطيرة و الحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق.
(قال الصدوق) ومعنى الطيرة في هذا الموضع هو ان يتطير منهم قومهم فاما هم (ع) فلا يتطيرون وذلك كما قال الله عزوجل في قوم صالح (قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله) وكما قال آخرون لانبيائهم (انا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم..) الآية. واما الحسد في هذا الموضع هو ان يحسدوا لا انهم يحسدون غيرهم وذلك كما قال الله عزوجل ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما. واما التفكر في الخلق فهو بلواهم (ع) باهل الوسوسة لا غير ذلك كما حكى الله عنهم من الوليد بن المغيرة المخزومي انه فكر وقدر فقتل كيف قدر يعني قال للقرآن ان هذا الا قول البشر. (اقول) ما ذكره من التأويل حسن الا ان في الكافي وغيره تتمة للحديث لا يحتمله وهي لكن المؤمن لا يظهر الحسد، ومن ثم حمل جماعة من اهل الحديث على ما هو اعم من الغبطة أو ان القليل منه إذا لم يظهر ليس بذنب والطيرة هي التشائم
[ 24 ]
بالشىء وانفعال النفس بما يراه أو يسمعه مما يتشائم به ولا دليل على انه لا يجوز ذلك على الانبياء إذ ورد انهم يتفألون بالشىء الحسن، والمراد بالتفكر فى الوسوسة في الخلق التفكر فيما يحصل في نفس الانسان من الوسواس في خالق الاشياء وكيفية خلقها وخلق اعمال العباد والتفكر في الحكمة في خلق بعض الشرور فى العالم من غير استقرار في النفس وحصول شك بسببها، ويحتمل ان يكون المراد بالخلق المخلوقات وبالتفكر في وساس التفكر وحديث النفس بعيوبهم و تفتيش احوالهم وفي الاخبار ما يؤيد الوجهين كما سيأتي وبعض افراد هذا الاخير على الوجهين لا يستبعد عروضها لهم عليهم السلام. هذا واعلم ان الخلاف بين علماء الاسلام في عصمة الانبياء عليهم السلام يرجع الى اربعة اقسام ما يقع في باب العقائد وما يقع في التبليغ وما يقع في الاحكام والفتيا
وما يقع في افعالهم و سيرهم عليهم السلام. (اما الاعتقادات) فهم منزهون عن الكفر والضلال فيما قبل النبوة وبعدها باتفاق الامة غير ان الارازقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب و عندهم كل ذنب كفر فيلزمه تجويز الكفر عليهم بل يحكى عنهم انهم قالوا يجوز ان يبعث الله نبيا علم انه يكفر بعد نبوته. واما النوع الثاني وهو ما يتعلق بالتبليغ فقد اتفقت الامة وارباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ عمدا وسهوا الا القاضي أبو بكر فانه جوز ما كان من ذلك على سبيل النسيان و فلتات اللسان. واما النوع الثالث وهو ما يتعلق بالفتيا فاجمعوا على انه لا يجوز خطاهم فيه عمدا وسهوا الا شرذمة قليلة من العامة. واما النوع الرابع وهو الذي يتعلق بافعالهم فقد اختلفوا فيه على خمسة اقوال: (اولها) قول اصحابنا الامامية رضوان الله عليهم وهو نفي الذنب عنهم مطلقا الصغار والكبار والعمد والنسيان والسهو والاسهاء ولم يخالف فيه الا الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد فانهما جوزا عليهم الاسهاء من الله لا السهو من
[ 25 ]
الشيطان وكذا القول في الائمة الطاهرين عليهم السلام. (الثاني) مذهب اكثر المعتزلة وهو انه لا يجوز عليهم الكبائر ويجوز عليهم الصغائر الا الصغائر الخسيسة المنفردة كسرقة حبة أو لقمة وكل ما ينسب فاعله الى الدنائة والضعة. (الثالث) و هو مذهب ابي علي الجبائي انه لا يجوز ان ياتوا بصغيرة ولا كبيرة على جهة العمد لكن يجوز على جهة التأويل والسهو كما تقدم فى حكايه آدم عليه السلام من انه كان غلطا في التأويل لانه ظن انه نهى عن شخص الشجرة لا عن نوعها فتناول من غير التى نهى عن شخصها. (الرابع) انه لا يقع منهم الذنب الا على طريق السهو والخطأ لكنهم مؤاخذون به وان رفع حكمه عن الامة لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم
وقدرتهم على التحفظ وهو قول النظام ومن تبعه. (الخامس) انه يجوز عليهم الصغائر والكبائر عمدا وسهوا وخطأ وهو قول الحشوية وكثير من اصحاب الحديث من العامة ثم انهم اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة اقوال: (الاول) انه من وقت ولادتهم الى ان يلقوا الله وهو مذهب الامامية رضوان الله عليهم. (الثاني) انه من حين بلوغهم و لا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوة وهو مذهب كثير من المعتزلة. (الثالث) انه وقت النبوة وأما قبله فيجوز صدور المعصية عنهم وهو قول اكثر الاشاعرة ومنهم الفخر الرازي، واما دلائلنا على ما صرنا إليه فهي وان كانت متكثرة الا ان العمدة فيها اخبارنا المتواترة واجماعنا المقطوع به حتى انه صار من ضروريات ديننا. وقد ذكر سيدنا الاجل علم الهدى في الشافي وكتاب تنزيه الانبياء (ع) جملة من الدلائل والبراهين القاطعة من اراد الاطلاع عليها فليطلبها من هناك.
[ 26 ]
الباب الاول في قصص آدم وحواء واولادهما وفيه فصول: الفصل الاول (في فضلهما والعلة في تسميتهما وبدؤ خلقهما وسؤال الملائكة في ذلك) قال الله تعالى (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون. وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم. قال يا آدم انبئهم باسمائهم فلما انبأهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم اني اعلم غيب
السماوات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون). (اقول) الخليفة من ينوب عن غيره والهاء للمبالغة وهذه الاية وما بمعناها دالة على ان الغرض والمقصود من خلق آدم عليه السلام ان يكون خليفة في الارض لمن تقدمه من الجان وليس المقصود من خلقه ان يكون في الجنة، نعم كان الاولى به الا يفعل ما فعل وينزل من الجنة عزيزا كريما على خلع الجنة وعلى زوجته ثياب حور العين والملائكة يزفونه ويسجدون له في الجنة. واما قول الملائكة اتجعل فيها فهو تعجب اما من ان يستخلف لعمارة الارض واصلاحها من يفسد فيها، واستكشاف عما خفي عليهم من الحكمة التى غلبت تلك المفاسد واستخبار عما يزيح شبههم وليس باعتراض على الله ولاطعن في بني آدم وعلى وجه الغيبة كما توهمه من جوز الذنوب على الملائكة فانهم اجل و أعلى من ان يظن بهم ذلك. وانما عرفوا ذلك باخبار من الله أو تلق من اللوح المحفوظ
[ 27 ]
أو قياس لاحد الثقلين على الاخر. وقوله ونحن نسبح بحمدك حال مقررة لجهة الاشكال عليهم قيل وكانهم علموا ان المجعول خليفة ذو ثلاث قوى عليها مدار امره شهوية وغضبية تؤديان به الى الفساد وسفك الدماء وعقلية تدعوه الى المعرفة والطاعة ونظروا إليها مفردة وقالوا ما الحكمة في استخلافه وهو باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة ايجاده فضلا عن استخلافه و اما باعتبار القوة العقلية فنحن نقيم بما يتوقع منها سليما عن معارضة تلك المفاسد وغفلوا عن فضيلة كل واحد من القوتين إذا صارت مهذبة مطواعة للعقل متمرنة على الخير كالعفة والشجاعة ولم يعلموا ان التركيب يفيد ما يقصر عنه الاحاد كالاحاطة بالجزئيات واستخراج منافع الكائنات من القوة الى الفعل الذي هو المقصود من الاستخلاف. (واما) تعليم الاسماء فبخلق علم ضروري فيه أو انه ألقاه في روعه. (وقوله) ثم عرضهم اي
المسميات المدلول عليها ضمنا. واما ما يقال من انه كان للملائكة ان يقولوا لو علمتنا كما علمت آدم لعلمنا مثله فجوابه انهم اجابوا انفسهم بقولهم انك انت العليم الحكيم. وذلك ان مقتضى الحكمة وضع الاشياء مواضعها على وفق الحكمة فحكمته تعالى انما اقتضت القاء التعليم الى آدم لا الى الملائكة. وروى الصدوق باسناده الى ابي عبدالله عليه السلام قال انما سمي آدم عليه السلام لانه خلق من اديم الارض. (قال الصدوق) اسم الارض الرابعة اديم وخلق منها آدم فلذلك قيل من اديم الارض. وقال عليه السلام: سميت حواء لانها من حي. يعنى آدم عليه السلام. وقد اختلف في اشتقاق اسم آدم (ع) فقيل اسم اعجمي لا اشتقاق له كآزر. (وقيل) انه مشتق من الادمة بمعنى السمرة لانه كان اسمر اللون وقيل من الادم بمعنى الالفة والاتفاق. واما اشتقاق حواء من حي أو الحيوان فهو من الاشتقاقات الشاذة أو الجعلية كلاين وتامر. وروى الصدوق رحمه الله ايضا عن ابن سلام انه قيل للنبي صلى الله عليه وآله خلق آدم من الطين كله أو من طين واحد قال بل من الطين كله ولو خلق من
[ 28 ]
طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا وكانوا على صورة واحدة قال فلهم في الدنيا مثل ؟ قال التراب فيه ابيض وفيه اخضر وفيه اشقر، يعني شديد الحمرة، وفيه ازرق وفيه عذب وفيه ملح فلذلك صار الناس فيهم ابيض وفيهم اصفر وفيهم اسود وعلى الوان التراب الخ. وعن امير المؤمنين عليه السلام ان الله تبارك و تعالى بعث جبرئيل عليه السلام وامره ان يأتيه من اديم الارض باربع طينات طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء وذلك من سهلها وحزنها ثم امره ان يأتيه باربع مياه ماء
عذب وماء ملح وماء مر و ماء منتن ثم امره ان يفرغ الماء في الطين فجعل الماء العذب في حلقه وجعل الماء المالح في عينيه وجعل الماء المر في اذنيه وجعل الماء المنتن في انفه. وجاء تعليله في توحيد المفضل عن الصادق عليه السلام: إنما جعل الماء العذب في الحلق ليسوغ له أكل الطعام. وجعل الماء المالح في العينين ابقاء على شحمة العين لأن الشحم يبقى إذا وضع عليه الماء. وأما الماء المر في الاذنين فلئلا تهجم الهوام على الدماغ ومن ذلك انها إذا وصلت الى الماء المر في الاذنين ماتت وربما تعدى الماء المر وصل الى الدماغ. ومن العجب انه جاءت إلي امرأة تستفتيني في أن بعض الجراحين أراد أن يكسر قطعة من عظم رأسها حتى يظهر الدماغ وذلك ان هامة تسمى هزاربا دخلت اذنها وهي نائمة فوصلت الى الدماغ والى مخ الرأس فصارت تأكل منه وربما سكنت وبقيت على هذا أعواما وما أفتيت في حكاية كسر شئ من قحفة رأسها (وجاء) في كتب الطب انه وقع مثل هذا في زمن أفلاطون فاخذ رجل إلى الحمام ورفع قطعة من قحفة رأسه واستخرج الهامة ثم وضع القحفة على حالها وهذا منه ليس بعجيب نعم عنه لما قلع القحفة وظهر هزاربا في الدماغ اراد ان يتناوله بالمنقاش فقال له احد تلاميذه لا تفعل فانه محكم ايديه وارجله في حجاب الدماغ فحمى له المنقاش ووضعه على ظهره حتى رفع رجليه من حجاب الدماغ فتناوله ورماه (وعنه) عليه السلام اول من قاس ابليس قال خلقتني من نار وخلقته من طين ولو علم ابليس ما جعل الله في آدم لم يفتخر عليه
[ 29 ]
ثم قال ان الله عزوجل خلق الملائكة من نور وخلق الجان من النار وخلق الجن صنفا من الجان من الريح وصنفا من الماء وخلق آدم من صفحة الطين ثم اجرى في آدم النور والنار والريح والماء فبالنور ابصر و عقل وفهم وبالنار اكل وشرب ولولا النار في المعدة لم تطحن المعدة الطعام. و لولا ان الريح في جوف بني آدم
تلهب نار المعدة لم تلهب. ولولا ان الماء في جوف ابن آدم يطفىء حر المعدة لاحرقت النار جوف ابن آدم فجمع الله ذلك في آدم لخمس خصال وكانت في ابليس خمسة فافتخر بها. (وعنه) عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان القبضة التي قبضها الله عزوجل من الطين الذي خلق منها آدم ارسل إليها جبرئيل (ع) ان يقبضها فقالت الارض اعوذ بالله ان تأخذ مني شيئا فرجع الى ربه وقال يا رب تعوذت بك مني فارسل إليها اسرافيل فقالت مثل ذلك فارسل إليها ميكائيل فقالت مثل ذلك فارسل إليها ملك الموت فتعوذت بالله ان ياخذ منها شيئا فقال ملك الموت واني اعوذ بالله ان ارجع إليه حتى اقبض منك. (اقول) جاء في الرواية ان الله سبحانه امر ملك الموت على الحتم ويدل على ان امره تعالى لمن تقدمه ليس على سبيل الحتم. (وروى) علي بن ابراهيم باسناده الى الباقر (ع) عن امير المؤمنين صلوات الله عليه قال ان الله تعالى لما اراد ان يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة فكشف عن اطباق السموات وقال للملائكة انظروا الى اهل الارض من خلقي من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي عظم ذلك عليهم فقالوا ربنا انت العزيز القادر وهذا خلقك الضعيف يعيشون برزقك ويعصونك ولا تنتقم لنفسك فلما سمع ذلك من الملائكة قال اني جاعل فى الارض خليفة يكون حجة في ارضي فقالت الملائكة سبحانك تجعل فيها من يفسد فيها كما افسدت بنو الجان فاجعل ذلك الخليفة منا فانا لا نعصيك ونسبح بحمدك ونقدس لك فقال عزوجل اني اعلم ما لا تعلمون اريد ان اخلق خلقا بيدي واجعل من ذريته انبياء وعبادا صالحين وائمة مهديين اجعلهم خلفاء على خلقي في ارضي واطهر ارضي من
[ 30 ]
النسناس و انقل مردة الجن العصاة على خلقي واسكنهم في الهواء وفي اقطار الارض واجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت
فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام فلاذوا بالعرش واشاروا بالاصابع فنظر الرب إليهم و نزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فطافوا به وهو البيت الذي يدخله الجن كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون إليه ابدا فوضع الله البيت المعمور توبة لاهل السماء ووضع الكعبة توبة لاهل الارض. الى ان قال: ثم قبض الله سبحانه طينة آدم واجري فيها الطبائع الاربع الريح والدم والمرة والبلغم فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص. ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق. ولزمه من ناحية المرة الغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب النساء واللذات وركوب المحارم والشهوات. (اقول) قيل المراد بالريح السوداء وبالمرة الصفراء أو بالعكس أو المراد بالريح الروح والمرة الصفراء والسوداء معا إذ يطلق عليهما وتكرار حب النساء لمدخليتهما معا. (وعن الرضا) " ع " قال: كان نقش خاتم آدم لا اله الا الله محمد رسول الله هبط به معه في الجنة. (وعنه صلى الله عليه وآله) اهل الجنة ليست لهم كنى الا آدم عليه السلام فانه يكنى بابي محمد توقيرا وتعظيما. (وعن ابي عبد الله) عليه السلام: ان الله سبحانه خلق آدم عليه السلام من غير اب وام، و عيسى عليه السلام من غير اب ليعلم انه قادر على ان يخلق من غير اب وام، ومن غير اب كما هو قادر على ان يخلق منهما، وفي قوله خلق الانسان من عجل قال لما اجرى الله الروح فى آدم من قدميه فبلغت الى ركبتيه اراد ان يقوم فلم يقدر فقال الله عزوجل خلق الانسان من عجل. وقال سميت المرأة مرأة لانها خلقت من المرء يعنى خلقت حوا من آدم. وسمى النساء نساءا لانه لم يكن لادم انس غيرها. (وعن عبد العظيم الحسني) قال: كتبت الى ابي جعفر الثاني عليه السلام اسأله عن علة الغائط ونتنه قال الله عزوجل
[ 31 ]
خلق آدم عليه السلام وكان جسده طيبا وبقى اربعين سنة ملقا تمر به الملائكة فتقول لامر ما خلقت وكان ابليس يدخل في فيه ويخرج من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا خبيثا غير طيب (و عن احدهما) عليهما السلام انه سئل عن ابتداء الطواف فقال ان الله تبارك وتعالى لما اراد خلق آدم عليه السلام قال للملائكة اني جاعل فى الارض خليفة فقال ملكان من الملائكة اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء فوقعت الحجب فيما بينهما وبين الله عزوجل وكان تبارك وتعالى نوره ظاهر للملائكة فلما وقعت الحجب بينه وبينهما علما انه سخط من قولهما فقالا للملائكة ما حيلتنا وما وجه توبتنا ؟ فقالوا ما نعرف لكما من التوبة الا ان تلوذا بالعرش فلاذا بالعرش حتى انزل الله توبتهما ورفعت الحجب فيما بينه و بينهما واحب الله تبارك وتعالى ان يعبد بتلك العبادة فخلق الله البيت في الارض وجعل على العباد الطواف حوله. وخلق البيت المعمور في السماء. (اقول) المراد من نوره تعالى الانوار المخلوقة في عرشه أو انوار الائمة صلوات الله عليهم أو انوار معرفته وفيضه فتكون حجبا معنوية. (وفي علل محمد بن سنان) عن الرضا عليه السلام ان الملائكة لما استغفروا من قولهم اتجعل فيها من يفسد فيها و علموا انهم اذنبوا فندموا ولاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله ان يتعبد بمثل ذلك العبادة فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في سماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ثم وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثم امر آدم (ع) فطاف به فتاب الله عليه وجرى ذلك في ولده الى يوم القيامة. (وروى) انه قيل لابي عبدالله عليه السلام لم صار الطواف سبعة اشواط ؟ قال لان الله تبارك وتعالى قال للملائكة اني جاعل في الارض خليفة فردوا على الله تبارك وتعالى وقالوا اتجعل فيها من يفسد فيها وكان لا يحجبهم عن نوره فحجبهم
عن نوره سبعة آلاف عام فلاذوا بالعرش سبعة آلاف فتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فصار الطواف سبعة اشواط واجبا على العباد لكل الف سنة شوطا واحدا. (وعن
[ 32 ]
ابي عبد الله) عليه السلام قال: كان الصرد دليل آدم عليه السلام من بلاد سرانديب الى جدة شهرا وهو اول طائر صام لله تعالى. (وسال) امير المؤمنين عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله كيف صارت الاشجار بعضها تحمل وبعضها لاتحمل ؟ فقال كلما سبح آدم تسبيحا صارت له في الدنيا شجرة مع حمل. وكلما سبحت حواء تسبيحة صارت لها في الدنيا شجرة من غير حمل. (وسأل) مما خلق الله الشعير فقال ان الله تبارك وتعالى امر آدم عليه السلام ان ازرع مما اختزنت لنفسك و جاء جبرئيل بقبضة من الحنطة فقبض آدم عليه السلام على قبضة وقبضت حواء على قبضة فقال آدم لحوا لا تزرعي انت فلم تقبل قول (امر) آدم وكلما زرع آدم عليه السلام جاء حنطة. وكلما زرعت حوا جاء شعيرا. (وروى الثقة علي بن ابراهيم) باسناده الى ابي جعفر (ع) في قول الله (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما) قال عهد إليه في محمد والائمة من بعده صلوات الله عليهم فترك و لم يكن له عزم فيهم انهم هكذا وانما سموا اولوا العزم لانه عهد إليهم في محمد واوصيائه من بعده والقائم عليه السلام وسيرته فاجمع عزمهم ان كذلك والاقرار به. (وعن ابي عبد الله) عليه السلام في قول الله تعالى وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ان الله تعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فيراها من اسفل اضلاعه فجرى بذلك الضلع بينهما نسب ثم زوجها اياه فجرى بسبب ذلك بينهما صهر فذلك قوله نسبا وصهرا فالنسب
ما كان من نسب الرجال و الصهر ما كان من سبب النساء (وقال) ان الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حوا من آدم فهمة الرجال في الارض وهمة النساء في الرجال. (وقال) عليه السلام: لما بكى آدم صلوات الله عليه على الجنة وكان رأسه في باب من ابواب السماء و كان يتاذى بالشمس فحط من قامته. (وقال) ان آدم لما اهبط من الجنة واكل من الطعام وجد في بطنة ثقلا فشكى ذلك الى جبرئيل فقال يا آدم فتنح فنحاه فاحدث وخرج منه الثقل.
[ 33 ]
(وقال) عليه السلام: اتى هذا البيت الف آتية على قدميه منها سبعمائة حجة وثلثمائة عمرة. (وعنه) عليه السلام لما ان خلق الله آدم اوقفه بين يديه فعطس فالهمه الله ان حمده فقال الله يا آدم حمدتني فوعزتي وجلالي لولا عبدان اريد اخلقهما في آخر الزمان ما خلقتك قال يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم ؟ فقال تعالى يا آدم انظر نحو العرش فإذا بسطرين من نور اول السطر لا اله الا الله محمد نبي الرحمة، علي مفتاح الجنة، والسطر الثاني اني آليت على نفسي ان ارحم من والاهما واعذب من عاداهما. (وفي قصص الانبياء) عن ابي عبدالله عليه السلام قال اجتمع ولد آدم في بيت فتشاجروا فقال بعضهم خير خلق الله ابونا آدم. وقال بعضهم الملائكة المقربون. وقال بعضهم حملة العرش. إذ دخل عليهم هبة الله فحكوا له فرجع الى آدم عليه السلام وقال له يا ابت اني دخلت على اخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله فسألوني فلم يكن عندي ما اخبرهم فقال آدم يا بني اني وقفت بين يدي الله جل جلاله فنظرت الى سطر على وجه العرش مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم محمد وآل محمد خير من برأ الله. (وروى العياشي) عن عمرو بن ابي المقدام عن ابيه قال
سالت ابا جعفر عليه السلام من اي شىء خلق الله حوا فقال اي شىء يقولون هذا الخلق ؟ قلت يقولون ان الله خلقها من ضلع من اضلاع آدم فقال كذبوا كأن يعجزه ان يخلقها من غير ضلعه فقلت جعلت فداك يا ابن رسول الله من اي شىء خلقها ؟ فقال اخبرني ابي عن آبائه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله تبارك وتعالى قبض قبضه من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت فضله من الطين فخلق منها حوا. (اقول) هذا الخبر معمول عليه بين اصحابنا رضوان الله عليهم وما ورد من انه خلق من ضلع من اضلاعه وهو الضلع الايسر القصير محمول على التقية أو على التأويل أو بان يراد ان الطينة التي قررها الله سبحانه لذلك الضلع خلق منها
[ 34 ]
حوا لا انها خلقت منه بعد خلقه فانه يلزم كما قال عليه السلام ان يكون آدم ينكح بعضه بعضا فيقوى بذلك مذهب المجوس في نكاح المحرمات. (وعن جميل بن دراج) عن ابي عبد الله عليه السلام قال سألته عن ابليس اكان من الملائكة وهل كان يلي من امر السماء شيئا قال لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي من امر السماء شيئا كان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة تراه انه منها وكان الله يعلم انه ليس منها فلما امر بالسجود كان منه الذي كان. (وقال) عليه السلام لما خلق الله آدم قبل ان ينفخ فيه الروح كان ابليس يمر به فيضربه برجله ويقول ابليس لامر ما خلقت. وقال السيد ابن طاووس في كتاب سعد السعود من صحائف ادريس النبي (ع) خلق الله آدم على صورته التي صورها في اللوح المحفوظ، يقول علي ابن طاوس فاسقط بعض المسلمين بعض هذا الكلام وقال ان الله خلق آدم على صورته فاعتقد الجسم فاحتاج المسلمون الى تأويل الحديث. (وقال) في الصحف
ثم جعل طينة آدم جسدا ملقى على طريق الملائكة التي تصعد فيه الى السماء اربعين سنة ثم ذكر تناسل الجن وفسادهم وهرب ابليس منهم الى الله وسأله ان يكون مع الملائكة واجابة سؤاله وما وقع من الجن حتى امر الله ابليس ان ينزل مع الملائكة لطرد الجن فنزل وطردهم من الارض التى افسدوا فيها.. الى آخر كلامه. واعلم انهم ذكروا في اخبار الملائكة عن الفساد وجوها: (منها) انهم قالوا ذلك ظنا لما رأوا من حال الجن الذين كانوا قبل آدم في الارض وهو المروي عن ابن عباس وفي اخبارنا ارشاد إليه. (ومنها) انهم علموا انه مركب من الاركان المتخالفة والاخلاط المتنافية الموجبة للشهوة التى منها الفساد والغضب منه سفك الدماء. (ومنها) انهم قالوا ذلك على اليقين لما يروي ابن مسعود وغيره انه تعالى لما قال للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا ربنا وما يكون الخليفة قال تكون له ذرية يفسدون في الارض ويتحاسدون ويقتل
[ 35 ]
بعضهم بعضا فعند ذلك قالوا: ربنا اتجعل فيها الخ. ومنها انه تعالى كان قد اعلم الملائكة انه إذا كان في الارض خلق عظيم افسدوا فيها وسفكوا الدماء. (ومنها) انه لما كتب القلم في اللوح المحفوظ ما هو كائن الى يوم القيامة فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلك. (ومنها) ان الخليفة إذا كان معناه النائب عن الله في الحكم و القضاء والاحتياج انما يكون عند التنازع واختلال النظام كان الاخبار عن وجود الخليفة اخبارا عن وقوع الفساد والشر بطريق الالتزام. (ومنها) ان الله سبحانه لما خلق النار خافت الملائكة خوفا شديدا فقالوا لمن خلقت هذه النار ؟ قال لمن عصاني من خلقي ولم يكن يومئذ خلق غير الملائكة فلما قال اني جاعل في الارض خليفة عرفوا ان المعصية منهم. وقد جوز الحشوية صدور الذنب من الملائكة وجعلوا اعتراضهم هذا على الله من اعظم
الذنوب ونسبة بني آدم الى القتل والفساد من الكبائر لانه غيبة لهم ولانهم مدحوا انفسهم بقولهم ونحن نسبح بحمدك وهو عجب. (وايضا) قولهم لا علم لنا الا ما علمتنا اعتذار والعذر دليل الذنب. (وايضا) قوله ان كنتم صادقين دل على انهم كانوا كاذبين فيما قالوه. (والجواب) عن هذا كله ظاهر وهو ان ليس غرضهم الاعتراض بل السؤال عما خفى عليهم من وجه الحكمة و ليس لمن لم يوجد غيبة. (وفي كتاب قصص الراوندي) عن مقاتل بن سليمان قال سالت ابا عبد الله عليه السلام كم كان طول آدم عليه السلام حين هبط به الى الارض وكم كان طول حوا ؟ قال وجدنا في كتاب علي عليه السلام ان الله عزوجل لما اهبط آدم وزوجته حوا الى الارض كانت رجلاه على ثنية الصفا وراسه دون افق السماء وانه شكى الى الله ما يصيبه من حر الشمس فصير طوله سبعين ذراعا بذراعه وجعل طول حوا خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها. (وفي الكافي) بعد قوله من حر الشمس فأوحى الله الى جبرئيل عليه السلام ان آدم قد شكى ما يصيبه من حر الشمس فاغمزه غمزة وصير طوله سبعين ذراعا بذراعه واغمز حوا فصير طولها خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها.
[ 36 ]
(اقول) هذا الحديث عده المتأخرون من مشكلات الاخبار لوجهين: (الاول) ان طول القامة كيف يصير سببا للتضرر بحر الشمس مع ان حرارة الشمس انما تكون بالانعكاس من الاجرام الارضية وحده اربعة فراسخ فى الهواء. (الثاني) ان كونه (ع) سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء خلقته وانه يتعسر عليه كثير من الاعمال الضرورية. واجيب عن الاول بوجهين: (احدهما) ان يكون للشمس حرارة من غير جهة الانعكاس ايضا وتكون قامته عليه السلام طويلة جدا بحيث تتجاوز الطبقة الزمهريرية ويتاذى من تلك الحرارة ويؤيده حكاية ابن
عناق انه كان يشوي السمك بعين الشمس. (الثاني) انه كان لطول قامته لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا شجر ولا جبل فلا يمكنه الاستظلال ولا الجلوس تحت شىء فكان يتاذى من حرارة الشمس لذلك. (واما الجواب) عن الثاني فمن وجوه اكثرها فيه من التكلف ما اوجب الاعراض عن ذكره لبعده عن لفظ الحديث ومعناه. واما الوجوه القريبة فمنها ما ذكره بعض الافاضل من ان استواء الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الان فان الله تعالى قادر على خلق الانسان على هيئات اخر كل منها فيه استواء الخلقة وذراع آدم عليه السلام يمكن ان يكون قصيرا مع طول العضد وجعله ذا مفاصل أو لينا بحيث يحصل الارتفاق به والحركة كيف شاء. ومنها ما روى عن شيخنا بهاء الدين طاب ثراه من ان في الكلام استخداما بان يكون المراد بادم حين ارجاع الضمير إليه آدم ذلك الزمان من اولاده ولا يخفى بعده وعدم جريانه في حوا الا بتكلف. ومنها ما قاله شيخنا المحدث سلمه الله تعالى وهو ان اضافة الذراع اليهما على التوسعة والمجاز بان ذراع صنف آدم إليه وصنف حوا إليها أو يكون الضميران راجعين الى الرجل والمرأة بقرينة المقام. ومنها ان الباء في قوله بذراعه للملابسة اي كما قصر من طوله قصر من ذراعه لتناسب الاعضاء وانما خص الذراع لان جميع الاعضاء داخلة في الطول بخلاف الذراع. والمراد بالذراع في قوله سبعين ذراعا اما ذراع من كان في زمن آدم أو كان فى زمن من صدر عنه الخبر.
[ 37 ]
(والاوجه) عندي هو الوجه الاول وذلك لان استواء الخلقة انما يكون بالنسبة الى اغلب انواع ذلك العصر والشائع فى ذلك العصر روى ان موسى (ع) ارسل النقباء الاثنى عشر ليأتوا له بخبر العمالقة حتى يغزوهم فلما قربوا من بلادهم رآهم رجل من العمالقة فوضع الاثنى عشر رجلا في طرف كمه وحملهم الى سلطانهم
وصبهم بين يديه وقال هؤلاء من قوم موسى اتأمرني ان اضع رجلى عليهم اقتلهم ؟ فقال اتركهم يرجعون الى صاحبهم و يخبرونه بما يرون فطلبوا منه زادا للطريق فاعطاهم رمانة على ثور نصفها خال من الحب يضعونه فوق النصف الاخر الذي ياكلون منه. وفي الليل ينامون في النصف الخالى فهو في الليل منام وفي النهار غطاء، وكان قوم موسى بالنسبه إليهم غير مستوي الخلقة وكذا العكس على ان الاخبار الواردة بصفات حور العين وولدان الجنة واكثر ما ورد فيها لو وجد في الدنيا لكان بعيدا عن استواء الخلقة. الفصل الثاني (في سجود الملائكة وله معان وانها اي جنة كانت ؟ ومعنى تعليمه الاسماء) قال الله تعالى (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين). وقال عز شأنه (ما منعك ان لا تسجد إذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وقال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين). وقال عز جلاله (رب فانظرني الى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم). وقوله (فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه). (في مجمع البيان) روى عن ابن عباس ان الملائكة كانت تقاتل الجن فسبى ابليس
[ 38 ]
وكان صغيرا وكان مع الملائكة فتعبد معها بالامر بالسجود لادم فسجدوا وابى فلذلك قال الله تعالى: (الا ابليس كان من الجن). (وروى) عن طاووس ومجاهد ان ابليس كان قبل ان يرتكب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الارض وكان سكان الارض من
الملائكة يسمون الجن ولم يكن من الملائكة اشد اجتهادا ولا اكثر علما منه فلما عصى الله لعنه وجعله شيطانا وسماه ابليس وكان من الكافرين فى علم الله. (قال ابن عباس) اول من قاس ابليس فاخطا القياس فمن قاس الدين بشىء من رأيه قرنه الله بابليس. وقوله انظرني الى يوم يبعثون يعني يخرجون من قبورهم للجزاء. اراد الخبيث ان لا يذوق الموت في النفخة الاولى واجيب بالانظار الى يوم الوقت المعلوم وهي النفخة الاولى ليذوق الموت بين النفختين وهو اربعون سنة. (وقوله) فبما اغويتني اي خيبتني من رحمتك وجنتك وامتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده أو حكمت بغوايتي وهذا كله تأويل والظاهر انه كان يعتقد ان الاضلال عن الله تعالى وهو من جملة اعتقاداته الخبيثة. ويعجبني مقالة حكيتها في كتاب زهر الربيع وهي اني تباحثت مع علماء الجمهور فانتهى الحال الى قوله ان الشيطان كان من اهل العلم فما مذهبه فقلت انه كان في الاصول من الاشاعرة وفي الفروع من الحنفية فتعجب من قولي فقال وما الدليل ؟ قلت اما الاول فقوله فبما اغويتني فنسب الاضلال والاغواء الى الله تعالى وهذا هو مذهب الجبرية من الاشاعرة. واما الثاني فعمله بالقياس في قوله انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فعمل بقياس الاولوية زعما منه ان السجود انما يكون للاشرف الافضل وهو بزعمه افضل من آدم لانه مخلوق من النار وهي اشرف من الطين. والحاصل ان مذهب الشيطان افضل من مذهب الحنفية لانه يعمل بقياس الاولوية وابو حنيفة كان يعمل بقياس المساوات الذي هو اضعف القياسات واردؤها وقوله ثم لاتينهم من بين ايديهم.
[ 39 ]
(روى) عن ابي جعفر عليه السلام قال (ثم لاتينهم من بين ايديهم) معناه اهون عليهم امر الاخرة. ومن خلفهم. آمرهم بجمع الاموال والبخل بها عن
الحقوق لتبقى لورثتهم وعن ايمانهم افسد عليهم امر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة وعن شمائلهم بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم. (وفي كتاب الخرائج) في حديث طويل عن ابي محمد العسكري عليه السلام وفيه انه لا احد من محبي علي عليه السلام نظف قلبه من قذر الغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب الا لكان اطهر وافضل من الملائكة. (وفي جواب) مسائل الزنديق عن ابي عبد الله عليه السلام انه سئل ايصلح السجود لغير الله ؟ قال لا قال فكيف امر الله الملائكة بالسجود لادم فقال ان من سجد بامر الله فكان سجوده إذ كان عن امر الله. (وفي) حديث آخر عنه عليه السلام: سجدت الملائكة لآدم ووضعوا جباههم على الارض تكرمة من الله. (وعن) ابي الحسن الثالث عليه السلام ان السجود من الملائكة لادم لم يكن لادم وانما كان لله ومحبة منهم لآدم. (وفي الخرائج) عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام ان يهوديا سال امير المؤمنين (ع) عن معجزة النبي صلى الله عليه وآله في مقابلة معجزات الانبياء فقال هذا آدم اسجد الله له ملائكته فهل فعل بمحمد شيئا مثل هذا ؟ فقال علي عليه السلام لقد كان ذلك ولكن اسجد الله لادم ملائكته لم يكن سجود طاعة انهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل ولكن اعترافا لادم بالفضيلة ورحمة من الله له. ومحمد عليهم السلام اعطى ما هو افضل من هذا ان الله جل وعلا صلى عليه في جبروته والملائكة باجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودى. (اقول) اتفق علماء الاسلام على ان ذلك السجود لادم عليه السلام لم يكن سجود عبادة والا لحصل الشرك لكنهم ذكروا فيه اقوالا: (الاول) ان ذلك السجود كان لله تعالى وآدم عليه السلام كان قبلة وهو
[ 40 ]
قول ابي علي الجبائي وجماعة. (الثاني) ان السجود في اللغة هو الانقياد والخضوع فهذا هو السجود لادم. و يبعده مع انه خلاف التبادر قوله تعالى فقعوا له ساجدين وكذلك الحديث السابق الثالث ان السجود كان تعظيما لادم عليه السلام وتكرمة وهو في الحقيقة عبادة لله تعالى لكونه بامره وهذا هو الاظهر من الاخبار. (وقال علي بن ابراهيم طاب ثراه) ان الاستكبار اول معصية عصى الله بها قال ابليس يا رب اعفني من السجود لادم وانا اعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل فقال الله تعالى لا حاجة لي الى عبادتك انما اريد ان اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد فابى ان يسجد فقال الله تعالى اخرج منها فانك رجيم قال ابليس كيف يا رب و انت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا ولكن سلني من امر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك اعطك فأول ما سأل البقاء الى يوم الدين فقال الله تعالى قد اعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال سلطتك قال اجرني فيهم مجرى الدم في العروق قال قد جريتك قال لا يولد لهم واحد الا ولد لي اثنان واراهم ولا يروني واتصور لهم فى كل صورة شئت فقال قد اعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك و لذريتك صدورهم اوطانا قال رب حسبي قال ابليس عند ذلك فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ثم لاتينهم من بين ايديهم. الاية. (قال أبو عبد الله) عليه السلام لما اعطى الله تبارك وتعالى ابليس ما اعطاه من القوة قال آدم عليه السلام يا رب سلطت ابليس على ولدي واجريته فيهم مجرى الدم في العروق واعطيته ما اعطيته فما لي و ولدي فقال لك و لولدك السيئة بواحدة و الحسنة بعشرة امثالها قال يا رب زدني. قال التوبة مبسوطة الى ان تبلغ النفس الحلقوم. قال يا رب زدني. قال اغفر و لا ابالي قال حسبي قال جعلت فداك بماذا استوجب ابليس من الله ان اعطاه ما اعطاه فقال بشىء كان منه شكره
الله تعالى عليه. قلت وما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في اربعة آلاف سنة.
[ 41 ]
(اقول) وفي نهج البلاغة من قوله عليه السلام انه صلى ركعتين في السماء في ستة آلاف سنة لا يدري امن سني الدنيا ام سني الاخرة وعلى هذا فلو كان من سني الاخرة لبلغ من السنين شيئا كثيرا (واعلم) ان جماعة من الصوفية قد شكروا لابليس اباءه عن السجود لادم قالوا انه اراد اختصاص السجود بالله تعالى فسموه من اجل هذا سيد الموحدين عليه وعليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. (وفي كتاب) فضائل الشيعة: للصدوق طاب ثراه باسناده عن ابي سعيد الخدري قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ اقبل إليه رجل فقال يا رسول الله اخبرني عن قول الله عزوجل لابليس (استكبرت ام كنت من العالين) فمن هم يا رسول الله الذين هم اعلا من الملائكة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله انا وعلي وفاطمة والحسن والحسين كنا في سرادق العرش نسبح وتسبح الملائكة بتسبيحنا قبل ان خلق الله عزوجل آدم بالفي عام فلما خلق الله عزوجل آدم امر الملائكة ان يسجدوا له ولم يامرنا بالسجود فسجدت الملائكة كلهم الا ابليس فقال الله تبارك وتعالى استكبرت ام كنت من العالين من هؤلاء الخمس المكتوبة اسماؤهم في سرادق العرش (وعنه) صلى الله عليه وآله قال انما كان لبث آدم وحوا في الجنة حتى اخرجا منها سبع ساعات من ايام الدنيا حتى اهبطهما الله من يومهما ذلك. وفي كتاب علل الشرايع: عن وهب قال لما اسجد الله الملائكة لادم عليه السلام وابى ابليس ان يسجد قال له ربه عزوجل اخرج منها ثم قال عزوجل يا آدم انطلق الى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فسلم عليهم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فلما رجع الى ربه قال له ربه تبارك وتعالى هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم الى يوم القيامة
(علل الشرائع) مسندا الى الصادق عليه السلام قال سألته عن جنة آدم فقال جنة من جنان الدنيا تطلع منها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها ابدا. وروى علي بن ابراهيم مثله ايضا. وقد وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في ان جنة آدم عليه السلام هل كانت في الارض ام في السماء وعلى القول الثاني هل هي
[ 42 ]
جنة الخلد والجزاء ام غيرها، ذهب اكثر المفسرين وجمهور المعتزلة الى انها جنة الخلد وهو ظاهر اكثر علمائنا رضوان الله عليهم. (وقال) أبو هاشم جنة من جنان الدنيا غير جنة الخلد. وذهب طائفة من علماء المسلمين الى انها بستان من بساتين الدنيا في الارض كما دل عليه الخبر. احتج الاولون بالتبادر وعهدية الالف واللام ولا يخفى ما فيه. واحتجت الفرقة الثانية بان الهبوط يدل على الاهباط من السماء الى الارض وليست بجنة الخلد لان من دخلها خلد فيها فلزم المطلوب. (والجواب) ان الانتقال من ارض الى ارض اخرى يسمى هبوطا كقوله تعالى (اهبطوا مصر). واحتج القائلون بانها من بساتين الدنيا بان جنة الخلد لا يخرج داخلها ولا يفنى نعيمها. (واجيب) عنه بانه انما يمكن بعد الدخول و الاستقرار وذكروا في الكتب الكلامية دلائل متكثره على ما صاروا إليه وهذان الخبران يعارضهما ظواهر الآيات والاخبار مع امكان حملهما على التقية. (وعن جميل) بن دراج قال سالت ابا عبد الله عليه السلام اكان ابليس من الملائكة ام من الجن ؟ قال كانت الملائكة ترى انه منها وكان الله يعلم انه ليس منها فلما امر بالسجود كان منه الذى كان. (اقول) اختلف علماء الاسلام في ان ابليس هل كان من الملائكة ام لا ؟ فاكثر المتكلمين وكثير من علمائنا كالشيخ المفيد طاب ثراه على انه لم يكن من
الملائكة بل كان من الجن قال وقد جاءت الاخبار متواترة عن ائمة الهدى سلام الله عليهم وهو مذهب الامامية. وذهبت طائفة الى انه من الملائكة واختاره شيخ الطائفة في التبيان قال وهو المروي عن ابي عبد الله عليه السلام والظاهر في تفاسيرنا. ثم اختلفت الطائفة الاخيرة. فقيل انه كان خازنا للجنان. وقيل كان له سلطان السماء وسلطان الارض. وقيل كان يسوم ما بين السماء والارض. وما صار إليه المفيد طاب ثراه هو مدلول الاحاديث المستفيضة. (العياشي) مسندا الى امير المؤمنين عليه السلام انه قال: اول بقعة عبد الله
[ 43 ]
عليها ظهر الكوفة لما امر الملائكة ان يسجدوا لادم سجدوا على ظهر الكوفة. (وفي تفسير) الامام العسكري عليه السلام قال: ان الله لما امتحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه وحملوا رأسه قال لعساكره انتم في حل من بيعتي فالحقوا بعشائركم وقال لاهل بيته قد جعلتكم في حل من مفارقتي فانكم لا تطيقونهم لتضاعف اعدادهم وما المقصود غيري فدعوني والقوم فان الله يعينني كعادته في اسلافنا فاما عسكره ففارقوه. واما اهله الادنون فابوا وقالوا لا نفارقك فقال لهم فان كنتم قد وطنتم انفسكم على ما وطنت نفسي عليه فاعلموا ان الله انما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره وان الله خصني مع من مضى من اهلي الذين انا آخرهم بقاءا في الدنيا من الكرامات بما يسهل معها احتمال المكروهات وان لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى. واعلموا ان الدنيا حلوها ومرها حلم والانتباه في الاخرة، اولا احدثكم باول امرنا ؟ قالوا بلى يا بن رسول الله قال ان الله تعالى لما خلق آدم علمه اسماء كل شىء وعرضهم على الملائكة جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين اشباحا خمسة في ظهر آدم وكانت انوارهم تضىء في آفاق السماوات
والحجب والجنان والكرسي والعرش فأمر الله الملائكة بالسجود لآدم تعظيما له انه قد فضله بانه جعله وعاء لتلك الاشباح التي عم انوارها في الافاق فسجدوا الا ابليس ابى ان يتواضع لانوارنا اهل البيت وقد تواضعت الملائكة. (وفي حديث) علي بن الحسين: ان آدم نظر الى ذروة العرش فراى نور اشباحنا فقال الله يا آدم هذه الاشباح افضل خلائقي وعرفه اسمائهم وقال بهم آخذ وبهم اعطي وبهم اعاقب وبهم اثيب فتوسل بهم يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم الى شفعائك فاني آليت على نفسي لا ارد بهم سائلا فلذلك حين نزلت منه الخطيئة دعا الله عزوجل بهم فتاب عليه (وعن اسحاق) بن جرير قال: أبو عبد الله عليه السلام اي شىء يقول اصحابك في قول ابليس خلقتني من نار وخلقته من طين قلت جعلت فداك
[ 44 ]
قد قال ذلك وذكره الله في كتابه قال كذب يا اسحاق ما خلقه الله الا من طين، ثم قال: قال الله (الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فإذا انتم منه توقدون) خلقه الله من تلك النار من تلك الشجرة والشجرة اصلها من طين. (علي بن ابراهيم) باسناده الى الصادق عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: (الى يوم الوقت المعلوم) يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله على الصخرة التى في بيت المقدس. (اقول) يشير الى ان انظاره الى يوم خروج القائم عليه السلام وهو القيامة الصغرى والاخبار المستفيضة دالة عليه. الفصل الثالث (في ان ذنبه كان ترك الاولى وكيفية قبول توبته والكلمات) (التى تلقاها من ربه وكيفية نزوله من الجنة وحزنه عليها)
(في كتاب النبوة) ان الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حوا من آدم، فهمة الرجال الماء والطين وهمة النساء الرجال. وفي العلل والامالي مسندا الى الحسن بن علي (ع) قال جاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه عن مسائل فقالوا اخبرنا عن الله لاي شىء وقت هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت على امتك في ساعات الليل والنهار فأجاب: الى ان قال: واما صلاة العصر فهي الساعة التي اكل فيها آدم من الشجرة فاخرجه الله من الجنة فامر الله ذريته بهذه الصلاة الى يوم القيامة واختارها لامتي فهي من احب الصلوات الى الله عزوجل واوصاني ان احفظها من بين الصلوات واما صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب الله فيها على آدم و كان بين ما اكل من الشجرة وبين ما تاب الله عليه ثلاثمائة سنة من ايام الدنيا، وفي ايام الاخرة يوم كالف سنة، من وقت صلاة العصر
[ 45 ]
الى العشاء فصلى آدم ثلاث ركعات ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حوا وركعة لتوبته فافترض الله عزوجل هذه الثلاث ركعات على امتي ثم قال فاخبرني لاي شىء توضأ هذه الجوارح الاربع وهي انظف المواضع في الجسد. وقال النبي صلى الله عليه وآله لما ان وسوس الشيطان الى آدم ودنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام وهو اول قدم مشت الى الخطيئة ثم تناوله بيده ثم مسها فاكل منها فطار الحلي والحلل عن جسده ثم وضع يده على راسه وبكى فلما تاب الله عليه فرض الله عليه وعلى ذريته الوضوء على هذه الجوارح الاربع وامره ان يغسل الوجه لما نظر الى الشجرة وامره ان يغسل الساعدين الى المرفقين لما تناوله منها وامره ان يمسح القدمين لما مشى الى الخطيئة ثم قال اخبرني لاي شىء فرض الله الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض الله على آدم اكثر من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله لما اكل آدم من الشجرة بقى في بطنه ثلاثين يوما وفرض الله على ذريته ثلاثين
يوما الجوع و العطش والذي ياكلونه تفضل من الله عزوجل عليهم. وكذلك كان على آدم ففرض الله على امتي ذلك ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وآله: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون اياما معدودات). (تفسير علي بن ابراهيم) عن ابن ابي عمير عن ابن مسكان عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان موسى عليه السلام سأل ربه ان يجمع بينه وبين آدم عليه السلام فجمع فقال له موسى يا ابت ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وامرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته قال يا موسى بكم وجدت (حل على) قبل خلقي في التوراة قال بثلاثين سنة قال فهو نسلك. قال الصادق عليه السلام فحج آدم موسى عليهما السلام. (اقول) وجد ان الخطيئة قبل الخلق اما في عالم الارواح كما قيل بان تكون روح موسى (ع) اطلعت على ذلك في اللوح أو المراد انه وجد في التوراة ان تقدير خطيئة آدم عليه السلام كان قبل خلقه بثلاثين سنه وفي الاخبار دلالة عليه وقوله فحج اي غلبه في الحجة وهذا من فروع مسألة القضاء والقدر وراجع الى
[ 46 ]
العلم القديم وهي المعركة العظمى بين علماء الاسلام وضل به خلق كثير وطوائف لا تحصى فوردوا النار بهاتين المسألتين. (وعنه) عليه السلام: لما خرج آدم من الجنة نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم اليس الله خلقك بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك الملائكة وزوجك حوا امته واسكنك الله الجنة واباحها لك ونهاك مشافهة ان لا تأكل من الشجرة فاكلت منها وعصيت الله فقال آدم عليه السلام ان ابليس حلف لي بالله انه لي ناصح فما ظننت ان احدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا. (معاني الاخبار) وعيون الاخبار: باسناده الى الهروي قال: قلت للرضا
عليه السلام يا بن رسول الله اخبرني عن الشجرة التي اكل منها آدم وحوا ما كانت ؟ فقد اختلف الناس فيها. فمنهم من يروى انها الحنطة ومنهم من يروى انها العنب ومنهم من يروى انها شجرة الحسد. فقال كل ذلك حق قلت فما معنى هذه الوجوه على اختلافها فقال يا ابا الصلت ان شجرة الجنة تحمل انواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا وان آدم عليه السلام لما اكرمه الله تعالى ذكره باسجاد ملائكته وبادخاله الجنة قال في نفسه هل خلق الله بشرا افضل مني فعلم الله عزوجل ما وقع في نفسه فناداه ارفع راسك يا آدم فانظر الى ساق عرشي فرفع آدم راسه فنظر الى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله علي بن ابي طالب امير المؤمنين وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة فقال آدم (ع) يا رب من هؤلاء ؟ فقال عزوجل من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء و الارض فاياك ان تنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط الشيطان عليه حتى اكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حوا لنظرها الى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتى اكلت من الشجرة كما اكل منها فاخرجهما الله عزوجل عن جنته و اهبطهما عن جواره الى الارض. (اقول) اختلفوا في الشجرة التي ورد النهي عنها فقيل كانت السنبلة
[ 47 ]
ورووه عن ابن عباس ويدل عليه بعض الاخبار وقيل هي الكرمة وقيل شجرة الكافور. وقيل التينة وقيل شجرة العلم علم الخير والشر. و قيل هي شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة والكل مروي في الاخبار وهذه الرواية تجمع بين الروايات واكثر الاقوال وسيأتي ما هو اجمع للاقوال والاخبار و المراد بالحسد هنا الغبطة التي تركها هو الاولي. وقوله وتمنى منزلتهم دال عليه وحينئذ فمعنى
شجره الحسد الشجرة التي كان سبب الاكل منها الحسد. (علل الشرائع) باسناده الى الباقر (ع) قال لولا ان آدم اذنب ما اذنب مؤمن ابدا ولو لا ان الله عزوجل تاب على آدم ما تاب على مذنب ابدا (وفيه) عن ابي عبد الله (ع) لما اهبط الله آدم من الجنة ظهرت فيه شامة سوداء في وجهه من قرنه الى قدمه فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به فاتاه جبرئيل عليه السلام فقال ما يبكيك يا آدم ؟ قال لهذه الشامة التي ظهرت بي قال قم فصل فهذا وقت الاولى فقام فصلى فانحطت الشامة الى صدره فجاءه في الصلوة الثانية فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة الى سرته فجاءه في الصلاة الثالثة فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الثالثة فقام فصلى فانحطت الشامة الى ركبتيه فجاءه في الصلاة الرابعة فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الرابعة فقام فصلى فانحطت الشامة الى رجليه فجاءه في الصلاة الخامسة فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الخامسة فقام فصلى فخرج منها فحمد الله واثنى عليه فقال جبرئيل (ع) يا آدم مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشامة من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة (وفيه) انه سأل الشامي امير المؤمنين عليه السلام لم صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين ؟ قال من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حوا فاكلت منها حبة واطعمت آدم حبتين فمن اجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الانثيين. (وفيه) عن ابي عبد الله (ع) كيف صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين قال لان الحبات التي اكل منها آدم وحوا في الجنة كانت ثمانية عشر، اكل آدم
[ 48 ]
منها اثنتي عشرة حبة واكلت حوا ستا فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين. اقول: يجمع بين الخبرين بحمل ما تقدم على اول سنبلة اخذاها كذلك حتى
صار ثمانية عشر أو المراد انها كانت على شعبة فيها ثلاث حبات وكانت الشعبة ستة. (وعنه) عليه السلام في حديث طويل قال فيه: ان آدم جاء من الهند وكان موضع قدميه حيث يطا عليه العمران وما بين القدم الى القدم صحارى ليس فيها شىء ثم جاء الى البيت فطاف.. الحديث. وفي ذلك الكتاب عن ابن مسعود: وسئل عن ايام البيض ما سببها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ان آدم لما عصى ربه عزوجل ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري فانه لا يجاورني احد عصاني فبكى وبكت الملائكة فبعث الله عزوجل إليه جبرئيل فاهبطه الى الارض مسودا فلما راته الملائكة ضجت وبكت وانتحبت وقالت يا رب خلقا خلقته ونفخت فيه من روحك واسجدت له ملائكتك فبذنب واحد حولت بياضه سوادا فنادى مناد من السماء صم لربك اليوم فصام فوافق يوم الثالث عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ثم نودي يوم الرابع عشر ان صم لربك فصام فذهب ثلثا السواد ثم نودي في اليوم الخامس عشر بالصيام فصام وقد ذهب السواد كله فسميت ايام البيض التي رد الله فيها على آدم بياضه ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة ايام جعلتها لك ولولدك من صامها في كل شهر فانما صام الدهر ثم قال فاصبح آدم وله لحية سوداء كالحمم فصرف يده إليها فقال يا رب ما هذه فقال هذه اللحية زينتك بها انت وذكور ولدك الى يوم القيامة. (معاني الاخبار) باسناده الى المفضل قال: قال أبو عبد الله (ع) ان الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بالفي عام فجعل اعلاها واشرفها ارواح محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والائمة بعدهم صلوات الله عليهم فعرضها على السماوات والارض والجبال فغشيها نورهم فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والارض والجبال فغشيها نورهم فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والارض والجبال هؤلاء حججي على خلقي لهم ولمن تولاهم خلقت جنتي ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري فمن ادعى منزلتهم مني ومحلهم من عظمتي عذبته
[ 49 ]
عذابا لا اعذبه احدا من العالمين ومن اقر بولايتهم ولم يدع منزلتهم منى جعلته معهم في روضات جناتي فولايتهم امانة عند خلقي فايكم يحملها وباثقالها يدعيها لنفسه دون خيرتي فابت السماوات والارض والجبال ان يحملنها واشفقن من ادعاء منزلتها وتمنى محلها من عظمة ربها فلما اسكن الله عزوجل آدم وزوجته الجنة قال لهما كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة يعنى شجرة الحنطة فتكونا من الظالمين فنظرا الى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من بعدهم فوجداها اشرف منازل اهل الجنة فقالا يا ربنا لمن هذه المنزلة ؟ فقال الله جل جلاله ارفعا رؤسكما الى ساق العرش فرفعا رؤسهما فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة بعدهم صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش - من نور الجبار جل جلاله - فقالا يا ربنا ما اكرم هذه المنزلة عليك ؟ فقال لولاهم لما خلقتكما اياكما ان تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنيا منزلتهم عندي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين قالا ربنا ومن الظالمون ؟ قال المدعون لمنزلتهم بغير حق قالا ربنا فارنا منازل ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك فامر الله تبارك وتعالى النار فابرزت جميع ما فيها من الوان العذاب فأوحى الله اليهما يا آدم ويا حوا لا تنظرا الى انوار حججي بعين الحسد فاهبطكما عن جواري فوسوس لهما الشيطان وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين فحملهما على تمنى منزلتهم فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتى اكلا من شجرة الحنطة فعاد مكان ما اكلا شعيرا. فاصل الحنطة كلها مما لم ياكلاه واصل الشعير كله مما عاد مكان ما اكلاه فلما اكلا من الشجرة طار الحلى والحلل عن اجسادهما وبقيا عريانين فناداهما الم انهكما عن تلك الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين فقالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال اهبطا من جواري فلا
يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين الى انفسهما في طلب المعاش فلما اراد الله عزوجل ان يتوب عليهما جاءها جبرئيل عليه السلام فقال لهما انكما ظلمتما انفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار
[ 50 ]
الله عزوجل الى ارضه فسالا ربكما بحق الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما فقالا اللهم انا نسالك بحق الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين و الائمة الا تبت علينا و رحمتنا فتاب الله عليهما. فلم تزل انبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الامانة و يخبرون بها اوصياءهم والمخلصين من اممهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها و حملها الانسان الذي قد عرفت فاصل كل ظلم منه الى يوم القيامة. وذلك قول الله عزوجل (انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا). (اقول) لا يتوهم ان آدم (ع) صار يتمنى منزلتهم من الظالمين المدعين لمنزلتهم حتى يستحق بذلك أليم النكال فان في عده من الظالمين هنا نوعا من التجوز لانه تشبه بهم في التمني ومخالفة الامر الندبي لا في ادعاء المنزلة وغصبها والقتل عليها وحمل الامانة غير حفظها كما يدل عليه قوله فلم تزل انبياء الله يحفظون هذه الامانة الى قوله فيأبون حملها فالمراد بحملها ادعاؤها بغير حق وغصبها. وقال الزجاج كل من خان الامانة فقد حملها ومن لم يحمل الامانة فقد اداها فآدم (ع) لم يكن من الحاملين للامانة على ما ذهب إليه بعض المفسرين. وفسروا الانسان بآدم وقوله الذي قد عرفت هو الاول وهذا مشهور لا اصل له لان الثاني كما قال الصادق عليه السلام سيئة من سيئات الاول وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون. (وعن ابن عباس) قال: لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس فالهمه الله الحمد لله رب العالمين فقال له ربه يرحمك ربك فلما اسجد له ملائكته
تداخله العجب فقال يا رب خلقت خلقا احب اليك مني فلم يجب ثم قال الثالثة فلم يجب ثم قال الله عزوجل له نعم لولاهم ما خلقتك فقال يا رب فارينهم فأوحى الله عزوجل الى ملائكة الحجب ان ارفعوا الحجب فلما رفعت إذا آدم بخمسة اشباح قدام العرش فقال يا رب من هؤلاء ؟ قال يا آدم هذا محمد نبي وهذا علي امير المؤمنين ابن عم نبي ووصيه وهذه فاطمة ابنة نبى وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولد ابنة نبى، ثم قال يا آدم هم ولدك ففرح بذلك فلما اقترف الخطيئة قال يا رب اسالك
[ 51 ]
بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي فغفر الله له بهذا فهذا الذي قال الله عز وجل (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) فلما هبط الى الارض صاغ خاتما فنقش عليه محمد رسول الله وعلى امير المؤمنين، ويكنى آدم بابي محمد عليه السلام. (معاني الاخبار) باسناده الى الصادق عليه السلام قال لقد طاف آدم عليه السلام بالبيت مائة عام ما ينظر الى وجه حوا ولقد بكى على الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين العظيمين من الدموع ولقد قام على باب الكعبة، ثيابه جلود الابل و البقر فقال اللهم اقلني عثرتي واغفر لي ذنبي واعدني الى الدار التي اخرجتني منها فقال الله عزوجل قد اقلتك عثرتك وغفرت لك ذنبك وساعيدك الى الدار التي اخرجتك منها. (اقول) فيه دلالة على ان الجنة التى اخرج منها هي جنة الخلد لانها التي سيعود إليها وكذلك الاخبار السابقة وما بمعناها الدالة على انه نظر الى منزلة محمد وعلي والى انه رآهم مكتوبين على اركان العرش فان العرش سقف جنة الخلد كما جاء في الحديث ان الجنة فوق السماء وسقفها العرش والتاويل بالجمل على انها جنة البرزخ التى تأوي ارواح المؤمنين بعيد لما عرفت وحينئذ فطريق الجمع ما مر من حمل الاخبار الدالة على انها من بساتين الدنيا على التقية. وفي ذلك الكتاب الحديث عن الصادق عليه السلام. وفيه ان الكلمات التي
تلقاها آدم (ع) فتاب عليه هي النبي واهل بيته عليهم السلام ثم قال المفضل فما يعني عزوجل بقوله اتمهن قال يعني اتمهن الى القائم عليه السلام اثنى عشر اماما تسعة من ولد الحسين عليه السلام. (اقول) ورد ان الكلمات هي قوله تعالى (ربنا ظلمنا انفسنا..) الاية. وورد ايضا انها قوله سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك الدعاء. وورد غيره ايضا. والجمع بين الروايات الجمع بينها الا ان الاصل هو ما روي عن السادة الاطهار صلوات الله عليهم من انها اسماؤهم. وفي الحديث: ان آدم عليه السلام لما كثر ولده وولد ولده كانوا يتحدثون عنده و هو ساكت فقالوا يا ابة ما لك لا تتكلم ؟ فقال يا بني ان الله جل جلاله
[ 52 ]
لما اخرجني من جواره عهد الى وقال: اقلل كلامك ترجع الى جواري. (قصص الراوندي) باسناده الى ابي جعفر عليه السلام قال ان آدم عليه السلام نزل بالهند فبنى الله تعالى له البيت فلما خطا من الهند فكان موضع قدميه حيث خطا عمران وما بين القدم والقدم صحارى. (اقول) المشهور في الاخبار عن السادة الاطهار صلوات الله عليهم ان نزول آدم (ع) كان على الصفا ونزول حوا على المروة وهذا الخبر وما روى بمعناه يدل على ان نزولهما كان بالهند، وحمله بعض اهل الحديث على التقية لانه المشهور بين العامة ان آدم عليه السلام هبط على جبل في سرنديب يقال له (نور) وحوا هبطت في جدة مع انه يمكن ان يقال ان هبوطهما على الصفا والمروة بعد دخولهما مكة من باب اهبطوا مصرا. (العياشي) عن مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله عليه السلام رفعه الى النبي صلى الله عليه وآله ان موسى (ع) سال ربه ان يجمع بينه وبين آدم (ع) حيث عرج
الى السماء في امر الصلاة ففعل فقال له موسى (ع) يا ابت انت الذي خلفك الله بيده واباح لك جنته ثم نهاك عن شجرة واحدة فلم تصبر عنها حتى اهبطت الى الارض بسببها فلم تستطع ان تضبط نفسك عنها حتى اغراك ابليس فاطعته فانت الذي اخرجتنا من الجنة بمعصيتك فقال آدم عليه السلام ارفق بابيك يا بني فيما لقى من امر هذه الشجرة يا بني ان عدوي اتاني من وجه المكر والخديعة فحلف لي بالله انه في مشورته علي لمن الناصحين وذلك انه قال لي منتصحا اني لشانك يا آدم لمغموم قلت وكيف ؟ قال قد كنت آنست بك وبقربك مني وانت تخرج مما انت فيه الى ما استكرهه فقلت له وما الحيلة ؟ فقال ان الحيلة هو ذا معك افلا ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فكلا منها انت وزوجك فتصيرا معي في الجنة ابدا من الخالدين وحلف لي بالله كاذبا انه لمن الناصحين ولم اظن يا موسى ان احدا يحلف بالله كاذبا فوثقت بيمينه فهذا عذري فاخبرني يا بني هل تجد فيما انزل الله ان خطئتي كائنة من قبل ان اخلق، قال له موسى: بدهر طويل
[ 53 ]
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فحج آدم موسى، قال ذلك ثلاثا. (اقول) اما ان تلك الشجرة شجرة الخلد فهو غير كاذب فيما قاله الا ان من اكلها افادته الخلد في الجنة إذا كان الاكل مباحا منها يكون مامورا به وإذا كان الاكل منهيا عنه يكون اثره المترتب عليه ما وقع على آدم من اخراجه من الجنة في ذلك اليوم وقوله بدهر طويل يرجع حاصله الى ان الله سبحانه علم بذنب آدم وقدره موافقا للعلم القديم كما هو حال جميع مقدرات الله سبحانه ومقدراته. (العياشي) عن عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله عليه السلام وانا حاضر كم لبث آدم (ع) وزوجته في الجنة حتى اخرجهما منها فقال ان الله تبارك وتعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة ثم برأ زوجته من
اسفل اضلاعه ثم اسجد له ملائكته واسكنه جنته من يوم ذلك فوالله ما استقر فيها الا ست ساعات في يومه ذلك حتى عصى الله فاخرجهما الله منها بعد غروب الشمس وما باتا فيها وصيرا بفناء الجنة حتى اصبحا فبدت لهما سوآتهما و ناداهما ربهما ألم انهكما عن تلكما الشجرة فاستحيى آدم من ربه وخضع وقال ربنا ظلمنا انفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا قال الله لهما اهبطا من سماواتي الى الارض فانه لا يجاورني في جنتي عاص ولا في سماواتي. (وقال أبو عبدالله) عليه السلام: ان آدم لما اكل من الشجرة ذكر ما نهاه الله عنها فندم فذهب ليتنحى من الشجرة فاخذت الشجرة برأسه فجرته إليها وقالت له افلا كان فرارك قبل ان تأكل مني. وفي هذا الحديث دلالة على ان تلك الجنة كانت في السماء والظاهر انها شجرة الخلد. (وفي تفسير) الامام العسكري (ع) ولا تقربا هذه الشجرة شجرة العلم شجرة علم محمد وآل محمد آثرهم الله تعالى به على سائر خلقه فقال الله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة شجرة العلم فانها لمحمد وآله خاصة دون غيرهم لا يتناول منها بامر الله الا وهم منها ما كان يتناوله النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم اجمعين بعد اطعامهم المسكين واليتيم والاسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب وهي شجرة تميزت من بين اشجار الجنة ان سائر
[ 54 ]
اشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار المأكول وكانت هذه الشجرة و جنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر انواع الثمار والفواكه والاطعمة فلذلك اختلف الحاكمون بذكر الشجرة. فقال بعضهم هي برة وقال آخرون هي عنبة وقال آخرون هي عنابة. وقال الله و لا تقربا هذه الشجرة تلتمسان بذلك درجة محمد وآل محمد في فضلهم فان الله عزوجل خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم وهي الشجرة التي من تناول منها باذن الله الهم على الاولين والاخرين من غير تعلم ومن
تناول بغير اذن الله خاب من مراده وعصى ربه فتكونا من الظالمين بمعصيتكما والتماسكما درجة قد اؤثر بها غيركما إذا رمتما بغير حكم الله قال الله تعالى فازلهما الشيطان عنها عن الجنة بوسوسته وغروره بان بدأ بآدم فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين ان تناولتما منها تعلمان الغيب وتقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى بالقدرة أو تكونا من الخالدين لا تموتان ابدا وكان ابليس بين لحيي الحية ادخلته الحية وكان آدم يظن ان الحية هي التي تخاطبه ولم يعلم ان ابليس قد اختبي بين لحييها فرد آدم على الحية ايتها الحية هذا من غرور ابليس كيف اروم التوصل الى ما منعني ربي واتعاطاه بغير حكمه فلما ايس ابليس من قبول آدم عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حوا من حيث يوهمها ان الحية هي التي تخاطبها وقال يا حوا ارايت هذه الشجرة التي كان الله حرمها عليكما قد احلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له وذلك ان الملائكة الموكلين بالشجرة التي معها الخراب يدفعون عنها سائر حيوانات الجنة لا يدفعونكما عنها ان رمتما فاعلما بذلك انه قد احل لكما وابشري بانك ان تناولتها قبل آدم كنت انت المسلطة عليه الآمرة الناهية فوقه فقالت حوا سوف اجرب هذا فرامت الشجرة فارادت الملائكة ان يدفعوها عنها بحرابها فأوحى الله إليها انما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره واما من جعلته متمكنا مميزا مختارا فكلوه الى عقله الذى جعلته حجة عليه فان اطاع استحق ثوابي وان عصى وخالف امري استحق عقابي فتركوها ولم يتعرضوا لها بعد ما هموا بمنعها بحرابهم فظنت ان الله نهاهم عن منعها
[ 55 ]
لانه قد احلها بعدما حرمها فقالت صدقت الحية وظنت ان المخاطب بها هي الحية فتناولت منها ولم تنكر من نفسها شيئا فقالت لادم عليه السلام ألم تعلم ان الشجرة المحرمة علينا قد ابيحت لنا وتناولت منها ولم تمنعني ملائكتها ولم انكر شيئا من
حالي فلذلك اغتر آدم (ع) وغلط فتناول فأصابها ما قال الله تعالى في كتابه فأزلهما الشيطان عنها بغرور فاخرجهما مما كانا فيه من النعيم وقلنا يا آدم ويا حوا ويا ايتها الحية ويا ابليس اهبطوا بعضكم لبعض عدو وآدم وحوا واولادهما (اعداء) للحية وابليس واولاده اعداؤكم ولكم في الارض مستقر للمعاش ومتاع الى حين الموت وكانت الحية من احسن دواب الجنة وهبوطها كان من الجنة وهبوط ابليس من حواليها فانه كان محرما عليه دخول الجنة.. الحديث. (اقول) اختلف في كيفية وصول ابليس الى آدم وحوا حتى وسوس اليهما وابليس كان قد اخرج من الجنة حين ابى السجود وهما في الجنة. فقيل: ان آدم كان يخرج الى باب الجنة وابليس لم يكن ممنوعا من الدنو منه فكان يكلمه وكان هذا قبل ان يهبط الى الارض وبعد ان اخرج من الجنة. (وقيل) انه كلمهما في الارض بكلام عرفاه و فهماه منه. (وقيل) انه دخل في شدق الحية وخاطبهما من شدقها، قال صاحب الكامل: ان ابليس اراد دخول الجنة فمنعته الخزنة فاتى كل دابة من دواب الارض وعرض نفسه عليها ان تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم وزوجته، فكل الدواب ابت عليه ذلك حتى اتى الحية وقال لما امنعك من ابن آدم فانت في ذمتي ان ادخلتني فجعلته ما بين نابين من انيابها ثم دخلت به وكانت راسية على اربع قوائم من احسن دابة خلقها الله كأنها بختية فاعراها الله تعالى وجعلها تمشي على بطنها انتهى. (وقيل) راسلهما بالخطاب وظاهر الايات تدل على المشافهة وورد ان السم الذي في انياب الحية من مقعد الشيطان فيه إما لانه اثر فيه السم أو لان السم خلق هناك بسببه. اقول: اعظم شبهة المخطئة للانبياء عليه السلام قصة آدم عليه السلام حيث سماه عاص بقوله (وعصى آدم ربه فغوى).
[ 56 ]
واجاب عنه علم الهدى طاب ثراه بان العصيان مخالفة الامر اعم من كونه واجبا أو ندبا واطال في تحقيق المقام وكل هذا يرجع الى قوله عليه السلام حسنات الابرار سيئات المقربين وقد حققنا جملة القول في هذه المقالة الواردة فى الانبياء و الائمة (ع) فى شرحنا على الصحيفة السجادية عند شرح دعاء الامام على بن الحسين عليهما السلام إذا استقال من ذنوبه (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال رن ابليس اربع رنات اولهن يوم لعن، وحين اهبط الى الارض، وحين بعث محمد صلى الله عليه وآله على حين فترة من الرسل، وحين انزلت ام الكتاب، ونخر نخرتين حين اكل - يعنى آدم - من الشجرة وحين اهبط من الجنة. (اقول) الرنة الصوت و الصياح. والنخير الصوت من الانف. والاول للحزن والثانى للفرح. (وعنه) عليه السلام: البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وعلى بن الحسين عليهما السلام فاما آدم فبكى للجنة حتى صار فى خديه مثل الاودية. (وفى حديث آخر) انه بكى حتى خرج من احدى عينيه من الدموع مثل ماء دجلة ومن الاخرى مثل ماء الفرات (وعنه) عليه السلام لما اهبط الله عزوجل آدم عليه السلام من الجنة اهبط معه مائة وعشرين قضيبا منها اربعون ما يؤكل منها داخلها وخارجها. واربعون منها ما يؤكل داخلها ويرمى خارجها. واربعون منها ما يؤكل خارجها ويرمى بداخلها وغرارة فيها بذر كل شىء، والغرارة الجوالق معرب جوال. (علل الشرائع): عن بكير بن اعين: قال قال لى أبو عبدالله عليه السلام هل تدرى ما كان الحجر ؟ قال: قلت لا قال كان ملكا عظيما من عظماء الملائكة عند الله عزوجل فلما اخذ الله من الملائكة الميثاق كان اول من آمن به و اقر ذلك الملك فاتخذه الله امينا على جميع خلقه فألقمه الميثاق واودعه عنده واستعبد الخلق ان
يجددوا عنده فى كل سنة الاقرار بالعهد والميثاق الذى اخذه الله عليهم ثم جعله الله مع آدم فى الجنة يذكر الميثاق ويجدد عنده الاقرار كل سنة فلما عصى آدم عليه السلام
[ 57 ]
واخرج من الجنة انساه الله العهد والميثاق الذى اخذ الله عليه وعلى ولده لمحمد ووصيه وجعله باهتا حيرانا فلما تاب على آدم حول ذلك الملك فى صورة درة بيضاء فرماه من الجنة الى آدم وهو بارض الهند فلما رآه انس إليه وهو لا يعرفه باكثر من انه جوهرة فانطقه الله عزوجل فقال يا آدم اتعرفنى ؟ قال لا قال اجل استحوذ عليك الشيطان فانساك ذكر ربك و تحول الى الصورة التى كان بها فى الجنة مع آدم عليه السلام فقال لادم اين العهد والميثاق فوثب إليه آدم وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبله وجدد الاقرار بالعهد والميثاق ثم حول الله عزوجل جوهر الحجر درة بيضاء صافية تضىء فحمله آدم على عاتقه اجلالا له وتعظيما فكان إذا اعيى عليه حمله عنه جبرئيل (ع) حتى وافى به مكة فما زال انس به بمكة ويجدد الاقرار له كل يوم وليلة ثم ان الله عزوجل لما اهبط جبرائيل (ع) الى ارضه وبنى الكعبة هبطا الى ذلك المكان بين الركن و الباب وفى ذلك الموضع تراءيا لآدم حين اخذ الميثاق وفى ذلك الموضع القم الملك الميثاق فلتلك العلة وضع فى ذلك الركن ونحى آدم من مكان البيت الى الصفا وحوا الى المروة وجعل الحجر فى الركن فكبر الله وهلله ومجده فلذلك جرت السنة بالتكبير فى استقبال الركن الذى فيه الحجر من الصفا. (وفيه) عنه عليه السلام: قال اهبط آدم عليه السلام من الجنة الى الصفا وحوا الى المروة وقد كانت امتشطت فى الجنة فلما صارت فى الارض قالت ما ارجو من المشط وانا مسخوط علي فحلت مشطها فانتشر من مشطها العطر الذى كان امتشطت به فى الجنة فطارت به الريح فالقت اثره فى الهند فلذلك صار العطر بالهند. وفى حديث آخر: انها حلت عقيصتها فارسل الله عزوجل على ما كان فيها
من ذلك الطيب ريحا فهبت به فى المشرق والمغرب. وفيه عن امير المؤمنين عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله سئل مما خلق الله عزوجل الكلب ؟ قال خلقه من بزاق ابليس قال وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال لما اهبط الله عزوجل آدم وحوا الى الارض اهبطهما كالفرخين المرتعشين فغدا ابليس الملعون الى السباع وكانوا قبل آدم فى الارض فقال لهم ان طيرين قد وقعا
[ 58 ]
من السماء لم ير الراؤن اعظم منهما تعالوا فكلوهما فتعاوت السباع معه وجعل ابليس يحثهم ويصيح بهم ويعدهم بقرب المسافة فوقع من فيه من عجلة كلامه بزاق فخلق الله عزوجل من ذلك البزاق كلبين احدهما ذكر والاخر انثى فقاما حول آدم وحوا الكلبة بجدة والكلب بالهند فلم يتركوا السباع ان يقربوهم ومن ذلك اليوم صار الكلب عدو السبع والسبع عدو الكلب. (وفيه) عن ابى جعفر عن آبائه عليهم السلام قال ان الله عزوجل اوحى الى جبرئيل (ع) انى قد رحمت آدم و حوا فاهبط عليهما بخيمة من خيم الجنة فاضرب الخيمة مكان البيت وقواعدها التى رفعها الملائكة قبل آدم فهبط بالخيمة على مقدار اركان البيت فنصبها وانزل آدم من الصفا وحوا من المروة وجمع بينهما فى الخيمة وكان عمود الخيمة قضيبا من ياقوت احمر فأضاء نوره جبال مكة فامتد ضوء العمود وهو موضع الحرم اليوم فجعله الله حرما لحرمة الخيمة والعمود لانهما من الجنة و مدت اطناب الخيمة حولها فمنتهى اوتادها ما حول المسجد الحرام واوحى الله عز وجل الى جبرئيل ان اهبط الى الخيمة بسبعين الف ملك يحرسونها من مردة الشياطين ويؤنسون آدم ويطوفون حول الخيمة فكانوا يطوفون حولها ويحرسونها ثم ان الله تبارك وتعالى اوحى الى جبرئيل عليه السلام بعد ذلك ان اهبط الى آدم وحوا فنحهما عن موضع القواعد وارفع قواعد بيتى لملائكتي وخلقي من ولد آدم فهبط عليهما واخرجهما
من الخيمة ونحاهما عن البيت ونحى الخيمة عن موضع البيت وقال يا آدم ان السبعين الف ملك الذين انزلهم الله الى الارض سألوا الله عزوجل ان يبنى لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون فى السماء حول البيت المعمور فأوحى الله تبارك وتعالى الى ان انحيك وارفع الخيمة فرفع قواعد البيت بحجر من الصفا و حجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السلام وهو ظهر الكعبة فأوحى الله عزوجل الى جبرئيل عليه السلام ان ابنه واتمه فاقتلع جبرئيل عليه السلام الاحجار الاربعة من مواضعها بجناحه فوضعها حيث امره الله تعالى فى اركان البيت على قواعده ونصب اعلامها.
[ 59 ]
ثم اوحى الى جبرئيل ان ابنه واتمه من حجارة ابي قبيس واجعل له بابين بابا شرقا وبابا غربا فأتمه جبرئيل (ع) فلما فرغ طافت الملائكة حوله فلما نظر آدم وحوا الى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا سبعة اشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان. (وفيه) عن ابى عبدالله عليه السلام: قال ان آدم عليه السلام لما اهبط من الجنة اشتهى من ثمارها فانزل الله تبارك وتعالى عليه قضيبين من عنب فغرسهما فلما اورقا واثمرا وبلغا جاء ابليس فحاط عليهما حائطا فقال آدم ما لك يا ملعون فقال ابليس انهما لى فقال كذبت فرضيا بينهما بروح القدس فلما انتهيا إليه قص عليه آدم عليه السلام قصته فاخذ روح القدس شيئا من نار فرمى بها عليهما فالتهبت فى اغصانها حتى ظن آدم انه لم يبق منهما شىء الا احترق وظن ابليس مثل ذلك، قال فدخلت النار حيث دخلت و قد ذهب منهما ثلثاهما وبقى الثلث فقال الروح اما ما ذهب منهما فحظ ابليس وما بقى فلك يا آدم. (العياشي) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: ما بكى احد بكاء ثلاثة آدم
ويوسف وداود، فقلت ما بلغ بكاؤهم فقال اما آدم عليه السلام فبكى حين اخرج من الجنة وكان راسه فى باب من ابواب السماء فبكى حتى تاذى به اهل السماء فشكوا ذلك الى الله فحط من قامته، فاما داود فانه بكى حتى هاج العشب من دموعه وكان ليزفر الزفره فيحرق ما ينبت من دموعه. وأما يوسف فانه كان يبكى على ابيه يعقوب وهو فى السجن فتاذى اهل السجن فصالحهم على ان يبكى يوما ويسكت يوما. (علل الشرايع) وعيون الاخبار: عن صفوان بن يحيى قال سئل أبو الحسن عليه السلام عن الحرم واعلامه فقال ان آدم (ع) لما اهبط من الجنة هبط على ابى قبيس والناس يقولون بالهند فشكى الى ربه عزوجل الوحشة وانه لا يسمع ما كان يسمع فى الجنة فاهبط الله عزوجل عليه ياقوتة حمراء فوضعت فى موضع البيت فكان يطوف بها آدم عليه السلام وكان يبلغ ضوئها الاعلام فعلمت الاعلام على ضوئها
[ 60 ]
فجعله الله عزوجل حرما. (اقول) فيه دلالة على ما قدمنا سابقا من الاخبار الواردة بنزوله عليه السلام بالهند محمول على التقية. واما الجمع بين هذين الخبرين من نزول الياقوتة وما تقدم من نزول الخيمة فقد ورد فى بعض الروايات ان تلك الخيمة كانت ياقوتة. وقيل: فى وجه الجمع بنزولهما متعاقبين أو متقاربين. (الكافي) باسناده الى ابى عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى لما اهبط آدم طفق يخصف عليه من ورق الجنة وطار عنه لباسه الذى كان عليه من حلل الجنة فالتقط ورقة فستر بها عورته فلما هبط عبقت أي لصقت رائحة تلك الورقة بالهند بالنبت فصار فى الارض من سبب تلك الورقة التى عبقت بها رائحة الجنة فمن هناك الطيب بالهند لان الورقة هبت عليها ريح الجنوب فادت رائحتها الى المغرب لانها احتملت رائحة الورقة فى الجو فلما ركدت الريح بالهند عبق باشجارهم
ونبتهم فكان اول بهيمة ارتعت من تلك الورقة ظبي المسك فمن هناك صار المسك فى صرة الظبى لانه جرى رائحة النبت فى جسده وفى دمه حتى اجتمعت فى سرة الظبى. وفيه عنه عليه السلام: قال ان الله تبارك وتعالى لما اهبط آدم عليه السلام امره بالحرث والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنة فاعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان وغرسها لتكون لعقبه وذريته فاكل هو من ثمارها فقال ابليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذى لم اكن اعرفه فى الارض وقد كنت بها قبلك إئذن لى آكل منها شيئا فابى ان يطعمه فجاء الى حوا فقال لحوا انه قد اجهدني الجوع والعطش فقالت له حوا ان آدم عهد ان لا اطعمك من هذا الغرس لانه من الجنة ولا ينبغى لك ان تأكل منه فقال لها فاعصري فى كفى منه شيئا فابت عليه فقال ذريني امصه ولا آكله فاخذت عنقودا من العنب فاعطته فمصه ولم ياكل منه شيئا لما كانت حوا قد اكدت عليه فلما ذهب بعضه جذبته حوا من فيه فأوحى الله عزوجل الى آدم عليه السلام ان العنب قد مصه عدوي وعدوك ابليس وقد حرمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس ابليس فحرمت الخمر لان عدو الله ابليس مكر بحوا حتى مص من العنبة ولو اكلها لحرمت الكرمة من اولها الى آخرها
[ 61 ]
وجميع ثمارها وما يخرج منها ثم انه قال لحوا عليه السلام فلو امصصتينى من هذا التمر كما امصصتينى من العنب فاعطته ثمرة فمصها و كانت العنبة والتمر اشد رائحة واذكى من المسك الاذفر واحلى من العسل فلما مصها عدو الله ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما ثم ان ابليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم فبال فى اصل الكرمة والنخلة فجرى الماء فى عروقهما ببول عدو الله فمن ثم يختمر التمر والعنب أي يتغير ريحهما ويصير منتنا فحرم الله عزوجل على ذرية آدم كل مسكر لان الماء جرى ببول عدو الله فى النخل والعنب وصار كل مختمر خمرا لان الماء اختمر فى النخلة
والكرمة من رائحة بول عدو الله ابليس لعنه الله. وعنه عليه السلام قال: العجوة ام التمر وهى التى انزلها الله تعالى لآدم من الجنة. وعن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: كانت نخلة مريم عليها السلام العجوة نزلت فى كانون ونزل مع آدم عليه السلام العتيق والعجوة ومنها تفرق انواع النخيل. الفصل الرابع فى تزويج آدم وحوا وكيفية ابتداء النسل وقصة (قابيل وهابيل وبقية احوال آدم عليه السلام) (علل الشرايع) باسناده الى زرارة قال سئل أبو عبدالله عليه السلام ان عندنا اناسا يقولون ان الله تبارك وتعالى اوحى الى آدم عليه السلام ان يزوج بناته من بنيه وان هذا الخلق كله اصله من الاخوة والاخوات قال أبو عبد الله عليه السلام سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يقول من يقول هذا ان الله عزوجل جعل صفوة خلقه وابو انبيائه من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال والله لقد نبأت ان بعض البهائم تنكرت له اخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها وعلم انها اخته اخرج عزموله فى ذكره ثم قبض عليه باسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا
[ 62 ]
قال زرارة ثم سئل (ع) عن خلق حوا. وقيل اناس عندنا يقولون ان الله عز وجل خلق حوا من ضلع آدم الايسر الاقصى قال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا من يقول هذا ان الله تعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه وجعل المتكلم من اهل التشنيع سبيلا الى الكلام يقول ان آدم ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم ثم قال ان الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين امر الملائكة فسجدوا له والقى عليه النوم ثم ابتدع له خلقا ثم جعلها فى موضع النقرة الذى بين وركيه وذلك لكى تكون المرأة تبعا
للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فنوديت ان تنحى عنه فلما نظر إليها نظر الى خلق حسن يشبه صورته غير انها انثى فكلمها فكلمته بلغته فقال لها من انت ؟ قالت خلق خلقني الله كما ترى فقال آدم يا رب من هذا الخلق الحسن الذى قد آنسنى قربه والنظر إليه فقال الله هذه أمتي حوا افتحب ان تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك قال نعم يا رب ولك بذلك الشكر والحمد ما بقيت فقال الله فاخطبها إلي فانها أمتي وقد تصلح ايضا للشهوة والقى الله عليه الشهوة وقد علم قبل ذلك المعرفة فقال يا رب فانى اخطبها اليك فبما رضاك لذلك ؟ قال رضائي ان تعلمها معالم دينى فقال لك ذلك علي يا رب ان شئت ذلك قال عزوجل قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها اليك فقال اقبلي فقالت بل انت فاقبل الي فامر الله عزوجل آدم ان يقوم إليها فقام ولولا ذلك لكان النساء هن يذهبن الى الرجال حتى يخطبن على انفسهن فهذه قصة حوا صلوات الله عليها. (اقول) المشهور بين العامة ان حوا خلقت من ضلع آدم الايسر. وفى بعض الاخبار ما يدل عليه وهذا الحديث وما بمعناه ينفي ذلك القول، و حينئذ لذلك الاخبار اما محمولة على التقية أو على انها خلقت من فضلة الطينة كما قاله الصدوق. (قال الرازي) فى تفسير قوله تعالى (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) المراد من هذا الزوج هو حوا. وفى كون حوا مخلوقة من آدم قولان (الاول) وهو الذى عليه الاكثر انه لما خلق الله آدم القى عليه النور ثم خلق حوا من ضلع من اضلاعه اليسرى فلما استيقظ رآها ومال إليها لانها مخلوقة من جزء من
[ 63 ]
اجزائه واحتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وآله ان المرأة خلقت من ضلع فان ذهبت تقيمها كسرتها وان تركتها وفيها عوج استمتعت بها. (القول الثاني) وهو اختيار ابي مسلم الاصفهانى فى ان المراد من قوله (وخلق منها زوجها) أي من جنسها وهو كقوله تعالى: (والله خلق لكم من
انفسكم ازواجا) وكقوله: (إذ بعث فيهم رسولا منهم). قال القاضى: والقول الاول اقوى لكى يصح قوله خلقكم من نفس واحدة، إذ لو كانت حوا مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة ويمكن ان يجاب عنه بان كلمة من لابتداء الغاية فلما كان ابتداء التخليق والايجاد وقع بآدم عليه السلام صح ان يقال خلقكم من نفس واحدة، وايضا فلما ثبت انه تعالى قادر على خلق آدم من التراب كان قادرا على خلق حوا من التراب فإذا كان الامر كذلك فاى فائدة فى خلقها من ضلع من اضلاع آدم عليه السلام انتهى (وقال) بعض اهل الحديث: يمكن ان يقال ان المراد بالخلق من نفس واحدة الخلق من اب واحد كما يقال بنو تميم نشأوا من تميم ولا تنافيه شركة الام على انه يجوز ان يكون من قوله منها للتعليل أي لأجلها. (وفيه ايضا) عن زرارة عن ابى عبدالله عليه السلام فى حديث طويل ذكر فيه ما يقوله العامة من تزويج الاخوة بالاخوات الى ان قال: ويح هؤلاء اين هم عما لم يختلف فيه فقهاء اهل الحجاز ولا فقهاء اهل العراق ان الله عزوجل امر القلم فجرى القلم على اللوح المحفوظ بما هو كائن الى يوم القيامة قبل خلق آدم عليه السلام بألفى عام وان كتب الله كلها مما جرى فيه القلم فى كلها تحريم الاخوات على الاخوة مع ما حرم ونحن نقرأ الكتب المنزلة الاربعة المشهورة فى هذا العالم التوراة والانجيل والزبور والفرقان انزلها الله عزوجل من اللوح المحفوظ على رسله صلوات الله عليهم ليس فيها تحليل شىء من ذلك، ومن اراد ان يقول هذا وشبهه الا تقوية حجج المجوس ثم انشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم و ذريته فقال ان لآدم صلوات الله عليه ولد سبعون بطنا فى كل بطن غلام وجارية الى ان قتل هابيل فجزع آدم عليه جزعا قطعه عن اتيان النساء خمسمائة عام ثم تخلى ما به من الجزع
[ 64 ]
عليه فغشى حوا فوهب الله له شيئا وليس معه ثان فلما ادرك واراد الله ان يبلغ بالنسل ما ترون وان يكون ما جرى به القلم تحريم ما حرم الله عزوجل من
الاخوات على الاخوة انزل بعد العصر فى يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها (نزلة) فامر الله عزوجل ان يزوجها من شيث فزوجها منه ثم انزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها (منزلة) فامر الله عزوجل آدم ان يزوجها من يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فامر الله عزوجل آدم حين ادركا ان يزوج بنت يافث من ابن شيث ففعل ذلك فولد الصفوة من النبيين و المرسلين ومعاذ الله ان ذلك على ما قالوا من الاخوة والاخوات. (وعنه) عليه السلام قال: اوصى آدم الى شيث وهو هبة الله بن آدم واوصى شيث الى ابنه شيبان وهو ابن منزلة الحوراء التى انزلها الله على آدم من الجنة فزوجها ابنه شيثا. فى كتاب (الخرائج) عن الثمالى قال: سمعت على بن الحسين (ع) يحدث رجلا من قريش قال لما تاب الله على آدم واقع حوا ولم يكن غشيها منذ خلقت الا فى الارض وذلك بعد ما تاب الله عليه وكان آدم يعظم الحرم وإذا اراد ان يغشى حوا خرج من الحرم واخرجها معه وغشيها فى الحل ثم يغتسلان ثم يرجع الى فناء البيت، فولد لآدم من حوا عشرون ولدا ذكرا وعشرون انثى فولد له فى كل بطن ذكر وانثى فاول بطن ولدت حوا هابيل ومعه جارية يقال لها اقليما وولدت فى البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها (لوذا) وكانت لوذا اجمل بنات آدم فلما ادركوا خاف عليها آدم الفتنة فقال اريد ان انكحك يا هابيل لوذا. وانكحك يا قابيل اقليما قال قابيل ما ارضى بهذا اتنكحني اخت هابيل القبيحة وتنكح قابيل اختى الجميلة قال آدم عليه السلام فانا اقرع بينكما فان خرج سهمك يا قابيل على اقليما زوجت كل واحد منكما التى خرج سهمه عليها فرضيا بذلك فاقترعا فخرج سهم هابيل على لوذا اخت قابيل وخرج سهم قابيل على اقليما اخت هابيل فزوجها على ما خرج لهما من عند الله، قال ثم حرم الله نكاح الاخوات بعد ذلك، فقال له القرشى فاولداهما ؟ قال نعم فقال القرشى فهذا فعل المجوس اليوم. فقال على بن الحسين (ع)
[ 65 ]
ان المجوس انما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله، ثم قال على بن الحسين (ع) لا تنكر هذا أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم احلها فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثم انزل الله التحريم بعد ذلك. (اقول) هذا الحديث وما روى بمعناه محمول على التقية لانه المذهب المشهور بينهم. (وعن ابى عبدالله) عليه السلام قال: لما اهبط الله آدم وحوا الى الارض وجمع بينهما ولدت له بنتا فسماها عتاقا فكانت اول من بغى على وجه الارض، فسلط الله عليها ذئبا كالفيل و نسرا كالحمار فقتلاها، ثم ولد له اثر عتاق قابيل فلما ادرك اظهر الله عزوجل جنية من ولد الجان يقال لها جهانة فى صورة انسية فلما رآها قابيل احبها فأوحى الله الى آدم ان يزوج جهانة من قابيل، ثم ولد لآدم هابيل فلما ادرك اهبط الله الى آدم حوراء واسمها نزلة الحوراء فلما رآها هابيل احبها فأوحى الله الى آدم ان يزوجها من هابيل ففعل ذلك، فكانت نزلة الحوراء زوجة لهابيل بن آدم، ثم اوحى الله الى آدم ان يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه الى هابيل ففعل ذلك، فلما علم قابيل غضب وقال لابيه الست اكبر من اخى واحق بما فعلت به ؟ فقال يا بني ان الامر بيد الله وان الله خصه بما فعلت فان لم تصدقني فقربا قربانا فأيكما قبل قربانه فهو اولى بالفضل وكان القربان فى ذلك الوقت تنزل النار فتأكله وكان قابيل صاحب زرع فقرب قمحا رديئا وكان هابيل صاحب غنم فقرب كبشا سمينا فأكلت النار قربان هابيل فاتاه ابليس فقال يا قابيل لو ولد لكما ولد وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به ابوك ولقبول النار قربانه و تركها قربانك وانك ان قتلته لم يجد ابوك بدا من ان يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل الى هابيل فقتله، ثم قال ابليس ان النار التى قبلت القربان هي المعظمة فعظمها و اتخذ لها بيتا واجعل لها اهلا واحسن عبادتها والقيام عليها يقبل قربانك إذا اردت ذلك ففعل قابيل ذلك فكان اول من عبد النار واتخذ بيوت النيران، وان آدم اتى
الموضع الذى قتل فيه قابيل اخاه فبكى هناك اربعين صباحا يلعن تلك الارض حيث قبلت دم ابنه وهو الذى فيه قبلة المسجد الجامع بالبصرة وان هابيل يوم قتل كانت
[ 66 ]
امرأته نزلة الحوراء حبلى فولدت غلاما فسماه آدم باسم ابنه هابيل وان الله عز وجل وهب لآدم بعد هابيل ابنا فسماه شيث، ثم قال ان هذا هبة الله فلما ادرك اهبط الله على آدم حوراء يقال لها ناعمة فى صورة إنسية فلما رآها شيث احبها فأوحى الله الى آدم ان زوج ناعمة من شيث ففعل ذلك آدم فولدت له جارية فسماها آدم حورية فلما ادركت اوحى الله الى آدم ان زوج حورية من هابيل ففعل ذلك آدم فهذا الخلق الذى ترى من هذا النسل فلما انقضت نبوة آدم امره الله تعالى ان يدفع العلم وآثار النبوة الى شيث وامره بالكتمان و التقية من اخيه لئلا يقتله كما قتل هابيل.. الحديث. (وروى) علي بن ابراهيم عن الامام على بن الحسين عليهما السلام انه لما سولت له نفسه قتل اخيه لم يدر كيف يقتله حتى جاء ابليس فعلمه فقال ضع رأسه بين حجرين ثم اشدخه فلما قتله لم يدر ما يصنع به فجاء غرابان فاقبلا يتقاتلان حتى قتل احدهما صاحبه ثم حفر الذى بقى على الارض بمخالبه ودفن صاحبه، قال قابيل يا ويلتى اعجزت ان اكون مثل هذا الغراب فأوارى سوأة أخي فحفر له حفيرة ودفنه فيها فرجع قابيل الى ابيه ولم يكن معه هابيل قال آدم اين تركت ابني ؟ فقال قابيل ارسلتني عليه راعيا فقال انطلق معى الى مكان القربان واحس قلب آدم بالذى فعل قابيل فلما بلغ مكان القربان استبان قتله، فلعن آدم الارض التى قبلت دم هابيل، ولذلك لا تشرب الارض الدم فانصرف وبكى على هابيل اربعين يوما و ليلة. (وعنه) عليه السلام: ان قابيل يعذب بعين الشمس، يستقبلون بوجهه الشمس
حتى تطلع و يديرونه معها حتى تغيب ثم يصبون عليه فى البرد الماء البارد، وفى الحر الماء الحار. (عيون اخبار الرضا) عليه السلام: سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل: (يوم يفر المرء من اخيه) فقال عليه السلام: قابيل يفر من اخيه هابيل: وسئل عليه السلام عن يوم الاربعاء والتطير منه فقال عليه السلام هو آخر اربعاء وهو المحاق وفيه قتل قابيل اخاه هابيل. (وعن) ابى عبدالله عليه السلام: ان اشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة
[ 67 ]
انفر اولهم ابن آدم الذى قتل اخاه، ونمرود الذى حاج ابراهيم فى ربه، واثنان فى بنى اسرائيل هودا قومهم ونصراهم، وفرعون الذى قال انا ربكم الاعلى، واثنان من هذه الامة يعنى الاول والثانى (سال الشامي) امير المؤمنين عليه السلام عن اول من قال الشعر فقال آدم لما انزل الى الارض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها، وقتل قابيل هابيل فقال آدم عليه السلام: تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الارض مغبر قبيح تغير كل ذى لون وطعم * وقل بشاشة الوجه المليح فاجابه ابليس (لعنه الله): تنح عن البلاد وساكنيها * فبىء بالخلد ضاق بك الفسيح وكنت بها وزوجك فى قرار * وقلبك من اذى الدنيا مريح فلم تنفك من كيدى ومكري * الى ان فاتك الثمن الربيح فلولا رحمة الجبار اضحت * بكفك من جنان الخلد ريح (اقول) وربما زاد فيه بعضهم الا ان الاعتماد على هذا الورود فى كتاب (علل الشرايع) و (عيون الاخبار) وغيرهما. (وعن ابى عبدالله) عليه السلام قال: كانت الوحوش والطير و السباع وكل شىء خلق الله عزوجل مختلطا ببعض فلما قتل ابن آدم اخاه نفرت و فزعت فذهب كل شىء الى شكله. (وعنه) عليه
السلام: ان الله عزوجل انزل حوراء من الجنة الى آدم فزوجها احد ابنيه وتزوج الاخر الى الجن فولدتا جميعا فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان، وانكر ان يكون زوج بنيه من بناته. (اقول) قيل فى وجه الجمع بينه وبين ما سبق اما بالتجوز فى الخبر السابق بان يكون المراد بالحوراء الشبيهة بها فى الجمال أو فى هذا الخبر بان يكون المراد بكونها من الجن كونها شبيهة بهم فى الخلق، ويمكن القول بالجمع بينهما فى احد ابنيه، وفى الاخبار ما يؤيده، وعنه صلى الله عليه وآله: ان الله عزوجل حين اهبط آدم وزوجته وهبط ابليس و لا زوجة له وهبطت الحية ولا زوج لها
[ 68 ]
فكان اول من يلوط بنفسه ابليس فكانت ذريته من نفسه وكذلك الحية وكانت ذرية آدم من زوجته فاخبرهما انهما عدوان لهما. (اقول) قد مر سابقا ان ذرية ابليس انه يبيض ويفرخ فيحمل هذا اما على ان يكون هذا اللواط ليتولد منه البيض والفرخ واما على ان ذريته يحصلان من النوعين. (وعن امير المؤمنين) عليه السلام: ان اول من بغى على الله عزوجل على وجه الارض عتاق بنت آدم (ع) خلق الله لها عشرين اصبعا وفى (كل) اصبع منها ظفران طويلان كالنخلين العظيمين وكان مجلسها فى الارض موضع جريب، فلما بغت بعث الله لها اسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا كالحمار وكان ذلك فى الخلق الاول فسلطهم الله عليها فقتلوها. (معاني الاخبار) عنه صلى الله عليه وآله قال: اخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاما الامانة فهى التى اخذ الله عزوجل على آدم حين زوجه حوا. واما الكلمات فهى الكلمات التى اشرط بها على آدم ان يعبده ولا يشرك به شيئا، ولا يزنى ولا يتخذ من دونه اولياء.
(القصص للراوندي) ان عوج بن عناق كان جبارا عدوا لله وللاسلام وله بسط فى الجسم والخلق وكان يضرب يده فيأخذ الحوت من اسفل البحر ثم يرفع الى السماء فيشويه فى حر الشمس فيأكله و كان عمره ثلاثه آلاف وستمائة سنة، وروى انه لما اراد نوح عليه السلام ان يركب السفينة جاء إليه عوج فقال له احملني معك فقال انى لم اومر بذلك فبلغ الماء إليه وما جاوز ركبتيه وبقى الى ايام موسى عليه السلام، فقتله موسى صلوات الله عليه. (العياشي) عن ابى بكر الحضرمي عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان آدم لما ولد له اربعة ذكور فاهبط الله إليهم اربعة من الحور العين فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا ثم ان الله رفعهن وزوج هؤلاء الاربعة اربعة من الجن فصار النسل فيهم فما كان من حلم فمن آدم وما كان من جمال فمن قبل الحور العين
[ 69 ]
وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن (وعن) ابى جعفر عليه السلام ان قابيل بن آدم معلق بقرونه فى عين الشمس تدور به حيث دارت فى زمهريرها وحميمها الى يوم القيامة صيره الله الى النار (الكافي) مسندا الى ابى عبدالله عليه السلام انه سئل عن اول كتاب كتب فى الارض فقال: ان الله عزوجل عرض على آدم وذريته عرض العين فى صورة الذر نبيا فنبيا، وملكا فملكا، و مؤمنا فمؤمنا، وكافرا فكافرا، فلما انتهى الى داود عليه السلام قال من هذا الذى نبأته وكرمته وقصرت عمره، فأوحى الله عزوجل إليه هذا ابنك داود عمره اربعون سنة وانى قد كتبت الآجال وقسمت الارزاق وانا امحو ما اشاء واثبت و عندي أم الكتاب فان جعلت له شيئا من عمرك الحقته له قال يا رب قد جعلت له من عمرى ستين سنة تمام المائة فقال الله عزوجل لجبرئيل وميكائيل وملك الموت اكتبوا عليه كتابا فانه سينسى فكتبوا عليه كتابا وختموه باجنحتهم من طينة عليين فلما حضرت آدم
الوفاة اتاه ملك الموت فقال آدم يا ملك الموت ما جاء بك ؟ فقال جئت لاقبض روحك قال قد بقى من عمرى ستون سنة، فقال انك جعلتها لابنك داود ونزل عليه جبرئيل واخرج له الكتاب فقال أبو عبد الله عليه السلام " فمن اجل ذلك إذا اخرج الصك على المديون ذل المديون " فقبض روحه. (وفيه) عن الباقر عليه السلام قال: ان ما بين الركن و المقام لمشحون من قبور الانبياء وان آدم لقى حرم الله عزوجل. (وفيه) عن ابى عبد الله (ع) لما مات آدم (ع) و شمت به ابليس وقابيل فاجتمعا فى الارض فجعل ابليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم فما كان فى الارض من هذا الضرب الذى يتلذذ به الناس فانما هو ابن ذاك (كتاب التهذيب) سمعت مرسلا من الشيوخ ومذاكرة ولم يحضرني الان اسناده ان آدم عليه السلام لما اهبطه الله من جنة الماوى الى الارض استوحش فسال الله تعالى ان يؤنسه بشى من اشجار الجنة فانزل الله تعالى إليه النخلة فكان يانس بها فى حياته فلما حضرته الوفاة قال لولده انى كنت آنس بها فى حياتي وارجو الانس بها بعد وفاتي فإذا مت
[ 70 ]
فخذوا منها جريدا وشقوه بنصفين وضعوهما معى فى اكفاني، ففعل ولده ذلك وفعلته الانبياء بعده ثم اندرس ذلك فى الجاهلية فاحياه النبي صلى الله عليه وآله وفعله فصارت سنة متبعة. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى اوحى الى نوح عليه السلام وهو فى السفينة ان يطوف بالبيت اسبوعا، فطاف اسبوعا ثم نزل فى الماء الى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم عليه السلام فحمل التابوت فى جوف السفينة حتى طاف بالبيت ما شاء الله ان يطوف، ثم ورد الى باب الكوفة فى وسط مسجدها و تفرق الجمع الذى كان مع نوح عليه السلام فى السفينة فاخذ التابوت فدفنه فى الغرى. (وعنه) عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه
وآله عاش آدم أبو البشر تسعمائة وثلاثين سنة. وفى قول ان عمره الف سنة. (وذكر) السيد ابن طاووس فى (سعد السعود) من صحف ادريس عليه السلام مرض عليه السلام عشرة ايام بالحمى ووفاته يوم الجمعة لاحدى عشر يوما خلت من المحرم ودفنه فى غار جبل ابى قبيس ووجهه الى الكعبة وان عمره (ع) من وقت نفخ الروح الى وفاته الف سنة و ثلاثين وان حوا ما بقيت بعده الا سنة ثم مرضت خمسة عشر يوما ثم توفيت و دفنت الى جنب آدم عليه السلام وهذا حاصل قصص آدم وحوا عليهما افضل الصلوات.
[ 71 ]
الباب الثاني فى قصص ادريس عليه السلام قال الله تعالى: (واذكر فى الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا) قال امين الاسلام الطبرسي طاب ثراه: الكتاب القرآن وادريس هو جد اب نوح (ع) واسمه فى التوراة اخنوخ وسمى ادريس لكثرة درسه الكتب يعنى كتب الله وحكمه وهو اول من خط بالقلم، وكان خياطا واول من خاط الثياب وقيل ان الله سبحانه علمه علم النجوم والحساب وعلم الهيئة وكان ذلك معجزة له. وقوله مكانا عليا. اي عليا رفيع الشان برسالات الله تعالى، وقيل انه رفع الى السماء السادسة. (عن) ابن عباس ومجاهد: رفع ادريس عليه السلام كما رفع عيسى وهو حي لم يمت. (وقال آخرون) انه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة. (وروى) ذلك عن ابى جعفر (ع) وقيل المعنى ورفعناه محله ومرتبته بالرساله ولم يرد رفعة المكان. (علل الشرايع) بالاسناد الى وهب ان ادريس عليه السلام كان رجلا ضخم البطن عريض الصدر قريب الخطا إذا مشى، وقد فكر فى عظمة
الله وجلاله تعالى ان لهذه السماوات ولهذه الارضين ولهذا الخلق العظيم لربا يدبرها ويصلحها فكيف لى بهذا الرب فاعبده حق عبادته فخلا بطائفة من قومه فجعل يعظهم ويذكرهم ويدعوهم الى عبادة خالق الاشياء فأجابه الف من قومه فاختار منهم سبعة ثم قال تعالوا فليدع هؤلاء السبعة وليؤمن بقيتنا فلعل هذا الرب جل جلاله يدلنا على عبادته فوضعوا ايديهم على الارض ودعوا طويلا فلم يتبين لهم شىء ثم رفعوا
[ 72 ]
ايديهم الى السماء فأوحى الله عزوجل الى ادريس عليه السلام ونبأه ودله على عبادته ومن آمن معه فلا يزالون يعبدون الله عزوجل لا يشركون به شيئا حتى رفع الله عزوجل ادريس الى السماء وانقرض من تابعه على دينه الا قليلا، ثم انهم اختلفوا بعد ذلك واحدثوا الاحداث وابدعوا البدع حتى كان زمان نوح عليه السلام. (وفى كتاب الكافي) باسناده الى ابى جعفر عليه السلام قال: كان بدء نبوة ادريس عليه السلام انه كان فى زمانه ملك جبار وانه ركب ذات يوم فى بعض نزهة فمر بارض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة فاعجبه فسال وزراءه لمن هذه الارض قالوا لعبد من عبيد الملك فلان الرافضى فقال له امتعنى بارضك هذه، فقال له عيالي احوج إليها منك فقال: بعنى فابى فغضب الملك وانصرف الى اهله وهو مغموم مفكر فى امره وكانت له امرأة من الازارقة فرأت فى وجهه الغضب فاخبرها بخبر الارض و صاحبها فقالت ان كنت تكره ان تقتله بغير حجة فانا اكفيك امره واصير ارضه اليك بحجة وكان لها اصحاب من الازارقة على دينها يرون قتل الرافضة من المؤمنين فبعثت الى قوم منهم فاتوها فأمرتهم ان يشهدوا على فلان الرافضى عند الملك انه قد برىء من دين الملك فشهدوا عليه فقتله واخذ ارضه، فغضب الله للمؤمن عند ذلك فأوحى الله الى ادريس إذا رايت عبدى هذا الجبار فقل له اما رضيت ان قتلت عبدى المؤمن حتى اخذت ارضه واحوجت
عياله من بعده اما وعزتي لانتقمن له منك فى الآجل ولاسلبنك ملكك فى العاجل ولاخربن مدينتك ولاطعمن الكلاب لحم امرأتك فقد غرك حلمي عنك فاتاه ادريس برسالة ربه واداها إليه فقال له الجبار اخرج يا ادريس لئلا اقتلك، وقالت له امرأته لا يهولنك رسالة إله ادريس انا ارسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه قال فافعلي، وكان لادريس عليه السلام اصحاب من الرافضة مؤمنون يأنس بهم فاخبرهم بتبليغ رسالته الى الجبار فاشفقوا على ادريس واصحابه وخافوا عليه القتل وبعثت امرأة الجبار الى ادريس اربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه فأتوه فلم يجدوه وقد رآهم اصحاب ادريس فحسبوا انهم اتوا ادريس ليقتلوه فتفرقوا فى طلبه فلقوه
[ 73 ]
فقالوا له خذ حذرك يا ادريس فان الجبار قاتلك فاخرج من هذه القرية فتنحى ادريس عن القرية ومعه نفر من اصحابه، فلما كان فى السحر ناجى ادريس ربه فقال يا رب توعدنى الجبار بالقتل فأوحى الله إليه ان اخرج من قريته وخلنى واياه فوعزتي لانفذن فيه امرى فقال يا رب ان لي حاجة قال الله سلها تعطها قال اسالك ان لا تمطر السماء على اهل هذه القرية وما حولها حتى اسالك ذلك قال الله عزوجل اذن تخرب القرية ويجوع اهلها فقال ادريس عليه السلام وان خربت وجاعوا قال الله انى اعطيتك ما سالت فاخبر ادريس اصحابه بحبس المطر عنهم فخرجوا من القرية وعدتهم عشرون رجلا فتفرقوا فى القرى وشاع خبر ادريس فى القرى بما سأل الله تعالى وتنحى ادريس الى كهف فى الجبل ووكل الله به ملكا ياتيه بطعامه عند كل مساء وسلب الله عند ذلك ملك الجبار وقتله وخرب مدينته واطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن وظهر فى المدينة جبار آخر عاص فمكثوا بعد خروج ادريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء فاشتد حالهم وصاروا يمتارون الاطعمة من القرى فقالوا ان الذى نزل بنا بسؤال ادريس ربه ان لا يمطر السماء علينا حتى
يساله هو وقد خفى ادريس عنا والله ارحم بنا منه فاجتمع امرهم على ان يتوبوا الى الله ويسألوه ان تمطر السماء عليهم فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثوا على رؤوسهم التراب ورجعوا الى الله عزوجل فأوحى الله الى ادريس ان اهل قريتك قد تابوا الي وانا الله الرحمن الرحيم اقبل التوبة وقد رحمتهم ولم يمنعن اجابتهم الى ما سالونى من المطر الا مناظرتك فيما سألتني ان لا امطر السماء عليهم حتى تسألني فسلني يا ادريس قال ادريس اللهم انى لا اسالك ذلك قال الله عزوجل سلنى يا ادريس قال اللهم انى لا اسالك فأوحى الله عزوجل الى الملك الذى ياتي ادريس بطعامه ان احبس عنه طعامه فلما امسى ادريس لم يؤت بطعام فحزن وجاع فلما كان فى اليوم الثاني لم يؤت بطعامه فاشتد جوعه فلما كان فى الليلة الثالثة لم يؤت بطعامه فنادى ربه يا رب حبست عنى رزقي من قبل ان تقبض روحي فأوحى الله عزوجل إليه يا ادريس جزعت ان حبست عنك طعامك ثلاثة ايام ولياليها ولم تجزع ولم تنكر جوع
[ 74 ]
اهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة ثم سألتك عن جهدهم ورحمتي اياهم ان تسألني ان امطر السماء عليهم فلم تسألني و بخلت عليهم بمسالتك اياي فاذقت الجوع فقل عند ذلك صبرك وظهر جزعك فاهبط من موضعك واطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك فى طلبه الى حيلك، فهبط ادريس من موضعه الى غيره يطلب اكلة من جوع فلما دخل القرية نظر الى دخان فى بعض منازلها فاقبل نحوه فهجم على عجوز وهى ترقق قرصتين لها على مقلاة فقال لها ايتها المرأة اطعميني فانى مجهود من الجوع، فقالت له يا عبد الله ما تركت لنا دعوة ادريس فضلا نطعمه احدا وحلفت انها ما تملك شيئا غيره فاطلب المعاش من غير اهل هذه القرية قال لها اطعميني ما امسك به روحي وتحملنى به رجلى الى ان اطلب، قالت انهما قرصتان واحدة لى والاخرى لابنى فان اطعمتك قوتي مت وان اطعمتك قوت ابني مات، فقال لها ان ابنك يجزيه
نصف قرصة فيحيى بها ويجزينى النصف الاخر فاحيا به فأكلت المرأة قرصها وكسرت الاخر بين ادريس وبين ابنها فلما راى ابنها ادريس ياكل من قرصته اضطرب حتى مات، قالت امه يا عبد الله قتلت علي ابني جزعا على قوته، قال ادريس فانا احييه باذن الله تبارك وتعالى فلا تجزعي ثم اخذ ادريس بعضدي الصبى ثم قال ايتها الروح الخارجة من بدن هذا الغلام باذن الله ارجعي الى بدنه باذن الله وانا ادريس النبي فرجعت روح الغلام إليه باذن الله، فلما سمعت المرأة كلام ادريس ونظرت الى ابنها قد عاش بعد الموت قالت اشهد انك ادريس النبي وخرجت تنادى باعلى صوتها فى القرية ابشروا بالفرج فقد دخل ادريس قريتكم. ومضى ادريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الاول وهى على تل فاجتمع إليه اناس من اهل قريته فقالوا له يا ادريس ا ما رحمتنا فى هذه العشرين سنة التى اجهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فادع الله لنا ان يمطر السماء علينا قال لا حتى ياتيني جباركم هذا وجميع اهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك فبلغ الجبار قوله فبعث إليه اربعين رجلا لياتوه بادريس فاتوه فقالوا له ان الجبار بعث اليك لتذهب إليه فدعا عليهم فماتوا فبلغ الجبار ذلك فبعث إليه خمسمائة رجل لياتوه به فقالوا له
[ 75 ]
يا ادريس ان الجبار بعثنا اليك لنذهب بك إليه، فقال لهم ادريس انظروا الى مصارع اصحابكم فقالوا يا ادريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد ان تدعو علينا بالموت اما لك رحمة. فقال: ما انا بذاهب إليه ولا انا بسائل الله ان يمطر عليكم حتى ياتيني جباركم ماشيا حافيا واهل قريتكم، فانطلقوا الى الجبار فاخبروه بقول ادريس وسالوه ان يمضى معهم وجميع اهل قريتهم حفاة مشاة فاتوه حتى وقعوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه ان يسال الله لهم بالمطر فقال ادريس اما الان فنعم فسال الله تعالى ادريس عند ذلك ان تمطر السماء عليهم وعلى نواحيهم فاظلتهم
سحابة من السماء وارعدت وابرقت و هطلت عليهم من ساعتهم حتى ظنوا انه الغرق فما رجعوا الى منازلهم حتى اهمتهم انفسهم من الماء. (اقول) ينبغى ان يحمل ان امره تعالى لادريس بالدعاء لهم بالمطر لم يكن على سبيل الحتم والوجوب بل على الندب وجواز التاخير وغرض ادريس عليه السلام من ذلك التاخير ذلتهم وزجرهم على الطغيان والفساد ولئلا يخالفوه إذا دخل بينهم كما خالفوه اولا، وفيه اشارة الى ان اولياء الله سبحانه يغضبون لربهم اكثر من غضبه تعالى لسعة حلمه وعظمة رحمته. (تفسير على بن ابراهيم) عن ابن ابى عمير عمن حدثه عن ابى عبدالله (ع) قال ان الله تعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه فالقاه فى جزيرة من جزائر البحر، فبقى ما شاء الله فى ذلك البحر فلما بعث الله ادريس عليه السلام جاء ذلك الملك إليه، فقال يا نبى الله ادع الله ان يرضى عنى ويرد على جناحى قال نعم، فدعا ادريس ربه فرد الله عليه جناحه ورضى عنه (قال) الملك لادريس الك حاجة قال نعم احب ان ترفعني الى السماء الرابعة فرفعه الى السماء الرابعة فإذا ملك الموت جالس يحرك راسه تعجبا فسلم ادريس على ملك الموت وقال له ما لك تحرك راسك ؟ قال ان رب العزة امرني ان اقبض روحك بين الرابعة والخامسة، فقلت يا رب كيف يكون هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الرابعة الى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام وكل سماء وما بينهما كذلك فكيف يكون
[ 76 ]
هذا ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة، وهو قوله تعالى: (و رفعناه مكانا عليا). قال وسمى ادريس لكثرة دراسته الكتب، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انزل الله على ادريس ثلاثين صحيفة. وعن امير المؤمنين عليه السلام ان ادريس (ع) رفعه الله مكانا عليا واطعمه من تحف الجنة بعد وفاته.
وفى (قصص الانبياء) للشيخ الراوندي طاب ثراه باسناده الى ابى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان ملكا من الملائكة كانت له منزلة فاهبطه الله من السماء الى الارض فاتى ادريس فقال اشفع لى عند ربك، فصلى ثلاث ليال لا يفتر وصام ايامها لا يفطر ثم طلب الى الله فى السحر للملك فاذن له فى الصعود الى السماء فقال له الملك احب ان اكافيك فاطلب حاجة فقال ترينى ملك الموت لعلي آنس به فانه ليس يهنئونى مع ذكره شىء، فبسط جناحه ثم قال اركب فصعد به فطلب ملك الموت فى سماء الدنيا فقيل انه قد صعد فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة فقال لملك الموت ما لي اراك قاطبا قال اتعجب انى كنت تحت ظل العرش حتى امرت ان اقبض روح ادريس بين السماء الرابعة والخامسة فسمع ذلك ادريس فانتفض من جناح الملك وقبض ملك الموت روحه مكانه، وذلك قوله تعالى (واذكر فى الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا). وفى الكتاب ايضا باسناده الى ابن عباس قال: كان ادريس النبي عليه السلام يسبح النهار ويصومه ويبيت حيث ما جنه الليل ويأتيه رزقه حيث ما افطر، وكان يصعد له من العمل الصالح مثل ما يصعد لاهل الارض كلهم فسال ملك الموت ربه فى زيارة ادريس وان يسلم عليه فاذن له فنزل واتاه فقال انى اريد ان اصحبك فاكون معك، فصحبه وكانا يسبحان النهار ويصومانه فإذا جنهما الليل اتى ادريس فطوره فيأكل ويدعو ملك الموت إليه فيقول لا حاجة لى فيه، ثم يقومان يصليان وادريس يصلى ويفتر وينام وملك الموت يصلى ولا ينام ولا يفتر فمكثا بذلك اياما ثم انهما مرا بقطيع غنم وكرم قد اينع فقال ملك الموت هل لك ان تأخذ من ذلك حملا أو من هذا عناقيد فتفطر عليه فقال سبحان الله ادعوك
[ 77 ]
الى مالى فتأبى فكيف تدعوني الى مال الغير، ثم قال ادريس صلوات الله عليه قد
صحبتني و احسنت فيما بينى وبينك من انت ؟ قال انا ملك الموت قال ادريس لى اليك حاجة فقال وما هي ؟ قال تصعد بى الى السماء فاستاذن ملك الموت ربه فى ذلك فاذن له فحمله على جناحه فصعد به الى السماء ثم قال له ادريس ان لى اليك حاجة اخرى قال وما هي ؟ قال بلغني من الموت شدة فاحب ان تذيقني منه طرفا فانظر هو كما بلغني، فاستاذن ربه فاذن له فاخذ بنفسه ساعة ثم خلى عنه فقال له كيف رايت ؟ قال بلغني عنه شدة وانه لأشد مما بلغني ولى اليك حاجة اخرى ترينى النار فاستاذن ملك الموت صاحب النار ففتح له فلما رآها ادريس عليه السلام سقط مغشيا عليه ثم قال لى اليك حاجة اخرى ترينى الجنة فاستاذن ملك الموت خازن الجنة فدخلها فلما نظر إليها قال يا ملك الموت ما كنت لأخرج منها ان الله تعالى يقول كل نفس ذائقة الموت. وقد ذقته، ويقول وان منكم الا واردها. وقد وردتها ويقول فى الجنة وما هم بخارجين. (اقول) اعتمد مشايخنا من الحديث عن الخبرين السابقين لوضوح سندهما وقالوا ان هذه الرواية أشبه بروايات العامة و ان كان الجمع بين هذه الاخبار قريب. (وفيه) ايضا عن وهب بن منبه قال: ان ادريس اول من خاط الثياب ولبسها وكان من كان قبله يلبسون الجلود وكانت الملائكة فى زمان ادريس يصافحون الناس ويسلمون عليهم ويكلمونهم ويجالسونهم و ذلك لصلاح الزمان واهله فلم يزل الناس على ذلك حتى كان زمان نوح وقومه، ثم انقطع ذلك وكان من امره مع ملك الموت ما كان حتى دخل الجنة فقال له ربه ان ادريس انما حاجك فحجك بوحيى وانا الذى هيأت له دخول الجنة فانه كان ينصب نفسه وجسده لى فكان حقا علي ان اعوضه من ذلك الراحة والطمأنينة وان ابوءه بتواضعه لي وبصالح عمله من الجنة مقعدا أو مكانا عليا. (وفيه) عن الصادق عليه السلام قال: إذا دخلت الكوفة فات مسجد السهلة
فصل فيه واسال الله حاجة لدينك و دنياك فان مسجد السهلة بيت ادريس عليه السلام
[ 78 ]
الذى كان يخيط فيه ويصلى فيه ومن دعا الله فيه بما احب قضى له حوائجه ورفعه يوم القيامة مكانا عليا الى درجة ادريس واجير من مكروه الدنيا ومكائد اعدائه. (وقال المسعودي) ان عمر ادريس عليه السلام فى الارض ثلثمائة سنة وقيل اكثر من ذلك وقال ابن الاثير فى الكامل قام انوش بن شيث بعد موت ابيه بسياسة الملك مقام ابيه وكان عمر انوش سبعمائة سنة وخمس سنين ثم ولد لانوش ابنه قينان وولد معه نفر كثيرا واليه الوصية، وولد قينان مهلائيل واليه الوصية، وولد لمهلائيل يارد واليه الوصية، فولد ليارد اخنوخ وهو ادريس النبي، والحكماء اليونانيون يسمونه هرمس الحكيم. (وقال السيد ابن طاووس) فى صحف ادريس عليه السلام: كانك بالموت وقد نزل، فاشتد انينك وعرق جبينك، وتقلصت شفتاك، وانكسر لسانك، ويبس ريقك وعلا سواد عينيك بياضا، وازبد فوك، واهتز جميع بدنك، وعالجت غصة الموت وسكرته، ومرارته وزعقته، ونوديت فلم تسمع بما خرجت نفسك، وصرت جيفة بين اهلك، ان فيك لعبرة لغيرك فاعتبر فى معاني الموت، ان الذى نزل بك لا محالة، وكل عمر وان طال قليل يفنى لان كل ما هو آت قريب لوقت معلوم، فاعتبر بالموت يا من يموت واعلم ايها الانسان ان الموت اشد مما قبله، والموت اهون مما بعده من شدة اهوال يوم القيامة. ثم ذكر من احوال الصيحة والفناء ويوم القيامة ومواقف الحساب والجزاء ما يعجز عن سماعه قوة الاقوياء.
[ 79 ]
الباب الثالث فى قصص نوح النبي عليه السلام وفيه فصلان: الفصل الاول فى مدة عمره ووفاته وعلل تسميته ونقش خاتمه (ومكارم اخلاقه) (عيون اخبار الرضا) قال ان نوحا عليه السلام لما ركب السفينة اوحى الله عزوجل إليه يا نوح ان خفت الغرق فهللنى الفا ثم سلنى النجاة انجيك من الغرق ومن آمن معك، فلما استوى نوح ومن معه فى السفينة ورفع القلص عصفت الريح عليهم، فلم يامن نوح الغرق فاعجلته الريح فلم يدرك ان يهلل الف مرة فقال بالسريانية (هلوليا الفا الفا يا ماريا اتفن) فاستوى القلص وجرت السفينة، فقال نوح: ان كلاما نجاني الله به من الغرق لحقيق ان لا يفارقني فنقش خاتمه لا اله الا الله الف مرة يا رب اصلحني. (الامالى) باسناده الى الصادق عليه السلام قال: عاش نوح (ع) الفى وخمسمائة سنة، منها ثمانمائة وخمسون سنة قبل ان يبعث والف سنة الا خمسين عاما وهو فى قومه يدعوهم، ومائتا سنة فى عمل السفينة وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء فمصر الامصار واسكن ولده البلدان، ثم ان ملك الموت جاءه وهو فى الشمس قال: السلام عليك فرد عليه نوح السلام فقال ما حاجتك يا ملك الموت ؟ قال: جئت لاقبض روحك قال له تدعني ادخل من الشمس الى الظل فقال
[ 80 ]
له نعم فتحول نوح ثم قال عليه السلام يا ملك الموت فكان ما مر بى من الدنيا مثل تحولي من الشمس الى الظل فامض لما امرت به، قال فقبض روحه صلى الله
عليه وآله. (علل الشرايع) سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن اسم نوح ما كان ؟ فقال: اسمه السكن و انما سمى نوحا لانه ناح على قومه الف سنة الا خمسين عاما. (وفيه) عن الصادق عليه السلام: كان اسم نوح عبد الغفار وانما سمى نوحا لانه كان ينوح على نفسه. وفيه عنه عليه السلام: كان اسم نوح (ع) عبد الملك وانما سمى نوحا لانه بكى خمسمائة سنة. (وعنه) عليه السلام: اسم نوح عبد الاعلى، قال الصدوق رحمه الله تعالى: الاخبار فى اسم نوح عليه السلام كلها متفقة غير مختلفة تثبت له التسمية بالعبودية وهو: عبد الغفار والملك والاعلى. (قصص الانبياء) عن الصدوق باسناده الى وهب قال ان نوحا لبث فى قومه الف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى الله تعالى فلا يزدادون الا طغيانا ومضى ثلاثة قرون من قومه وكان الرجل منهم ياتي بابنه هو صغير فيوقفه على راس نوح عليه السلام فيقول يا بنى ان بقيت بعدى فلا تطيعن هذا المجنون. (وفيه) عن على بن محمد العسكري عليه السلام انه جاء ابليس الى نوح فقال ان لك عندي يدا عظيمة فانتصحني فانى لا اخونك فتألم نوح بكلامه و مسألته، فأوحى الله إليه ان كلمه وسلمه فانى سانطقه بحجة عليك فقال نوح صلوات الله عليه تكلم فقال ابليس إذا وجدنا ابن آدم شحيحا أو حريصا أو حسودا أو جبارا أو عجولا تلقفناه تلقف الكرة فان اجتمعت لنا هذه الاخلاق سميناه شيطانا فقال نوح ما اليد العظيمة التى صفت قال انك دعوت الله على اهل الارض فالحقتهم فى ساعة بالنار فصرت فارغا. ولولا دعوتك لشغلت بهم دهرا طويلا. (اكمال الدين) باسناده الى ابى عبدالله عليه السلام قال: عاش نوح عليه السلام بعد النزول من السفينة خمسين سنة، ثم اتاه جبرئيل عليه السلام فقال:
يا نوح انه قد انقضت نبوتك واستكملت ايامك فانظر الاسم الاكبر وميراث العلم
[ 81 ]
فادفعها الى ابنك سام فانى لا اترك الارض الا وفيها عالم يعرف به طاعتي ويكون نجاه فيما بين قبض النبي وبعث النبي الاخر فدفع عليه السلام آثار علم النبوة الى ابنه سام، فاما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به، وبشرهم نوح بهودا وظهرت الجبرية فى ولد حام ويافث واستخفى ولد سام بما عندهم من العلم وجرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث، وعنه عليه السلام: كانت اعمار قوم نوح ثلاثمائة سنة وعاش نوح الفى سنة واربعمائة وخمسين سنة. (اقول) اختلفوا فى مدة عمره عليه السلام فقيل كان الفا واربعمائة وخمسين سنة وقيل كان الفا واربعمائة سنة وسبعين سنة، وقيل الفا وثلاثمائة سنة، واكثر اخبارنا المعتبرة تدل على انه عاش الفين وخمسمائة سنة وبعضها قابل للتأويل باسقاط زمن البعثة أو زمان عمل السفينة أو بعدها الطوفان أو زيادتها أو نحو ذلك. (وقال) شيخنا الطبرسي طاب ثراه: فى قوله تعالى: (انه كان عبدا شكورا) معناه ان نوحا كان عبد الله كثير الشكر وكان إذا لبس ثوبا أو اكل طعاما أو شرب ماء شكر الله تعالى وقال الحمد لله، وقيل انه كان يقول فى ابتداء الاكل والشرب: بسم الله وفى انتهائه الحمد لله. (وروى) عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما السلام: ان نوحا كان إذا اصبح وامسي قال: اللهم انى اشهدك ان ما اصبح أو امسى بى من نعمة فى دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا، فهذا كان شكره. (اقول) ظاهره انه كان يقولها مرة واحدة، وفى كثير من الاخبار مثله، ورواه فى الفقيه وانه كان يقولها عشرا. (علل الشرايع) وعن الدقاق عن الاسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسنى
قال سمعت على بن محمد العسكري عليه السلام يقول: عاش نوح الفين وخمسمائة سنة وكان يوما فى السفينة نائما فهبت ريح فكشفت عورته فضحك حام ويافث فزجرهما سام ونهاهم عن الضحك وكان كلما غطى سام شيئا تكشفه الريح كشفه حام و يافث فانتبه نوح (ع) فرآهم وهم يضحكون فقال ما هذا فاخبره سام بما كان
[ 82 ]
فرفع نوح يده الى السماء يدعو ويقول اللهم غير ماء صلب حام حتى لا يولد له الا السودان اللهم غير ماء صلب يافث، فغير الله ماء صلبهما فجميع السودان حيث كانوا من حام وجميع الترك والصقالبة وياجوج وماجوج والصين من يافث حيث كانوا وجميع البيض سواهم من سام، وقال نوح عليه السلام لحام ويافث جعل ذريتكما خولا اي خدما لذرية سام الى يوم القيامة لأنه بر بى وعققتمانى فلا زالت سمة عقوقكما لي فى ذريتكما ظاهرة وسمة البر فى ذرية سام ظاهرة ما بقيت الدنيا. (اقول) روى الشيخ الطبرسي هذا الخبر من كتاب النبوة بهذا الاسناد ثم قال: قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه الله ذكر يافث فى هذا الخبر غريب لم اروه الا من هذا الطريق وجميع الاخبار التى رويتها فى هذا المعنى فيها ذكر حام وانه ضحك لما انكشفت عورة ابيه وان ساما ويافثا كانا في ناحية فبلغهما ما صنع فاقبلا ومعهما ثوب وهما معرضان وألقيا عليه الثوب وهو نائم فلما استيقظ اوحى الله عزوجل إليه ما صنع حام فلعن حام ودعا عليه. (قصص الانبياء) للراوندي طاب ثراه باسناده الى ابن عباس قال: قال ابليس لعنه الله يا نوح لك عندي يد ساعلمك خصالا قال نوح وما يدى عندك ؟ قال دعوتك على قومك حتى اهلكهم الله جميعا فاياك والكبر واياك والحرص واياك والحسد فان الكبر هو الذى حملني على ان تركت السجود لآدم فاكفرني وجعلني شيطانا رجيما واياك والحرص فان آدم ابيح له الجنة ونهي عن شجرة واحدة فحمله
الحرص على ان اكل منها، و اياك والحسد فان ابن آدم حسد اخاه فقتله فقال نوح صلوات الله عليه متى تكون اقدر على ابن آدم قال عند الغضب. (الكافي) فى الصحيح عن ابى عبد الله صلوات الله عليه قال: لما هبط نوح عليه السلام من السفينة غرس غرسا فكان فيما غرس النخلة ثم رجع الى اهله فجاء ابليس لعنه الله فقلعها ثم ان نوحا عليه السلام عاد الى غرسه فوجده على حاله ووجد النخلة قد قلعت ووجد ابليس عندها فاتاه جبرئيل عليه السلام فاخبره ان ابليس لعنه الله قلعها فقال نوح لابليس ما دعاك الى قلعها ؟ فو الله ما غرست غرسا احب الي منها
[ 83 ]
ووالله لا ادعها حتى اغرسها فقال ابليس وانا والله لا ادعها حتى اقلعها فقال اجعل لى منها نصيبا قال فجعل له منها الثلث فابى ان يرضى فجعل له النصف فابى ان يرضى وأبى نوح ان يزيده. فقال جبرئيل لنوح عليه السلام يا رسول الله احسن فان منك الاحسان فعلم نوح انه قد جعل الله له عليها سلطانا فجعل نوح له الثلثين. (قال) أبو عبدالله عليه السلام: فإذا اخذت عصيرا فاطبخه حتى يذهب الثلثان من نصيب الشيطان فإذا ذهب فكل واشرب حينئذ. (وفيه) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان ابليس نازع نوحا عليه السلام فى الكرم فاتاه جبرئيل عليه السلام فقال ان له حقا فاعطه فاعطاه الثلث فلم يرض ابليس ثم اعطاه النصف فلم يرض فطرح جبرئيل نارا فاحرقت الثلثين وبقى الثلث فقال ما احرقت النار فهو نصيبه وما بقى فهو لك يا نوح حلال. الفصل الثاني فى بعثته الى قومه وقصة الطوفان اعلم ان الله سبحانه كرر قصة نوح عليه السلام فى كثير من سور القرآن قال الطبرسي طاب ثراه: وهو نوح بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس
عليه السلام وهو اول نبى بعد ادريس. (وقيل) انه كان نجارا وولد فى العام الذى مات فيه آدم عليه السلام وبعث وهو ابن اربعمائة سنة وكان يدعو قومه ليلا ونهارا فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا وكان يضربه قومه حتى يغشى عليه فإذا افاق قال اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون وكانوا يثورون الى نوح عليه السلام فيضربونه حتى تسيل مسامعه دما وحتى لا يعقل شيئا مما صنع به فيحمل فيرمى فى بيت أو على باب داره مغشيا عليه فأوحى الله تعالى إليه ان لن يؤمن قومك الا
[ 84 ]
من آمن فعندها اقبل على الدعاء عليهم فقال (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) فاعقم الله اصلاب الرجال وارحام النساء فلبثوا اربعين سنة لا يولد لهم وقحطوا فى تلك الاربعين سنة حتى هلكت اموالهم واصابهم الجهد والبلاء ثم قال لهم نوح: (استغفروا ربكم انه كان غفارا)، الايات فلم يؤمنوا وقالوا لا تذرن آلهتكم الآيات حتى اغرقهم الله تعالى وآلهتهم التى كانوا يعبدونها فلما كان بعد خروج نوح (ع) من السفينة وعبد الناس الاصنام سموا اصنامهم باسماء اصنام قوم نوح فاتخذ اهل اليمين يغوث ويعوق واهل دومة الجندل صنما سموه ودا واتخذت حمير صنما سمته نسرا وهذيل سماه سواعا فلم يزل يعبدونها حتى جاء الاسلام. (وروى) ان الله تعالى لم يرحم قوم نوح عليه السلام فى عذابهم. (وروى) عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: لما فار التنور وكثر الماء فى السكك خشيت ام صبى عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت الى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء عرجت به حتى بلغت ثلثيه فما بلغها الماء حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم احدا لرحم ام الصبى واما امرأة نوح فقال الله فيها وفى امرأة لوط: (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما).
(قال ابن عباس) كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس انه مجنون وإذا آمن احد بنوح اخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وكانت امرأة لوط تدل على اضيافه وكان ذلك خيانتهما لهما وما بغت امرأة نبى قط وانما كانت خيانتهما فى الدين (قال السدى) كانت خيانتهما انهما كانتا كافرتين. (وقيل) كانتا منافقتين، وقال الضحاك خيانتهما النميمة إذ اوحى الله اليهما افشتاه الى المشركين واسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط واهلة وقال مقاتل والفة وواهلة. (وفى) تفسير على بن ابراهيم: (كانتا تحت عبدين من عبادنا فخانتاهما): والله ما عنى بقوله فخانتاهما الا الفاحشة. (اقول) ينبغى حمل الفاحشة هنا على
[ 85 ]
معناها اللغوى وهو ما تفاحش قبحه ولا قبح اكبر من الكفر والنفاق. (وفيه) ايضا عن امير المؤمنين عليه السلام، عن ابن ابي عمير عن ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام قال: بقى نوح عليه السلام فى قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم الى الله فلم يجيبوه فهم ان يدعو عليهم عند طلوع الشمس فوافاه اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وهم العظماء من الملائكة قالوا له نسالك ان لا تدعو على قومك قال نوح قد اجلتهم ثلاثمائة سنة فلما اتى عليهم ستمائة سنة ولم يؤمنوا، هم ان يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية فقالوا نسألك ان لا تدعو على قومك فقال نوح قد اجلتهم ثلاثمائة سنة فلما اتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا، هم ان يدعو عليهم فانزل الله عزوجل (انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن) فقال نوح عليه السلام (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) فأمره الله عزوجل ان يغرس النخل فكان قومه يسخرون به ويقولون شيخ يغرس النخل فلما اتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل امره الله ان
ينحت السفينة وامر جبرئيل عليه السلام ان يعلمه فقدر طولها فى الارض الفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها فى السماء ثمانون ذراعا فقال يا رب من يعيننى على اتخاذها ؟ فأوحى الله إليه: ناد فى قومك من اعانني عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضة فنادى نوح فيهم بذلك فاعانوه عليه وكانوا يسخرون منه و يقولون يتخذ سفينة فى البر. (وعنه) عليه السلام لما اراد الله عزوجل اهلاك قوم نوح عليه السلام عقم ارحام النساء اربعين عاما لم يولد فيهم مولود فلما فرغ من اتخاذ السفينة امره الله تعالى ان ينادى فيهم بالسريانية لا يبقى بهيمه ولا حيوان الا حضر فادخل كل جنس من اجناس الحيوان زوجين السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانون رجلا فقال الله تعالى (احمل فيها من كل زوجين اثنين) وكان نجر السفينة فى مسجد الكوفة فلما كان اليوم الذى اراد الله اهلاكهم كانت امرأة نوح تخبز فى الموضع الذى يعرف بفار التنور فى مسجد الكوفة وقد كان نوح عليه السلام
[ 86 ]
اتخذ لكل ضرب من اجناس الحيوان موضعا فى السفينة وجمع لهم ما يحتاجون إليه من الغذاء وصاحت امرأته لما فار التنور فجاء نوح الى التنور فوضع طينا وختمه حتى ادخل جميع الحيوانات فى السفينة ثم جاء الى التنور وفض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس ونزل من السماء ماء منهمر صب بلا قطر وتفجرت الارض عيونا فقال الله عزوجل اركبوا فيها فدارت السفينة ونظر نوح عليه السلام الى ابنه يقع ويقوم فقال له (يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) فقال ابنه (سآوى الى جبل يعصمني من الماء) فقال نوح (لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم الله) ثم قال نوح: (رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق) فقال يا نوح (انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فحال بينهما الموج فكان من المغرقين) فدارت السفينة وضربتها الامواج حتى وافت مكة وطافت فى البيت وغرق جميع
الدنيا الا موضع البيت وانما سمي البيت العتيق لانه اعتق من الغرق فبقى الماء ينصب من السماء اربعين صباحا ومن الارض العيون حتى ارتفعت السفينة فمست السماء فرفع نوح يده وقال (يا رهمان اتفر) وتفسيرها يا رب احسن فامر الله الارض ان تبلع ماءها فاراد ماء السماء ان يدخل فى الارض فامتنعت الارض من قبوله وقالت انما امرني ان ابلع مائى فبقى ماء السماء على وجه الارض واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم فبعث الله جبرئيل عليه السلام فساق الماء الى البحار حول الدنيا وانزل الله على نوح: (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم) فنزل نوح عليه السلام بالموصل من السفينة مع الثمانين، وبنوا مدينة الثمانين، و كانت لنوح بنت ركبت معه السفينة فتناسل الناس منها وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: نوح احد الابوين، انتهى ملخصا. (اقول) قوله تعالى: (انه ليس من اهلك). قيل فيه اقوال: (احدها) - انه كان ابنه لصلبه والمعنى انه ليس من اهلك الذين وعدتك نجاتهم معك لان الله تعالى قد استثنى من اهله الذين وعده ان ينجيهم ممن اراد
[ 87 ]
اهلاكهم بالغرق فقال (الا من سبق عليه القول) عن ابن عباس. (وثانيها) ان المراد بقوله (انه ليس من اهلك) ليس على دينك فكأن كفره اخرجه عن ان يكون له احكام اهله وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وآله سلمان منا اهل البيت وانما اراد على ديننا. (ويؤيد) هذا التأويل ان الله سبحانه قال على طريق التعليل (انه عمل غير صالح) فبين انه انما اخرج عن احكام اهله لكفره وشره عمله. (وثالثها) انه لم يكن ابنه حقيقة وانما ولد على فراشه فقال عليه السلام انه ابنه على ظاهر الامر فاعلمه الله ان الامر بخلاف الظاهر ونبهه على خيانة امرأته،
عن الحسن ومجاهد وهذا الوجه بعيد من حيث ان فيه منافاة للقرآن لانه تعالى قال (ونادى نوح ابنه) ولان الانبياء يجب ان ينزهوا عن مثل هذا الحال لانها تعيير و تشيين وقد نزه الله انبياءه عما دون ذلك. (ورابعها) انه كان ابن امرأته وكان ربيبه. ويعضده قراءة من قرأ بفتح الهاء وحذف الالف واثباته لفظا والمعتمد المعول عليه فى تأويل الآية القولان الاولان (وعن) ابى جعفر عليه السلام قال: كان قوم مؤمنون قبل نوح عليه السلام فماتوا فحزن عليهم الناس فجاء ابليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها فانسوا بها فلما جاء الشتاء ادخلوهم البيوت فمضى ذلك القرن وجاء القرن الآخر فجاءهم ابليس فقال لهم ان هؤلاء آلهة كان آباؤكم يعبدونها فعبدوهم وضل منهم كثير فدعا عليهم نوح فاهلكهم الله. وفى (مناقب ابن شهرآشوب) عن الأزدي قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول (ونادى نوح ابنه) أي ابنها وهى لغة طى. (اقول) هذه القراءة بفتح الهاء وحذف الالف وهى لغة طى ونسبها القراء والمفسرون الى اهل البيت عليهم السلام يعنى ابن امرأته. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال ان نوحا لما كان ايام الطوفان دعا مياه الارض فأجابته الا المر والكبريت (وعنه) عليه السلام لما هبط نوح عليه السلام من السفينة اتاه ابليس فقال له ما فى الارض رجل اعظم منة علي منك دعوت الله
[ 88 ]
على هؤلاء الفساق فارحتني منهم الا اعلمك خصلتين اياك والحسد فهو الذى عمل بى واياك والحرص فهو الذى عمل بآدم ما عمل. وفى حديث آخر قال له جزاء هذه المنة اذكرني فى ثلاثة مواطن فانى اقرب ما يكون الى العبد إذا كان فى احداهن اذكرني إذا غضبت واذكرني إذا حكمت بين اثنين واذكرني إذا كنت مع امرأة
خليا ليس معكما احد. (عيون الاخبار الرضا) عليه السلام: سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل (يوم يفر المرء من اخيه. وامه وابيه. وصاحبته وبنيه) من هم ؟ فقال (ع) قابيل يفر من هابيل والذى يفر من امه موسى والذى يفر من ابيه ابراهيم والذى يفر من صاحبته لوط والذى يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان. (علل الشرايع) عن وهب مسندا قال اهل الكتاب يقولون ان ابليس عمر زمان الغرق كله فى الجو الاعلى يطير بين السماء والارض بالذى اعطاه الله من القوة والحيلة وعمرت جنوده فى ذلك الزمان تطفو فوق السماء وتحولت الجن ارواحا تهب فوق الماء وبذلك توصف خلقتها انها تهوى هوى الريح، انما سمى طوفان لان الماء طفى فوق كل شىء فلما هبط نوح عليه السلام من السفينة اوحى الله عزوجل إليه يا نوح انى خلقت خلقي لعبادتي وامرتهم بطاعتي وقد عصوني وعبدوا غيرى واستوجبوا بذلك غضبى فغرقتهم وانى قد جعلت قوسى امانا لعبادي وبلادى وموثقا منى بينى وبين خلقي يامنون به الى يوم القيامة من الغرق ومن اوفى بعهده منى، ففرح نوح، عليه السلام بذلك وتباشر وكانت القوس فيها سهم ووتر فنزع الله عزوجل السهم والوتر من القوس و جعلها امانا لعباده من الغرق. (اقول) جاء فى الحديث عن الصادق عليه السلام ان هذا القوس ظهر فى السماء بعد الغرق امانا منه لمن بقى الى يوم القيامة. وقال عليه السلام: لا تقولوا قوس قزح فان قزح اسم الشيطان ولكن قولوا قوس الله و ان هذه المجرة التى فى السماء ويسمونها مجر الكبش موضع انفطار السماء للماء لانه لم ينزل قطرات وانما نزل دفعا فلما التأمت السماوات بقى اثره كالجرح المندمل يبقى اثره فى البدن.
[ 89 ]
(عيون اخبار الرضا عليه السلام) قال الوشا: قال لى كيف تقرؤون (قال
يا نوح انه ليس من اهلكانه عمل غير صالح) فقلت من الناس من يقرأ (انه عمل غير صالح) نفاه عن ابيه، فقال عليه السلام كلا لقد كان ابنه ولكن لما عصى الله عزوجل نفاه عن ابيه. (اقول) هاهنا قراءتان فى المتواتر فالاكثر على الفعل الماضي وما بعده منصوب على المفعولية يعنى ان اعماله غير صالحة، وقراءة الكسائي ويعقوب وسهل على المصدرية وما بعده صفة له واولوه على انه تولد من الخيانة، وحينئذ فقوله عليه السلام: كلا يجوز ان يكون ردا للتأويل لا للقراءة يعنى ان تأويلهم باطل لان نفيه عنه باعتبار الدين والعمل ويجوز ان يكون نفيا للقراءة يعنى انها قراءة باطلة لم ينزل بها جبرئيل عليه السلام. (وفيه) تأييد لما حررناه فى مواضع من كتبنا من القدح فى تواتر القراءآت السبع وانها ان ثبت تواترها فانما هو عن القراء السبعة لاعن صاحب الوحى صلى الله عليه وآله وذلك ان القراء فى كثير من الموارد إذا ذكروا قراءة يقولون قرأ فلان كذا فيجعلون قراءة القرآن تسمية لقراءتهم صلوات الله عليهم و قد فصلنا الكلام فى هذا المقام فى شرحنا على تهذيب الحديث بما لا مزيد عليه. (وفيه) عنه عليه السلام قال: سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام فقال: ما بال الماعز مرفوعة الذنب بادية الحياء والعورة ؟ فقال: لان الماعز عصت نوحا عليه السلام لما ادخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها. والنعجة مستورة الحياء و العورة لان النعجة بادرت بالدخول الى السفينة فمسح نوح عليه السلام يده على حياها وذنبها فاستوت الألية. (علل الشرايع) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان النجف كان جبلا وهو الذى قال ابن نوح (سآوى الى جبل يعصمني من الماء) ولم يكن على وجه الارض جبل اعظم منه، فأوحى الله عزوجل إليه: يا جبل ايعتصم بك منى ! فتقطع
قطعا قطعا الى بلاد الشام وصار رمادا دقيقا وصار بعد ذلك بحرا عظيما وكان
[ 90 ]
يسمى ذلك البحر ببحر (ني) ثم جف بعد ذلك وقيل: ني جف فسمى نجف ثم صار بعد ذلك يسمونه نجف لانه كان اخف على السنتهم. (وفيه) انه لما ركب نوح عليه السلام فى السفينة القى الله عزوجل السكينة على ما فيها من الدواب والطير والوحش فلم يكن شىء فيها يضر شيئا كانت الشاة تحتك بالذئب والبقر تحتك بالاسد واذهب الله حمة كل ذى حمة فلم يزالوا كذلك فى السفينة حتى خرجوا منها وكان الفار قد كثر فى السفينة والعذرة، فأوحى الله عز وجل الى نوح عليه السلام ان يمسح الاسد فمسحه فعطس فخرج من منخريه هران ذكر و انثى فخف الفار، ومسح وجه الفيل فعطس فخرج من منخريه خنزيران ذكر وانثى فخف العذرة. وعن ابى عبد الله عليه السلام قال: جاء نوح عليه السلام الى الحمار ليدخله السفينة فامتنع عليه وكان ابليس بين ارجل الحمار، فقال يا شيطان ادخل فدخل الحمار ودخل الشيطان. (وعنه) عليه السلام قال: ارتفع الماء زمن نوح عليه السلام على كل جبل وعلى كل سهل خمسة عشر ذراعا. (الفقيه) قال أبو جعفر الباقر عليه السلام ان الحيض للنساء نجاسة رماهن الله عز وجل بها وقد كن النساء فى زمن نوح عليه السلام انما تحيض المرأة فى كل سنة حتى خرجن نسوة من حجابهن وكن سبعمائة امرأة وانطلقن فلبسن المعصفرات من الثياب وتحلين و تعطرن ثم خرجن فتفرقن فى البلاد فجلسن مع الرجال وشهدن الاعياد معهم وجلسن فى صفوفهم فرماهن الله عزوجل بالحيض عند ذلك فى كل شهر يعنى اولئك النسوة باعيانهن فسالت دماؤهن فخرجن من بين الرجال فكن
يحضن فى كل شهر حيضة فشغلهن الله تعالى بالحيض وكسر شهوتهن قال وكان غيرهن من النساء اللواتى لم يفعلن مثل ما فعلن يحضن فى كل سنة حيضة، قال: فتزوج بنوا اللائي يحضن فى كل شهر بنات اللاتى يحضن فى كل سنة حيضة فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء فى كل شهر حيضة وكثر
[ 91 ]
اولاد اللاتى يحضن فى كل شهر حيضة لاستقامة الحيض وقل اولاد اللاتي يحضن فى السنة حيضة لفساد الدم، قال فكثر نسل اولئك. (الكافي) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: لما اظهر الله نبوة نوح وايقن الشيعة بالفرج اشتدت البلوى ووثبوا الى نوح بالضرب المبرح حتى مكث فى بعض الاوقات مغشيا عليه ثلاثة ايام يجرى الدم من اذنه ثم افاق وذلك بعد سنة ثلاثمائة من مبعثه وهو فى خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهارا فيهربون ويدعوهم سرا فلا يجيبون ويدعوهم علانية فيولون. فهم بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم وجلس بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السابعة وهم ثلاثة املاك فسلموا عليه ثم قالوا له: يا نبي الله حاجتنا ان تؤخر الدعاء على قومك، فانها اول سطوة لله عزوجل فى الارض، قال: قد اخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة اخرى، وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون حتى إذا انقضت ثلاثمائة سنة اخرى ويئس من ايمانهم جلس فى وقت ضحى النهار للدعاء، فهبط إليه وفد من السماء السادسة فسلموا عليه وسألوه مثل ما سأله الوفد الاول فأجابهم مثل ما اجاب اولئك، ثم عاد و قومه بالدعاء حتى انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة فصارت إليه الشيعة و شكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج فأجابهم الى ذلك و صلى ودعا، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: ان الله تبارك وتعالى قد اجاب دعوتك فقل للشيعة يأكلوا التمر ويغرسوا النوى ويراعوه حتى يثمر، فإذا اثمر فرجت
عنهم، فعرفهم ذلك واستبشروا ففعلوا ذلك وراعوه حتى اثمر ثم سألوه ان ينجز لهم الوعد. فسال الله ذلك، فأوحى الله إليه: قل لهم كلوا هذا التمر واغرسوا النوى فإذا اثمرت فرجت عنكم. فلما ظنوا ان الخلف قد وقع عليهم ارتد عنهم الثلث وبقى الثلثان فأكلوا التمر وغرسوا النوى حتى إذا اثمر اتوا به نوحا فسألوه ان ينجز لهم الوعد، فسال الله عزوجل عن ذلك، فأوحى الله إليهم: قل لهم كلوا التمر واغرسوا النوى، فارتد الثلث الاخر وبقى الثلث. فاكلوا التمر وغرسوا النوى، فلما اثمر اتوا به نوحا عليه السلام فأخبروه وقالوا: لم يبق منا الا
[ 92 ]
القليل ونحن نتخوف على انفسنا بتأخر الفرج ان نهلك، فصلى نوح عليه السلام فقال: يا رب لم يبق من اصحابي الا هذه العصابة وانى اخاف عليهم الهلاك ان تأخر الفرج، فأوحى الله عزوجل إليه: قد اجبت دعوتك فاصنع الفلك فكان بين اجابة الدعاء والطوفان خمسون سنة. (اقول) ورد فى سبب التأخير تصفية المؤمنين من الكفار والمنافقين الذين يظهرون الايمان ويسرون الكفر. (الخرائج) عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: لما اراد الله ان يهلك قوم نوح اوحى الله إليه ان شق الواح الساج فلما شقها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت بها مائة الف مسمار وتسعة و عشرون الف مسمار فسمر المسامير كلها السفينة الى ان بقيت خمسة مسامير فضرب بيده الى مسمار فاشرق بيده واضاء كما يضىء الكوكب الدري فى افق السماء فتحير نوح فانطق الله المسمار بلسان طلق ذلق فقال انا علي اسم خير الانبياء محمد بن عبد الله فهبط جبرئيل عليه السلام فقال له: يا جبرئيل ما هذا المسمار الذى ما رايت ؟ مثله فقال: هذا باسم سيد الانبياء محمد بن عبد الله، اسمره على اولها على جانب السفينة الايمن
ثم ضرب بيده الى مسمار ثان، فاشرق وانار، فقال هذا مسمار اخيه وابن عمه سيد الاوصياء علي بن ابى طالب فاسمره على جانب السفينة الايسر فى اولها، ثم ضرب بيده الى مسمار ثالث فزهر واشرق وانار، فقال جبرئيل عليه السلام: هذا مسمار فاطمة، فاسمره الى جانب مسمار ابيها، ثم ضرب بيده الى مسمار رابع فزهر وانار، فقال جبرئيل (ع) هذا مسمار الحسن فاسمره الى جانب مسمار ابيه، ثم ضرب بيده الى مسمار خامس فزهر وانار واظهر النداوة، فقال جبرئيل (ع): هذا مسمار الحسين عليه السلام فاسمره الى جانب مسمار ابيه، فقال نوح يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال: هذا الدم فذكر قصة الحسين عليه السلام وما تعمل الامة به، فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام انه قال لبعض غلمانه فى شىء جرى: لئن
[ 93 ]
انتهيت والا ضربتك ضرب الحمار قيل وما ضرب الحمار ؟ قال ان نوحا عليه السلام لما ادخل السفينة من كل زوجين اثنين جاء الى الحمار فابى ان يدخل فاخذ جريدة من نخل فضربه ضربة واحدة وقال له: عبسا شيطانا، أي ادخل يا شيطان. (المحاسن) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: لما حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح عليه السلام فجزع جزعا شديدا، فاغتم بذلك، فأوحى الله إليه: ان كل العنب الاسود ليذهب غمك. (العياشي) عن عبد الله العلوى قال: كانت السفينة مطبقة بطبق وكان معه خرزتان تضىء احداهما بالنهار ضوء الشمس وتضىء احداهما بالليل ضوء القمر وكانوا يعرفون وقت الصلاة وكان آدم معه فى السفينة فلما خرج من السفينة صير قبره تحت المنارة بمسجد منى. اقول: اكثر الاخبار دالة على ان قبره بالنجف الاشرف ضجيع قبر
امير المؤمنين (ع) وقبر نوح عليه السلام. و عن ابى عبد الله عليه السلام: ان مدة لبثهم فى السفينة سبعة ايام ولياليها. و فى حديث آخر مائة وخمسين يوما بلياليها. وقيل ستة اشهر. (العياشي) عن الاعمش يرفعه الى على عليه السلام فى قوله: (حتى إذا جاء امرنا وفار التنور) فقال: اما والله ما هو تنور الخبز، ثم اومأ بيده الى الشمس فقال طلوعها. (وفى تفسير العياشي) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: صنعها فى مائة سنة ثم امره ان يحمل فيها من كل زوجين اثنين، الازواج الثمانية التى خرج بها آدم من الجنة ليكون معيشة لعقب نوح عليه السلام فى الارض كما عاش آدم (ع) فان الارض تغرق و ما فيها الا ما كان معه فى السفينة قال فحمل نوح (ع) فى السفينة الازواج الثمانية التى قال الله (وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين) فكان زوجين من الضأن زوج يربيها الناس ويقومون بأمرها وزوج من الضأن التى تكون فى الجبال وهى الوحشية احل لهم صيدها، ومن المعز اثنين زوج يربيها الناس، وزوج من الظباء، ومن
[ 94 ]
البقر اثنين زوج يربيه الناس وزوج هو البقر الوحشى ومن الابل زوجين وهو البخاتي و الغراب وكل طير وحشى و انسى ثم غرقت الارض. اقول: المفسرون قالوا المراد بالزوجين الصنفان، يعنى الذكر والانثى، وما قاله عليه السلام هو الاصوب والانسب. وعنه عليه السلام قال: ينبغى لولد الزنا ان لا تجوز شهادته ولا يؤم بالناس لم يحمله نوح فى السفينة وقد حمل فيها الكلب والخنزير. وعنه عليه السلام فى قوله (وما آمن معه الا قليل) قال آمن معه ثمانية نفر من قومه. (وعنه عليه السلام) باسانيد متعددة فى قول الله (ونادى نوح ابنه) فقال ليس بابنه انما هو ابن زوجته على لغة طي يقولون لابن المرأة ابنه.
(وعن) ابى الحسن عليه السلام: ان الله اوحى الى الجبال انى واضع سفينة نوح على جبل منكن فى الطوفان، فتطاولت وشمخت وتواضع جبل بالموصل يقال له الجودى فمرت السفينة تدور فى الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت الى الجودى، فوقفت عليه فقال نوح بارات قنى بارات قنى، يعنى اللهم اصلح اللهم اصلح، وفى حديث آخر انه ضرب جؤجؤ السفينة الجبل فخاف عليها، فقال يا ماريا اتقن، يعنى رب اصلح، وفى حديث آخر انه قال: يا رهمان اتقن وتأويلها رب احسن. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال: سأل نوح ربه ان ينزل على قومه العذاب فأوحى الله إليه ان يغرس نواة من النخل فإذا بلغت واثمرت هلك قومه، فغرس نوح النواة واخبر اصحابه بذلك فلما اثمرت واطعم اصحابه قالوا له يا نبى الله الوعد الذى وعدتنا، فأوحى الله إليه ان يعيد الغرس ثانية، حتى إذا بلغ النخل واثمر فأكل منه نزل عليهم العذاب، فاخبر نوح اصحابه بذلك فصاروا ثلاث فرق، فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت مع نوح عليه السلام، ففعل نوح عليه السلام ذلك حتى إذا بلغت النخلة واثمرت واكل منها واطعم اصحابه قالوا يا نبى الله الوعد الذى وعدتنا، فدعا نوح ربه فأوحى الله إليه: ان يغرس الغرسة الثالثة فإذا بلغ واثمر اهلك قومه. فاخبر اصحابه، فافترقوا ثلاث فرق، فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت معه حتى فعل نوح ذلك عشر مرات وفعل الله باصحابه الذين
[ 95 ]
يبقون معه فيفترقون كل فرقة ثلاث فرق على ذلك فلما كان فى العاشرة جاء إليه رجل من اصحابه فقال: يا نبى الله فعلت بنا ما وعدت أو لم تفعل، فانت صادق نبى مرسل لا نشك فيك ولو فعلت ذلك بنا، قال فعند ذلك من قولهم اهلكهم الله لقول نوح، وادخل الخاص معه السفينة فنجاهم الله تعالى ونجى نوحا معهم بعد ما صفوا وذهب الكدر منهم.
(كتاب القصص) لمحمد بن جرير الطبري: ان الله تعالى اكرم نوحا بطاعته وكان طوله ثلاثمائة وستين ذراعا، بذراع زمانه. وكان لباسه الصوف ولباس ادريس قبله الشعر، و كان يسكن الجبال وياكل من نبات الارض. وفى حديث آخر: انه كان نجارا فجاءه جبرئيل عليه السلام بالرسالة وقد بلغ عمره اربعمائة سنة وستين سنة، فقال له: ما بالك معتزلا ؟ قال لان قومي لا يعرفون الله فاعتزلت عنهم، فقال جبرئيل عليهم السلام فجاهدهم، فقال نوح عليه السلام لا طاقة لي بهم ولو عرفوني لقتلوني فقال له فان اعطيت القوة كنت تجاهدهم ؟ قال وا شوقاه الى ذلك، فقال له نوح من انت ؟ فصاح جبرئيل (ع) صيحة واحدة، فأجابته الملائكة بالتلبية ورجت الارض وقالت لبيك لبيك يا رسول رب العالمين فبقى نوح مرعوبا، فقال له جبرئيل عليه السلام انا صاحب ابويك آدم وادريس و الرحمن يقرؤك السلام، وقد اتيتك بالبشارة وهذا ثوب الصبر وثوب اليقين و ثوب النصرة وثوب الرسالة والنبوة وآمرك ان تتزوج بعمارة بنت ضمران بن اخنوخ فانها اول من تؤمن بك، فمضى نوح عليه السلام يوم عاشوراء الى قومه وفى يده عصا بيضاء وكانت العصا تخبره بما يكن به قومه، وكان رؤساؤهم سبعين الف جبار عند اصنامهم فى يوم عيدهم، فنادى لا اله الا الله، فارتجت الاصنام وخمدت النيران واخذهم الخوف، وقال الجبارون من هذا ؟ فقال نوح: انا عبدالله وابن عبديه بعثنى اليكم رسولا، فسمعت عمورة كلام نوح فآمنت به فعاتبها ابوها أيؤثر فيك قول نوح فى يوم واحد واخاف ان يعرف الملك بك فيقتلك، فقالت عمورة: يا ابت اين عقلك وحلمك نوح رجل وحيد ضعيف يصيح فيكم تلك الصيحة فيجرى عليكم
[ 96 ]
ما يجرى فتوعدها، فلم ينفع، فاشاروا عليه بحبسها ومنعها الطعام، فحبسها فبقيت فى الحبس سنة وهم يسمعون كلامها، فاخرجها بعد سنة، وقد صار عليها نور عظيم
وهى فى احسن حال فتعجبوا من حياتها بغير طعام، فسألوها فقالت: انها استغاثت برب نوح وان نوحا عليه السلام كان يحضر عندها بما تحتاج إليه، ثم ذكر تزويجه بها وانها ولدت له سام بن نوح، وذكروا انه كان لنوح امرأتان، احداهما رايعة، وهى الكافرة فهلكت، وحمل نوح معه فى السفينة امرأته المسلمة. وعن الصادق عليه السلام قال: يوم النيروز هو اليوم الذى استوت فيه سفينة نوح عليه السلام على الجودى. (دعوات الراوندي) قال: لما ركب نوح فى السفينة أبى ان يحمل العقرب معه فقالت عاهدتك ان لا السع احدا يقول: سلام على محمد وآل محمد وعلى نوح فى العالمين وقال على عليه السلام: صلى نبى الله نوح عليه السلام ومن معه ستة اشهر قعودا لان السفينة كانت تنكفأ بهم. الباب الرابع فى قصص هود النبي عليه السلام وقومه وعاد قال الله تعالى: (والى عاد اخاهم هودا. قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره افلا تتقون) وقد ذكر الله سبحانه قصته فى كثير من السور والآيات. (وعاد) هو عاد بن عوض بن ارم بن سام بن نوح، اخاهم فى النسب، لان هود بن شالخ بن ارفخشد بن نوح. وقيل هو ابن عبد الله بن رياح بن حلوت ابن عاد بن علوص بن آدم بن سام بن نوح. كذا فى كتاب النبوة: وقد جعلهم
[ 97 ]
الله سكان الارض من بعد قوم نوح وزادهم بسطة فى الخلق، كان اطولهم مائة ذراع واقصرهم سبعين ذراعا. وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: كانوا كأنهم النخل الطوال فكان الرجل منهم يضرب الجبل بيده فيهدم منه قطعة وكانوا يعبدون اصناما سموها آلهة، ولذا
قال لهم هود (ع): (اتجادلوننى فى اسماء سميتموها). وقيل معناه تسميتهم لبعضها انه يسقيهم المطر والارض وانه ياتيهم بالرزق والآخر انه يشفى المرضى والآخر انه يصحبهم في السفر، وهؤلاء الذين اهلكهم الله بالريح، خرج على قدر الخاتم وكانوا يقولون لنبيهم هود ولا نقول فيك الا انه اصابك بعض آلهتنا بسوء فخبل عقلك لسبك اياه، وكانوا يبنون البنيان بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة فيسخروا بهم ويعبثوا منهم. وقيل ان معنى قوله: (اتبنون بكل ريع) هو اتخاذهم بروجا للحمام عبثا ولما دعاهم ولم ينفع بهم حبس الله سبحانه عنهم المطر فساق إليهم سحابة سوداء فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا، فقال هود بل هو العذاب الذى طلبتموه فارسل الله عليهم ريحا اهلكت كل شىء واعتزل هود ومن معه فى حضيرة لم يصبهم من تلك الريح الا ما تلين على الجلود وتلتذ به الانفس وانها لتمر على عاد بالظعن ما بين السماء والارض حتى ترى الظعينة كأنها جرادة وقد سخر تلك الريح عليهم سبع ليال وثمانية ايام، قال وهب: هي التى تسميها العرب ايام العجوز ذات برود ورياح شديدة، وانما نسبت الى العجوز، لان عجوزا دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها فى اليوم الثامن. (وفى تفسير على بن ابراهيم) ان عادا كانت بلادهم فى البادية وكانت لهم زرع ونخل كثير ولهم اعمار طويلة و اجسام طويلة فعبدوا الاصنام فبعث الله إليهم هودا يدعوهم الى الاسلام فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه فكفت السماء عنهم سبع سنين حتى قحطوا وكان هود زارعا وكان يسقى الزرع، فجاء قوم الى بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأته شمطاء عوراء، فقالت ومن انتم ؟ فقالوا نحن من بلاد كذا وكذا اجدبت بلادنا، فجئنا الى هود نسأله ان يدعو الله حتى تمطر وتخصب
[ 98 ]
بلادنا، فقالت لو استجيب لهود لدعا لنفسه احترق زرعه لقلة الماء، قالوا فأين هو ؟
قالت هو فى موضع كذا وكذا فجاؤا إليه، فقالوا يا نبى الله قد اجدبت بلادنا فأسال الله ان يمطر بلادنا، فصلى ودعا لهم فقال: ارجعوا فقد امطرتم، فقالوا يا نبى الله لقد رأينا فى بيتك عجبا، امرأة شمطاء عوراء، وحكوا له كلامها، فقال هود تلك امراتى، وانا ادعو الله لها بطول البقاء ! فقالوا وكيف ذلك ؟ قال لانه ما خلق الله مؤمنا الا وله عدو يؤذيه وهى عدوتى فلان يكون عدوي ممن املكه، خير من ان يكون عدوى ممن يملكني، فبقى هود فى قومه يدعوهم الى الله وينهاهم عن عبادة الاصنام حتى تخصب بلادهم وهو قوله عزوجل: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين). (فقالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين) فلما لم يؤمنوا ارسل الله عليهم الريح الصرصر، يعنى الباردة، وهو قوله فى سورة القمر: (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر. إنا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر). وحكى فى سورة الحاقة فقال: (واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما). قال كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية ايام. وعن ابى جعفر عليه السلام: الريح العقيم تخرج من تحت الارضين السبع، وما خرج منها شىء قط الا على قوم عاد، حين غضب الله عليهم، فامر الخزان ان يخرجوا منها مثل سعة الخاتم، فعصفت على الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد، فضج الخزنة الى الله من ذلك. وقالوا: يا ربنا انها قد عتت علينا ونحن نخاف ان نهلك، ممن لم يعصك من خلقك وعمار بلادك، فبعث الله جبرئيل (ع) فردها بجناحه، وقال لها اخرجي على ما امرت به، فرجعت وخرجت على ما امرت به فأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم. (على بن ابراهيم) قال حدثني أبي قال امر المعتصم ان يحفر بالبطانية بئر،
فحفروا ثلاثمائة قامة فلم يظهر الماء فتركه ولم يحفره، فلما ولي المتوكل امر ان يحفر ذلك
[ 99 ]
البئر ابدا حتى يبلغ الماء، فحفروا حتى وضعوا فى كل مائة قامة بكرة حتى انتهوا الى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت فخرجت عليهم منها ريح باردة فمات من كان بقربها، فأخبروه بذلك فلم يعلم ما ذاك فقالوا سل ابن الرضا عن ذلك وهو أبو الحسن على بن محمد العسكري عليه السلام، فكتب إليه يساله عن ذلك، فقال عليه السلام: تلك بلاد الاحقاف - اي الرمل - وهم قوم عاد الذين اهلكهم الله بالريح الصرصر وكان نبيهم هود وكانت بلادهم كثيرة الخير، فحبس الله عنهم المطر سبع سنين، حتى اجدبوا وذهب خيرهم وكان هود يدعوهم فلم يؤمنوا. فأوحى الله الى هود عليه السلام: ان ياتيهم العذاب فى وقت كذا وكذا ريح فيها عذاب اليم، فلما كان ذلك الوقت نظروا الى سحاب قد اقبلت ففرحوا بالمطر، فقال هود عليه السلام بل هو عذاب استعجلتم بطلبه، ريح فيها عذاب اليم فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم، وكل هذه الاخبار من هلاك الامم تخويف وتحذير لامة محمد صلوات الله عليه وآله (وقال عليه السلام) الرياح خمسة منها العقيم فنعوذ بالله من شرها. (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله): ما خرجت ريح قط الا بمكيال الا زمن عاد فانها عتت على خزانها، فخرجت فى مثل خرق الابرة فاهلكت قوم عاد. (الكافي) عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان لله جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه، و لكل ريح منها ملك موكل بها، فإذا اراد الله ان يعذب قوما بنوع من العذاب، اوحى الله الى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التى يريد ان يعذبهم بها، قال: فيأمرها الملك فتهيج كما يهيج الاسد المغضب، قال ولكل ريح منهن اسم، اما تسمع قوله تعالى فى عاد: (إذا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر) وقال تعالى الريح العقيم وقال (ريح فيها عذاب اليم) وقال: (فأصابها
اعصار فيه نار فاحترقت) وما ذكر من الرياح التى يعذب الله بها من عصاه. (علل الشرايع) بالاسناد عن وهب قال: ان الريح تحت هذه الارض التى نحن عليها قد زمت بسبعين الف زمام من حديد، قد وكل بكل زمام سبعون الف ملك، سلطها الله عزوجل على عاد، استاذنت خزنة الريح ربها عزوجل ان
[ 100 ]
يخرج منها فى مثل منخرى الثور، ولو اذن الله عزوجل لها ما تركت شيئا على وجه الارض الا احرقته، فأوحى الله عزوجل الى خزنة الريح ان اخرجوا منها مثل ثقب الخاتم، فاهلكوا بها، وبها ينسف الله عزوجل الجبال نسفا والتلال والآكام و المدائن والقصور يوم القيامة. وذلك قوله عزوجل: (يسالونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا. فيذرها قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا امتا) والقاع الذى لا نبات فيها، والصفصف الذى لا عوج فيه، والامت المرتفع، وانما سميت العقيم لانها تلقحت بالعذاب وتعقمت عن الرحمة كتعقم الرجل، إذا كان عقيما لا يولد له، وطحنت تلك القصور والحصون والمدائن حتى صاروا رملا، وانما كثر الرمل فى تلك البلاد لان الريح طحنت تلك البلاد وعصفت عليهم (سبع ليال وثمانية ايام حسوما. فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية) وكانت ترفع الرجال والنساء فتهب بهم صعدا ثم ترمى بهم من الجو فيقعون على رؤوسهم منكبين، تقلع الرجال والنساء من تحت ارجلهم ثم ترفعهم وكانت الريح نقضت الجبال كما نقضت المساكن فتطحنها، ثم تعود رملا دقيقا، انما سميت عاد ارم ذات العماد، من اجل انهم كانوا يسلخون العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول الجبال الذى يسلخونه من اسفله الى اعلاه، ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها، ثم يبنون القصور عليها، فسميت ذات العماد لذلك.
(كتاب الاحتجاج) عن على بن يقطين قال: امر أبو جعفر الدوانيقي يقطين ان يحفر بئرا بقصر العبادي، فلم يزل يقطين فى حفرها حتى مات أبو جعفر، ولم يستنبط منها الماء فاخبر المهدى بذلك، فقال له احفر ابدا حتى يستنبط الماء ولو انفقت جميع ما فى بيت المال، فوجه يقطين اخاه ابا موسى فى حفرها، فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقبا فى اسفل الارض فخرجت منه الريح فهالهم ذلك فاخبروا به ابا موسى فقال انزلوني وكان رأس البئر اربعين ذراعا فى اربعين ذراع، فاجلس فى شق محمل ودلى فى البئر فلما صار فى قعرها نظر الى هولها وسمع دوي الريح فى اسفل ذلك،
[ 101 ]
فامرهم ان يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم، ثم دلي فيه رجلان فى شق محمل، فقال ائتونى بخبر هذا فنزلا ومكثا مليا ثم حركا الحبل، فاصعدا فقال لهما، ما رأيتما ؟ قالا امرا عظيما نساء ورجالا وبيوتا وآنية و متاعا كلهم مسوخ من حجارة، فاما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم. فمن بين قاعد ومضطجع ومتكىء، فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتقشأ مثل الهباء، ومنازلهم قائمة، فكتب بذلك أبو موسى الى المهدى، فكتب الى المدينة الى موسى بن جعفر عليه السلام يسأله ان يقدم عليه، فقدم عليه، فاخبره فبكى بكاءا شديدا، وقال يا امير المؤمنين هؤلاء بقية اصحاب عاد غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم، هؤلاء اصحاب الاحقاف - أي الرمل - اقول: قال المبرد المراد من الاحقاف الرمل الكثير، وهى رمال بين عمان الى حضرموت. وقيل هي باليمن مشرفة على البحر. (اكمال الدين) مسندا الى ابى وائل قال: ان رجلا يقال له عبد الله بن قلابة خرج فى طلب ابل له قد شردت، فبينما هو فى صحاري عدن فى الفلوات إذ هو قد وقع على مدينة عليها حصن حول ذلك الحصن قصور كثيرة واعلام طوال فلما دنى منها ظن ان فيها من يسأله عن ابله فلم ير داخلا ولا خارجا، فنزل عن ناقته وعقلها
وسل سيفه ودخل من باب الحصن فإذا هو ببابين عظيمين لم ير فى الدنيا اعظم منهما و لا اطول، وإذا خشبهما من اطيب عود وعليها نجوم من ياقوت اصفر وياقوت احمر ضوءها قد ملأ المكان، فلما راى ذلك المكان اعجبه ففتح احد البابين ودخل فإذا هو بمدينة لم ير الراؤون مثلها قط، و إذا هو بقصور وكل قصر منها معلق تحته اعمدة من زبرجد وياقوت فوق كل قصر منها غرف وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعلى كل باب من ابواب تلك القصور مصاريع مثل مصاريع باب المدينة من عود طيب قد نضدت عليه اليواقيت وقد فرشت تلك القصور باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فلما رأى ذلك ولم ير احدا افزعه ذلك، ونظر الى الازقة وإذا فى كل زقاق منها اشجار قد اثمرت تحتها انهار تجرى، فقال هذه الجنة التى وعد الله عزوجل لعباده فى الدنيا فالحمد لله الذى
[ 102 ]
ادخلني الجنة، فحمل من لؤلؤها وبنادق المسك والزعفران ولم يستطع ان يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها لانه كان مثبتا فى ابوابها وجدرانها، وكان اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران بمنزلة الرمل فى تلك القصور والغرف كلها، فاخذ منها ما اراد وخرج، حتى اتى ناقته ركبها ثم سار يقفو اثره حتى رجع الى اليمن واظهر ما كان معه واعلم الناس امره وباع بعض ذلك اللؤلؤ، وكان قد اصفر وتغير من طول ما مر عليه من الليالى والايام، فشاع خبره وبلغ معاوية بن ابى سفيان، فارسل رسولا الى صاحب صنعاء وكتب باشخاصه، فشخص حتى قدم على معاوية. فخلا به وسأله عما عاين، فقص عليه امر المدينة وما راى فيها وعرض عليه ما حمله منها من اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فقال والله ما اعطي سليمان بن داود مثل هذه المدينة. فبعث معاوية الى كعب الأحبار فقال له يا ابا اسحاق هل بلغك ان فى الدنيا مدينة مبنية بالذهب والفضة وعمدها زبرجد و ياقوت وحصا قصورها وغرفها اللؤلؤ
وانهار فى الازقة تجرى من تحت الاشجار. قال كعب: اما هذه المدينة صاحبها شداد بن عاد الذى بناها، واما المدينة فهى ارم ذات العماد وهى التى وصفها الله عزوجل فى كتابه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وذكر انه لم يخلق مثلها فى البلاد. قال معاويه حدثنا بحديثها فقال: ان عاد الاولى وليس بعاد قوم هود كان له ابنان سمي احدهما شديدا والآخر شدادا، فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبرا واطاعهما الناس فى الشرق والغرب فمات شديد وبقى شداد، فملك وحده لم ينازعه احد، وكان مولعا بقراءة الكتب، وكان كلما سمع بذكر الجنة وما فيها من البنيان والياقوت والزبرجد رغب ان يفعل مثل ذلك فى الدنيا، عتوا على الله عزوجل فجعل على صنعتها مائة رجل، تحت كل واحد الف من الاعوان، فقال انطلقوا الى اطيب فلاة فى الارض واوسعها واعملوا لى فيها مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ واصنعوا تحت تلك المدينة اعمدة من زبرجد وعلى المدينة قصورا وعلى القصور غرفا وفوق الغرف غرف، و اغرسوا تحت القصور وفى ازقتها
[ 103 ]
اصناف الثمار كلها واجروا فيها الانهار، حتى تكون تحت اشجارها، فانى ارى فى الكتب صفة الجنة وانا احب ان اجعل مثلها فى الدنيا، قالوا له كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذهب والفضة حتى يمكننا ان نبني مدينة كما وصفت ؟ قال شداد ألا تعلمون ان ملك الدنيا بيدى ؟ قالوا بلى، قال انطلقوا الى كل معدن من معادن الجواهر والذهب والفضة فوكلوا بها حتى تجمعون ما تحتاجون إليه وخذوا جميع ما تجدونه فى ايدى الناس من الذهب والفضة، فكتبوا الى ملك الشرق والغرب فجعلوا يجمعون الجواهر عشر سنين فبنوا له هذه المدينة فى
مدة ثلاثمائة سنة، وعمر شداد تسعمائة سنة، فلما اتوه واخبروه بفراغهم منها، قال فانطلوا فاجعلوا عليها حصنا واجعلوا حول الحصن الف قصر عند كل قصر الف علم يكون فى كل قصر من القصور وزير من وزرائي، فرجعوا و عملوا ذلك كله. ثم اتوه فأخبروه بالفراغ منها كما امرهم، فامر الناس بالتجهيز الى ارم ذات العماد فاقاموا فى تجهيزهم إليها عشر سنين، ثم سار الملك يريد ارم، فلما كان من المدينة على مسيرة يوم وليلة، بعث الله عزوجل عليه وعلى جميع من كان معه صيحة من السماء فاهلكتهم، ولا دخل ارم ولا احد ممن كان معه، فهذه صفة ارم ذات العماد، وانى لاجد فى الكتب ان رجلا يدخلها و يرى ما فيها ثم يخرج فيحدث الناس بما رأى، فلا يصدق، وسيدخلها اهل الدين فى آخر الزمان. وفى (مجمع البيان) فى آخره: وسيدخلها فى زمانك رجل من المسلمين احمر اشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج من تلك الصحاري فى طلب ابل له (و الرجل عند معاوية) فالتفت إليه كعب وقال: هذا والله ذلك الرجل.
[ 104 ]
الباب الخامس فى قصص نبى الله صالح صلوات الله عليه وفيه بيان حال قومه قال الله تبارك وتعالى: (و الى ثمود اخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل فى ارض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم. واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم فى الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال
بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الارض مفسدين. قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم اتعلمون ان صالحا مرسل من ربه قالوا انا بما ارسل به مؤمنون. قال الذين استكبروا إنا بالذى آمنتم به كافرون. فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم وقالوا يا صالح إئتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين. فاخذتهم الرجفة فاصبحوا فى دارهم جاثمين. فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين). وقد ذكر الله سبحانه قصتهم فى كتابه المجيد تعظيما لمواقعتهم الشنيعة وتخويفا لهذه الامة من ان يرتكبوا مثلها، وقد ارتكبوا ما هو اشنع وافضع منها. ولهذا صح عنه صلى الله عليه وآله انه قال لعلى عليه السلام: اشقى الاولين والاخرين من عقر ناقة صالح ومن ضربك يا علي على قرنك حتى تخضب من دم راسك لحيتك. وتواتر عنه صلى الله عليه وآله تشبيه قاتله عليه السلام بعاقر الناقة. وقد
[ 105 ]
صنف بعض المتأخرين رسالة فى وجه هذا التشبيه واطال فى بيان وجوه المناسبة ومن امعن النظر فيه يظهر له شدة انطباقه عليه وذلك ان عليا عليه السلام كان آية لله تعالى اظهرها على يدى رسول الله صلى الله عليه وآله، كما قال عليه السلام: و أي آيي اعظم مني. وذكر الفاضل المعتزلي ابن ابى الحديد فى الشرح: ان تاريخ الدنيا واحوالها مضبوط من بعد الطوفان الى يومنا هذا، وما بلغنا فى هذه المدة الطويلة ان رجلا من العرب والعجم والترك والهند والروم يدانيه فى الشجاعة مع تكثرهم فى طوائف الناس بل ولم يقاربه احد فى خصلة من خصال الكمال. (وروى) صاحب كتاب القدسيات من علماء الجمهور انه قال جبرئيل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وآله: ان الله بعث عليا مع الانبياء باطنا وبعثه معك ظاهرا. واما ولادته فكانت فى الكعبة التى هي صخرة بيت الله، كما خرجت الناقة
من الصخرة، ولم يتفق ذلك لنبى أو وصى نبى. وكان عليه السلام: يمير الناس العلوم و الحكم، كما كانت الناقة تميرهم السقيا. واما سبب شهادته عليه السلام فكانت قطامة عليها لعنة الله، كما كان السبب فى عقر الناقة الملعونة الزرقاء، و بعد ان استشهد عليه السلام عمدوا الى ولده الحسين عليه السلام وقتلوه، كما قتل اولئك فصيل الناقة، الى غير ذلك من وجوه المناسبة بين قران قاتله عليه السلام مع عاقر الناقة والمشابهة بينهما. وقوله سبحانه: (تتخذون من سهولها) السهل خلاف الجبل، وهو ما ليس فيه مشقة للناس أي تبنون فى سهولها الدور و القصور، وانما اتخذوها فى السهول ليصيفوا فيها (وتنحتون من الجبال بيوتا) قال ابن عباس: كانوا يبنون القصور بكل موضع وينحتون من الجبال بيوتا ليكون مساكنهم فى الشتاء احسن وأدفا. وكانت ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام و كانت عاد باليمن وكانت اعمار ثمود من الف سنة الى ثلاثمائة. واما صالح عليه السلام: فهو صالح بن ثمود بن عاثر بن ارم بن سام بن نوح (ع)
[ 106 ]
(العياشي) عن ابيه عن ابى حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام: قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله سأل جبرئيل عليه السلام كيف كان مهلك قوم صالح ؟ فقال: يا محمد ان صالحا بعث الى قومه وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة لا يجيبونه الى خير وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم، قال يا قوم انى قد بعثت اليكم وانا ابن ست عشر سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة، وانا اعرض عليكم امرين ان شئتم فاسألوني حتى اسأل إلهي فيجيبكم فيما تسألونى، وان شئتم سألت آلهتكم فان اجابتني بالذى اسألها خرجت عنكم فقد شنئتم وشنئتمونى ؟ فقالوا قد انصفت فاتعدوا ليوم
يخرجون فيه، فخرجوا باصنامهم الى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فاكلوا و شربوا، فلما فرغوا دعوه فقالوا يا صالح سل، فدعا صالح كبير اصنامهم، فقال ما اسم هذا ؟ فاخبروه باسمه فناداه باسمه فلم يجب فقالوا ادع غيره فدعا كلها باسمائهم، فلم يجبه واحد منهم، فقال يا قوم قد ترون دعوت اصنامكم فلم يجبنى واحد، منهم فأسالونى حتى ادعو الهى فيجبكم الساعة، فاقبلوا على اصنامهم فقالوا لها ما بالكن لا تجبن صالحا، فلم تجب، فقالوا يا صالح تنح عنا ودعنا واصنامنا. قال فرموا بتلك البسط التى بسطوها وبتلك الانية وتمرغوا فى التراب و قالوا لها لئن لم تجبن صالحا اليوم لتفضحن، ثم دعوه فقالوا يا صالح تعال فسلها، فعاد فسألها فلم تجبه، فقال يا قوم قد ذهب النهار ولا ارى آلهتكم تجيبني، فأسالونى حتى ادعو إلهي فيجيبكم الساعة، فانتدب له سبعون رجلا من كبرائهم فقالوا يا صالح نحن نسألك فقال، أكل هؤلاء يرضون بكم ؟ قالوا نعم، فان اجابك هؤلاء اجبناك قالوا يا صالح نحن نسألك فان اجابك ربك اتبعناك و تابعك جميع قريتنا. فقال لهم صالح سلوني ما شئتم، فقالوا انطلق بنا الى هذا الجبل فانطلق معهم، فقالوا سل ربك ان يخرج لنا الساعة من هذا الجبل ناقة حمراء شديدة الحمرة وبراء عشراء - يعنى حاملا - بين جنبيها ميل، فقال سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي، فسأل الله ذلك. فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه العقول لما سمعوا صوته واضطرب الجبل كما
[ 107 ]
تضطرب المرأة عند المخاض ثم لم يفجأهم الا ورأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت ثم خرج سائر جسدها، فاستوت على الارض قائمة فلما رأوا ذلك، قالوا يا صالح ما اسرع ما اجابك ربك، فاسأله ان يخرج لنا فصيلها فسأل الله ذلك، فرمت به فدب حولها، فقال يا قوم ابقي شىء ؟ قالوا لا فانطلق بنا الى قومنا نخبرهم ما رأيناه ويؤمنوا بك، فرجعوا فلم يبلغ السبعون الرجل إليهم
حتى ارتد منهم اربعة وستون رجلا وقالوا سحر، وثبت الستة وقالوا الحق ما رأيناه، ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقرها. وزاد محمد بن ابى نصر فى حديثه: قال سعيد بن يزيد فاخبرني انه رأى الجبل الذى خرجت منه بالشام، فرأى جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه وجبل آخر بينه وبين هذا ميل. وفى (التهذيب) عن امير المؤمنين عليه السلام قال: ادفنوني فى هذا الظهر فى قبر اخوي هود وصالح عليهما السلام. (وعن ابن عباس) قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو آخذ بيد على (ع) وهو يقول: يا معاشر الانصار انا محمد رسول الله الا انى خلقت من طينة مرحومة فى اربعة من اهل بيتى: انا وعلي وحمزة وجعفر. فقال قائل هؤلاء معك ركبان يوم القيامة ؟ فقال كذلك انه لن يركب يومئذ الا اربعة: انا وعلي وفاطمة وصالح، فاما انا فعلى البراق، و اما فاطمة ابنتى فعلى العضباء، واما صالح فعلى ناقة الله التى عقرت، واما علي فعلى ناقة من نوق الجنة، زمامها من ياقوت عليه حلتان خضراوان فيقف بين الجنة والنار و قد الجم الناس العرق يومئذ فتهب ريح من قبل العرش فتنشف عنهم عرقهم، فيقول الانبياء والملائكة والصديقون ما هذا الا ملك مقرب أو نبى مرسل، فينادى مناد: ما هذا ملك مقرب ولا نبى مرسل ولكنه على بن ابي طالب اخو رسول الله (صلوات الله عليهما فى الدنيا والآخرة). (وفى تفسير على بن ابراهيم) صالح قال لهم: لهذه الناقة شراب - أي تشرب ماؤكم يوما - وتدر لبنها عليكم يوما، فكانت تشرب ماءهم يوما وإذا كان
[ 108 ]
من الغد وقفت وسط قريتهم، فلا يبقى فى القرية احد الا حلب منها حاجته، وكان فيهم تسعة من رؤسائهم يفسدون فى الارض، فعقروا الناقة وقتلوها وقتلوا فصيلها،
فلما عقروا الناقة قالوا لصالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين. قال صالح: (تمتعوا فى داركم ثلاثة ايام) وعلامة هلاككم انه تصفر وجوهكم غدا وتحمر بعد غد وتسود يوم الثالث، فلما كان من الغد نظروا الى وجوههم قد اصفرت فلما كان اليوم الثاني احمرت مثل الدم فلما كان الثالث اسودت وجوههم، فبعث الله عليهم صيحة جبرئيل (ع) صاح بهم صيحة تقطعت بها قلوبهم وخرقت منها اسماعهم فماتوا اجمعين فى طرفة عين، ثم ارسل الله عليهم نارا من السماء فاحرقتهم. (قال) الحسن بن محبوب: حدثني رجل من اصحابنا يقال له سعيد بن زيد فى حديث طويل قال فيه: وكانت مواشيهم تنفر منها لعظمها، فهموا بقتلها، قالوا وكانت امرأة جميلة يقال لها صدوب ذات مال وبقر وغنم، وكانت اشد الناس عداوة لصالح، فدعت رجلا من ثمود يقال له مصدع، وجعلت له على نفسها على ان يعقر الناقة، وامرأة اخرى يقال لها عنيزة، دعت قدار بن سالف وكان احمر ازرق قصيرا وكان ولد زنا ولم يكن لابيه، ولكنه ولد على فراشه، قالت اعطيك أي بناتى شئت على ان تعقر الناقة، فانطلق قدار ومصدع فاستغويا غواة ثمود فاتبعهما سبعة نفر واجمعوا على عقر الناقة. ولما ولد قدار وكبر وجلس مع اناس يصيبون من الشراب فأرادوا ماءا يمزجون به شرابهم وكان ذلك اليوم شرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقة، فاشتد ذلك عليهم فقال قدار هل لكم فى ان اعقرها لكم ؟ قالوا نعم. (وقال كعب) كان سبب عقرهم الناقة ان امرأة يقال لها ملكا كانت قد ملكت ثمودا فلما اقبلت الناس على صالح وصارت الرياسة إليه حسدته، فقالت لأمرأة يقال لها قطام وكانت معشوقة قدار بن سالف ولأمرأة اخرى يقال لها قبال كانت معشوقة مصدع وكان قدار ومصدع يجتمعان معهما كل ليلة ويشربون الخمر فقالت لهما ملكا إن اتاكما الليلة قدار ومصدع فلا تطيعاهما وقولا لهما ان الملكة
[ 109 ]
حزينة لاجل الناقة ولاجل صالح فنحن لا نطيعكما حتى تعقرا الناقة، فلما اتياهما قالتا لهما هذه المقالة فقالا نحن نكون من وراء عقرها، فانطلق قدار ومصدع واصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار فى اصل صخرة فى طريقها وكمن لها مصدع فى اصل اخرى، فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من احسن الناس فاسفرت لقدار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرجت ورغت رغاء واحدة ثم طعنها فى لبتها فنحرها، وخرج اهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه، فلما رأى الفصيل ما فعل بامه ولى هاربا ثم صعد جبلا، ثم رغى رغاء تقطع منه قلوب القوم، واقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه، انما عقرها فلان ولا ذنب لنا، فقال صالح: انظروا هل تدركون فصيلها فان ادركتموه فعسى ان يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه فى الجبل فلم يجدوه. وكانوا عقروا الناقة ليلة الاربعاء، فقال لهم صالح تمتعوا داركم ثلاثة ايام فان العذاب نازل بكم، فصاح بهم جبرئيل عليه السلام تلك الصيحة، وكانوا قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا ان العذاب نازل بهم، فماتوا اجمعين فى طرفة عين، و كان ذلك فى يوم الاربعاء.
[ 110 ]
الباب السادس فى قصص ابراهيم عليه السلام وفيه فصول: الفصل الاول فى علة تسميته وفضائله وسننه ونقش خاتمه
على نبينا وآله وعليه السلام قد ذكر الله سبحانه قصته وبين احواله فى كثير من الآيات والسور، لأنه أبو الانبياء، وثاني اولى العزم، وخليل الرحمن، وكانت الانبياء ينسبون الى دينه. و لذا قال عليه السلام: ما على دين ابراهيم غيرنا و غير شيعتنا. قال الله سبحانه: (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين). (علل الشرايع) مسندا الى الرضا عليه السلام: قال انما اتخذ الله ابراهيم خليلا لانه لم يرد احدا قط، ولم يسأل احدا غير الله عزوجل. (وعن) على عليه السلام قال كان ابراهيم اول من اضاف الضيف واول من شاب فقال ما هذا ؟ فقيل وقار فى الدنيا ونور فى الآخرة. (و قال) الصدوق رحمه الله: سمعت بعض المشائخ من اهل العلم يقول: انه سمي ابراهيم: ابراهيم، لانه هم فبر. و قيل: انه هم بالآخرة فبرء من الدنيا.
[ 111 ]
(وسئل) عن ابى عبد الله عليه السلام: لم اتخذ الله ابراهيم خليلا ؟ قال لكثرة سجوده على الارض. (وعن) محمد بن العسكري (ع): قال انما اتخذ الله عز و جل ابراهيم خليلا لكثرة صلواته على محمد وآل محمد صلوات الله عليهم. (وعنه) صلى الله عليه وآله: ما اتخذ الله ابراهيم خليلا إلا لاطعامه الطعام، وصلواته بالليل والناس نيام. (وعن) ابي جعفر عليه السلام قال: لما اتخذ الله ابراهيم خليلا اتاه ملك الموت ببشارة الخلة فى صورة شاب ابيض، فدخل ابراهيم الدار، فاستقبله خارجا من الدار، وكان ابراهيم رجلا غيورا وكان إذا خرج فى حاجة اغلق بابه واخذ
مفتاحه، فقال: يا عبد الله ما ادخلك دارى ؟ فقال ربها ادخلنيها، فقال ابراهيم ربها احق بها منى، فمن انت ؟ قال ملك الموت. ففزع ابراهيم، فقال جئتني لتسلبني روحي ؟ فقال لا، ولكن اتخذ الله عزوجل خليلا فجئت ببشارته، فقال ابراهيم فمن هذا لعلي اخدمه حتى اموت، قال انت هو، فدخل على سارة، فقال ان الله اتخذني خليلا. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال: لما جاء المرسلون الى ابراهيم عليه السلام، جاءهم بالعجل، فقال كلوا، فقال لا نأكل حتى تخبرنا مأمنه، فقال إذا اكلتم فقولوا بسم الله، وإذا فرغتم فقولوا الحمد لله، فالتفت جبرئيل عليه السلام الى اصحابه وكانوا اربعة، فقال حق الله ان يتخذ هذا خليلا. ولما القي فى النار تلقاه جبرئيل فى الهواء وهو يهوى، فقال يا ابراهيم ألك حاجة ؟ فقال اما إليك فلا. (تفسير على بن ابراهيم) عن ابى عبد الله عليه السلام ان ابراهيم عليه السلام اول من حول له الرمل دقيقا، وذلك انه قصد صديقا له بمصر فى قرص طعام فلم يجده فى منزله، فكره ان يرجع بالجمل خاليا، فملأ جرابه رملا، فلما دخل منزله، خلى بين الجمل وبين سارة، استحياء منها، ودخل البيت ونام، فتحت سارة عن دقيق اجود ما يكون، فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا، فقال ابراهيم من اين لك هذا ؟ فقالت من الدقيق الذى حملته من خليلك المصرى، فقال اما انه
[ 112 ]
من خليلي، وليس بمصري، فلذلك أعطي الخلة فشكر الله وحمده واكل. اقول: هذه اسباب لكونه عليه السلام خليلا، ولا تكون الخلة الا مع اجتماع تلك الخصال كلها. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة دعى محمد صلى الله عليه وآله فيكسى حلة وردية، ثم يقام عن يمين العرش ثم يدعى بابراهيم عليه السلام فيكسى
حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش، ثم يدعى بعلي عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين النبي صلى الله عليه وآله، ثم يدعى باسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار ابراهيم عليه السلام، ثم يدعى بالحسن عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين امير المؤمنين عليه السلام، ثم يدعى بالحسين فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين الحسن عليه السلام، ثم يدعى بالائمة عليهم السلام فيكسون حللا وردية فيقام كل واحد عن يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة فيقومون امامهم ثم يدعى بفاطمة عليها السلام ونسائها من ذريتها وشيعتها، فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم ينادى مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة: فنعم الاب ابوك يا محمد وهو ابراهيم ونعم الاخ اخوك وهو على بن ابى طالب، ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين، ونعم الجنين جنينك وهو محسن، ونعم الائمة الراشدون ذريتك وهم فلان وفلان، ونعم الشيعة شيعتك. ثم يؤمر بهم الى الجنة. (وعن) علي عليه السلام قال: كان الرجل يموت وقد بلغ الهرم ولا يشيب فكان الرجل يأتي النادى فيه الرجل وبنوه فلا يعرف الأب من الابن، فيقول ايكم ابوكم ؟ فلما كان زمن ابراهيم عليه السلام قال اللهم اجعل لي شيئا اعرف به، فشاب وابيض رأسه ولحيته. (قصص الانبياء) للراوندي من علماء الامامية قال: كان فى عهد ابراهيم عليه السلام رجل يقال له ماريا بن آوى قد اتت عليه ستمائة وستون سنة وكان يكون فى غيضته له بينه وبين الناس خليج من ماء غمر، وكان يخرج الى الناس فى كل ثلاث سنين، فيقيم فى الصحراء فى محراب يصلي فيه، فخرج ذات يوم فإذا هو بغنم
[ 113 ]
كان عليها الدهن فاعجب بها وفيها شاب كأن وجهه شقة قمر طالع، فقال يا فتى لمن هذه الغنم ؟ قال لابراهيم خليل الرحمن، قال فمن انت ؟ قال انا ابنه اسحاق، فقال
ماريا فى نفسه: اللهم ارنى عبدك وخليلك حتى اراه قبل الموت، ثم رجع الى مكانه ورفع اسحاق خبره الى ابيه، فكان ابراهيم يتعاهد ذلك المكان ويصلى فيه، فسأله ابراهيم عن اسمه وما اتى عليه من السنين فخبره، فقال اين تسكن ؟ قال فى غيضة. قال ابراهيم انى احب ان آتى موضعك فانظر إليه وكيف عيشك فيها، فقال انى ايبس من الثمار الرطب ما يكفيني الى قابل لا تقدر ان تصل الى ذلك الموضع فانه خليج وماء غمر. فقال له ابراهيم فما لك - معبر ؟ قال لا. قال كيف تعبر ؟ قال امشى على الماء. قال ابراهيم لعل الذى سخر لك الماء يسخره لى للعبور. فانطلقا وبدا ماريا فوضع رجله على الماء وقال: بسم الله. وقال ابراهيم: بسم الله. فالتفت ماريا وإذا ابراهيم يمشي كما يمشي هو، فتعجب من ذلك، فدخل الغيضة واقام معه ابراهيم عليه السلام ثلاثة ايام لا يعلمه من هو، ثم قال له ماريا ما احسن موضعك، هل لك ان تدعو الله ان يجمع بيننا فى هذا الموضع. فقال ما كنت لافعل. قال ولم ؟ قال لأني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين فلم يجبنى فيها. قال وما الذى دعوته ؟ فقص عليه خبر الغنم و اسحاق فقال ابراهيم قد استجاب لك، انا ابراهيم. فقام وعانقه فكانت اول معانقة. (نوادر الراوندي) باسناده عن الكاظم عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اول من قاتل فى سبيل الله ابراهيم الخليل عليه السلام حيث اسرت الروم لوطا (ع) فنفر ابراهيم عليه السلام واستنقذه من ايديهم. واول من اختتن ابراهيم عليه السلام اختتن بالقدوم على رأس ثمانين سنة. اقول: يحمل هذا الاختتان وما روي بمعناه من الاخبار على التقية، كما ورد فى حديث آخر و الوارد فى اكثر الاخبار ان الانبياء عليهم السلام يولدون مختونين. وفى بعضها: ان غلفهم وسررهم تسقط يوم السابع، ويمكن التوفيق بحمل
[ 114 ]
الاول على اولى العزم منهم، والثانى على غيرهم. وقيل: بامكان ما يبقى من الغلف شىء يسقط يوم السابع. (تفسير العياشي) عن الصادق عليه السلام قال: إذا سافر احدكم فليأت اهله بما تيسر ولو بحجر، فان ابراهيم عليه السلام ضاف ضيفا فأتى قومه فوافق منهم قحطا شديدا، فرجع كما ذهب، فلما قرب من منزله نزل عن حماره، فملأ خرجه رملا اراد ان يسكن به روع زوجته سارة، فلما دخل منزله حط الخرج عن الحمار وافتتح العلوفة، فجاءت سارة ففتحت الخرج فوجدته مملوءا دقيقا، فاختبزت منه وقالت لابراهيم انفتل من صلاتك وكل، فقال لها من اين لك هذا ؟ قالت من الدقيق الذى فى الخرج، فرفع رأسه الى السماء فقال اشهد انك الخليل. (وعنه) عليه السلام قال: لقد كانت الدنيا وما كان فيها الا واحدا يعبد الله ولو كان معه غيره إذا لأضافه إليه، حيث يقول (ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين)، فصبر بذلك ما شاء الله، ثم ان الله تبارك و تعالى آنسة باسماعيل واسحاق، فصاروا ثلاثة. (وعنه) عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عليه السلام عبدا قبل ان يتخذه نبيا، وان الله تعالى اتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا، وان الله تعالى اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا، و ان الله تعالى اتخذه خليلا قبل ان يجعله اماما فلما جمع له الاشياء قال: (انى جاعلك للناس اماما). قال فمن عظمها فى عين ابراهيم قال ومن ذريتي ؟ قال لا ينال عهدي الظالمين، قال لا يكون السفيه امام التقى. (وعنه) عليه السلام: اول من اتخذ النعلين ابراهيم عليه السلام. (وعن) ابي جعفر عليه السلام: قال كان الناس يموتون فجأة، فلما كان زمن ابراهيم عليه السلام قال يا رب اجعل الموت علة يؤجر بها الميت ويسلي بها عن المصائب فأنزل الله عزوجل البرسام ثم انزل بعده الداء. (نوادر الراوندي) عن الكاظم عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ان الولدان تحت عرش الرحمن يستغفرون لآبائهم يحضنهم ابراهيم عليه السلام
[ 115 ]
وتربيهم سارة فى جبل من مسك وعنبر وزعفران. اقول: اولاد المؤمنين الذين يموتون اطفالا ورد فى بعض الاخبار ان الزهراء (ع) تربيهم فى الجنة حتى يأتي أبواهم أو واحد من اقاربهم فتدفعه إليهم. وفى بعضها: ان بعض شجر الجنة له اخلاف كاخلاف البقر يرتضع منه اطفال المؤمنين الذين يموتون رضعانا حتى يكبروا، فيدفعوا الى آبائهم، والتوفيق بين الاخبار تارة بأن بعضهم تربيهم الزهراء عليها السلام، والآخر يحضنهم ابراهيم وسارة واخرى بان اطفال العلويين من اولادها عليهم السلام هي التى تربيهم واطفال باقى المؤمنين يوكل الى غيرها. واما نقش خاتمه عليه السلام فقد تقدم. الفصل الثاني فى بيان ولادته عليه السلام وكسر الاصنام وحال أبيه وما جرى له مع فرعون قال الله سبحانه: (الم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه ان آتاه الله الملك إذ قال ابراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال انا احيى واميت قال ابراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) أي لم ينته علمك الذى حاج ابراهيم - أي خاصمه وهو نمرود بن كنعان وهو اول من تجبر وادعى الربوبية وهذه المحاجة. (روي) عن الصادق عليه السلام: انها بعد إلقائه فى النار، وقوله: (ان آتاه الله الملك) أي محاجته ومخاصمته مع ابراهيم طغيانا وبغيا، باعتبار الملك الذى آتاه الله والملك هنا عبارة عن نعيم الدنيا وهو بهذا المعنى يجوز ان يعطيه الله الكافر
والمؤمن. واما الملك بمعنى تمليك الامر والنهي وتدبير امور الناس وايجاب الطاعة على الخلق، فلا يجوز ان يؤتيه الله إلا من يعلم انه يدعو الى الصلاح والسداد
[ 116 ]
والرشاد ولايكون الا للنبي واهل بيته الطاهرين العالمين بما يحتاج إليه الامة من اول امرها الى آخرها. وقد ذكرت فى بعض مؤلفاتي مباحثة مع بعض علماء العامة قلت له: الشيطان يأمر بكل منكر وينهى عن كل معروف، قال نعم قلت الامام يجب ان يكون نقيضا للشيطان يأمر بما ينهى عنه الشيطان وينهى عما يأمر به الشيطان، فقال نوافق على هذا القول، فقلت وهذا لا يكون الا إذا كان الامام عالما بجميع الاوامر والنواهي الالهية وإلا كان الشيطان اعلم منه، ولم يكن على طرف النقيض مع الشيطان ومن ادعيتم لهم الامامة ليسوا على هذه الصفة بالاجماع على ما تواتر من قول الثاني: كل الناس أفقه منى، حتى المخدرات فى الحجاب، وقول الاول عند اغاليطه: ان لي شيطانا يعترينى، إذا زغت فقوموني وإذا ملت فسددوني. واما الثالث: فحاله فى الجهل اوضح من ان يذكر، فعلى هذا الملك الذى وثبوا عليه وتقصموه لم يكن ملك اتاهم الله، حتى اوجب على الناس طاعتهم، مع انه لو كان الامر كذلك يلزم الحرج على المكلفين، لأن الاول في زمن خلافته ذهب الى مذاهب وفتاوى فى الاحكام لم يذهب إليها الثاني وعمل بضدها: فكيف يجب متابعة الرجلين مع ما بينهما من التضاد والخلاف في الأقوال والأفعال. (وروي) فى تفسير قوله تعالى: (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) انه قال رجل للصادق (ع) ملك بني امية اهو من الله تعالى ؟ فقال عليه السلام: انه ملك لنا من الله ولكن بنو امية وثبوا عليه وغصبوه منا، كمن كان له ثوب فجاء رجل فغصبه منه ولبسه، فبلبسه له لم يصر ملكا له ولا ثوبه،
و المراد بالملك هنا هو معناه الثاني، واما الملك بمعناه الأول فلا مانع من تمكين الله سبحانه لهم منه كما اعطى ملوك الكفار والسلاطين الظالمين وكانوا من الفريقين. وقوله: (والذى يحيى ويميت) المراد بالاماتة هنا اخراج الروح من بدن الحي من غير جرح ولا نقص بنية ولا احداث فعل يتصل بالبدن من جهته، وهذا خارج عن قدرة البشر.
[ 117 ]
وقوله: (انا احيى) بالتخلية من الحبس، (واميت) بالقتل، وهذا جهل منه لانه اعتمد فى المعارضة على العبارة فقط دون المعنى عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع الذى ينفرد سبحانه به، ولا يقدر عليه سواه فبهت الذى كفر - أي تحير عن الانقطاع بما بان له من ظهور الحجة. فان قيل: فهلا قال له نمرود فليأت بها ربك من المغرب. قيل: انه لما رأى الآيات علم انه لو اقترح ذلك لأتى به تصديقا لابراهيم، فكان يزداد بذلك فضيحة، على ان الله سبحانه خذله، ولطف لابراهيم (والله لا يهدي القوم الظالمين) بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد. (عن ابن عباس) ان الله سبحانه سلط على نمرود بعوضة فعضت شفته، فأهوى إليها ليأخذها فطارت فى منخره، فذهب ليستخرجها، فطارت في دماغه، فعذبه الله بها اربعين ليلة، ثم اهلكه. (تفسير علي بن ابراهيم) باسناده الى الباقر عليه السلام انه قال: ليهنئكم الاسم، قيل ما هو ؟ قال (وانه من شيعته لابراهيم) وقوله: فاستغاثه الذى من شيعته على الذي من عدوه ليهنئكم الاسم. (اقول) الشيعة اسم تسمى الشيعة به ولقبوا به انفسهم. واما الرافضة فاسم سمانا به المخالفون، وجاء فى الحديث انه اسم للمؤمنين من قوم موسى سموا به لانفسهم رفضوا فرعون وقومه فذخر الله سبحانه هذا الاسم لنا معاشر الشيعة.
(وفيه) عن ابى عبد الله عليه السلام: ان آزر ابا ابراهيم عليه السلام كان منجما لنمرود بن كنعان، فقال له انى أرى في حساب النجوم ان هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو الى دين، فقال له نمرود فى أي بلاد يكون ؟ قال فى هذه البلاد، ولم يخرج بعد الى الدنيا قال ينبغى ان نفرق بين الرجال والنساء ففرق، وحملت ام ابراهيم بابراهيم ولم يظهر حملها. فلما حانت ولادتها قالت يا آزر انى قد اعتللت واريد ان اعتزل عنك، وكانت فى ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها، فاعتزلت في غار، ووضعت ابراهيم وقمطته، ورجعت الى
[ 118 ]
منزلها وسدت باب الغار بالحجارة، فأجرى الله لابراهيم لبنا من ابهامه، وكانت تأتيه امه، ووكل نمرود بكل امرأة حامل، فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت ام ابراهيم بابراهيم من الذبح، وكان يشب ابراهيم فى الغار يوما كما يشب غيره فى الشهر، حتى اتى له في الغار ثلاث عشر سنة، فلما كان بعد ذلك زارته امه، فلما ارادت ان تفارقه تشبث بها، فقال يا امي اخرجيني، فقالت يا بني ان الملك ان علم انك ولدت فى هذا الزمان قتلك. فلما خرجت امه من الغار وقد غابت الشمس، نظر الى الزهرة فى السماء فقال هذا ربى فلما غابت الزهرة فقال لو كان ربى، ما زال ولا برح، ثم قال لا احب الآفلين، - والآفل الغائب - فلما نظر الى المشرق وقد طلع القمر، قال هذا ربى هذا اكبر واحسن، فلما تحرك وزال قال: (لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين) فلما اصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها فى الدنيا، قال هذا اكبر واحسن، فلما تحركت وزالت، كشف الله عن السماوات حتى رأى العرش واراه الله ملكوت السماوات والارض. فعند ذلك (قال يا قوم إنى بريء مما تشركون. انى وجهت وجهى للذى فطر السماوات والارض حنيفا مسلما وما انا من المشركين) فجاء الى امه وادخلته دارها وجعلته بين اولادها.
فنظر إليه آزر فقال من هذا الذى بقى فى سلطان الملك والملك يقتل اولاد الناس ؟ قالت هذا ابنك ولدته وقت كذا و كذا حين اعتزلت. فقال ويحك ان علم الملك هذا نزلت منزلتنا عنده. وكان آزر صاحب امر نمرود ووزيره وكان يتخذ الاصنام له وللناس، ويدفعها الى ولده فيبيعونها، فقالت ام ابراهيم لا عليك ان لم يشعر الملك به بقى لنا، وان شعر به كفيتك الاحتجاج عنه. وكان آزر كلما نظر الى ابراهيم احبه حبا شديدا، وكان يدفع إليه الاصنام ليبيعها كما يبيع اخوته فكان يعلق فى اعناقها الخيوط ويجرها على الارض، ويقول من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه، و يغرقها فى الماء والحمام ويقول لها تكلمي، فذكر اخوته ذلك لابيه فنهاه، فلم ينته، فحبسه ولم يدعه يخرج، (فحاجه قومه فقال ابراهيم اتحاجوني فى الله وقد هدان...).
[ 119 ]
(وقال " ع ") فى اول يوم من ذي الحجة ولد ابراهيم خليل الرحمان (ع) (وفيه) انه خرج نمرود وجميع اهل مملكتهم الى عيد لهم. وكره ان يخرج ابراهيم عليه السلام معهم، فوكله ببيت الاصنام، فلما ذهبوا عمد ابراهيم الى طعام فأدخله بيت اصنامهم، فكان يدني صنم من صنم فيقول له كل وتكلم، فإذا لم يجبه اتخذ القدوم فكسر يده ورجله، حتى فعل ذلك بجميع الاصنام، ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذى كان فى الصدر، فلما رجع الملك ومن معه من العبيد نظروا الى الاصنام متكسرة، فقالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين فقالوا هاهنا فتى يذكرهم، يقال له ابراهيم وهو ابن آزر، فجاؤوا به الى نمرود، فقال نمرود لآزر خنتني وكتمت هذا الولد عني ؟ فقال ايها الملك هذا عمل امه، وذكرت انها تقوم بحجته. فدعا نمرود ام ابراهيم، فقال لها ما حملك على ان كتمتيني امر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل ؟ فقالت ايها الملك نظرا مني
لرعيتك. فقال وكيف ذلك ؟ قالت لأني رأيتك تقتل اولاد رعيتك، فكان يذهب النسل، فقلت ان كان هذا الذي يطلبه دفعته ليقتله، و يكف عن اولاد الناس وان لم يكن ذلك فبقى لنا ولدنا، وقد ظفرت به، فشأنك. فكف عن اولاد الناس بصواب رأيها، ثم قال لابراهيم من فعل هذا بآلهتنا ؟ (قال فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون). فقال الصادق عليه السلام: ما فعله كبيرهم وما كذب ابراهيم: لانه انما قال فعله كبيرهم هذا، ان نطق و ان لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا، فاستشار نمرود قومه فى ابراهيم فقالوا له احرقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين. فقال الصادق عليه السلام: كان فرعون ابراهيم واصحابه لغير رشدة فانهم قالوا لنمرود احرقوه، وكان فرعون موسى واصحابه لرشدة فانه لما استشار اصحابه فى موسى، (قالوا إرجه واخاه وارسل فى المدائن حاشرين. ياتوك بكل ساحر عليم) فحبس ابراهيم وجمع له الحطب، حتى إذا كان اليوم الذي القى فيه نمرود
[ 120 ]
ابراهيم فى النار برز نمرود وجنوده وكان بني لنمرود بناءا ينظر منه الى ابراهيم كيف تأخذه النار، فجاء ابليس واتخذ لهم المنجنيق لانه لم يقدر احد ان يتقارب منها، وكان الطائر من مسيرة فرسخ يحترق فوضع ابراهيم في المنجنيق، وجاء ابوه فلطمه لطمة وقال ارجع عما انت عليه، ولم يبق شىء الا طلب الى ربه، وقالت الارض يا رب ليس على ظهري احد يعبدك غيره فيحرق ؟ وقالت الملائكة يا رب خليلك ابراهيم يحرق. فقال الله عزوجل اما انه ان دعاني كفيته. وقال جبرئيل يا رب خليلك ليس فى الارض احد يعبدك غيره سلطت عليه عدوه يحرقه بالنار ؟ فقال اسكت، انما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي آخذه إذا شئت، فان دعاني اجبته. فدعا ابراهيم عليه السلام ربه بسورة الاخلاص: يا الله يا واحد
يا احد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد و لم يكن له كفوا احد نجني من النار برحمتك. قال فالتقى معه جبرئيل في الهواء، وقد وضع في المنجنيق، فقال يا ابراهيم هل لك إلي من حاجة ؟ فقال ابراهيم اما اليك فلا، واما الى رب العالمين فنعم. فدفع إليه خاتما عليه مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله ألجأت ظهرى الى الله واسندت امري الى الله وفوضت امري الى الله، فأوحى الله الى النار (كوني بردا وسلاما) فاضطربت اسنان ابراهيم من البرد حتى قال (سلاما على ابراهيم) فانحط جبرئيل و جلس معه يحدثه فى النار وهو فى روضة خضراء، ونظر إليه نمرود فقال من اتخذ إلها فليتخذ إلها مثل إله ابراهيم فقال عظيم من عظماء اصحاب نمرود انى عزمت على النار ان تحرقه فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه ونظر نمرود الى ابراهيم فى روضة خضراء فى النار مع شيخه يحدثه، فقال لآزر ما اكرم ابنك على ربه، قال وكان الوزغ ينفخ في نار ابراهيم وكان الضفدع يذهب بالماء ليطفىء به النار. قال ولما قال الله تبارك وتعالى للنار (كوني بردا وسلاما) لم يعمل النار فى الدنيا ثلاثة ايام (ونجيناه ولوطا الى الارض التى باركنا حولها للعالمين) الى الشام وسواد الكوفة. اقول: قال الرازي اختلفوا في ان النار كيف بردت على ثلاثة اوجه:
[ 121 ]
احدها - ان الله تعالى ازال منها ما فيها من الحر والاحراق و ابقى ما فيها من الاضاءة والاشراق. وثانيها - الله سبحانه خلق فى جسم ابراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم فى الآخرة، كما انه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة بدن السمندر وبحيث لا يضره المكث في النار. وثالثها - انه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول النار إليه. قال المحققون: والاول أولى لان ظاهر قوله (يا نار كوني بردا) ان نفس
النار صارت باردة. (وعنه) صلى الله عليه وآله: انه لما القى ابراهيم فى النار نزل جبرئيل (ع) بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص واقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه. (وفى التفسير): أنه لما القى نمرود ابراهيم عليه السلام فى النار وجعلها الله بردا وسلاما قال نمرود يا ابراهيم من ربك ؟ قال ربى الذى يحيى ويميت قال له نمرود أنا احيي واميت، قال ابراهيم كيف تحيي وتميت ؟ قال اعمد الى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل، فأطلق عن واحد واقتل واحدا فكنت أمت واحييت، فقال ابراهيم ان كنت صادقا فأحيى الذى قتلته، ثم قال دع هذا فان ربى يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال: ملك الارض كلها اربعة: مؤمنان وكافران، فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين عليهما السلام، و الكافران نمرود وبخت نصر، واسم ذى القرنين عبد الله بن ضحاك بن معد. وأول منجنيق عمل فى الدنيا منجنيق عمل لابراهيم عليه السلام بسور الكوفة في نهر يقال له كوفى وفي قرية يقال لها قنطانا. (علل الشرايع) سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل: (يوم يفر المرء من اخيه * وامه و ابيه * وصاحبته وبنيه) من هم فقال عليه السلام: قابيل يفر من هابيل. والذى يفر من امه موسى. والذى يفر من ابيه ابراهيم. والذى يفر من صاحبته لوط. و الذى يفر من ابنه نوح، يفر من ابنه كنعان.
[ 122 ]
اقول: قال الصدوق طاب ثراه: ان موسى عليه السلام يفر من امه خوفا ان لا يعرفها حق تربيتها له وقيل: انها كانت مرضعة ترضعه في بيت فرعون قبل وقوعهم على امه وكانت كافرة. واما أبو ابراهيم فالمراد عمه، والا فأبوه تارخ كان من المسلمين. (وعن) ابى عبد الله (ع): انه لما اضرمت النار على ابراهيم (ع) شكت
هوام الارض الى الله عزوجل واستأذنته ان تصب عليها الماء. فلم ياذن الله عزوجل لشىء منها الا الضفدع، فاحترق منه الثلثان وبقى منه ثلث. (وعن) اسحاق بن عمار، عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال: يا ابا اسحاق ان فى النار لواديا يقال له سقر، لم يتنفس منذ خلقه الله، وان اهل النار ليتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه و قذره، وما أعد الله فيه لاهله، وان لذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع اهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما اعد الله فيه لأهله وان في الجبل لشعبا يتعوذ جميع اهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما اعد الله فيه، وان في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ اهل ذلك الشعب من حر ذلك الشعب و نتنه وقذره وما اعد الله فيه لأهله، وان فى ذلك القليب لحية يتعوذ أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها وما اعد الله في انيابها من السم لأهلها، وان في جوف تلك الحية لسبع صناديق فيها خمسة من الامم السالفة، و اثنان من هذه الامة. قال: قلت جعلت فداك من الخمسة ومن الاثنان ؟ قال: فأما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل، ونمرود الذى حاج ابراهيم فى ربه، وفرعون الذى قال أنا ربكم الاعلى، ويهودا الذى هود اليهود، وبولس الذي نصر النصارى ومن هذه الامة أعرابيان. اقول: يعنى به: الاول والثانى، وسماهما اعرابيان لما فيهما من الجفاء. وعن الرضا عليه السلام قال: لما رمي ابراهيم في النار دعا الله بحقنا، فجعل الله النار عليه بردا وسلاما. وقال (ع): لما ألقاه الله في النار انبت الله فى حواليه من الاشجار الخضرة النضرة النزهة وانبت حوله من انواع الاشجار ما لا يوجد فى الفصول الاربعة من السنه.
[ 123 ]
(كتاب المحاسن) رفعه الى علي بن الحسين عليه السلام: ان هاتفا هتف به
فقال يا علي بن الحسين أي شىء كانت العلامة بين يعقوب ويوسف ؟ فقال لما قذف ابراهيم في النار، هبط جبرئيل عليه السلام بقميص فضة فالبسه إياه. ففرت عنه النار و نبت حوله النرجس، فأخذ ابراهيم عليه السلام القميص فجعله في عنق اسحاق فى قصبة من فضة وعلقها اسحاق في عنق يعقوب وعلقها يعقوب في عنق يوسف (ع) فقال له: ان نزع هذا القميص من بدنك علمت انك ميت أو قد قتلت. فلما دخل عليه اخوته اعطاهم القصبة واخرجوا القميص فاحتملت الريح رائحته فألقته على وجه يعقوب بالأردن، فقال: (انى لأجد ريح يوسف لولا ان تفندون). (العياشي) عن الحرث عن علي بن ابي طالب (ع) قال: ان نمرود اراد ان ينظر الى ملك السماء، فأخذ نسورا اربعة فرباهن، وجعل تابوتا من خشب وادخل فيه رجلا ثم شد قوائم النسور بقوائم التابوت ثم جعل فى وسط التابوت عمودا وجعل فى رأس العمود لحما، فلما رأين النسور اللحم طرن بالتابوت والرجل فارتفعن فمكث ما شاء الله، ثم ان الرجل اخرج من التابوت رأسه فنظر الى السماء فإذا هي على حالها ونظر الى الارض فإذا هو لا يرى الجبال الا كالذر، ثم مكث ساعة فنظر الى السماء فإذا هي على حالها ونظر الى الارض فإذا هو لا يرى الا الماء، ثم مكث ساعة فنظر الى السماء فإذا هي على حالها ونظر الى الارض فإذا هو لا يرى شيئا، ثم وقع فى ظلمة لم ير ما فوقه وما تحته، ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضات، فلما نظرت الجبال اليهن وقد أقبلت منقضة وسمعت حفيفهن فزعت و كادت ان تزول مخافة أمر السماء وهو قول الله: (وان كان مكرهم لتزول منه الجبال). (الكافي) باسناده الى ابى عبدالله عليه السلام قال ان ابراهيم (ع) كان مولده بكوثا - يعني قرية من قرى الكوفة - وكان ابوه من أهلها وكانت ام ابراهيم وام لوط اختين وهما ابنتان للآحج، وكان الآحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا، وان ابراهيم لزوج سارة وهى ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وارض
واسعة وحال حسنة فملكته ابراهيم عليه السلام، فقام فيه واصلحه. ولما كسر اصنام
[ 124 ]
نمرود، وامر باحراقه ولم يحترق، امرهم ان ينفوه من بلاده وان يمنعوه من الخروج بما يشتهيه وماله فحاجهم ابراهيم فقال: ان اخذتم ماشيتي و مالي فان حقي عليكم ان تردوا علي ما ذهب من عمري فى بلادكم، واختصموا إلى قاضي نمرود. فقضى ان الحق لابراهيم فخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله فأخرجوا ابراهيم ولوطا معه من بلادهم الى الشام الى بيت المقدس، فعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليه الاغلاق، غيرة منه عليها ومضى حتى خرج من سلطان نمرود. ودخل في سلطان رجل من القبط يقال له عرارة، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه. فقال العاشر لابراهيم افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه. فقال ابراهيم: قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطيك عشره ولا تفتحه. فأبى العاشر الا فتحه، وغضب ابراهيم عليه السلام. فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر: ما هذه منك ؟ قال ابراهيم: هي حرمتي وابنة خالتي. فقال له العاشر: لست ادعك تبرح حتى اعلم الملك حالها وحالك، فبعث رسولا الى الملك فأعلمه، فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت. فقال ابراهيم عليه السلام: لا افارق التابوت. فحملوه مع التابوت الى الملك فقال له: افتح التابوت فقال ابراهيم: ان فيها حرمتي وابنة خالتي وانا مفتد لا افتحه بجميع ما معي. فغضب الملك على ابراهيم لعدم فتحه فلما رأى سارة لم يملك حلمه ان مد يده إليها. فأعرض ابراهيم وجهه عنه وعنها غيرة وقال: اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي. فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه. فقال له الملك: ان إلهك هو الذي فعل بي هذا ؟ فقال نعم ان إلهي غيور يكره الحرام فقال له الملك: فادع إلهك ان يرد علي يدي فان اجابك فلم اتعرض لها فقال ابراهيم: إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي. فرد الله عزوجل عليه يده، فأقبل الملك عليها ببصره ثم عاد بيده
نحوها فأعرض ابراهيم غيرة وقال: اللهم احبس يده عنها فيبست يده ولم تصل إليها فقال الملك لابراهيم ان إلهك لغيور وانك لغيور، فادع إلهك يرد علي يدي فانه ان فعل لم اعد افعل. فقال ابراهيم أسأله ذلك على انك ان عدت لم تسألني ان اسأله فقال له الملك نعم فقال ابراهيم اللهم ان كان صادقا فرد عليه يده، فرجعت إليه.
[ 125 ]
فلما رأى الملك ذلك عظم ابراهيم عنده وأكرمه واتقاه، وقال له انطلق حيث شئت ولكن لي اليك حاجة وهو أن تأذن لي ان اقدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما. فاذن له ابراهيم فوهبها لسارة وهى هاجر أم اسماعيل. فسار ابراهيم بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف ابراهيم اعظاما له وهيبة، فأوحى الله تبارك وتعالى الى ابراهيم ان قف ولا تمش قدام الجبار ولكن اجعله امامك وعظمه فانه مسلط ولابد من آمر في الارض بر أو فاجر. فوقف ابراهيم (ع) وقال للملك امض فان إلهي أوحى الى الساعة: ان اعظمك واهابك وان اقدمك أمامي وامشي خلفك. فقال له الملك: اشهد ان إلهك لرقيق حليم كريم وانت ترغبني في دينك فودعه الملك. وسار ابراهيم حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطا عليه السلام في ادنى الشامات. ثم ان ابراهيم (ع) لما ابطأ عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتيني هاجر لعل الله يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا ؟ فابتاع ابراهيم هاجر من سارة عليها السلام فوقع عليها فولدت اسماعيل (ع). اقول: بقي فى هذا المقام امور لا بد من التنبيه عليها: الامر الأول: اختلف علماء الاسلام في أب ابراهيم عليه السلام قال الرازي في تفسير قوله تعالى (واذ قال ابراهيم لأبيه آزر) ظاهر هذه الآية تدل على ان اسم والد ابراهيم (ع) هو آزر. ومنهم من قال: اسمه تارخ. قال الزجاج: الاختلاف بين النسابين ان اسمه تارخ ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن وذكر له وجوها: منها - ان والد ابراهيم عليه السلام كان تارخ وآزر كان عما له. والعم قد
يطلق عليه لفظ الأب كما حكى الله عن اولاد يعقوب انهم قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق). ومعلوم ان اسماعيل كان عما ليعقوب وقد اطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا. ثم قال: قالت الشيعة: ان احدا من آباء رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان كافرا. وذكروا. ان آزر كان عمه. واحتجوا على قولهم بوجوه الحجة الاولى ان آباء نبينا ما كانوا كفارا لوجوه:
[ 126 ]
منها: قوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين). يعني انه كان ينقل روحه من ساجد، الى ساجد ويدل عليه ايضا قوله صلى الله عليه وآله: لم ازل انقل من اصلاب الطاهرين الى ارحام الطاهرات. وقوله تعالى: (انما المشركون نجس) فلا يكون احد اجداده منهم. وايضا اجمع الامامية رضوان الله عليهم على اسلام والد ابراهيم عليه السلام. و حينئذ فالأخبار الدالة على انه كان مشركا أباه حقيقة محمولة على التقية. الأمر الثاني - فى قول ابراهيم اني سقيم، واختلف في معناه على اقوال: احدها - انه نظر في النجوم، فاستدل بها على وجه حمى كانت تعتوره فقال إنى سقيم أي حضر وقت ذلك المرض - فكأنه قال: انى سأسقم. وثانيها - انه نظر في النجوم كنظرهم، لانهم يتعاطون علم النجوم فأوهمهم انه يقول بمثل قولهم، فقال عند ذلك اني سقيم، فتركوه ظنا منهم ان نجمه يدل على سقمه. وثالثها - ان يكون الله أعلمه بالوحي انه سيسقمه في وقت مستقبل وجعل العلامة على ذلك، اما طلوع نجم على وجه مخصوص أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص. فلما رأى ابراهيم عليه السلام تلك الامارة: قال اني سقيم. تصديقا لما
اخبره الله تعالى سبحانه. ورابعها - ان معنى قوله: اني سقيم - أي سقيم القلب - أو الرأي حزنا من اصرار القوم على عبادة الاصنام، ويكون على ذلك معنى نظره في النجوم فكرته في انها محدثة مخلوقة، فكيف ذهب على العقلاء حتى عبدوها. والذى ورد في الاخبار هو انه (ع) اوهمهم بالنظر في النجوم لموافقتهم وقال اني سقيم تورية. وجاء في الأخبار تجويز الكذب والتورية لأجل التقية. (وفي) حديث صحيح انه قال: اني سقيم، يعني بما يفعل بالحسين عليه السلام، لأنه عرفه من علم النجوم، يعني من نجم الحسين (ع)، لأن الانبياء والائمة (ع) كل واحد له نجم في السماء ينسب إليه، كما ورد في الحديث: ان زحل نجم
[ 127 ]
أمير المؤمنين عليه السلام، فلا يقال انه نحس، كما يقوله الناس. الأمر الثالث - قوله عليه السلام: (هذا ربي). وقيل: في تأويله وجوه: الأول - انه عليه السلام انما قال عند كمال عقله في زمان مهلة النظر فانه تعالى لما أكمل عقله وحرك دواعيه على الفكر والتأمل و رأى الكوكب فأعظمه نوره وقد كان قومه يعبدون الكواكب، فقال هذا ربي على سبيل الفكر، فلما غاب علم ان الأفول لا يجوز على الآله. فاستدل بذلك على انه محدث مخلوق، وكذلك كان حاله في رؤية القمر والشمس قال في آخر كلامه: يا قوم اني بريء مما تشركون. وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى و علمه بان صفات المحدثين لا تجوز عليه وفي بعض الاخبار ايماءا إليه. الثاني - انه كان عارفا بعدم صلاحيتها للربوبية ولكن قال ذلك في مقام الاحتجاج على عبدة الكواكب على سبيل الفرض الشائع عند المناظرة فكأنه اعاد كلام الخصم ليلزم عليه المحال. ويؤيده بعد ذلك (وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم).
الثالث - ان يكون المراد: هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ونظيره ان يقول الموحد للمجسم ان إلهه جسم محدود - أي في زعمه واعتقاده - وقوله تعالى: (وانظر الى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا). الرابع - ان يكون المراد منه الاستفهام على سبيل الانكار. الخامس - ان يكون القول مضمرا أي يقولون هذا ربي. السادس - ان يكون قوله ذلك على سبيل الاستهزاء كما يقال الدليل ساد قوما هذا سيدكم على وجه الهزء. السابع - انه صلوات الله عليه اراد ان يبطل قولهم بربوبية الكواكب الا انه كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل انه لو صرح بالدعوة إلى الله لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه فمال إلى طريق يستدرجهم به الى استماع الحجة. وذلك بأنه ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم مع ان قلبه كان مطمئنا بالايمان فكأنه بمنزلة المكره على إجزاء كلمة الكفر على
[ 128 ]
اللسان على وجه المصلحة لاحياء الخلق بالايمان. الامر الرابع: وجه الاستدلال بالأفول على عدم صلاحيتها للربوبية. (قال الرازي): الافول عبارة عن غيبوبة الشيء بعد ظهوره. وإذا عرفت هذا فلسائل ان يقول الافول انما يدل على الحدوث من حيث انه حركة وعلى هذا يكون الطلوع ايضا دليلا على الحدوث فلم ترك ابراهيم (ع) الاستدلال على حدوثها بالطلوع وعول في اثبات هذا المطلوب على الافول. (والجواب): انه لاشك ان الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث والا ان الدليل الذي يحتج به الانبياء في معروض دعوة الخلق كلهم الى الآله لابد وان يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل و دلالة الحركة على الحدوث وان كانت يقينية إلا انها دقيقة لا يعرفها الا الأفاضل من
الخلق. واما دلالة الافول فكانت على هذا المقصود، وايضا قال بعض المحققين: الهوى في حظيرة الامكان. اقول: واحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الاوساط وحصة العوام، فان الخواص يفهمون من الافول الامكان وكل ممكن محتاج، و المحتاج لا يكون مقطعا للحاجة، فلابد من الانتهاء الى ما يكون منزها عن الامكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال (وان الى ربك المنتهى). واما الاوساط فانهم يفهمون من الافول مطلق الحركة فكل متحرك محدث وكل محدث محتاج الى القديم القادر فلا يكون الآفل إلها بل الآله هو الذي احتاج إليه هذا الاقل. و اما العوام فانما يفهمون من الافول الغروب وهم يشاهدون ان كل كوكب يقرب من الافول فانه يزول فورا ضوءه ويذهب سلطانه ويصير كالمعدوم ومن كان كذلك فانه لا يصلح للالهية، فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله (لا احب الآفلين) مشتملة على نصيب المقربين واصحاب اليمين واصحاب الشمال، فكانت اكمل الدلائل وافضل البراهين، وفيه دقيقة اخرى وهي انه عليه السلام كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ومذهب اهل النجوم إذا كان في الربع الشرقي ويكون شاهدا الى وسط السماء
[ 129 ]
كان قويا عظيم التأثر. و أما إذا كان غربيا وقريبا من الافول، فانه يكون ضعيف الاثر قليل القوة. فنبه بهذه الدقيقة على ان الإله هو الذي لا تتغير قدرته الى العجز وكماله الى النقص، ومذهبكم ان الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ناقص التأثير، عاجزا عن التدبير، وذلك يدل على القدح في إلهيته. فظهر ان على قول المنجمين للافول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الالهية، انتهى. الامر الخامس - تأويل قوله عليه السلام (بل فعله كبيرهم) وقد ذكروا له وجوها:
الاول - ما ذكره علم الهدى نور الله ضريحه: وهو ان الخبر مشروط غير مطلق لانه قال (... ان كانوا ينطقون). ومعلوم ان الاصنام لا تنطق، فما علق على المستحيل فهو مستحيل فأراد ابراهيم توبيخهم بعبادة من لا ينطق و لا يقدر ان يخبر عن نفسه بشىء، فإذا علم استحالة النطق علم استحالة الفعل، و علم باستحالة الامرين انه لا يجوز ان تكون آلهة معبودة، وان من عبدها ضال مضل. ولافرق بين قوله انهم فعلوا ذلك أن كانوا ينطقون وبين قوله انهم ما فعلوا ذلك ولا غيره، لأنهم لا ينطقون و لا يقدرون. واما قوله: (فأسالوهم) فانما هو امر بسؤالهم ايضا على شرط والنطق منهم شرط في الامرين، فكأنه قال (إن كانوا ينطقون) فاسألوهم فانه لا يمتنع ان يكونوا فعلوه، وهذا يجري مجرى قول احدنا لغيره من فعل هذا الفعل ؟ فيقول: زيد فعل كذا وكذا ويشير الى فعله يضيفه السائل الى زيد، وليس في الحقيقة من فعله ويكون غرض المسؤول نفي الامرين عن زيد وتنبيه السائل على خطأه في اضافته الى زيد. الثاني - انه لم يكن قصد ابراهيم عليه السلام الى أن ينسب الأمر الى الصادر عنه الى الصنم وإنما قصد تقريره لنفسه واثباته لها على وجه تعريضي، وهذا كما لو قال صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق وانت تحسن الخط انت كتبت هذا
[ 130 ]
وصاحبك لا يحسن الخط، فقلت له بل كنت انت. كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء لا نفيه عنك. الثالث - ان ابراهيم (ع) غاظته تلك الاصنام حيث ابصرها مصفقة مرتبة فكان غيظه من كبيرها اشد، لما رأى من زيادة تعظيمهم له فاسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته وحطمه لها، والفعل كما يسند الى مباشرته يسند الى الحامل عليه.
الرابع - انه قال على وجه التورية لما فيه من الاصلاح. (روى في الكافي) باسناده الى ابى عبدالله (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا كذب على مصلح، ثم تلى: (ايتها العير انكم لسارقون) ثم قال: و الله ما سرقوا وما كذب، ثم تلى: (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) فقال: والله ما فعلوا وما كذب، وهذا ارادة الاصلاح ودلالة على انهم لا يعقلون، وبقيت وجوه اخر، لا نطول الكتاب بذكرها. الفصل الثالث (في إراءته ملكوت السماوات والأرض وسؤاله إحياء الموتى) وجملة من حكمة ومناقبه عليه السلام وفيه وفاته عليه السلام قال الله سبحانه: (و إذ قال ابراهيم رب ارنى كيف تحيى الموتى ؟ قال: أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم). (الاحتجاج) عن ابي محمد العسكري (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان ابراهيم (ع) لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي: (وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى ابصر الارض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على
[ 131 ]
فاحشة فدعا الله عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك. فأوحى الله إليه: يا ابراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي، فاني انا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي كما لا ينفعني طاعتهم، ولست اسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي، فانما انت عبد نذير، لا شريك في المملكة ولا مهيمن علي ولا على عبادي، وعبادي معي بين خلال ثلاث اما تابوا الي
فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، و اما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من اصلابهم ذريات مؤمنون، فأرفق بالآباء الكافرين وأتاني بالامهات الكافرات وارفع عنهم عذابي ليخرج اولئك المؤمنون من اصلابهم، فإذا تزايلوا حق بهم عذابي، وان لم يكن هذا ولا هذا، فان الذى اعددته لهم من عذابي اعظم مما تريد لهم فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي يا ابراهيم وخل بيني وبين عبادي، فاني انا الجبار الحليم العلام الحكيم ادبرهم بعلمي وانفذ فيهم قضائي وقدري. ثم التفت ابراهيم (ع) فرأى جيفة على ساحل البحر بعضها في الماء وبعضها في البر، تجىء سباع الماء فتأكل ما في الماء، ثم ترجع فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا وتجىء سباع البر فتأكل منها فيشتمل (فيشتد) بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا. فعند ذلك تعجب ابراهيم عليه السلام مما رأى، وقال: يا رب (ارنى كيف تحيى الموتى) هذه امم تأكل بعضها بعضا ؟ (قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) يعني حتى أرى هذا كما رأيت الاشياء كلها (قال خذ أربعة من الطير) واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة فى هذه السباع ثم (ادعهن ياتينك سعيا). اقول: الظاهر من الاحاديث ان رؤية الملكوت كانت بالعين، وجوز بعضهم الرؤية القلبية، بأن انار قلبه حتى احاط بها علما. وفى (علل الشرايع) سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول: في قول ابراهيم (رب ارني كيف تحيى الموتى) ان الله عزوجل امر ابراهيم ان يزور عبدا من عباده الصالحين. فزاره، فلما كلمه قال له ان الله تبارك وتعالى خلق في الدنيا
[ 132 ]
عبدا يقال له: ابراهيم، اتخذه خليلا. قال وما علامة ذلك العبد ؟ قال يحيى الموتى فوقع لابراهيم انه هو، فسأله ان يحيى الموتى، قال أو لم تؤمن ؟ قال بلى ولكن
ليطمئن قلبي على الخلة. ويقال انه اراد ان تكون له في ذلك معجزة، كما كانت للرسل، وان ابراهيم سال ربه ان يحيى له الميت، فأمره الله عزوجل الى ان يميت لأجله الحي سواء بسواء وهو لما امره بذبح ابنه اسماعيل، وان الله عزوجل امر ابراهيم بذبح اربعة من الطير: طاووس ونسر وديك وبط. فالطاووس يريد به زينة الدنيا. والنسر يريد به الأمل الطويل. والبط يريد به الحرص. والديك يريد به الشهوة. يقول الله عزوجل: ان احببت ان تحيي قلبك وتطمئن معى، فاخرج عن هذه الاشياء الاربعة، فإذا كانت هذه الاشياء في قلب فانه لا يطمئن معي، وسألته كيف قال (أو لم تؤمن) مع علمه بسره وحاله، فقال: انه لما قال: (رب ارني كيف تحيى الموتى) كان ظاهر هذه اللفظة توهم انه لم يكن بيقين فقرره الله بسؤاله عنه اسقاطا للتهمة عنه وتنزيها له من الشك. وفى (الكافي) عن الحصين بن الحكم قال: كتبت الى العبد الصالح اخبره انى شاك، وقد قال ابراهيم (رب ارني كيف تحيي الموتى) وانى احب ان ترينى شيئا فكتب إلي: ان ابراهيم كان مؤمنا واحب ان يزداد ايمانا، وانت شاك والشاك لا خير فيه. (وعن) ابى عبدالله عليه السلام: قول الله عزوجل: (فخذ من الطير) قال: اخذ الهدهد والصرد والطاووس والغراب، فذبحهن وعزل رؤوسهن ودق لحمهن فى الهاون مع عظامهن وريشهن حتى اختلطن، ثم جزأهن عشرة اجزاء على عشرة جبال ثم وضع عنده حبا وماءا، ثم جعل مناقيرهن بين اصابعه، قال إئتين معي باذن الله. فتطاير بعضها الى بعض اللحوم والريش والعظام، حتى استوت الابدان كما كانت وجاء كل بدن حتى التزق برقبته التى فيها رأسه والمنقار، فخلى ابراهيم عن مناقيرهن فوقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب، ثم قلن: يا نبي الله احييتنا احياك الله فقال ابراهيم عليه السلام: بل الله يحيى ويميت فهذا
[ 133 ]
تفسيره الظاهر، وتفسيره فى الباطن: خذ اربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهم علمك، ثم ابعثهم فى اطراف الارضين حججا لك على الناس، وإذا اردت ان يأتوك دعوتهم بالاسم الاكبر يأتينك سعيا باذن الله عزوجل، قال الصدوق الذى عندي فى هذا انه امر بالامرين جميعا. (وروي) ان الطيور التى امر بأخذها: الطاووس والنسر والديك والبط اقول: يجوز ان يحمل تغاير الطيور على تعدد المرات. (عيون اخبار الرضا) عن ابن الجهم قال: سال المأمون الرضا (ع) عن قول ابراهيم عليه السلام (رب ارني كيف تحيى الموتى...) قال الرضا عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى كان اوحى الى ابراهيم عليه السلام: (انى متخذ من عبادي خليلا إن سألني احياء الموتى اجبته) فوقع فى نفس ابراهيم (ع) انه ذلك الخليل، فقال (رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) على الخلة، قال: (فخذ اربعة من الطير...) الحديث. اقول: ذكر المفسرون لتأويل هذه الآية وجوها: الاول - ما تضمنه هذا الحديث. الثاني - انه احب ان يعلم ذلك عيان بعد ما كان عالما به من جهة الدليل والبرهان لتزول الخواطر والوساوس. وفى الأخبار دلالة عليه. الثالث - ان سبب السؤال منازعة نمرود إياه فى الاحياء، فقال احيى واميت: اطلق محبوسا واقتل انسانا. فقال ابراهيم عليه السلام: ليس هذا باحياء، وقال: (يا رب ارنى كيف تحيي الموتى) ليعلم نمرود ذلك، وذلك ان نمرود توعده بالقتل ان لم يحيي الله له الميت بحيث يشاهده ولذلك قال (ليطمئن قلبي) أي بان لا يقتلنى الجبار. (وعن المفضل بن عمر) عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن قول الله
عزوجل (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات) ما هذه الكلمات ؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو انه قال: يا رب اسألك بحق محمد وعلي وفاطمة
[ 134 ]
والحسن والحسين إلا تبت علي. فتاب الله عليه فقلت: فما يعنى بقوله: (فأتمهن) قال: فاتمهن الى القائم عليه السلام اثنى عشر اماما. (قال المفضل) فقلت يا بن رسول الله فاخبرني عن قول الله عزوجل: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) ؟ قال: يعنى بذلك الامامة، وجعلها الله في عقب الحسين (ع) الى يوم القيامة. (معاني الاخبار) مسندا عن النبي صلى الله عليه وآله قال: انزل الله على ابراهيم عليه السلام عشرين صحيفة، قلت ما كانت صحيفة ابراهيم، قال كانت امثالا كلها وكان فيها: ايها الملك المبتلى المغرور، اني لم ابعثك لتجمع الدنيا بعضها الى بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فاني لا اردها وإن كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا - أي مريضا وصاحب علة - ان يكون له ثلاث ساعات، ساعة يناجى فيها ربه عزوجل، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها صنع الله عزوجل، وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال، فان هذه الساعة عون لتلك الساعات على العاقل ان يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ فى غير محرم. قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى ؟ قال كانت عبرا كلها. وفيها عجبت لمن ايقن بالموت كيف يفرح، ولمن ايقن بالنار كيف يضحك، ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها - لم يطمئن، إليها ومن لم يؤمن بالقدر كيف ينصب - أي يتعب نفسه - فى طلب الرزق، ولمن ايقن بالحساب لم لا يعمل.). (وعن) ابى جعفر عليه السلام فى قول الله تعالى: (وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض).
قال: اعطى بصره من القوة ما يعدو السماوات، فرأى ما فيها و رأى العرش وما فوقه ورأى الارض وما تحتها، وفعل محمد صلى الله عليه وآله مثل ذلك، وانا لا أرى صاحبكم والائمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك. (العياشي) عن عبد الصمد بن بشير: قال جمع لابي جعفر الدوانيقي جميع القضاة، فقال لهم: رجل اوصى بجزء من ماله فكم الجزء ؟ فلم يعلموا كم الجزء
[ 135 ]
فأبرد بريد الى صاحب المدينة ان يسأل جعفر بن محمد عليهما السلام رجل اوصى بجزء من ماله، فكم الجزء، فقد اشكل ذلك على القضاة، فلم يعلموا كم الجزء، فأتى صاحب المدينة الى الصادق عليه السلام وسأله عن الجزء، فقال عليه السلام: هذا فى كتاب الله بين ان الله يقول، لما قال ابراهيم: (رب ارنى كيف تحيى الموتى...) على كل جبل جزء وكانت الطيور و الجبال عشرة، الحديث. (العياشي) عن احدهما عليهما السلام: انه كان يقرأ هذه الآية (رب اغفر لي ولوالدي) يعنى اسماعيل واسحاق. وفى رواية اخرى عنه عليه السلم: انه قرأ (ربنا اغفر لي ولوالدي) قال هذه كلمة صحفها الكتاب، انما كان استغفار ابراهيم لأبيه عن موعدة وعدها اياه، وانما قال: (رب اغفر لي و لوالدي) يعني اسماعيل واسحاق، والحسن والحسين ابناء رسول الله صلى الله عليه وآله. (غوالي اللئالي) فى الحديث ان ابراهيم عليه السلام لقى ملكا، فقال له: من انت ؟ قال انا ملك الموت، قال تستطيع ان تريني الصورة التى تقبض بها روح المؤمن ؟ قال نعم، اعرض عنى، فاعرض عنه، فإذا هو شاب حسن الصورة حسن الثياب حسن الشمائل طيب الرائحة، فقال: يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن الا حسن صورتك لكان حسبه، ثم قال هل تستطيع ان تريني الصورة التى تقبض بها روح
الفاجر ؟ فقال: لا تطيق، فقال بلى، قال فاعرض عنى، فاعرض عنه، ثم التفت إليه، فإذا هو رجل اسود قائم الشعر منتن الرائحة اسود الثياب يخرج من فيه ومن مناخيره النيران والدخان. فغشى على ابراهيم، ثم افاق، وقد عاد ملك الموت الى حالته الاولى، فقال: يا ملك الموت لو لم يلق الفاجر الا صورتك هذه لكفته. (علل الشرايع) عن على عليه السلام قال: ان ابراهيم صلى الله عليه وآله مر ببانقيا، وكان ينزل بها، فبات بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم. فقالوا ما هذا وليس حدث ؟ قالوا: هاهنا شيخ ومعه غلام له قال فأتوه فقالوا له: يا هذا انه كان يزلزل بنا كل ليلة، ولم تزلزل بنا هذه الليلة، فبت عندنا،
[ 136 ]
فبات، فلم يزلزل بهم، فقالوا: اقم عندنا ونحن نجري عليك ما احببت ؟ قال: لا، ولكن تبيعوني هذا الظهر، ولم يزلزل بكم، قالوا: فهو لك. قال لا آخذه، الا بالشراء. قالوا: فخذه بما شئت، فاشتراه بسبع نعاج واربع احمرة، فلذلك سمي بانقيا لان النعاج بالنبطية نقيا، فقال له غلامه: يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر وليس فيه زرع ولا ضرع ؟ فقال له اسكت، فان الله عزوجل يحشر من هذا الظهر سبعين الف يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع منهم لكذا وكذا. اقول: بانقيا على ما في القاموس قرية بالكوفة، والمراد هنا ظهر الكوفه هي النجف. وفيه ايضا مسندا الى الصادق عليه السلام قال: اوحى الله عز وجل الى ابراهيم عليه السلام: ان الارض قد شكت إلي الحياء من رؤية عورتك، فاجعل بينك وبينها حجابا، فجعل شيئا هو اكبر من الثياب ومن دون السراويل، فلبسه، فكان الى ركبتيه. اقول: المراد من قوله: ومن دون السراويل، انه انقص طولا من هذه السراويل المتعارفة، وهو السروال لابراهيم عليه السلام، الا انه كان قاصرا ان
يدل على ان اول من اتخذ لبس السراويل هو ابراهيم عليه السلام. (وعنه) صلى الله عليه وآله فى حديث المعراج: انه مر على شيخ قاعد تحت الشجرة حوله اطفال، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من هذا الشيخ يا جبرئيل ؟ قال هذا ابوك ابراهيم. فقال فما هؤلاء الاطفال حوله ؟ قال هؤلاء الاطفال اطفال المؤمنين حوله يغذيهم. (الامالي) عن الصادق عليه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام قال لما اراد الله تبارك وتعالى قبض روح ابراهيم عليه السلام اهبط الله ملك الموت، فقال السلام عليك يا ابراهيم. قال وعليك السلام يا ملك الموت اداع ام ناع ؟ فقال: بل ناع يا ابراهيم فاجب، قال يا ملك الموت فهل رأيت خليلا يميت خليله ؟ قال: فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدى الله جل جلاله، فقال: إلهي قد سمعت بما قال خليلك ابراهيم ؟ فقال الله جل جلاله: يا ملك الموت اذهب إليه وقل له: هل رايت حبيبا
[ 137 ]
يكره لقاء حبيبه. اقول: المراد بالداعي هنا الطالب على سبيل التخيير والرضا، كمن يدعو احدا الى ضيافة، وبالناعي الطالب على سبيل القهر والجزم، فلما علم ابراهيم عليه السلام ان الامر موسع عليه طلب الحياة ليكثر من الطاعة والعبادة. (العلل) عن الصادق عليه السلام قال: ان ابراهيم عليه السلام لما قضى مناسكه رجع الى الشام فهلك. وكان سبب هلاكه ان ملك الموت اتاه ليقبضه، فكره ابراهيم الموت، فرجع ملك الموت الى ربه عزوجل، فقال: ان ابراهيم كره الموت. فقال: دع ابراهيم فانه يحب ان يعبدني حتى رأى ابراهيم شيخا كبيرا، يأكل ويخرج منه ما يأكله، فكره الحياة واحب الموت، فبلغنا ان ابراهيم اتى داره، فإذا فيها رجلا حسن الصورة ما رآها قط، قال من انت ؟ قال انا ملك
الموت. قال: سبحان الله من الذى يكره قربك وزيارتك وانت بهذه الصورة ؟ فقال: يا خليل الرحمن ان الله تبارك وتعالى إذا اراد بعبد خيرا بعثني إليه فى هذه الصورة، وإذا اراد بعبد شرا بعثنى إليه فى غير هذه الصورة فقبض عليه السلام بالشام. وتوفي اسماعيل بعده وهو ابن ثلاثين ومائة سنة، فدفن فى الحجر مع امه. (وفيه) ايضا عنه عليه السلام قال: ان سارة قالت لابراهيم (ع) يا ابراهيم قد كبرت فلو دعوت الله ان يرزقك ولدا تقر اعيننا به، فان الله اتخذك خليلا، وهو مجيب لدعوتك فسال ابراهيم عليه السلام ربه ان يرزقه غلاما عليما. فأوحى الله إليه: اني واهب لك غلاما عليما، ثم ابلوك بالطاعة. فمكث ابراهيم عليه السلام بعد البشارة ثلاث سنين، وان سارة قالت لابراهيم علهى السلام: انك قد كبرت وقرب اجلك فلو دعوت الله عزوجل ان يمد لك فى العمر فتعيش معنا ؟ فسال ابراهيم عليه السلام ربه ذلك فأوحى الله إليه: سل من زيادة العمر ما احببت. فقالت سارة: سل ان لا يميتك حتى تكون انت الذى تسأله الموت. فأوحى الله تعالى إليه: في ذلك. فقالت سارة: اشكر الله واعمل طعاما، وادع عليه الفقراء واهل الحاجة، ففعل ودعا الناس فكان فيمن اتى رجل كبير ضعيف مكفوف، معه
[ 138 ]
قائد له، فاجلسه على مائدته فمد الاعمى يده، فتناول اللقمة واقبل بها نحو فيه، فجعلت تذهب يمينا وشمالا، ثم اهوى بيده الى جبهته فتناول قائده يده فجاء بها الى فمه، ثم تناول المكفوف لقمة، ثم ضرب بها عنقه، قال: وابراهيم ينظر الى المكفوف والى ما يصنع، فتعجب ابراهيم عليه السلام من ذلك. وسأل قائده ؟ فقال: هذا الذى ترى من الضعف، فقال ابراهيم عليه السلام فى نفسه اليس إذا كبرت اصير مثل هذا. ثم ان ابراهيم عليه السلام سأل الله عزوجل حيث رأى من الشيخ ما رأى:
اللهم توفني فى الاجل الذى كتبت لي، فلا حاجة لي فى الزيادة فى العمر بعد الذي رأيت. (وعنه) عليه السلام قال: ان ابراهيم عليه السلام ناجى ربه فقال: يا رب كيف تميت ذا العيال من قبل ان تجعل له من ولده خلفا يقوم بعده في عياله ؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا ابراهيم أو تريد لها خلفا منك يقوم مقامك من بعدك خيرا منى ؟ قال ابراهيم: اللهم لا، الآن طابت نفسي. الفصل الرابع فى احوال اولاده وازواجه صلوات الله عليه وبناء البيت الحرام قال الله تعالى: (واذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا * واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى * وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود). (طبرسي طاب ثراه) روي عن الباقر عليه السلام انه قال نزلت ثلاثة
[ 139 ]
احجار من الجنة، حجر مقام ابراهيم عليه السلام وحجر بني اسرائيل، والحجر الاسود، و استودعه الله ابراهيم عليه السلام حجر الابيض، و كان اشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بنى آدم. اقول: الحجر الاسود تقدم ان آدم عليه السلام حمله من الجنة. وحدثني بعض الشيوخ من العلماء ان الكعبة لما هدمها السيل، انهم شاهدوا الحجر من الطرف الذي يلي البيت، وكان ابيض. (قال ابن عباس) وروي فى كثير من اخبارنا انه لما اتى ابراهيم باسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة، و اتت على ذلك مدة، ونزلها الجرهميون، وتزوج
اسماعيل منهم وماتت هاجر، استاذن ابراهيم سارة ان يأتي هاجر فأذنت له، وشرطت عليه ان لا ينزل، فقدم ابراهيم عليه السلام وقد ماتت هاجر، فذهب الى بيت اسماعيل، فقال لامرأته اين صاحبك ؟ فقالت ذهب يتصيد وكان اسماعيل عليه السلام يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع. فقال لها ابراهيم هل عندك ضيافة ؟ قالت ما عندي شىء فقال لها ابراهيم عليه السلام إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام، وقولى له فليغير عتبة بابه. وذهب ابراهيم عليه السلام فلما جاء اسماعيل عليه السلام ووجد ريح ابيه فقال لامرأته: هل جاءك احد ؟ قالت جاءني شيخ صفته كذا وكذا، كالمستخفة بشأنه، قال فما قال لك قالت: قال لي إقرأي زوجك السلام، وقولى فليغير عتبة بابه. فطلقها وتزوج باخرى. فلبث ابراهيم ما شاء الله، ثم استأذن سارة ان يزور اسماعيل. فأذنت له، واشترطت عليه ان ينزل. فجاء حتى انتهى الى باب اسماعيل، فقال لامرأته اين صاحبك ؟ فقالت ذهب يتصيد وهو يجىء الآن ان شاء الله فانزل يرحمك الله قال لها هل عندك ضيافة ؟ قالت نعم، فجاءت باللبن و اللحم، ودعا لها بالبركة، فلو جاءت يومئذ بخبز بر أو شعير أو تمر، لكان اكثر ارض الله برا أو تمرا أو شعيرا فقالت له انزل حتى اغسل راسك فلم ينزل، فجاءت بالمقام فوضعته على شقه الايمن فوضع قدمه عليه فبقى اثر قدمه عليه، فغسلت شق رأسه الايمن ثم حولت المقام الى شقه الأيسر، فبقى اثر قدميه
[ 140 ]
عليه، فغسلت شق راسه الايسر، فقال لها إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له لقد استقامت عتبة بابك، فلما جاء اسماعيل، وجد رائحة ابيه، فقال لامرأته هل جاءك احد قالت نعم، شيخ من احسن الناس وجها واطيبهم ريحا وقال لي كذا وكذا، وغسلت رأسه و هذا موضع قدميه على المقام قال لها اسماعيل ذلك ابراهيم عليه السلام.
(وعن) النبي صلى الله عليه وآله: الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا ان نورهما طمس لاضاء ما بين المشرق و المغرب. (العياشي) عن الصادق عليه السلام قال: انزل الحجر الاسود من الجنة لآدم وكان في البيت درة بيضاء، فرفعه الله تعالى الى السماء وبقى اساسه فهو حيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يرجعون إليه ابدا، فامر الله ابراهيم و اسماعيل ان يبنيا البيت على القواعد. (وعن ابن عباس) قال: قدم ابراهيم فى المقام، فنادى ايها الناس ان الله دعاكم الى الحج. فأجابوا لبيك اللهم لبيك، اجابه من فى اصلاب الرجال واول من اجابه أهل اليمن. (تفسير على بن ابراهيم) فى قوله تعالى (طهرا بيتي) عن الصادق عليه السلام يعني نح عنه المشركين. وقال لما بنى ابراهيم عليه السلام البيت وحج الناس شكت الكعبة الى الله تبارك وتعالى ما تلقى من انفاس المشركين ؟ فأوحى الله إليها قري يا كعبة، فاني ابعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون. اقول: قضبان الشجر شامل للادراك وغيره، وربما توجد فى موضع آخر تخصيصه بالادراك، وارادة العموم جائزة، فان السواك بمطلق قضبان الشجر مستحب وان كان الافضل هو الاراك، بل ورد استحباب السواك بالاصابع، وهو منزل مراتب الفضل والاستحباب. وفيه فى قوله تعالى: (ووهبنا لهم من رحمتنا) يعنى لابراهيم واسحاق
[ 141 ]
ويعقوب (من رحمتنا) يعنى برسول الله صلى الله عليه وآله (وجعلنا لهم لسان صدق) يعني امير المؤمنين (ع) حدثني بذلك ابي عن الامام الحسن العسكري (ع).
(علل الشرايع) باسناده الى الصادق عليه السلام فى حديث طويل يقول فيه: لما بنى ابراهيم واسماعيل عليهما السلام البيت، قالت امرأة اسماعيل وكانت عاقلة فهلا تعلق على هذين البابين سترا من هاهنا ؟ قال نعم. فعملا له سترين طولهما اثنى عشر ذراعا فعلقهما على البابين، فاعجبها ذلك، فقالت: فهلا احوك للكعبة ثيابا ونسترها كلها فان هذه الاحجار سمجة. فقال اسماعيل: بلى، فاسرعت فى ذلك وبعثت الى قومها بصوف كثير تستغزل بهن. (قال) أبو عبدالله عليه السلام: وانما وقع استغزال بعضهن مع بعض، لذلك فأسرعت واستعانت في ذلك، فلما فرغت من شقة علقتها، فجاء الموسم وقد بقى وجه من وجوه الكعبة. فقالت لاسماعيل كيف نصنع بهذا الوجه الذى لم ندركه بكسوة فكسوه خصفا، فجاء الموسم فجاءته العرب، فنظروا الى امر فأعجبهم فقالوا: ينبغى لعامر هذا البيت ان يهدى إليه. فمن ثم وقع الهدى فأتى كل فخذ من العرب بشىء يحمله من ورق ومن اشياء وغير ذلك، فنزعوا ذلك الخطف واتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين، وكانت غير مسقفة فسقفها اسماعيل بالجرائد، فجاءت العرب فرأوا عمارتها فزادوا فى الهدى فأوحى الله إليه ان انحره واطعم الحاج، وشكى اسماعيل الى ابراهيم قلة الماء. فأوحى الله تعالى الى ابراهيم عليه السلام، احتفر بئرا يكون منها شرب الماء فاحتفر زمزم وضرب ابراهيم عليه السلام فى اربع زوايا البئر فانفجرت من كل زاوية عينا، فقال جبرئيل عليه السلام اشرب يا ابراهيم وادع لولدك فيها بالبركة، ثم تزوج اسماعيل الحميرية وولد منها ولد ثم تزوج بعدها اربع نسوة فولد له من كل واحدة اربع غلمان، ثم قضى الله على ابراهيم بالموت فلم يره اسماعيل ولم يخبر بموته حتى كان ايام الموسم فنزل جبرئيل عليه السلام واخبره بموت ابيه وكان لاسماعيل ابن صغير يحبه، وكان هوى اسماعيل فيه، فأبى الله عليه ذلك فقال يا اسماعيل هو فلان، فلما قضى الموت على اسماعيل
[ 142 ]
دعا وصيه، فقال يا بني إذا حضرك الموت فافعل كما فعلت. فمن ذلك لا يموت إمام الا اخبره الله الى من يوصي. (تفسير على بن ابراهيم) مسندا الى الصادق (ع) قال: ان ابراهيم عليه السلام كان نازلا فى بادية الشام، فلما ولد من هاجر اسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لانه لم يكن له منها ولد وقد كانت تؤذي ابراهيم في هاجر فتغمه، فشكا ذلك الى الله تعالى. فأوحى الله تعالى إليه: انما مثل المرأة مثل الضلع المعوج ان تركت استمتعت بها و ان اقمتها كسرتها، ثم امره ان يخرج اسماعيل وامه عنها، فقال يا رب الى أي مكان ؟ فقال: الى حرمي. فانزل عليه جبرئيل عليه السلام بالبراق، فحمل هاجر واسماعيل عليه السلام، وكان ابراهيم عليه السلام لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع، الا وقال يا جبرئيل الى هاهنا ؟ فقال: لا، امض. حتى وافى مكة فوضعه موضع البيت، وقد كان عاهد سارة الا ينزل حتى يرجع إليها، فلما نزلوا فى ذلك المكان كان فيه شجر، فالقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها، فاستظلوا تحته فلما وضعهم واراد الانصراف الى سارة قالت له هاجر: يا ابراهيم تدعنا في موضع ليس فيه انيس ولا ماء ولا زرع ؟ فقال ابراهيم عليه السلام: الذي امرني ان اضعكم فى هذا المكان هو يكفيكم. ثم انصرف عنهم، فالتفت إليهم، فقال: (ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) فبقيت هاجر، فلما ارتفع النهار عطش اسماعيل وطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى، فنادت هل فى الوادي من انيس ؟ فغاب اسماعيل عنها، فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب فى الوادي وظنت انه ماء، فنزلت فى بطن الواد وسعت، فلما بلغت المسعى غاب عنها اسماعيل، ثم
لمع لها السراب فى موضع الصفا، فهبطت الى الوادي تطلب الماء، فلما غاب عنها اسمايل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات، فلما كان فى الشوط السابع، وهي على المروة نظرت الى اسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه،
[ 143 ]
فجمعت حوله رملا، فانه كان سائلا فزمته بما جعلت حوله، فلذلك سمي زمزم، و كان جرهم نازلة بعرفات، فلما ظهر الماء بمكة، وعكفت الطير والوحوش عليه، اتبعوها حتى نظروا الى امرأة وصبي نازلين فى ذلك الموضع قد استظلا بشجرة، قد ظهر الماء لهما، قال لهاجر: من انت وما شأنك وشأن هذا الصبي ؟ قالت انا ام ولد ابراهيم خليل الرحمان، و هذا ابنه. فقالوا لها: فتأذنين لنا ان نكون بالقرب منكم، ثم انها استاذنت ابراهيم ؟ فأذن لهم، فنزلوا بالقرب منهم، فأنست هاجر واسماعيل بهم فلما رآهم ابراهيم عليه السلام في المرة الثالثة نظر الى كثرة الناس حولهم، فسر بذلك سرورا شديدا فلما ترعرع اسماعيل عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا لاسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين، وكانت هاجر واسماعيل يعيشان بها، فلما بلغ مبلغ الرجال، امر الله عزوجل ابراهيم: ان يبني البيت، فقال: يا رب فى أية بقعة انا ؟ قال: في البقعة التى انزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم، فلم تزل القبة التى انزلها على آدم قائمة حتى كانت ايام الطوفان ايام نوح عليه السلام فلما غرقت الدنيا، رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا، فسميت البيت العتيق، لانه اعتق من الغرق، فلما امر الله عزوجل ابراهيم ان يتخذ البيت. فلم يدر فى أي مكان ؟ فبعث الله عزوجل جبرئيل عليه السلام، فخط له موضع البيت. فأنزل الله عليه القواعد من الجنة، وكان الحجر الذي انزله الله على آدم اشد بياضا من الثلج فلما مسته ايدي الكفار إسود. فبنى ابراهيم البيت ونقل اسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة اذرع، ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه ابراهيم
ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن، وجعل له بابين بابا الى المشرق وبابا الى المغرب، يسمى المستجار ثم القى عليه الشجر والأذخر، وعلقت على بابه كساء، فلما بناه وفرغ منه حج ابراهيم واسماعيل ونزل عليهما جبرئيل (ع) يوم التروية، فقال جبرئيل عليه السلام: قم فارتوا من الماء. لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء، فسميت التروية لذلك. ثم قال ابراهيم (ع) لما فرغ من بناء البيت: (رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر).
[ 144 ]
قال: من ثمرات القلوب، - أي حببه الى الناس ليعودوا إليه. (علل الشرايع) باسناده الى محمد بن عرفة قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن من قبلنا يقولون ان ابراهيم خليل الرحمان ختن نفسه بقدوم على دن ؟ فقال: سبحان الله، ليس كما يقولون كذبوا على ابراهيم، قلت له: صف لي ذلك ؟ فقال: ان الانبياء عليهم السلام كان يسقط غلفهم مع سررهم يوم السابع، فلما ولد اسماعيل سقط عنه غلفته مع سرته و عيرت بعد ذلك سارة هاجر، بما تعير به الاماء، فبكت هاجر واشتد عليها. و بكى لبكائها اسماعيل. فأخبر ابراهيم فقام الى مصلاه وناجى ربه وسأله ان يلقى ذلك عن هاجر. فألقاه الله عزوجل عنها. فلما ولدت سارة اسحاق وكان يوم السابع لم تسقط غلفته. فجزعت من ذلك سارة وقالت لابراهيم ما هذا الحادث الذى حدث فى اولاد الانبياء ؟ هذا ابنك اسحاق سقطت سرته ولم تسقط غلفته، فقام ابراهيم الى مصلاه وناجى ربه فقال: يا رب ما هذا الحادث الذي حدث في آل ابراهيم هذا اسحاق ابني سقطت سرته ولم تسقط غلفته ؟ فأوحى الله عزوجل إليه هذا لما عيرت سارة هاجر، فآليت ان لا اسقط ذلك عن احد من اولاد الانبياء بعد تعييرها لهاجر. فاختتن اسحاق بالحديد واذاقه حر الحديد. فقال فاختتن ابراهيم اسحاق بحديد فجرت السنة فى الناس
بعد ذلك. اقول: القدوم المراد منه قدوم النجار. وقول الجزي انه قرية بالشام أو موضع على ستة اميال من المدينة غير مناسب هنا. والدن الراقود العظيم أو اطول من الحب أو اصغر، وفيه دلالة على اختتان ابراهيم محمول على التقية. (مناقب ابن شهر آشوب) عن علي (ع): ان الجمار انما رميت بسبع حصيات، لان جبرئيل عليه السلام حين ارى ابراهيم عليه السلام المشاعر، برز له ابليس فأمره جبرئيل ان يرميه فرماه بسبع حصيات. فدخل عند الجمرة الاولى تحت الارض فأمسك ثم انه برز عند الثانية فرماه بسبع حصيات آخر. فدخل تحت الارض
[ 145 ]
فى موضع الثانية ثم برز له فى موضع الثالثة فرماه بسبع حصيات فدخل موضعها. (وفيه) عن ابى الحسن عليه السلام قال: السكينة ريح تخرج من الجنة لها صورة كصورة الانسان ورائحة طيبة. وهى التي انزلت على ابراهيم عليه السلام، فاقبلت تدور حول اركان البيت وهو يضع الاساطين. (علل الشرايع) عن ابن عباس قال: كانت الخيل العراب وحوشا بارض العرب، فلما رفع ابراهيم واسماعيل القواعد من البيت، قال الله: انى اعطيتك كنزا لم اعطه احدا كان قبلك، فخرج ابراهيم واسماعيل حتى صعدا جيادا - يعنى جبلا بمكة - فقال الا هلا الا هلم، فلم يبق فى ارض العرب فرس الا اتاه وتذلل له، واعطت بنواصيها، وانما سميت جيادا: لهذا، فما زال الخيل بعد تدعو الله ان يحببها الى اربابها، فلم تزل حتى اتخذها سليمان، فلما آلمته امر بها ان يمسح رقابها وسوقها حتى بقى اربعون فرسا. اقول: هذا زجر للخيل - أي إقربي - قاله الجوهري.
(وفيه) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: لما امر الله عزوجل ابراهيم واسماعيل عليهم السلام ببنيان البيت، وتم بناؤه، امره ان يصعد ركنا، ثم ينادى فى الناس: الا هلم الى الحج، فلو نادى: هلموا الى الحج، لم يحج الا من كان انسيا مخلوقا، ولكن نادى: هلم الى الحج، فلبى الناس فى اصلاب الرجال: لبيك داعي الله فمن لبى عشرا حج عشرا ومن لبى خمسا حج خمسا و من لبى اكثر فبعدد ذلك ومن لبى واحدا حج واحدا، ومن لم يلب لم يحج. ورواه في الكافي مثله. اقول: ذكروا فى وجه الفرق ان الاصل فى الخطاب ان يكون متوجها الى الموجودين، اما شمول الحكم للمعدودين فيستفاد من دليل آخر، لا من نفس الخطاب الا ان يكون المراد بالخطاب، الخطاب العام المتوجه الى كل من يصلح للخطاب، فانه شامل للواحد والكثير والموجود والمعدوم والشائع فى مثل هذا الخطاب، ان يكون بلفظ المفرد، بل صرح بعض اهل العربية: بأنه لا يتأتى الا بالمفرد، وفى الكافي: اسقط لفظ الى في المفرد واثبتها في الجمع، وجعله بعضهم:
[ 146 ]
هو وجه الفرق بأن يكون في المفرد المخاطب هو الحج مجازا لبيان كونه مطلوبا من غير خصوصية شخص أي هلم ايها الناس الحج. (وفي الفقيه) كلمة الى موجودة فى المواضع، وفيه عند ذكر المفرد فى الموضعين: نادى، وعند ذكر الجمع ناداهم. ومن ثم قال بعض المحققين ليس مناط الفرق بين افراد الصيغة وجمعها بل ما في الحديث بيان للواقعه. والمراد ان ابراهيم عليه السلام نادى: هلم الى الحج بلا قصد الى مناد معين - أي الموجودين - لكان الحج مخصوصا بالموجودين، فلذا يعم الموجودين والمعدومين فلو ناداهم الى الموجودين وقال: هلموا الى الحج، قاصدا الى الموجودين، لكان الحج مخصوصا بالموجودين، فضميرهم: فى ناداهم، راجع الى
الناس الموجودين. فالمناط قصد المنادي المعين المشعر إليه بلفظهم في احدى العبارتين وعدم القصد فى الاخرى المشعر إليه بذكر نادى مطلقا، لا الافراد والجمع. اقول: وجه التحقيق فيه ان الموجودين وقت الخطاب كانوا جماعة من الاحياء فلو خاطبهم باللفظ الصالح لهم لكان متوجها إليهم، لان الاصل فى الخطاب ان يكون متوجها الى من يقبل صيغة الخطاب، ولما عدل عنه الى الافراد مع عدم القرينة على تعيين المخاطب كان شاملا لكل من يقبل ان يكون مخاطبا ولو بعد الوجود وإلا لكان الخطاب عبثا خاليا عن الحكمة و الفائدة. (وفيه) عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان الله جل جلاله لما امر ابراهيم عليه السلام ينادي في الناس بالحج، قام على المقام، فارتفع به حتى صار بازاء ابي قبيس فنادى فى الناس: بالحج، فاسمع من في أصلاب الرجال و ارحام النساء الى ان تقوم الساعة. (وفيه) عنه عليه السلام: ان الله عزوجل اوحى الى ابراهيم واذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا. فنادى فأجيب من كل فج عميق. وقال: انما سميت الخيل العراب لان اول من ركبها اسماعيل. وقال عليه السلام ان بنات الانبياء لا يطمثن، انما جعل الطمث عقوبة. وأول من طمثت سارة.
[ 147 ]
(وعنه عليه السلام) صار السعي بين الصفا والمروة لان ابراهيم عليه السلام عرض له ابليس، فأمره جبرئيل عليه السلام فشد عليه فهرب منه، فجرت به السنة يعني به الهرولة. (وفيه عن الرضا عليه السلام) انما سميت منى: بمنى لأن جبرئيل عليه السلام قال: هناك يا ابراهيم تمن على ربك ما شئت ؟ فتمنى ابراهيم في نفسه ان يجعل الله مكان ابنه اسماعيل كبشا يأمره الله بذبحه فداء له ؟ فاعطاه الله.
(وفيه) عن ابي عبد الله عليه السلام: ان جبرئيل (ع) خرج بابراهيم عليه السلام يوم عرفة، فلما زالت الشمس قال له جبرئيل عليه السلام: يا ابراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك، فسميت عرفات لقول جبرئيل (ع): اعرف واعترف وقال ان جبرئيل عليه السلام انتهى الى الموقف، فأقام به حتى غربت الشمس، ثم افاض به، فقال يا ابراهيم ازدلف الى المشعر الحرام. (وفيه) عن ابي عن علي عن ابيه عن ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام فى قول سارة: اللهم لا تؤاخذني بما صنعت بهاجر انها كانت خفضتها فجرت السنة بذلك. اقول: فيه بيان ما تقدم من ان الذي عيرت سارة بهاجر، هو هذا نعم الموجود هناك هو ان الله سبحانه ألقاها عنه وهاهنا ان سارة خفضتها ولم تقصد سارة من ذلك الخفض التطهير والسنة، بل قصدت به الايذاء والاضرار بها كما تقطع الفروج اضرارا بأهلها. (وفيه) عن ابى الحسن عليه السلام: ان ابراهيم دعا ربه: ان يرزق اهله من كل الثمرات. فقطع له قطعة من الشام، فاقبلت بثمارها، حتى طافت بالبيت سبعا، ثم اقرها الله عزوجل فى موضعها. فانما سميت، الطائف للطواف بالبيت. (قصص الانبياء) باسناده الى على عليه السلام قال: شب اسماعيل واسحاق فتسابقا فسبق اسماعيل، فأخذه ابراهيم فاجلسه فى حجره، واجلس اسحاق الى جنبه، فغضبت سارة وقالت: اما انك قد جعلت ان لا تساوي بينهما، فاعزلهما
[ 148 ]
عني، فانطلق ابراهيم عليه السلام باسماعيل وامه الى مكة... الحديث. الفصل الخامس فى قصة الذبح وتعيين المذبوح
قال الله تعالى: (وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين * رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابة افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين * فلما اسلما وتله للجبين وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين * ان هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم و تركنا عليه فى الاخرين * سلام على ابراهيم كذلك نجزى المحسنين * انه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى اسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين). (فلما بلغ معه السعي) أي شب حتى صار يتصرف مع ابراهيم ويعينه على اموره، وكان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل: يعني بالسعي العمل لله والعبادة (فلما اسلما) أي استسلما لامر الله ورضيا به. (و تله للجبين) قيل وضع جبينه على الارض، لئلا يرى وجهه فتلحقه رقة الآباء. (وروي) انه قال: اذبحني وانا ساجد، لا تنظر الى وجهي، فعسى ان يرحمنى. لهو البلاء المبين - أي الامتنان الظاهر والاختبار الشديد أو النعمة الظاهرة (بذبح عظيم) قيل: كان كبشا من الغنم. (قال ابن عباس) هو الكبش الذي تقبل من هابيل حين قربه، وكونه عظيما لانه رعى في الجنة اربعين خريفا. (وبشرناه باسحاق) من قال ان الذبيح اسحاق قال يعنى بشرناه بنبوة اسحاق وبصبره.
[ 149 ]
(وباركنا عليه وعلى اسحاق) أي وجعلناه فيما اعطيناهما من الخير والبركة، و المراد كثرة ولدهما وبقائهم قرنا بعد قرن الى ان تقوم الساعة. (ومن ذريتهما) أي من اولاد ابراهيم واسحاق (محسن) بالايمان والطاعة، (وظالم
لنفسه) بالكفر و المعاصي. (عيون اخبار الرضا) باسناده الى الرضا عليه السلام وقد سئل عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله: انا ابن الذبيحين. قال يعني اسماعيل بن ابراهيم وعبد الله بن عبد المطلب، اما اسماعيل فهو الغلام الذي قال الله فيه: (اني ارى في المنام اني اذبحك) فلما عزم على ذبحه، فداه الله بكبش املح يأكل فى سواد وينظر فى سواد ويبول في سواد ويبعر فى سواد وكان يرتع قبل ذلك فى رياض الجنة اربعين عاما، وما خرج من انثى. فكلما يذبح بمنى فهو فدية لاسماعيل الى يوم القيامة. ثم ذكر قصه عبد الله. ثم قال الصدوق (ره) وقد اختلفت الروايات فى الذبح. فمنها ما ورد بانه اسماعيل. ومنها ما ورد بانه اسحاق. ولا سبيل الى رد الاخبار متى صح طرقها وكان الذبيح اسماعيل. لكن اسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى انه هو الذى امر ابوه بذبحه، فكان يصبر لامر الله ويسلم له كصبر اخيه و تسليمه فينال بذلك درجته فى الثواب، فعلم الله عزوجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك. ثم روي فى ذلك حديثا عن الصادق عليه السلام وقال: قول النبي صلى الله عليه وآله انا ابن الذبيحين. ويؤيد ذلك لان العم قد سماه الله ابا فى قوله تعالى (ام كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون قالوا نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق) وكان اسماعيل عم يعقوب فسماه الله ابا. (وقول) النبي صلى الله عليه وآله: العم والد. فعلى هذا الاصل ايضا يطرد قول النبي صلى الله عليه وآله: انا ابن الذبيحين، احدهما ذبيح بالحقيقة، والاخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب على النية والتمنى، فالنبي صلى الله عليه وآله هو
[ 150 ]
ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه. وللذبح العظيم وجه آخر. حدثنا ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن الفضل قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما امر الله عزوجل ابراهيم عليه السلام ان يذبح مكان ابنه اسماعيل الكبش الذى انزله عليه، تمنى ابراهيم عليه السلام ان يكون قد ذبح ابنه اسماعيل وانه لم يؤمر بذبح ذلك الكبش مكانه، ليرجع الى قلبه ما يرجع الى قلب الوالد الذي يذبح اعز ولده بيده عليه، فيستحق بذلك ارفع درجات اهل الثواب على المصائب، فأوحى الله عزوجل إليه: يا ابراهيم من احب خلقي اليك ؟ قال: يا رب ما خلقت خلقا هو احب إلي من حبيبك محمد (ص)، فأوحى الله إليه: فهو أحب اليك ام نفسك ؟ قال بل هو أحب إلي من نفسي، قال: فولده احب اليك ام ولدك ؟ قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلما على ايدي اعدائه. اوجع لقلبك ام ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال: يا رب بل ذبحه على ايدي اعدائه اوجع لقلبي قال: يا ابراهيم فان طائفة تزعم انها من شيعة محمد، ستقتل الحسين من بعده ظلما و عدوانا، كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي، فجزع ابراهيم عليه السلام لذلك، وتوجع قلبه واقبل يبكي، فأوحى الله عزوجل الى ابراهيم عليه السلام: قد فديت جزعك على ابنك اسماعيل لو ذبحته بيدك، بجزعك على الحسين وقتله، واوجبت لك ارفع درجات اهل الثواب على المصائب، وذلك قول الله عزوجل: (وفديناه بذبح عظيم). اقول: هذا الحديث يرفع الاشكال الذي ربما يورد على ان المراد بالفداء الحسين عليه السلام بان يقال انه افضل من اسماعيل، فكيف يكون فداء له لان الفداء انفس درجة من المفدى. وحاصل رفع الاشكال، ان المراد من قوله: (و فديناه بذبح عظيم) عوضناه لان الفداء يكون عوضا عن المفدي، والمعنى حينئذ إنا جعلنا مصيبة ابراهيم (ع)
وحزنه عليه بدلا من مصيبته بذبح ابنه، فيكون الله سبحانه قد رقاه في درجات التكليف ومصائب الحزن.
[ 151 ]
وربما رفع جماعة من الاعلام هذا الاشكال بوجه آخر، وهو ان اسماعيل اب للنبي واهل بيته والائمة الطاهرين صلوات الله عليهم، فلو ذبح اسماعيل عليه السلام فقد بذبحه جميع اهل هذه الشجرة المباركة، ولا ريب ان مجموع هذه السلسلة العليا افضل واشرف من الحسين عليه السلام وحده، وما في الحديث هو الأولى. (وفي تفسير علي بن ابراهيم) في حديث طويل عن الصادق عليه السلام وفيه: انه لما اسلم اسماعيل امره الى الله في حكاية الذبح واراد ابراهيم (ع) ذبحه اقبل شيخ وقال: يا ابراهيم ما تريد من الغلام ؟ قال: اريد ان اذبحه، فقال: سبحان الله تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين ؟ فقال ابراهيم: ان الله امرني بذلك. فقال ربك ينهاك عن ذلك، وانما امرك بهذا الشيطان فقال له ابراهيم: ويلك ان الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي امرني به، ثم قال: يا ابراهيم انك امام يقتدى بك وانك ان ذبحته ذبح الناس اولادهم. فلم يكلمه. واقبل على الغلام فاستشاره فى الذبح فلما اسلما جميعا لامر الله. قال الغلام: يا ابتاه خمر وجهى وشد وثاقي فقال ابراهيم عليه السلام: يا بني الوثاق مع الذبح، لا والله لا اجمعها عليك. فاضجعه واخذ المدية فوضعها على حلقه ورفع رأسه الى السماء. ثم جر عليه المدية. وقلب جبرئيل المدية على قفاها. واجتر الكبش واثار الغلام من تحته ووضع الكبش مكان الغلام. ونودي من ميسرة مسجد الخيف: ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا. (وفيه) عن ابي عبدالله (ع) قال: سأل ملك الروم الحسن بن على عليهما السلام عن سبعة اشياء خلقها الله لا تركضن فى رحم ؟ فقال عليه السلام اول هذا
آدم ثم كبش ابراهيم ثم ناقة الله ثم ابليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله فى القرآن. وفى (عيون الاخبار) قال سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن ستة لم يركضوا فى رحم فقال: آدم و حواء و كبش ابراهيم وعصا موسى وناقة صالح والخفاش الذى عمله عيسى عليه السلام فطار باذن الله عزوجل.
[ 152 ]
(علل الشرايع) مسندا الى ابان بن عثمان قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام كيف صار الطحال حراما وهو من الذبيحة ؟ فقال: ان ابراهيم عليه السلام هبط عليه الكبش من ثبير. وهو جبل بمكة ليذبحه، اتاه ابليس فقال له اعطني نصيبي من هذا الكبش ؟ قال و أي نصيب لك وهو قربان لربي و فداء لابني. فأوحى الله عزوجل إليه ان له فيه نصيبا وهو الطحال. لانه مجمع الدم وحرم الخصيتان لانهما موضع النكاح ومجرى النطفة فأعطاه الله الطحال والانثيين وهما الخصيتان: قال فقلت فكيف حرم النخاع ؟ قال لانه موضع الماء الدافق من كل ذكر وانثى وهو المخ الطويل الذي يكون فى فقار الظهر. وفى (الكافي) عن الرضا (ع): لو علم الله شيئا اكرم من الضأن لفدى به اسماعيل عليه السلام. اقول: اختلف علماء الاسلام في تعيين الذبيح هل هو اسماعيل أو اسحاق عليهما السلام فذهبت الطائفة المحقة من اصحابنا وجماعة من العامة الى انه اسماعيل عليه السلام والاخبار الصحيحة دالة عليه (ع) دلالة غيرهما من الايات ودلائل العقل. وذهب طائفة من الجمهور الى انه اسحاق عليه السلام. و به اخبار واردة من الطرفين. وطريق تأويلها اما تحمل على التقية، واما حملها على ما قاله الصدوق طاب ثراه من ان اسحاق (ع) صار ذبيحا بالنية والتمني.
(وروى) شيخنا امين الاسلام الطبرسي رحمه الله. ان ابراهيم عليه السلام لما خلا بابنه اسماعيل اخبره بما قد ذكر الله عنه فى المنام فقال يا ابت اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح من دمي شىء فتراه امي واشحذ شفرتك واسرع من السكين على حلقي ليكون اهون علي، فان الموت شديد فقال له ابراهيم نعم العون انت على امر الله.
[ 153 ]
الباب السابع في قصص لوط عليه السلام وقومه قال الله تعالى: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه الا أن قالوا اخرجوهم من قريتكم انهم اناس يتطهرون * فأنجيناه واهله إلا امرأته كانت من الغابرين * وامطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين). هو ابن هاران بن تارخ بن اخي ابراهيم الخليل عليه السلام. وقيل انه كان ابن خالة ابراهيم عليه السلام، وكانت سارة زوجة ابراهيم عليه السلام اخت لوط. و الفاحشة اتيان الرجال فى ادبارهم. قال الحسن: وكانوا يفعلون ذلك. وقوله تعالى: (وتقطعون السبيل) أي سبيل الولد باختياركم الرجال وتقطعون الناس عن الأسفار باتيان هذه الفاحشة، فانهم كانوا يفعلونه بالمجتازين فى ديارهم و كانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالخزف فان اصابه كان اولى به ويأخذون ماله فينكحونه ويغرمونه ثلاثه دراهم، وكان لهم قاض يفتي بذلك. وقوله تعالى: (و تأتون في ناديكم المنكر). قيل: كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء. و روي ذلك
عن الرضا عليه السلام. وقيل: انهم كانوا يأتون الرجال في مجالسهم يرى بعضها بعضا، فأنزل الله
[ 154 ]
عليهم الرجز - أي العذاب - و هي الحجارة التى امطرت عليهم. وقيل: هو الماء الاسود على وجه الارض. اقول: خروج الماء الاسود على وجه الارض من علامات الغضب، وفى هذه الاعصار خروج الماء الاسود من بلاد (قم) وبه خربت محال كثيرة وهو الى وقت رقم هذه الكلمات على حاله واقفا بين محالها يخرج من المنازل فيخربها وكل محلة خربت منازلها وقع بأهلها الموت حتى انه لم يبق منهم الا القليل، وقد حفروا لها انهارا من تحت الارض وهو يجرى منه الماء الى خارج البلد. ورأيت حديثا عن الصادق عليه السلام: من علامات الفرج لاهل قم ان يجري الماء على وجه الارض. يعنى ان يكون الفرج ويخرج القائم عليه السلام. وقد خرج من غيرها ايضا مثل شيراز و جرفايقان وخرب المنازل ووقع الموت بأهلها، لكنه سكن وفرغ منه. (علل الشرايع) باسناده الى ابي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعوذ من البخل ؟ قال نعم فى كل صباح ومساء، ونحن نتعوذ بالله من البخل، انه يقول: (ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون) وسأخبرك عن عاقبة البخل: ان قوم لوط كانوا اهل قرية اشحاء على الطعام، فاعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم. فقلت وما اعقبهم ؟ فقال ان قرية قوم لوط كانت على طريق السيارة تنزل بهم فيضيفونهم، فلما اكثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا بخلا ولؤما، فدعاهم البخل الى ان كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم، وانما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتى ينكل النازل عنهم، فشاع امرهم فى
القرى، فاورثهم البخل بلاءا لا يستطيعون دفعه عن انفسهم من غير شهوة الى ذلك حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ويعطونهم عليه الجعل. فقلت له جعلت فداك فهل كان اهل قرية لوط كلهم يفعلون ؟ فقال نعم الا اهل بيت منهم من المسلمين، اما تسمع لقوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) وان لوطا لبث فى قومه ثلاثين سنة يدعوهم الى
[ 155 ]
الله عزوجل وكانوا لا يتنظفون من الغائط ولا يتطهرون من الجنابة. وكان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به ويحذرهم قومه، فلما رأى قمه ذلك قالوا اننا ننهاك عن العالمين ان فعلت فضحناك في ضيفك، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم امره مخافة ان يفضحه قومه لانه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط و ابراهيم عليهما السلام يتوقعان نزول العذاب على قومه، وان الله كان إذا اراد عذاب قوم لوط ادركته مودة ابراهيم وخلته ومحبة لوط، فيؤخر عذابهم، فلما اشتد عليهم غضب الله واراد عذابهم وقضى ان يعوض ابراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلى به مصابه بهلاك قوم لوط، فبعث الله رسلا الى ابراهيم يبشرونه باسماعيل فدخلوا عليه ليلا، ففزع وخاف ان يكونوا سرا. فلما رأته الرسل مذعورا قالوا سلاما (قال سلام إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) وهو اسماعيل. قال (فما خطبكم بعد البشارة ؟ قالوا إنا ارسلنا الى قوم لوط لننذرهم عذاب رب العالمين * فقال ابراهيم للرسل ان فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجيه واهله اجمعين * الا امرأته...) الحديث. (وروي) عن الاصبغ قال سمعت عليا عليه السلام يقول: ستة في هذه الامة من اخلاق قوم لوط: الجلاهق - وهو البندق - والجذف ومضغ العلك
وارخاء الازار في الخلاء وحل الازار من القباء والقميص. (وفيه) عن الباقر عليه السلام في حديث طويل يقول: انه لما انتصف الليل سار لوط ببناته وتولت امرأة مدبرة فانقطعت الى قومها تسعى بلوط وتخبرهم ان لوطا قد سار ببناته، قال جبرئيل عليه السلام واني نوديت من تلقاء العرش لما طلع الفجر يا جبرئيل حق القول من الله بحتم عذاب قوم لوط، فاقلعها من تحت سبع ارضين ثم عرج بها الى السماء فأوقفها حتى يأتيك امر الجبار فى قلبها ودع منها آية من منزل لوط عبرة للسيارة فهبطت على اهل القرية فضربت بجناحي الايمن على ما حوى عليه شرقيها وضربت بجناحي الايسر على ما حوى عليه غربيها فاقتلعتها
[ 156 ]
من تحت سبع ارضين الا منزل آل لوط، ثم عرجت بها فى خوافي جناحي حتى اوقفتها حيث يسمع اهل السماء صياح ديوكها ونباح كلابها، فلما طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش يا جبرئيل اقلب القرية على القوم فقلبتها عليهم حتى صار اسفلها اعلاها وامطر الله عليهم حجارة من سجيل، وكان موضع قريتهم بنواحي الشام، وقلبت بلادهم، فوقعت فيها بين بحر الشام الى مصر فصارت تلولا فى البحر (علي بن ابراهيم) فى كلام طويل: ان ابراهيم عليه السلام لما رمي بنار نمرود، وجعلت عليه بردا وسلاما خرج من بلاد نمرود الى البادية فنزل على ممر الطريق الى اليمن والشام، فكان يمر به الناس فيدعوهم الى الاسلام، وقد كان خبره فى الدنيا ان الملك القاه في النار ولم يحترق، وكان ابراهيم كل من مر به يضيفه وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة كثيرة الشجر، وكان الطريق عليها وكان كل من مر بتلك البلاد تناول من تمورهم وزروعهم فجزعوا من ذلك وجاءهم ابليس في صورة شيخ فقال لهم هل أدلكم على ما إن فعلتموه لم يمر بكم احد ؟ فقالوا ما هو ؟ قال من مر بكم فانكحوه في دبره واسلبوا ثيابه، ثم تصور لهم ابليس في
صورة امرد حسن الوجه فجاءهم فوثبوا عليه ففجروا به كما امرهم فاستطابوه وكانوا يفعلونه بالرجال فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فشكى الناس فى ذلك الى ابراهيم عليه السلام فبعث إليهم لوطا يحذرهم وقال لهم لوط: انا ابن خالة ابراهيم الذي جعل الله عليه النار بردا و سلاما، وهو بالمقرب منكم فاتقوا الله ولا تفعلوا، فان الله يهلككم وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من ايديهم وتزوج لوط فيهم وولد بنات، فلما طال ذلك على لوط ولم يقبلوا منه قالوا لئن لم تنته لنرجمنك بالحجارة فدعا عليهم لوط. فبينما ابراهيم عليه السلام قاعد فى الموضع الذى كان فيه وقد كان اضاف قوما وخرجوا، فنظر الى اربعة نفر وقد وقفوا عليه لا يشبهون الناس، فقالوا سلاما. فقال ابراهيم سلام، فجاء ابراهيم عليه السلام الى سارة فقال لها: قد جاءتني اضياف لا يشبهون الناس ؟ فقالت ما عندنا الا هذا العجل. فذبحه و شواه وحمله إليهم وذلك قول الله عزوجل: (ولقد جاءت
[ 157 ]
رسلنا ابراهيم بالبشرى، قالوا سلاما قال سلام) فما لبث ان جاء بعجل حنيذ مشوي فلما رأى ايديهم لا تصل إليه ولا ياكلون منه، خاف منهم، فقالت لهم سارة: مالكم تمتنعون من طعام خليل الله ؟ فقالوا: لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط، ففزعت سارة وضحكت - أي حاضت - وقد كان ارتفع حيضها، فبشروها باسحاق ومن ورائه يعقوب. فوضعت يدها على وجهها فقالت يا ويلتى أألد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا. فقال لها جبرئيل عليه السلام اتعجبين من امر الله ؟ فلما ذهب عن ابراهيم الروع اقبل يجادل الملائكة فى قوم لوط فقال ابراهيم لجبرئيل عليه السلام: بماذا ارسلت ؟ قال بهلاك قوم لوط، قال ان فيها لوطا قال: جبرئيل عليه السلام (نحن اعلم بمن فيها لننجينه واهله الا امرأته) قال ابراهيم: يا جبرئيل ان كان في المدينة مائة رجل من المؤمنين تهلكهم ؟ قال: لا قال: فان كان فيهم
خمسون ؟ قال لا، فان كان فيهم عشرة ؟ قال لا، قال وان كان فيهم واحد ؟ قال لا، وهو قوله (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) فقال ابراهيم يا جبرئيل راجع ربك فيهم فأوحى الله الى ابراهيم: يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتاهم عذاب غير مردود، فخرجوا من عند ابراهيم، فوقفوا على لوط وهو يسقى زرعه، فقال لهم لوط: من انتم ؟ قالوا: نحن ابناء السبيل اضفنا الليلة. فقال لهم: يا قوم ان اهل هذه القرية قوم سوء لعنهم الله واهلكهم، ينكحون الرجال ويأخذون الاموال، فقالوا: قد ابطأنا فاضفنا، فجاء لوط الى اهله وكانت منهم، فقال لها: انه قد اتانا اضياف فى هذه الليلة فاكتمي عليهم حتى اعفو عنك جميع ما كان الى هذا الوقت ؟ فقالت افعل. وكانت العلامة بينها وبين قومها إذا كان عند لوط اضياف بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار، فلما دخل جبرئيل والملائكة معه بيت لوط عليه السلام أوقدت امرأته نارا فوق السطح، فعلم اهل القرية واقبلوا إليه من كل ناحية يهرعون، فلما صاروا الى باب البيت قالوا يا لوط أو لم ننهك عن العالمين ؟ فقال لهم: هؤلاء بناتي هن اطهر لكم، قال يعني به - ازواجهم - وذلك ان النبي هو أبو امته، فدعاهم الى الحلال، ولم يكن يدعوهم
[ 158 ]
الى الحرام، فقال: ازواجكم هن اطهر لكم، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد ؟ فقال لوط لما ايس: لو ان لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد، وما بعث الله نبيا بعد لوط الا في عز من قومه، وقوله عليه السلام: القوة القائم والركن الشديد ثلاثمائة وثلاثة عشر يعني الذين يخرجون مع القائم عليه السلام. (قال علي بن ابراهيم) فقال جبرئيل للملائكة لو علم ما له من القوة فقال لوط: من انتم فقال له جبرئيل عليه السلام انا جبرئيل. فقال لوط: بماذا امرت
قال: بهلاكهم، قال الساعة ؟ فقال جبرئيل: (ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب) قال فكسروا الباب ودخلوا البيت، فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فطمسها، وهو قول الله عزوجل: (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر) فلما راوا ذلك علموا انه قد جاءهم العذاب، فقال جبرئيل للوط: فاسر باهلك بقطع من الليل واخرج من بينهم انت وولدك ولا يلتفت منكم احد الا امراتك فانه مصيبها ما اصابهم، وكان فى قوم لوط رجل عالم فقال لهم: يا قوم لقد جاءكم العذاب الذى كان يعدكم لوط، فاحرسوه و لا تدعوه يخرج من بينكم فانه ما دام فيكم لا ياتيكم العذاب، فاجتمعوا حول داره يحرسونه، فقال جبرئيل: يا لوط اخرج من بينهم، فقال كيف اخرج وقد اجتمعوا حول داري ؟ فوضع بين يديه عمودا من نور، فقال له: اتبع هذا العمود، فخرجوا من القرية من تحت الارض، فالتفتت امرأته، فارسل الله عليها صخرة فقتلتها. فلما طلع الفجر صارت الملائكة الاربعة كل واحد في طرف من قريتهم فقلعوها من سبع ارضين الى تخوم الارض، ثم رفعوها فى السماء، حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبوها عليهم، وامطر الله عليهم حجارة من سجيل. (وعن ابي عبدالله " ع "): ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل عمل قوم لوط الا رماه الله بحجر من تلك الحجارة ليكون فيه منيته ولكن الخلق لا يرونه. (قال الطبرسي " رحمه الله ") اختلف فى ذلك - يعني عرض البنات -
[ 159 ]
فقيل: اراد بناته لصلبه. عن قتادة وبه رواية. وقيل اراد النساء من امته، لانهن كالبنات له. واختلف ايضا فى كيفية عرضهن ؟ فقيل بالتزويج، وكان يجوز في شرعه تزويج بنته المؤمنة من الكافر.
وكذا كان يجوز ايضا في مبتدأ الاسلام، وقد زوج النبي صلى الله عليه وآله من ابي العاص بن الربيع، قبل ان يسلم. ثم نسخ ذلك. وقيل: اراد التزويج بشرط الايمان، و كانوا يخطبون بناته فلا يزوجهن منهم لكفرهم. وقيل: انه كان لهم سيدان مطاعان، فاراد ان يزوجهما بنتيه ذعورا وريثا. (علل الشرايع) عن الصادق عليه السلام قال: في المنكوح من الرجال هم بقية سدوم، اما اني لست اعني بقيتهم انه ولدهم، ولكن من طينتهم. (قلت) سدوم الذي قلبت عليهم ؟ قال هي اربعة مدائن سدوم وصديم ولدنا وعميراء. (وقال المسعودي) ارسل الله لوطا الى المدائن الخمسة وهى سدوم وعمورا ودوما وصاعورا وصابورا. (وعنه عليه السلام) وقد سئل وكيف كان يعلم قوم لوط انه قد جاء لوطا رجل ؟ قال كانت امرأته تخرج فتصفر فإذا سمعوا الصفير جاؤوا، فلذلك كره التصفير (وعنه عليه السلام) انه لما جاء الملائكة الى لوط وهو لم يعرفهم واخذهم الى منزله إلتفت إليهم فقال انكم تأتون شرار خلق الله، وكان جبرئيل عليه السلام قال الله له: لا يعذبهم حتى يشهد عليهم ثلاث شهادات، فقال هذه واحدة، ثم مشى ساعة فقال انكم تأتون شرار خلق الله. فقال جبرئيل عليه السلام هذه ثنتان، فلما بلغ باب المدينة، إلتفت إليهم وقال انكم تأتون شرار خلق الله. فقال جبرئيل هذه ثلاث، ثم دخلوا منزله، الحديث. (ثواب الاعمال) مسندا الى ابي جعفر عليه السلام قال: كان قوم لوط افضل قوم خلقهم الله عزوجل فطلبهم ابليس لعنه الله طلبا شديدا، وكان من
[ 160 ]
فضلهم وخيرهم انهم إذا خرجوا الى العمل خرجوا باجمعهم وتبقى النساء خلفهم،
فحسدهم ابليس على عبادتهم، وكانوا إذا رجعوا خرب ابليس ما يعملون، فقال بعضهم لبعض تعالوا نرصد هذا الذي يخرب متاعنا، فرصدوه فإذا هو غلام كاحسن ما يكون من الغلمان، فقالوا انت الذي تخرب متاعنا ؟ فقال نعم مرة بعد مرة، واجتمع رأيهم على ان يقتلوه فبيتوه عند رجل، فلما كان الليل صاح. فقال ما لك ؟ فقال كان ابى ينومني على بطنه. فقال نعم فنم على بطني فلم يزل بذلك الرجل حتى علمه ان يعمل بنفسه، فأولا علمه ابليس والثانية علمه هو، يعني لغيره. ثم انسل ففر منهم فاصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه شىء لا يعرفونه، فوضعوا ايديهم فيه حتى اكتفى الرجال بعضهم ببعض. ثم جعلوا يرصدون مار الطريق فيفعلون بهم حتى ترك مدينتهم الناس، ثم تركوا نساءهم، فاقبلوا على الغلمان، فلما رأى ابليس لعنه الله انه قد احكم امره فى الرجال دار الى النساء، فصير نفسه امرأة، ثم قال ان رجالكم يفعلون بعضهم ببعض قلن نعم قد رأينا ذلك، وعلى ذلك يعظهم لوط. وما زال يوصيهن حتى استكفت النساء بالنساء فلما كملت عليهم الحجة، بعث الله عزوجل جبرئيل وميكائيل واسرافيل فى زي غلمان عليهم اقبية، فمروا بلوط وهو يحرث فقال اين تريدون ؟ فما رأيت اجمل منكم قط، قالوا ارسلنا سيدنا الى رب هذه المدينة قال ولم يبلغ سيدكم ما يفعل اهل هذه القرية ؟ يا بني انهم والله ياخذون الرجال فيفعلون بهم حتى يخرج الدم ؟ فقالوا له امرنا سيدنا ان نمر فى وسطها، قال فلى اليكم حاجة ؟ قالوا وما هي ؟ قال تصبرون هاهنا الى اختلاط الظلام ؟ فجلسوا، فبعث ابنته فقال: هاتي لهم خبزا وماء و عباءة يتغطون بها من البرد. فلما ان ذهبت الى البيت اقبل المطر وامتلأ الوادي، فقال لوط الساعة تذهب بالصبيان الوادي، قال قوموا حتى نمضي، فجعل لوط يمشي في اصل الحائط وجعل الملائكة يمشون وسط الطريق، فقال يا بني هاهنا قالوا امرنا سيدنا ان نمر وسطها. وكان لوط عليه السلام يستغل الظلام ومر ابليس
لعنه الله فاخذ من حجر امرأته صبيا، فطرحه في البئر، فتصايح اهل المدينة على
[ 161 ]
باب لوط عليه السلام، فلما نظروا الى الغلمان في منزل لوط عليه السلام قالوا يا لوط قد دخلت فى عملنا ؟ قال هؤلاء ضيفي فلا تفضحون، قالوا هم ثلاثة خذ واحدا واعطنا اثنين، قال وادخلهم الحجرة وقال لوط عليه السلام لو ان لي اهل بيت يمنعونني منكم، وقد تدافعوا بالباب فكسروا باب لوط وطرحوا لوطا فقال جبرئيل عليه السلام انا رسل ربك لن يصلوا اليك، فاخذ كفا من بطحاء الرمل فضرب بها وجوههم وقال شاهت الوجوه. فعمى اهل المدينة كلهم، فقال لوط يا رسل ربي بماذا امركم فيهم ؟ قالوا امرنا ان ناخذهم بالسحر، قال تأخذونهم الساعة ؟ قالوا يا لوط ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب ؟ فخذ انت بناتك وإمض. (وقال) أبو جعفر: رحم الله لوطا لو يدري من معه فى الحجرة لعلم انه منصور حين يقول لو ان لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد، أي ركن اشد من جبرئيل معه فى الحجرة. وقال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وآله: (وما هي للظالمين ببعيد) أي من ظالمي امتك ان عملوا عمل قوم لوط. (ثواب الاعمال) باسناده الى الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما عمل قوم لوط ما عملوا، بكت الارض الى ربها حتى بلغت دموعها السماء، وبكت السماء حتى بلغت دموعها العرش، فأوحى الله عزوجل الى السماء: احصبيهم - أي ارميهم بالحصباء - وهى الحجارة، واوحى الله الى الارض: ان اخسفي بهم. (العياشي) عن زيد بن ثابت قال: سأل رجل امير المؤمنين عليه السلام اتؤتى النساء فى ادبارهن ؟ فقال: سفلت سفل الله بك، اما سمعت الله يقول:
(اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين). وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام ذكر عنده اتيان النساء فى ادبارهن، فقال ما اعلم آية فى القرآن احلت ذلك الا واحدة (انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء).
[ 162 ]
الباب الثامن في قصص ذي القرنين عليه السلام وكان اسمه عياشيا وكان اول الملوك بعد نوح عليه السلام ملك ما بين المشرق والمغرب، قال الله تعالى: (ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا * إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شىء سببا * فاتبع سببا * حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا * قال اما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا * واما من آمن وعمل صالحا فله جزاءا الحسنى و سنقول له من امرنا يسرا...) الايات. قال امين الاسلام الطبرسي فى قوله تعالى: (انا مكنا له فى الارض) أي بسطنا يده في الارض وملكناه حتى استولى عليها. وروي عن علي عليه السلام انه قال: سخر الله له السحاب فحمله عليها ومد له فى الاسباب وبسط له النور، فكان الليل والنهار عليه سواء، فهذا معنى تمكينه فى الارض. (وآتيناه من كل شىء سببا) أي واعطيناه من كل شىء علما وقدرة وآلة يتسبب بها الى إرادته. (فاتبع سببا) أي فاتبع طريقا واخذ في سلوكه.
(حتى إذا بلغ مغرب الشمس) أي آخر العمارة من جانب المغرب، وبلغ قوما لم يكن وراءهم احد الى موضع غروب الشمس.
[ 163 ]
(وجدها تغرب) أي كأنها تغرب. (فى عين حمئة) وان كانت تغرب وراءها لان الشمس لا تزايل الفلك فلا تدخل فى عين الماء، ولكن لما بلغ ذلك الموضع تراءى له كأن الشمس تغرب في عين كما ان من كان في البحر يراها كأنها تغرب فى الماء من كان فى البر يراها كأنها تغرب فى الارض الملساء. والعين الحمئة ذات الحماة وهي الطين الاسود المنتن و الحامية الحارة. و عن كعب قال اجدها فى التوراة تغرب في ماء وطين. (علل الشرايع والامالي) مسندا الى وهب قال: وجدت فى بعض كتب الله تعالى ان ذا القرنين لما فرغ من عمل السد انطلق على وجهه، فبينما هو يسير وجنوده إذ مر على شيخ يصلي فوقف عليه بجنوده حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين كيف لم يرعك ما حضرك من جنودي ؟ قال كنت اناجي من هو اكثر جنودا منك واعز سلطانا واشد قوة ولو صرفت وجهى اليك لم ابلغ حاجتى قبله فقال ذو القرنين هل لك فى ان تنطلق معي فاواسيك بنفسي واستعين بك على بعض امري ؟ قال نعم ان ضمنت لي اربعة خصال: نعيما لا يزول وصحة لا سقم فيها وشبابا لا هرم فيه وحياة لا موت فيها، فقال له ذو القرنين واي مخلوق يقدر على هذه الخصال ؟ فقال له الشيخ فاني مع من يقدر عليها ويملكها واياك. ثم مر برجل عالم فقال لذي القرنين اخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عزوجل قائمين ؟ وعن شيئين مختلفين ؟ وعن شيئين جاريين ؟ وعن شيئين متباغضين. فقال له ذو القرنين: اما الشيئان الجاريان فالشمس والقمر، واما الشيئان
المختلفان فالليل والنهار، واما الشيئان المتباغضان فالموت والحياة. فقال انطلق فانك عالم. فانطلق ذو القرنين يسير فى البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى فوقف عليه بجنوده فقال: له اخبرني ايها الشيخ لأي شىء تقلب هذه الجماجم ؟ فقال لأعرف الشريف من الوضيع والغني من الفقير فما عرفت واني لأقلبها منذ عشرين سنة فانطلق ذو القرنين وتركه، فقال ما عنيت بهذا احدا غيري.
[ 164 ]
فبينما هو يسير إذ وقع الى الامة العالمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون فلما رآهم قال لهم ايها القوم اخبروني بخبركم، فإنى قد درت الارض شرقها وغربها وبرها وبحرها فلم الق مثلكم فاخبروني ما بال قبور موتاكم على ابواب بيوتكم ؟ قالوا لئلا ينسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا. قال فما بال بيوتكم ليس عليها ابواب ؟ قالوا ليس فينا لص ولا ظنين - اي متهم - وليس فينا الا امين قال فما بالكم ليس عليكم امراء ؟ قالوا لا نتظالم. قال فما بالكم ليس بينكم حكام ؟ - يعني القضاة - قالوا لا نختصم. قال فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟ قالوا لا نتكاثر. قال فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا من قبل إنا متواسون متراحمون. قال فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون ؟ قالوا من قبل إلفة قلوبنا، وصلاح ذات بيننا. قال فما بالكم لا تسبون ولا تقتلون ؟ قالوا من قبل انا غلبنا طبائعنا - يعني بالعزم - ومسسنا انفسنا بالحكم، قال فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة ؟ قالوا من قبل انا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا قال فاخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا من قبل انا نقسم بالسوية. قال فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ ؟ قالوا من قبل الذل والتواضع. قال فلم جعلكم الله اطول الناس اعمارا ؟ قالوا من قبل انا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل. قال فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا من قبل انا لا نغفل عن الاستغفار. قال فما بالكم لا تحزنون ؟
قالوا من قبل انا وطنا انفسنا على البلاء فعزينا انفسنا. قال فما بالكم لا تصيبكم الآفات ؟ قالوا من قبل انا لا نتوكل على غير الله عزوجل ولا نستمطر بالانواء والنجوم. قال فحدثوني ايها القوم هكذا وجدتم آباءكم يفعلون ؟ قالوا: وجدنا آباءنا يرحمون مسكينهم ويواسون فقيرهم ويعفون عمن ظلمهم ويحسنون الى من اساء إليهم ويستغفرون لمسيئهم ويصلون ارحامهم ويؤدون امانتهم ويصدقون ولا يكذبون فأصلح الله لهم بذلك امرهم. فاقام عندهم ذو القرنين حتى قبض وله خمسمائة عام. (تفسير علي بن ابراهيم) باسناده الى الصادق عليه السلام: قال ان ذا القرنين
[ 165 ]
بعثه الله الى قومه فضرب على قرنه الايمن، فأماته الله خمسمائة عام. ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك. فضرب على قرنه الايسر فاماته الله خمسمائة عام. ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك فملكه مشارق الارض ومغاربها. و سئل امير المؤمنين عليه السلام عن ذى القرنين انبيا كان ام ملكا ؟ فقال: لاملكا ولا نبيا بل عبدا احب الله فاحبه الله، ونصح لله فنصح له، فبعثه الى قومه فضربوه على قرنه الايمن، فغاب عنهم ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الايسر فغاب عنهم، ثم بعثه الثالثة فمكن الله له فى الارض وفيكم. مثله يعنى نفسه. وكان ذو القرنين إذا مر بقرية زار فيها كما يزار الاسد المغضب، فينبعث فى القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق يهلك من خالفه. وقيل له: ان لله فى ارضه عين يقال لها عين الحياة لا يشرب منها ذو روح الا لم يمت حتى الصيحة، فدعا ذو القرنين الخضر وكان افضل اصحابه عنده ودعا ثلاثمائة وستين رجلا ودفع الى كل واحد منهم سمكة وقال لهم اذهبوا الى موضع كذا وكذا فان هناك ثلاثمائة وستين عينا، فيغسل كل واحد سمكته فى عين غير
عين صاحبه. فذهبوا يغسلون وقعد الخضر يغسل فانسابت منه السمكة في العين وبقى الخضر متعجبا مما رأى وقال فى نفسه: ما اقول لذي القرنين ؟ ثم نزع ثيابه يطلب السمكة، فشرب من مائها واغتمس فيه و لم يقدر على السمكة، فرجعوا الى ذي القرنين، فامر ذو القرنين بقبض السمك من اصحابه. فلما انتهوا الى الخضر لم يجدوا معه، فدعاه وقال له ما حال السمكة ؟ فاخبره الخبر، فقال له ماذا صنعت ؟ قال اغتمست فيها فجعلت اغوص واطلبها فلم اجدها، قال فشربت من مائها ؟ قال نعم. قال فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها فقال للخضر: كنت انت صاحبها. (الأمالي) عن الصادق عليه السلام قال: ان ذا القرنين لما انتهى الى السد جاوزه فدخل فى الظلمات، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع، فقال له الملك: يا ذا القرنين اما كان خلفك مسلك ؟ فقال له ذو القرنين من انت ؟ قال انا ملك من ملائكة الرحمان موكل بهذا الجبل فليس من جبل خلقه الله عزوجل الا
[ 166 ]
وله عرق الى هذا الجبل فإذا اراد الله عزوجل ان يزلزل مدينة اوحى إلي فزلزلتها. وعن ابي جعفر عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى لم يبعث انبياءا ملوكا فى الارض الا اربعة بعد نوح عليه السلام: ذو القرنين واسمه عياش و داود وسليمان ويوسف، واما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب، واما داود فملك ما بين الشامات الى بلاد الاصطخر، وكذلك كان ملك سليمان، واما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها الى غيرها. قال الصدوق طاب ثراه: جاء فى الخبر هكذا، والصحيح الذى اعتقده في ذى القرنين انه لم يكن نبيا صالحا احب الله فاحبه الله. قال امير المؤمنين عليه السلام: وفيكم مثله. و ذو القرنين ملك مبعوث وليس
برسول ولا نبى، كما كان طالوت ملكا. قال الله عزوجل: (و قال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا) وقد يجوز ان يذكر في جملة الانبياء من ليس بنبي، كما يجوز ان يذكر من الملائكة من ليس بملك. قال الله عزوجل: (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن...). وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: ملك الارض كلها اربعة: مؤمنان وكافران فاما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين عليهما السلام، والكافران نمرود وبخت نصر، واسم ذى القرنين عبد الله بن ضحاك بن معبد. (علل الشرايع) باسناده الى الباقر عليه السلام: قال اول اثنين تصافحا على وجه الارض ذو القرنين وابراهيم الخليل عليه السلام استقبله ابراهيم فصافحه، واول شجرة نبتت على وجه الارض النخلة. (بصائر الدرجات) عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان ذا القرنين قد خير بين السحابين، واختار الذلول، وذخر لصاحبكم الصعب. قال قلت وما الصعب ؟ قال كان من سحاب فيه رعد وصاعقة وبرق، فصاحبكم يركبه، اما انه سيركب
[ 167 ]
السحاب ويرقى فى الاسباب اسباب السماوات السبع والارضين السبع خمس عوامر و اثنتان خراب. اقول: المراد بصاحبكم هو القائم عليه السلام. (اكمال الدين) باسناده الى عبد الله بن سليمان وكان قارئا للكتب قال: قرأت فى بعض كتب الله عزوجل ان ذا القرنين كان رجلا من اهل الاسكندرية وامه عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره يقال له اسكندر وكان له ادب وخلق وعفة
من وقت ما كان فيه غلاما الى ان بلغ رجلا وكان رأى فى المنام كأنه دنا من الشمس حتى اخذ بقرنيها وشرقها وغربها، فلما قص رؤياه على قومه سموه ذا القرنين هذه الرؤيا بعدت همته وعلا صوته وعز فى قومه و كان اول ما اجمع عليه امره ان اسلم لله و دعا قومه الى الاسلام، فاسلموا هيبة له، ثم امرهم ان يبنوا له مسجدا فأجابوه الى ذلك، فامر ان يجعل طوله اربعمائة ذراع وعرض حائطه اثنين وعشرين ذراعا وعلوه الى السماء مائة ذراع، فقالوا له يا ذا القرنين كيف لك بخشب يبلغ ما بين الحائطين قال فاكبسوه بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم من ذلك فرضتم على كل رجل من المؤمنين على قدره من الذهب والفضة ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر وخلطتموه مع ذلك الكبس وعملتم له خشبا من نحاس وصفائح تذيبون ذلك وانتم متمكنون من العمل كيف شئتم على ارض مستوية فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب فيسارعون فيه من اجل ما فيه من الذهب والفضة. فبنوا المسجد واخرج المساكين ذلك التراب وقد استقل السقف بما فيه واستغنى المساكين فجندهم اربعة اجناد فى كل جند عشرة آلاف ثم نشرهم فى البلاد وحدث نفسه بالسير فاجتمع إليه قومه فقالوا ننشدك بالله لا تؤثر علينا بنفسك غيرنا فنحن احق برؤيتك وفينا كان مسقط رأسك وهذه اموالنا و انفسنا، فانت الحاكم فيها وهذه امك عجوز كبيرة وهى اعظم خلق الله عليك حقا فلا تخالفها، فقال ان القول لقولكم وان الرأي لرأيكم ولكنني بمنزلة المأخوذ بقلبه وسمعه وبصره ويقاد ويدفع من خلفه لا يدري اين يؤخذ به، ولكن
[ 168 ]
هلموا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد واسلموا على آخركم ولا تخالفوا علي فتهلكوا، ثم دعا دهقان الاسكندرية فقال له: اعمر مسجدي وعز عني امي، فلما رأى الدهقان جزع امه وطول بكائها احتال ليعزيها بما اصاب الناس قبلها وبعدها
من المصائب و البلاء فيصنع عيدا عظيما، ثم اذن مؤذنه ايها الناس ان الدهقان يدعوكم ان تحضروا يوم كذا وكذا، فلما كان ذلك اليوم اذن مؤذنه اسرعوا واحذروا ان يحضر هذا العيد الا رجل قد عرى من البلاء والمصائب فاحتبس الناس كلهم، فقالوا ليس فينا احد عرى من البلاء ما منا احد الا وقد اصيب ببلاء أو بموت حميم، فسمعت ام ذي القرنين فاعجبها، ولم تدر ما اراد الدهقان، ثم ان الدهقان امر مناديا ينادي فقال: يا ايها الناس ان الدهقان قد امركم ان تحضروا يوم كذا و كذا ولا يحضر الا رجل قد ابتلى واصيب وفجع ولا يحضره احد عري من البلاء فانه لا خير فيمن لا يصيبه البلاء، فلما فعل ذلك قال الناس هذا رجل قد بخل، ثم ندم و استحيى فتدارك امره ومحى عيبه. فلما اجتمعوا، خطبهم ثم قال: اني لم اجمعكم لما دعوتكم له ولكني جمعتكم لاكلمكم في ذي القرنين وفيما فجعنا به من فقده و فراقه فذكروا آدم ان الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له ملائكته واسكنه جنته ثم ابتلاه بأن عظم بليته وهو الخروج من الجنة، ثم ابتلى ابراهيم بالحريق وابتلى ابنه بالذبح، ويعقوب بالحزن والبكاء ويوسف بالرق وايوب بالسقم و يحيى بالذبح وزكريا بالقتل وعيسى بالامر، وخلقا من خلق الله كثيرا لا يحصيهم الا الله عزوجل فلما فرغ من هذا الكلام قال لهم: انطلقوا فعزوا ام الاسكندر لننظر كيف صبرها فانها اعظم مصيبة في ابنها، فلما دخلوا عليها قالوا لها: هل حضرت الجمع اليوم وسمعت الكلام ؟ قالت لهم: ما غاب على من امركم شىء وما كان فيكم احد اعظم مصيبة بالاسكندر مني ولقد صبرني الله وارضاني وربط على قلبي، فلما رأوا حسن عزائها انصرفوا عنها. وانطلق ذو القرنين يسير على وجهه حتى امعن فى البلاد يؤم المغرب وجنوده يومئذ المساكين، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا ذا القرنين انك
[ 169 ]
حجتي على جميع الخلائق ما بين الخافقين من مطلع الشمس الى مغربها، وهذا تأويل رؤياك. فقال ذو القرنين: إلهي انك ندبتني لامر عظيم لا يقدر قدره غيرك فاخبرني عن هذه الامة باية قوم اكاثرهم وبأي عدد اغلبهم وبأية حيلة اكيدهم وبأي لسان اكلمهم وكيف لي بأن اعرف لغاتهم ؟ فأوحى الله تعالى إليه: اشرح لك صدرك فتسمع كل شىء واشرح لك فهمك فتفقه كل شىء واحفظ عليك فلا يعزب منك شىء واشد ظهرك فلا يهولك شىء واسخر لك النور و الظلمة اجعلهما جندين من جنودك النور يهديك والظلمة تحوطك وتحوش عليك الامم من ورائك فانطلق ذو القرنين برسالة ربه عزوجل، فمر بمغرب الشمس فلا يمر بامة من الامم الا دعاهم الى الله عزوجل فان اجابوه قبل منهم وان لم يجيبوه اغشاهم الظلمة، فاظلمت مدنهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم واغشت ابصارهم ودخلت على افواههم وآنافهم، فلا يزالون فيها متحيرين حتى يستجيبوا لله عزوجل. (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها...) الاية التى ذكرها الله عزوجل فى كتابه، ففعل بهم مع غيرهم حتى فرغ مما بينه وبين المغرب. ثم مشى على الظلمة ثمانية ايام وثمان ليال واصحابه ينظرونه حتى انتهى الى الجبل الذي هو محيط بالارض كلها، فإذا بملك من الملائكة قابض على الجبل وهو يسبح الله، فخر ذو القرنين ساجدا، فلما رفع رأسه، قال له الملك: كيف قويت يا بن آدم على ان تبلغ هذا الموضع ولم يبلغه احد من ولد آدم قبلك ؟ قال ذو القرنين: قواني على ذلك الذي قواك على قبض هذا الجبل وهو محيط بالارض كلها قال له الملك صدقت، لولا هذا الجبل لانكفأت الارض بأهلها وليس على وجه الارض جبل اعظم منه وهو اول جبل اسسه الله عزوجل، فرأسه ملصق بالسماء الدنيا واسفله بالارض السابعة السفلى وهو محيط به كالحلقة، وليس على وجه الارض مدينة الا ولها عرق الى هذا الجبل، فإذا اراد الله عزوجل ان يزلزل مدينة
فأوحى الله الى فحركت العرق الذي يليها فزلزلتها. ثم رجع ذو القرنين الى اصحابه، ثم عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه
[ 170 ]
وبين المشرق من الامم، فيفعل بهم ما فعل بامم المغرب، حتى إذا فرق ما بين المشرق والمغرب عطف نحو الروم الذى ذكره الله عزوجل فى كتابه فإذا هو بامة (لا يكادون يفقهون قولا) وإذا ما بينه وبين الروم مشحون من امة يقال لها ياجوج وماجوج اشباه البهائم يأكلون ويشربون ويتوالدون وهم ذكور واناث وفيهم مشابهة من الناس الوجوه والاجساد والخلقة ولكنهم قد نقصوا في الابدان نقصا شديدا وهم فى طول الغلمان لا يتجاوزون خمسة اشبار وهم على مقدار واحد في الخلق والصور عراة حفاة لا يغزلون ولا يلبسون ولا يحتذون، عليهم وبر كوبر الابل يواريهم ويسترهم من الحر والبرد ولكل واحد منهم اذنان احداهما ذات شعر والاخرى ذات وبر ظاهرهما وباطنهما ولهم مخالب فى موضع الاظفار واضراس وانياب كالسباع، وإذا نام احدهم افترش احدى اذنيه وإلتحف الاخرى فتسعه لحافا، وهم يرزقون نون البحر كل عام يقذفه عليهم السحاب، فيعيشون به ويستمطرون في ايامه كما يستمطر الناس المطر فى ايامه، فإذا قذفوا به اخصبوا وسمنوا وتوالدوا و اكثروا فأكلوا منه الى الحول المقبل ولا يأكلون منه شيئا غيره وإذا اخطأهم النون جاعوا وساحوا فى البلاد فلا يدعون شيئا اتوا عليه الا افسدوه واكلوه وهم اشد فسادا من الجراد والآفات وإذا اقبلوا من ارض الى ارض جلى اهلها عنها و ليس يغلبون ولا يدفعون حتى لا يجد احد من خلق الله موضعا لقدمه ولا يستطيع احد ان يدنو منهم لنجاستهم وقذارتهم فبذلك غلبوا وإذا اقبلوا الى الارض يسمع حسهم من مسيرة مائة فرسخ لكثرتهم، كما يسمع حس الريح البعيدة ولهم همهمة إذا وقعوا فى البلاد كهمهمة النحل، الا انه اشد واعلى وإذا اقبلوا الى الارض حاشوا
وحوشها وسباعها حتى لا يبقى فيها شىء، لأنهم يملأون ما بين اقطارها ولا يتخلف وراءهم من ساكن الارض شىء فيه روح الا اجتلبوه وليس فيهم احد الا وعرف متى يموت وذلك من قبل انه لا يموت منهم ذكر حتى يولد له الف ولد ولا تموت انثى حتى تلد الف ولد، فإذا ولدوا الالف، برزوا للموت وتركوا طلب المعيشة. ثم انهم اجفلوا في زمان ذي القرنين يدورون ارضا ارضا وامة امة
[ 171 ]
وإذا توجهوا لوجه لم يعدلوا عنه ابدا. فلما احست تلك الامم بهم وسمعوا همهمتهم استغاثوا بذى القرنين وهو نازل فى ناحيتهم، قالوا له فقد بلغنا ما آتاك الله من الملك والسلطان وما ايدك به من الجنود ومن النور والظلمة، وانا جيران ياجوج وماجوج وليس بيننا وبينهم سوى هذه الجبال وليس لهم الينا طريق الا من هذين الجبلين لو مالوا علينا اجلونا من بلادنا ويأكلون ويفرسون الدواب والوحوش كما يفرسها السباع ويأكلون حشرات الارض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح ولا نشك انهم يملؤن الارض ويجلون اهلها منها، ونحن نخشى كل حين ان يطلع علينا اوائلهم من هذين الجبلين، وقد اتاك الحيلة والقوه (... فاجعل بيننا وبينهم سدا * قال آتوني زبر الحديد). ثم انه دلهم على معدن الحديد والنحاس فضرب لهم فى جبلين حتى فتقهما واستخرج منهما معدنين من الحديد والنحاس، قالوا: فبأي قوة نقطع هذا الحديد والنحاس ؟ فاستخرج لهم من تحت الارض معدنا آخر يقال له السامور وهو اشد شىء بياضا وليس شىء منه يوضع على شىء الا ذاب تحته، فصنع لهم منه اداة يعملون بها. وبه قطع سليمان بن داود اساطين بيت المقدس، وصخوره جاءت بها
الشياطين من تلك المعادن، فجمعوا من ذلك ما اكتفوا به. فأوقدوا على الحديد النار، حتى صنعوا منه زبرا مثل الصخور فجعل حجارته من حديد ثم اذاب النحاس فجعله كالطين لتلك الحجارة ثم بنى وقاس ما بين الجبلين فوجده ثلاثة اميال، فحفروا له اساسا حتى كاد يبلغ الماء وجعل عرضه ميلا وجعل حشوه زبر الحديد واذاب النحاس فجعله خلال الحديد فجعل طبقة من نحاس واخرى من حديد ثم ساوى الردم بطول الصدفين فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد. فيأجوج يأتونه في كل سنة مرة وذلك انهم يسيحون في بلادهم، حتى إذا
[ 172 ]
وقعوا الى الردم حبسهم، فرجعوا يسيحون فى بلادهم، فلا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة، فإذا جاء إشراطها، وهو قيام القائم عجل الله فرجه فتحه الله عز وجل لهم. فلما فرغ ذو القرنين من عمل السد انطلق على وجهه، فبينا هو يسير إذ وقع على الامة العالمة الذين منهم قوم موسى (الذين يهدون بالحق وبه يعدلون) فأقام عندهم حتى قبض ولم يكن له فيهم عمر وكان قد بلغ السن فأدركه الكبر وكان عدة ما سار فى البلاد من يوم بعثه الله عزوجل الى يوم قبض خمسمائة عام. (قصص الانبياء) للراوندي باسناده الى ابي جعفر عليه السلام قال: حج ذو القرنين في ستمائة الف فارس، فلما دخل الحرم شيعه بعض اصحابه الى البيت، فلما انصرف قال: رأيت رجلا ما رأيت اكثر نورا منه، قالوا: ذاك خليل الرحمان صلوات الله عليه، قال: اسرجوا فأسرجوا ستمائة الف دابة في مقدار ما يسرج دابة واحدة، ثم قال: لا بل نمشي الى خليل الرحمان. فمشى ومشى معه اصحابه حتى التقيا. قال ابراهيم عليه السلام: بم قطعت الدهر ؟ قال: بإحدى عشرة كلمة:
سبحان من هو باق لا يفنى، سبحان من هو عالم لا ينسى، سبحان من هو حافظ لا يسقط، سبحان من هو بصير لا يرتاب، سبحان من هو قيوم لاينام، سبحان من هو ملك لا يرام، سبحان من هو عزيز لا يضام، سبحان من هو محتجب لا يرى، سبحان من هو واسع لا يتكلف، سبحان من هو قائم لا يلهو، سبحان من هو دائم لا يسهو. (العياشي) عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام قال: سئل عن ذي القرنين ؟ قال: كان عبدا صالحا واسمه عياش اختاره الله وابتعثه الى قرن من القرون الاولى في ناحية المغرب وذلك بعد طوفان نوح عليه السلام فضربوه على قرنه الايمن فمات منها. ثم احياه الله تعالى بعد مائة عام ثم بعثه الى قرن من القرون الاولى فى ناحية المشرق فضربوه ضربة على قرنه الايسر فمات منها. ثم احياه الله تعالى بعد مائة عام وعوضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين فى موضع الضربتين
[ 173 ]
اجوفين، وجعل عز ملكه وآية نبوته فى قرنه، ثم رفعه الله الى السماء الدنيا فكشط الارض كلها حتى ابصره ما بين المشرق والمغرب وآتاه الله من كل شىء علما وايده فى قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ثم هبط الى الارض واوحى إليه: ان سر فى ناحية غرب الارض وشرقها فقد طويت لك البلاد وذللت لك العباد فأرهبتهم منك فسار ذو القرنين الى ناحية المغرب، فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزار الاسد المغضب، فبعث من قرنيه ظلمات و رعدا وبرقا وصواعق تهلك من يخالفه، فدان له اهل المشرق والمغرب، فانتهى مع الشمس الى العين الحامية فوجدها تغرب فيها ومعها سبعون الف ملك يجرونها بسلاسل الحديد والكلاليب يجرونها من البحر فى قطر الارض الايمن كما تجر السفينة على ظهر الماء. فلما ملك ما بين المشرق والمغرب كان له خليل من الملائكة يقال له: رفائيل
ينزل إليه فيحدثه ويناجيه، فقال له ذو القرنين اين عبادة اهل السماء من اهل الارض ؟ فقال ما فى السماوات موضع قدم الا وعليه ملك قائم لا يقعد ابدا أو راكع لا يسجد ابدا أو ساجد لا يرفع رأسه ابدا. فبكى ذو القرنين وقال: احب ان اعيش حتى ابلغ من عبادة ربى ما هو اهله ؟ قال رفائيل: يا ذا القرنين ان لله فى الارض عينا تدعى عين الحياة، من شرب منها لم يمت حتى يكون هو يسأل الموت، فان ظفرت بها تعش ما شئت، قال: واين تلك العين وهل تعرفها ؟ قال: لا، غير انا نتحدث فى السماء: ان لله فى الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان. فقال ذو القرنين: واين تلك الظلمة ؟ قال: ما ادري، ثم صعد رفائيل، فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رفائيل ومما اخبره عن العين والظلمة ولم يخبره بعلم ينتفع به منهما، فجمع ذو القرنين فقهاء اهل مملكته وعلماءهم. فلما اجتمعوا عنده قال لهم هل: وجدتم فيما قرأتم من كتب الله ان لله عينا تدعى عين الحياة من شرب منها لم يمت ؟ قالوا: لا، قال فهل وجدتم ان لله في الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان قالوا: لا. فحزن ذو القرنين وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من اولاد الانبياء،
[ 174 ]
فقال له: ان علم ما تريد عندي، ففرح ذو القرنين، فقال الغلام: اني وجدت فى كتاب آدم الذي كتب يوم سمي ما في الارض من عين أو شجر فوجدت فيه: ان لله عينا تدعى عين الحياة بظلمة لم يطأها انس ولا جان، ففرح ذو القرنين و قال له الغلام: انها على قرن الشمس - يعني مطلعها - ففرح ذو القرنين وبعث الى اهل مملكته فجمع اشرافهم وعلمائهم فاجتمع إليه الف حكيم وعالم. فلما اجتمعوا تهيؤوا للمسير فسار يريد مطلع الشمس يخوض البحار ويقطع الجبال، فسار اثنتى عشرة سنة حتى انتهى الى طرف الظلمة فإذا هي ليست بظلمة ليل ولا دخان، فنزل بطرفها وعسكر عليها وجمع اهل الفضل من عسكره فقال: اني
اريد ان اسلك هذه الظلمة ؟ فقالوا: انك تطلب امرا ما طلبه احد قبلك من الانبياء و المرسلين ولا من الملوك ؟ قال: انه لابد لي من طلبها. قالوا إنا نعلم انك إن سلكتها ظفرت بحاجتك ولكنا نخاف هلاكك. قال: ولا بد من ان اسلكها، ثم قال: اخبروني بابصر الدواب ؟ قالوا الخيل الاناث البكارة، فاصاب ستة آلاف فرس في عسكره، فانتخب من اهل العلم ستة آلاف رجل، فدفع الى كل رجل فرسا وكان الخضر على مقدمته فى الفي فارس، فامرهم ان يدخلوا الظلمة، وسار ذو القرنين في اربعة آلاف وامر اهل عسكره ان يلزموا معسكره اثنتى عشرة سنة فان رجع هو إليهم والا لحقوا ببلادهم، فقال الخضر: ايها الملك إنا نسلك في الظلمة لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضلال إذا اصابنا ؟ فأعطاه ذو القرنين خرزة حمراء كأنها مشعلة لها ضوء، فقال: خذ هذه الخرزة فإذا اصابكم الضلال فارم بها الى الارض فانها تصيح فإذا صاحت رجع اهل الضلال الى صوتها، فأخذها الخضر ومضى في الليلة وكان الخضر يرتحل وينزل ذو القرنين، فبينا الخضر يسير ذات يوم إذ عرض له واد في الظلمة فقال لاصحابه: قفوا في هذا الموضع ونزل عن فرسه فتناول الخرزة و رمى بها، فأبطأت عنه بالاجابه حتى خاف ان لا تجيبه، ثم اجابته، فخرج الى صوتها فإذا هي العين وإذا ماؤها اشد بياضا من اللبن واصفى من الياقوت واحلى من العسل، فشرب منها، ثم خلع ثيابه فاغتسل
[ 175 ]
فيها ولبس ثيابه، ثم رمى بالخرزة نحو اصحابه فأجابه، فخرج الى اصحابه وركب وامرهم بالمسير فساروا، و مر ذو القرنين بعده فأخطأ الوادي، فسلك تلك الظلمة اربعين يوما، ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ولكنه نور، فخرجوا الى ارض حمراء رملة، كانت حصاها اللؤلؤ، فإذا هو بقصر مبني على طول فرسخ، فجاء ذو القرنين الى الباب فعسكر عليه، ثم توجه
(بوجهه - نسخة -) وحده، الى القصر، فإذا طائر و إذا حديدة طويلة، قد وضع طرفاها على جانب القصر والطير اسود معلق في تلك الحديدة بين السماء والارض كأنه الخطاف، فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال: من هذا ؟ قال: انا ذو القرنين. فقال: يا ذا القرنين لا تخف واخبرني. قال: سل. قال: هل كثر في الارض بنيان الآجر والجص ؟ قال: نعم. فانتفض الطير و امتلأ حتى ملأ الحديد ثلثها، فخاف منه ذو القرنين، فقال: لا تخف واخبرني. قال: سل. قال: هل كثرت المعارف ؟ قال: نعم. قال: فانتفض الطير وامتلأ حتى ملأ الحديدة ثلثيها، فخاف منه ذو القرنين، فقال: لا تخف واخبرني. قال: هل ارتكب الناس شهادة الزور في الارض ؟ قال: نعم. فانتفض انتفاضة و انتفخ، فسد ما بين جداري القصر، فامتلأ ذو القرنين منه خوفا فقال: لا تخف واخبرني. قال: سل. قال: هل ترك الناس شهادة: لا اله الا الله ؟ قال: لا. فانضم ثلثه، ثم قال يا ذا القرنين لا تخف واخبرني. قال: سل. قال: هل ترك الناس الصلاة ؟ قال: لا. فانضم ثلث آخر، ثم قال: يا ذا القرنين لا تخف و اخبرني هل ترك الناس الغسل من الجنابة ؟ قال: لا. فانضم حتى عاد الى الحالة الاولى فإذا هو بدرجة مدرجة الى اعلى القصر، فقال الطير: اسلك هذه الدرجة، فسلكها وهو خائف حتى استوى على ظهرها فإذا هو بسطح ممدود مد البصر وإذا رجل شاب ابيض (مضىء) الوجه عليه ثياب بيض وإذا هو رافع رأسه الى السماء ينظر إليها، واضع يده على فيه فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال: من هذا ؟ قال: انا ذو القرنين قال يا ذا القرنين ما كفاك ما وراك حتى وصلت إلي ؟ قال ذو القرنين ما لي اراك واضعا يدك
[ 176 ]
على فيك ؟ قال انا صاحب الصور وان الساعة قد اقتربت وانا انتظر ان اؤمر بالنفخ فأنفخ، ثم ضرب بيده فتناول حجرا فرمى به الى ذي القرنين فقال خذها،
فان جاع جعت وان شبع شبعت فارجع. فرجع ذو القرنين بذلك الحجر حتى خرج الى اصحابه، فاخبرهم بالطير وما سأله عنه وما قاله له واخبرهم بصاحب السطح، ثم قال اعطاني هذا الحجر، فاخبروني بأمره، فوضع في احدى الكفتين ووضع حجرا مثله في الكفة الاخرى، رفع الميزان فإذا الحجر الذي جاء به ارجح بمثل الآخر، فوضعوا آخر فمال به حتى وضعوا الف حجرة كلها مثله ثم رفع الميزان فمال بها ولم يشتمل به الألف حجر، فقالوا ايها الملك لا علم لنا بهذا الحجر، فقال له الخضر: اني اوتيت علم هذا الحجر، فقال ذو القرنين: اخبرنا به ؟ فتناول الخضر الميزان فوضع الحجر الذي جاء به ذو القرنين في كفة الميزان ثم وضع حجرا آخر في كفة اخرى ثم وضع كف تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا ثم رفع الميزان فاعتدل، فقالوا: ايها الملك هذا امر لم يبلغه علمنا وإنا لنعلم ان الخضر ليس بساحر فكيف هذا وقد وضعنا الف حجر كلها مثله فمال بها وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا ؟ قال ذو القرنين: بين يا خضر لنا ؟ قال الخضر ايها الملك ان امر الله نافذ في عباده وسلطانه وان الله ابتلى العالم بالعالم وانه ابتلاني بك وابتلاك بي. فقال: ذو القرنين: يرحمك الله يا خضر انما ابتلاني بك حين جعلت اعلم مني وجعلت تحت يدي اخبرني عن امر هذا الحجر ؟ فقال الخضر: ان امر هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور يقول: ان مثل بني آدم مثل هذا الحجر الذي وضع، فوضع معه الف فمال بها ثم إذا وضع عليه التراب شبع وعاد حجرا مثله. فيقول كذلك مثلك اعطاك من الملك ما اعطاك فلم ترض حتى طلبت امرا لم يطلبه ابدا من كان قبلك ودخلت مدخلا لم يدخله انس ولا جان، يقول كذلك ابن آدم لا يشبع حتى يحثى عليه التراب. فبكى ذو القرنين وقال: صدقت يا خضر لاجرم اني لا اطلب اثرا في البلاد بعد مسلكي هذا.
[ 177 ]
ثم انصرف راجعا في الظلمة. فبيناهم يسيرون إذ سمعوا خشخشة - أي صوتا - تحت سنابك خيلهم فقالوا: ايها الملك ما هذا ؟ فقال خذوا منه فمن اخذ منه ندم ومن تركه ندم. فأخذ بعض وترك بعض. فلما خرجوا من الظلمة إذا هم بالزبرجد. فندم الاخذ والتارك. ورجع ذو القرنين الى دومة الجندل وكان بها منزله. فلم يزل بها حتى قبضه الله إليه. وكان صلى الله عليه وآله إذا حدث بهذا الحديث قال: رحم الله اخي ذا القرنين ما كان مخطئا إذ سلك وطلب ما طلب ولو ظفر بوادي الزبرجد في ذهابه لما ترك فيه شيئا الا اخرجه للناس، لانه كان راغبا ولكنه ظفر به بعد ما رجع فقد زهد. وفيه عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان ذا القرنين عمل صندوقا من قوارير ثم حمل في مسيره ما شاء الله، ثم ركب البحر، فلما انتهى الى موضع قال لاصحابه: ادلوني، فإذا حركت الحبل فاخرجوني فان لم احرك الحبل فارسلوني الى آخره فارسلوه في البحر وارسلوا الحبل مسيرة اربعين يوما فإذا ضارب يضرب جنب الصندوق ويقول يا ذا القرنين اين تريد ؟ قال اريد ان انظر الى ملك ربي في البحر كما رأيته في البر ؟ فقال يا ذا القرنين ان هذا الموضع الذي انت فيه مر فيه نوح زمان الطوفان، فسقط منه قدوم فهو يهوي في قعر البحر الى الساعة لم يبلغ قعره، فلما سمع ذلك ذو القرنين حرك الحبل و خرج. (العياشي) عن امير المؤمنين عليه السلام قال: تغرب الشمس في عين حمئة في بحر، دون المدينة التي مما يلي المغرب يعني جابلقا. قال الرازي: اختلف الناس في ان ذا القرنين من هو ؟ وذكروا اقوالا: الاول - انه الاسكندر بن فليقوس اليوناني قالوا والدليل عليه ان القرآن
دل على ان الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه المشرق والمغرب ومثل ذلك الملك البسيط لاشك انه على خلاف العادة وما كان كذلك وجب ان يبقى ذكره مخلدا على وجه الارض وان لا يبقى خفيا مستترا والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ:
[ 178 ]
انه بلغ ملكه الى هذا القدر ليس الا الاسكندر وذلك انه لما مات ابوه، جمع ملك الروم بعد ان كانت طوائف، ثم حصد ملوك المغرب وقهرهم وامعن حتى انتهى الى البحر الاخضر، ثم عاد الى مصر وبنى الاسكندرية باسم نفسه، ثم دخل الشام وقهر بني اسرائيل، ثم انعطف الى العراق ودان له اهلها، ثم توجه الى دارا وهزمه مرات الى ان قتله واستولى الاسكندر على ملوك الفرس وقصد الهند والصين وغزا الامم البعيدة ورجع الى خراسان وبنى المدن الكثيرة ورجع الى العراق ومرض بسهرورد (شهرزور - خ ل) ومات بها. فلما ثبت بالقرآن ان ذا القرنين ملك الارض كلها وثبت بعلم التواريخ ان الذي هذا شأنه ما كان الا الاسكندر وجب القطع بان المراد بذي القرنين هو الاسكندر بن فليقوس اليوناني. ثم ذكروا في تسمية ذي القرنين بهذا الاسم وجوها: الاول - انه لقب به لانه بلغ قرني الشمس يعني مشرقها ومغربها. والثاني - ان الفرس قالوا ان دارا الاكبر كان تزوج بنت فيلقوس، فلما قرب منها وجد رائحة منكرة فردها على ابيها وكانت قد حملت منه بالاسكندر فولدت الاسكندر بعد عودها الى ابيها (فيلقس - خ ل) فبقى الاسكندر عند فيلقس واظهر انه ابنه وهو في الحقيقة ابن دارا الاكبر، قالوا: والدليل على ذلك ان الاسكندر لما ادرك دارا بن دارا وبه رمق، وضع رأسه في حجره وقال لدارا: يا اخي اخبرني عمن فعل هذا لانتقم منه لك ؟. فهذا ما قالته الفرس. قالوا فعلى
هذا التقدير فالاسكندر دارا الاكبر وامه بنت فيلقس، فهذا انما تولد من اصلين مختلفين الفرس والروم وهذا ما قاله الفرس وانما ذكروه لأنهم ارادوا ان يجعلوه من نسل ملوك العجم، وهو في الحقيقة كذلك، وانما قال الاسكندر يا أخي. على سبيل التواضع وإكرام دارا بذلك الخطاب. والقول الثاني - قول ابي الريحان البيروني المنجم في كتابه الذي سماه: بالاثار الباقية من القرون الخالية.
[ 179 ]
قيل: ان ذا القرنين هو أبو كرب شمر بن عمير بن افريقش الحميري وهو الذي بلغ ملكه مشارق الارض ومغاربها وهو الذي افتخر به الشعراء من حمير، ثم قال أبو الريحان: ويشبه ان يكون هذا القول اقرب، لان الاذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلو اساميهم من ذي، كذي المنار وذي قواس وذي النون. والثالث - انه كان عبدا صالحا ملكه الله الارض واعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة، وان كنا لا نعرف من هو ؟. ثم ذكروا في تسميته بذي القرنين وجوها: الاول - ما روي ان ابن الكواء سأل عليا عليه السلام عن ذي القرنين وقال: املك هو أو نبي ؟ قال: لا ملكا ولا نبيا، كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الايمن فمات، ثم بعثه الله تعالى فضرب على قرنه الايسر فمات، فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله. الثاني - سمي بذي القرنين لانه انقرض في وقته قرنان من الناس. الثالث - قيل: كان صفحة رأسه من نحاس. الرابع - كان على رأسه ما يشبه القرنين. الخامس - كان لتاجه قرنان.
السادس - عن النبي صلى الله عليه وآله: انه سمي ذا القرنين لانه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها. السابع - كان له قرنان - أي ظفيرتان -. الثامن - ان الله تعالى سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من امامه وتمتد الظلمة من ورائه. التاسع - يجوز ان يلقب بذلك لشجاعته، كما يسمى الشجاع بالقرن لأنه يقطع اقرانه العاشر - انه رأى في المنام: كأنه صعد الفلك وتعلق بطرفي الشمس وقرنيها، - أي جانبيها - فسمي لهذا السبب بذي القرنين. الحادي عشر - سمي بذلك لانه دخل النور والظلمة.
[ 180 ]
والقول الرابع - ان ذا القرنين ملك من الملائكة. والقول الاول اظهر، للدليل الذي ذكرناه وهو: ان مثل هذا الملك العظيم يجب ان يكون معلوم الحال وهذا الملك العظيم هو الاسكندر فوجب ان يكون المراد بذي القرنين هو الا ان فيه اشكالا قويا وهو: انه كان تلميذا لارسطا طاليس الحكيم وكان على مذهبه، فتعظيم الله اياه يوجب الحكم بان مذهب ارسطا طاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه. المسألة الثالثة - اختلفوا في ان ذا القرنين هل كان من الانبياء ام لا ؟ منهم من قال انه كان من الانبياء. واحتجوا عليه بوجوه: الاول - قوله تعالى: (إنا مكنا له في الارض) والاولى حمله على التمكين في الدين، والتمكين الكامل في الدين هو النبوة. الثاني - قوله تعالى: (وآتيناه من كل شىء سببا) وهذا يدل على ان الله تعالى آتاه من النبوة سببا.
والثالث - قوله تعالى: (يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا) والذي يتكلم الله معه لابد وان يكون نبيا. ومنهم من قال: انه كان عبدا صالحا وما كان نبيا. أقول: المستفاد من الاخبار كما قال شيخنا المحدث: انه غير الاسكندر وانه كان في زمن ابراهيم عليه السلام وانه اول الملوك بعد نوح عليه السلام. واما استدلاله فلا يخفى ضعفه بعد ما عرفت من ان الملوك المتقدمة لم تضبط احوالهم بحيث لا يشذ عنهم احد، وايضا الظاهر من كلام اهل الكتاب الذين يعولون عليهم في التواريخ عدم الاتحاد، والظاهر من الاخبار ايضا انه لم يكن نبيا ولكن كان عبدا صالحا مؤيدا من عند الله تعالى. وروى حذيفة قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن يأجوج ومأجوج فقال: يأجوج امة ومأجوج امة كل امة اربعمائة امة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر الى الف ذكر من صلبه، كل قد حمل السلاح. قلت يا رسول الله صفهم لنا ؟
[ 181 ]
قال هم ثلاثة اصناف صنف منهم امثال الارز، - وهي شجر بالشام وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، و صنف منهم يفترش احدى اذنيه ويلتحف بالاخرى، ولا يمرون بشىء الا اكلوه، مقدمتهم بالشام ومؤخرتهم بخراسان، يشربون انهار المشرق والمغرب. وقال وهب ومقاتل: انهم من ولد يافث بن نوح اب الترك. وقال السدي: الترك سرية من ياجوج وماجوج، خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجة. وقال كعب: هم نادرة من ولد آدم، وذلك ان آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله من ذلك الماء والتراب ياجوج وماجوج فهم،
متصلون بنا من طرف الاب دون الام. انتهى وهو بعيد. واما سد ذي القرنين فقال امين الاسلام الطبرسي: قيل: ان هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرها البحر المحيط. وقيل: انه من وراء دربند وخزر من ناحية ارمينية وآذربيجان. وجاء في الحديث: انهم يدأبون في حفر السد نهارهم حتى إذا امسوا وكادوا يبصرون شعاع الشمس قالوا نرجع غدا ونفتحه ولا يستثنون فيعودون من الغد وقد استوى كما كان، حتى إذا جاء وعد الله - يعني خروج القائم عليه السلام - قالوا غدا نفتح ونخرج ان شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه بالامس، فيخرقونه فيخرجون على الناس فينشفون المياه، فتحصن الناس في حصونهم فرارا منهم فيرمون سهامهم الى السماء، فترجع وفيها كهيئه الدماء، فيقولون قد قهرنا اهل الارض وعلونا اهل السماء، يبعث الله عليهم بقا في اقفائهم، فتدخل في آذانهم فيهلكون بها ودواب الارض تسمن من لحومهم. وفي تفسير الكليني: ان الخضر والالياس يجتمعان في كل ليلة على ذلك السد، يحجبان ياجوج وماجوج عن الخروج. هذا هو الكلام فى قصص ذى القرنين عليه السلام.
[ 182 ]
الباب التاسع في قصص يعقوب ويوسف عليهما السلام تفسير علي بن ابراهيم مسندا الى جابر بن عبد الله الانصاري في قول الله عزوجل: (اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين. وهي: الطارق وحوبان والذيال وذو الكتفين ووثاب و قابس وعموران وفيلق ومصبح والصبوح والغروب والضياء والنور، يعني الشمس و القمر، وكل
هذه محيطة بالسماء. وعن ابي جعفر عليه السلام في تأويل هذه الرؤ يا: انه سيملك مصر ويدخل عليه ابواه وإخوته. واما الشمس فام يوسف راحيل والقمر يعقوب والكواكب إخوته، فلما دخلوا عليه سجدوا لله شكرا حين نظروا إليه، وكان ذلك السجود لله. وقال عليه السلام: انه كان من خبر يوسف عليه السلام: انه كان له احد عشر اخا، وكان له اخ من امه يسمى بنيامين وكان يعقوب اسرافيل الله - أي خالصه - فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين، فقصها على ابيه فقال: (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك...). وكان يوسف من احسن الناس وجها. وكان يعقوب يحبه ويؤثره على الاولاد، فحسده إخوته على ذلك وقالوا ما بينهم، ما حكى الله عنهم: (إذ قالوا ليوسف واخوه احب الى ابينا منا، وعمدوا على قتل يوسف حتى يخلو لهم وجه ابيهم...) الى آخر الآيات.
[ 183 ]
واما اسماؤهم: فزوتيل وهو اكبرهم، وشمعون ولاوى ويهودا وريالون ويشجر وامهم أليا ابنة خاله يعقوب، ثم توفت اليا فتزوج يعقوب اختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وولد له من السرية بجماع أو مطلق لهم الشىء من سريتين، له اسم احداهما زلفة والاخرى بلهة اربع... ويقينا لي واحاد واشر. واكثر المفسرين: على ان إخوة يوسف كانوا انبياء. وقال بعضهم: لم يكونوا انبياء، الانبياء لا تقع منهم القبائح. وعن ابي جعفر عليه السلام: انهم لم يكونوا انبياء.
وقوله (اني اخاف ان يأكله الذئب). قيل: كانت ارضهم مذأبه و كانت السباع ضارية في ذلك الوقت. وقيل: ان يعقوب رأى في منامه: كأن يوسف قد شد عليه عشرة أذؤب ليقتلوه، وإذا ذئب منها يحمى عنه، فكأن الارض إنشقت فدخل فيها يوسف (ع) فلم يخرج الا بعد ثلاثه ايام. فمن ثم قال: هذا فلقنهم العلة وكانوا لا يدرون. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تلقنوا الكذب فتكذبوا، فإن بني يعقوب لم يعلموا ان الذئب يأكل الانسان حتى لقنهم ابوهم. وقيل: كان يوم القي في الجب عمره عشر سنين. وقيل: اثنتا عشرة. وقيل: سبع. وقيل: تسع. وجمع بينه وبين ابيه وهو ابن اربعين سنة. ولما القوة في غيابة الجب قالوا له انزع قميصك. فبكى فقال يا إخوتي تجردوني فسل واحد منهم السكين عليه وقال: لئن لم تنزعه لأقتلنك ؟ فنزعه، فدلوه في الجب وتنحوا عنه، فقال عليه السلام في الجب: يا إله ابراهيم واسحاق ويعقوب إرحم
[ 184 ]
ضعفي وقلة حيلتي وصغري، فنزلت سيارة من اهل مصر فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب، فلما ادلى الدلو على يوسف تشبث بالدلو فجروه فنظروا الى غلام من احسن الناس وجها، فعدوا الى صاحبهم، فقالوا يا بشرى هذا غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا، فبلغ إخوته فجاؤوا فقالوا هذا عبد لنا آبق، ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر لنا بالعبودية لنقتلنك ؟ فقالت السيارة ليوسف ما تقول ؟ فقال انا عبدهم فقالت السيارة فتبيعوه منا ؟ قالوا نعم، فباعوه على ان يحملوه الى مصر وشروه بثمن بخس دراهم معدودة كانت ثمانية عشر درهما.
عن الرضا عليه السلام: كانت عشرين درهما وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل. اقول: المشهور بين الاصحاب رضوان الله عليهم ان في كلب الغنم عشرين درهما وفي كلب الصيد اربعين أو القيمة فيهما، اما البائعون فهم اخوته. وقيل: باعه الواجدون بمصر، وقيل: ان الذين اخرجوه من الجب باعوه من السياره. و الاصح الاول. وقال النبي صلى الله عليه وآله: اعطي يوسف شطر الحسن، والنصف الآخر لباقي الناس. وفيه ايضا عن ابي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (و جاؤوا على قميصه بدم كذب) قالوا انهم ذبحوا جديا على قميصه قالوا نعمد الى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لأبينا ان الذئب اكله، فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوى يا قوم اتظنون ان الله يكتم هذا الخبر عن نبيه يعقوب فقالوا وما الحيلة ؟ قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع الى الله تعالى ان يكتم ذلك عن انبيائه انه جواد كريم، فاغتسلوا وكان في سنة ابراهيم واسحاق ويعقوب انهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا احد عشر رجلا فيكون واحد منهم اماما وعشرة يصلون خلفه، قالوا كيف نصنع وليس لنا إمام ؟ فقال لاوى نجعل الله إمامنا، فصلوا وبكوا وتضرعوا، وقالوا يا رب اكتم علينا هذا، ثم جاؤوا الى ابيهم عشاء يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم (فقالوا يا ابانا إنا ذهبنا نستبق) - أي نعدو - (وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب...) الآية.
[ 185 ]
فقال يعقوب: ما كان اشد غضب ذلك الذئب على يوسف واشفقه على قميصه حيث اكل يوسف ولم يمزق قميصه ؟ فحملوا يوسف الى مصر وباعوه من عزيز مصر، (فقال العزيز لأمرأته اكرمي مثواه) أي مكانه - (عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا) ولم يكن لهم ولد، فأكرموه وربوه، فلما بلغ اشده هوته إمرأة العزيز
وكانت لا تنظر الى يوسف امرأة الا هوته ولا رجل إلا احبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته امرأة العزيز كما قال تعالى (وراودته التي هو في بيتها...) الآية. فما زالت تخدعه حتى كان كما قال الله تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه) فقامت امرأة العزيز وغلقت الابواب، فلما رأى يوسف صورة يعقوب فى ناحية البيت عاضا على اصبعه يقول: يا يوسف انت في السماء مكتوب في النبيين وتريد ان تكتب في الارض من الزناة ؟ فعلم انه قد اخطأ وتعدى. وعن ابي عبد الله عليه السلام: لما همت به وهم بها قامت الى صنم في بيتها فألقت عليه ثوبا وقالت لا يرانا فاني استحي منه، فقال يوسف فأنت تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر، وانا لا استحي من ربي ؟ فوثب وعدا وعدت من خلفه و ادركهما العزيز على هذه الحالة، و هو قوله عزوجل (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر والفيا سيدها لدى الباب) فبادرت امرأة العزيز فقالت له (ما جزاء من اراد بأهلك سوءا إلا ان يسجن أو عذاب اليم) فقال يوسف للعزيز (هي راودتني عن نفسي) فألهم الله يوسف ان قال للملك سل هذا الصبي في المهد فانه يشهد انها راودتني عن نفسي فقال العزيز للصبي فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال: (ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين). فلما رأى العزيز قميص يوسف قد تخرق من دبر، قال لامرأته (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم) ثم قال ليوسف اعرض عن هذا، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين.
[ 186 ]
فشاع الخبر بمصر وجعلن النساء يتحدثن بحديثها ويعذلنها وهو قوله تعالى:
(وقالت نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها) فبلغ ذلك امرأة العزيز، فبلغت الى كل امرأة رئيسة، فجمعن في منزلها وهيأت لهن مجلسا ودفعت الى كل امرأة اترجة وسكينا فقالت اقطعن، ثم قالت ليوسف اخرج عليهن، فلما نظرن إليه اقبلن (يقطعن ايديهن وقلن ان هذا الا ملك كريم) فقالت امرأة العزيز (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم - أي امتنع - ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن) فما امسى يوسف في ذلك اليوم حتى بعثت إليه كل امرأة رأته تدعوه الى نفسها فضجر يوسف فقال (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن، اصب اليهن واكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) وامرت امرأة العزيز بحبسه فحبس. اقول: الصبي الذي كان في المهد هو ابن اخت زليخا وكان ابن ثلاثة اشهر ولما قطعن ايديهن لم يجدن وجع، و هذا حال العشق إذا غلب على القلب، كما في حكاية اليهودي الذي كان يصلح طعاما لجاريته في مرضها فلما سمع انينها سقطت المغرفة التي كان يخوط القدر بها من يده، فعاد يخوط القدر بيده حتى تناثر لحم يده وما شعر به، وقد وقع مثله لكثير عزة ولغيره من العشاق السبعة، وقد شاهدت انا في شيراز رجلا يمشي والناس وراءه وفي يديه في كل واحدي سكينا يضرب بها على صدره واللحم يتناثر من بدنه وهو لا يحس به، فسألت عنه فقيل: انه كان له محبوب فغيبوه عن نظره. وتحقيق هذه المقالة في كتابنا " مقامات النجاة " و " زهر الربيع " بما لا مزيد عليه. وعن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) فالآيات هي شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما
[ 187 ]
الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب فلما عصاها لم تزل مولعة لزوجها حتى حبسه ودخل معه السجن فتيان، يقول عبدان للملك احدهما خباز والآخر صاحب الشراب، والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز. وسبب حبسهما انه سعى بهما الى الملك انهما ارادا ان يسماه. وقال علي بن ابراهيم: ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه، فلما دخل السجن قالوا له ما صناعتك ؟ قال اعبر الرؤيا، فرأى احد الموكلين في نومه كما قال اعصر خمرا قال يوسف تخرج من السجن وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده، وقال الآخر: إني ارى في المنام احمل فوق رأسي خبزا تأكل منه الطير، ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف: انت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك، فجحد الرجل وقال اني لم ار ذلك، فقال له يوسف قضى الامر الذي فيه تستفتيان. فلما اراد من رأى في نومه انه يعصر خمرا الخروج من الحبس قال له يوسف: اذكرني عند ربك، فكان كما قال الله عزوجل: (فأنساه الشيطان ذكر ربه). اقول: قال امين الاسلام الطبرسي: القول في ذلك ان الاستغاثة بالعباد في دفع المضار والتخلص من المكاره جائز غير منكر ولا قبيح، بل ربما يجب وكان نبينا صلى الله عليه وآله يستعين فيما ينوبه بالمهاجرين والانصار وغيرهم. ولو كان قبيحا لم يفعله فلو صحت هذه الرواية فانما عوتب عليه السلام على ترك عادته الجميلة في الصبر والتوكل على الله سبحانه في كل اموره دون غيره وقت ابتلائه، وانما كان يكون قبيحا لترك التوكل على الله واقتصر على غيره. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: لما مضت مدة يوسف عليه السلام في السجن واذن له فط دعاء الفرج وضع خده على الارض ثم قال: اللهم ان كانت
ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بوجه آبائي الصالحين ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب. ففرج الله عنه، قلت جعلت فداك اندعو نحن
[ 188 ]
بهذا الدعاء ؟ فقال: ادع بمثله: اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام. وقال علي بن ابراهيم: ان الملك رأى رؤيا. فقال لوزرائه: اني رأيت في نومي سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف - أي مهازيل - ورأيت سبع سنبلات خضر وآخر يابسات فلم يعرفوا تأويل ذلك، فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها، وذكر يوسف بعد سبع سنين، فأرسلوا إليه، فقال (ايها الصديق إفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات) فقال يوسف: (تزرعون سبع سنين متواليات، فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون *) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن - أي سبع سنين - مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع السنين الماضية. فرجع الرجل الى الملك فأخبره بما قال يوسف، (فقال الملك ائتونى به فلما جاء الرسول قال ارجع الى ربك - يعني الملك - فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن ايديهن ان ربي بكيدهن عليم) فجمع الملك النسوة ف (قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين * ذلك ليعلم اني لم اخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين) - أي لا اكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل - ثم قالت (وما ابريء نفسي ان النفس لأمارة بالسوء...)، (فقال الملك إئتوني به استخلصه لنفسي... (فلما نظر الى يوسف (قال انك لدينا
مكين امين) سل حاجتك ؟ (قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) يعني الكناديج والانابير، فجعله عليهما. اقول: قوله: (وما ابريء نفسي..) من كلام يوسف عليه السلام على قول اكثر المفسرين.
[ 189 ]
وقيل: هو من كلام امرأة العزيز كما قاله علي بن ابراهيم. والاول اشهر واظهر. والكندوج شبه المخزن معرب كندود. وقال علي بن ابراهيم: وكان بينه وبين ابيه ثمانية عشر يوما، وكان في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون الى مصر ليمتاروا طعاما، و كان يعقوب وولده نزولا فى بادية فيه مقل، فأخذوا اخوه يوسف من ذلك المقل وحملوا الى مصر ليمتاروا به. وقيل: كان بضاعتهم بيع النعل، وكان يوسف يتولى البيع بنفسه، فلما دخل اخوته عليه عرفهم ولم يعرفوه، فلما جهزهم احسن جهازهم، قال لهم: من انتم ؟ قالوا نحن بنوا يعقوب. قال فما فعل ابوكم ؟ قالوا شيخ ضعيف. قال: فلكم اخ غيركم ؟ قالوا: لنا اخ من ابينا لامن امنا. قال: فإذا رجعتم الي فاتوني به، فان لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي قالوا سنراود عنه اباه. قال يوسف لقومه: هذه البضاعة التي حملوها الينا، اجعلوها بين رحالهم، حتى إذا رأوها رجعوا الينا، يعني لا احتمل ان يكون عندهم بضاعة اخرى يرجعون بها الينا. فلما رجعوا الى ابيهم، قالوا: يا ابانا منع منا الكيل فارسل معنا اخانا بنيامين نكتل وإنا له لحافظون * قال يعقوب هل آمنكم عليه الا كما آمنتكم على اخيه من قبل * فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم في رحالهم التي حملوها الى مصر، قالوا: يا ابانا ما نبغي - أي ما نريد - هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا ونحفظ اخانا
قال يعقوب لن ارسله معكم حتى تحلفوا لي ان تأتوني به الا ان تغلبوا في شأنه. فخرجوا وقال لهم يعقوب: (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وما اغنى عنكم من الله من شىء ان الحكم الا لله عليه توكلت) فلما دخلوا من حيث امرهم ابوهم ما كان يغني عنهم من الله من شىء الا حاجة في نفس يعقوب قضاها وانه لذو علم لما علمناه. اقول: ان اخوة يوسف عليه السلام لم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم اياه في سن الحداثة وتوهمهم انه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حين فارقوه.
[ 190 ]
وقوله: (لا تدخلوا من باب واحد) المشهور بين المفسرين انه انما قال ذلك لما خاف عليهم من العين. وقيل: لما اشتهروا بمصر بالحسن والجمال واكرام الملك لهم خاف عليهم حسد الناس. ثم ان العبد مأمور بملاحظة الاسباب وعدم الاعتماد عليها والتوكل على الله قال اولا ما يلزمه من الحزم والتدبير، ثم تبرأ من الاعتماد على الاسباب بقوله: " وما اغنى عنكم من الله من شىء ". فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم. فلما دخلوا على يوسف و سلموا، نظر يوسف الى اخيه فعرفه، فجلس منهم بالبعيد، فقال يوسف: انت اخوهم ؟ قال نعم. قال فلم لا تجلس معهم ؟ قال لأنهم اخرجوا اخي عن ابي وامي، ثم رجعوا وزعموا ان الذئب اكله فآليت على نفسي ان لا اجتمع معهم ما دمت حيا، قال فهل تزوجت وولد لك ؟ قال نعم، ثلاث بنين سميت واحدا منهم الذئب و واحدا منهم القميص و واحدا الدم، قال وكيف اخترت هذه الاسماء ؟ قال لئلا انسى اخي، كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت اخي.
قال يوسف لهم: اخرجوا وحبس بنيامين، فلما خرجوا من عنده، قال يوسف لاخيه: انا اخوك يوسف فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، ثم قال له: انا احب ان تكون عندي ؟ فقال لا يدعوني اخوتي ؟ فان ابي قد اخذ عليهم ميثاق الله ان يردوني إليه، قال: انا احتال بحيلة فلا تخبرهم بشىء. فقال لا فلما جهزهم بجهازهم واحسن إليهم، قال لبعض قوامه: اجعلوا هذا الصاع في رحل هذا، وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب، فجعلوه في رحله من حيث لم يقف عليه اخوته، فلما ارتحلوا بعث إليهم يوسف وحبسهم، ثم امر مناديا ينادي ايتها العير انكم لسارقون، فقال اخوة يوسف ماذا تفقدون ؟ قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم - أي كفيل - فقال اخوة يوسف تالله لقد علمتم، ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين. قال يوسف: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ؟
[ 191 ]
قالوا: جزاؤه من وجد في رحله حبسه فهو جزاؤه، فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء اخيه، ثم استخرجها من وعاء اخيه، فحبسوا اخاه وهو قوله تعالى: (وكذلك مكنا ليوسف - أي احتلنا له - ما كان ليأخذ اخاه في دين الملك الا ان يشاء الله). وسئل الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (ايتها العير انكم لسارقون) قال: ما سرقوا وما كذب، انما عنى سرقتم يوسف من ابيه. فلما اخرج ليوسف الصاع من رحل اخيه، قال اخوته إن يسرق فقد سرق اخ له من قبل - يعنون يوسف - فتغافل يوسف (ع) وهو قوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم وقال انتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون) فاجتمعوا الى يوسف وجلودهم تقطر دما اصفر وكانوا يجادلونه في حبسه، و كان ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤوسها دم اصفر وهم يقولون له ايها العزيز (ان له ابا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين) فأطلق عن هذا فقال يوسف: (معاذ الله
ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل الا من سرق متاعنا (إنا إذا لظالمون) فلما ايسوا وارادوا الانصراف الى ابيهم، قال لهم يهودا بن يعقوب ألم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله في هذا ومن قبل ما فرطتم في يوسف فارجعوا انتم الى ابيكم، اما انا فلا ارجع إليه حتى يأذن لي ابي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ثم قال لهم: (ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق وما شهدنا الا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) فرجع اخوة يوسف الى ابيهم وتخلف يهودا، فدخل على يوسف وكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب، وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدم، وكان لا يسكن حتى يمسه بعض ولد يعقوب وكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها، فأخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غيظه، فارتاب يهودا، ورجع الصبي بالرمانة الى يوسف، حتى فعل ذلك ثلاثا. اقول: السقاية المشربة التي كان يشرب منها الملك ثم جعل صاعا في السنين
[ 192 ]
الشداد القحاط، يكال به الطعام وقوله (انكم لسارقون) تورية على وجه المصلحة اي سرقتم يوسف. ثم قال علي بن ابراهيم: فلما رجعوا الى ابيهم واخبروه بخبر اخيهم قال يعقوب (بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا.) يعني يوسف وبنيامين ويهودا الذي تخلف بمصر، ثم تولى عنهم وقال: (يا اسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن) يعني عميت من البكاء (فهو كظيم) اي محزون الاسف اشد الحزن. وسئل أبو عبد الله عليه السلام ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ فقال:
حزن سبعين ثكلى بأولادها، وقال: ان يعقوب لم يعرف الاسترجاع، فمنها قال: وا أسفا على يوسف. اقول: جاء في الحديث: لم تعط امة من الامم: انا لله وانا إليه راجعون، عند المصيبة الا امة محمد صلى الله عليه وآله، الا ترى الى يعقوب حين اصابه ما اصاب لم يسترجع، وقال يا اسفا، وذلك لما جاء في الحديث من ان المسترجع عند المصيبة يبنى له بيت في الجنة وكلما ذكر المصيبة واسترجع كان له مثل ثوابه عند الصدمة الاولى. ثم اعلم: انه اختلف في قوله: (وابيضت عيناه من الحزن) كما ان الشيعة اختلفوا في انه هل يجوز على الأنبياء مثل هذا النقص في الخلقة. قال امين الاسلام الطبرسي: لا يجوز لأن ذلك ينفر. وقيل يجوز ان لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر العلل والامراض انتهى فمن قال لا يجوز ذلك يقول انه ما عمى، ولكنه صار بحيث يدرك ادراكا ضعيفا، ويأول بأن المراد انه غلبة البكاء وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين، فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء، ومن يجوز ذلك يحملها على ظاهرها. والحق انه لم يقم دليل على امتناع ذلك، حتى يحتاج الى تأويل الآيات والاخبار الدالة على حصوله على انه يحتمل، كما قيل ان يكون على وجه لا يكون
[ 193 ]
فيه نقص ولا عيب في ظاهر الخلقة والانبياء عليهم السلام يبصرون بقلوبهم ما يبصر غيرهم بعينيه. و فيه ايضا عن ابي جعفر عليه السلام قال سدير اخبرني عن يعقوب حين قال لولده: (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه) كان علم انه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة و ذهبت عينه عليه من البكاء ؟ قال: نعم، علم انه حي، دعا ربه في
السحر ان يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت، بأطيب رائحة واحسن صورة فقال له: من انت ؟ فقال انا ملك الموت، اليس سألت الله ان ينزلني عليك، ما حاجتك يا يعقوب ؟ قال له: اخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو متفرقة قال: تقبضها اعواني متفرقة وتعرض علي مجتمعة، قال يعقوب: فأسالك باله ابراهيم واسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الارواح روح يوسف ؟ فقال: لا فعند ذلك علم انه حي، فقال لولده: (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله) وكتب عزيز مصر الى يعقوب: اما بعد: فهذا ابنك اشتريته بثمن بخس وهو يوسف واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين اخذته وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا، فما ورد على يعقوب شىء اشد من ذلك الكتاب، فقال للرسول: مكانك اجيبه، فكتب إليه يعقوب: بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق بن ابراهيم خليل الله اما بعد: فقد فهمت كتابك تذكر فيه انك اشتريت ابني واتخذته عبدا وان البلاء موكل ببني آدم، وان جدي ابراهيم القاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله له بردا وسلاما، وان ابي اسحاق امر الله جدي ان يذبحه بيده، فلما اراد ذبحه فداه بكبش عظيم، وان كان لي ولد ولم يكن في الدنيا احد احب الي منه فأخرجوه اخوته، ثم رجعوا إلي وزعموا ان الذئب اكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري، وكان له اخ من امه كنت آنس به فخرج مع إخوته الى ما قبلك ليمتاروا لنا طعاما، فرجعوا إلي و ذكروا انه سرق صواع الملك وقد حبسته، وانا اهل بيت لا يليق بنا السرقة و لا الفاحشة، و انا اسألك
[ 194 ]
باله ابراهيم واسحاق ويعقوب الا مننت علي به وتقربت الى الله و رددته الي فلما ورد الكتاب الى يوسف اخذه ووضعه على وجهه وبكى بكاءا شديدا، ثم نظر الى
اخوته فقال لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه إذ انتم جاهلون ؟ فقالوا انك لأنت يوسف. قال انا يوسف وهذا اخي قد من الله علينا. فقالوا: (لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم - اي لا توبيخ و لا تعنيف - يغفر الله لكم) فلما ولى الرسول الى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يده الى السماء فقال: يا حسن الصحبة يا كريم المعونة وخير اله، ائتني بروح منك وفرج من عندك. فهبط جبرئيل (ع) فقال له يا يعقوب الا اعلمك دعوات يرد الله عليك بصرك وابنيك ؟ قال: نعم. قال قل يا من لم يعلم احد كيف هو الا هو يا من سد الهواء وكبس الارض على الماء واختار لنفسه احسن الاسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك. قال فما انفجر عمود الصبح حتى اتي بالقميص فطرح عليه، فرد الله عليه بصره وولده. اقول: ورد في سبب معرفتهم له انه تبسم، فلما ابصروا ثناياه كانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف. وقيل: رفع التاج عن رأسه، فعرفوه. وفى قوله: (إذ انتم جاهلون) - اي شبان أو صبيان - تعليم لهم كيف يعتذرون. روي عن الصادق عليه السلام: كل ذنب عمله العبد وان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربه، فقد حكى الله قول يوسف لاخوته: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون) فنسبهم الى الجهل لمخاطرتهم في انفسهم في معصية الله. وذكر بعض المحققين من اهل التفسير، وورد في الاخبار ايضا في تفسير قوله تعالى: (انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) ان كل مذنب فهو جاهل، لانه خاطر بنفسه وفعل فعل الجاهل.
[ 195 ]
ثم قال علي بن ابراهيم قدس الله ضريحه: و لما امر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله تعبير الرؤيا، فكان يعبر لاهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا عبر لهما (وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك) ولم يفزع في تلك الحال الى الله تعالى فأوحى الله إليه من اراك الرؤيا ؟ ومن حببك الى ابيك ؟ ومن وجه اليك السيارة ؟ ومن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا ؟ ومن انطق لسان الصبي بعذرك ؟ ومن الهمك تأويل الرؤيا ؟ قال: انت يا رب. قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي ؟ واملت عبدا من عبيدي ليذكرك الى مخلوق من خلقي لبث في السجن بضع سنين ؟ فقال يوسف: أسالك بحق آبائي عليك الا فرجت عني. فأوحى الله إليه: يا يوسف: واي حق لآبائك علي. ان كان ابوك آدم خلقته بيدي و نفخت فيه من روحي واسكنته جنتي وامرته ان لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألني فتبت عليه، وان كان ابوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا إليهم، فلما عصوا دعاني استجبت له وغرقتهم وانجيته ومن معه في الفلك، وان كان ابوك ابراهيم اتخذته خليلا وانجيته من النار وجعلتها عليه بردا وسلاما، وان كان ابوك يعقوب وهبت له اثني عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكط حتى ذهب بصره وقعد على الطريق يشكوني، فأي حق لآبائك علي ؟ قال له جبرئيل: قل يا يوسف: اسألك بمنك العظيم واحسانك القديم. فقالها، فرأى الملك الرؤيا، فكان فرجه فيها. وعن ابي الحسن الرضا عليه السلام انه قال: قال السجان ليوسف اني لأحبك، فقال يوسف: ما اصابني الا من الحب، كانت عمتي احبتني فسرقتني - أي نسبتني الى السرقة - وان كان ابي احبني حسدوني اخوتي، وان كانت امرأة العزيز احبتني فحبستني، وشكى يوسف في السجن الى الله تعالى، فقال: يا رب
بماذا استحققت السجن ؟ فأوحى الله إليه: انت اخترته حين قلت: (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه) هلا قلت العافية احب إلي مما يدعونني إليه. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: لما طرح اخوة يوسف، يوسف في
[ 196 ]
الجب دخل عليه جبرئيل (ع) وهو في الجب، فقال: يا غلام من طرحك في هذا الجب ؟ قال اخوتي لمنزلتي من ابي حسدوني ولذلك في الجب طرحوني. قال: افتحب ان تخرج ؟ قال: ذاك الى إله ابراهيم واسحاق ويعقوب. قال فان إله ابراهيم يقول لك قل: اللهم اني اسألك بأن لك الحمد كله لا اله الا انت الحنان المنان بديع السماوات والارض ذو الجلال والاكرام صل على محمد وآل محمد واجعل لي من امري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث لا احتسب فدعا ربه. فجعل له من الجب فرجا ومن كيد المرأة مخرجا وآتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب. وعن المفضل الجعفي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: اخبرني ما كان قميص يوسف ؟ قال ان ابراهيم عليه السلام لما اوقدت له النار اتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه اياه، فلم يضره معه حر ولا برد، فلما حضر ابراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على اسحاق وعلق اسحاق على يعقوب، فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه، فكان في عنقه، حتى كان من امره ما كان، فلما اخرج يوسف من التميمة وجد يعقوب ريحه، وهو قوله: (اني لاجد ريح يوسف لو لا ان تفندون) قلت جعلت فداك فالى من صار ذلك القميص ؟ فقال الى اهله، ثم قال: كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى الى محمد صلى الله عليه وآله. وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر، فوجد ريح يوسف وهو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة، ونحن ورثته. اقول: قال امين الاسلام الطبرسي رحمه الله: قيل ان يوسف عليه السلام
قال انما يذهب بقميصي من ذهب به اولا فقال يهودا انا اذهب به وهو ملطخ بالدم، قال فاذهب به ايضا واخبره انه حي وافرحه كما انه احزنه فحمل القميص وخرج حافيا حاسرا، حتى اتاه، وكان معه سبعة ارغفة وكانت المسافة ثمانين فرسخا، فلم يستوف الارغفة في الطريق. وقال ابن عباس: هاجت ريح فحملت قميص يوسف الى يعقوب. وذكر في القصة ان الصبا استأذنت ربي في ان تأتى يعقوب ريح يوسف قبل
[ 197 ]
ان يأتيه البشير بالقميص، فاذن لها فأتت بها، ولذلك يستروح كل محزون ريح الصبا وقد اكثر الشعراء من ذكرها. وعن ابي الحسن عليه السلام: كانت الحكومة في بني اسرائيل إذا سرق واحد شيئا استرق به وكان يوسف عند عمته وهو صغير وكانت تحبه. وكانت لاسحاق منطقة لبسها يعقوب وكانت عند اخته وان يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته، فاغتمت لذلك وقالت دعه حتى ارسله اليك واخذت المنطقة، وشدت بها وسطه تحت الثياب، فلما اتى يوسف اباه جاءت وقالت قد سرقت المنطقة، ففتشته فوجدتها في وسطه، فلذلك قال اخوته (ان يسرق) يعني بنيامين (صواع الملك فقد سرق اخ له من قبل) يعني يوسف المنطقة من عمته. قال علي بن ابراهيم: ثم رحل يعقوب واهله من البادية بعد ما رجع إليه بنوه بالقميص فارتد بصيرا، فقالوا يا ابانا استغفر لنا، قال: اخرهم الى السحر، لان الدعاء والاستغفار مستجاب فيه. فلما وافى يعقوب و اهله مصر، قعد يوسف على سريره ووضع التاج على رأسه فأراد ان يراه ابوه على تلك الحالة، فلما دخل ابوه لم يقم له فخروا له كلهم ساجدين فقال يوسف: يا ابة هذا تأويل رؤياي من قبل.
وعن ابي الحسن عليه السلام: اما سجود يعقوب و ولده فانه لم يكن ليوسف وانما كان ذلك طاعة لله وتحية ليوسف، كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم وانما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم عليه السلام، فسجد يعقوب و ولده ويوسف معهم شكرا لله لاجتماع شملهم، الم تر انه يقول في شكره ذلك الوقت: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليى في الدنيا والآخرة توفنى مسلما و الحقني بالصالحين. وقال امين الاسلام الطبرسي: قيل: ان يوسف عليه السلام بعث مع البشير مائتي راحلة مع ما يحتاج إليه في السفر وسألهم ان يأتوه باهلهم اجمعين، ولما دنا كل واحد منهما من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام فقال السلام عليك يا مذهب الاحزان.
[ 198 ]
وقال وهب: انهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنسانا وخرجوا مع موسى عليه السلام وهم ستمائة الف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا. وكان بين يوسف وموسى اربعمائة سنة. وقال علي بن ابراهيم: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يوسف اخرج يدك فأخرجها من بين اصابعه نور. فقال يوسف ما هذا يا جبرئيل ؟ فقال هذه النبوة اخرجها الله من صلبك لانك لم تقم الى ابيك. فحط الله نوره ومحى النبوة من صلبه وجعلها في ولد لاوى اخي يوسف. وذلك لانهم لما ارادوا قتل يوسف قال لا تقتلوه والقوه في غيابة الجب. فشكر الله له ذلك. ولما ان ارادوا ان يرجعوا الى ابيهم من مصر وقد حبس يوسف اخاه قال لن ابرح الارض حتى يأذن لي ابي. فشكر الله له ذلك. فكان انبياء بني اسرائيل من ولد لاوى بن يعقوب. وكان موسى من ولده. قال يعقوب: يا بنى اخبرني بما فعل بك اخوتك حين اخرجوك من عندي
قال يا ابة اعفني من ذاك. قال فاخبرني ببعضه ؟ قال يا ابة انهم لما ادنوني من الجب قالوا انزع القميص فقلت لهم يا اخوتي اتقوا الله ولا تجردوني، فسلوا علي السكين وقالوا لئن لم تنزع لنذبحنك ؟ فنزعت القميص والقوني في الجب عريانا. فشهق يعقوب شهقة واغمي عليه. فلما افاق قال يا بني حدثني قال يا ابة اسألك بإله ابراهيم واسحاق ويعقوب الا اعفيتني فاعفاه. قال: ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة. افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتى سألت، فقالوا لها لو قعدت للعزيز. وكان يوسف. فقالت استحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له. فأقبل يوسف في موكبه. فقامت إليه وقالت: الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا وجعل العبيد بالطاعة ملوكا. فقال لها يوسف وهي هرمة الست فعلت بي كذا وكذا ؟ فقالت يا نبي الله لا تلمني فاني بليت بثلاثة لم يبل بها احد. قال: وما هي ؟ قالت: بليت بحبك ولم يخلق الله لك نظيرا وبليت بحسني بانه لم تكن بمصر امرأة اجمل مني ولا اكثر مالا وبليت بأن زوجي كان
[ 199 ]
محصورا بفقد الحركة - يعنى عنينا - فقال لها يوسف ما حاجتك ؟ قالت تسأل الله ان يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها. فتزوجها وهي بكر. وعن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (قد شغفها حبا) يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا يغفل غيره. والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب. اقول: المشهور بين المفسرين واللغويين ان المراد شهق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل الى فؤادها (وحبا) نصبا على التمييز. وكان ما في الحديث بيان لحاصل المعنى. قال الطبرسي رحمه الله: وروي عن علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد (عليهما السلام) وغيرهم: قد شعفها بالعين - أي ذهب بها كل مذهب.
(الامالي) عن ابي بصير عن الصادق عليه السلام: ان يوسف لما صار في الجب وايس من الحياة، كان دعاؤه: اللهم ان كانت الخطايا والذنوب قد اخلقت وجهي عندك فلن ترفع اليك صوتي ولن تستجيب لي دعوة فاني اسألك بحق الشيخ يعقوب فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه فقد علمت رقته علي و شوقي ثم بكى أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: وانا اقول اللهم ان كانت الخطايا والذنوب قد اخلقت وجهي عندك فلن ترفع اليك صوتا ولم تستجب لي دعوة فاني اسالك بك فليس كمثلك شىء واتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله، ثم قال عليه السلام: قولوا هكذا و اكثروا منه عند الكرب العظام. وفيه بالاسناد الى ابن عباس قال: لما اصاب يعقوب، ما اصاب الناس من ضيق الطعام، جمع يعقوب بنيه فقال لهم: يا بني انه بلغني انه يباع بمصر طعام طيب وان صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه واشتروا منه طعاما، فساروا حتى وردوا فادخلوا على يوسف (فعرفهم وهم له منكرون) فسألهم فقالوا نحن اولاد يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم، قال ولدكم إذا ثلاثة انبياء، وما انتم بحلماء ولا فيكم وقار ولا خشوع فلعلكم جواسيس لبعض الملوك، جئتم الى بلادي ؟ فقالوا ايها الملك لسنا بجواسيس ولا اصحاب حرب ولو تعلم بأبينا إذا لكرمنا عليك، فإنه نبي الله وابن
[ 200 ]
انبيائه وانه لمحزون، قال لهم يوسف: فما حزنه وهو نبي الله وابن انبيائه والجنة مأواه وهو ينظر اليكم في مثل عددكم وقوتكم فلعل حزنه انما هو من قبل سفهكم وجهلكم ؟ قالوا: ايها الملك لسنا بجهال و لاسفهاء ولا اتاه الحزن من قبلنا، ولكن كان له ابن كان اصغرنا سنا، يقال له: يوسف، فخرج معنا الى الصيد فأكله الذئب، فلم يزل بعده حزينا. فقال لهم يوسف كلكم من اب واحد ؟ قالوا ابونا واحد وامهاتنا شتى. قال فما حمل اباكم على ان سرحكم كلكم وحبس منكم واحدا
يأنس به ويستريح إليه ؟ قالوا: قد فعل، قد حبس منا واحدا هو اصغرنا سنا. قال ولم اختاره من بينكم ؟ قالوا لانه احب اولاده إليه بعد يوسف. فقال لهم يوسف اني احبس منكم واحدا، يكون عندي وارجعوا الى ابيكم واقرؤه مني السلام وقولوا له: يرسل إلي بابنه الذي زعمتم انه حبسه عنده ليخبرني عن حزنه وعن سرعة الشيب إليه قبل أوان مشيبه وعن بكائه وذهاب بصره ؟ فلما قال هذا، اقترعوا بينهم، فخرجت القرعة على شمعون، فأمر به فحبس. فلما ودعوا شمعون قال لهم يا اخوتاه انظروا ماذا وقعت فيه واقرؤا والدي مني السلام. فودعوه و ساروا حتى وردوا الشام ودخلوا على يعقوب عليه السلام وسلموا عليه سلاما ضعيفا فقال لهم: يا بني ما لكم تسلمون سلاما ؟ ضعيفا وما لي لا اسمع فيكم صوت خليلي شمعون ؟ قالوا: يا ابانا انا جئناك من اعظم الناس ملكا لم ير الناس مثله حكما وعلما وإن كان لك شبيه، فانه لشبيهك، ولكنا اهل بيت خلقنا للبلاء، إتهمنا الملك وزعم انه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بنيامين برسالة منك، يخبره عن حزنك وعن سرعة الشيب اليك وعن بكائك وذهاب بصرك. فظن يعقوب عليه السلام ان ذلك مكر منهم، فقال لهم: يا بني بئس العادة عادتكم، كلما خرجتم في وجه نقص منكم واحد، لا ارسله معكم، (فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم) من غير علم منهم، فأقبلوا الى ابيهم فرحين، فقالوا يا ابانا ان هذه بضاعتنا ردت الينا. قال يعقوب قد علمتم ان بنيامين احبكم إلي بعد اخيكم يوسف وبه انسى، فلن ارسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله لتأتيني به الا ان يحاط بكم، فضمنه
[ 201 ]
يهودا، فخرجوا، حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف فقال لهم: هل بلغتم رسالتي ؟ قالوا: نعم وقد جئناك بجوابها مع هذا الغلام، فاسأله عما بدا لك، فقال له يوسف: بما ارسلك ابوك إلي يا غلام ؟ قال: ارسلني اليك يقرؤك السلام ويقول: انك ارسلت إلي تسألني عن حزني وعن سرعة الشيب إلي قبل اوان المشيب
وعن بكائي وذهاب بصري فان اشد الناس حزنا وخوفا اذكرهم للمعاد وانما اسرع المشيب إلي: لذكري يوم القيامة وان بكائي و ابيضاض عيوني: على حبيبي يوسف وقد بلغني حزنك بحزني واهتمامك بأمري فكان الله لك جازيا ومثيبا. وانك لن تصلني بشىء اشد فرحا به من ان تعجل على ولدي ابني بنيامين فانه احب اولادي بعد يوسف وعجل علي بما استعين به على عيالي. فلما قال هذا خنقت يوسف العبرة ولم يصبر حتى قام فدخل البيت وبكى ساعة، ثم خرج إليهم وامر لهم بطعام، وقال ليجلس كل بني ام على مائدة فجلسوا، وبقى بنيامين قائما، فقال له يوسف: ما لك لم تجلس ؟ فقال: ليس لي فيهم ابن ام، فقال له يوسف فما كان لك ابن ام ؟ فقال بنيامين بلى، ولكن زعم هؤلاء ان الذئب اكله، قال فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال: ولد لي اثنا عشر ابنا، كلهم اشتق لهم اسما من اسمه، قال يوسف اراك قد عانقت النساء وشممت الولد من بعده ؟ فقال له بنيامين ان لي ابا صالحا وانه قال لي تزوج لعل الله عزوجل يخرج منك ذرية تثقل الارض بالتسبيح. فقال له يوسف فاجلس على مائدتي، فقال اخوته قد فضل الله يوسف واخاه، حتى ان الملك قد اجلسه معه على مائدته، فامر يوسف ان يجعل صواع الملك في رحل بنيامين. وعن جابر بن عبد الله قال: اتى النبي صلى الله عليه وآله رجل من اليهود يقال له بستان اليهودي فقال يا محمد اخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام انها ساجدة له ما اسماؤها ؟ فقال: انت تسلم ان اخبرتك باسمائها ؟ فقال: نعم فقال: حرمان والطارق و الذيال و ذو الكتفان و قابس و وثاب و عمودان و الفيلق والمصبح و الضروج و ذو القرع و الضياء و النور فى افق السماء، ساجدة له، فلما
[ 202 ]
قصها يوسف على يعقوب عليه السلام، قال يعقوب: هذا امر متشتت يجمعه الله
بعد. فقال اليهودي: والله ان هذه لأسمائها. وعن ابى عبد الله عليه السلام قال: البكاؤن خمسة: آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله و علي بن الحسين عليه السلام. فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار خديه امثال الاودية. واما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره. واما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به اهل السجن، فقالوا له اما ان تبكي بالليل وتسكت بالنهار، واما ان تبكي بالنهار وتسكت بالليل. فصالحهم على واحدة منهما. واما فاطمة عليها السلام فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى تأذى به اهل المدينة فقالوا لها قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج الى مقابر الشهداء، فتبكي، حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف. واما علي بن الحسين عليهما السلام فبكى على الحسين عشرين سنة أو اربعين سنة ما وضع بين يديه طعام الا بكى: حتى قال له مولى له: جعلت فداك اني اخاف ان تكون من الهالكين ؟ قال: انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم ما لا تعلمون، اني ما ذكرت مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة. (علل الشرايع) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان يعقوب وعيص توأمين فولد عيص ثم يعقوب، فسمى يعقوب لانه خرج بعقب اخيه عيص، ويعقوب هو اسرائيل الله، ومعناه هو عبد الله، لان اسرا هو عبد وئيل هو الله. وفي خبر آخر ان اسرا هو القوة وئيل هو الله، يعني قوة الله. وعن (كعب الاحبار) في حديث طويل: انما سمي اسرائيل لان يعقوب كان يخدم بيت المقدس وكان اول من يدخل وآخر من يخرج وكان يسرج القناديل وإذا كان بالغداة رآها مطفأة، فبات ليلة في بيت المقدس، وإذا
[ 203 ]
بجني يطفيها بأسره الى سارية في المسجد، فلما اصبحوا رأوا اسيرا وكان اسم الجني ئيل، فسمي اسرائيل لذلك. وعن علي بن الحسين عليهما السلام قال: اخذ الناس من ثلاثة من ثلاثة، اخذوا الصبر عن ايوب والشكر عن نوح عليهما السلام والحسد عن بني يعقوب. وعن الرضا عليه السلام انه قال له رجل: اصلحك الله كيف صرت الى ما صرت إليه من المأمون و كأنه انكر ذلك عليه ؟ فقال عليه السلام يا هذا ايهما افضل النبي أو الوصي ؟ قال لا بل النبي. قال فأيهما افضل المسلم أو المشرك ؟ قال لا بل المسلم. قال فان عزيز مصر كان مشركا وكان يوسف مسلما وان المأمون مسلم وانا وصي، يوسف سأل العزيز ان يوليه، حين قال (اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) قال حافظ لما في يدي عالم بكل لسان. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان يوسف عليه السلام لما كان في السجن شكى الى ربه اكل الخبز وحده وسأل اداما يأتدم به وقد كان كثر عنده قطع الخبز اليابس، فأمره: ان يأخذ الخبز ويجعله في إجانة ويصب عليه الماء والملح فصار مريا وجعل يأتدم به عليه السلام. وعن ابن عباس قال: مكث يوسف في منزل الملك وزليخا ثلاث سنين، ثم احبته فراودته، فبلغنا والله اعلم: انها مكثت سبع سنين على قدميها، وهو مطرق الى الارض لا يرفع طرفه إليها مخافة من ربه، فقالت يوما ارفع طرفك وانظر الي قال: اخشى العمى على بصري قالت: ما احسن عينيك ؟ قال: هما اول ساقط على خدي في قبري. قالت: ما احسن طيب ريحك ؟ قال: لو شممت رائحتي بعد ثلاث من موتي لهربت مني ؟ قالت لم لا تقترب ؟ قال: ارجو بذلك القرب من ربي، قالت فرشي الحرير فقم واقض حاجتي ؟ قال اخشى ان يذهب
من الجنة نصيبي. قالت اسلمك الى المعذبين ؟ قال يكفيني ربي. (علل الشرائع) باسناده الى الثمالي قال: صليت مع علي بن الحسين عليه السلام الفجر بالمدينة يوم الجمعة، فنهض الى منزله وانا معه فدعا مولاة له تسمى سكينة
[ 204 ]
فقال لها لا يعبر على بابى سائل الا اطعمتموه، فان اليوم يوم الجمعة، قلت له: ليس كل من يسأل مستحقا ؟ فقال يا ثابت اخاف ان يكون بعض من يسألنا مستحقا فلا نطعمه ونرده، فينزل بنا اهل البيت ما نزل بيعقوب وآله: ان يعقوب كان يذبح كل يوم كبشا فيتصدق منه ويأكل هو وعياله منه، وان سائلا مؤمنا صواما مستحقا له عند الله منزلة، وكان مجتازا غريبا مر على باب يعقوب عشية الجمعة عند اوان افطاره يهتف على بابه: اطعموا السائل الغريب الجائع، من فضل طعامكم يهتف بذلك على بابه مرارا وهم يسمعونه، قد جهلوا حقه ولم يصدقوا قوله، فلما يئس ان يطعموه و غشيه الليل استرجع وشكى جوعه الى الله عزوجل وبات طاويا، واصبح جائعا صابرا حامدا لله تعالى، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا، وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله عزوجل الى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد اذللت يا يعقوب عبدي ذلة استوجبت بها ادبي عليك وعلى ولدك، يا يعقوب ان احب انبيائي الي من رحم مساكين عبادي واطعمهم وكان لهم مأوى، يا يعقوب ما رحمت عبدي ذميال العابد لما مر ببابك عند افطاره وهتف بكم اطعموا السائل الغريب، فلم تطعموه، فشكا ما به إلي وبات طاويا حامدا لي واصبح صائما، وانت يا يعقوب و ولدك شباع واصبحت عندكم فضلة من طعامكم، أو علمت يا يعقوب ان العقوبة والبلوى الى اوليائي اسرع منها الى اعدائي، وذلك حسن النظر مني لاوليائي واستدراج مني لاعدائي، اما وعزتي لانزل بك بلواي ولاجعلنك وولدك عرضا لمصائبي فاستعد لبلواي، فقلت لعلي بن الحسين جعلت فداك: متى رأى يوسف الرؤيا ؟ فقال في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآل يعقوب شباعا
وبات فيها ذميال طاويا جائعا فلما رأى يوسف الرؤيا واصبح يقصها على ابيه يعقوب فاغتم يعقوب لما سمع من يوسف ما اوحى الله عزوجل إليه ان استعد للبلاء، فقال يعقوب ليوسف: (لا تقصص رؤياك هذه على اخوتك فاني اخاف ان يكيدوا لك كيدا) فلم يكتم يوسف رؤياه وقصها على اخوته، وكانت اول بلوى نزلت بيعقوب وآل يعقوب، الحسد ليوسف، لما سمعوا منه الرؤيا،
[ 205 ]
فاشتدت رقة يعقوب على يوسف وخاف ان يكون ما اوحى الله إليه من استعداد للبلاء، هو في يوسف خاصة. فاشتدت رقته عليه من بين اخوته فلما رأى اخوة يوسف ما يصنع بيوسف وتكرمته اياه وايثاره اياه عليهم، اشتد ذلك عليهم. فتآمروا بينهم، فقالوا (ان يوسف واخاه احب الى ابينا منا، اقتلوا يوسف أو اطرحوه ارضا يخل لكم وجه ابيكم، فجاؤوا اباهم وقالوا ما لك لا تأمنا على يوسف ؟ فقال يعقوب اخاف ان يأكله الذئب) فانتزعه حذرا عليه من ان تكون البلوى من الله فيه، فغلبت قدرة الله وقضاؤه في يعقوب ويوسف واخوته فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء، فدفعه الى اخوته ولما خرجوا لحقهم مسرعا فانتزعه من ايديهم وضمه إليه واعتنقه وبكى ودفعه إليهم فانطلقوا به مسرعين مخافة ان يأخذه منهم، فلما امنوا به، اتوا غيضة اشجار فقالوا نذبحه ونلقيه تحت هذه الشجرة فيأكله الذئب الليلة فقال كبيرهم: لا تقتلوا يوسف ولكن القوة في غيابة الجب، فالقوه في الجب وهم يظنون انه يغرق فيه، فلما صار في قعر الجب ناداهم: يا ولد رومين اقرؤوا يعقوب مني السلام فلما سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض لا تزالوا من هاهنا حتى تعلموا انه قد مات فلم يزالوا حتى آيسوا (ورجعوا الى ابيهم عشاء يبكون * قالوا يا ابانا اكله الذئب) فاسترجع وذكر ما اوحى الله عزوجل إليه من الاستعداد للبلاء فصبر واذعن للبلاء. وقال: (بل سولت لكم انفسكم امرا...) وما كان
الله ليطعم لحم يوسف الذئب من قبل ان رأى تأويل رؤياه الصادقة. فلما اصبحوا قالوا: انطلقوا بنا حتى ننظر ما حال يوسف امات ام هو حي ؟ فلما انتهوا الى الجب وجدوا عنده سيارة قد ارسلوا واردهم فأدلى دلوه، فلما جذب دلوه إذا هو بغلام متعلق بدلوه، فقال لاصحابه يا بشرى هذا غلام، فلما اخرجوه اقبل إليهم اخوة يوسف قالوا هذا عبدنا سقط منا امس في هذا الجب وجئنا اليوم لنخرجه فانتزعوه من ايديهم وتنحوا به ناحية، فقالوا اما ان تقر لنا انك عبدنا فنبيعك بعض هذه السيارة أو نقتلك ؟ فقال لهم يوسف: لا تقتلوني واصنعوا بي ما شئتم، فأقبلوا به الى السيارة، فقالوا: من يشتري هذا العبد ؟
[ 206 ]
فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما وسار به الذي اشتراه من البدو الى مصر فباعه من ملك مصر. فلما راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه. فقال لها معاذ الله انا من اهل بيت لا يزنون، فغلقت الابواب عليها وعليه وقالت لا تخف والقت نفسها عليه فأفلت منها هاربا الى الباب ففتحه فلحقت به فجذبت قميصه من خلفه فافلت منها ثيابه (والفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن أو عذاب اليم) فهم الملك بيوسف ليعذبه. فقال له يوسف: ما اردت بأهلك سوءا بل هي راودتني عن نفسي، فاسأل هذا الصبي اينا راود صاحبه عن نفسه ؟ فانطق الله الصبي لفصل القضاء فقال: يا ايها الملك انظر الى قميص يوسف فان كان مقدودا من قدامه فهو الذي راودها، وان كان مقدودا من خلفه فهي التي راودته ؟ فنظر الى القميص فرآه مقدودا من خلفه، فقال (انه من كيدكن) وقال ليوسف اعرض عن هذا ولا يسمعه احد منك واكتمه، فلم يكتمه يوسف واذاعه في المدينة حتى قلن نسوة: (امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) فبلغها ذلك، فأرسلت اليهن
وهيأت لهن طعاما ثم آتتهن باترج (وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن، فلما رأينه اكبرنه وقطعن ايديهن... * فقالت هذا الذي لمتنني فيه...) فخرجت النسوة من عندها، فأرسلت كل واحدة منهن الى يوسف سرا من صاحبها تسأله الزيارة فأبى عليهن. ولما شاع امر يوسف وامرأة العزيز والنسوة في مصر، بدا للملك بعد ما سمع قول الصبي، ليسجنن يوسف فسجنه في السجن. اقول: قال امين الاسلام الطبرسي رحمه الله: قيل: ان النسوة قلن ليوسف اطع مولاتك واقض حاجتها فانها المظلومة وانت الظالم. وقال السدي: سبب السجن: ان المرأة قالت لزوجها ان هذا العبد فضحني بين الناس ولست اطيق ان اعتذر بعذري فاما ان تأذن لي فاخرج واعتذر بعذري واما ان تحبسه كما حبستني ؟ فحبسه بعد علمه ببراءته.
[ 207 ]
وفي الرواية: ان اخوة يوسف لما انطلقوا به الى الجب جعلوا يدلونه في البئر وهو يتعلق بشفيرها ثم نزعوا قميصه عنه وهو يقول: لا تفعلوا، ردوا علي القميص اتوارى به ؟ فيقولون: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك. فدلوه الى البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه، إرادة ان يموت. وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم آوى الى صخرة فقام عليها وكان يهودا يأتيه بالطعام والشراب. وقيل: ان الجب اضاء له و عذب ماؤه حتى اغناه عن الطعام. (علل الشرايع) سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول في قول يوسف عليه السلام: (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه) ان يوسف رجع الى اختيار نفسه فاختار السجن فوكل الى اختياره والتجأ نبي الله محمد صلى الله عليه وآله الى الاختيار، فتبرأ من الاختيار ودعا دعاء الافتقار فقال على رؤية الاضطرار: يا مقلب
القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك فعوفي من العلة وعصم فاستجاب الله له واحسن اجابته. وهو ان الله عصمه ظاهرا وباطنا. وسمعته يقول في قول يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على اخيه من قبل): ان هذا مثل قول النبي صلى الله عليه وآله لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وذلك انه سلم يوسف إليهم. فغشوه حين اعتمد على حفظهم له وانقطع في رعايته إليهم. فألقوه في غيابة الجب وباعوه. ولما انقطع الى الله في الابن الثاني وسلمه واعتمد في حفظه وقال: (فالله خير حافظا) اقعده على سرير المملكة و رد يوسف إليه واخرج القوم من المحنة واستقامت اسبابهم. وسمعته يقول في قول يعقوب (يا اسفي على يوسف) انه عرض في التأسف بيوسف وقد رأى في مفارقته فراقا آخر. وفي قطيعته قطيعة اخرى فتلهف عليها وتأسف من اجلها. كقول الصادق (ع) في معنى قوله عزوجل (ولنذيقنهم من العذاب الادنى
[ 208 ]
دون العذاب الاكبر ان هذا فراق الاحبة في دار الدنيا حتى يستدلوا به على فراق المولى. فلذلك يعقوب تأسف على يوسف من خوف فراق غيره فذكر يوسف لذلك. اقول: فراق الاحبة و وصال الأحبة نار وجنة مخلوقتان وفي الدنيا يستدل بها على نعيم الاخرة وجحيمها. وقال امير المؤمنين عليه السلام: لو لا هول المطلع و فراق الاحبة لطلبنا الموت. وفي تفسير قوله تعالى: (على سرر متقابلين) انه اعظم لذات الجنة: يجلس
الاحبة في المكان الواحد، كل واحد على سرير من سرر الجنة: وقال المتنبي: لولا مفارقة الاحباب ما وجدت * لها المنايا الى ارواحنا سبلا. وفيه ايضا عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قلت لجعفر بن محمد اخبرني. عن يعقوب لما قال له بنوه: (يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف استغفر لكم ربي) فأخر الاستغفار لهم. ويوسف (ع) لما قالوا له: (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين). قال: لان قلب الشاب ارق من قلب الشيخ، وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف وجنايتهم على يعقوب انما كان بجنايتهم على يوسف، فبادر يوسف الى العفو عن حقه، واخر يعقوب العفو لان عفوه انما كان على حق غيره فاخرهم الى السحر ليلة الجمعة. وعنه عليه السلام: قال: استأذنت زليخا على يوسف ؟ فقيل لها: يا زليخا انا نكره ان نقدم بك عليه لما كان منك إليه ؟ قالت انى لا اخاف ممن يخاف الله، فلما دخلت، قال لها: يا زليخا ما لي اراك قد تغير لونك ؟ قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا وجعل العبيد بطاعتهم ملوكا. قال لها: يا زليخا ما الذي دعاك الى ما كان منك ؟ قالت حسن وجهك يا يوسف، فقال: كيف لو رأيتي نبيا يقال له محمد يكون في آخر الزمان، احسن مني خلقا واسمح مني كفا ؟ قالت
[ 209 ]
علمت انى صدقت ؟ قالت لانك حين ذكرته وقع حبه في قلبي. فأوحى الله عز و جل الى يوسف: انها قد صدقت، واني احببتها، لحبها محمد صلى الله عليه وآله فامر الله تبارك وتعالى: ان يتزوجها. (معاني الاخبار) معنى يوسف مأخوذ من أسف يوسف، أي غضب يغضب
اخوته، قال الله عز و جل: (فلما اسفونا انتقمنا منهم) والمراد بتسميته يوسف انه يغضب اخوته ما يظهر من فضله عليهم. وعن ابى عبد الله عليه السلام قال: قدم اعرابي على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه، فلما فرغ قال له يوسف: اين منزلك ؟ قال بموضع كذا و كذا، فقال: إذا مررت بوادي كذا و كذا، فقف وناد: يا يعقوب يا يعقوب، فانه سيخرج اليك رجل عظيم جميل حسن فقل له: لقيت رجلا بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك: ان وديعتك عند الله عزوجل لن تضيع، فلما انتهى الى الموضع نادى: يا يعقوب يا يعقوب ؟ فخرج إليه رجل اعمى طويل جميل يتقى الحائط بيده، فأبلغه ما قال له يوسف، فسقط مغشيا عليه، ثم افاق فقال: يا اعرابي الك حاجة الى الله تعالى ؟ فقال نعم، اني كثير المال و لي ابنة عم لم يولد لي منها و اني احب ان تدعو الله ان يرزقني ولدا ؟ فدعا الله. فرزقه اربعة بطون، في كل بطن اثنان. وكان يعقوب يعلم ان يوسف حي لم يمت، وان الله سيظهره له بعد غيبته، وكان يقول لبنيه: (اني اعلم من الله ما لا تعلمون). وروي ان اخوة يوسف لما اتوا ابيهم عشاءا يبكون ومعهم قميص يوسف ملطخ بالدم، تولى عنهم يعقوب تلك الليلة واقبل يرثي يوسف وهو يقول: حبيبي يوسف الذي كنت اؤثره على جميع اولادي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت ارجوه من بين اولادي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت اوسده يميني وادثره شمالي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت اؤنس به وحشتي و اصل به وحدتي فاختلس مني، حبيبي يوسف ليت شعري في اي الجبال طرحوك ام في اي البحار غرقوك، حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني ما اصابك.
[ 210 ]
الثعلبي في (كتاب العرائس) قال: لما خلا يوسف باخيه قال له: ما اسمك:
قال: بنيامين. قال وما بنيامين ؟ قال ابن المثكل. وذلك انه لما ولد هلكت امه، قال وما اسم امك ؟ قال: راحيل بنت لبان بن ناحور. قال: فهل لك من ولد ؟ قال: نعم عشرة بنين. قال: ما اسماؤهم ؟ فعد له اسماءهم، وكلها مشتقة أو فيها دلالة على يوسف فقال يوسف: احب ان اكون اخاك بدل اخيك الهالك ؟ فقال بنيامين ايها الملك ومن يجد اخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل. فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و قال اني اخوك فلا تعلمهم بشىء من هذا. فقال بنيامين اني لا افارقك. ثم احتالا في وضع الصاع في رحل بنيامين. اقول: وعلى هذا فالمراد بأبويه الذين دخلا مصر ابوه وخالته. كما قال الاكثر فان الخالة يقال لها: ام في اطلاق العرف. و قال صلى الله عليه وآله لما تخاصم امير المؤمنين عليه السلام في حضانة ابنة حمزة رضي الله عنه مع خالته: الخالة ام. وذلك لما ورد من ان امه (اي ام يوسف) قد كانت ماتت في نفاسها ببنيامين فتزوج يعقوب اختها. وقيل: يريد اباه وامه وكانا حيين. عن ابن اسحاق والجبائي. وقيل: ان راحيل امه نشرت من قبرها حتى سجدت له، تحقيقا للرؤيا. عن الحسن. (قصص الانبياء) عن سليمان الطلحي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما حال بني يعقوب هل خرجوا من الايمان ؟ قال: نعم. فما تقول في آدم عليه السلام ؟ قال: دع آدم. اقول: للايمان درجات ومراتب، كما جاء في صحيح الاخبار، فيكون المراد انهم خرجوا من درجاته العالية. ثم عادوا إليها و الى ما فوقها بتوبتهم واستغفار يعقوب و يوسف لهم.
(قصص الراوندي) بالاسناد عن الصدوق عن ابيه عن الصفار عن ايوب بن
[ 211 ]
نوح عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم قال قلت لابي عبد الله عليه السلام ما بلغ من حزن يعقوب ؟ قال حزن سبعين ثكلى، ولما كان يوسف في السجن دخل عليه جبرئيل عليه السلام فقال ان الله ابتلاك وابتلى اباك وان الله ينجيك من هذا السجن فاسال الله بحق محمد واهل بيته ان يخلصك مما انت فيه. فقال يوسف اللهم اني اسالك بحق محمد واهل بيته الا عجلت فرجي وارحتني مما انا فيه. قال جبرئيل: فابشر ايها الصديق فان الله يخرجك من السجن الى ثلاثة ايام ويملكك مصر واهلها، فلم يلبث يوسف الا تلك الليلة حتى رأى الملك رؤيا افزعته، فقصها على اعوانه، فلم يدروا ما تأويلها، فذكر الغلام الذي نجى من السجن يوسف فقال ايها الملك ارسلني الى السجن فان فيه رجلا حليما عليما وقد كنت انا وفلان اغتضبت علينا وامرت بحبسنا، رأينا رؤيا فعبرها لنا وكان كما قال، ففلان صلب واما انا فنجيت فقال له الملك انطلق إليه، فدخل وقال: يوسف افتنا في سبع بقرات... فلما بلغ رسالة يوسف الملك قال (ائتوني به استخلصه لنفسي). فلما بلغ يوسف رسالة الملك قال كيف ارجو كرامته وقد عرف براءتي و حبسني سنين. فلما سمع الملك ارسل الى النسوة فقال ما خطبكن ؟ قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء. فأرسل إليه واخرجه من السجن، فلما كلمه اعجبه كلامه وعقله. فقال اقصص رؤياي فاني اريد ان اسمعها منك ؟ فذكره يوسف كما رأى وفسره. قال الملك صدقت فمن لي بجمع ذلك وحفظه ؟ فقال يوسف ان الله اوحى إلي اني مدبره والقيم في تلك السنين السبع الخصيبة يكبسه في الخزائن في سنبله. ثم اقبلت السنون الجدبة، اقبل يوسف على جميع الطعام فباعهم بالسنة الاولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها درهم ولا دينار الا صار في مملكة
يوسف، وباعهم في السنة الثانية بالحلى والجواهر، و باعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي، و باعهم في السنة الرابعة بالعبيد والاماء، وباعهم في السنة الخامسة بالدور و العقار وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والانهار، و باعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر الا صار في مملكة يوسف عليه السلام
[ 212 ]
وصاروا عبيدا له. فقال يوسف للملك: ما ترى فيما خولني ربي ؟ قال الرأي رأيك قال: اني اشهد الله واشهدك ايها الملك اني اعتقت اهل مصر كلهم ورددت عليهم اموالهم وعبيدهم ورددت عليك خاتمك وسريرك وتاجك. على ان لا تسير الا بسيرتي ولا تحكم الا بحكمي، فقال له الملك: ان ذلك لديني وفخري، و انا اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانك رسوله... الحديث. وقال في (العرائس): فلما تبين للملك عذر يوسف وعرف امانته وكفايته وعقله (قال ائتوني به استخلصه لنفسي فلما جاءه الرسول) قال اجب الملك الآن فخرج يوسف و دعا لاهل السجن بدعاء يعرف الى اليوم، وذلك انه قال: اللهم اعطف عليهم قلوب الاخيار ولا تعم عليهم الاخبار، فهم اعلم الناس بالاخبار الى اليوم في كل بلدة، فلما خرج من السجن كتب على بابه: (هذا قبر الاحياء وبيت الاحزان وتجربة الاصدقاء وشماتة الاعداء) ثم اغتسل وتنظف وقصد الملك فلما ان نظر الى الملك سلم عليه يوسف بالعربية، فقال له الملك: ما هذا اللسان ؟ قال: لسان عمي اسماعيل، ثم دعا بالعبرانية، فقال له الملك: ما هذا اللسان ؟ قال لسان آبائي، وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا، فلما كلم الملك يوسف بلسان اجابه يوسف بذلك اللسان، فأعجب الملك بما رأى منه، وكان يوسف عليه السلام ابن ثلاثين سنة، فلما رأى الملك حداثة سنه وغزارة علمه، قال لمن عنده: ان هذا علم تأويل رؤياي، ولم تعلمه السحرة والكهنة، ثم قال له: اني احب ان اسمع رؤياي
منك شفاها ؟ فقال يوسف نعم، ايها الملك رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان غر كشف لك عنهن النيل فطلعن لك من شاطئه تشخب اخلافهن لبنا، فبينا انت تنظر اليهن ويعجبك حسنهن إذ نضب النيل و غار ماؤه وبدا قعره وخرج من حماته ووحله سبع بقرات عجاف شعث ليس لهن ضروع ولا خلاف ولهن انياب و اضراس و اكف كاكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع، فاختلطن بالسمان فافترسنهن افتراس السبع واكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن، فبينا انت تتعجب إذا سبع سنابل خضر وسبع سنابل اخر سود في منبت واحد عروقهن في الثرى
[ 213 ]
والماء، فبينا انت تقول: انى هذا و هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد واصولهن في الماء، إذ هبت ريح فذرت الا رفات من السود اليابسات على الخضر المثمرات فاشعلت فيهن النار فأحرقتهن فصرن سودا متغيرات، فهذا آخر ما رأيت من الرؤيا. وعن محمد بن مسلم قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: اخبرني عن يعقوب كم عاش مع يوسف بمصر ؟ قال: عاش حولين، وكان يعقوب هو الحجة، و كان الملك ليوسف، فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت الى ارض الشام فدفنه في بيت المقدس، فكان يوسف بعده هو الحجة. (الخرائج) عن ابي محمد عليه السلام في قوله تعالى: (ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل) قال عليه السلام: ما سرق يوسف، انما كان ليوسف منطقة ورثها من ابراهيم، و كانت تلك المنطقة لا يسرقها احد الا استعبد فكان إذا سرقها انسان نزل عليه جبرئيل عليه السلام فأخبره بذلك، فاخذ منه واخذ عبدا، وان المنطقة كانت عند سارة بنت اسحاق بن ابراهيم، و كانت سميت ام اسحاق، وان سارة احبت يوسف وارادت ان تتخذه ولدا لها، و انما اخذت المنطقة فربطتها على وسطه
ثم سدلت عليه سرباله، وقالت: يعقوب ان المنطقة سرقت، فاتاه جبرئيل فقال: يا يعقوب ان المنطقة مع يوسف، ولم يخبره بخبر ما صنعت سارة، لما اراد الله، فقام يعقوب الى يوسف واستخرج المنطقة، فقالت سارة بنت اسحاق مني سرقها يوسف فأنا احق به، فقال لها يعقوب: فانه عبدك على ان لا تبيعيه ولا تهبيه. قالت فأنا اقبله على ان لا تأخذه مني وانا اعتقه الساعة فاعتقته... الحديث. وروي انه لما قال للفتى: (اذكرني عند ربك) اتاه جبرئيل (ع) فضرب برجله حتى كشط له عن الارض السابعة، فقال له: يا يوسف انظر ماذا ترى ؟ فقال ارى حجرا صغيرا ففلق الحجر، فقال: ما ذا ترى ؟ قال دودة صغيرة. قال: فمن رازقها ؟ قال الله. قال فان ربك يقول: لم انس هذه الدودة في ذلك الحجر في قعر الارض السابعة اظننت اني انساك حتى تقول للفتى (اذكرني عند ربك)
[ 214 ]
لتلبثن في السجن بمقالتك هذه بضع سنين. قال فبكى يوسف عند ذلك حتى بكت لبكائه الحيطان، فتأذى به اهل السجن، فصالحهم على ان يبكي يوما ويسكت يوما فكان اليوم الذي يسكت اسوء حالا (العياشي) عن هشام بن صالح عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ما بكى احد بكاء ثلاثة: آدم ويوسف و داود. اما آدم فبكى حين اخرج من الجنة و كان رأسه في باب من ابواب السماء فبكى حتى تأذى به اهل السماء، فشكوا ذلك الى الله، فحط من قامته. واما داود فانه بكى حتى هاج العشب من دموعه وان كان ليزفر الزفرة فيحرق ما نبت من دموعه. واما يوسف فانه كان يبكي على ابيه يعقوب وهو في السجن، فأاذى به اهل السجن، فصالحهم على ان يبكي يوما ويسكت يوما.
وفيه عن حفص بن غياث عن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان سبق يوسف الغلاء الذي اصاب الناس ولم يتمن الغلاء لاحد قط، قال: فاتاه التجار فقالوا: بعنا ؟ فقال اشتروا، فقالوا نأخذ كذا بكذا ؟ قال خذوا، وامر فكالوهم فحملوا ومضوا حتى دخلوا المدينة فلقيهم قوم من التجار فقالوا لهم: كيف اخذتم ؟ قالوا كذا بكذا وضاعفوا الثمن. قال و قدم اولئك على يوسف، فقالوا بعنا ؟ فقال اشتروا كيف تأخذون ؟ قالوا بعنا كما بعت كذا بكذا ؟ فقال ما هو كما يقولون ولكن خذوا فأخذوا ثم مضوا حتى دخلوا المدينة فلقيهم آخرون فقالوا كيف اخذتم ؟ فقالوا كذا بكذا، وضاعفوا الثمن، قال: فعظم الناس ذلك البلاء وقالوا اذهبوا بنا حتى نشترى قال: فذهبوا الى يوسف فقالوا بعنا ؟ فقال اشتروا. فقالوا بعنا كما بعت ؟ فقال وكيف بعت ؟ قالوا كذا بكذا. فقال ما هو كذلك ولكن خذوا. قال فاخذوا ورجعوا الى المدينة، فاخبروا الناس، فقالوا فيما بينهم تعالوا نكذب في الرخص كما كذبنا في الغلاء. قال فذهبوا الى يوسف فقالوا له بعنا ؟ فقال اشتروا. فقالوا بعنا كما بعت ؟ قال كيف بعت ؟ قالوا كذا بكذا. بالحط من
[ 215 ]
السعر الاول. فقال ما هو كذا، ولكن خذوا. قال فاخذوا وذهبوا الى المدينة. فلقيهم الناس فسألوهم بكم اشتريتم ؟ فقالوا كذا بكذا بنصف الاول. فقال آخرون اذهبوا بنا حتى نشتري فذهبوا الى يوسف فقالوا بعنا ؟ فقال اشتروا. فقالوا بعنا كما بعت ؟ قال كيف بعت ؟ فقالوا كذا بكذا ؟ بالحط من النصف. فقال ما هو كما تقولون ولكن خذوا، فلم يزالوا يتكاذبون حتى رجع السعر الى الاخير كما كان الاول. كما اراد الله تعالى. وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: رحم الله اخي يوسف لو لم يقل (اجعلني على خزائن الارض) لولاه عن ساعته ولكن اخر ذلك سنة
وروى العياشي عن جابر عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان يعقوب ذهب الى عابد من العباد في حاجة، فقال له الراهب فما بلغ بك مما ارى من الكبر ؟ قال: الهم و الحزن. فما جاوز الباب حتى اوحى الله إليه ان يا يعقوب شكوتني الى العباد ؟ فخر ساجدا عند عتبة الباب يقول لا اعود. فأوحى الله إليه انى قد غفرتها لك فلا تعودن الى مثلها. فما شكى شيئا مما اصابه من نوائب الدنيا الا انه قال يوما (انما اشكو بثي و حزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون). وروي عن محمد بن اسماعيل رفعه باسناده له قال: ان يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسيرة عشره ليال وكان يعقوب ببيت المقدس ويوسف بمصر. وهو القميص الذي نزل على ابراهيم من الجنة. فدفعه الى اسحاق واسحاق الى يعقوب ودفعه يعقوب الى يوسف عليه السلام. وروي ان يوسف (ع) لما مات بمصر دفنوه في النيل في صندوق من رخام. وذلك انه لما مات تشاح الناس عليه، كل يحب ان يدفن في محلته لما كانوا يرجون من بركته، فأرادوا ان يدفنوه فى النيل، فيمر الماء عليه ثم يصل الى جميع مصر فيكون كلهم فيه شركاء وفي بركته شرعا سواء، فكان قبره في النيل الى ان حمله موسى عليه السلام حين خرج من مصر. خاتمة) في تأويل قوله تعالى (ولقد همت به وهم بها لو لا ان رأى برهان
[ 216 ]
ربه) فقد اختلف فيه علماء الاسلام ونسب بعضهم نبي الله الصديق الى الفاحشة التي نزهوا انفسهم عنها. فقال فخر الدين الرازي: إعلم ان هذه الاية من المهمات التي يجب الاعتناء بالبحث عنها، وفي هذه الاية مسائل: المسألة الاولى - في انه عليه السلام هل صدر عنه ذنب ؟ ام لا. وفي المسألة قولان:
احدهما - انه عليه السلام هم بالفاحشة. قال الواحدي في (كتاب البسيط: قال المفسرون والموثوق بعلمهم المرجوع الى روايتهم: هم يوسف ايضا بهذه المرأة هما صحيحا وجلس منها مجلس الرجل من المرأة فلما رأى البرهان من ربه، زالت كل شهوة عنه. قال أبو جعفر الباقر عليه السلام باسناده عن علي عليه السلام انه قال: طمعت وطمع فيها، وكان طمعه فيها انه هم ان يحل التكة. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: حل الهميان وجلس منها مجلس الخائن. وعنه ايضا: انها استقلت له وقعد لها بين رجليها ينزع ثيابه. ثم ان الواحدي طول في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب، وما ذكر آية يحتج بها أو حديثا صحيحا يعول عليه في تصحيح هذه المقالة، ولما امعن في الكلمات العارية عن الفائدة.. روي ان يوسف لما قال: (ليعلم ذلك انه لم اخنه بالغيب) قال له جبرئيل (ع) ولا حين هممت يا يوسف ؟ فقال يوسف عند ذلك: (وما ابرىء نفسي) ثم قال: و الذين اثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا اعرف بحقوق الانبياء وارتفاع منازلهم عند الله من الذين نفوا الهم عنه، فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب. القول الثاني - ان يوسف صلوات الله عليه كان بريئا من العمل الباطل والهم المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول عنه و نذب. واعلم ان الدلائل الدالة على وجود عصمة الانبياء عليهم السلام كثيرة ذكرناها في سورة البقرة فلا نعيدها الا انا نزيد هاهنا وجوها:
[ 217 ]
فالحجة الاولى: ان الزنا من منكرات الكبائر، و الخيانة من معرض الامانة من منكرات الذنوب وايضا مقابلاة الاحسان العظيم الدائم بالاساءة الموجبة للفضيحة
الباقية والعار الشديد من منكرات الذنوب، وايضا الصبي إذا تربى في حجر انسان وبقى مكفي المؤونة مصون العرض من اول صباه الى زمان شبابه وكمال قوته، فاقدام هذا الصبي على ايصال اقبح انواع الاساءة الى ذلك المنعم العظيم من منكرات الاعمال إذا ثبت هذا فنقول: ان هذه المعصية التي نسبوها الى يوسف كانت موصوفة بجميع هذه الاربعة، ومثل هذه المعصية لو نسبت الى افسق خلق الله لاستنكف منه، فكيف يجوز اسناده الى الرسول المؤيد بالمعجزات. ثم انه تعالى قال في عين هذه الواقعة: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وذلك يدل على ان ماهية الفحشاء مصروفة عنه. ولا شك ان المعصية التي نسبوها إليه افحش اقسام الفحشاء، فكيف يليق برب العالمين ان يشهد في عين هذه الوقعة بكونه بريئا من السوء والفحشاء، مع انه كان قد اتى بأعظم انواع السوء والفحشاء ايضا. فالآية تدل على قولنا من وجه آخر وذلك لانا نقول هب ان هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه، الا انه لا شك انها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ولا يليق بحكمة الله تعالى ان يحكي عن انسان اقدامه على معصية عظيمة، ثم انه يمدحه و يثني عليه بأعظم المدائح، عقيب ان يحكي عنه ذلك الذنب العظيم، فان مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده اقبح الذنوب وافحش الاعمال، ثم يذكره بالمدح العظيم و الثناء البالغ عقيبه، فان ذلك يستنكر جدا، فكذا هاهنا. الثالث - ان الانبياء متى صدرت عنهم زلة أو هفوة استعظموا ذلك واتبعوها باظهار الندامة والتوبة و لو كان يوسف هاهنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال ان لا يتبعها بالتوبة و الاستغفار، و لو اتى بالتوبة لحكى الله عنه اتيانه بها، كما في سائر المواضع و حيث لم يوجد شىء من ذلك علمنا انه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب و لا معصية.
[ 218 ]
الرابع - ان كل من له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام عن المعصية. و اعلم ان الذين لهم تعلق بهذه الواقعة: يوسف و تلك المرأة وزوجها و النسوة والشهود، و رب العالمين شهد ببراءته عن الذنب، و ابليس ايضا اقر ببراءته من المعصية. وإذا كان الامر كذلك فحينئذ لم يبق للمرء المسلم توقف في هذا الباب. اما بيان ان يوسف عليه السلام ادعى البراءة من الذنب فهو قوله عليه السلام: (هي راودتني عن نفسي) وقوله: (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه). واما بيان ان المرأة اعترفت بذلك، فلانها قالت للنسوة (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) وايضا قالت: (الان حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين). واما بيان ان زوج المرأة اقر بذلك، فهو قوله: (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم * يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك). واما الشهود: فقوله: (شهد شاهد من اهلها ان كان قميصه قد من قبل...) الى آخر الآية. و اما شهادة الله فقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين). فقد شهد الله في هذه الآية على طهارته سبع مرات: اولها - قوله: (لنصرف عنه السوء) واللام للتأكيد و المبالغة. والثاني - قوله: (و الفحشاء) اي كذلك يصرف عنه الفحشاء. و الثالث - قوله: (من عبادنا المخلصين) مع انه قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). الرابع - قوله: (المخلصين) و فيه قراءتان، تارة باسم الفاعل وتارة باسم المفعول فوروده باسم الفاعل دل على كونه اتيانا بالطاعات والقربات مع صفة
الاخلاص و وروده باسم المفعول يدل على ان الله تعالى اخلصه لنفسه، وعلى كلا الوجهين فانه من ادل الالفاظ على كونه منزها مما اضافوه إليه.
[ 219 ]
واما بيان ان ابليس اقر بطهارته فلأنه قال: (فبعزتك لاغوينهم اجمعين * الا عبادك منهم المخلصين) فاقر بأنه لا يمكنه اغواء المخلصين، ويوسف من المخلصين لقوله تعالى: (انه من عبادنا المخلصين) وكان هذا اقرار من ابليس، بانه ما اغواه وما اضله عن طريق الهدى. و عند هذا، فقول هؤلاء الجهال الذين نسبوا الى يوسف (ع) هذه الفضيحة ان كانوا من اتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله على طهارته، وان كانوا من اتباع ابليس و جنوده فليقبلوا شهادة ابليس على طهارته، ولعلهم يقولون كنا في ابتداء الامر تلامذة ابليس الا انا زدنا عليه في السفاهة، كما قال الحروري: وكنت فتى من جند ابليس فارتقى * بي الامر حتى صار ابليس من جندي فلو مات قبلي كنت احسن بعده * طرائق فسق ليس يحسنها بعدي فثبت بهذه الدلائل ان يوسف (ع) برىء عما يقوله هؤلاء الجهال، وإذا عرفت هذا فنقول: الكلام على ظاهر هذه الآية يقع في مقامين: (المقام الاول) ان نقول لا نسلم ان يوسف عليه السلام (هم بها) والدليل انه تعالى قال: (وهم بها لو لا ان رأى برهان ربه) و جواب (لولا) هاهنا مقدم، و هو كما يقال قد كنت من الهالكين لولا اخلصك. ثم ذكر للزجاج سؤالات واجاب عنها، ثم قال: (المقام الثاني) في الكلام على هذه الآية ان نقول: سلمنا ان الهم قد حصل الا انا نقول: ان قوله (و هم بها) لا يمكن حمله على ظاهره، لان تعليق الهم بذات المرأة محال، لان الهم من جنس القصد، ولا يتعلق بالذوات الباقية، فثبت انه لا بد من اظهار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم، و ذلك الفعل غير مذكور فهم زعموا ان ذلك المضمر هو ايقاع الفاحشة، و نحن نضمر شيئا يغاير
ما ذكروه و بيانه من وجوه: (الوجه الاول) انه عليه السلام: هم بدفعها عن نفسه ومنعها من ذلك القبيح لان الهم هو القصد. فوجب ان يحمل في كل واحد على القصد الذي يليق به،
[ 220 ]
فاللائق بالمرأة القصد الى تحصيل اللذه و التمتع، و القصد اللائق بالرسول المبعوث الى الخلق و الى زجر العاصي عن معصيته، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، هممت بفلان، اي بضربه ودفعه، فان قالوا: فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله: (لو لا ان رأى برهان ربه) فائدة. قلنا: فيه اعظم الفوائد وهو انه تعالى اعلم يوسف (ع) لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت به، فكان يتمزق ثوبه من قدام، وكان في علم الله تعالى: ان الشاهد يشهد ان ثوبه لو تمزق من قدام، لكان يوسف (ع) هو الجاني، و لو كان ثوبه متمزقا من خلفه، لكانت المرأة هي الخائنة. فالله تعالى اعلمه هذا العلم، فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه، بل ولى هاربا عنها حتى صارت شهادة الشاهد حجة على براءته عن المعصية. (الوجه الثاني) في الجواب ان: نفسر الهم بالشهوة، و هذا مستعمل في اللغة فمعنى الآية ولقد اشتهته واشتهاها (لو لا ان رأى برهان ربه) لدخل ذلك العمل في الوجود. (الوجه الثالث) ان نفسر الهم، بحديث النفس. وذلك لان المرأة الفائقة في الحسن و الجمال إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي، فلا بد وان يقع هناك بين الشهوة والحكمة و بين النفس و العقل مجاذبات ومنازعات، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة وتارة تقوى داعية العقل و الحكمة، فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة و رؤية البرهان عبارة عن جواذب العبودية، ومثاله الرجل الصالح القائم في الصيف الصائم إذا رأى الجلاب المبرد بالثلج، فان طبيعته تحمله على شربه، الا ان دينه يمنعه منه، هذا لا يدل على حصول الذنب، بل كلما كانت هذه الحالة اشد،
كانت القوة في القيام بلوازم العبودية اكمل، فقد ظهر بحمد الله صحة القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدى الا مجرد التصلف وتعديد اسماء المفسرين. و اعلم ان بعض الحشوية روى عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: ما كذب ابراهيم عليه السلام الا ثلاث كذبات ! فقلت الاولى ان لا تقبل مثل هذه الاخبار فقال على طريق الاستنكار: فان لم تقبله لزمنا تكذيب الرواة ؟ فقلت يا مسكين ان قبلنا
[ 221 ]
لزمنا الحكم بتكذيب ابراهيم عليه السلام، وان رددنا لزمنا الحكم بتكذيب الرواة، ولا شك ان صون ابراهيم عن الكذب اولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب. إذا عرفت هذا الاصل فنقول للواحدي: ومن الذي يضمن ان الذي نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين ام كاذبين. المسألة الثالثة - في ان المراد بذلك البرهان ما هو ؟ اما المحققون المثبتون للعصمة فقد فسروا رؤية البرهان بوجوه: (الاول) انه حجة الله تعالى في تحريم الزنا والعلم بما على الزاني من العقاب. (الثاني) ان الله تعالى طهر نفوس الانبياء عن الاخلاق الذميمه، بل نقول: ان الله تعالى طهر نفوس المتصلين بهم عنها، كما قال: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) أو المراد برؤية البرهان هو حصول تلك الاخلاق وتذكير الاحوال المردعة لهم عن الاقدام على المنكرات. (الثالث) انه رأى مكتوبا في سقف البيت (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا). (الرابع) انه النبوة المانعة عن ارتكاب الفواحش، والدليل عليه: ان الانبياء بعثوا لمنع الخلق عن القبائح والفضائح، فلو انهم منعوا الناس عنها، ثم اقدموا على اقبح انواعها وافحش اقسامها لدخلوا تحت قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون). وايضا ان الله عير اليهود بقوله: (اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم) وما يكون عيبا في حق اليهود، كيف ينسب الى الرسول المؤيد بالمعجزات.
واما الذين نسبوا المعصية الى يوسف فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان امورا: (الاول) قالوا ان المرأة قامت الى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب وقالت استحي من إلهي هذا ان يراني على المعصية، فقال يوسف: تستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع، و لا استحي من الهي القائم على كل نفس بما كسبت فو الله لا افعل ابدا.
[ 222 ]
(الثاني) نقلوا عن ابن عباس، انه مثل له يعقوب (ع) فرآه عاضا على اصابعه ويقول له: لتعمل عمل الفجار، وانت مكتوب في زمرة الانبياء عليهم السلام ؟ فاستحى منه. وهو قول عكرمة ومجاهد وكثير من المفسرين. قال سعيد بن جبير: تمثل له يعقوب (ع) فضرب في صدره فخرجت شهوته من انامله. (الثالث) قالوا انه سمع في الهواء قائلا يقول: يا بن يعقوب لا تكن كالطير له ريش فإذا زنى ذهب ريشه. (الرابع) نقلوا عن ابن عباس ان يوسف (ع) لم يزدجر برؤية يعقوب حتى ركضه جبرئيل عليه السلام فلم يبق فيه شىء من الشهوة الا خرج. ولما نقل الواحدي هذه الروايات تصلف و قال: هذا الذي ذكرناه قول ائمة المفسرين الذين اخذوا التأويل عمن شاهد التنزيل ؟ فيقال له: انك لا تأتينا البتة الا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها فأين الحجة والدليل، وايضا فان ترادف الدلائل على الشىء الواحد جائز، وانه عليه السلام كان ممتنعا عن الزنا بحسب الدلائل الاصلية. فلما انضاف إليها هذه الزواجر، قوى الانزجار وكمل الاحتراز. والعجيب انهم نقلوا ان جروا دخل تحت حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله و بقى هناك بغير علمه قالوا فامتنع جبرئيل عليه السلام من الدخول عليه اربعين يوما و هاهنا زعموا ان
يوسف عليه السلام حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبرئيل عليه السلام. و العجب ايضا انهم زعموا انه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبرئيل عليه السلام. و لو ان افسق الخلق كان مشغولا بفاحشة فإذا دخل عليه رجل صالح على زي الصالحين استحى منه وفر، و ترك ذلك العمل، وهاهنا رأى يعقوب عض على انامله و لم يلتفت. ثم ان جبرئيل عليه السلام على جلالة قدره، دخل عليه فلم يمتنع عن ذلك القبيح بسبب حضوره، حتى احتاج جبرئيل الى ركضة على ظهره ! فنسأل الله تعالى ان يصوننا عن العمى في الدين و الخذلان في طلب اليقين.
[ 223 ]
فهذا هو الكلام الملخص في هذه المسألة، انتهى كلامه وتسلطه على الواحدي فيما قمع به اساس كلامه، هو مذهب اصحابنا قدس الله ارواحهم. و الوجهان اللذان اختارهما، اومى الرضا عليه السلام الى احدهما في حديث ابي الصلت الهروي حيث قال: واما قوله عز و جل في يوسف: (و لقد همت به و هم بها) فانها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها ان اجبرته، لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) يعني الزنا واشار اليهما معا في خبر ابن الجهم حيث قال: (لقد همت به ولولا ان رأى برهان ربه) لهم بها كما همت به، لكنه كان معصوما، والمعصوم لا يهم بذنب و لا يأتيه ولقد حدثني ابي عن ابيه الصادق عليهما السلام انه قال: همت بأن تفعل وهم بما لا يفعل. اقول: لا يتوهم خطا في قصده القتل إذ الدفع عن الغرض والاحتراز عن المعصية لازم، وان انجر الى القتل، ولكنه تعالى نهاه عن ذلك لمصالح كثيرة، وقد ظهر حقيقة الحال، فما ورد في روايتنا مما يوافق العامة فاحمله على التقية.
ثم قال الزجاج: واما قوله: (وخروا له سجدا) ففيه اشكال، وذلك لأن يعقوب عليه السلام كان ابا يوسف، و حق الابوة حق عظيم، وايضا انه كان شيخا، والشاب يجب عليه تعظيم الشيخ. و الثالث - انه كان من اكابر الانبياء، الا ان يعقوب عليه السلام كان اعلى حالا منه. الرابع - ان جده واجتهاده في تحصيل الطاعات اكثر من جد يوسف. و لما اجتمعت هذه الجهات الكثيرة، فهذا يوجب ان يبالغ يوسف في خدمة يعقوب، فكيف استجاز يوسف ان يسجد له يعقوب هذا على تقرير السؤال ؟ والجواب عنه من وجوه: الاول - هو قول ابن عباس: ان المراد بهذه الآية انهم: (خروا له
[ 224 ]
سجدا) اي لاجل وجدانه سجدوا لله: وحاصله انه كان ذلك سجود الشكر، فالمسجود له هو: الله الا ان ذلك السجود انما كان لاجله. والدليل على صحة هذا التأويل ان قول و رفع ابويه على العرش (و خروا له سجدا مشعر بانهم صعدوا ذلك السرير، ثم سجدوا، ولو انهم سجدوا ليوسف عليه السلام لسجدوا له قبل الصعود الى السرير، لان ذلك ادخل في التواضع، وحينئذ فيكون المراد من قوله: (اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) اي رأيتهم ساجدين لاجلي، اي انها سجدت لله لطلب مصلحتي والسعي في اعلاء منصبي. وعندي ان هذا التأويل متعين لأنه يبعد من عقل يوسف ودينه، ان يرضى بان يسجد له ابوه مع سابقته في حقوق الولاة والشيخوخة والعلم والدين وكمال النبوة. الوجه الثاني - في الجواب ان يقال انهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله
شكرا لنعمة وجدانه، كما يقال سجدت للكعبة. قال حسان: ما كنت اعرف ان الامر منصرف * عن هاشم ثم منها عن ابي حسن أليس اول من صلى لقبلتكم * واعرف الناس بالاثار والسنن فقوله: (و خروا له سجدا) اي جعلوه كالقبلة، ثم سجدوا لله شكرا لنعمة وجدانه. الوجه الثالث - في الجواب ان التواضع قد يسمى سجودا. كقوله: (ترى الاكم فيها سجدا للحوافر). إلا ان هذا مشكل لانه تعالى قال: (وخروا له سجدا) والخرور الى السجدة مشعرة بالاتيان بالسجدة على اكمل الوجوه. واجيب عنه بان الخرور، يعني به المرور فقط. قال الله تعالى: (لم يخروا عليها صما و عميانا) يعني لم يمروا. الوجه الرابع - في الجواب ان نقول: الضمير في قوله: (و خروا له) غير عائد الى الابوين لا محالة، والا لقال: (و خروا له ساجدين) بل الضمير عائد
[ 225 ]
الى اخوته والى سائر من كان يدخل عليه، لاجل التهنئة. فالتقدير: ورفع ابويه على العرش مبالغة في تعظيمهما. و اما الاخوة وسائر الداخلين، فخروا له ساجدين، وان قالوا: فهذا لا يلائم قوله: يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل. قلنا: ان تعبير الرؤيا لا يجب ان يكون مطابقا للرؤيا، حسب الصورة والصفة من كل الوجوه، فسجود الكواكب والشمس و القمر، تعبيره تعظيم الاكابر من الناس له. و لا شك ان ذهاب يعقوب مع اولاده من كنعان الى مصر لاجل نهاية التعظيم له فيكفي هذا القدر في صحة الرؤيا، فاما ان يكون التعبير في الصفة والصورة فلم
يقل بوجوبه احد من العقلاء. الوجه الخامس في الجواب - لعل الفعل الدال على التحية و الاكرام في ذلك الوقت، هو السجود، فكان مقصودهم من السجود تعظيمه، وهو في غاية البعد، لأن المبالغة في التعظيم كان أليق بيوسف منها بيعقوب. فلو كان الامر كما قلتم لكان من الواجب ان يسجد يوسف ليعقوب. الوجه السادس فيه - ان يقال لعل اخوته حملتهم الانفة والاستعلاء على ان يسجدوا له، على سبيل التواضع، و علم يعقوب انهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سببا لثوران الفتن وظهور الاحقاد القديمة مع كونها، فهو عليه السلام مع جلالة قدره و عظيم حقه بسبب الابوة والتقدم في النبوة، فعل ذلك السجود حتى تصير مشاهدتهم لذلك، سببا لزوال تلك الانفة والنفرة عن قلوبهم. الا ترى ان السلطان الكبير إذا نصب محتسبا، فإذا اراد تربيته مكنه من اقامة الحسبة عليه، ليصير ذلك سببا في ان لا يبقى في قلب احد منازعة ذلك المحتسب في اقامة الحسبة، فكذلك هاهنا. الوجه السابع - لعل الله تعالى امر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها الا هو، كما امر الملائكة بسجودهم لآدم لحكمة لا يعرفها الا هو
[ 226 ]
ويوسف عليه السلام ما كان راضيا بذلك في قلبه، الا انه لما علم ان الله امره بذلك سكت، انتهى. اقول: افعال الانبياء عليهم السلام غير محتاجة الى هذه التكلفات، لان النبي لا ينطق عن الهوى. وهذا السجود الذي رآه يوسف (ع) في المنام، ومنام الانبياء نوع من الوحي. فما اوحي الى يوسف في المنام اوحاه الى يعقوب في اليقظة، كما ان رؤيا
ابراهيم ذبح ولده، صار سببا لوجوب ذلك الذبح عليه في اليقظة. وسواء كان ذلك السجود ليوسف (ع) أو لله تعالى شكرا على الوجدان أو غير ذلك لا اشكال فيه، لان السجود ليوسف إذا كان بأمر الله تعالى فهو سجود لله، لانه وقع امتثالا لامره كالسجود الى القبلة دون باقي الجهات. والله اعلم ورسوله واهل بيته المعصومون سلام الله عليهم اجمعين.
[ 227 ]
الباب العاشر في قصص ايوب عليه السلام قال الله تعالى في سورة الانبياء: (وايوب إذ نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه اهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين). وقال في سورة ص: (و اذكر عبدنا ايوب إذ نادى ربه اني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * و وهبنا له اهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث انا وجدناه صابرا نعم العبد انه أواب). قال امين الاسلام الطبرسي طاب ثراه: اي (واذكر ايوب) حين دعا (ربه) لما اشتدت المحنة به: (اني مسني الضر) اي نالني واصابني الجهد (وانت ارحم الراحمين). وهذا تعريض منه بالدعاء لازالة ما به من البلاء (بنصب و عذاب) اي متعب ومكروه و مشقة. وقيل بوسوسة، فيقول له طال من ضرك و لا يرحمك ربك. وقيل: بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى، وكيف زال ذلك كله طمعا ان يزله بذلك، فوجده صابرا مسلما لامر الله.
وقيل: انه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان الى الناس ان يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه ان تدخل عليهم، فكان ايوب يتاذى بذلك ويتألم منه ولم يشك الالم الذي كان من امر الله.
[ 228 ]
قال قتادة: دام ذلك سبع سنين، و روي ذلك عن ابي عبد الله عليه السلام. (اركض برجلك) اي ادفع برجلك الارض (هذا مغتسل بارد و شراب) وفي الكلام حذف، اي فركض برجله فنبعت بركضته عين ماء. (وخذ بيدك ضغثا) و هو ملأ الكف من الشماريخ وما اشبه ذلك اي وقلنا له ذلك. وذلك انه حلف على امرأته لامر انكره من قولها ان عوفي ليضربنها مائة جلدة. فقيل له: خذ ضغثا بعدد ما حلفت فاضربها به دفعة واحدة. فانك إذا فلعت ذلك برت يمينك (ولا تحنث) اي يمينك. (وروي) عن ابن عباس انه قال: كان السبب في ذلك ان ابليس لقيها في صورة طبيب فدعته الى مداواة ايوب. فقال اداويه على انه إذا برء يقول انت شفيتني ولا اريد جزاءا سواه ؟ فقالت نعم، فأشارت الى ايوب بذلك فحلف ليضربنها (انه اواب) اي رجاع الى الله منقطع إليه. (روى العياشي) باسناده ان عباد المكي قال: قال لي سفيان الثوري: اني ارى لك من ابي عبد الله منزلة فاسأله عن رجل زنى وهو مريض فان اقيم عليه الحد خافوا ان يموت ما يقول فيه. فسألته فقال لي: هذه المسألة من تلقاء نفسك أو امرك بها انسان ؟ فقلت ان سفيان الثوري امرني ان اسألك عنها فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله اتي برجل احبن - يعنئ به الاستسقاء - قد استسقى وبدت عروقه وقد زنى بامرأة مريضة. فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فاتي بعرجون فيه شمراخ. فضرب به ضربة وخلى سبيله. رواه الصدوق في (الفقيه) بسند صحيح.
(الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان الله عز و جل يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميته ولا يبتليه بذهاب عقله، اما ترى ايوب كيف سلط ابليس على ماله وعلى ولده و على اهله و على كل شىء منه ولم يسلط على عقله، ترك له ليوحد الله به.
[ 229 ]
(وعنه) عليه السلام قال: يؤتى بالمرأة الحساب يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول يا رب حسنت وجهي حتى لقيت ما لقيت ؟ فيجاء بمريم عليها السلام فيقال انت احسن أو هذه قد حسناها فلم تفتتن. ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه، فيقول يا رب قد حسنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت ؟ فيجاء بيوسف صلى الله عليه فيقال: انت احسن أو هذا قد حسناه فلم يفتتن ؟ ويجاء بصاحب البلاء الذي قد اصابته الفتنة في بلائه فيقول: يا رب شددت على البلاء حتى افتتنت ؟ فيؤتى بأيوب صلى الله عليه فيقال: ابليتك اشد ام بلية هذا فقد ابتلى ولم يفتتن. (تفسير علي بن ابراهيم) باسناده الى الصادق عليه السلام قال أبو بصير: سألته عن بلية ايوب عليه السلام التي ابتلى بها في الدنيا لأي علة كانت ؟ قال: لنعمة انعم الله عليه بها في الدنيا، وادى شكرها. وكان في ذلك الزمان لا يحجب ابليس من دون العرش، فلما صعد و رأى شكر نعمة ايوب، حسده ابليس، فقال يا رب ان ايوب لم يؤد اليك شكر هذه النعمة الا بما اعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما ادى اليك شكر نعمة ابدا فقيل له: قد سلطتك على ماله و ولده، قال فانحدر مسرعا خشية ان تدركه رحمة الله عز و جل فلم يبق له مالا و ولدا الا اعطاه. فازداد ايوب لله شكرا وحمدا. قال فسلطني على زرعه ؟ قال: قد فعلت. فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق، فازداد
ايوب لله شكرا وحمدا. فقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه ولسانه و سمعه. فنفخ فيه ابليس فصار قرحة واحده من قرنه الى قدمه. فبقى في ذلك دهرا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود. وكانت تخرج من بدنه فيردها ويقول لها: ارجعي الى موضعك الذي خلقك الله منه. فنتن حتى اخرجه اهل القرية من القرية و ألقوه في المزبلة خارج القرية، وكانت
[ 230 ]
امرأته: رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم صلوات الله عليهم وعليها تتصدق من الناس بما تجده. فلما طال عليه البلاء و رأى ابليس صبره، اتى اصحابا له كانوا في الجبال رهبانا وقال لهم مروا بنا الى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته، فركبوا بغالا شهبانا وجاءوا، فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فقرنوا بعضها الى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه، فقالوا: يا ايوب لو اخبرتنا بذنبك و ما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به احد الا من امر كنت تسره فقال ايوب: وعزة ربي انه ليعلم اني ما اكلت طعاما الا و على خواني يتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي امران كليهما طاعة الا اخذت باشدهما على بدني. فقال الشاب: سوأة لكم عمدتم الى نبي الله فعيرتموه حتى اظهر من عبادة ربه ما كان يسرها فقال ايوب: لو جلست مجلس الخصم منك لأدليت بحجتي فبعث الله إليه غمامه فنطق فيها ناطق بعشرة آلاف لسان أو ستة آلاف لغة: يا ايوب ادل بحجتك فاني منك قريب ولم ازل قريبا قال فشد عليه مئزره وجثى على ركبتيه و قال: ابتليتني بهذه البلية وانت تعلم انه لم يعرض لي امران قط الا لزمت باحسنهما على بدني ولم آكل اكلة من طعام الا و على خواني يتيم قال: فقيل له: يا ايوب من حبب اليك الطاعة ؟ ومن صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون ؟ وتحمده و تسبحه
و تكبره و الناس عنه غافلون ؟ أتمن على الله بما لله المن فيه عليك ؟ فاخذ التراب ووضعه في فيه، ثم قال: انت يا رب فعلت ذلك بي فانزل الله عليه ملكا، فركض برجله، فخرج الماء فغسله بذلك الماء، فعاد احسن ما كان، فانبت الله عليه روضة خضراء، و رد عليه اهله وماله وولده و زرعه، و قعد معه الملك يحدثه، فاقبلت امرأته معها الخبز اليابس، فلما انتهت الى الموضع، إذا الموضع متغير و إذا رجلان جالسان، فبكت وصاحت وقالت: يا ايوب ما دهاك ؟ فناداها ايوب فاقبلت، فلما رأته و قد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله شكرا، فرأى ذؤابتها مقطوعة، وذلك انها سألت قوما ان يعطوها ما تحمله الى ايوب من طعام، وكانت حسنة
[ 231 ]
الذؤابة، فقالوا لها تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك ؟ فقطعتها ودفعتها إليهم واخذت منهم طعاما لايوب. فلما رآها مقطوعة الشعر غضب و حلف عليها ان يضربها مائة. فأخبرته: انه كان سببه كيت و كيت، فاغتم ايوب من ذلك، فأوحى الله إليه: (فخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) فاخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة، فخرج من يمينه. ثم قال: (و وهبنا له اهله ومثلهم معهم) قال: فرد الله عليه اهله الذين ماتوا بعد ما اصابهم البلاء، كلهم احياهم الله فعاشوا معه. وسئل ايوب عليه السلام بعد ما عافاه الله اي شىء كان اشد عليك مما مر عليك ؟ قال: شماتة الاعداء. قال: فأمطر الله عليه في داره فراش الذهب وكان يجمعه، فإذا ذهب الريح بشىء عدا خلفه فرده، فقال له جبرائيل: اما تشبع يا ايوب ؟ قال: ومن يشبع من رزق ربه ؟. وعن ابن عباس: ان الله رد على المرأة شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ذكرا، وكان له سبعة بنين وسبع بنات احياهم الله له بأعيانهم.
(وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: ابتلى ايوب سبع سنين بلا ذنب. (وعنه) عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى ابتلى ايوب عليه السلام بلا ذنب، فصبر حتى عير، وان الانبياء لا يصبرون على التعيير. (الامالي) باسناده الى الصادق عليه السلام: ان ايوب عليه السلام: مع جميع ما ابتلى به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة و لا خرجت منه مدة ولا دم و لا قيح و لا استقذره احد رآه ولا استوحش منه احد شاهده و لا تدود شىء من جسده، وهكذا يصنع الله عز و جل من يبتليه من انبيائه واوليائه المكرمين عليه، وانما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر امره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره، من التأييد و الفرج. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: اعظم الناس بلاءا: الانبياء، ثم الامثل
[ 232 ]
فالامثل و انما ابتلاه الله عز و جل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لكيلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما اراد الله ان يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه وليستدلوا بذلك على ان الثواب من الله تعالى، على ضربين، استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه وليعلموا انه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء كيف يشاء بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء و سعادة لمن شاء، وهو عز و جل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في افعاله، لا يفعل بعباده الا الاصلح لهم و لاقوة الا به. اقول: هذا الحديث كما قاله شيخنا المحدث ابقاه الله تعالى اوفق باصول متكلمي الامامية: من كونهم عليهم السلام منزهين عما يوجب تنفر الطبائع عنهم، فتكون الاخبار الاخر محمولة على التقية، لموافقتها روايات العامة، لكن اقامة
الدليل على نفي ذلك عنهم، ولو بعد ثبوت نبوتهم وحجتهم، لا يخلو من اشكال مع ان الاخبار الدالة على ثبوتها اكثر و اصح، وبالجملة للتوقف فيه مجال. وقال السيد الاجل علم الهدى قدس الله ضريحه: فان قيل: افتصححون ما روي من ان الجذام اصابه حتى تساقطت اعضاؤه. قلنا: اما العلل المستقذرة التي تنفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام، فلا يجوز شىء منها على الانبياء عليهم السلام لما تقدم ذكره، لان النفور ليس يوافق على الامور القبيحة بل قد يكون من الحسن و القبيح معا وليس ينكر ان تكون امراض ايوب عليه السلام واوجاعه و محنه في جسمه ثم في اهله و ماله، بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم والالم على ما ينال المجذوم وليس ينكر تزايد الالم فيه عليه السلام وانما ينكر ما اقتضى التنفير. (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان الله عز و جل لما عافى ايوب نظر الى بني اسرائيل قد ازدرعوه. فرفع طرفه الى السماء فقال: إلهي وسيدي عبدك ايوب المبتلى عافيته ولم يزدرع شيئا وهذا لبني اسرائيل زرع فأوحى
[ 233 ]
الله عز و جل إليه: يا ايوب خذ سبحتك كفا فابذره. وكانت سبحته فيها ملح، فاخذ ايوب كفا فبذره فخرج هذا العدس وانتم تسمونه الحمص ونحن نسميه العدس. (معاني الاخبار) معنى ايوب من آب يؤب وهو انه يرجع الى العافية و النعم و الاهل و المال و الولد بعد البلاء. و قال الصادق عليه السلام: ما سأل ايوب العافة في شىء من بلائه. اقول: رد السيد: الاخبار الواردة بان الشيطان تسلط على ايوب و اهلك ماله و غنمه و اولاده و نفخ في بدنه و جعله قرحة واحدة. و قال: ان ابليس لا يقدر على ان يقرح الاجساد و لا يفعل الامراض، وانما الله سبحانه هو الذي اوجد المرض في بدن ايوب عليه السلام امتحانا له وتعريضا بالثواب من حيث الصبر
على الاوجاع والاسقام. ولا يخفى ما يرد على هذا الكلام ولا نرى فرقا بين ما صدر من الاشقياء بالنسبة الى الانبياء والائمة عليهم السلام. حيث خلاهم الله تعالى و انفسهم نظرا الى مصلحة التكليف ففعلوا ما فعلوا من قتلهم وايصال الاوجاع الى ابدانهم و بين ما اتاه الشيطان بالنسبة الى ايوب و اولاده و امواله. و اما التسلط المنفي في الآية فهو انما يكون بالنسبة الى الاديان لا الابدان. قال الثعلبي في (العرائس): قال وهب و كعب و غيرهما من اهل الكتاب كان ايوب النبي عليه السلام رجلا من الروم وكان مكتوبا على جبهته المبتلى الصابر. و هو ايوب بن اموص بن دارح بن روم بن عيص بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام و كانت امه من ولد لوط بن هاران عليه السلام وكانت له البسة بلدة من بلاد الشام. و كان له فيها من اصناف المال من الابل و البقر و الخيل و الغنم و كان برا تقيا رحيما و كان يحترز من الشيطان و كيده و كان معه ثلاثة قد آمنوا به و صدقوه، رجل من اهل اليمن يقال له اليفن، و رجلان من اهل بلاده بلدد و صافن. قال وهب: ان لجبرئيل عليه السلام بين يدي الله مقاما ليس لاحد من الملائكة في القربة والفضيلة وان جبرائيل عليه السلام هو الذي يتلقى الكلام، فإذا
[ 234 ]
ذكر الله تعالى عبدا بخير تلقاه جبرائيل عليه السلام ثم لقاه ميكائيل وحوله الملائكة المقربون حافين من حول العرش، فإذا شاع ذلك في الملائكة المقربين شاعت الصلوات على ذلك العبد من اهل السماوات فإذا صلت عليه ملائكة السماوات هبطت عليه بالصلاة الى ملائكة الارض. وكان ابليس لعنه الله، لا يحجب عن شىء من السماوات و كان يقف فيهن حيث ما اراد و وصل الى آدم حين اخرجه من الجنة، فلم يزل على ذلك يصعد، حتى
رفع الله تعالى عيسى، فحجب من اربع و كان يصعد في ثلاث. فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله حجب الثلاثة الباقية فهو و جنوده محجوبون من جميع السماوات الى يوم القيامة (الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين). فلما سمع ابليس تجاوب الملائكة بالصلاة على ايوب عليه السلام و ذلك حين ذكره الله تعالى واثنى عليه، فأدركه البغي و الحسد فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه فقال يا إلهي نظرت في امر عبدك ايوب فوجدته عبدا انعمت عليه فشكرك فعافيته فحمدك ثم لم تجربه بشدة و بلاء و انا لك زعيم لئن ضربته ببلاء ليكفرن بك ولينسينك ؟ فقال الله تعالى: انطلق فقد سلطتك على ماله، فانقض عدو الله حتى وقع الى الارض ثم جمع عفاريت الشياطين وعظمائهم فقال ماذا عندكم من القوة والمعرفة فاني سلطت على مال ايوب و هي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال فقال عفريت من الشياطين اعطيت من القوة إذا شئت تحولت اعصارا من نار و احرقت كل شىء اتى عليه، قال له ابليس فأت الابل ورعاتها. فانطلق يؤم الابل وذلك حتى وضعت رؤوسها في مراعيها فلم يشعر الناس حتى فار من تحت الارض اعصار من نار تنفخ منها ارواح السموم لا يدنو منها شىء الا احترق فلم يزل يحرقها و رعاتها حتى اتى على آخرها فلما اتى على آخرها تمثل ابليس براعيها ثم انطلق يؤم ايوب حتى وجده قائما يصلي فقال يا ايوب قال: لبيك قال هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترته و عبدته بابلك و رعاتها ؟ قال
[ 235 ]
ايوب انها ماله اعارنيه و هو اولى به إذا شاء تركه وان شاء نزعه، وقديما ما وطنت نفسي ومالي على الفناء. فقال ابليس وان ربك ارسل عليها نارا من السماء فاحترقت كلها فترك الناس مبهوتون وقوفا عليها متعجبون منها. منهم من يقول
ما كان ايوب يعبد شيئا وما كان الا في غرور. و منهم من يقول: لو كان اله ايوب يقدر على ان يصنع شيئا، لمنع وليه. ومنهم من يقول: بل هو الذي فعل ما فعل يشمت به عدوه ويفجع به صديقه. قال ايوب: الحمد لله حين اعطاني و حين نزع مني، عريانا خرجت من بطن امي وعريانا اعود في التراب و عريانا احشر الى الله تعالى. ليس ينبغي لك ان تفرح حين اعارك الله وتجزع حين قبض عاريته. الله اولى بك وبما اعطاك، ولو علم الله فيك ايها العبد خيرا لقبض روحك مع الارواح فآجرني فيك وصرت شهيدا ولكنه علم منك شرا فخلصك من البلاء. فرجع ابليس الى اصحابه خاسئا ذليلا فقال لهم ماذا عندكم من القوة فاني لم اكلم قلبه ؟ قال عفريت من عظمائهم عندي من القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح الا خرجت نفسه. قال له ابليس فأت الغنم ورعاتها فانطلق حتى إذا توسطها صاح صوتا فماتت من عند آخرها ومات رعاتها، ثم خرج متمثلا بقهرمان الرعاة حتى إذا جاء ايوب وهو قائم يصلي فقال له القول الاول و رد عليه ايوب الرد الاول. ثم ان ابليس رجع الى اصحابه فقال لهم ماذا عندكم من القوة فاني لم اكلم قلب ايوب فقال عفريت من عظمائهم عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا تنسف كل شىء فآتي عليه حتى لا ابقي شيئا. قال له ابليس فأت الفدادين و الحرث فانطلق يؤمهم وذلك حين قرنوا الفدادين وانشأوا في الحرث واولادها وقوع فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شىء من ذلك حتى كأنه لم يكن، ثم خرج ابليس متمثلا بقهرمان الحرث حتى جاء ايوب وهو قائم يصلي فقال له مثل القول الاول و رد عليه ايوب مثل رده الاول.
[ 236 ]
فجعل ابليس يصيب ما له مالا حتى مر على آخره بالهلاك، وهو يحمد الله ويشكره على البلاء. فلما رأى ابليس انه لم ينجح منه بشىء، صعد سريعا الى موقفه فقال إلهي ان ايوب يرى انك ما متعته بنفسه وولده فأنت معطيه المال، فهل انت مسلطي على ولده فانها الفتنة المضلة والمصيبة التي لا يقوى عليها صبر الرجال ! فقال انطلق فقد سلطتك على ولده. فانقض حتى جاء بني ايوب في قصرهم فلم يزل يزلزل بهم حتى تهدم قواعده ثم جعل يناطح جداره بعضها ببعض ويرميهم بالحجارة حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع بهم القصر وقلبه فصاروا منكبين، وانطلق الى ايوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة، وهو جريح يسيل دمه وقال يا ايوب لو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف قلبوا على رؤوسهم تسيل دماؤهم ودماغهم من انوفهم ولو رأيت كيف شقت بطونهم وتناثرت امعاؤهم لتقطع قلبك فلم يزل يقول هذا حتى رق ايوب واخذ قبضة من التراب فوضعها على رأسه، فاغتنم ابليس ذلك، فصعد سريعا بالذي كان من جزع ايوب مسرورا. ثم لم يلبث به ايوب ان رجع الى ربه فتاب واستغفر، وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته، فبدروا ابليس الى الله تعالى فوقف ابليس خاسئا ذليلا فقال يا إلهي انما هون على ايوب ما ذهب منه، انك متعته بنفسه، فهل انت مسلطه على جسده فانك ان ابتليته في جسده كفر بك فقال الله عزوجل: انطلق فقد سلطتك على جسده ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله. ولم يسلطه سبحانه عليه إلا ليعظم له الثواب وجعله عبرة للصابرين و ذكرى للعابدين في كل بلاء نزل ليأنسوا به بالصبر ورجاء الثواب. فانقض عدو الله سريعا فوجد ايوب (ع) ساجدا فأتاه في موضع في وجهه فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده وصار قرحة واحدة ووقعت فيه حكة لا يملكها، فحك بدنه بالفخار والحجارة، فلم يزل يحك بدنه حتى تقطع لحمه وتغير
وانتن فأخرجه اهل القرية فجعلوه على كناسة وجعلوا له عريشا ورفضه خلق الله كلهم. غير امرأته رحمة بنت افرائيم بن يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم
[ 237 ]
صلوات الله عليه نبينا وآله وعليهم السلام وكانت تختلف إليه بما يصلحه، وكان له اصحاب ثلاثة فاتهموه ورفضوه من غير ان يفارقوا دينه واخذوا في لومه وتعنيفه وكان من بينهم شاب فلامهم على ما كان منهم وما عيروا به ايوب حتى قال لهم: انكم اشد علي من مصيبتي. ثم اعرض عنهم وقال: يا رب لأي شىء خلقتني ؟ يا ليتني عرفت الذنب الذي اذنبت والعمل الذي عملت ؟ فصرفت وجهك الكريم عني لو كنت امتني فالحقتني بآبائي ؟ فالموت كان اجمل بي ألما للغريب دارا وللمسكين قرارا ولليتيم وليا وللارملة قيما، الهي انا عبد ذليل ان احسنت فالمن لك وان اسأت فبيدك عقوبتي، جعلتني للبلاء غرضا ولو وقع علي بلاء لو وقع على جبل ضعف عن حمله فكيف يحمله ضعفي ؟ الهي تقطعت اصابعي فاني لأرفع اللقمة من الطعام بيدى معا فما تبلغان فمي الا على الجهد مني ؟ تساقطت لهواتي ولحم رأسي وان دماغي ليسيل من فمي ؟ تساقط شعر عيني فكأنما احرق بالنار وجهي وحدقتاي متدليان على خدي وورم لساني حتى ملأ فمي فما ادخل منه طعاما الا غصني و ورمت شفتاي حتى غطت العليا انفي والسفلى ذقني، وتقطعت امعائي في بطني فاني لادخلها الطعام فيخرج كما ذهب المال ؟ فصرت اسأل بكفي فيطعمني من كنت اعوله اللقمة الواحدة فيمنها علي ويعيرني ؟ هلك اولادي فلو بقي احد منهم اعانني على بلائي ؟ ملني اهلي وعقني ارحامي وتنكرت معارفي ؟ وان سلطانك هو الذي اسقمني وانحل جسمي ؟ ولو ان ربي نزع الهيبة من صدري واطلق لساني حتى اتكلم بملأ فمي بمكان ينبغي للعبد ان يحاج عن نفسه لرجوت ان يعافيني عند ذلك مما بي ولكنه القاني وتعالى عني
فهو يراني ولا اراه ولا نظر إلي فرحمني ولا دنا مني ولا ادناني فأتكلم ببرأتي واخاصم عن نفسي. فلما قال ذلك ايوب عليه السلام واصحابه عنده اظلته غمام، ثم نودي: يا ايوب ان الله عز و جل يقول لك: ها انا قد دنوت منك ولم ازل منك قريبا، فقم فادل بعذرك وتكلم ببرأتك وخاصم نفسك واشدد ازارك وقم مقام جبار فانه لا
[ 238 ]
ينبغي ان يخاصمني الا جبار مثلي ولا يمكن ان يخاصمني الا من يجعل الزيار في فم الاسد والسخال في فم العنقاء واللجام في فم التنين ويكيل مكيالا من النور ويزن مثقالا من الريح ويصر صرة من الشمس ويرد امس لقد منتك نفسك امرا ما تبلغ بمثل قوتك اردت ان تخاصمني بعيك ام اردت ان تكابرني بضعفك اين انت مني يوم خلقت الارض فوضعتها على اساسها ؟ هل علمت بأي مقدار قدرتها ؟ ام كنت معي ؟ ام كنت تمتد بأطرافها ؟ ام تعلم ما بعد زواياها ؟ ام على اي شىء وضعت اكنافها ؟ ابطاعتك حمل الماء الارض ؟ ام بحكمك كانت الارض للماء غطاء ؟ اين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا بعلائق ولا تحملها دعم من تحتها ؟ يبلغ من حكمك ان تجري نورها ؟ أو تسير نجومها ؟ أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها اين كنت مني يوم سخرت البحار ؟ وانبعت الانهار ؟ اقدرتك حبست امواج البحار على حدودها ؟ ام قدرتك فتحت الارحام حين بلغت مدتها ؟ اين انت مني يوم صببت الماء على التراب ؟ ونصبت شوامخ الجبال ؟ هل لك من ذراع تطيق حملها ام هل تدري كم مثقال فيها ؟ اين الماء الذي انزل من السماء ؟ احكمتك احصت القطر ؟ وقسمت الارزاق ؟ ام قدرتك تثير السحاب وتجري الماء ؟ هل تدرى ما اصوات الرعود ؟ ام من اي شىء لهب البرق ؟ وهل رأيت عمق البحر ؟ هل تدري ما بعد الهواء ؟ هل تدري اين خزانة الثلج ؟ واين خزانة البرد ؟ ام اين جبال البرد ؟
ام هل تدري اين خزانة الليل والنهار ؟ واين طريق النور وبأي لغة تتكلم الاحجار ؟ واين خزانة الريح ؟ وكيف نحبسه ؟ ومن جعل العقول في اجواف الرجال ؟ ومن شق الاسماع والابصار. فقال ايوب عليه السلام: قصرت عن هذا الامر الذي تعرض علي، ليت الارض انشقت لي فذهبت فيها، ولم اتكلم بشىء يسخط ربي اجتمع علي البلاء. إلهي قد جعلتني لك مثل العدو وقد كنت تكرمني وتعرف نصحي، وقد علمت ان كل الذي ذكرت صنع يدك وتدبير حكمتك، وانما تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني، كلمة زلت عن لساني، فلن اعود وقد
[ 239 ]
وضعت يدي في فمي وعضضت لساني والصقت بالتراب خدي فاغفر لي ما قلت فلن اعود لشىء تكرهه مني. فقال الله تعالى: يا ايوب نفذ فيك علمي وسبقت رحمتي غضبي، إذا اخطأت فقد غفرت لك ورددت عليك اهلك ومالك (ومثلهم معهم) لتكون لمن خلفك آية وتكون عبرة لأهل البلاء وعزا للصابرين (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها واغتسل، فأذهب الله تعالى كل ما كان فيه من البلاء. ثم خرج وجلس، فأقبلت امرأته فقامت تلمسه في مضجعه فلم تجده، فقامت مترددة كالوالهة، ثم قالت: يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان هاهنا ؟ فقال لها: هل تعرفينه إذا رأيتيه ؟ قالت: نعم وما لي لا اعرفه، فتبسم وقال: انا هو، فعرفته بمضحكه فاعتنقته. فذلك قوله: (وايوب إذ نادى ربه اني مسني الضر..) واختلف العلماء فى وقت نداءه ومدة بلاءه والسبب الذي قال من اجله: (اني مسني الضر...). فعن انس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان ايوب نبي
الله لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد الا رجلين من اخوانه، وكان يخرج لحاجته، فإذا قضى حاجته، امسك امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، واوحى الى ايوب في مكانه: (اركض برجلك). وقال الحسن: مكث ايوب عليه السلام مطروحا على كناسة في مزبلة لبني اسرائيل سبع سنين واشهر، تختلف فيه الدواب. ولم يبق له مال ولا ولد و لا صديق غير رحمة وهي زوجته، صبرت معه، وايوب لا يفتر من ذكر الله والثناء عليه. فصرخ ابليس صرخة جمع فيها جنوده من اقطار الارض جزعا من صبر ايوب عليه السلام فلما اجتمعوا إليه قالوا ما حزنك ؟ قال اعياني هذا العبد الذي سألت الله ان يسلطني عليه وعلى ماله، فلم يزد بذلك الا صبرا وثناءا على الله تعالى فقد افتضحت بربي فاستغثت لتغيثوني عليه ؟ فقالوا له اين مكرك اين علمك الذي اهلكت به من مضى ؟ قال بطل ذلك كله في امر ايوب (ع) فأشيروا علي ؟ قالوا
[ 240 ]
نشير عليك أرأيت آدم حين اخرجته من الجنة من اين اتيته ؟ قال من قبل امرأته، قالوا فانه من قبل امرأته فانه لا يستطيع ان يعصيها وليس احد يقربه غيرها قال اصبتم فانطلق حتى اتى امرأته وهي تصدق، فتمثل لها في صورة رجل فقال اين بعلك يا امة الله ؟ قالت هو ذلك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده، فلما سمعها طمع ان تكون كلمة جزع، فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال وذكرها جمال ايوب وشبابه و ما هو فيه من الضر وان ذلك لا ينقطع عنهم ابدا. قال الحسن: فصرخت، فلما صرخت علم انها قد جزعت، فأتاها بسخلة فقال لتذبح هذه الى ايوب ولا يذكر عليه إسم الله عز وجل فانه يبرأ. قال: فجاءت تصرخ: يا ايوب حتى متى يعذبك ربك ألا يرحمك ؟ اين المال ؟ اين الولد ؟ اين لونك الحسن ؟ قد تغير و قد صار مثل الرماد، اذبح هذه السخلة
واسترح. قال ايوب: اتاك عدو الله فنفخ فيك واجبتيه، ويلك أرأيت ما كنا فيه من المال والولد والصحة ؟ من اعطانيه ؟ قالت: الله. قال: فكم متعنا به ؟ قالت: ثمانون سنة. قال: فمذ كم ابتلاني الله تعالى بهذا البلاء ؟ قالت: منذ سبع سنين واشهر قال: ويلك ما عدلت وما انصفت ربك، الا صبرت في البلاء الذي ابتلانا الله به ثمانين سنة، كما كنا في الرخاء ثمانين سنة، والله لئن شفاني الله عز وجل لأجلدنك مائة جلدة، حين امرتني ان اذبح لغير الله طعامك وشرابك الذي اتيتني به علي حرام ان اذوق مما تأتيني بعد إذ قلت لي هذا فاغربي عني، فلا اراك، فطردها فذهبت. فلما نظر ايوب عليه السلام الى امرأته قد طردها وليس عنده طعام ولا شراب خر ساجدا وقال: (اني مسني الضر) ثم ردد ذلك الى ربه فقال: (وانت ارحم الراحمين) فقيل له: ارفع رأسك فقد استجيب لك (اركض برجلك) فركض برجله، فنبعت عين فاغتسل منها، فأذهب الله تعالى عنه كل ألم، و عاد إليه شبابه وجماله احسن ما كان، ثم ضرب برجله فنبعت عين اخرى، فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء الا خرج، فقام صحيحا وكسي حلة، فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما
[ 241 ]
كان له من اهل ومال، الا وقد اضعفه الله تعالى، فجلس على مكان مشرف. ثم ان امرأته قالت: ارأيت ان كان كان طردني الى من اكله ؟ ادعه يموت جزعا ويضيع فتأكله السباع فرجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحالة التي كانت فجعلت تبكي على ايوب، وهابت صاحب الحلة ان تأتيه فتسأله عنه فدعاها ايوب فقال: ما تريدين يا امة الله ؟ فبكت وقالت: اردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذا على الكناسة لا ادري اضاع ام ما فعل ؟ قال لها: فهل تعرفينه إذا رأيتيه ؟ فقالت: اما انه كان اشبه خلق الله بك إذا كان صحيحا قال: فاني ايوب الذي امرتني ان
اذبح لابليس واني اطعت الله تعالى وعصيت الشيطان، ودعوت الله تعالى فرد علي ما ترين. وقيل: ان ابليس تعرض لرحمة وقال: لو ان ايوب سجد لي سجدة واحدة لرددت عليه كلما اخذت منه، وانا إله الارض وانا الذي صنعت بأيوب ما صنعت. واراها اولادها والمال في بطن الوادي. وقال وهب: ان ابليس قال لرحمة لو ان صاحبك اكل طعاما و لم يسم عليه، لعوفي مما به من البلاء. ورأيت في بعض الكتب: ان ابليس لعنه الله قال لرحمة: وان شئت فاسجدي لي سجدة واحدة، حتى ارد عليك المال والاولاد واعافي زوجك فرجعت الى ايوب فاخبرته بما قال لها قال: لقد اتاك عدو الله ليفتنك عن دينك، ثم اقسم ان عافاه الله تعالى ليضربها مائة جلدة، وقال عند ذلك: (مسني الضر) في طمع ابليس في سجود رحمة له و دعائه اياها. وقيل: انما قال ذلك: حين قصدت الدود قلبه ولسانه فخشي ان يبقى خاليا من الذكر والفكر. وقيل: انما قال ذلك: حين وقعت الدودة في فخذه، فرفعها وردها الى موضعها فقال لها: قد جعلني الله طعامك، فعضته عضة زاد المها على جميع ما قاسى من عض الديدان. وقيل: انما قال ذلك: عند شماتة الاعداء، فقال: (رب اني مسني الضر) يعني شماتة الاعداء.
[ 242 ]
يدل عليه ما روي انه قيل له بعد ما عوفي: ما كان اشد عليك في بلائك ؟ قال: شماتة الاعداء. اقول: شماتة الاعداء اعظم المصائب والمحن لانه عذاب روحاني وغيره عذاب جسماني، والروح الطف الاعضاء وارقها. وقد ورد في الحديث: ان اهل جهنم يكتمون عذاب النار حذرا من شماتة
اهل الجنة. الباب الحادي عشر في قصص شعيب عليه السلام قال الله تعالى: (والى مدين اخاهم شعيبا * قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فاوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم موقنين * ولا تقعدوا بكل صراط توعدون * وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين...) الايات. قال امين الاسلام الطبرسي في قوله تعالى: (والى اهل مدين) اي اهل مدين أو هو اسم القبيلة. قيل ان مدين بن ابراهيم الخليل، فنسب القبيلة إليه. قال عطاء: هو شعيب بن نوبة بن مدين بن ابراهيم، وكان خطيب الانبياء لحسن مراجعة قومه وهم اصحاب الايكة. وقال قتادة: ارسل شعيب مرتين الى اهل مدين مرة، والى اصحاب الايكة مرة (واوفوا الكيل والميزان) اي ادوا حقوق الناس على التمام في المعاملات.
[ 243 ]
(ولا تبخسوا الناس اشياءهم) اي لا تنقصوهم حقوقهم. (و لا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها) اي لا تعملوا فيالارض بالمعاصي واستحلال المحرمات، بعد ان اصلحها الله بالامر والنهي وبعثة الانبياء. (ولا تقعدوا) فانهم كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيبا للايمان به، فيخوفونه بالقتل، أو انهم كانوا يقطعون الطريق فنهاهم عنه. (وتبغونها عوجا) بان تقولوا هو باطل. (فكثركم) اي كثر عددكم. قال ابن عباس: وذلك ان مدين بن ابراهيم تزوج بنت لوط، فولدت، حتى كثر اولادها.
(علل الشرايع) باسناده الى انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بكى شعيب من حب الله عز و جل حتى عمى، فرد الله عز و جل عليه بصره، ثم بكى حتى عمى، فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمى، فرد الله عليه بصره. فلما كانت الرابعة اوحى الله إليه: يا شعيب الى متى يكون هذا ابدا منك ان يكن هذا خوفا من النار فقد اجرتك وان يكن شوقا الى الجنة فقد ابحتك فقال: إلهي وسيدي انت تعلم اني ما بكيت خوفا من نارك ولا شوقا الى جنتك، ولكن عقد حبك في قلبي فلست اصبر أو اراك فأوحى الله جل جلاله إليه: اما إذا كان هكذا فمن اجل هذا، سأخدمك كليمي موسى بن عمران. قال الصدوق رحمه الله: يعني بذلك: لا ازال ابكي أو اراك قد قبلتني حبيبا. وقال شيخنا المحدث ابقاه الله تعالى: كلمة أو بمعنى الى ان، أو الا ان، اي الى ان يحصل لي غاية العرفان والايقان المعبر عنها بالرؤية وهي رؤية القلب لا البصر. و الحاصل طلب كمال المعرفة بحسب الاستعداد والقابلية والوسع والطاقة انتهى. و الاظهر ان يقال المراد بقوله: أو اراك. الى ان اراك بعد الموت، يعني اني ابكي على حبك و لا افتر عن البكاء حتى القاك، كمن غاب عن حبيبه فهو يبكي على حبيبه لاجل فراقه الى ان يلقاه. فهذه معان ثلاثة والحديث حمال اوجه، وما قاله نبي الله شعيب (ع)، هو
[ 244 ]
الذي قاله امير المؤمنين عليه السلام: ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك. و عن علي بن الحسين عليه السلام: قال اول من عمل المكيال والميزان شعيب النبي عليه السلام عمله بيده، فكانوا يكيلون ويوفون، ثم انهم بعد ان طففوا في المكيال والميزان و بخسوا في الميزان فاخذتهم، الرجفة فعذبوا بها (فأصبحوا
في ديارهم جاثمين). قال الطبرسي في قوله تعالى: (فاخذتهم الرجفة) اي الزلزلة. وقيل: ارسل الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم، فدخلوا اجواف البيوت فدخل عليهم البيوت فلم ينفعهم ظل ولا ماء وانضحهم الحر، فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فنادوا عليكم بها فخرجوا الى البرية فلما اجتمعوا تحت السحابة، الهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الارض فاحترقوا كما يحترق الجراد وصاروا رمادا، وهو عذاب يوم الظلة. عن ابن عباس وغيره من المفسرين. وقيل: بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا بها، عن ابي عبد الله. وقيل: انه كان لشعيب قومان، قوم اهلكوا بالرجفة وقوم هم اصحاب الظلة. (قصص الانبياء) للراوندي من علمائنا، رواه باسناده الى سهل بن سعيد، قال: بعثني هشام بن عبد الملك استخرج له بئرا في رصافة عبد الملك فحفرنا منها مائتي قامة، ثم بدت لنا جمجمة رجل طويل، فحفرنا ما حولها، فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض وإذا كفه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه، فكنا إذا نحينا يده عن رأسه سالت الدماء وإذا تركناها عاده فسدت الجرح، وإذا في ثوبه مكتوب: انا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي عليه السلام الى قومه، فضربوني وطرحوني في هذا الجب وهالوا علي التراب. فكتبنا الى هشام ما رأيناه، فكتب اعيدوا عليه التراب كما كان واحتفروا في مكان آخر. (كنز الفوائد) للكراجكي: عن عبد الرحمن بن زياد الافريقي قال: خرجت
[ 245 ]
بافريقية مع عم لي الى مزدرع لنا فحفرنا موضعا فاصبنا ترابا هشا فحفرنا عامة يومنا حتى انتهينا الى بيت كهيئة الاذج، فإذا فيه شيخ مسجى وإذا عند رأسه
كتابة فقرأتها فإذا هي: انا حسان بن سنان الاوزاعي رسول شعيب النبي عليه السلام الى اهل هذه البلاد، دعوتهم الى الايمان بالله فكذبوني وحبسوني في هذا الحفر الى ان يبعثني الله واخاصمهم يوم القيامة. وذكروا ان سليمان بن عبد الملك مر بوادي القرى فامر ببئر يحفر فيه ففعلوا فانتهى الى صخرة، فاستخرجت فإذا تحتها رجل عليه قميصان واضع يده على رأسه، فجذبت يده، فشج مكانها بدم، ثم تركت فرجعت الى مكانها فرقا الدم فإذا معه كتاب فيه: انا الحارث بن شعيب الغساني رسول شعيب الى اهل مدين فكذبوني وقتلوني. وقال وهب: بعث الله شعيبا الى اهل مدين، ولم يكونوا قبيلة شعيب التي كان منها ولكنهم كانوا امة من الامم بعث إليهم شعيب، وكان عليهم ملك جبار ولا يطيقه احد من ملوك عصره، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس اشياءهم مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيه، وكانوا يستوفون إذا إكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها، وكانوا في سعة من العيش، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص المكاييل والموازين، ووعظهم شعيب، فأرسل إليه الملك، ما تقول ما صنعنا، اراض انت ام ساخط ؟ فقال شعيب: اوحى الله تعالى إلي: ان الملك إذا صنع مثل ما صنعت، يقال له: ملك فاجر، فكذبه الملك واخرجه وقومه من المدينة. قال الله تعالى حكاية عنهم: (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا فزادهم شعيب في الوعظ فقالوا يا شعيب اصلاتك تأمرك، ان نترك ما يعبد آباؤنا أو ان نفعل في اموالنا ما نشاء) فأذوه بالنفي من بلادهم، فسلط الله عليهم الحر و الغيم، حتى انضجهم الله، فلبثوا فيه تسعة ايام وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه فانطلقوا الى غيضة لهم، وهو قوله تعالى: (واصحاب الايكة) فرفع الله لهم سحابة سوداء، فاجتمعوا في ظلها، فارسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم
[ 246 ]
ينج احد منهم، وذلك قوله تعالى: (فأخذهم عذاب يوم الظلة). فلما اصاب قومه ما اصابهم، لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة، فلم يزالوا بها حتى ماتوا. والرواية الصحيحة: ان شعيبا عليه السلام صار منها الى مدين، فأقام بها، وبها لقيه موسى بن عمران صلوات الله عليهما. و عن علي عليه السلام قال: قيل له: يا امير المؤمنين حدثنا ؟ قال: ان شعيب النبي عليه السلام دعا قومه الى الله حتى كبر سنه ودق عظمه، ثم غاب عنهم ما شاء الله، ثم عاد إليهم شابا، فدعاهم الى الله عز و جل. فقالوا ما صدقناك شيخا فكيف نصدقك شابا ؟. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: لم يبعث الله عز وجل من العرب الا خمسة انبياء هودا وصالحا واسماعيل وشعيبا ومحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله و عليهم، وكان شعيب بكاءا. (الكافي) عن ابي جعفر عليه السلام قال: اوحى الله الى شعيب: اني معذب من قومك مائة الف، اربعين الف من شرارهم وستين الف من خيارهم، فقال عليه السلام: يا رب هؤلاء الاشرار، فما بال الاخيار ؟ فأوحى الله عز و جل إليه: داهنوا اهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي. وعن ابن عباس رضي الله عنه: عاش شعيب صلوات الله عليه: مائتين واثنين واربعين سنة. وقال مجاهد: عذاب يوم الظلة هو: إظلال العذاب لقوم شعيب. وقال بريد بن اسلم في قوله تعالى: (يا شعيب أصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا أو ان نفعل في اموالنا ما نشاء) قال: مما كان نهاهم عنه قطع الدراهم، انتهى.
[ 247 ]
الباب الثاني عشر في قصص موسى وهارون على نبينا وآله وعليهما السلام. وفيه فصول: الفصل الاول (فيما يشتركان فيه من علل التسمية والفضائل) قال الله تعالى: (و لقد آتينا موسى الكتاب و قفينا من بعده بالرسل). الى غير ذلك من الايات الكثيرة. قال المفسرون: موسى اسم مركب من اسمين بالقبطية، ف (مو) هو الماء و (سى) الشجر، وسمي بذلك لان التابوت الذي كان فيه موسى وجد عند الماء والشجر، وجدته جواري آسية وقد خرجن ليغتسلن. وهو موسى بن عمران بن يصهر بن يافث بن لاوى بن يعقوب. واختلف في اسم ام موسى وهارون. فقال محمد بن اسحاق: نخيب. وقيل: افاحية. وقيل: يوخابيد، وهو المشهور. اقول: وهو الذي وجدته في التوراة المعربة في البصرة سنة الخامسة والتسعين بعد الالف، بعد انصرافي من حج البيت. تفسير علي بن ابراهيم، باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام في خبر المعراج، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثم صعدنا الى السماء الخامسة فإذا هي رجل كهل
[ 248 ]
عظيم العين، حوله ثلة من امته، فاعجبني كثرتهم، فقلت من هذا يا جبرئيل ؟ فقال: هذا المجيب في قومه، هارون بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات. ثم صعدنا الى
السماء السادسة وإذا فيها رجل آدم طويل وسمعته يقول: يزعم بنو اسرائيل اني اكرم ولد آدم على الله وهذا رجل اكرم على الله مني. فقلت من هذا يا جبرئيل ؟ قال: هذا اخوك موسى بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات. وقال عليه السلام: كان عمر موسى بن عمران مائتين واربعين سنة، وكان بينه وبين ابراهيم خمسمائة سنة. وعنه صلى الله عليه وآله: اختار من الانبياء اربعة للسيف: ابراهيم و داود وموسى وانا، واختار من البيوتات اربعة. فقال الله عز و جل: (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين). (علل الشرايع) سأل الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عز و جل: (يوم يفر المرء من اخيه * وامه و ابيه * وصاحبته و بنيه) من هم ؟ فقال: قابيل يفر من هابيل، و الذي يفر من امه موسى، والذي يفر من ابيه ابراهيم، والذي يفر من صاحبته لوط، و الذي يفر من ابنه نوح، والذي يفر من ابيه كنعان. قال الصدوق: انما يفر موسى من امه: خشية ان يكون قصر فيما وجب عليه من حقها. اقول: ذكر جماعة من اهل الحديث: انه يجوز ان يتجوز بالام عن المربية أو المرضعة التي احضنته أو ارضعته في بيت فرعون قبل وقوع امه عليه، كما تجوزوا عن ابراهيم بأبيه. (الامالي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: اوحى الله الى موسى بن عمران: يا موسى أتدري لم إنتخبتك من خلقي واصطفيتك لكلامي ؟ فقال: لا يا رب. فأوحى الله إليه: اني اطلعت على الارض، فلم اجد اشد تواضعا لي منك
[ 249 ]
خر موسى ساجدا وعفر خديه في التراب، تذللا منه لربه عز وجل. فأوحى الله إليه: إرفع رأسك يا موسى، ومر يدك على موضع سجودك وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك، فانه امان من كل سقم وداء و آفة و عاهة. وفي حديث آخر، عن ابي جعفر عليه السلام قال: اوحى الله عز و جل الى موسى عليه السلام: اتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ فقال موسى لا يا رب فقال: يا موسى اني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم اجد احدا فيهم اذل لي منك نفسا يا موسى انك إذا صليت وضعت خديك على التراب. (وروي) ان موسى عليه السلام: كان إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الايمن بالارض والايسر. اقول: هذا الوضع على التراب بعد الصلاة هو سجدة الشكر، الذي قال به علماؤنا ونطقت به اخبارنا، وشنع المخالفون به علينا تشنيعا شنيعا وقالوا ان سجدة الشكر من مبتدعات اليهود والرافضة. ورووا في اخبارهم: ان اول من سجد سجدة الشكر في الاسلام هو امير المؤمنين عليه السلام، لما امر بالمبيت على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الغار. تفسير علي بن ابراهيم، عن الصادق عليه السلام قال: ان بني اسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال وكان موسى (ع) إذا اراد الاغتسال ذهب الى موضع لا يراه فيه احد، وكان يوما يغتسل على شط نهر، وقد وضع ثيابه على صخرة، فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه، حتى نظر بنو اسرائيل إليه، فعلموا انه ليس كما قالوا، فأنزل الله: (يا ايها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا...) الآية. قال امين الاسلام الطبرسي: اختلفوا فيما آذوا به موسى عليه السلام على اقوال: (احدها) ان موسى وهارون عليهما السلام صعدا الجبل، فمات هارون،
فقالت بنو اسرائيل انت قتلته، فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني اسرائيل، وتكلمت الملائكة بموته، حتى عرفوا انه قد مات. فبراه الله من ذلك.
[ 250 ]
روي ذلك: عن علي عليه السلام، وابن عباس. و (ثانيها) ان موسى عليه السلام كان جنبا يغتسل وحده، فقالوا ما يتستر منا الا لعيب بجلده اما برص واما ادرة، فذهب مرة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى، فرآه بنو اسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا، فبراه الله مما قالوا. رواه أبو هريرة مرفوعا. وقال قوم ان ذلك لا يجوز، لأن فيها اشتهار النبي وإبداء سوأته على رؤوس الاشهاد، وذلك ينفر عنه. و (ثالثها) ان قارون استأجر مومسة لتقذف موسى عليه السلام بنفسها على رؤوس الملأ، فعصمه الله تعالى من ذلك. عن ابي العالية. و (رابعها) انهم آذوه من حيث انهم نسبوه الى السحر والجنون والكذب، بعد ما رأوا الآيات. عن ابي مسلم. انتهى. واما السيد قدس الله ضريحه فقد رد الثاني، بأنه ليس يجوز ان يفعل الله تعالى بنبيه، ما ذكروه من هتك العورة، لتنزيهه عن عاهة اخرى. فانه تعالى قادر ان ينزهه مما قذفوه به على وجه لا يلحقه معه فضيحة اخرى، وليس يرمي بذلك انبياء الله من يعرف اقدارهم. ثم قال: والذي روي في ذلك من الصحيح معروف وذكر الوجه الاول. وقال جماعة من اهل الحديث: لا استبعاد فيه بعد ورود الخبر الصحيح وان رؤيتهم له على ذلك الوضع الذي لم يتعمده موسى عليه السلام، ولم يعلم ان احدا ينظر إليه ام لا وان مشيه عريانا لتحصيل ثيابه مضافا الى تبعيده عما نسبوه إليه،
ليس من المنفرات. وسئل الصادق عليه السلام ايهما مات قبل موسى ام هارون ؟ قال: هارون مات قبل موسى صلوات الله عليهما. و سئل ايهما كان اكبر ؟ قال هارون، وكان اسم ابني هارون شبيرا وشبرا وتفسيرهما بالعربية الحسن والحسين.
[ 251 ]
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت ابراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم، فأما موسى فرجل طوال سبط يشبه رجال الزط ورجال اهل شيوة، واما عيسى فرجل احمر جعد ربعة، ثم سكت فقيل يا رسول الله فابراهيم قال فانظروا إلى صاحبكم. يعني نفسه صلوات الله عليه. الفصل الثاني (في احوال موسى عليه السلام من حين ولادته الى نبوته) تفسير علي بن ابراهيم، عن ابي، عن ابن محبوب عن العلا عن محمد عن ابي جعفر (ع) قال: ان موسى عليه السلام لما حملته امه، لم يظهر حملها الا عند وضعه، وكان فرعون قد وكل بنساء بني اسرائيل نساء من القبط يحفظنهن، ولذلك لما كان بلغه عن بني اسرائيل انهم يقولون انه يلد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك فرعون واصحابه على يديه، فقال فرعون عند ذلك لأقتلن ذكور اولادهم حتى لا يكون ما يريدون، وفرق بين الرجال والنساء وحبس الرجال في المحابس. فلما وضعت ام موسى بموسى نظرت إليه واغتمت وقالت يذبح الساعة، فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه، فقالت لام موسى ما لك قد اصفر لونك ؟ فقالت اخاف ان يذبح ولدي. فقالت لا تخافى. وكان موسى لا يراه احد الا احبه، وهو قول الله (والقيت عليك محبة منى) فأحبته القبطية الموكلة به، وانزل الله على ام موسى
التابوت ونوديت (ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليم - وهو البحر - ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) فوضعته في التابوت واطبقت عليه والقته في النيل. وكان لفرعون قصور على شط النيل متنزهات فنظر من قصره ومعه آسية
[ 252 ]
امرأته الى سواد في النيل ترفعه الامواج وتضربه الرياح حتى جاءت به الى قصر فرعون وامر فرعون بأخذه، فاخذ التابوت ودفع إليه ولما فتحه وجد فيه صبيا فقال هذا اسرائيلي، فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة وكذلك في قلب آسية واراد فرعون ان يقتله فقالت آسية لا تقتلوه عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا، وهم لا يشعرون انه موسى، ولم يكن لفرعون ولد، فقال التمسوا له ظئرا تربيه فجاؤا بعده نساء قد قتل اولادهم، فلم يشرب لبن احد من النساء وهو قول الله (وحرمنا عليه المراضع من قبل). وبلغ امه ان فرعون قد اخذه، فحزنت ثم قالت لاخت موسى قصيه - اي إتبعيه - فجاءت اخته إليه، فبصرت به عن جنب - اي من بعد - وهم لا يشعرون فلما لم يقبل موسى ثدي احد من النساء، إغتم فرعون غما شديدا، فقالت اخته: هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ؟ فقالوا: نعم، فجاءت بامه، فلما اخذته بحجرها والقمته ثديها. إلتقمه وشرب. ففرح فرعون واهله واكرموا امه. فقالوا لها ربيه لنا فانا نفعل بك ونفعل. وذلك قول الله: (فرددناه الى امه كي تقر عينها ولا تحزن). وكان فرعون يقتل اولاد بني اسرائيل كلما يلدون ويربي موسى ويكرمه ولا يعلم ان هلاكه على يديه. ولما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس فقال الحمد لله رب العالمين. فأنكر ذلك عليه ولطمه وقال: ما هذا الذي تقول ؟ فوثب موسى على لحيته وكان
طويل اللحية فهبلها اي قلعها فهم فرعون بقتله فقالت امرأته غلام حدث لا يدري ما يقول فقال فرعون بل يدري فقالت له ضع بين يديك تمرا وجمرا فان ميز بين التمر والجمر فهو الذي تقول فوضع بين يديه تمرا وجمرا فقال له كل فمد يده الى التمر فجاء جبرئيل عليه السلام فصرفها الى الجمر، فأخذ الجمر فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون: الم اقل: انه لا يعقل ؟ فعفا عنه. فقلت لابي جعفر عليه السلام: فكم مكث موسى غائبا عن امه حتى رده الله عليها ؟ قال: ثلاثة ايام. قلت له اخبرني عن الاحكام والقضاء والامر والنهى أكان
[ 253 ]
ذلك اليهما ؟ قال: كان موسى الذي يناجي ربه ويكتب العلم ويقضى بين بني اسرائيل وهارون يخلفه إذا غاب عن قومه للمناجات قلت: فأيهما مات قبل صاحبه قال: مات هارون قبل موسى، وماتا جميعا في التيه. قلت: أو كان لموسى ولد ؟ قال: لا، كان الولد لهارون. قال: فلم يزل موسى عند فرعون في اكرامه كرامة، حتى بلغ مبلغ الرجال، وكان ينكر عليه ما يتكلم من التوحيد، حتى هم به، فخرج موسى من عنده ودخل مدينة من مدائن فرعون فإذا رجلان يقتتلان، احدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون، فجاء موسى فوكز صاحبه وقضى عليه وتوارى في المدينة، فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه الى موسى قال له: اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس فخلى سبيله وهرب. وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم ايمانه (ستمائة سنة) وهو الذي قال الله عز و جل: (و جاء رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه...) الآية. وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل، فطلبه ليقتله، فبعث المؤمن الى موسى
(ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين) فخرج منها خائفا يترقب - اي يلتفت يمنة ويسرة - ومر نحو مدين، وكان بينه وبين مدين ثلاثة ايام، فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقى منها لاغنامهم، فقعد ناحية ولم يكن اكل منذ ثلاثة ايام شيئا، فنظر الى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر، فقال لهما: ما بالكما لا تستقيان ؟ فقالا: حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير. فرحمهما موسى ودنا من البئر، فقال لمن على البئر: استسقي لي دلوا ولكم دلوا ؟ وكان الدلو يمده عشرة رجال. فاستسقى وحده دلوا لبنتي شعيب وسقى اغنامهما، ثم تولى الى الظل فقال: (رب اني لما انزلت الي من خير فقير) والله ما سأل الا خبزا يأكله ببقلة الارض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه من هزاله.
[ 254 ]
فلما رجعت ابنتا شعيب قال لهما: اسرعتما الرجوع فاخبرتاه بقصة موسى، ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهن: اذهبي إليه فادعيه لنجزيه اجر ما سقى لنا، فجاءت إليه تمشي على استحياء فقالت له: ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا. فقام موسى معها فسفقتها الرياح فبان عجزها، فقال لها موسى: تأخري ودليني على الطريق، فأنا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء. فلما دخل على شعيب قص إليه قصته فقال شعيب: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، قالت احدى بنات شعيب: يا ابت استأجره ان خير ما استأجرت لقوي امين، فقال لها شعيب: اما قوته فقد عرفتيه بسقي الدلو وحده، فبم عرفت امانته فقالت: انه قال لي تأخري عنى فأنا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء، فهذه امانته. فقال له شعيب: اني اريد ان انكحك احدى بناتي هاتين على ان تأجرني ثماني حجج فان اتممت عشرا فمن عندك فقال له موسى: ذلك بيني وبينك ايما
الأجلين قضيت فلا سبيل علي. ثم انه اتم عشرا. قلت: فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها اجارة شهرين ايجوز ذلك ؟ قال: ان موسى عليه السلام علم انه يتم بشرطه فكيف لهذا ان يعلم انه يبقى حتى يفي. فلما قضى موسى الاجل قال: لا بد ان ارجع الى وطني وامي واهل بيتي فما لي عندك ؟ قال شعيب: ما وضعت اغنامي في هذه السنة من بلق فهو لك، فعمد موسى عند ما اراد ان يرسل الفحل على الغنم الى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه وغرزه في وسط مربض الغنم والقى عليه كساء ابلق، ثم ارسل الفحل على الغنم، فلم تضع الغنم في تلك السنة الا بلقا، فلما حان عليه الحول، حمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده وساق غنمه، فلما اراد الخروج قال لشعيب إعطني عصا تكون معي، وكان عصى الانبياء عنده قد ورثها مجموعة في بيت فقال له شعيب: ادخل في هذا البيت وخذ عصا من بين تلك العصي. فدخل فوثبت عليه عصا نوح وابراهيم صلوات الله عليهما وصارت في كفه فظخرجها، ونظر إليها شعيب فقال: ردها وخذ غيرها فوثبت إليه تلك العصا بعينها حتى فعل مثل ذلك مرات، فلما