الرئيسية  اتصل بنا  خارطة الموقع   
 
 
  إرسل لنا كتاب | أخبرنا عن خطأ  
أ ب ت  ...




قصص الانبياء- الجزائري

قصص الانبياء

الجزائري


[ 1 ]

النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين لمؤلفه العالم العامل والكامل الباذل صدر الحكماء ورئيس العلماء السيد نعمة الله الجزائري طاب ثراه وجعل الجنة مثواه

[ 2 ]

مقدمة المولف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ارسل انبياءه حجة على العالمين وعقبهم بالاوصياء تكميلا للدين المبين و اصطفى منهم خمسة وهم اولوا العزم وفضلهم على انبيائه المرسلين و اختار من بينهم محمدا صلى الله عليه وآله وجعله نبيا وآدم بين الماء والطين ثم فضل اوصياءه صلوات الله عليهم وصيرهم حجة على اهل السموات والارضين وفضل من بينهم ابن عمه واخاه وباب مدينة علمه على الخلق اجمعين وخصه باسم حرم على غيره بان يسمى به وهو امير المؤمنين صلوات الله عليه و على اولاده المعصومين من يومنا هذا الى يوم الدين. و بعد فيقول المذنب الجاني قليل البضاعة وكثير الاضاعة نعمة الله الموسوي الجزائري وفقه الله تعالى لمراضيه وجعل مستقبل احواله خيرا من ماضيه انه لما وفقنا الله سبحانه لتاليف كتابنا الموسوم (برياض الابرار) في مناقب الائمة الاطهار سلام الله عليهم آناء الليل واطراف النهار واستقصينا فيه ما بلغنا من احوال النبي صلى الله عليه وآله واحوال الائمة عليهم السلام من مواليدهم ومعجزاتهم وغزواتهم ومناقبهم على التمام فجاءت عدته ثلاث مجلدات حسان فيهن من اسرارهم (ع) ما لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان ثم ان جماعة من علماء الاخوان التمسوا منا ان نكتب كتابا في تفصيل احوال الانبياء وما جرى عليهم في سالف الزمان ليكون متمما لكتابنا المذكور وتتلى احاديثه في البكور والعصور وسميناه (النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين) و رتبناه على مقدمة وابواب وفصول و خاتمة

[ 3 ]

المقدمة في بيان ما يشترك فيه الانبياء عليهم السلام وفي عددهم و بيان اولى العزم منهم و الفرق بين النبي والامام و جملة من احوالهم اعلم ان وهب بن منبه صنف كتابا مبسوطا في قصص الانبياء و لا نعتمد ما اورده فيه لانه من طريق الجمهور وتواريخهم فيصلح شاهدا لا حجة على المطلوب و اما الفاضل الراوندي قدس الله ضريحه فهو من علمائنا وكتب ايضا كتابا اوضح فيه عن قصص الانبياء عليهم السلام وروى ما اودع فيه من اخبارنا عن الائمة عليهم السلام الا انه قد شذ عنه اكثر ما ضمنه كتابه فجاءت القصص ناقصة تحتاج الى التتميم و اما شيخنا المعاصر قدس الله سره فقد الف كتاب (بحار الانوار) و جعل الكتاب الخامس في احوال الانبياء (ع) وسماه كتاب النبوة فهو و ان احاط بجميع قصصهم (ع) وتفصيل احوالهم من اخبارنا ورواياتنا الا انه بلغ الغاية في التطويل والتفصيل لانه ذكر الايات اولا وتفسيرها ثانيا وكل ما ورد من طريق العامة والخاصة في بيان احوالهم (ع) فاحببت ان انسج كتابي هذا على منوال عجيب وطرز غريب بان اذكر كل ما ورد من طرق الخاصة و بعض ما احتاج إليه من روايات الجمهور ان وقع الاحتياج إليه على طريق الاختصار فيكون كتابا صغير الحجم غزير العلم تهش إليه الالباب وتستلذه الطلاب قال الله تعالى: (واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه قال أأقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و انا معكم من الشاهدين).

[ 4 ]

روى الثقة علي بن ابراهيم في الصحيح عن ابي عبد الله عليه السلام: ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع الى الدنيا وينصر امير المؤمنين (ع) وهو قوله تعالى: (ولتؤمنن به) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله ولتنصرن امير المؤمنين (ع) ثم قال لهم في الذر أأقررتم واخذتم على ذلكم اصري - اي عهدي - قالوا: قد اقررنا قال الله: فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين. (اقول) جاءت الاخبار مستفيضه في ان القائم (ع) إذا خرج و قام له الملك يخرج في زمانه النبي صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين (ع) و هو صاحب العصا و الميسم بسم الله في جبهته فينتقش بها هذا مؤمن و بسم الكافر فينتقش في جبهته هذا كافر و يخرج الائمة صلوات الله عليهم والانبياء صلوات الله عليهم لينصروا امير المؤمنين (ع) والمهدي صلوات الله عليه سيما الانبياء الذين اوذوا في الله كزكريا ويحيى وحزقيل و من قتل منهم ومن جرح فان الاخبار جاءت مستفيضه برجوعهم الى الدنيا ليقتصوا ممن آذاهم و قتلهم من الامم و لياخذوا بثار الحسين (ع). (وعن جميل) عن ابي عبد الله (ع) قال: قلت، قول الله عزوجل: (انا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) قال: ذاك‍ والله في الرجعة، أما علمت ان انبياء الله كثيرون لم ينصروا في الدنيا والائمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا في الدنيا وذلك قوله في الرجعة - والاشهاد الائمة (ع). (يقول مؤلف الكتاب) ايده الله تعالى: المراد من الرسل في الاية الانبياء ففي هذا الحديث وما قبله و ما روى بمعناه دلالة على ان الانبياء (ع) كلهم يرجعون الى الدنيا في القيامة الصغرى وينصرهم الله تعالى بالقوه والملائكة على اعدائهم واعداء آل محمد (ع) ويحيى الله سبحانه اممهم الذين آذوهم كما يخرج بني امية ومن رضى بفعالهم من ذراريهم و غيرها و كذلك يحيى من اخلص الايمان من الامم ليفوزوا بثواب النصر و الجهاد ويتنعموا في دولة آل محمد صلوات الله عليهم كما قال سبحانه: (ويوم نبعث من كل امه فوجا). وقال الصدوق طيب الله ثراه: اعتقادنا في عدد الانبياء (ع) انهم مائة الف نبي واربعة وعشرون الف نبي ومائة الف وصي واربعة

[ 5 ]

وعشرون الف وصي وان سادة الانبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحى وهم اصحاب الشرائع و من اتى بشريعة مستانفة نسخت شريعة من تقدمه وهم خمسة نوح، وابراهيم، وموسى، وعيسى ومحمد وهم اولوا العزم صلوات الله عليهم. (اقول) ما قال في عددهم عليهم السلام هو الذي دلت عليه واضحات الاخبار وقاله علماؤنا رضوان الله عليهم وما دل على خلافه يكون محمولا على طريق التأويل مثل ما روى في قوله صلى الله عليه وآله بعثت على اثر ثمانية آلاف نبي منهم اربعة آلاف من بني اسرائيل بان يراد اعاظم الانبياء (ع) واما المرسلون ففيه صلى الله عليه وآله انهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر وقيل له يا رسول الله كم انزل الله من كتاب ؟ قال مائة كتاب واربعة كتب انزل الله على شيث عليه السلام خمسين صحيفة وعلى ادريس ثلاثين صحيفة و على ابراهيم عشرين صحيفة وانزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان وفي كتاب (الاختصاص) للمفيد طاب ثراه باسناده الى صفوان الجمال عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قال لي يا صفوان هل تدري كم بعث الله من نبي ؟ قال: قلت ما ادري قال بعث الله مائة الف نبي واربعين الف نبي ومثلهم اوصياء وعنه (عليه السلام) قال أبو ذر يا رسول الله كم بعث الله من نبي ؟ فقال ثلاثمائة الف نبي وعشرين الف نبي والمرسلون منهم ثلاثمائة وبضعة عشر والكتب المنزلة مائة كتاب واربعة وعشرون كتابا، منها انزل على ادريس خمسين صحيفة (اقول) وجه الجمع بين هذين الخبرين و ما تقدم يكون اما بحمل الزائد من عدد الانبياء على ما كان قبل آدم (ع) فان الارض لا تخلو من حجه ما دام التكليف (باق) أو بان يقال ان مفهوم العدد ليس بحجه. وعن ابي الحسن موسى (ع) قال: ان الانبياء واتباع الانبياء خصوا بثلاث خصال السقم في الابدان وخوف السلطان والفقر (اقول) يجوز ان يراد من الانبياء المعصومون منهم المنزهون عن الذنوب ويجوز ان يراد بهم الاعم فيكون ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله من العلويين كلهم داخلين في الامور الثلاثة، واما الاتباع فهم العلماء والصلحاء والفقراء والمتقون وفي كتاب (الاقبال) لابن طاووس قدس الله ضريحه باسناده الى الثمالي قال:

[ 6 ]

سمعت علي بن الحسين (ع) يقول: من احب ان يصافحه مائة الف نبي واربعة وعشرون الف نبي فليزر الحسين (ع) ليلة النصف من شعبان فان ارواح النبيين يستاذنون الله زيارته فياذن لهم فطوبى لمن صافحهم وصافحوه، منهم خمسة اولوا العزم من المرسلين نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم اجمعين (قلت) ولم سموا اولى العزم ؟ قال: لانهم بعثوا الى شرقها وغربها وجنها وانسها (اقول) هذه المصافحة يجوز ان تكون في الدنيا لزائريه وان لم يشعروا بها أو ببعضها فان الملائكة تتصور بصور الرجال ياتون الى زيارته ويصافحون زواره و يجوز ان يكون يوم القيامة في الجنة أو قبل دخولها وقوله فليزر الحسين (ع) الظاهر ان المراد زيارته من قرب واراده البعد محتمله ايضا وما دل عليه من اولي العزم هذه الخمسة صلوات الله عليهم روى في الاخبار المستفيضة ورواه الجمهور عن ابن عباس وقتادة وذهب بعضهم الى انهم ستة نوح وابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف وايوب وقيل هم الذين امروا بالقتال والجهاد واظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين وقيل هم اربعة، ابراهيم ونوح وهود ومحمد صلى الله عليه وآله ولا عبرة بهذه الاقوال كلها لانها خلاف اجماعنا واصحابنا وما تضمنه ومن وجه التسمية وان رسالتهم عامة هو احد الروايات وفي تفسير الثقه علي بن ابراهيم انهم سموا اولي العزم لانهم سبقوا الانبياء الى الاقرار بالله واقروا بكل نبي كان قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والاذى وفي (عيون الاخبار) عن الرضا (ع) قال: انهم سموا اولوا العزم لانهم كانوا اصحاب العزائم والشرائع وذلك ان كل نبي كان بعد نوح كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه الى زمن ابراهيم الخليل (ع) ثم ساق الكلام في الخمسة على مثال واحد وفيه دلالة على ان الخمسة (ع) رسالتهم عامة ولا كلام في الثلاثة انما الكلام في عموم رسالة موسى وعيسى (ع) لان في بعض الاخبار نوع معارضته لها وان رسالتهما كانت خاصة لا عامة ويمكن تأويل تلك الاخبار وابقاء ما دل على عموم رسالتهما على حاله لاستفاضة والاخبار الدالة عليه. وفي (مشارق الانوار) عن علي بن عاصم الكوفي قال: دخلت علي ابي محمد

[ 7 ]

العسكري (ع) فقال لي يا علي انظر الى ما تحت قدميك فانك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين والائمة الراشدين ثم قال ادن مني فدنوت منه فمسح يده على وجهي فصرت بصيرا قال فرايت في البساط اقداما وصورا وقال: هذا اثر قدم آدم (ع) وموضع جلوسه وهذا اثر هابيل وهذا اثر نوح وهذا اثر قيدار وهذا اثر مهلائيل وهذا اثر يارد وهذا اثر اخنوخ و هذا اثر ادريس و هذا اثر متوشلخ وهذا اثر سام وهذا اثر فخشد وهذا اثر صالح وهذا اثر لقمان وهذا اثر ابراهيم وهذا اثر لوط وهذا اثر اسماعيل وهذا اثر الياس وهذا اثر اسحاق وهذا اثر يعقوب و هذا اثر يوسف وهذا اثر شعيب وهذا اثر موسى وهذا اثر يوشع بن نون وهذا اثر طالوت وهذا اثر سليمان وهذا اثر الخضر وهذا اثر دانيال وهذا اثر اليسع وهذا اثر ذى القرنين (الاسكندر) و هذا اثر سابور بن اردشير وهذا اثر لوي وهذا اثر كلاب وهذا اثر قصي وهذا اثر عدنان وهذا اثر عبد مناف وهذا اثر عبد المطلب و هذا اثر عبد الله وهذا اثر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اثر امير المؤمنين عليه السلام وهذا اثر الاوصياء من بعدهم والمهدي عليهم السلام لانه قد وطاه وجلس عليه، ثم انظر الى الاثار واعلم انها آثار دين الله وان الشاك فيهم كالشاك في الله ثم قال اخفض طرفك يا علي فرجعت محجوبا كما كنت (اقول) ما اشتمل عليه من ذكر سابور وما بعده يدل على انهم كانوا مسلمين وقتا ما وذلك لان سابور من اجداد علي بن الحسين (ع) كما ان لوي وما بعده من اجداد النبي (ص). (وروى) الشيخ طاب ثراه في الامالي باسناده الى رجل جعفي قال: كنا عند ابي عبد الله (ع) فقال: اللهم اسالك رزقا طيبا قال: فقال أبو عبد الله (ع) هيهات هيهات هذا قوت الانبياء ولكن سل ربك رزقا لا يعذبك عليه يوم القيامة هيهات ان الله يقول (يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) والطيبات الرزق الحلال وفي (الكافي) باسناده الى معمر بن خلاد قال: نظر أبو جعفر عليه السلام الى رجل وهو يقول: اللهم اني اسالك عن رزقك الحلال، فقال أبو جعفر عليه السلام:

[ 8 ]

سالت قوت النبيين قل اللهم اني اسالك رزقا واسعا طيبا من رزقك. (اقول) المراد من الرزق الحلال في الحديثين ما يكون حلالا في الواقع و نفس الامر وهو رزق الانبياء واوصيائهم واما رزق المؤمنين فهو الحلال فى ظاهر الشريعه وربما كان فيه شبهات وفي (الكافي) عن زراره قال سألت ابا جعفر (ع) عن عن قول الله تعالى (و كان رسولا نبيا) ما الرسول وما النبي ؟ قال النبي الذي يرى فى منامه ويسمع الصوت و لا يعاين الملك، والرسول الذي يرى فى المنام و يسمع الصوت ويعاين الملك قلت الامام ما منزلته ؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك ثم تلا هذه الايه (و ما ارسلنا قبلك من رسول و لا نبي ولا محدث) و عن الرضا (ع) الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه و يسمع كلماته وينزل عليه الوحى و ربما يرى فى منامه نحو رؤيا ابراهيم (ع) و النبي ربما يسمع الكلام و ربما راى الشخص و لم يسمع الامام هو الذي يسمع الكلام و لا يرى الشخص. (وفي الصحيح) عن الاحوال قال: سمعت زراره يسال ابا جعفر (ع) قال: اخبرني عن الرسول و النبي و المحدث فقال الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه و اما النبي فهو يرى فى منامه على نحو ما راى ابراهيم (ع) و نحو ما كان رسول الله (ص) من اسباب النبوه قبل الوحى حتى اتاه جبرئيل من عند الله بالرساله و كان محمد (ص) حين جمع له النبوه و جاءته الرساله من عند الله يجيئه بها جبرئيل (ع) و يكلمه بها قبلا و من الانبياء من جمع له النبوه و يرى فى منامه يأتيه الروح فيكلمه من غير ان يكون رآه فى اليقظه و اما المحدث فهو الذى يحدث فيسمع و لا يعاين ولا يرى فى منامه (اقول) اختلف علماء الاسلام فى الفرق بين النبي و الرسول، فقيل بالترادف وقيل بالفرق بان الرسول من جمع الى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب و انما يدعو الى كتاب من قبله.

[ 9 ]

ومنهم من قال: ان من كان صاحب المعجزة وصاحب الكتاب ونسخ شرع من قبله فهو الرسول و من لم يكن مستجمعا لهذه الخصله فهو النبي غير الرسول، ومنهم من قال: أن من جاءه الملك ظاهرا و امره بدعوة الخلق فهو الرسول و من لم يكن كذلك بل يرى في النوم فهو النبي ذكر هذه الوجوه الفخر الرازي وغيره والظاهر من حديثنا صحة القول الاخير لما مر من عدد المرسلين و كون من نسخ شرعه ليس الا خمسة (و في كتاب البصائر) عن الباقرين (ع) والمرسلون على اربع طبقا فنبي تنبأ في نفسه لا يعد وغيرها و نبي يرى في النوم و يسمع الصوت و لا يعاين في اليقظة و لم يبعث الى احد و عليه امام مثل ما كان ابراهيم على لوط و نبي يرى فى منامه و يسمع الصوت و يعاين الملك وقد ارسل الى طائفة قلوا أو كثروا كما قال الله تعالى: (فارسلناه الى مائة الف أو يزيدون) و قال يزيدون ثلاثين الفا ونبي يرى في منامه و يسمع الصوت و يعاين في اليقظة وهو امام مثل اولي العزم و قد كان ابراهيم (ع) نبيا و ليس بامام حتى قال (اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) اي من عبد صنما أو وثنا. (اقول) يعني الامامة الرياسة العامة لجميع المخلوقات فهي افضل من النبوة واشرف منها. (الاختصاص للمفيد) عن عمر بن ابان عن بعضهم قال كان خمسة من الانبياء سريانيون آدم وشيث وادريس و نوح وابراهيم، وكان لسان آدم العربية وهو لسان اهل الجنة فلما عصى ربه ابدله السريانية قال وكان خمسة عبرانيون اسحاق ويعقوب وموسى و داود و عيسى و خمسة من العرب هود و صالح و شعيب واسماعيل و محمد (ص) و ملك الدنيا مؤمنان و كافران فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان (ع) واما الكافران فنمرود بن كوش بن كنعان وبخت نصر (اقول) نصر بوزن بقم اسم صنم و بخت يعني اولد لانه وجد مطروحا عنده فكأنه ابنه وروى الصدوق طاب ثراه في اكمال الدين حديثا طويلا يسنده الى

[ 10 ]

الباقر (ع) وفيه ان آدم (ع) لما استكملت ايام نبوته اوحى الله سبحانه إليه ان يجعل العلم وميراث النبوة في ابنه هبه الله وبشر آدم بنوح وكان بينهما عشرة آباء كلهم انبياء فلما مضت ايام نبوة نوح (ع) دفع ميراث العلم والنبوة الى ابنه سام وليس بعد سام الا هود فكان بين نوح وهود من الانبياء مستخفين وغير مستخفين ومن بعد هود انتهت النبوة الى ابراهيم وكان بين هود وابراهيم من الانبياء عشرة وذكر كلاما طويلا ثم قال فارسل الله موسى و هارون الى فرعون وهامان و قارون و كان يقتل في اليوم نبيين وثلاثة واربعة حتى انه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبيا ويقوم سوق بقلهم آخر النهار ثم ذكر ان موسى (ع) ارسل الى اهل مصر خاصة وان عيسى ارسل الى بني اسرائيل خاصة وارسل الله محمدا صلى الله عليه وآله الى الانس و الجن عامة وهذا الحديث يعارض ما تقدم من عموم رسالة موسى وعيسى عليهما السلام ويجري فيه من التأويل انه من قبيل ما يقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله ارسل الى العرب أو يقال انه ارسل الى مكة لضرب من المجاز والعلاقة ظاهرة (وفي الكافي) يسنده الى البرقي يرفعه الى ابي عبدالله (ع) قال ان الله جعل اسم الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا فاعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفا واعطى نوحا منها خمسة وعشرين واعطى ابراهيم منها ثمانية احرف واعطى منها موسى اربعه احرف و اعطى منها عيسى حرفين وكان يحيى بها الموتى ويبرىء الاكمه و الابرص واعطى محمدا صلى الله عليه وآله اثنين و سبعين حرفا واحتجب حرفا لئلا يعلم ما في نفسه و يعلم ما في نفس العباد. (وعن) عليه السلام: كان مع عيسى ابن مريم حرفان يعمل بهما وكان مع موسى (ع) اربعة احرف وكان مع ابراهيم عليه السلام ستة احرف وكان مع آدم (ع) خمسة وعشرون حرفا وكان مع نوح عليه السلام ثمانية وجمع ذلك كله لرسول الله صلى الله عليه وآله ان اسم الله ثلاثة وسبعون حرفا وحجب عنه واحد. (اقول) ان الله سبحانه حجب الاسم الاعظم عن عباده غير الانبياء واوصيائهم. (قال المحققون): لعل الوجه فيه انه لو عرفهم اياه لاقبلوا على الدعاء به

[ 11 ]

واعرضوا عما سواه من الاسماء الحسنى على ان اكثرهم لا تحتمله عقولهم و لو عرفوه لافسدوا على انفسهم ضياع دينهم و على غيرهم ضياع دنياهم كما وقع لبلعم بن باعورا حتى سلخه الله تعالى علمه وكذلك حجبت ليله القدر في ثلاث ليال ليحافظ على العبادة فيها كلها وكذلك حجب ولي الله في جملة الناس لانه لو عرف بعينه لربما اقبل الناس على توقيره واحترامه وحده وولعوا بالاضرار بغيره وربما اوقع الضرر به فيعظم الذنب ومع انه سبحانه حجبه عن الخلق وورد في الاخبار تارة انه اقرب الى بسم الله الرحمن الرحيم من سواد العين الى بياضها. (وقيل): انه في سورة التوحيد (وقيل) انه لفظة لا غير. وفي الاخبار غير هذا ايضا. واما آدم (ع) وكذلك اعطى نوح (ع) فلا يلزم منه فضلهما وشرفهما على ابراهيم (ع) لان الافضلية لا يلزم ان تكون بكل فرد فرد وشخص شخص من انواع التكامل فى التفاضل بين اولي العزم الاربعة والذي يظهر من اشارات الاخبار انه الخليل (ع) لامور سيأتي التنبيه عليها ان شاء الله تعالى في مواضعها. (وفي بعض) انه كان مع ابراهيم (ع) من الاسم الاعظم ستة احرف ومع نوح (ع) ثمانية ومفهوم العدد ليس بحجة كما تقرر في الاصول. وروى الثقة علي بن ابراهيم عن ياسر عن ابي الحسن (ع) قال ما بعث الله نبيا الا صاحب مرة سوداء صافية. (اقول) صاحب هذه المرة تقرر في علم الطب انه في غاية الحذق والفطانة والحفظ لكن لما كان يجامعها الخيالات الفاسدة والجبن والغضب وصفها بانها صافية اي خالية من هذه الاخلاق الردية. (وعن) ابي عبدالله (ع): ان الله عزوجل احب لانبيائه من الاعمال الحرث والرعي لان لا يكرهوا شيئا من قطر السماء، وقال (ع) ما بعث الله نبيا قط حتى يسترعيه الغنم يعلمه بذلك رعيه الناس. (اكمال الدين) باسناده الى الصادق (ع) عن النبي صلى الله عليه وآله قال عاش آدم أبو البشر تسعمائة وثلاثين سنه و عاش نوح الفي سنة واربعمائة وعاش ابراهيم (ع) مائة سنة وخمسا وسبعين وعاش اسمعيل بن

[ 12 ]

ابراهيم مائة وعشرين سنة وعاش اسحاق مائة وثمانين سنة وعاش يعقوب (ع) مائة وعشرين سنة وعاش يوسف (ع) مائة وعشرين سنة وعاش موسى (ع) مائة وستا وعشرين سنة وعاش هارون (ع) مائة و ثلاثا وثلاثين سنة وعاش داود عليه السلام مائة سنة منها اربعون سنة ملكه وعاش سليمان بن داود (ع) سبعمائة واثنى عشر سنة. (وعنه) عليه السلام: قال ان كان النبي من الانبياء ليبتلى بالجوع حتى يموت جوعا وان كان النبي من الانبياء ليبتلى بالعطش حتى يموت عطشا وان كان النبي من الانبياء ليبتلى بالسقم و الامراض حتى يتلفه وان كان النبي لياتي قومه فيقوم فيهم يامرهم بطاعة الله ويدعوهم الى توحيد الله وما معه مبيت ليلة فما يتركونه يفرغ من كلامه ولا يستمعون إليه حتى يقتلوه وانما يبتلي الله تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده (وعن ابى الحسن) عليه السلام: من اخلاق الانبياء التنظف والتطيب وحلق الشعر وكثرة الطروقة. (وعن امير المؤمنين) عليه السلام: العشاء بعد العتمة عشاء النبيين. وعن ابي الحسن الرضا عليه السلام ما من نبي الا و قد دعى لاكل الشعير وبارك عليه. وما دخل جوفا الا اخرج كل داء فيه وهو قوت الانبياء وطعام الابرار ابى الله تعالى ان يجعل قوت انبيائه الا شعيرا (وعن الصادق) عليه السلام: السويق طعام المرسلين واللحم باللبن مرق الانبياء و كان احب الاصباغ (1) الى رسول الله صلى عليه عليه وآله الخل و الزيت و هو طعام الانبياء وما افتقر اهل بيت ياتدمون بالخل والزيت. (وروى الصدوق) طاب ثراه فى كتاب (علل الشرايع) باسناده الى ابن السكيت قال قلت لابي الحسن الرضا (ع) لما ذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء و العصا و آله السحر و بعث عيسى بالطب وبعث محمدا بالكلام والخطب فقال (ع) ان الله تبارك و تعالى لما بعث موسى كان الاغلب على اهل


(1) الصبغ بالكسر ما يسطبغ به من الادام والزيت لان الخبز يغمز فيه. (*)

[ 13 ]

عصره السحر فأتاهم من عند الله عزوجل بما لم يكن في وسع القوم مثله وبما ابطل به سحرهم فاثبت به الحجه عليهم وان الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس الى الطب فأتاهم من عند الله عزوجل بما لم يكن عندهم مثله وبما احيى لهم الموتى وابراء الاكمه والابرص باذن الله و اثبت به الحجة عليهم وان الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى عليه وآله في وقت كان الاغلب على اهل عصره الخطب والكلام فأتاهم من كتاب الله عزوجل ومواعظة واحكامه ما ابطل به قولهم واثبت الحجة عليهم فقال ابن السكيت تالله ما رايت مثل اليوم قط فما الحجة على الخلق اليوم فقال (ع): العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه و الكاذب على الله فيكذبه فقال ابن السكيت هذا والله الجواب. خاتمة في بيان عصمة الانبياء وتاويل ما يوهم خلافه قال الصدوق قدس الله ضريحه: اعتقادنا في الانبياء والرسل والائمة والملائكة صلوات الله عليهم انهم معصومون مطهرون من كل دنس وانهم لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا يعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون ومن نفى عنهم العصمة في شىء من احوالهم فقد جهلهم. واعتقادنا فيهم انهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من اوائل امورهم الى اواخرها لا يوصفون فى شىء من احوالهم بنقص ولا جهل (روى) قدس الله رمسه في كتاب الامالي باسناده الى ابي الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (ع) اهل المقالات من اهل الاسلام والديانات واليهود والنصارى و المجوس والصابئة وسائر اهل المقالات فلم

[ 14 ]

يقم احد الا وقد الزمته حجته كانه القم حجرا فقام إليه على بن الجهم فقال يا ابن رسول الله اتقول بعصمة الانبياء قال بلى قال فما تقول في قول الله عزوجل (وعصى آدم ربه فغوى)، وقوله عزوجل (و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه)، وقوله في يوسف (ولقد همت به وهم بها)، وقوله في داود (وظن داود انما فتناه)، وقوله في نبيه محمد (وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه). فقال مولانا الرضا (ع) ويحك يا على اتق الله ولا تنسب الى انبياء الله الفواحش ولا تأول كتاب الله برأيك فان الله عزوجل يقول (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم)، واما قوله عزوجل فعصى آدم ربه فغوى فان الله عزوجل خلق آدم حجة في ارضه وخليفة في بلاده ولم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض لتتم مقادير امر الله عزوجل فلما اهبط الى الارض جعل حجة وخليفة عصم بقوله عز و جل (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين) واما قوله عزوجل (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه) انما ظن ان الله عزوجل لا يضيق عليه الا تسمع قول الله عزوجل (واما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) اي ضيق عليه ولو ظن ان الله لا يقدر عليه لكان قد كفر، واما قوله عزوجل في يوسف (ولقد همت به وهم بها) فانها همت بالمعصيه وهم يوسف بقتلها ان اجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء يعني الزنا واما داود فما يقولون من قبلكم فيه ؟ فقال علي بن الجهم يقولون ان داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له ابليس على صورة طير احسن ما يكون من الطيور فقطع صلاته وقام لياخذ الطير فخرج الطير الى الدار فخرج في اثره فطار الطير الى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار اوريا بن حنان فاطلع داود في اثر الطير فإذا بامرأة اوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها وكان اوريا قد اخرجه في بعض غزواته فكتب الى صاحبه ان قدم اوريا امام الحرب فقدم فظفر اوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود فكتب الثانية ان قدمه امام التابوت فقتل اوريا رحمه الله وتزوج داود بامراته قال فضرب

[ 15 ]

الرضا (ع) بيده على جبهته وقال انا لله وانا إليه راجعون ولقد نسبتم نبيا من الانبياء الى التهاون بصلاته حتى خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل. فقال يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته فقال ويحك ان داود انما ظن ان الله لم يخلق خلقا هو اعلم منه فبعث الله إليه الملكين فتسوروا المحراب فقالا خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب، فعجل داود على المدعي عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجة ولم يسأل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول ما يقول، فقال هذه خطيئة حكمه لا ما ذهبتم إليه الا تسمع قول الله عزوجل (يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق).. الاية. فقلت يا ابن رسول الله فما قصته مع اوريا ؟ فقال الرضا (ع) ان المرأة في ايام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده ابدا واول من اباح الله عزوجل له ان يتزوج بامرأة قتل بعلها داود فذلك الذي على اوريا و اما محمد وقول الله عزوجل (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه) فان الله عزوجل عرف نبيه (ص) ازواجه في دار الدنيا واسماء ازواجه في الاخرة وانهن امهات المؤمنين واحد من سمى له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة فاخفى صلى الله عليه وآله اسمها في نفسه ولم يبدله لكيلا يقول احد من المنافقين انه قال في امرأة في بيت رجل انها احد ازواجه من امهات المؤمنين وخشى قول المنافقين قال الله عزوجل (والله احق ان تخشاه في نفسك) وان الله عزوجل ما تولى تزويج احد من خلقه الا تزويج حواء من آدم (ع) و زينب من رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة من علي (ع). قال فبكى علي بن الجهم وقال يا ابن رسول الله انا تائب الى الله عزوجل ان انطق في انبياءه بعد يومي هذا الا بما ذكرته. (اقول) قوله (ع) وكانت المعصية من آدم في الجنة ظاهره تجويز الخطيئة على آدم (ع) على بعض الجهات اما لان المعصية منه كانت في الجنة والعصمة تكون في الدنيا أو لانها كانت قبل البعثة وانما تجب عصمتهم بعد النبوة وكلاهما

[ 16 ]

خلاف ما اجمع عليه علماؤنا ودلت عليه اخبارنا، ومن ثم قال شيخنا المحدث ابقاه الله تعالى يمكن ان يحمل كلامه (ع) على ان المراد من المعصية ارتكاب المكروه ويكونون بعد البعثة معصومين عن مثلها ايضا ويكون ذكر الجنة لبيان كون النهي للتنزيه والارشاد لان الجنة لم تكن دار تكليف حتى يقع فيها النهي التحريمي ويحتمل ان يكون المراد الكلام على هذا النحو لنوع من التقية مماشاة مع العامة لموافقة بعض اقوالهم أو على سبيل التنزل والاستظهار ردا على من جوز الذنب على الانبياء (ص)، واما ظن داود (ع) فيحتمل ان يكون ظن انه اعلم اهل زمانه وان كان صادقا الا انه لما كان مصادفا لنوع من العجب نبه الله تعالى بارسال الملكين واما تعجيله (ع) فى حال المرافعة فليس المراد انه حكم بظلم المدعى عليه قبل البينة إذ المراد بقوله لقد ظلمك انه لو كان كما تقول فقد ظلمك وكان الاولى ان لا يقول ذلك ايضا الا بعد وضوح الحكم. (معاني الاخبار) مسندا الى رجل من اصحابنا عن ابي عبد الله (ع) قال سألته عن قول الله عزوجل في قصة ابراهيم (بل فعله كبيرهم هذا فاسلوهم ان كانوا ينطقون) قال ما فعله كبيرهم ولا كذب ابراهيم (ع) لانه قال فاسألوهم إن كانوا ينطقون إن نطقوا فكبيرهم فعل، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم فما نطقوا وما كذب ابراهيم، فقلت قوله عزوجل في يوسف (ايتها العير انكم لسارقون) قال انهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى انه قال لهم حين قال ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولم يقل سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من ابيه، فقلت قوله (اني سقيم) قال ما كان ابراهيم سقيما وما كذب إنما كان سقيما مرتادا. وقد روى انه عنى بقوله اني سقيم أي سأسقم وكل ميت سقيم قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله (انك ميت) أي ستموت. وقد روي انه عنى اني سقيم بما يفعل بالحسين بن علي عليهما السلام. وفي تفسير علي بن ابراهيم: سئل أبو عبد الله (ع) عن قول ابراهيم هذا ربي لغير الله، هل اشرك في قوله هذا ربي قال من قال هذا اليوم فهو مشرك ولم يكن من ابراهيم شرك وإنما كان في طلب ربه. (وفي قوله) (وما كان إستغفار

[ 17 ]

ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) قال ابراهيم لأبيه إن لم تعبد الاصنام استغفرت لك فلما لم يدع الاصنام تبرء منه. (عيون الاخبار) مسندا الى علي بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (ع) فقال له المأمون يابن رسول أليس من قولك ان الانبياء معصومون ؟ قال بلى قال فما معنى قول الله عزوجل (وعصى آدم ربه فغوى) فقال (ع) ان الله تبارك وتعالى قال لآدم (ع): (اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) وأشار لهما الى شجرة الحنطة فتكونا من الظالمين ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وانما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان اليهما وأقسم لهما اني لكما من الناصحين ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فدلهما بغرور فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به النار وانما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الانبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله عزوجل وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عزوجل (فعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه فتاب عليه وهدى) وقال تعالى (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين). فقال له المأمون فما معنى قول الله عزوجل (فلما اتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما اتاهما) فقال الرضا (ع) ان حوا ولدت لآدم خمسمائة بطن في كل بطن ذكرا وانثى وان آدم وحوا عاهدا الله عزوجل ودعواه وقالا لئن آتيتنا صالحا من النسل خلقا سويا برئا من الزمانة والعاهة كان ما اتاهما صنفين صنفا ذكرانا وصنفا اناثا فجعل الصنفان لله تعالى شركاء فيما أتاهم ولم يشكراه كشكر أبويهما له عزوجل فتعالى الله عما يشركون. فقال المأمون أشهد انك ابن رسول الله حقا. فاخبرني عن قول الله عزوجل في ابراهيم (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) فقال الرضا أن ابراهيم وقع على ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه فلما جن

[ 18 ]

عليه الليل رأى الزهرة فقال ربي على الانكار والاستخبار فلما أفل الكوكب قال لا أحب الآفلين لأن الافول من صفات الحدث لا من صفات القديم فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي على الانكار والاستخبار فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكون من القوم الضالين فلما أصبح ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر على الاستخبار لا على الاخبار والاقرار فلما أفلت قال للاصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما أنا من المشركين، وإنما أراد ابراهيم (ع) بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم ان العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس وانما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والارض وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله عزوجل وأتاه وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه. فقال المأمون لله درك يابن رسول الله فاخبرني عن قول ابراهيم ربي ارني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال الرضا عليه السلام ان الله تعالى اوحى الى ابراهيم (ع) اني متخذ من عبادي خليلا إن سألني احياء الموتى اجبته فوقع في نفس ابراهيم (ع) انه ذلك الخليل فقال رب ارني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلة قال خذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم فأخذ ابراهيم نسرا وبطا وطاوسا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزءا وجعل مناقيرهن بين اصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الاجزاء بعضها الى بعض حتى استوت الابدان وجاء كل بدن حتى انضم الى رقبته ورأسه فخلى ابراهيم (ع) عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن يا نبي الله احييتنا احياك الله فقال ابراهيم (ع) بل الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير. قال المأمون: بارك الله فيك يا ابا الحسن فاخبرني عن قول الله عزوجل (فوكزه موسى فقضى

[ 19 ]

عليه قال هذا من عمل الشيطان). قال الرضا عليه السلام: ان موسى (ع) دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء فوجد فيها رجلان يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فقضى موسى (ع) على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات فقال هذا من عمل الشيطان يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى (ع) من قتله انه يعني الشيطان عدو مضل مبين. (قال المأمون) فما معنى قول موسى رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي ؟ قال: يقول اني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي اي استرني من اعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له انه هو الغفور الرحيم قال موسى رب بما انعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فلن اكون ظهيرا للمجرمين بل اجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى عني فأصبح (ع) في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر قال له موسى انك لغوي مبين قاتلت رجلا بالامس وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك واراد ان يبطش به فلما اراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما وهو من شيعته قال يا موسى اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد إلا ان تكون جبارا في الارض وما تريد ان تكون من المصلحين. قال المأمون: جزاك الله خيرا يا ابا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون (فعلتها إذا وانا من الضالين). قال الرضا عليه السلام ان فرعون قال لموسى لما اتاه وفعلت فعلتك التي فعلت وانت من الكافرين بي، قال موسى فعلتها إذا وانا من الضالين عن الطريق بوقوعي الى مدينة من مدائنك ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وقد قال الله عزوجل لنبيه محمد (ألم يجدك يتيما فآوى) يقول الم يجدك وحيدا فآوى اليك الناس، ووجدك ضالا يعني عند قومك فهدى اي هداهم إلى معرفتك، ووجدك عائلا فأغنى يقول اغناك بأن جعل دعاءك مستجابا. قال المأمون: بارك الله فيك يابن رسول الله فما معنى قول الله عزوجل (ولما جاء موسى ليمقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال

[ 20 ]

لن تراني) الآية.. كيف يجوز ان يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأل هذا السؤال. فقال الرضا (ع) ان كليم الله موسى بن عمران علم ان الله تعالى عز أن يرى بالابصار ولكنه لما كلمه الله تعالى وقربه نجيا رجع الى قومه فأخبرهم ان الله عزوجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة الف رجل اختار منهم سبعمائة ثم اختار من السبعمائة سبعين رجلا لميقات ربه فخرج الى طور سينا فأقامهم في سفح الجبل و صعد موسى (ع) الى الطور وسأل الله تبارك وتعالى ان يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وامام لان الله عز وجل احدثه في الشجرة وجعله منبثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لن نؤمن لك بأن الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني اسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا انك ذهبت بهم فقتلتهم لانك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله اياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا انك لو سألت الله أن يراك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى يا قوم ان الله لا يرى بالابصار ولا كيفية له وانما يعرف بآياته ويعلم باعلامه فقالوا لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى يا رب انك قد علمت مقالة بني اسرائيل وانت اعلم بصلاحهم فأوحى الله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أواخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى يا رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه وهو يهوي فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل بآية من آياته جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت اليك، يقول رجعت الى معرفتي بك عن جهل قومي وانا أول المؤمنين منهم بأنك لا ترى. فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه). فقال الرضا (ع) لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لايهم بذنب

[ 21 ]

ولا يأتيه وقد حدثني ابي عن ابيه عن الصادق (ع) قال همت به أن تفعل وهم بأن لا يفعل. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله عزوجل (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه). قال الرضا (ع) ذاك يونس بن متى ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن ان لن نقدر عليه أي لن نضيق عليه رزقه، ومنه قوله تعالى (وأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه) أي ضيق وقتر فنادى في الظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت أن لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله له وقال عزوجل (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا). قال الرضا (ع) يقول الله حتى استيأس الرسل من قومهم ان الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله عزوجل (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر). قال الرضا عليه السلام لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما فلما جاءهم (ص) بالدعوة إلى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا ان هذا لشئ عجاب وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فلما فتح الله على نبيه (ص) مكة قال له يا محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر عند مشركي أهل مكة بدعائك الى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه في ذلك عندهم مغفورا بظهوره عليهم. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فاخبرني عن قول الله عزوجل (عفا الله عنك لم أذنت لهم). قال الرضا (ع) هذا مما نزل باياك أعني واسمعي يا جاره خاطب الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وآله وأراد به امته وكذلك قول الله عزوجل

[ 22 ]

لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين وقوله عزوجل (ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا). قال صدقت يابن رسول الله فاخبرني عن قول الله (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وانعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه). قال الرضا عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها سبحان الذي خلقك وانما اراد بذلك تنزيه الله تعالى عن قول من زعم ان الملائكة بنات الله فقال الله عزوجل: (فاصطفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة اناثا انكم لتقولون عظيما). فقال النبي (ص): فلما رآها تغتسل قال سبحان الذي خلقك أن يتخذ ولدا يحتاج الى هذا التطهير والاغتسال، فلما عاد زيد الى منزله اخبرته بمجئ رسول الله وقوله لها سبحان الذي خلقك فلم يعلم زيد ما اراد بذلك وظن انه قال ذلك لما اعجبه من حسنها فجاء الى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان امرأتي في خلقها سوء واني اريد طلاقها فقال له النبي (ص) امسك عليك زوجك واتق الله وقد كان الله عز وجل عرفه عدد ازواجه وانما تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشى ان يقولوا ان محمدا يقول لمولاه ان امرأتك ستكون لي زوجة فيعيبونه بذلك فانزل الله عزوجل: وإذ تقول للذي انعم الله عليه يعني بالاسلام وانعمت عليه بالعتق أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه. ثم ان زيدا طلقها واعتدت منه فزوجها الله من نبيه (ص) وانزل بذلك قرآنا: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان امر الله مفعولا) ثم علم عزوجل ان المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له فقال المأمون لقد شفيت صدري يابن رسول الله واوضحت لي ما كان ملتبسا علي فجزاك الله عن انبيائه وعن الاسلام خيرا. (قال علي بن محمد بن الجهم) فقام المأمون إلى الصلاة واخذ بيد محمد بن

[ 23 ]

جعفر وكان حاضرا المجلس فتبعتهما فقال له المأمون كيف رأيت ابن أخيك فقال عالم ولم نره يختلف الى أحد من أهل العلم، فقال المأمون ان ابن أخيك من أهل بيت النبي الذي قال فيهم: ان ابرار عترتي وأطائب ارومتي احلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا لا تعلموهم فانهم أعلم منكم لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلال. وانصرف الرضا (ع) إلى منزله فلما كان من الغد غدوت إليه واعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له فضحك (ع) ثم قال يا علي بن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه فانه سيغتالني والله ينتقم لي منه. (قال الصدوق) هذا الحديث عجيب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام. (أقول) هذا ليس بعجيب لأن الله سبحانه يجري الحق لأوليائه على السنة اعدائه في كثير من الاحوال وفي أغلب الازمان. (وفي كتاب الخصال) مسندا الى الاشعري رفعه الى أبي عبدالله (ع) قال ثلاث لم يعر منها نبي فمن دونه الطيرة و الحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق. (قال الصدوق) ومعنى الطيرة في هذا الموضع هو ان يتطير منهم قومهم فاما هم (ع) فلا يتطيرون وذلك كما قال الله عزوجل في قوم صالح (قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله) وكما قال آخرون لانبيائهم (انا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم..) الآية. واما الحسد في هذا الموضع هو ان يحسدوا لا انهم يحسدون غيرهم وذلك كما قال الله عزوجل ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما. واما التفكر في الخلق فهو بلواهم (ع) باهل الوسوسة لا غير ذلك كما حكى الله عنهم من الوليد بن المغيرة المخزومي انه فكر وقدر فقتل كيف قدر يعني قال للقرآن ان هذا الا قول البشر. (اقول) ما ذكره من التأويل حسن الا ان في الكافي وغيره تتمة للحديث لا يحتمله وهي لكن المؤمن لا يظهر الحسد، ومن ثم حمل جماعة من اهل الحديث على ما هو اعم من الغبطة أو ان القليل منه إذا لم يظهر ليس بذنب والطيرة هي التشائم

[ 24 ]

بالشىء وانفعال النفس بما يراه أو يسمعه مما يتشائم به ولا دليل على انه لا يجوز ذلك على الانبياء إذ ورد انهم يتفألون بالشىء الحسن، والمراد بالتفكر فى الوسوسة في الخلق التفكر فيما يحصل في نفس الانسان من الوسواس في خالق الاشياء وكيفية خلقها وخلق اعمال العباد والتفكر في الحكمة في خلق بعض الشرور فى العالم من غير استقرار في النفس وحصول شك بسببها، ويحتمل ان يكون المراد بالخلق المخلوقات وبالتفكر في وساس التفكر وحديث النفس بعيوبهم و تفتيش احوالهم وفي الاخبار ما يؤيد الوجهين كما سيأتي وبعض افراد هذا الاخير على الوجهين لا يستبعد عروضها لهم عليهم السلام. هذا واعلم ان الخلاف بين علماء الاسلام في عصمة الانبياء عليهم السلام يرجع الى اربعة اقسام ما يقع في باب العقائد وما يقع في التبليغ وما يقع في الاحكام والفتيا وما يقع في افعالهم و سيرهم عليهم السلام. (اما الاعتقادات) فهم منزهون عن الكفر والضلال فيما قبل النبوة وبعدها باتفاق الامة غير ان الارازقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب و عندهم كل ذنب كفر فيلزمه تجويز الكفر عليهم بل يحكى عنهم انهم قالوا يجوز ان يبعث الله نبيا علم انه يكفر بعد نبوته. واما النوع الثاني وهو ما يتعلق بالتبليغ فقد اتفقت الامة وارباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ عمدا وسهوا الا القاضي أبو بكر فانه جوز ما كان من ذلك على سبيل النسيان و فلتات اللسان. واما النوع الثالث وهو ما يتعلق بالفتيا فاجمعوا على انه لا يجوز خطاهم فيه عمدا وسهوا الا شرذمة قليلة من العامة. واما النوع الرابع وهو الذي يتعلق بافعالهم فقد اختلفوا فيه على خمسة اقوال: (اولها) قول اصحابنا الامامية رضوان الله عليهم وهو نفي الذنب عنهم مطلقا الصغار والكبار والعمد والنسيان والسهو والاسهاء ولم يخالف فيه الا الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد فانهما جوزا عليهم الاسهاء من الله لا السهو من

[ 25 ]

الشيطان وكذا القول في الائمة الطاهرين عليهم السلام. (الثاني) مذهب اكثر المعتزلة وهو انه لا يجوز عليهم الكبائر ويجوز عليهم الصغائر الا الصغائر الخسيسة المنفردة كسرقة حبة أو لقمة وكل ما ينسب فاعله الى الدنائة والضعة. (الثالث) و هو مذهب ابي علي الجبائي انه لا يجوز ان ياتوا بصغيرة ولا كبيرة على جهة العمد لكن يجوز على جهة التأويل والسهو كما تقدم فى حكايه آدم عليه السلام من انه كان غلطا في التأويل لانه ظن انه نهى عن شخص الشجرة لا عن نوعها فتناول من غير التى نهى عن شخصها. (الرابع) انه لا يقع منهم الذنب الا على طريق السهو والخطأ لكنهم مؤاخذون به وان رفع حكمه عن الامة لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم وقدرتهم على التحفظ وهو قول النظام ومن تبعه. (الخامس) انه يجوز عليهم الصغائر والكبائر عمدا وسهوا وخطأ وهو قول الحشوية وكثير من اصحاب الحديث من العامة ثم انهم اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة اقوال: (الاول) انه من وقت ولادتهم الى ان يلقوا الله وهو مذهب الامامية رضوان الله عليهم. (الثاني) انه من حين بلوغهم و لا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوة وهو مذهب كثير من المعتزلة. (الثالث) انه وقت النبوة وأما قبله فيجوز صدور المعصية عنهم وهو قول اكثر الاشاعرة ومنهم الفخر الرازي، واما دلائلنا على ما صرنا إليه فهي وان كانت متكثرة الا ان العمدة فيها اخبارنا المتواترة واجماعنا المقطوع به حتى انه صار من ضروريات ديننا. وقد ذكر سيدنا الاجل علم الهدى في الشافي وكتاب تنزيه الانبياء (ع) جملة من الدلائل والبراهين القاطعة من اراد الاطلاع عليها فليطلبها من هناك.

[ 26 ]

الباب الاول في قصص آدم وحواء واولادهما وفيه فصول: الفصل الاول (في فضلهما والعلة في تسميتهما وبدؤ خلقهما وسؤال الملائكة في ذلك) قال الله تعالى (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون. وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم. قال يا آدم انبئهم باسمائهم فلما انبأهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون). (اقول) الخليفة من ينوب عن غيره والهاء للمبالغة وهذه الاية وما بمعناها دالة على ان الغرض والمقصود من خلق آدم عليه السلام ان يكون خليفة في الارض لمن تقدمه من الجان وليس المقصود من خلقه ان يكون في الجنة، نعم كان الاولى به الا يفعل ما فعل وينزل من الجنة عزيزا كريما على خلع الجنة وعلى زوجته ثياب حور العين والملائكة يزفونه ويسجدون له في الجنة. واما قول الملائكة اتجعل فيها فهو تعجب اما من ان يستخلف لعمارة الارض واصلاحها من يفسد فيها، واستكشاف عما خفي عليهم من الحكمة التى غلبت تلك المفاسد واستخبار عما يزيح شبههم وليس باعتراض على الله ولاطعن في بني آدم وعلى وجه الغيبة كما توهمه من جوز الذنوب على الملائكة فانهم اجل و أعلى من ان يظن بهم ذلك. وانما عرفوا ذلك باخبار من الله أو تلق من اللوح المحفوظ

[ 27 ]

أو قياس لاحد الثقلين على الاخر. وقوله ونحن نسبح بحمدك حال مقررة لجهة الاشكال عليهم قيل وكانهم علموا ان المجعول خليفة ذو ثلاث قوى عليها مدار امره شهوية وغضبية تؤديان به الى الفساد وسفك الدماء وعقلية تدعوه الى المعرفة والطاعة ونظروا إليها مفردة وقالوا ما الحكمة في استخلافه وهو باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة ايجاده فضلا عن استخلافه و اما باعتبار القوة العقلية فنحن نقيم بما يتوقع منها سليما عن معارضة تلك المفاسد وغفلوا عن فضيلة كل واحد من القوتين إذا صارت مهذبة مطواعة للعقل متمرنة على الخير كالعفة والشجاعة ولم يعلموا ان التركيب يفيد ما يقصر عنه الاحاد كالاحاطة بالجزئيات واستخراج منافع الكائنات من القوة الى الفعل الذي هو المقصود من الاستخلاف. (واما) تعليم الاسماء فبخلق علم ضروري فيه أو انه ألقاه في روعه. (وقوله) ثم عرضهم اي المسميات المدلول عليها ضمنا. واما ما يقال من انه كان للملائكة ان يقولوا لو علمتنا كما علمت آدم لعلمنا مثله فجوابه انهم اجابوا انفسهم بقولهم انك انت العليم الحكيم. وذلك ان مقتضى الحكمة وضع الاشياء مواضعها على وفق الحكمة فحكمته تعالى انما اقتضت القاء التعليم الى آدم لا الى الملائكة. وروى الصدوق باسناده الى ابي عبدالله عليه السلام قال انما سمي آدم عليه السلام لانه خلق من اديم الارض. (قال الصدوق) اسم الارض الرابعة اديم وخلق منها آدم فلذلك قيل من اديم الارض. وقال عليه السلام: سميت حواء لانها من حي. يعنى آدم عليه السلام. وقد اختلف في اشتقاق اسم آدم (ع) فقيل اسم اعجمي لا اشتقاق له كآزر. (وقيل) انه مشتق من الادمة بمعنى السمرة لانه كان اسمر اللون وقيل من الادم بمعنى الالفة والاتفاق. واما اشتقاق حواء من حي أو الحيوان فهو من الاشتقاقات الشاذة أو الجعلية كلاين وتامر. وروى الصدوق رحمه الله ايضا عن ابن سلام انه قيل للنبي صلى الله عليه وآله خلق آدم من الطين كله أو من طين واحد قال بل من الطين كله ولو خلق من

[ 28 ]

طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا وكانوا على صورة واحدة قال فلهم في الدنيا مثل ؟ قال التراب فيه ابيض وفيه اخضر وفيه اشقر، يعني شديد الحمرة، وفيه ازرق وفيه عذب وفيه ملح فلذلك صار الناس فيهم ابيض وفيهم اصفر وفيهم اسود وعلى الوان التراب الخ. وعن امير المؤمنين عليه السلام ان الله تبارك و تعالى بعث جبرئيل عليه السلام وامره ان يأتيه من اديم الارض باربع طينات طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء وذلك من سهلها وحزنها ثم امره ان يأتيه باربع مياه ماء عذب وماء ملح وماء مر و ماء منتن ثم امره ان يفرغ الماء في الطين فجعل الماء العذب في حلقه وجعل الماء المالح في عينيه وجعل الماء المر في اذنيه وجعل الماء المنتن في انفه. وجاء تعليله في توحيد المفضل عن الصادق عليه السلام: إنما جعل الماء العذب في الحلق ليسوغ له أكل الطعام. وجعل الماء المالح في العينين ابقاء على شحمة العين لأن الشحم يبقى إذا وضع عليه الماء. وأما الماء المر في الاذنين فلئلا تهجم الهوام على الدماغ ومن ذلك انها إذا وصلت الى الماء المر في الاذنين ماتت وربما تعدى الماء المر وصل الى الدماغ. ومن العجب انه جاءت إلي امرأة تستفتيني في أن بعض الجراحين أراد أن يكسر قطعة من عظم رأسها حتى يظهر الدماغ وذلك ان هامة تسمى هزاربا دخلت اذنها وهي نائمة فوصلت الى الدماغ والى مخ الرأس فصارت تأكل منه وربما سكنت وبقيت على هذا أعواما وما أفتيت في حكاية كسر شئ من قحفة رأسها (وجاء) في كتب الطب انه وقع مثل هذا في زمن أفلاطون فاخذ رجل إلى الحمام ورفع قطعة من قحفة رأسه واستخرج الهامة ثم وضع القحفة على حالها وهذا منه ليس بعجيب نعم عنه لما قلع القحفة وظهر هزاربا في الدماغ اراد ان يتناوله بالمنقاش فقال له احد تلاميذه لا تفعل فانه محكم ايديه وارجله في حجاب الدماغ فحمى له المنقاش ووضعه على ظهره حتى رفع رجليه من حجاب الدماغ فتناوله ورماه (وعنه) عليه السلام اول من قاس ابليس قال خلقتني من نار وخلقته من طين ولو علم ابليس ما جعل الله في آدم لم يفتخر عليه

[ 29 ]

ثم قال ان الله عزوجل خلق الملائكة من نور وخلق الجان من النار وخلق الجن صنفا من الجان من الريح وصنفا من الماء وخلق آدم من صفحة الطين ثم اجرى في آدم النور والنار والريح والماء فبالنور ابصر و عقل وفهم وبالنار اكل وشرب ولولا النار في المعدة لم تطحن المعدة الطعام. و لولا ان الريح في جوف بني آدم تلهب نار المعدة لم تلهب. ولولا ان الماء في جوف ابن آدم يطفىء حر المعدة لاحرقت النار جوف ابن آدم فجمع الله ذلك في آدم لخمس خصال وكانت في ابليس خمسة فافتخر بها. (وعنه) عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان القبضة التي قبضها الله عزوجل من الطين الذي خلق منها آدم ارسل إليها جبرئيل (ع) ان يقبضها فقالت الارض اعوذ بالله ان تأخذ مني شيئا فرجع الى ربه وقال يا رب تعوذت بك مني فارسل إليها اسرافيل فقالت مثل ذلك فارسل إليها ميكائيل فقالت مثل ذلك فارسل إليها ملك الموت فتعوذت بالله ان ياخذ منها شيئا فقال ملك الموت واني اعوذ بالله ان ارجع إليه حتى اقبض منك. (اقول) جاء في الرواية ان الله سبحانه امر ملك الموت على الحتم ويدل على ان امره تعالى لمن تقدمه ليس على سبيل الحتم. (وروى) علي بن ابراهيم باسناده الى الباقر (ع) عن امير المؤمنين صلوات الله عليه قال ان الله تعالى لما اراد ان يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة فكشف عن اطباق السموات وقال للملائكة انظروا الى اهل الارض من خلقي من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي عظم ذلك عليهم فقالوا ربنا انت العزيز القادر وهذا خلقك الضعيف يعيشون برزقك ويعصونك ولا تنتقم لنفسك فلما سمع ذلك من الملائكة قال اني جاعل فى الارض خليفة يكون حجة في ارضي فقالت الملائكة سبحانك تجعل فيها من يفسد فيها كما افسدت بنو الجان فاجعل ذلك الخليفة منا فانا لا نعصيك ونسبح بحمدك ونقدس لك فقال عزوجل اني اعلم ما لا تعلمون اريد ان اخلق خلقا بيدي واجعل من ذريته انبياء وعبادا صالحين وائمة مهديين اجعلهم خلفاء على خلقي في ارضي واطهر ارضي من

[ 30 ]

النسناس و انقل مردة الجن العصاة على خلقي واسكنهم في الهواء وفي اقطار الارض واجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام فلاذوا بالعرش واشاروا بالاصابع فنظر الرب إليهم و نزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فطافوا به وهو البيت الذي يدخله الجن كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون إليه ابدا فوضع الله البيت المعمور توبة لاهل السماء ووضع الكعبة توبة لاهل الارض. الى ان قال: ثم قبض الله سبحانه طينة آدم واجري فيها الطبائع الاربع الريح والدم والمرة والبلغم فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص. ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق. ولزمه من ناحية المرة الغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب النساء واللذات وركوب المحارم والشهوات. (اقول) قيل المراد بالريح السوداء وبالمرة الصفراء أو بالعكس أو المراد بالريح الروح والمرة الصفراء والسوداء معا إذ يطلق عليهما وتكرار حب النساء لمدخليتهما معا. (وعن الرضا) " ع " قال: كان نقش خاتم آدم لا اله الا الله محمد رسول الله هبط به معه في الجنة. (وعنه صلى الله عليه وآله) اهل الجنة ليست لهم كنى الا آدم عليه السلام فانه يكنى بابي محمد توقيرا وتعظيما. (وعن ابي عبد الله) عليه السلام: ان الله سبحانه خلق آدم عليه السلام من غير اب وام، و عيسى عليه السلام من غير اب ليعلم انه قادر على ان يخلق من غير اب وام، ومن غير اب كما هو قادر على ان يخلق منهما، وفي قوله خلق الانسان من عجل قال لما اجرى الله الروح فى آدم من قدميه فبلغت الى ركبتيه اراد ان يقوم فلم يقدر فقال الله عزوجل خلق الانسان من عجل. وقال سميت المرأة مرأة لانها خلقت من المرء يعنى خلقت حوا من آدم. وسمى النساء نساءا لانه لم يكن لادم انس غيرها. (وعن عبد العظيم الحسني) قال: كتبت الى ابي جعفر الثاني عليه السلام اسأله عن علة الغائط ونتنه قال الله عزوجل

[ 31 ]

خلق آدم عليه السلام وكان جسده طيبا وبقى اربعين سنة ملقا تمر به الملائكة فتقول لامر ما خلقت وكان ابليس يدخل في فيه ويخرج من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا خبيثا غير طيب (و عن احدهما) عليهما السلام انه سئل عن ابتداء الطواف فقال ان الله تبارك وتعالى لما اراد خلق آدم عليه السلام قال للملائكة اني جاعل فى الارض خليفة فقال ملكان من الملائكة اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء فوقعت الحجب فيما بينهما وبين الله عزوجل وكان تبارك وتعالى نوره ظاهر للملائكة فلما وقعت الحجب بينه وبينهما علما انه سخط من قولهما فقالا للملائكة ما حيلتنا وما وجه توبتنا ؟ فقالوا ما نعرف لكما من التوبة الا ان تلوذا بالعرش فلاذا بالعرش حتى انزل الله توبتهما ورفعت الحجب فيما بينه و بينهما واحب الله تبارك وتعالى ان يعبد بتلك العبادة فخلق الله البيت في الارض وجعل على العباد الطواف حوله. وخلق البيت المعمور في السماء. (اقول) المراد من نوره تعالى الانوار المخلوقة في عرشه أو انوار الائمة صلوات الله عليهم أو انوار معرفته وفيضه فتكون حجبا معنوية. (وفي علل محمد بن سنان) عن الرضا عليه السلام ان الملائكة لما استغفروا من قولهم اتجعل فيها من يفسد فيها و علموا انهم اذنبوا فندموا ولاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله ان يتعبد بمثل ذلك العبادة فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في سماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ثم وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثم امر آدم (ع) فطاف به فتاب الله عليه وجرى ذلك في ولده الى يوم القيامة. (وروى) انه قيل لابي عبدالله عليه السلام لم صار الطواف سبعة اشواط ؟ قال لان الله تبارك وتعالى قال للملائكة اني جاعل في الارض خليفة فردوا على الله تبارك وتعالى وقالوا اتجعل فيها من يفسد فيها وكان لا يحجبهم عن نوره فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام فلاذوا بالعرش سبعة آلاف فتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فصار الطواف سبعة اشواط واجبا على العباد لكل الف سنة شوطا واحدا. (وعن

[ 32 ]

ابي عبد الله) عليه السلام قال: كان الصرد دليل آدم عليه السلام من بلاد سرانديب الى جدة شهرا وهو اول طائر صام لله تعالى. (وسال) امير المؤمنين عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله كيف صارت الاشجار بعضها تحمل وبعضها لاتحمل ؟ فقال كلما سبح آدم تسبيحا صارت له في الدنيا شجرة مع حمل. وكلما سبحت حواء تسبيحة صارت لها في الدنيا شجرة من غير حمل. (وسأل) مما خلق الله الشعير فقال ان الله تبارك وتعالى امر آدم عليه السلام ان ازرع مما اختزنت لنفسك و جاء جبرئيل بقبضة من الحنطة فقبض آدم عليه السلام على قبضة وقبضت حواء على قبضة فقال آدم لحوا لا تزرعي انت فلم تقبل قول (امر) آدم وكلما زرع آدم عليه السلام جاء حنطة. وكلما زرعت حوا جاء شعيرا. (وروى الثقة علي بن ابراهيم) باسناده الى ابي جعفر (ع) في قول الله (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما) قال عهد إليه في محمد والائمة من بعده صلوات الله عليهم فترك و لم يكن له عزم فيهم انهم هكذا وانما سموا اولوا العزم لانه عهد إليهم في محمد واوصيائه من بعده والقائم عليه السلام وسيرته فاجمع عزمهم ان كذلك والاقرار به. (وعن ابي عبد الله) عليه السلام في قول الله تعالى وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ان الله تعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فيراها من اسفل اضلاعه فجرى بذلك الضلع بينهما نسب ثم زوجها اياه فجرى بسبب ذلك بينهما صهر فذلك قوله نسبا وصهرا فالنسب ما كان من نسب الرجال و الصهر ما كان من سبب النساء (وقال) ان الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حوا من آدم فهمة الرجال في الارض وهمة النساء في الرجال. (وقال) عليه السلام: لما بكى آدم صلوات الله عليه على الجنة وكان رأسه في باب من ابواب السماء و كان يتاذى بالشمس فحط من قامته. (وقال) ان آدم لما اهبط من الجنة واكل من الطعام وجد في بطنة ثقلا فشكى ذلك الى جبرئيل فقال يا آدم فتنح فنحاه فاحدث وخرج منه الثقل.

[ 33 ]

(وقال) عليه السلام: اتى هذا البيت الف آتية على قدميه منها سبعمائة حجة وثلثمائة عمرة. (وعنه) عليه السلام لما ان خلق الله آدم اوقفه بين يديه فعطس فالهمه الله ان حمده فقال الله يا آدم حمدتني فوعزتي وجلالي لولا عبدان اريد اخلقهما في آخر الزمان ما خلقتك قال يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم ؟ فقال تعالى يا آدم انظر نحو العرش فإذا بسطرين من نور اول السطر لا اله الا الله محمد نبي الرحمة، علي مفتاح الجنة، والسطر الثاني اني آليت على نفسي ان ارحم من والاهما واعذب من عاداهما. (وفي قصص الانبياء) عن ابي عبدالله عليه السلام قال اجتمع ولد آدم في بيت فتشاجروا فقال بعضهم خير خلق الله ابونا آدم. وقال بعضهم الملائكة المقربون. وقال بعضهم حملة العرش. إذ دخل عليهم هبة الله فحكوا له فرجع الى آدم عليه السلام وقال له يا ابت اني دخلت على اخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله فسألوني فلم يكن عندي ما اخبرهم فقال آدم يا بني اني وقفت بين يدي الله جل جلاله فنظرت الى سطر على وجه العرش مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم محمد وآل محمد خير من برأ الله. (وروى العياشي) عن عمرو بن ابي المقدام عن ابيه قال سالت ابا جعفر عليه السلام من اي شىء خلق الله حوا فقال اي شىء يقولون هذا الخلق ؟ قلت يقولون ان الله خلقها من ضلع من اضلاع آدم فقال كذبوا كأن يعجزه ان يخلقها من غير ضلعه فقلت جعلت فداك يا ابن رسول الله من اي شىء خلقها ؟ فقال اخبرني ابي عن آبائه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله تبارك وتعالى قبض قبضه من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت فضله من الطين فخلق منها حوا. (اقول) هذا الخبر معمول عليه بين اصحابنا رضوان الله عليهم وما ورد من انه خلق من ضلع من اضلاعه وهو الضلع الايسر القصير محمول على التقية أو على التأويل أو بان يراد ان الطينة التي قررها الله سبحانه لذلك الضلع خلق منها

[ 34 ]

حوا لا انها خلقت منه بعد خلقه فانه يلزم كما قال عليه السلام ان يكون آدم ينكح بعضه بعضا فيقوى بذلك مذهب المجوس في نكاح المحرمات. (وعن جميل بن دراج) عن ابي عبد الله عليه السلام قال سألته عن ابليس اكان من الملائكة وهل كان يلي من امر السماء شيئا قال لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي من امر السماء شيئا كان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة تراه انه منها وكان الله يعلم انه ليس منها فلما امر بالسجود كان منه الذي كان. (وقال) عليه السلام لما خلق الله آدم قبل ان ينفخ فيه الروح كان ابليس يمر به فيضربه برجله ويقول ابليس لامر ما خلقت. وقال السيد ابن طاووس في كتاب سعد السعود من صحائف ادريس النبي (ع) خلق الله آدم على صورته التي صورها في اللوح المحفوظ، يقول علي ابن طاوس فاسقط بعض المسلمين بعض هذا الكلام وقال ان الله خلق آدم على صورته فاعتقد الجسم فاحتاج المسلمون الى تأويل الحديث. (وقال) في الصحف ثم جعل طينة آدم جسدا ملقى على طريق الملائكة التي تصعد فيه الى السماء اربعين سنة ثم ذكر تناسل الجن وفسادهم وهرب ابليس منهم الى الله وسأله ان يكون مع الملائكة واجابة سؤاله وما وقع من الجن حتى امر الله ابليس ان ينزل مع الملائكة لطرد الجن فنزل وطردهم من الارض التى افسدوا فيها.. الى آخر كلامه. واعلم انهم ذكروا في اخبار الملائكة عن الفساد وجوها: (منها) انهم قالوا ذلك ظنا لما رأوا من حال الجن الذين كانوا قبل آدم في الارض وهو المروي عن ابن عباس وفي اخبارنا ارشاد إليه. (ومنها) انهم علموا انه مركب من الاركان المتخالفة والاخلاط المتنافية الموجبة للشهوة التى منها الفساد والغضب منه سفك الدماء. (ومنها) انهم قالوا ذلك على اليقين لما يروي ابن مسعود وغيره انه تعالى لما قال للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا ربنا وما يكون الخليفة قال تكون له ذرية يفسدون في الارض ويتحاسدون ويقتل

[ 35 ]

بعضهم بعضا فعند ذلك قالوا: ربنا اتجعل فيها الخ. ومنها انه تعالى كان قد اعلم الملائكة انه إذا كان في الارض خلق عظيم افسدوا فيها وسفكوا الدماء. (ومنها) انه لما كتب القلم في اللوح المحفوظ ما هو كائن الى يوم القيامة فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلك. (ومنها) ان الخليفة إذا كان معناه النائب عن الله في الحكم و القضاء والاحتياج انما يكون عند التنازع واختلال النظام كان الاخبار عن وجود الخليفة اخبارا عن وقوع الفساد والشر بطريق الالتزام. (ومنها) ان الله سبحانه لما خلق النار خافت الملائكة خوفا شديدا فقالوا لمن خلقت هذه النار ؟ قال لمن عصاني من خلقي ولم يكن يومئذ خلق غير الملائكة فلما قال اني جاعل في الارض خليفة عرفوا ان المعصية منهم. وقد جوز الحشوية صدور الذنب من الملائكة وجعلوا اعتراضهم هذا على الله من اعظم الذنوب ونسبة بني آدم الى القتل والفساد من الكبائر لانه غيبة لهم ولانهم مدحوا انفسهم بقولهم ونحن نسبح بحمدك وهو عجب. (وايضا) قولهم لا علم لنا الا ما علمتنا اعتذار والعذر دليل الذنب. (وايضا) قوله ان كنتم صادقين دل على انهم كانوا كاذبين فيما قالوه. (والجواب) عن هذا كله ظاهر وهو ان ليس غرضهم الاعتراض بل السؤال عما خفى عليهم من وجه الحكمة و ليس لمن لم يوجد غيبة. (وفي كتاب قصص الراوندي) عن مقاتل بن سليمان قال سالت ابا عبد الله عليه السلام كم كان طول آدم عليه السلام حين هبط به الى الارض وكم كان طول حوا ؟ قال وجدنا في كتاب علي عليه السلام ان الله عزوجل لما اهبط آدم وزوجته حوا الى الارض كانت رجلاه على ثنية الصفا وراسه دون افق السماء وانه شكى الى الله ما يصيبه من حر الشمس فصير طوله سبعين ذراعا بذراعه وجعل طول حوا خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها. (وفي الكافي) بعد قوله من حر الشمس فأوحى الله الى جبرئيل عليه السلام ان آدم قد شكى ما يصيبه من حر الشمس فاغمزه غمزة وصير طوله سبعين ذراعا بذراعه واغمز حوا فصير طولها خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها.

[ 36 ]

(اقول) هذا الحديث عده المتأخرون من مشكلات الاخبار لوجهين: (الاول) ان طول القامة كيف يصير سببا للتضرر بحر الشمس مع ان حرارة الشمس انما تكون بالانعكاس من الاجرام الارضية وحده اربعة فراسخ فى الهواء. (الثاني) ان كونه (ع) سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء خلقته وانه يتعسر عليه كثير من الاعمال الضرورية. واجيب عن الاول بوجهين: (احدهما) ان يكون للشمس حرارة من غير جهة الانعكاس ايضا وتكون قامته عليه السلام طويلة جدا بحيث تتجاوز الطبقة الزمهريرية ويتاذى من تلك الحرارة ويؤيده حكاية ابن عناق انه كان يشوي السمك بعين الشمس. (الثاني) انه كان لطول قامته لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا شجر ولا جبل فلا يمكنه الاستظلال ولا الجلوس تحت شىء فكان يتاذى من حرارة الشمس لذلك. (واما الجواب) عن الثاني فمن وجوه اكثرها فيه من التكلف ما اوجب الاعراض عن ذكره لبعده عن لفظ الحديث ومعناه. واما الوجوه القريبة فمنها ما ذكره بعض الافاضل من ان استواء الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الان فان الله تعالى قادر على خلق الانسان على هيئات اخر كل منها فيه استواء الخلقة وذراع آدم عليه السلام يمكن ان يكون قصيرا مع طول العضد وجعله ذا مفاصل أو لينا بحيث يحصل الارتفاق به والحركة كيف شاء. ومنها ما روى عن شيخنا بهاء الدين طاب ثراه من ان في الكلام استخداما بان يكون المراد بادم حين ارجاع الضمير إليه آدم ذلك الزمان من اولاده ولا يخفى بعده وعدم جريانه في حوا الا بتكلف. ومنها ما قاله شيخنا المحدث سلمه الله تعالى وهو ان اضافة الذراع اليهما على التوسعة والمجاز بان ذراع صنف آدم إليه وصنف حوا إليها أو يكون الضميران راجعين الى الرجل والمرأة بقرينة المقام. ومنها ان الباء في قوله بذراعه للملابسة اي كما قصر من طوله قصر من ذراعه لتناسب الاعضاء وانما خص الذراع لان جميع الاعضاء داخلة في الطول بخلاف الذراع. والمراد بالذراع في قوله سبعين ذراعا اما ذراع من كان في زمن آدم أو كان فى زمن من صدر عنه الخبر.

[ 37 ]

(والاوجه) عندي هو الوجه الاول وذلك لان استواء الخلقة انما يكون بالنسبة الى اغلب انواع ذلك العصر والشائع فى ذلك العصر روى ان موسى (ع) ارسل النقباء الاثنى عشر ليأتوا له بخبر العمالقة حتى يغزوهم فلما قربوا من بلادهم رآهم رجل من العمالقة فوضع الاثنى عشر رجلا في طرف كمه وحملهم الى سلطانهم وصبهم بين يديه وقال هؤلاء من قوم موسى اتأمرني ان اضع رجلى عليهم اقتلهم ؟ فقال اتركهم يرجعون الى صاحبهم و يخبرونه بما يرون فطلبوا منه زادا للطريق فاعطاهم رمانة على ثور نصفها خال من الحب يضعونه فوق النصف الاخر الذي ياكلون منه. وفي الليل ينامون في النصف الخالى فهو في الليل منام وفي النهار غطاء، وكان قوم موسى بالنسبه إليهم غير مستوي الخلقة وكذا العكس على ان الاخبار الواردة بصفات حور العين وولدان الجنة واكثر ما ورد فيها لو وجد في الدنيا لكان بعيدا عن استواء الخلقة. الفصل الثاني (في سجود الملائكة وله معان وانها اي جنة كانت ؟ ومعنى تعليمه الاسماء) قال الله تعالى (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين). وقال عز شأنه (ما منعك ان لا تسجد إذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وقال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين). وقال عز جلاله (رب فانظرني الى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم). وقوله (فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه). (في مجمع البيان) روى عن ابن عباس ان الملائكة كانت تقاتل الجن فسبى ابليس

[ 38 ]

وكان صغيرا وكان مع الملائكة فتعبد معها بالامر بالسجود لادم فسجدوا وابى فلذلك قال الله تعالى: (الا ابليس كان من الجن). (وروى) عن طاووس ومجاهد ان ابليس كان قبل ان يرتكب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الارض وكان سكان الارض من الملائكة يسمون الجن ولم يكن من الملائكة اشد اجتهادا ولا اكثر علما منه فلما عصى الله لعنه وجعله شيطانا وسماه ابليس وكان من الكافرين فى علم الله. (قال ابن عباس) اول من قاس ابليس فاخطا القياس فمن قاس الدين بشىء من رأيه قرنه الله بابليس. وقوله انظرني الى يوم يبعثون يعني يخرجون من قبورهم للجزاء. اراد الخبيث ان لا يذوق الموت في النفخة الاولى واجيب بالانظار الى يوم الوقت المعلوم وهي النفخة الاولى ليذوق الموت بين النفختين وهو اربعون سنة. (وقوله) فبما اغويتني اي خيبتني من رحمتك وجنتك وامتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده أو حكمت بغوايتي وهذا كله تأويل والظاهر انه كان يعتقد ان الاضلال عن الله تعالى وهو من جملة اعتقاداته الخبيثة. ويعجبني مقالة حكيتها في كتاب زهر الربيع وهي اني تباحثت مع علماء الجمهور فانتهى الحال الى قوله ان الشيطان كان من اهل العلم فما مذهبه فقلت انه كان في الاصول من الاشاعرة وفي الفروع من الحنفية فتعجب من قولي فقال وما الدليل ؟ قلت اما الاول فقوله فبما اغويتني فنسب الاضلال والاغواء الى الله تعالى وهذا هو مذهب الجبرية من الاشاعرة. واما الثاني فعمله بالقياس في قوله انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فعمل بقياس الاولوية زعما منه ان السجود انما يكون للاشرف الافضل وهو بزعمه افضل من آدم لانه مخلوق من النار وهي اشرف من الطين. والحاصل ان مذهب الشيطان افضل من مذهب الحنفية لانه يعمل بقياس الاولوية وابو حنيفة كان يعمل بقياس المساوات الذي هو اضعف القياسات واردؤها وقوله ثم لاتينهم من بين ايديهم.

[ 39 ]

(روى) عن ابي جعفر عليه السلام قال (ثم لاتينهم من بين ايديهم) معناه اهون عليهم امر الاخرة. ومن خلفهم. آمرهم بجمع الاموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم وعن ايمانهم افسد عليهم امر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة وعن شمائلهم بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم. (وفي كتاب الخرائج) في حديث طويل عن ابي محمد العسكري عليه السلام وفيه انه لا احد من محبي علي عليه السلام نظف قلبه من قذر الغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب الا لكان اطهر وافضل من الملائكة. (وفي جواب) مسائل الزنديق عن ابي عبد الله عليه السلام انه سئل ايصلح السجود لغير الله ؟ قال لا قال فكيف امر الله الملائكة بالسجود لادم فقال ان من سجد بامر الله فكان سجوده إذ كان عن امر الله. (وفي) حديث آخر عنه عليه السلام: سجدت الملائكة لآدم ووضعوا جباههم على الارض تكرمة من الله. (وعن) ابي الحسن الثالث عليه السلام ان السجود من الملائكة لادم لم يكن لادم وانما كان لله ومحبة منهم لآدم. (وفي الخرائج) عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام ان يهوديا سال امير المؤمنين (ع) عن معجزة النبي صلى الله عليه وآله في مقابلة معجزات الانبياء فقال هذا آدم اسجد الله له ملائكته فهل فعل بمحمد شيئا مثل هذا ؟ فقال علي عليه السلام لقد كان ذلك ولكن اسجد الله لادم ملائكته لم يكن سجود طاعة انهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل ولكن اعترافا لادم بالفضيلة ورحمة من الله له. ومحمد عليهم السلام اعطى ما هو افضل من هذا ان الله جل وعلا صلى عليه في جبروته والملائكة باجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودى. (اقول) اتفق علماء الاسلام على ان ذلك السجود لادم عليه السلام لم يكن سجود عبادة والا لحصل الشرك لكنهم ذكروا فيه اقوالا: (الاول) ان ذلك السجود كان لله تعالى وآدم عليه السلام كان قبلة وهو

[ 40 ]

قول ابي علي الجبائي وجماعة. (الثاني) ان السجود في اللغة هو الانقياد والخضوع فهذا هو السجود لادم. و يبعده مع انه خلاف التبادر قوله تعالى فقعوا له ساجدين وكذلك الحديث السابق الثالث ان السجود كان تعظيما لادم عليه السلام وتكرمة وهو في الحقيقة عبادة لله تعالى لكونه بامره وهذا هو الاظهر من الاخبار. (وقال علي بن ابراهيم طاب ثراه) ان الاستكبار اول معصية عصى الله بها قال ابليس يا رب اعفني من السجود لادم وانا اعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل فقال الله تعالى لا حاجة لي الى عبادتك انما اريد ان اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد فابى ان يسجد فقال الله تعالى اخرج منها فانك رجيم قال ابليس كيف يا رب و انت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا ولكن سلني من امر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك اعطك فأول ما سأل البقاء الى يوم الدين فقال الله تعالى قد اعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال سلطتك قال اجرني فيهم مجرى الدم في العروق قال قد جريتك قال لا يولد لهم واحد الا ولد لي اثنان واراهم ولا يروني واتصور لهم فى كل صورة شئت فقال قد اعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك و لذريتك صدورهم اوطانا قال رب حسبي قال ابليس عند ذلك فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ثم لاتينهم من بين ايديهم. الاية. (قال أبو عبد الله) عليه السلام لما اعطى الله تبارك وتعالى ابليس ما اعطاه من القوة قال آدم عليه السلام يا رب سلطت ابليس على ولدي واجريته فيهم مجرى الدم في العروق واعطيته ما اعطيته فما لي و ولدي فقال لك و لولدك السيئة بواحدة و الحسنة بعشرة امثالها قال يا رب زدني. قال التوبة مبسوطة الى ان تبلغ النفس الحلقوم. قال يا رب زدني. قال اغفر و لا ابالي قال حسبي قال جعلت فداك بماذا استوجب ابليس من الله ان اعطاه ما اعطاه فقال بشىء كان منه شكره الله تعالى عليه. قلت وما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في اربعة آلاف سنة.

[ 41 ]

(اقول) وفي نهج البلاغة من قوله عليه السلام انه صلى ركعتين في السماء في ستة آلاف سنة لا يدري امن سني الدنيا ام سني الاخرة وعلى هذا فلو كان من سني الاخرة لبلغ من السنين شيئا كثيرا (واعلم) ان جماعة من الصوفية قد شكروا لابليس اباءه عن السجود لادم قالوا انه اراد اختصاص السجود بالله تعالى فسموه من اجل هذا سيد الموحدين عليه وعليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. (وفي كتاب) فضائل الشيعة: للصدوق طاب ثراه باسناده عن ابي سعيد الخدري قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ اقبل إليه رجل فقال يا رسول الله اخبرني عن قول الله عزوجل لابليس (استكبرت ام كنت من العالين) فمن هم يا رسول الله الذين هم اعلا من الملائكة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله انا وعلي وفاطمة والحسن والحسين كنا في سرادق العرش نسبح وتسبح الملائكة بتسبيحنا قبل ان خلق الله عزوجل آدم بالفي عام فلما خلق الله عزوجل آدم امر الملائكة ان يسجدوا له ولم يامرنا بالسجود فسجدت الملائكة كلهم الا ابليس فقال الله تبارك وتعالى استكبرت ام كنت من العالين من هؤلاء الخمس المكتوبة اسماؤهم في سرادق العرش (وعنه) صلى الله عليه وآله قال انما كان لبث آدم وحوا في الجنة حتى اخرجا منها سبع ساعات من ايام الدنيا حتى اهبطهما الله من يومهما ذلك. وفي كتاب علل الشرايع: عن وهب قال لما اسجد الله الملائكة لادم عليه السلام وابى ابليس ان يسجد قال له ربه عزوجل اخرج منها ثم قال عزوجل يا آدم انطلق الى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فسلم عليهم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فلما رجع الى ربه قال له ربه تبارك وتعالى هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم الى يوم القيامة (علل الشرائع) مسندا الى الصادق عليه السلام قال سألته عن جنة آدم فقال جنة من جنان الدنيا تطلع منها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها ابدا. وروى علي بن ابراهيم مثله ايضا. وقد وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في ان جنة آدم عليه السلام هل كانت في الارض ام في السماء وعلى القول الثاني هل هي

[ 42 ]

جنة الخلد والجزاء ام غيرها، ذهب اكثر المفسرين وجمهور المعتزلة الى انها جنة الخلد وهو ظاهر اكثر علمائنا رضوان الله عليهم. (وقال) أبو هاشم جنة من جنان الدنيا غير جنة الخلد. وذهب طائفة من علماء المسلمين الى انها بستان من بساتين الدنيا في الارض كما دل عليه الخبر. احتج الاولون بالتبادر وعهدية الالف واللام ولا يخفى ما فيه. واحتجت الفرقة الثانية بان الهبوط يدل على الاهباط من السماء الى الارض وليست بجنة الخلد لان من دخلها خلد فيها فلزم المطلوب. (والجواب) ان الانتقال من ارض الى ارض اخرى يسمى هبوطا كقوله تعالى (اهبطوا مصر). واحتج القائلون بانها من بساتين الدنيا بان جنة الخلد لا يخرج داخلها ولا يفنى نعيمها. (واجيب) عنه بانه انما يمكن بعد الدخول و الاستقرار وذكروا في الكتب الكلامية دلائل متكثره على ما صاروا إليه وهذان الخبران يعارضهما ظواهر الآيات والاخبار مع امكان حملهما على التقية. (وعن جميل) بن دراج قال سالت ابا عبد الله عليه السلام اكان ابليس من الملائكة ام من الجن ؟ قال كانت الملائكة ترى انه منها وكان الله يعلم انه ليس منها فلما امر بالسجود كان منه الذى كان. (اقول) اختلف علماء الاسلام في ان ابليس هل كان من الملائكة ام لا ؟ فاكثر المتكلمين وكثير من علمائنا كالشيخ المفيد طاب ثراه على انه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن قال وقد جاءت الاخبار متواترة عن ائمة الهدى سلام الله عليهم وهو مذهب الامامية. وذهبت طائفة الى انه من الملائكة واختاره شيخ الطائفة في التبيان قال وهو المروي عن ابي عبد الله عليه السلام والظاهر في تفاسيرنا. ثم اختلفت الطائفة الاخيرة. فقيل انه كان خازنا للجنان. وقيل كان له سلطان السماء وسلطان الارض. وقيل كان يسوم ما بين السماء والارض. وما صار إليه المفيد طاب ثراه هو مدلول الاحاديث المستفيضة. (العياشي) مسندا الى امير المؤمنين عليه السلام انه قال: اول بقعة عبد الله

[ 43 ]

عليها ظهر الكوفة لما امر الملائكة ان يسجدوا لادم سجدوا على ظهر الكوفة. (وفي تفسير) الامام العسكري عليه السلام قال: ان الله لما امتحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه وحملوا رأسه قال لعساكره انتم في حل من بيعتي فالحقوا بعشائركم وقال لاهل بيته قد جعلتكم في حل من مفارقتي فانكم لا تطيقونهم لتضاعف اعدادهم وما المقصود غيري فدعوني والقوم فان الله يعينني كعادته في اسلافنا فاما عسكره ففارقوه. واما اهله الادنون فابوا وقالوا لا نفارقك فقال لهم فان كنتم قد وطنتم انفسكم على ما وطنت نفسي عليه فاعلموا ان الله انما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره وان الله خصني مع من مضى من اهلي الذين انا آخرهم بقاءا في الدنيا من الكرامات بما يسهل معها احتمال المكروهات وان لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى. واعلموا ان الدنيا حلوها ومرها حلم والانتباه في الاخرة، اولا احدثكم باول امرنا ؟ قالوا بلى يا بن رسول الله قال ان الله تعالى لما خلق آدم علمه اسماء كل شىء وعرضهم على الملائكة جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين اشباحا خمسة في ظهر آدم وكانت انوارهم تضىء في آفاق السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش فأمر الله الملائكة بالسجود لآدم تعظيما له انه قد فضله بانه جعله وعاء لتلك الاشباح التي عم انوارها في الافاق فسجدوا الا ابليس ابى ان يتواضع لانوارنا اهل البيت وقد تواضعت الملائكة. (وفي حديث) علي بن الحسين: ان آدم نظر الى ذروة العرش فراى نور اشباحنا فقال الله يا آدم هذه الاشباح افضل خلائقي وعرفه اسمائهم وقال بهم آخذ وبهم اعطي وبهم اعاقب وبهم اثيب فتوسل بهم يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم الى شفعائك فاني آليت على نفسي لا ارد بهم سائلا فلذلك حين نزلت منه الخطيئة دعا الله عزوجل بهم فتاب عليه (وعن اسحاق) بن جرير قال: أبو عبد الله عليه السلام اي شىء يقول اصحابك في قول ابليس خلقتني من نار وخلقته من طين قلت جعلت فداك

[ 44 ]

قد قال ذلك وذكره الله في كتابه قال كذب يا اسحاق ما خلقه الله الا من طين، ثم قال: قال الله (الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فإذا انتم منه توقدون) خلقه الله من تلك النار من تلك الشجرة والشجرة اصلها من طين. (علي بن ابراهيم) باسناده الى الصادق عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: (الى يوم الوقت المعلوم) يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله على الصخرة التى في بيت المقدس. (اقول) يشير الى ان انظاره الى يوم خروج القائم عليه السلام وهو القيامة الصغرى والاخبار المستفيضة دالة عليه. الفصل الثالث (في ان ذنبه كان ترك الاولى وكيفية قبول توبته والكلمات) (التى تلقاها من ربه وكيفية نزوله من الجنة وحزنه عليها) (في كتاب النبوة) ان الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حوا من آدم، فهمة الرجال الماء والطين وهمة النساء الرجال. وفي العلل والامالي مسندا الى الحسن بن علي (ع) قال جاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه عن مسائل فقالوا اخبرنا عن الله لاي شىء وقت هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت على امتك في ساعات الليل والنهار فأجاب: الى ان قال: واما صلاة العصر فهي الساعة التي اكل فيها آدم من الشجرة فاخرجه الله من الجنة فامر الله ذريته بهذه الصلاة الى يوم القيامة واختارها لامتي فهي من احب الصلوات الى الله عزوجل واوصاني ان احفظها من بين الصلوات واما صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب الله فيها على آدم و كان بين ما اكل من الشجرة وبين ما تاب الله عليه ثلاثمائة سنة من ايام الدنيا، وفي ايام الاخرة يوم كالف سنة، من وقت صلاة العصر

[ 45 ]

الى العشاء فصلى آدم ثلاث ركعات ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حوا وركعة لتوبته فافترض الله عزوجل هذه الثلاث ركعات على امتي ثم قال فاخبرني لاي شىء توضأ هذه الجوارح الاربع وهي انظف المواضع في الجسد. وقال النبي صلى الله عليه وآله لما ان وسوس الشيطان الى آدم ودنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام وهو اول قدم مشت الى الخطيئة ثم تناوله بيده ثم مسها فاكل منها فطار الحلي والحلل عن جسده ثم وضع يده على راسه وبكى فلما تاب الله عليه فرض الله عليه وعلى ذريته الوضوء على هذه الجوارح الاربع وامره ان يغسل الوجه لما نظر الى الشجرة وامره ان يغسل الساعدين الى المرفقين لما تناوله منها وامره ان يمسح القدمين لما مشى الى الخطيئة ثم قال اخبرني لاي شىء فرض الله الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض الله على آدم اكثر من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله لما اكل آدم من الشجرة بقى في بطنه ثلاثين يوما وفرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع و العطش والذي ياكلونه تفضل من الله عزوجل عليهم. وكذلك كان على آدم ففرض الله على امتي ذلك ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وآله: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون اياما معدودات). (تفسير علي بن ابراهيم) عن ابن ابي عمير عن ابن مسكان عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان موسى عليه السلام سأل ربه ان يجمع بينه وبين آدم عليه السلام فجمع فقال له موسى يا ابت ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وامرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته قال يا موسى بكم وجدت (حل على) قبل خلقي في التوراة قال بثلاثين سنة قال فهو نسلك. قال الصادق عليه السلام فحج آدم موسى عليهما السلام. (اقول) وجد ان الخطيئة قبل الخلق اما في عالم الارواح كما قيل بان تكون روح موسى (ع) اطلعت على ذلك في اللوح أو المراد انه وجد في التوراة ان تقدير خطيئة آدم عليه السلام كان قبل خلقه بثلاثين سنه وفي الاخبار دلالة عليه وقوله فحج اي غلبه في الحجة وهذا من فروع مسألة القضاء والقدر وراجع الى

[ 46 ]

العلم القديم وهي المعركة العظمى بين علماء الاسلام وضل به خلق كثير وطوائف لا تحصى فوردوا النار بهاتين المسألتين. (وعنه) عليه السلام: لما خرج آدم من الجنة نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم اليس الله خلقك بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك الملائكة وزوجك حوا امته واسكنك الله الجنة واباحها لك ونهاك مشافهة ان لا تأكل من الشجرة فاكلت منها وعصيت الله فقال آدم عليه السلام ان ابليس حلف لي بالله انه لي ناصح فما ظننت ان احدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا. (معاني الاخبار) وعيون الاخبار: باسناده الى الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام يا بن رسول الله اخبرني عن الشجرة التي اكل منها آدم وحوا ما كانت ؟ فقد اختلف الناس فيها. فمنهم من يروى انها الحنطة ومنهم من يروى انها العنب ومنهم من يروى انها شجرة الحسد. فقال كل ذلك حق قلت فما معنى هذه الوجوه على اختلافها فقال يا ابا الصلت ان شجرة الجنة تحمل انواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا وان آدم عليه السلام لما اكرمه الله تعالى ذكره باسجاد ملائكته وبادخاله الجنة قال في نفسه هل خلق الله بشرا افضل مني فعلم الله عزوجل ما وقع في نفسه فناداه ارفع راسك يا آدم فانظر الى ساق عرشي فرفع آدم راسه فنظر الى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله علي بن ابي طالب امير المؤمنين وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة فقال آدم (ع) يا رب من هؤلاء ؟ فقال عزوجل من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء و الارض فاياك ان تنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط الشيطان عليه حتى اكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حوا لنظرها الى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتى اكلت من الشجرة كما اكل منها فاخرجهما الله عزوجل عن جنته و اهبطهما عن جواره الى الارض. (اقول) اختلفوا في الشجرة التي ورد النهي عنها فقيل كانت السنبلة

[ 47 ]

ورووه عن ابن عباس ويدل عليه بعض الاخبار وقيل هي الكرمة وقيل شجرة الكافور. وقيل التينة وقيل شجرة العلم علم الخير والشر. و قيل هي شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة والكل مروي في الاخبار وهذه الرواية تجمع بين الروايات واكثر الاقوال وسيأتي ما هو اجمع للاقوال والاخبار و المراد بالحسد هنا الغبطة التي تركها هو الاولي. وقوله وتمنى منزلتهم دال عليه وحينئذ فمعنى شجره الحسد الشجرة التي كان سبب الاكل منها الحسد. (علل الشرائع) باسناده الى الباقر (ع) قال لولا ان آدم اذنب ما اذنب مؤمن ابدا ولو لا ان الله عزوجل تاب على آدم ما تاب على مذنب ابدا (وفيه) عن ابي عبد الله (ع) لما اهبط الله آدم من الجنة ظهرت فيه شامة سوداء في وجهه من قرنه الى قدمه فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به فاتاه جبرئيل عليه السلام فقال ما يبكيك يا آدم ؟ قال لهذه الشامة التي ظهرت بي قال قم فصل فهذا وقت الاولى فقام فصلى فانحطت الشامة الى صدره فجاءه في الصلوة الثانية فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة الى سرته فجاءه في الصلاة الثالثة فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الثالثة فقام فصلى فانحطت الشامة الى ركبتيه فجاءه في الصلاة الرابعة فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الرابعة فقام فصلى فانحطت الشامة الى رجليه فجاءه في الصلاة الخامسة فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الخامسة فقام فصلى فخرج منها فحمد الله واثنى عليه فقال جبرئيل (ع) يا آدم مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشامة من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة (وفيه) انه سأل الشامي امير المؤمنين عليه السلام لم صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين ؟ قال من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حوا فاكلت منها حبة واطعمت آدم حبتين فمن اجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الانثيين. (وفيه) عن ابي عبد الله (ع) كيف صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين قال لان الحبات التي اكل منها آدم وحوا في الجنة كانت ثمانية عشر، اكل آدم

[ 48 ]

منها اثنتي عشرة حبة واكلت حوا ستا فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين. اقول: يجمع بين الخبرين بحمل ما تقدم على اول سنبلة اخذاها كذلك حتى صار ثمانية عشر أو المراد انها كانت على شعبة فيها ثلاث حبات وكانت الشعبة ستة. (وعنه) عليه السلام في حديث طويل قال فيه: ان آدم جاء من الهند وكان موضع قدميه حيث يطا عليه العمران وما بين القدم الى القدم صحارى ليس فيها شىء ثم جاء الى البيت فطاف.. الحديث. وفي ذلك الكتاب عن ابن مسعود: وسئل عن ايام البيض ما سببها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ان آدم لما عصى ربه عزوجل ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري فانه لا يجاورني احد عصاني فبكى وبكت الملائكة فبعث الله عزوجل إليه جبرئيل فاهبطه الى الارض مسودا فلما راته الملائكة ضجت وبكت وانتحبت وقالت يا رب خلقا خلقته ونفخت فيه من روحك واسجدت له ملائكتك فبذنب واحد حولت بياضه سوادا فنادى مناد من السماء صم لربك اليوم فصام فوافق يوم الثالث عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ثم نودي يوم الرابع عشر ان صم لربك فصام فذهب ثلثا السواد ثم نودي في اليوم الخامس عشر بالصيام فصام وقد ذهب السواد كله فسميت ايام البيض التي رد الله فيها على آدم بياضه ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة ايام جعلتها لك ولولدك من صامها في كل شهر فانما صام الدهر ثم قال فاصبح آدم وله لحية سوداء كالحمم فصرف يده إليها فقال يا رب ما هذه فقال هذه اللحية زينتك بها انت وذكور ولدك الى يوم القيامة. (معاني الاخبار) باسناده الى المفضل قال: قال أبو عبد الله (ع) ان الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بالفي عام فجعل اعلاها واشرفها ارواح محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والائمة بعدهم صلوات الله عليهم فعرضها على السماوات والارض والجبال فغشيها نورهم فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والارض والجبال فغشيها نورهم فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والارض والجبال هؤلاء حججي على خلقي لهم ولمن تولاهم خلقت جنتي ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري فمن ادعى منزلتهم مني ومحلهم من عظمتي عذبته

[ 49 ]

عذابا لا اعذبه احدا من العالمين ومن اقر بولايتهم ولم يدع منزلتهم منى جعلته معهم في روضات جناتي فولايتهم امانة عند خلقي فايكم يحملها وباثقالها يدعيها لنفسه دون خيرتي فابت السماوات والارض والجبال ان يحملنها واشفقن من ادعاء منزلتها وتمنى محلها من عظمة ربها فلما اسكن الله عزوجل آدم وزوجته الجنة قال لهما كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة يعنى شجرة الحنطة فتكونا من الظالمين فنظرا الى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من بعدهم فوجداها اشرف منازل اهل الجنة فقالا يا ربنا لمن هذه المنزلة ؟ فقال الله جل جلاله ارفعا رؤسكما الى ساق العرش فرفعا رؤسهما فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة بعدهم صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش - من نور الجبار جل جلاله - فقالا يا ربنا ما اكرم هذه المنزلة عليك ؟ فقال لولاهم لما خلقتكما اياكما ان تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنيا منزلتهم عندي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين قالا ربنا ومن الظالمون ؟ قال المدعون لمنزلتهم بغير حق قالا ربنا فارنا منازل ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك فامر الله تبارك وتعالى النار فابرزت جميع ما فيها من الوان العذاب فأوحى الله اليهما يا آدم ويا حوا لا تنظرا الى انوار حججي بعين الحسد فاهبطكما عن جواري فوسوس لهما الشيطان وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين فحملهما على تمنى منزلتهم فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتى اكلا من شجرة الحنطة فعاد مكان ما اكلا شعيرا. فاصل الحنطة كلها مما لم ياكلاه واصل الشعير كله مما عاد مكان ما اكلاه فلما اكلا من الشجرة طار الحلى والحلل عن اجسادهما وبقيا عريانين فناداهما الم انهكما عن تلك الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين فقالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين الى انفسهما في طلب المعاش فلما اراد الله عزوجل ان يتوب عليهما جاءها جبرئيل عليه السلام فقال لهما انكما ظلمتما انفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار

[ 50 ]

الله عزوجل الى ارضه فسالا ربكما بحق الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما فقالا اللهم انا نسالك بحق الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين و الائمة الا تبت علينا و رحمتنا فتاب الله عليهما. فلم تزل انبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الامانة و يخبرون بها اوصياءهم والمخلصين من اممهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها و حملها الانسان الذي قد عرفت فاصل كل ظلم منه الى يوم القيامة. وذلك قول الله عزوجل (انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا). (اقول) لا يتوهم ان آدم (ع) صار يتمنى منزلتهم من الظالمين المدعين لمنزلتهم حتى يستحق بذلك أليم النكال فان في عده من الظالمين هنا نوعا من التجوز لانه تشبه بهم في التمني ومخالفة الامر الندبي لا في ادعاء المنزلة وغصبها والقتل عليها وحمل الامانة غير حفظها كما يدل عليه قوله فلم تزل انبياء الله يحفظون هذه الامانة الى قوله فيأبون حملها فالمراد بحملها ادعاؤها بغير حق وغصبها. وقال الزجاج كل من خان الامانة فقد حملها ومن لم يحمل الامانة فقد اداها فآدم (ع) لم يكن من الحاملين للامانة على ما ذهب إليه بعض المفسرين. وفسروا الانسان بآدم وقوله الذي قد عرفت هو الاول وهذا مشهور لا اصل له لان الثاني كما قال الصادق عليه السلام سيئة من سيئات الاول وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون. (وعن ابن عباس) قال: لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس فالهمه الله الحمد لله رب العالمين فقال له ربه يرحمك ربك فلما اسجد له ملائكته تداخله العجب فقال يا رب خلقت خلقا احب اليك مني فلم يجب ثم قال الثالثة فلم يجب ثم قال الله عزوجل له نعم لولاهم ما خلقتك فقال يا رب فارينهم فأوحى الله عزوجل الى ملائكة الحجب ان ارفعوا الحجب فلما رفعت إذا آدم بخمسة اشباح قدام العرش فقال يا رب من هؤلاء ؟ قال يا آدم هذا محمد نبي وهذا علي امير المؤمنين ابن عم نبي ووصيه وهذه فاطمة ابنة نبى وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولد ابنة نبى، ثم قال يا آدم هم ولدك ففرح بذلك فلما اقترف الخطيئة قال يا رب اسالك

[ 51 ]

بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي فغفر الله له بهذا فهذا الذي قال الله عز وجل (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) فلما هبط الى الارض صاغ خاتما فنقش عليه محمد رسول الله وعلى امير المؤمنين، ويكنى آدم بابي محمد عليه السلام. (معاني الاخبار) باسناده الى الصادق عليه السلام قال لقد طاف آدم عليه السلام بالبيت مائة عام ما ينظر الى وجه حوا ولقد بكى على الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين العظيمين من الدموع ولقد قام على باب الكعبة، ثيابه جلود الابل و البقر فقال اللهم اقلني عثرتي واغفر لي ذنبي واعدني الى الدار التي اخرجتني منها فقال الله عزوجل قد اقلتك عثرتك وغفرت لك ذنبك وساعيدك الى الدار التي اخرجتك منها. (اقول) فيه دلالة على ان الجنة التى اخرج منها هي جنة الخلد لانها التي سيعود إليها وكذلك الاخبار السابقة وما بمعناها الدالة على انه نظر الى منزلة محمد وعلي والى انه رآهم مكتوبين على اركان العرش فان العرش سقف جنة الخلد كما جاء في الحديث ان الجنة فوق السماء وسقفها العرش والتاويل بالجمل على انها جنة البرزخ التى تأوي ارواح المؤمنين بعيد لما عرفت وحينئذ فطريق الجمع ما مر من حمل الاخبار الدالة على انها من بساتين الدنيا على التقية. وفي ذلك الكتاب الحديث عن الصادق عليه السلام. وفيه ان الكلمات التي تلقاها آدم (ع) فتاب عليه هي النبي واهل بيته عليهم السلام ثم قال المفضل فما يعني عزوجل بقوله اتمهن قال يعني اتمهن الى القائم عليه السلام اثنى عشر اماما تسعة من ولد الحسين عليه السلام. (اقول) ورد ان الكلمات هي قوله تعالى (ربنا ظلمنا انفسنا..) الاية. وورد ايضا انها قوله سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك الدعاء. وورد غيره ايضا. والجمع بين الروايات الجمع بينها الا ان الاصل هو ما روي عن السادة الاطهار صلوات الله عليهم من انها اسماؤهم. وفي الحديث: ان آدم عليه السلام لما كثر ولده وولد ولده كانوا يتحدثون عنده و هو ساكت فقالوا يا ابة ما لك لا تتكلم ؟ فقال يا بني ان الله جل جلاله

[ 52 ]

لما اخرجني من جواره عهد الى وقال: اقلل كلامك ترجع الى جواري. (قصص الراوندي) باسناده الى ابي جعفر عليه السلام قال ان آدم عليه السلام نزل بالهند فبنى الله تعالى له البيت فلما خطا من الهند فكان موضع قدميه حيث خطا عمران وما بين القدم والقدم صحارى. (اقول) المشهور في الاخبار عن السادة الاطهار صلوات الله عليهم ان نزول آدم (ع) كان على الصفا ونزول حوا على المروة وهذا الخبر وما روى بمعناه يدل على ان نزولهما كان بالهند، وحمله بعض اهل الحديث على التقية لانه المشهور بين العامة ان آدم عليه السلام هبط على جبل في سرنديب يقال له (نور) وحوا هبطت في جدة مع انه يمكن ان يقال ان هبوطهما على الصفا والمروة بعد دخولهما مكة من باب اهبطوا مصرا. (العياشي) عن مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله عليه السلام رفعه الى النبي صلى الله عليه وآله ان موسى (ع) سال ربه ان يجمع بينه وبين آدم (ع) حيث عرج الى السماء في امر الصلاة ففعل فقال له موسى (ع) يا ابت انت الذي خلفك الله بيده واباح لك جنته ثم نهاك عن شجرة واحدة فلم تصبر عنها حتى اهبطت الى الارض بسببها فلم تستطع ان تضبط نفسك عنها حتى اغراك ابليس فاطعته فانت الذي اخرجتنا من الجنة بمعصيتك فقال آدم عليه السلام ارفق بابيك يا بني فيما لقى من امر هذه الشجرة يا بني ان عدوي اتاني من وجه المكر والخديعة فحلف لي بالله انه في مشورته علي لمن الناصحين وذلك انه قال لي منتصحا اني لشانك يا آدم لمغموم قلت وكيف ؟ قال قد كنت آنست بك وبقربك مني وانت تخرج مما انت فيه الى ما استكرهه فقلت له وما الحيلة ؟ فقال ان الحيلة هو ذا معك افلا ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فكلا منها انت وزوجك فتصيرا معي في الجنة ابدا من الخالدين وحلف لي بالله كاذبا انه لمن الناصحين ولم اظن يا موسى ان احدا يحلف بالله كاذبا فوثقت بيمينه فهذا عذري فاخبرني يا بني هل تجد فيما انزل الله ان خطئتي كائنة من قبل ان اخلق، قال له موسى: بدهر طويل

[ 53 ]

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فحج آدم موسى، قال ذلك ثلاثا. (اقول) اما ان تلك الشجرة شجرة الخلد فهو غير كاذب فيما قاله الا ان من اكلها افادته الخلد في الجنة إذا كان الاكل مباحا منها يكون مامورا به وإذا كان الاكل منهيا عنه يكون اثره المترتب عليه ما وقع على آدم من اخراجه من الجنة في ذلك اليوم وقوله بدهر طويل يرجع حاصله الى ان الله سبحانه علم بذنب آدم وقدره موافقا للعلم القديم كما هو حال جميع مقدرات الله سبحانه ومقدراته. (العياشي) عن عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله عليه السلام وانا حاضر كم لبث آدم (ع) وزوجته في الجنة حتى اخرجهما منها فقال ان الله تبارك وتعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة ثم برأ زوجته من اسفل اضلاعه ثم اسجد له ملائكته واسكنه جنته من يوم ذلك فوالله ما استقر فيها الا ست ساعات في يومه ذلك حتى عصى الله فاخرجهما الله منها بعد غروب الشمس وما باتا فيها وصيرا بفناء الجنة حتى اصبحا فبدت لهما سوآتهما و ناداهما ربهما ألم انهكما عن تلكما الشجرة فاستحيى آدم من ربه وخضع وقال ربنا ظلمنا انفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا قال الله لهما اهبطا من سماواتي الى الارض فانه لا يجاورني في جنتي عاص ولا في سماواتي. (وقال أبو عبدالله) عليه السلام: ان آدم لما اكل من الشجرة ذكر ما نهاه الله عنها فندم فذهب ليتنحى من الشجرة فاخذت الشجرة برأسه فجرته إليها وقالت له افلا كان فرارك قبل ان تأكل مني. وفي هذا الحديث دلالة على ان تلك الجنة كانت في السماء والظاهر انها شجرة الخلد. (وفي تفسير) الامام العسكري (ع) ولا تقربا هذه الشجرة شجرة العلم شجرة علم محمد وآل محمد آثرهم الله تعالى به على سائر خلقه فقال الله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة شجرة العلم فانها لمحمد وآله خاصة دون غيرهم لا يتناول منها بامر الله الا وهم منها ما كان يتناوله النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم اجمعين بعد اطعامهم المسكين واليتيم والاسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب وهي شجرة تميزت من بين اشجار الجنة ان سائر

[ 54 ]

اشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار المأكول وكانت هذه الشجرة و جنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر انواع الثمار والفواكه والاطعمة فلذلك اختلف الحاكمون بذكر الشجرة. فقال بعضهم هي برة وقال آخرون هي عنبة وقال آخرون هي عنابة. وقال الله و لا تقربا هذه الشجرة تلتمسان بذلك درجة محمد وآل محمد في فضلهم فان الله عزوجل خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم وهي الشجرة التي من تناول منها باذن الله الهم على الاولين والاخرين من غير تعلم ومن تناول بغير اذن الله خاب من مراده وعصى ربه فتكونا من الظالمين بمعصيتكما والتماسكما درجة قد اؤثر بها غيركما إذا رمتما بغير حكم الله قال الله تعالى فازلهما الشيطان عنها عن الجنة بوسوسته وغروره بان بدأ بآدم فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين ان تناولتما منها تعلمان الغيب وتقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى بالقدرة أو تكونا من الخالدين لا تموتان ابدا وكان ابليس بين لحيي الحية ادخلته الحية وكان آدم يظن ان الحية هي التي تخاطبه ولم يعلم ان ابليس قد اختبي بين لحييها فرد آدم على الحية ايتها الحية هذا من غرور ابليس كيف اروم التوصل الى ما منعني ربي واتعاطاه بغير حكمه فلما ايس ابليس من قبول آدم عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حوا من حيث يوهمها ان الحية هي التي تخاطبها وقال يا حوا ارايت هذه الشجرة التي كان الله حرمها عليكما قد احلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له وذلك ان الملائكة الموكلين بالشجرة التي معها الخراب يدفعون عنها سائر حيوانات الجنة لا يدفعونكما عنها ان رمتما فاعلما بذلك انه قد احل لكما وابشري بانك ان تناولتها قبل آدم كنت انت المسلطة عليه الآمرة الناهية فوقه فقالت حوا سوف اجرب هذا فرامت الشجرة فارادت الملائكة ان يدفعوها عنها بحرابها فأوحى الله إليها انما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره واما من جعلته متمكنا مميزا مختارا فكلوه الى عقله الذى جعلته حجة عليه فان اطاع استحق ثوابي وان عصى وخالف امري استحق عقابي فتركوها ولم يتعرضوا لها بعد ما هموا بمنعها بحرابهم فظنت ان الله نهاهم عن منعها

[ 55 ]

لانه قد احلها بعدما حرمها فقالت صدقت الحية وظنت ان المخاطب بها هي الحية فتناولت منها ولم تنكر من نفسها شيئا فقالت لادم عليه السلام ألم تعلم ان الشجرة المحرمة علينا قد ابيحت لنا وتناولت منها ولم تمنعني ملائكتها ولم انكر شيئا من حالي فلذلك اغتر آدم (ع) وغلط فتناول فأصابها ما قال الله تعالى في كتابه فأزلهما الشيطان عنها بغرور فاخرجهما مما كانا فيه من النعيم وقلنا يا آدم ويا حوا ويا ايتها الحية ويا ابليس اهبطوا بعضكم لبعض عدو وآدم وحوا واولادهما (اعداء) للحية وابليس واولاده اعداؤكم ولكم في الارض مستقر للمعاش ومتاع الى حين الموت وكانت الحية من احسن دواب الجنة وهبوطها كان من الجنة وهبوط ابليس من حواليها فانه كان محرما عليه دخول الجنة.. الحديث. (اقول) اختلف في كيفية وصول ابليس الى آدم وحوا حتى وسوس اليهما وابليس كان قد اخرج من الجنة حين ابى السجود وهما في الجنة. فقيل: ان آدم كان يخرج الى باب الجنة وابليس لم يكن ممنوعا من الدنو منه فكان يكلمه وكان هذا قبل ان يهبط الى الارض وبعد ان اخرج من الجنة. (وقيل) انه كلمهما في الارض بكلام عرفاه و فهماه منه. (وقيل) انه دخل في شدق الحية وخاطبهما من شدقها، قال صاحب الكامل: ان ابليس اراد دخول الجنة فمنعته الخزنة فاتى كل دابة من دواب الارض وعرض نفسه عليها ان تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم وزوجته، فكل الدواب ابت عليه ذلك حتى اتى الحية وقال لما امنعك من ابن آدم فانت في ذمتي ان ادخلتني فجعلته ما بين نابين من انيابها ثم دخلت به وكانت راسية على اربع قوائم من احسن دابة خلقها الله كأنها بختية فاعراها الله تعالى وجعلها تمشي على بطنها انتهى. (وقيل) راسلهما بالخطاب وظاهر الايات تدل على المشافهة وورد ان السم الذي في انياب الحية من مقعد الشيطان فيه إما لانه اثر فيه السم أو لان السم خلق هناك بسببه. اقول: اعظم شبهة المخطئة للانبياء عليه السلام قصة آدم عليه السلام حيث سماه عاص بقوله (وعصى آدم ربه فغوى).

[ 56 ]

واجاب عنه علم الهدى طاب ثراه بان العصيان مخالفة الامر اعم من كونه واجبا أو ندبا واطال في تحقيق المقام وكل هذا يرجع الى قوله عليه السلام حسنات الابرار سيئات المقربين وقد حققنا جملة القول في هذه المقالة الواردة فى الانبياء و الائمة (ع) فى شرحنا على الصحيفة السجادية عند شرح دعاء الامام على بن الحسين عليهما السلام إذا استقال من ذنوبه (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال رن ابليس اربع رنات اولهن يوم لعن، وحين اهبط الى الارض، وحين بعث محمد صلى الله عليه وآله على حين فترة من الرسل، وحين انزلت ام الكتاب، ونخر نخرتين حين اكل - يعنى آدم - من الشجرة وحين اهبط من الجنة. (اقول) الرنة الصوت و الصياح. والنخير الصوت من الانف. والاول للحزن والثانى للفرح. (وعنه) عليه السلام: البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وعلى بن الحسين عليهما السلام فاما آدم فبكى للجنة حتى صار فى خديه مثل الاودية. (وفى حديث آخر) انه بكى حتى خرج من احدى عينيه من الدموع مثل ماء دجلة ومن الاخرى مثل ماء الفرات (وعنه) عليه السلام لما اهبط الله عزوجل آدم عليه السلام من الجنة اهبط معه مائة وعشرين قضيبا منها اربعون ما يؤكل منها داخلها وخارجها. واربعون منها ما يؤكل داخلها ويرمى خارجها. واربعون منها ما يؤكل خارجها ويرمى بداخلها وغرارة فيها بذر كل شىء، والغرارة الجوالق معرب جوال. (علل الشرائع): عن بكير بن اعين: قال قال لى أبو عبدالله عليه السلام هل تدرى ما كان الحجر ؟ قال: قلت لا قال كان ملكا عظيما من عظماء الملائكة عند الله عزوجل فلما اخذ الله من الملائكة الميثاق كان اول من آمن به و اقر ذلك الملك فاتخذه الله امينا على جميع خلقه فألقمه الميثاق واودعه عنده واستعبد الخلق ان يجددوا عنده فى كل سنة الاقرار بالعهد والميثاق الذى اخذه الله عليهم ثم جعله الله مع آدم فى الجنة يذكر الميثاق ويجدد عنده الاقرار كل سنة فلما عصى آدم عليه السلام

[ 57 ]

واخرج من الجنة انساه الله العهد والميثاق الذى اخذ الله عليه وعلى ولده لمحمد ووصيه وجعله باهتا حيرانا فلما تاب على آدم حول ذلك الملك فى صورة درة بيضاء فرماه من الجنة الى آدم وهو بارض الهند فلما رآه انس إليه وهو لا يعرفه باكثر من انه جوهرة فانطقه الله عزوجل فقال يا آدم اتعرفنى ؟ قال لا قال اجل استحوذ عليك الشيطان فانساك ذكر ربك و تحول الى الصورة التى كان بها فى الجنة مع آدم عليه السلام فقال لادم اين العهد والميثاق فوثب إليه آدم وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبله وجدد الاقرار بالعهد والميثاق ثم حول الله عزوجل جوهر الحجر درة بيضاء صافية تضىء فحمله آدم على عاتقه اجلالا له وتعظيما فكان إذا اعيى عليه حمله عنه جبرئيل (ع) حتى وافى به مكة فما زال انس به بمكة ويجدد الاقرار له كل يوم وليلة ثم ان الله عزوجل لما اهبط جبرائيل (ع) الى ارضه وبنى الكعبة هبطا الى ذلك المكان بين الركن و الباب وفى ذلك الموضع تراءيا لآدم حين اخذ الميثاق وفى ذلك الموضع القم الملك الميثاق فلتلك العلة وضع فى ذلك الركن ونحى آدم من مكان البيت الى الصفا وحوا الى المروة وجعل الحجر فى الركن فكبر الله وهلله ومجده فلذلك جرت السنة بالتكبير فى استقبال الركن الذى فيه الحجر من الصفا. (وفيه) عنه عليه السلام: قال اهبط آدم عليه السلام من الجنة الى الصفا وحوا الى المروة وقد كانت امتشطت فى الجنة فلما صارت فى الارض قالت ما ارجو من المشط وانا مسخوط علي فحلت مشطها فانتشر من مشطها العطر الذى كان امتشطت به فى الجنة فطارت به الريح فالقت اثره فى الهند فلذلك صار العطر بالهند. وفى حديث آخر: انها حلت عقيصتها فارسل الله عزوجل على ما كان فيها من ذلك الطيب ريحا فهبت به فى المشرق والمغرب. وفيه عن امير المؤمنين عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله سئل مما خلق الله عزوجل الكلب ؟ قال خلقه من بزاق ابليس قال وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال لما اهبط الله عزوجل آدم وحوا الى الارض اهبطهما كالفرخين المرتعشين فغدا ابليس الملعون الى السباع وكانوا قبل آدم فى الارض فقال لهم ان طيرين قد وقعا

[ 58 ]

من السماء لم ير الراؤن اعظم منهما تعالوا فكلوهما فتعاوت السباع معه وجعل ابليس يحثهم ويصيح بهم ويعدهم بقرب المسافة فوقع من فيه من عجلة كلامه بزاق فخلق الله عزوجل من ذلك البزاق كلبين احدهما ذكر والاخر انثى فقاما حول آدم وحوا الكلبة بجدة والكلب بالهند فلم يتركوا السباع ان يقربوهم ومن ذلك اليوم صار الكلب عدو السبع والسبع عدو الكلب. (وفيه) عن ابى جعفر عن آبائه عليهم السلام قال ان الله عزوجل اوحى الى جبرئيل (ع) انى قد رحمت آدم و حوا فاهبط عليهما بخيمة من خيم الجنة فاضرب الخيمة مكان البيت وقواعدها التى رفعها الملائكة قبل آدم فهبط بالخيمة على مقدار اركان البيت فنصبها وانزل آدم من الصفا وحوا من المروة وجمع بينهما فى الخيمة وكان عمود الخيمة قضيبا من ياقوت احمر فأضاء نوره جبال مكة فامتد ضوء العمود وهو موضع الحرم اليوم فجعله الله حرما لحرمة الخيمة والعمود لانهما من الجنة و مدت اطناب الخيمة حولها فمنتهى اوتادها ما حول المسجد الحرام واوحى الله عز وجل الى جبرئيل ان اهبط الى الخيمة بسبعين الف ملك يحرسونها من مردة الشياطين ويؤنسون آدم ويطوفون حول الخيمة فكانوا يطوفون حولها ويحرسونها ثم ان الله تبارك وتعالى اوحى الى جبرئيل عليه السلام بعد ذلك ان اهبط الى آدم وحوا فنحهما عن موضع القواعد وارفع قواعد بيتى لملائكتي وخلقي من ولد آدم فهبط عليهما واخرجهما من الخيمة ونحاهما عن البيت ونحى الخيمة عن موضع البيت وقال يا آدم ان السبعين الف ملك الذين انزلهم الله الى الارض سألوا الله عزوجل ان يبنى لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون فى السماء حول البيت المعمور فأوحى الله تبارك وتعالى الى ان انحيك وارفع الخيمة فرفع قواعد البيت بحجر من الصفا و حجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السلام وهو ظهر الكعبة فأوحى الله عزوجل الى جبرئيل عليه السلام ان ابنه واتمه فاقتلع جبرئيل عليه السلام الاحجار الاربعة من مواضعها بجناحه فوضعها حيث امره الله تعالى فى اركان البيت على قواعده ونصب اعلامها.

[ 59 ]

ثم اوحى الى جبرئيل ان ابنه واتمه من حجارة ابي قبيس واجعل له بابين بابا شرقا وبابا غربا فأتمه جبرئيل (ع) فلما فرغ طافت الملائكة حوله فلما نظر آدم وحوا الى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا سبعة اشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان. (وفيه) عن ابى عبدالله عليه السلام: قال ان آدم عليه السلام لما اهبط من الجنة اشتهى من ثمارها فانزل الله تبارك وتعالى عليه قضيبين من عنب فغرسهما فلما اورقا واثمرا وبلغا جاء ابليس فحاط عليهما حائطا فقال آدم ما لك يا ملعون فقال ابليس انهما لى فقال كذبت فرضيا بينهما بروح القدس فلما انتهيا إليه قص عليه آدم عليه السلام قصته فاخذ روح القدس شيئا من نار فرمى بها عليهما فالتهبت فى اغصانها حتى ظن آدم انه لم يبق منهما شىء الا احترق وظن ابليس مثل ذلك، قال فدخلت النار حيث دخلت و قد ذهب منهما ثلثاهما وبقى الثلث فقال الروح اما ما ذهب منهما فحظ ابليس وما بقى فلك يا آدم. (العياشي) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: ما بكى احد بكاء ثلاثة آدم ويوسف وداود، فقلت ما بلغ بكاؤهم فقال اما آدم عليه السلام فبكى حين اخرج من الجنة وكان راسه فى باب من ابواب السماء فبكى حتى تاذى به اهل السماء فشكوا ذلك الى الله فحط من قامته، فاما داود فانه بكى حتى هاج العشب من دموعه وكان ليزفر الزفره فيحرق ما ينبت من دموعه. وأما يوسف فانه كان يبكى على ابيه يعقوب وهو فى السجن فتاذى اهل السجن فصالحهم على ان يبكى يوما ويسكت يوما. (علل الشرايع) وعيون الاخبار: عن صفوان بن يحيى قال سئل أبو الحسن عليه السلام عن الحرم واعلامه فقال ان آدم (ع) لما اهبط من الجنة هبط على ابى قبيس والناس يقولون بالهند فشكى الى ربه عزوجل الوحشة وانه لا يسمع ما كان يسمع فى الجنة فاهبط الله عزوجل عليه ياقوتة حمراء فوضعت فى موضع البيت فكان يطوف بها آدم عليه السلام وكان يبلغ ضوئها الاعلام فعلمت الاعلام على ضوئها

[ 60 ]

فجعله الله عزوجل حرما. (اقول) فيه دلالة على ما قدمنا سابقا من الاخبار الواردة بنزوله عليه السلام بالهند محمول على التقية. واما الجمع بين هذين الخبرين من نزول الياقوتة وما تقدم من نزول الخيمة فقد ورد فى بعض الروايات ان تلك الخيمة كانت ياقوتة. وقيل: فى وجه الجمع بنزولهما متعاقبين أو متقاربين. (الكافي) باسناده الى ابى عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى لما اهبط آدم طفق يخصف عليه من ورق الجنة وطار عنه لباسه الذى كان عليه من حلل الجنة فالتقط ورقة فستر بها عورته فلما هبط عبقت أي لصقت رائحة تلك الورقة بالهند بالنبت فصار فى الارض من سبب تلك الورقة التى عبقت بها رائحة الجنة فمن هناك الطيب بالهند لان الورقة هبت عليها ريح الجنوب فادت رائحتها الى المغرب لانها احتملت رائحة الورقة فى الجو فلما ركدت الريح بالهند عبق باشجارهم ونبتهم فكان اول بهيمة ارتعت من تلك الورقة ظبي المسك فمن هناك صار المسك فى صرة الظبى لانه جرى رائحة النبت فى جسده وفى دمه حتى اجتمعت فى سرة الظبى. وفيه عنه عليه السلام: قال ان الله تبارك وتعالى لما اهبط آدم عليه السلام امره بالحرث والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنة فاعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان وغرسها لتكون لعقبه وذريته فاكل هو من ثمارها فقال ابليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذى لم اكن اعرفه فى الارض وقد كنت بها قبلك إئذن لى آكل منها شيئا فابى ان يطعمه فجاء الى حوا فقال لحوا انه قد اجهدني الجوع والعطش فقالت له حوا ان آدم عهد ان لا اطعمك من هذا الغرس لانه من الجنة ولا ينبغى لك ان تأكل منه فقال لها فاعصري فى كفى منه شيئا فابت عليه فقال ذريني امصه ولا آكله فاخذت عنقودا من العنب فاعطته فمصه ولم ياكل منه شيئا لما كانت حوا قد اكدت عليه فلما ذهب بعضه جذبته حوا من فيه فأوحى الله عزوجل الى آدم عليه السلام ان العنب قد مصه عدوي وعدوك ابليس وقد حرمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس ابليس فحرمت الخمر لان عدو الله ابليس مكر بحوا حتى مص من العنبة ولو اكلها لحرمت الكرمة من اولها الى آخرها

[ 61 ]

وجميع ثمارها وما يخرج منها ثم انه قال لحوا عليه السلام فلو امصصتينى من هذا التمر كما امصصتينى من العنب فاعطته ثمرة فمصها و كانت العنبة والتمر اشد رائحة واذكى من المسك الاذفر واحلى من العسل فلما مصها عدو الله ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما ثم ان ابليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم فبال فى اصل الكرمة والنخلة فجرى الماء فى عروقهما ببول عدو الله فمن ثم يختمر التمر والعنب أي يتغير ريحهما ويصير منتنا فحرم الله عزوجل على ذرية آدم كل مسكر لان الماء جرى ببول عدو الله فى النخل والعنب وصار كل مختمر خمرا لان الماء اختمر فى النخلة والكرمة من رائحة بول عدو الله ابليس لعنه الله. وعنه عليه السلام قال: العجوة ام التمر وهى التى انزلها الله تعالى لآدم من الجنة. وعن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: كانت نخلة مريم عليها السلام العجوة نزلت فى كانون ونزل مع آدم عليه السلام العتيق والعجوة ومنها تفرق انواع النخيل. الفصل الرابع فى تزويج آدم وحوا وكيفية ابتداء النسل وقصة (قابيل وهابيل وبقية احوال آدم عليه السلام) (علل الشرايع) باسناده الى زرارة قال سئل أبو عبدالله عليه السلام ان عندنا اناسا يقولون ان الله تبارك وتعالى اوحى الى آدم عليه السلام ان يزوج بناته من بنيه وان هذا الخلق كله اصله من الاخوة والاخوات قال أبو عبد الله عليه السلام سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يقول من يقول هذا ان الله عزوجل جعل صفوة خلقه وابو انبيائه من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال والله لقد نبأت ان بعض البهائم تنكرت له اخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها وعلم انها اخته اخرج عزموله فى ذكره ثم قبض عليه باسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا

[ 62 ]

قال زرارة ثم سئل (ع) عن خلق حوا. وقيل اناس عندنا يقولون ان الله عز وجل خلق حوا من ضلع آدم الايسر الاقصى قال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا من يقول هذا ان الله تعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه وجعل المتكلم من اهل التشنيع سبيلا الى الكلام يقول ان آدم ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم ثم قال ان الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين امر الملائكة فسجدوا له والقى عليه النوم ثم ابتدع له خلقا ثم جعلها فى موضع النقرة الذى بين وركيه وذلك لكى تكون المرأة تبعا للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فنوديت ان تنحى عنه فلما نظر إليها نظر الى خلق حسن يشبه صورته غير انها انثى فكلمها فكلمته بلغته فقال لها من انت ؟ قالت خلق خلقني الله كما ترى فقال آدم يا رب من هذا الخلق الحسن الذى قد آنسنى قربه والنظر إليه فقال الله هذه أمتي حوا افتحب ان تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك قال نعم يا رب ولك بذلك الشكر والحمد ما بقيت فقال الله فاخطبها إلي فانها أمتي وقد تصلح ايضا للشهوة والقى الله عليه الشهوة وقد علم قبل ذلك المعرفة فقال يا رب فانى اخطبها اليك فبما رضاك لذلك ؟ قال رضائي ان تعلمها معالم دينى فقال لك ذلك علي يا رب ان شئت ذلك قال عزوجل قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها اليك فقال اقبلي فقالت بل انت فاقبل الي فامر الله عزوجل آدم ان يقوم إليها فقام ولولا ذلك لكان النساء هن يذهبن الى الرجال حتى يخطبن على انفسهن فهذه قصة حوا صلوات الله عليها. (اقول) المشهور بين العامة ان حوا خلقت من ضلع آدم الايسر. وفى بعض الاخبار ما يدل عليه وهذا الحديث وما بمعناه ينفي ذلك القول، و حينئذ لذلك الاخبار اما محمولة على التقية أو على انها خلقت من فضلة الطينة كما قاله الصدوق. (قال الرازي) فى تفسير قوله تعالى (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) المراد من هذا الزوج هو حوا. وفى كون حوا مخلوقة من آدم قولان (الاول) وهو الذى عليه الاكثر انه لما خلق الله آدم القى عليه النور ثم خلق حوا من ضلع من اضلاعه اليسرى فلما استيقظ رآها ومال إليها لانها مخلوقة من جزء من

[ 63 ]

اجزائه واحتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وآله ان المرأة خلقت من ضلع فان ذهبت تقيمها كسرتها وان تركتها وفيها عوج استمتعت بها. (القول الثاني) وهو اختيار ابي مسلم الاصفهانى فى ان المراد من قوله (وخلق منها زوجها) أي من جنسها وهو كقوله تعالى: (والله خلق لكم من انفسكم ازواجا) وكقوله: (إذ بعث فيهم رسولا منهم). قال القاضى: والقول الاول اقوى لكى يصح قوله خلقكم من نفس واحدة، إذ لو كانت حوا مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة ويمكن ان يجاب عنه بان كلمة من لابتداء الغاية فلما كان ابتداء التخليق والايجاد وقع بآدم عليه السلام صح ان يقال خلقكم من نفس واحدة، وايضا فلما ثبت انه تعالى قادر على خلق آدم من التراب كان قادرا على خلق حوا من التراب فإذا كان الامر كذلك فاى فائدة فى خلقها من ضلع من اضلاع آدم عليه السلام انتهى (وقال) بعض اهل الحديث: يمكن ان يقال ان المراد بالخلق من نفس واحدة الخلق من اب واحد كما يقال بنو تميم نشأوا من تميم ولا تنافيه شركة الام على انه يجوز ان يكون من قوله منها للتعليل أي لأجلها. (وفيه ايضا) عن زرارة عن ابى عبدالله عليه السلام فى حديث طويل ذكر فيه ما يقوله العامة من تزويج الاخوة بالاخوات الى ان قال: ويح هؤلاء اين هم عما لم يختلف فيه فقهاء اهل الحجاز ولا فقهاء اهل العراق ان الله عزوجل امر القلم فجرى القلم على اللوح المحفوظ بما هو كائن الى يوم القيامة قبل خلق آدم عليه السلام بألفى عام وان كتب الله كلها مما جرى فيه القلم فى كلها تحريم الاخوات على الاخوة مع ما حرم ونحن نقرأ الكتب المنزلة الاربعة المشهورة فى هذا العالم التوراة والانجيل والزبور والفرقان انزلها الله عزوجل من اللوح المحفوظ على رسله صلوات الله عليهم ليس فيها تحليل شىء من ذلك، ومن اراد ان يقول هذا وشبهه الا تقوية حجج المجوس ثم انشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم و ذريته فقال ان لآدم صلوات الله عليه ولد سبعون بطنا فى كل بطن غلام وجارية الى ان قتل هابيل فجزع آدم عليه جزعا قطعه عن اتيان النساء خمسمائة عام ثم تخلى ما به من الجزع

[ 64 ]

عليه فغشى حوا فوهب الله له شيئا وليس معه ثان فلما ادرك واراد الله ان يبلغ بالنسل ما ترون وان يكون ما جرى به القلم تحريم ما حرم الله عزوجل من الاخوات على الاخوة انزل بعد العصر فى يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها (نزلة) فامر الله عزوجل ان يزوجها من شيث فزوجها منه ثم انزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها (منزلة) فامر الله عزوجل آدم ان يزوجها من يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فامر الله عزوجل آدم حين ادركا ان يزوج بنت يافث من ابن شيث ففعل ذلك فولد الصفوة من النبيين و المرسلين ومعاذ الله ان ذلك على ما قالوا من الاخوة والاخوات. (وعنه) عليه السلام قال: اوصى آدم الى شيث وهو هبة الله بن آدم واوصى شيث الى ابنه شيبان وهو ابن منزلة الحوراء التى انزلها الله على آدم من الجنة فزوجها ابنه شيثا. فى كتاب (الخرائج) عن الثمالى قال: سمعت على بن الحسين (ع) يحدث رجلا من قريش قال لما تاب الله على آدم واقع حوا ولم يكن غشيها منذ خلقت الا فى الارض وذلك بعد ما تاب الله عليه وكان آدم يعظم الحرم وإذا اراد ان يغشى حوا خرج من الحرم واخرجها معه وغشيها فى الحل ثم يغتسلان ثم يرجع الى فناء البيت، فولد لآدم من حوا عشرون ولدا ذكرا وعشرون انثى فولد له فى كل بطن ذكر وانثى فاول بطن ولدت حوا هابيل ومعه جارية يقال لها اقليما وولدت فى البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها (لوذا) وكانت لوذا اجمل بنات آدم فلما ادركوا خاف عليها آدم الفتنة فقال اريد ان انكحك يا هابيل لوذا. وانكحك يا قابيل اقليما قال قابيل ما ارضى بهذا اتنكحني اخت هابيل القبيحة وتنكح قابيل اختى الجميلة قال آدم عليه السلام فانا اقرع بينكما فان خرج سهمك يا قابيل على اقليما زوجت كل واحد منكما التى خرج سهمه عليها فرضيا بذلك فاقترعا فخرج سهم هابيل على لوذا اخت قابيل وخرج سهم قابيل على اقليما اخت هابيل فزوجها على ما خرج لهما من عند الله، قال ثم حرم الله نكاح الاخوات بعد ذلك، فقال له القرشى فاولداهما ؟ قال نعم فقال القرشى فهذا فعل المجوس اليوم. فقال على بن الحسين (ع)

[ 65 ]

ان المجوس انما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله، ثم قال على بن الحسين (ع) لا تنكر هذا أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم احلها فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثم انزل الله التحريم بعد ذلك. (اقول) هذا الحديث وما روى بمعناه محمول على التقية لانه المذهب المشهور بينهم. (وعن ابى عبدالله) عليه السلام قال: لما اهبط الله آدم وحوا الى الارض وجمع بينهما ولدت له بنتا فسماها عتاقا فكانت اول من بغى على وجه الارض، فسلط الله عليها ذئبا كالفيل و نسرا كالحمار فقتلاها، ثم ولد له اثر عتاق قابيل فلما ادرك اظهر الله عزوجل جنية من ولد الجان يقال لها جهانة فى صورة انسية فلما رآها قابيل احبها فأوحى الله الى آدم ان يزوج جهانة من قابيل، ثم ولد لآدم هابيل فلما ادرك اهبط الله الى آدم حوراء واسمها نزلة الحوراء فلما رآها هابيل احبها فأوحى الله الى آدم ان يزوجها من هابيل ففعل ذلك، فكانت نزلة الحوراء زوجة لهابيل بن آدم، ثم اوحى الله الى آدم ان يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه الى هابيل ففعل ذلك، فلما علم قابيل غضب وقال لابيه الست اكبر من اخى واحق بما فعلت به ؟ فقال يا بني ان الامر بيد الله وان الله خصه بما فعلت فان لم تصدقني فقربا قربانا فأيكما قبل قربانه فهو اولى بالفضل وكان القربان فى ذلك الوقت تنزل النار فتأكله وكان قابيل صاحب زرع فقرب قمحا رديئا وكان هابيل صاحب غنم فقرب كبشا سمينا فأكلت النار قربان هابيل فاتاه ابليس فقال يا قابيل لو ولد لكما ولد وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به ابوك ولقبول النار قربانه و تركها قربانك وانك ان قتلته لم يجد ابوك بدا من ان يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل الى هابيل فقتله، ثم قال ابليس ان النار التى قبلت القربان هي المعظمة فعظمها و اتخذ لها بيتا واجعل لها اهلا واحسن عبادتها والقيام عليها يقبل قربانك إذا اردت ذلك ففعل قابيل ذلك فكان اول من عبد النار واتخذ بيوت النيران، وان آدم اتى الموضع الذى قتل فيه قابيل اخاه فبكى هناك اربعين صباحا يلعن تلك الارض حيث قبلت دم ابنه وهو الذى فيه قبلة المسجد الجامع بالبصرة وان هابيل يوم قتل كانت

[ 66 ]

امرأته نزلة الحوراء حبلى فولدت غلاما فسماه آدم باسم ابنه هابيل وان الله عز وجل وهب لآدم بعد هابيل ابنا فسماه شيث، ثم قال ان هذا هبة الله فلما ادرك اهبط الله على آدم حوراء يقال لها ناعمة فى صورة إنسية فلما رآها شيث احبها فأوحى الله الى آدم ان زوج ناعمة من شيث ففعل ذلك آدم فولدت له جارية فسماها آدم حورية فلما ادركت اوحى الله الى آدم ان زوج حورية من هابيل ففعل ذلك آدم فهذا الخلق الذى ترى من هذا النسل فلما انقضت نبوة آدم امره الله تعالى ان يدفع العلم وآثار النبوة الى شيث وامره بالكتمان و التقية من اخيه لئلا يقتله كما قتل هابيل.. الحديث. (وروى) علي بن ابراهيم عن الامام على بن الحسين عليهما السلام انه لما سولت له نفسه قتل اخيه لم يدر كيف يقتله حتى جاء ابليس فعلمه فقال ضع رأسه بين حجرين ثم اشدخه فلما قتله لم يدر ما يصنع به فجاء غرابان فاقبلا يتقاتلان حتى قتل احدهما صاحبه ثم حفر الذى بقى على الارض بمخالبه ودفن صاحبه، قال قابيل يا ويلتى اعجزت ان اكون مثل هذا الغراب فأوارى سوأة أخي فحفر له حفيرة ودفنه فيها فرجع قابيل الى ابيه ولم يكن معه هابيل قال آدم اين تركت ابني ؟ فقال قابيل ارسلتني عليه راعيا فقال انطلق معى الى مكان القربان واحس قلب آدم بالذى فعل قابيل فلما بلغ مكان القربان استبان قتله، فلعن آدم الارض التى قبلت دم هابيل، ولذلك لا تشرب الارض الدم فانصرف وبكى على هابيل اربعين يوما و ليلة. (وعنه) عليه السلام: ان قابيل يعذب بعين الشمس، يستقبلون بوجهه الشمس حتى تطلع و يديرونه معها حتى تغيب ثم يصبون عليه فى البرد الماء البارد، وفى الحر الماء الحار. (عيون اخبار الرضا) عليه السلام: سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل: (يوم يفر المرء من اخيه) فقال عليه السلام: قابيل يفر من اخيه هابيل: وسئل عليه السلام عن يوم الاربعاء والتطير منه فقال عليه السلام هو آخر اربعاء وهو المحاق وفيه قتل قابيل اخاه هابيل. (وعن) ابى عبدالله عليه السلام: ان اشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة

[ 67 ]

انفر اولهم ابن آدم الذى قتل اخاه، ونمرود الذى حاج ابراهيم فى ربه، واثنان فى بنى اسرائيل هودا قومهم ونصراهم، وفرعون الذى قال انا ربكم الاعلى، واثنان من هذه الامة يعنى الاول والثانى (سال الشامي) امير المؤمنين عليه السلام عن اول من قال الشعر فقال آدم لما انزل الى الارض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها، وقتل قابيل هابيل فقال آدم عليه السلام: تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الارض مغبر قبيح تغير كل ذى لون وطعم * وقل بشاشة الوجه المليح فاجابه ابليس (لعنه الله): تنح عن البلاد وساكنيها * فبىء بالخلد ضاق بك الفسيح وكنت بها وزوجك فى قرار * وقلبك من اذى الدنيا مريح فلم تنفك من كيدى ومكري * الى ان فاتك الثمن الربيح فلولا رحمة الجبار اضحت * بكفك من جنان الخلد ريح (اقول) وربما زاد فيه بعضهم الا ان الاعتماد على هذا الورود فى كتاب (علل الشرايع) و (عيون الاخبار) وغيرهما. (وعن ابى عبدالله) عليه السلام قال: كانت الوحوش والطير و السباع وكل شىء خلق الله عزوجل مختلطا ببعض فلما قتل ابن آدم اخاه نفرت و فزعت فذهب كل شىء الى شكله. (وعنه) عليه السلام: ان الله عزوجل انزل حوراء من الجنة الى آدم فزوجها احد ابنيه وتزوج الاخر الى الجن فولدتا جميعا فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان، وانكر ان يكون زوج بنيه من بناته. (اقول) قيل فى وجه الجمع بينه وبين ما سبق اما بالتجوز فى الخبر السابق بان يكون المراد بالحوراء الشبيهة بها فى الجمال أو فى هذا الخبر بان يكون المراد بكونها من الجن كونها شبيهة بهم فى الخلق، ويمكن القول بالجمع بينهما فى احد ابنيه، وفى الاخبار ما يؤيده، وعنه صلى الله عليه وآله: ان الله عزوجل حين اهبط آدم وزوجته وهبط ابليس و لا زوجة له وهبطت الحية ولا زوج لها

[ 68 ]

فكان اول من يلوط بنفسه ابليس فكانت ذريته من نفسه وكذلك الحية وكانت ذرية آدم من زوجته فاخبرهما انهما عدوان لهما. (اقول) قد مر سابقا ان ذرية ابليس انه يبيض ويفرخ فيحمل هذا اما على ان يكون هذا اللواط ليتولد منه البيض والفرخ واما على ان ذريته يحصلان من النوعين. (وعن امير المؤمنين) عليه السلام: ان اول من بغى على الله عزوجل على وجه الارض عتاق بنت آدم (ع) خلق الله لها عشرين اصبعا وفى (كل) اصبع منها ظفران طويلان كالنخلين العظيمين وكان مجلسها فى الارض موضع جريب، فلما بغت بعث الله لها اسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا كالحمار وكان ذلك فى الخلق الاول فسلطهم الله عليها فقتلوها. (معاني الاخبار) عنه صلى الله عليه وآله قال: اخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاما الامانة فهى التى اخذ الله عزوجل على آدم حين زوجه حوا. واما الكلمات فهى الكلمات التى اشرط بها على آدم ان يعبده ولا يشرك به شيئا، ولا يزنى ولا يتخذ من دونه اولياء. (القصص للراوندي) ان عوج بن عناق كان جبارا عدوا لله وللاسلام وله بسط فى الجسم والخلق وكان يضرب يده فيأخذ الحوت من اسفل البحر ثم يرفع الى السماء فيشويه فى حر الشمس فيأكله و كان عمره ثلاثه آلاف وستمائة سنة، وروى انه لما اراد نوح عليه السلام ان يركب السفينة جاء إليه عوج فقال له احملني معك فقال انى لم اومر بذلك فبلغ الماء إليه وما جاوز ركبتيه وبقى الى ايام موسى عليه السلام، فقتله موسى صلوات الله عليه. (العياشي) عن ابى بكر الحضرمي عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان آدم لما ولد له اربعة ذكور فاهبط الله إليهم اربعة من الحور العين فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا ثم ان الله رفعهن وزوج هؤلاء الاربعة اربعة من الجن فصار النسل فيهم فما كان من حلم فمن آدم وما كان من جمال فمن قبل الحور العين

[ 69 ]

وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن (وعن) ابى جعفر عليه السلام ان قابيل بن آدم معلق بقرونه فى عين الشمس تدور به حيث دارت فى زمهريرها وحميمها الى يوم القيامة صيره الله الى النار (الكافي) مسندا الى ابى عبدالله عليه السلام انه سئل عن اول كتاب كتب فى الارض فقال: ان الله عزوجل عرض على آدم وذريته عرض العين فى صورة الذر نبيا فنبيا، وملكا فملكا، و مؤمنا فمؤمنا، وكافرا فكافرا، فلما انتهى الى داود عليه السلام قال من هذا الذى نبأته وكرمته وقصرت عمره، فأوحى الله عزوجل إليه هذا ابنك داود عمره اربعون سنة وانى قد كتبت الآجال وقسمت الارزاق وانا امحو ما اشاء واثبت و عندي أم الكتاب فان جعلت له شيئا من عمرك الحقته له قال يا رب قد جعلت له من عمرى ستين سنة تمام المائة فقال الله عزوجل لجبرئيل وميكائيل وملك الموت اكتبوا عليه كتابا فانه سينسى فكتبوا عليه كتابا وختموه باجنحتهم من طينة عليين فلما حضرت آدم الوفاة اتاه ملك الموت فقال آدم يا ملك الموت ما جاء بك ؟ فقال جئت لاقبض روحك قال قد بقى من عمرى ستون سنة، فقال انك جعلتها لابنك داود ونزل عليه جبرئيل واخرج له الكتاب فقال أبو عبد الله عليه السلام " فمن اجل ذلك إذا اخرج الصك على المديون ذل المديون " فقبض روحه. (وفيه) عن الباقر عليه السلام قال: ان ما بين الركن و المقام لمشحون من قبور الانبياء وان آدم لقى حرم الله عزوجل. (وفيه) عن ابى عبد الله (ع) لما مات آدم (ع) و شمت به ابليس وقابيل فاجتمعا فى الارض فجعل ابليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم فما كان فى الارض من هذا الضرب الذى يتلذذ به الناس فانما هو ابن ذاك (كتاب التهذيب) سمعت مرسلا من الشيوخ ومذاكرة ولم يحضرني الان اسناده ان آدم عليه السلام لما اهبطه الله من جنة الماوى الى الارض استوحش فسال الله تعالى ان يؤنسه بشى من اشجار الجنة فانزل الله تعالى إليه النخلة فكان يانس بها فى حياته فلما حضرته الوفاة قال لولده انى كنت آنس بها فى حياتي وارجو الانس بها بعد وفاتي فإذا مت

[ 70 ]

فخذوا منها جريدا وشقوه بنصفين وضعوهما معى فى اكفاني، ففعل ولده ذلك وفعلته الانبياء بعده ثم اندرس ذلك فى الجاهلية فاحياه النبي صلى الله عليه وآله وفعله فصارت سنة متبعة. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى اوحى الى نوح عليه السلام وهو فى السفينة ان يطوف بالبيت اسبوعا، فطاف اسبوعا ثم نزل فى الماء الى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم عليه السلام فحمل التابوت فى جوف السفينة حتى طاف بالبيت ما شاء الله ان يطوف، ثم ورد الى باب الكوفة فى وسط مسجدها و تفرق الجمع الذى كان مع نوح عليه السلام فى السفينة فاخذ التابوت فدفنه فى الغرى. (وعنه) عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله عاش آدم أبو البشر تسعمائة وثلاثين سنة. وفى قول ان عمره الف سنة. (وذكر) السيد ابن طاووس فى (سعد السعود) من صحف ادريس عليه السلام مرض عليه السلام عشرة ايام بالحمى ووفاته يوم الجمعة لاحدى عشر يوما خلت من المحرم ودفنه فى غار جبل ابى قبيس ووجهه الى الكعبة وان عمره (ع) من وقت نفخ الروح الى وفاته الف سنة و ثلاثين وان حوا ما بقيت بعده الا سنة ثم مرضت خمسة عشر يوما ثم توفيت و دفنت الى جنب آدم عليه السلام وهذا حاصل قصص آدم وحوا عليهما افضل الصلوات.

[ 71 ]

الباب الثاني فى قصص ادريس عليه السلام قال الله تعالى: (واذكر فى الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا) قال امين الاسلام الطبرسي طاب ثراه: الكتاب القرآن وادريس هو جد اب نوح (ع) واسمه فى التوراة اخنوخ وسمى ادريس لكثرة درسه الكتب يعنى كتب الله وحكمه وهو اول من خط بالقلم، وكان خياطا واول من خاط الثياب وقيل ان الله سبحانه علمه علم النجوم والحساب وعلم الهيئة وكان ذلك معجزة له. وقوله مكانا عليا. اي عليا رفيع الشان برسالات الله تعالى، وقيل انه رفع الى السماء السادسة. (عن) ابن عباس ومجاهد: رفع ادريس عليه السلام كما رفع عيسى وهو حي لم يمت. (وقال آخرون) انه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة. (وروى) ذلك عن ابى جعفر (ع) وقيل المعنى ورفعناه محله ومرتبته بالرساله ولم يرد رفعة المكان. (علل الشرايع) بالاسناد الى وهب ان ادريس عليه السلام كان رجلا ضخم البطن عريض الصدر قريب الخطا إذا مشى، وقد فكر فى عظمة الله وجلاله تعالى ان لهذه السماوات ولهذه الارضين ولهذا الخلق العظيم لربا يدبرها ويصلحها فكيف لى بهذا الرب فاعبده حق عبادته فخلا بطائفة من قومه فجعل يعظهم ويذكرهم ويدعوهم الى عبادة خالق الاشياء فأجابه الف من قومه فاختار منهم سبعة ثم قال تعالوا فليدع هؤلاء السبعة وليؤمن بقيتنا فلعل هذا الرب جل جلاله يدلنا على عبادته فوضعوا ايديهم على الارض ودعوا طويلا فلم يتبين لهم شىء ثم رفعوا

[ 72 ]

ايديهم الى السماء فأوحى الله عزوجل الى ادريس عليه السلام ونبأه ودله على عبادته ومن آمن معه فلا يزالون يعبدون الله عزوجل لا يشركون به شيئا حتى رفع الله عزوجل ادريس الى السماء وانقرض من تابعه على دينه الا قليلا، ثم انهم اختلفوا بعد ذلك واحدثوا الاحداث وابدعوا البدع حتى كان زمان نوح عليه السلام. (وفى كتاب الكافي) باسناده الى ابى جعفر عليه السلام قال: كان بدء نبوة ادريس عليه السلام انه كان فى زمانه ملك جبار وانه ركب ذات يوم فى بعض نزهة فمر بارض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة فاعجبه فسال وزراءه لمن هذه الارض قالوا لعبد من عبيد الملك فلان الرافضى فقال له امتعنى بارضك هذه، فقال له عيالي احوج إليها منك فقال: بعنى فابى فغضب الملك وانصرف الى اهله وهو مغموم مفكر فى امره وكانت له امرأة من الازارقة فرأت فى وجهه الغضب فاخبرها بخبر الارض و صاحبها فقالت ان كنت تكره ان تقتله بغير حجة فانا اكفيك امره واصير ارضه اليك بحجة وكان لها اصحاب من الازارقة على دينها يرون قتل الرافضة من المؤمنين فبعثت الى قوم منهم فاتوها فأمرتهم ان يشهدوا على فلان الرافضى عند الملك انه قد برىء من دين الملك فشهدوا عليه فقتله واخذ ارضه، فغضب الله للمؤمن عند ذلك فأوحى الله الى ادريس إذا رايت عبدى هذا الجبار فقل له اما رضيت ان قتلت عبدى المؤمن حتى اخذت ارضه واحوجت عياله من بعده اما وعزتي لانتقمن له منك فى الآجل ولاسلبنك ملكك فى العاجل ولاخربن مدينتك ولاطعمن الكلاب لحم امرأتك فقد غرك حلمي عنك فاتاه ادريس برسالة ربه واداها إليه فقال له الجبار اخرج يا ادريس لئلا اقتلك، وقالت له امرأته لا يهولنك رسالة إله ادريس انا ارسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه قال فافعلي، وكان لادريس عليه السلام اصحاب من الرافضة مؤمنون يأنس بهم فاخبرهم بتبليغ رسالته الى الجبار فاشفقوا على ادريس واصحابه وخافوا عليه القتل وبعثت امرأة الجبار الى ادريس اربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه فأتوه فلم يجدوه وقد رآهم اصحاب ادريس فحسبوا انهم اتوا ادريس ليقتلوه فتفرقوا فى طلبه فلقوه

[ 73 ]

فقالوا له خذ حذرك يا ادريس فان الجبار قاتلك فاخرج من هذه القرية فتنحى ادريس عن القرية ومعه نفر من اصحابه، فلما كان فى السحر ناجى ادريس ربه فقال يا رب توعدنى الجبار بالقتل فأوحى الله إليه ان اخرج من قريته وخلنى واياه فوعزتي لانفذن فيه امرى فقال يا رب ان لي حاجة قال الله سلها تعطها قال اسالك ان لا تمطر السماء على اهل هذه القرية وما حولها حتى اسالك ذلك قال الله عزوجل اذن تخرب القرية ويجوع اهلها فقال ادريس عليه السلام وان خربت وجاعوا قال الله انى اعطيتك ما سالت فاخبر ادريس اصحابه بحبس المطر عنهم فخرجوا من القرية وعدتهم عشرون رجلا فتفرقوا فى القرى وشاع خبر ادريس فى القرى بما سأل الله تعالى وتنحى ادريس الى كهف فى الجبل ووكل الله به ملكا ياتيه بطعامه عند كل مساء وسلب الله عند ذلك ملك الجبار وقتله وخرب مدينته واطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن وظهر فى المدينة جبار آخر عاص فمكثوا بعد خروج ادريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء فاشتد حالهم وصاروا يمتارون الاطعمة من القرى فقالوا ان الذى نزل بنا بسؤال ادريس ربه ان لا يمطر السماء علينا حتى يساله هو وقد خفى ادريس عنا والله ارحم بنا منه فاجتمع امرهم على ان يتوبوا الى الله ويسألوه ان تمطر السماء عليهم فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثوا على رؤوسهم التراب ورجعوا الى الله عزوجل فأوحى الله الى ادريس ان اهل قريتك قد تابوا الي وانا الله الرحمن الرحيم اقبل التوبة وقد رحمتهم ولم يمنعن اجابتهم الى ما سالونى من المطر الا مناظرتك فيما سألتني ان لا امطر السماء عليهم حتى تسألني فسلني يا ادريس قال ادريس اللهم انى لا اسالك ذلك قال الله عزوجل سلنى يا ادريس قال اللهم انى لا اسالك فأوحى الله عزوجل الى الملك الذى ياتي ادريس بطعامه ان احبس عنه طعامه فلما امسى ادريس لم يؤت بطعام فحزن وجاع فلما كان فى اليوم الثاني لم يؤت بطعامه فاشتد جوعه فلما كان فى الليلة الثالثة لم يؤت بطعامه فنادى ربه يا رب حبست عنى رزقي من قبل ان تقبض روحي فأوحى الله عزوجل إليه يا ادريس جزعت ان حبست عنك طعامك ثلاثة ايام ولياليها ولم تجزع ولم تنكر جوع

[ 74 ]

اهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة ثم سألتك عن جهدهم ورحمتي اياهم ان تسألني ان امطر السماء عليهم فلم تسألني و بخلت عليهم بمسالتك اياي فاذقت الجوع فقل عند ذلك صبرك وظهر جزعك فاهبط من موضعك واطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك فى طلبه الى حيلك، فهبط ادريس من موضعه الى غيره يطلب اكلة من جوع فلما دخل القرية نظر الى دخان فى بعض منازلها فاقبل نحوه فهجم على عجوز وهى ترقق قرصتين لها على مقلاة فقال لها ايتها المرأة اطعميني فانى مجهود من الجوع، فقالت له يا عبد الله ما تركت لنا دعوة ادريس فضلا نطعمه احدا وحلفت انها ما تملك شيئا غيره فاطلب المعاش من غير اهل هذه القرية قال لها اطعميني ما امسك به روحي وتحملنى به رجلى الى ان اطلب، قالت انهما قرصتان واحدة لى والاخرى لابنى فان اطعمتك قوتي مت وان اطعمتك قوت ابني مات، فقال لها ان ابنك يجزيه نصف قرصة فيحيى بها ويجزينى النصف الاخر فاحيا به فأكلت المرأة قرصها وكسرت الاخر بين ادريس وبين ابنها فلما راى ابنها ادريس ياكل من قرصته اضطرب حتى مات، قالت امه يا عبد الله قتلت علي ابني جزعا على قوته، قال ادريس فانا احييه باذن الله تبارك وتعالى فلا تجزعي ثم اخذ ادريس بعضدي الصبى ثم قال ايتها الروح الخارجة من بدن هذا الغلام باذن الله ارجعي الى بدنه باذن الله وانا ادريس النبي فرجعت روح الغلام إليه باذن الله، فلما سمعت المرأة كلام ادريس ونظرت الى ابنها قد عاش بعد الموت قالت اشهد انك ادريس النبي وخرجت تنادى باعلى صوتها فى القرية ابشروا بالفرج فقد دخل ادريس قريتكم. ومضى ادريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الاول وهى على تل فاجتمع إليه اناس من اهل قريته فقالوا له يا ادريس ا ما رحمتنا فى هذه العشرين سنة التى اجهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فادع الله لنا ان يمطر السماء علينا قال لا حتى ياتيني جباركم هذا وجميع اهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك فبلغ الجبار قوله فبعث إليه اربعين رجلا لياتوه بادريس فاتوه فقالوا له ان الجبار بعث اليك لتذهب إليه فدعا عليهم فماتوا فبلغ الجبار ذلك فبعث إليه خمسمائة رجل لياتوه به فقالوا له

[ 75 ]

يا ادريس ان الجبار بعثنا اليك لنذهب بك إليه، فقال لهم ادريس انظروا الى مصارع اصحابكم فقالوا يا ادريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد ان تدعو علينا بالموت اما لك رحمة. فقال: ما انا بذاهب إليه ولا انا بسائل الله ان يمطر عليكم حتى ياتيني جباركم ماشيا حافيا واهل قريتكم، فانطلقوا الى الجبار فاخبروه بقول ادريس وسالوه ان يمضى معهم وجميع اهل قريتهم حفاة مشاة فاتوه حتى وقعوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه ان يسال الله لهم بالمطر فقال ادريس اما الان فنعم فسال الله تعالى ادريس عند ذلك ان تمطر السماء عليهم وعلى نواحيهم فاظلتهم سحابة من السماء وارعدت وابرقت و هطلت عليهم من ساعتهم حتى ظنوا انه الغرق فما رجعوا الى منازلهم حتى اهمتهم انفسهم من الماء. (اقول) ينبغى ان يحمل ان امره تعالى لادريس بالدعاء لهم بالمطر لم يكن على سبيل الحتم والوجوب بل على الندب وجواز التاخير وغرض ادريس عليه السلام من ذلك التاخير ذلتهم وزجرهم على الطغيان والفساد ولئلا يخالفوه إذا دخل بينهم كما خالفوه اولا، وفيه اشارة الى ان اولياء الله سبحانه يغضبون لربهم اكثر من غضبه تعالى لسعة حلمه وعظمة رحمته. (تفسير على بن ابراهيم) عن ابن ابى عمير عمن حدثه عن ابى عبدالله (ع) قال ان الله تعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه فالقاه فى جزيرة من جزائر البحر، فبقى ما شاء الله فى ذلك البحر فلما بعث الله ادريس عليه السلام جاء ذلك الملك إليه، فقال يا نبى الله ادع الله ان يرضى عنى ويرد على جناحى قال نعم، فدعا ادريس ربه فرد الله عليه جناحه ورضى عنه (قال) الملك لادريس الك حاجة قال نعم احب ان ترفعني الى السماء الرابعة فرفعه الى السماء الرابعة فإذا ملك الموت جالس يحرك راسه تعجبا فسلم ادريس على ملك الموت وقال له ما لك تحرك راسك ؟ قال ان رب العزة امرني ان اقبض روحك بين الرابعة والخامسة، فقلت يا رب كيف يكون هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الرابعة الى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام وكل سماء وما بينهما كذلك فكيف يكون

[ 76 ]

هذا ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة، وهو قوله تعالى: (و رفعناه مكانا عليا). قال وسمى ادريس لكثرة دراسته الكتب، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انزل الله على ادريس ثلاثين صحيفة. وعن امير المؤمنين عليه السلام ان ادريس (ع) رفعه الله مكانا عليا واطعمه من تحف الجنة بعد وفاته. وفى (قصص الانبياء) للشيخ الراوندي طاب ثراه باسناده الى ابى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان ملكا من الملائكة كانت له منزلة فاهبطه الله من السماء الى الارض فاتى ادريس فقال اشفع لى عند ربك، فصلى ثلاث ليال لا يفتر وصام ايامها لا يفطر ثم طلب الى الله فى السحر للملك فاذن له فى الصعود الى السماء فقال له الملك احب ان اكافيك فاطلب حاجة فقال ترينى ملك الموت لعلي آنس به فانه ليس يهنئونى مع ذكره شىء، فبسط جناحه ثم قال اركب فصعد به فطلب ملك الموت فى سماء الدنيا فقيل انه قد صعد فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة فقال لملك الموت ما لي اراك قاطبا قال اتعجب انى كنت تحت ظل العرش حتى امرت ان اقبض روح ادريس بين السماء الرابعة والخامسة فسمع ذلك ادريس فانتفض من جناح الملك وقبض ملك الموت روحه مكانه، وذلك قوله تعالى (واذكر فى الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا). وفى الكتاب ايضا باسناده الى ابن عباس قال: كان ادريس النبي عليه السلام يسبح النهار ويصومه ويبيت حيث ما جنه الليل ويأتيه رزقه حيث ما افطر، وكان يصعد له من العمل الصالح مثل ما يصعد لاهل الارض كلهم فسال ملك الموت ربه فى زيارة ادريس وان يسلم عليه فاذن له فنزل واتاه فقال انى اريد ان اصحبك فاكون معك، فصحبه وكانا يسبحان النهار ويصومانه فإذا جنهما الليل اتى ادريس فطوره فيأكل ويدعو ملك الموت إليه فيقول لا حاجة لى فيه، ثم يقومان يصليان وادريس يصلى ويفتر وينام وملك الموت يصلى ولا ينام ولا يفتر فمكثا بذلك اياما ثم انهما مرا بقطيع غنم وكرم قد اينع فقال ملك الموت هل لك ان تأخذ من ذلك حملا أو من هذا عناقيد فتفطر عليه فقال سبحان الله ادعوك

[ 77 ]

الى مالى فتأبى فكيف تدعوني الى مال الغير، ثم قال ادريس صلوات الله عليه قد صحبتني و احسنت فيما بينى وبينك من انت ؟ قال انا ملك الموت قال ادريس لى اليك حاجة فقال وما هي ؟ قال تصعد بى الى السماء فاستاذن ملك الموت ربه فى ذلك فاذن له فحمله على جناحه فصعد به الى السماء ثم قال له ادريس ان لى اليك حاجة اخرى قال وما هي ؟ قال بلغني من الموت شدة فاحب ان تذيقني منه طرفا فانظر هو كما بلغني، فاستاذن ربه فاذن له فاخذ بنفسه ساعة ثم خلى عنه فقال له كيف رايت ؟ قال بلغني عنه شدة وانه لأشد مما بلغني ولى اليك حاجة اخرى ترينى النار فاستاذن ملك الموت صاحب النار ففتح له فلما رآها ادريس عليه السلام سقط مغشيا عليه ثم قال لى اليك حاجة اخرى ترينى الجنة فاستاذن ملك الموت خازن الجنة فدخلها فلما نظر إليها قال يا ملك الموت ما كنت لأخرج منها ان الله تعالى يقول كل نفس ذائقة الموت. وقد ذقته، ويقول وان منكم الا واردها. وقد وردتها ويقول فى الجنة وما هم بخارجين. (اقول) اعتمد مشايخنا من الحديث عن الخبرين السابقين لوضوح سندهما وقالوا ان هذه الرواية أشبه بروايات العامة و ان كان الجمع بين هذه الاخبار قريب. (وفيه) ايضا عن وهب بن منبه قال: ان ادريس اول من خاط الثياب ولبسها وكان من كان قبله يلبسون الجلود وكانت الملائكة فى زمان ادريس يصافحون الناس ويسلمون عليهم ويكلمونهم ويجالسونهم و ذلك لصلاح الزمان واهله فلم يزل الناس على ذلك حتى كان زمان نوح وقومه، ثم انقطع ذلك وكان من امره مع ملك الموت ما كان حتى دخل الجنة فقال له ربه ان ادريس انما حاجك فحجك بوحيى وانا الذى هيأت له دخول الجنة فانه كان ينصب نفسه وجسده لى فكان حقا علي ان اعوضه من ذلك الراحة والطمأنينة وان ابوءه بتواضعه لي وبصالح عمله من الجنة مقعدا أو مكانا عليا. (وفيه) عن الصادق عليه السلام قال: إذا دخلت الكوفة فات مسجد السهلة فصل فيه واسال الله حاجة لدينك و دنياك فان مسجد السهلة بيت ادريس عليه السلام

[ 78 ]

الذى كان يخيط فيه ويصلى فيه ومن دعا الله فيه بما احب قضى له حوائجه ورفعه يوم القيامة مكانا عليا الى درجة ادريس واجير من مكروه الدنيا ومكائد اعدائه. (وقال المسعودي) ان عمر ادريس عليه السلام فى الارض ثلثمائة سنة وقيل اكثر من ذلك وقال ابن الاثير فى الكامل قام انوش بن شيث بعد موت ابيه بسياسة الملك مقام ابيه وكان عمر انوش سبعمائة سنة وخمس سنين ثم ولد لانوش ابنه قينان وولد معه نفر كثيرا واليه الوصية، وولد قينان مهلائيل واليه الوصية، وولد لمهلائيل يارد واليه الوصية، فولد ليارد اخنوخ وهو ادريس النبي، والحكماء اليونانيون يسمونه هرمس الحكيم. (وقال السيد ابن طاووس) فى صحف ادريس عليه السلام: كانك بالموت وقد نزل، فاشتد انينك وعرق جبينك، وتقلصت شفتاك، وانكسر لسانك، ويبس ريقك وعلا سواد عينيك بياضا، وازبد فوك، واهتز جميع بدنك، وعالجت غصة الموت وسكرته، ومرارته وزعقته، ونوديت فلم تسمع بما خرجت نفسك، وصرت جيفة بين اهلك، ان فيك لعبرة لغيرك فاعتبر فى معاني الموت، ان الذى نزل بك لا محالة، وكل عمر وان طال قليل يفنى لان كل ما هو آت قريب لوقت معلوم، فاعتبر بالموت يا من يموت واعلم ايها الانسان ان الموت اشد مما قبله، والموت اهون مما بعده من شدة اهوال يوم القيامة. ثم ذكر من احوال الصيحة والفناء ويوم القيامة ومواقف الحساب والجزاء ما يعجز عن سماعه قوة الاقوياء.

[ 79 ]

الباب الثالث فى قصص نوح النبي عليه السلام وفيه فصلان: الفصل الاول فى مدة عمره ووفاته وعلل تسميته ونقش خاتمه (ومكارم اخلاقه) (عيون اخبار الرضا) قال ان نوحا عليه السلام لما ركب السفينة اوحى الله عزوجل إليه يا نوح ان خفت الغرق فهللنى الفا ثم سلنى النجاة انجيك من الغرق ومن آمن معك، فلما استوى نوح ومن معه فى السفينة ورفع القلص عصفت الريح عليهم، فلم يامن نوح الغرق فاعجلته الريح فلم يدرك ان يهلل الف مرة فقال بالسريانية (هلوليا الفا الفا يا ماريا اتفن) فاستوى القلص وجرت السفينة، فقال نوح: ان كلاما نجاني الله به من الغرق لحقيق ان لا يفارقني فنقش خاتمه لا اله الا الله الف مرة يا رب اصلحني. (الامالى) باسناده الى الصادق عليه السلام قال: عاش نوح (ع) الفى وخمسمائة سنة، منها ثمانمائة وخمسون سنة قبل ان يبعث والف سنة الا خمسين عاما وهو فى قومه يدعوهم، ومائتا سنة فى عمل السفينة وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء فمصر الامصار واسكن ولده البلدان، ثم ان ملك الموت جاءه وهو فى الشمس قال: السلام عليك فرد عليه نوح السلام فقال ما حاجتك يا ملك الموت ؟ قال: جئت لاقبض روحك قال له تدعني ادخل من الشمس الى الظل فقال

[ 80 ]

له نعم فتحول نوح ثم قال عليه السلام يا ملك الموت فكان ما مر بى من الدنيا مثل تحولي من الشمس الى الظل فامض لما امرت به، قال فقبض روحه صلى الله عليه وآله. (علل الشرايع) سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن اسم نوح ما كان ؟ فقال: اسمه السكن و انما سمى نوحا لانه ناح على قومه الف سنة الا خمسين عاما. (وفيه) عن الصادق عليه السلام: كان اسم نوح عبد الغفار وانما سمى نوحا لانه كان ينوح على نفسه. وفيه عنه عليه السلام: كان اسم نوح (ع) عبد الملك وانما سمى نوحا لانه بكى خمسمائة سنة. (وعنه) عليه السلام: اسم نوح عبد الاعلى، قال الصدوق رحمه الله تعالى: الاخبار فى اسم نوح عليه السلام كلها متفقة غير مختلفة تثبت له التسمية بالعبودية وهو: عبد الغفار والملك والاعلى. (قصص الانبياء) عن الصدوق باسناده الى وهب قال ان نوحا لبث فى قومه الف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى الله تعالى فلا يزدادون الا طغيانا ومضى ثلاثة قرون من قومه وكان الرجل منهم ياتي بابنه هو صغير فيوقفه على راس نوح عليه السلام فيقول يا بنى ان بقيت بعدى فلا تطيعن هذا المجنون. (وفيه) عن على بن محمد العسكري عليه السلام انه جاء ابليس الى نوح فقال ان لك عندي يدا عظيمة فانتصحني فانى لا اخونك فتألم نوح بكلامه و مسألته، فأوحى الله إليه ان كلمه وسلمه فانى سانطقه بحجة عليك فقال نوح صلوات الله عليه تكلم فقال ابليس إذا وجدنا ابن آدم شحيحا أو حريصا أو حسودا أو جبارا أو عجولا تلقفناه تلقف الكرة فان اجتمعت لنا هذه الاخلاق سميناه شيطانا فقال نوح ما اليد العظيمة التى صفت قال انك دعوت الله على اهل الارض فالحقتهم فى ساعة بالنار فصرت فارغا. ولولا دعوتك لشغلت بهم دهرا طويلا. (اكمال الدين) باسناده الى ابى عبدالله عليه السلام قال: عاش نوح عليه السلام بعد النزول من السفينة خمسين سنة، ثم اتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا نوح انه قد انقضت نبوتك واستكملت ايامك فانظر الاسم الاكبر وميراث العلم

[ 81 ]

فادفعها الى ابنك سام فانى لا اترك الارض الا وفيها عالم يعرف به طاعتي ويكون نجاه فيما بين قبض النبي وبعث النبي الاخر فدفع عليه السلام آثار علم النبوة الى ابنه سام، فاما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به، وبشرهم نوح بهودا وظهرت الجبرية فى ولد حام ويافث واستخفى ولد سام بما عندهم من العلم وجرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث، وعنه عليه السلام: كانت اعمار قوم نوح ثلاثمائة سنة وعاش نوح الفى سنة واربعمائة وخمسين سنة. (اقول) اختلفوا فى مدة عمره عليه السلام فقيل كان الفا واربعمائة وخمسين سنة وقيل كان الفا واربعمائة سنة وسبعين سنة، وقيل الفا وثلاثمائة سنة، واكثر اخبارنا المعتبرة تدل على انه عاش الفين وخمسمائة سنة وبعضها قابل للتأويل باسقاط زمن البعثة أو زمان عمل السفينة أو بعدها الطوفان أو زيادتها أو نحو ذلك. (وقال) شيخنا الطبرسي طاب ثراه: فى قوله تعالى: (انه كان عبدا شكورا) معناه ان نوحا كان عبد الله كثير الشكر وكان إذا لبس ثوبا أو اكل طعاما أو شرب ماء شكر الله تعالى وقال الحمد لله، وقيل انه كان يقول فى ابتداء الاكل والشرب: بسم الله وفى انتهائه الحمد لله. (وروى) عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما السلام: ان نوحا كان إذا اصبح وامسي قال: اللهم انى اشهدك ان ما اصبح أو امسى بى من نعمة فى دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا، فهذا كان شكره. (اقول) ظاهره انه كان يقولها مرة واحدة، وفى كثير من الاخبار مثله، ورواه فى الفقيه وانه كان يقولها عشرا. (علل الشرايع) وعن الدقاق عن الاسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسنى قال سمعت على بن محمد العسكري عليه السلام يقول: عاش نوح الفين وخمسمائة سنة وكان يوما فى السفينة نائما فهبت ريح فكشفت عورته فضحك حام ويافث فزجرهما سام ونهاهم عن الضحك وكان كلما غطى سام شيئا تكشفه الريح كشفه حام و يافث فانتبه نوح (ع) فرآهم وهم يضحكون فقال ما هذا فاخبره سام بما كان

[ 82 ]

فرفع نوح يده الى السماء يدعو ويقول اللهم غير ماء صلب حام حتى لا يولد له الا السودان اللهم غير ماء صلب يافث، فغير الله ماء صلبهما فجميع السودان حيث كانوا من حام وجميع الترك والصقالبة وياجوج وماجوج والصين من يافث حيث كانوا وجميع البيض سواهم من سام، وقال نوح عليه السلام لحام ويافث جعل ذريتكما خولا اي خدما لذرية سام الى يوم القيامة لأنه بر بى وعققتمانى فلا زالت سمة عقوقكما لي فى ذريتكما ظاهرة وسمة البر فى ذرية سام ظاهرة ما بقيت الدنيا. (اقول) روى الشيخ الطبرسي هذا الخبر من كتاب النبوة بهذا الاسناد ثم قال: قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه الله ذكر يافث فى هذا الخبر غريب لم اروه الا من هذا الطريق وجميع الاخبار التى رويتها فى هذا المعنى فيها ذكر حام وانه ضحك لما انكشفت عورة ابيه وان ساما ويافثا كانا في ناحية فبلغهما ما صنع فاقبلا ومعهما ثوب وهما معرضان وألقيا عليه الثوب وهو نائم فلما استيقظ اوحى الله عزوجل إليه ما صنع حام فلعن حام ودعا عليه. (قصص الانبياء) للراوندي طاب ثراه باسناده الى ابن عباس قال: قال ابليس لعنه الله يا نوح لك عندي يد ساعلمك خصالا قال نوح وما يدى عندك ؟ قال دعوتك على قومك حتى اهلكهم الله جميعا فاياك والكبر واياك والحرص واياك والحسد فان الكبر هو الذى حملني على ان تركت السجود لآدم فاكفرني وجعلني شيطانا رجيما واياك والحرص فان آدم ابيح له الجنة ونهي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على ان اكل منها، و اياك والحسد فان ابن آدم حسد اخاه فقتله فقال نوح صلوات الله عليه متى تكون اقدر على ابن آدم قال عند الغضب. (الكافي) فى الصحيح عن ابى عبد الله صلوات الله عليه قال: لما هبط نوح عليه السلام من السفينة غرس غرسا فكان فيما غرس النخلة ثم رجع الى اهله فجاء ابليس لعنه الله فقلعها ثم ان نوحا عليه السلام عاد الى غرسه فوجده على حاله ووجد النخلة قد قلعت ووجد ابليس عندها فاتاه جبرئيل عليه السلام فاخبره ان ابليس لعنه الله قلعها فقال نوح لابليس ما دعاك الى قلعها ؟ فو الله ما غرست غرسا احب الي منها

[ 83 ]

ووالله لا ادعها حتى اغرسها فقال ابليس وانا والله لا ادعها حتى اقلعها فقال اجعل لى منها نصيبا قال فجعل له منها الثلث فابى ان يرضى فجعل له النصف فابى ان يرضى وأبى نوح ان يزيده. فقال جبرئيل لنوح عليه السلام يا رسول الله احسن فان منك الاحسان فعلم نوح انه قد جعل الله له عليها سلطانا فجعل نوح له الثلثين. (قال) أبو عبدالله عليه السلام: فإذا اخذت عصيرا فاطبخه حتى يذهب الثلثان من نصيب الشيطان فإذا ذهب فكل واشرب حينئذ. (وفيه) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان ابليس نازع نوحا عليه السلام فى الكرم فاتاه جبرئيل عليه السلام فقال ان له حقا فاعطه فاعطاه الثلث فلم يرض ابليس ثم اعطاه النصف فلم يرض فطرح جبرئيل نارا فاحرقت الثلثين وبقى الثلث فقال ما احرقت النار فهو نصيبه وما بقى فهو لك يا نوح حلال. الفصل الثاني فى بعثته الى قومه وقصة الطوفان اعلم ان الله سبحانه كرر قصة نوح عليه السلام فى كثير من سور القرآن قال الطبرسي طاب ثراه: وهو نوح بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس عليه السلام وهو اول نبى بعد ادريس. (وقيل) انه كان نجارا وولد فى العام الذى مات فيه آدم عليه السلام وبعث وهو ابن اربعمائة سنة وكان يدعو قومه ليلا ونهارا فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا وكان يضربه قومه حتى يغشى عليه فإذا افاق قال اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون وكانوا يثورون الى نوح عليه السلام فيضربونه حتى تسيل مسامعه دما وحتى لا يعقل شيئا مما صنع به فيحمل فيرمى فى بيت أو على باب داره مغشيا عليه فأوحى الله تعالى إليه ان لن يؤمن قومك الا

[ 84 ]

من آمن فعندها اقبل على الدعاء عليهم فقال (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) فاعقم الله اصلاب الرجال وارحام النساء فلبثوا اربعين سنة لا يولد لهم وقحطوا فى تلك الاربعين سنة حتى هلكت اموالهم واصابهم الجهد والبلاء ثم قال لهم نوح: (استغفروا ربكم انه كان غفارا)، الايات فلم يؤمنوا وقالوا لا تذرن آلهتكم الآيات حتى اغرقهم الله تعالى وآلهتهم التى كانوا يعبدونها فلما كان بعد خروج نوح (ع) من السفينة وعبد الناس الاصنام سموا اصنامهم باسماء اصنام قوم نوح فاتخذ اهل اليمين يغوث ويعوق واهل دومة الجندل صنما سموه ودا واتخذت حمير صنما سمته نسرا وهذيل سماه سواعا فلم يزل يعبدونها حتى جاء الاسلام. (وروى) ان الله تعالى لم يرحم قوم نوح عليه السلام فى عذابهم. (وروى) عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: لما فار التنور وكثر الماء فى السكك خشيت ام صبى عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت الى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء عرجت به حتى بلغت ثلثيه فما بلغها الماء حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم احدا لرحم ام الصبى واما امرأة نوح فقال الله فيها وفى امرأة لوط: (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما). (قال ابن عباس) كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس انه مجنون وإذا آمن احد بنوح اخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وكانت امرأة لوط تدل على اضيافه وكان ذلك خيانتهما لهما وما بغت امرأة نبى قط وانما كانت خيانتهما فى الدين (قال السدى) كانت خيانتهما انهما كانتا كافرتين. (وقيل) كانتا منافقتين، وقال الضحاك خيانتهما النميمة إذ اوحى الله اليهما افشتاه الى المشركين واسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط واهلة وقال مقاتل والفة وواهلة. (وفى) تفسير على بن ابراهيم: (كانتا تحت عبدين من عبادنا فخانتاهما): والله ما عنى بقوله فخانتاهما الا الفاحشة. (اقول) ينبغى حمل الفاحشة هنا على

[ 85 ]

معناها اللغوى وهو ما تفاحش قبحه ولا قبح اكبر من الكفر والنفاق. (وفيه) ايضا عن امير المؤمنين عليه السلام، عن ابن ابي عمير عن ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام قال: بقى نوح عليه السلام فى قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم الى الله فلم يجيبوه فهم ان يدعو عليهم عند طلوع الشمس فوافاه اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وهم العظماء من الملائكة قالوا له نسالك ان لا تدعو على قومك قال نوح قد اجلتهم ثلاثمائة سنة فلما اتى عليهم ستمائة سنة ولم يؤمنوا، هم ان يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية فقالوا نسألك ان لا تدعو على قومك فقال نوح قد اجلتهم ثلاثمائة سنة فلما اتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا، هم ان يدعو عليهم فانزل الله عزوجل (انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن) فقال نوح عليه السلام (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) فأمره الله عزوجل ان يغرس النخل فكان قومه يسخرون به ويقولون شيخ يغرس النخل فلما اتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل امره الله ان ينحت السفينة وامر جبرئيل عليه السلام ان يعلمه فقدر طولها فى الارض الفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها فى السماء ثمانون ذراعا فقال يا رب من يعيننى على اتخاذها ؟ فأوحى الله إليه: ناد فى قومك من اعانني عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضة فنادى نوح فيهم بذلك فاعانوه عليه وكانوا يسخرون منه و يقولون يتخذ سفينة فى البر. (وعنه) عليه السلام لما اراد الله عزوجل اهلاك قوم نوح عليه السلام عقم ارحام النساء اربعين عاما لم يولد فيهم مولود فلما فرغ من اتخاذ السفينة امره الله تعالى ان ينادى فيهم بالسريانية لا يبقى بهيمه ولا حيوان الا حضر فادخل كل جنس من اجناس الحيوان زوجين السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانون رجلا فقال الله تعالى (احمل فيها من كل زوجين اثنين) وكان نجر السفينة فى مسجد الكوفة فلما كان اليوم الذى اراد الله اهلاكهم كانت امرأة نوح تخبز فى الموضع الذى يعرف بفار التنور فى مسجد الكوفة وقد كان نوح عليه السلام

[ 86 ]

اتخذ لكل ضرب من اجناس الحيوان موضعا فى السفينة وجمع لهم ما يحتاجون إليه من الغذاء وصاحت امرأته لما فار التنور فجاء نوح الى التنور فوضع طينا وختمه حتى ادخل جميع الحيوانات فى السفينة ثم جاء الى التنور وفض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس ونزل من السماء ماء منهمر صب بلا قطر وتفجرت الارض عيونا فقال الله عزوجل اركبوا فيها فدارت السفينة ونظر نوح عليه السلام الى ابنه يقع ويقوم فقال له (يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) فقال ابنه (سآوى الى جبل يعصمني من الماء) فقال نوح (لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم الله) ثم قال نوح: (رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق) فقال يا نوح (انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فحال بينهما الموج فكان من المغرقين) فدارت السفينة وضربتها الامواج حتى وافت مكة وطافت فى البيت وغرق جميع الدنيا الا موضع البيت وانما سمي البيت العتيق لانه اعتق من الغرق فبقى الماء ينصب من السماء اربعين صباحا ومن الارض العيون حتى ارتفعت السفينة فمست السماء فرفع نوح يده وقال (يا رهمان اتفر) وتفسيرها يا رب احسن فامر الله الارض ان تبلع ماءها فاراد ماء السماء ان يدخل فى الارض فامتنعت الارض من قبوله وقالت انما امرني ان ابلع مائى فبقى ماء السماء على وجه الارض واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم فبعث الله جبرئيل عليه السلام فساق الماء الى البحار حول الدنيا وانزل الله على نوح: (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم) فنزل نوح عليه السلام بالموصل من السفينة مع الثمانين، وبنوا مدينة الثمانين، و كانت لنوح بنت ركبت معه السفينة فتناسل الناس منها وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: نوح احد الابوين، انتهى ملخصا. (اقول) قوله تعالى: (انه ليس من اهلك). قيل فيه اقوال: (احدها) - انه كان ابنه لصلبه والمعنى انه ليس من اهلك الذين وعدتك نجاتهم معك لان الله تعالى قد استثنى من اهله الذين وعده ان ينجيهم ممن اراد

[ 87 ]

اهلاكهم بالغرق فقال (الا من سبق عليه القول) عن ابن عباس. (وثانيها) ان المراد بقوله (انه ليس من اهلك) ليس على دينك فكأن كفره اخرجه عن ان يكون له احكام اهله وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وآله سلمان منا اهل البيت وانما اراد على ديننا. (ويؤيد) هذا التأويل ان الله سبحانه قال على طريق التعليل (انه عمل غير صالح) فبين انه انما اخرج عن احكام اهله لكفره وشره عمله. (وثالثها) انه لم يكن ابنه حقيقة وانما ولد على فراشه فقال عليه السلام انه ابنه على ظاهر الامر فاعلمه الله ان الامر بخلاف الظاهر ونبهه على خيانة امرأته، عن الحسن ومجاهد وهذا الوجه بعيد من حيث ان فيه منافاة للقرآن لانه تعالى قال (ونادى نوح ابنه) ولان الانبياء يجب ان ينزهوا عن مثل هذا الحال لانها تعيير و تشيين وقد نزه الله انبياءه عما دون ذلك. (ورابعها) انه كان ابن امرأته وكان ربيبه. ويعضده قراءة من قرأ بفتح الهاء وحذف الالف واثباته لفظا والمعتمد المعول عليه فى تأويل الآية القولان الاولان (وعن) ابى جعفر عليه السلام قال: كان قوم مؤمنون قبل نوح عليه السلام فماتوا فحزن عليهم الناس فجاء ابليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها فانسوا بها فلما جاء الشتاء ادخلوهم البيوت فمضى ذلك القرن وجاء القرن الآخر فجاءهم ابليس فقال لهم ان هؤلاء آلهة كان آباؤكم يعبدونها فعبدوهم وضل منهم كثير فدعا عليهم نوح فاهلكهم الله. وفى (مناقب ابن شهرآشوب) عن الأزدي قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول (ونادى نوح ابنه) أي ابنها وهى لغة طى. (اقول) هذه القراءة بفتح الهاء وحذف الالف وهى لغة طى ونسبها القراء والمفسرون الى اهل البيت عليهم السلام يعنى ابن امرأته. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال ان نوحا لما كان ايام الطوفان دعا مياه الارض فأجابته الا المر والكبريت (وعنه) عليه السلام لما هبط نوح عليه السلام من السفينة اتاه ابليس فقال له ما فى الارض رجل اعظم منة علي منك دعوت الله

[ 88 ]

على هؤلاء الفساق فارحتني منهم الا اعلمك خصلتين اياك والحسد فهو الذى عمل بى واياك والحرص فهو الذى عمل بآدم ما عمل. وفى حديث آخر قال له جزاء هذه المنة اذكرني فى ثلاثة مواطن فانى اقرب ما يكون الى العبد إذا كان فى احداهن اذكرني إذا غضبت واذكرني إذا حكمت بين اثنين واذكرني إذا كنت مع امرأة خليا ليس معكما احد. (عيون الاخبار الرضا) عليه السلام: سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل (يوم يفر المرء من اخيه. وامه وابيه. وصاحبته وبنيه) من هم ؟ فقال (ع) قابيل يفر من هابيل والذى يفر من امه موسى والذى يفر من ابيه ابراهيم والذى يفر من صاحبته لوط والذى يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان. (علل الشرايع) عن وهب مسندا قال اهل الكتاب يقولون ان ابليس عمر زمان الغرق كله فى الجو الاعلى يطير بين السماء والارض بالذى اعطاه الله من القوة والحيلة وعمرت جنوده فى ذلك الزمان تطفو فوق السماء وتحولت الجن ارواحا تهب فوق الماء وبذلك توصف خلقتها انها تهوى هوى الريح، انما سمى طوفان لان الماء طفى فوق كل شىء فلما هبط نوح عليه السلام من السفينة اوحى الله عزوجل إليه يا نوح انى خلقت خلقي لعبادتي وامرتهم بطاعتي وقد عصوني وعبدوا غيرى واستوجبوا بذلك غضبى فغرقتهم وانى قد جعلت قوسى امانا لعبادي وبلادى وموثقا منى بينى وبين خلقي يامنون به الى يوم القيامة من الغرق ومن اوفى بعهده منى، ففرح نوح، عليه السلام بذلك وتباشر وكانت القوس فيها سهم ووتر فنزع الله عزوجل السهم والوتر من القوس و جعلها امانا لعباده من الغرق. (اقول) جاء فى الحديث عن الصادق عليه السلام ان هذا القوس ظهر فى السماء بعد الغرق امانا منه لمن بقى الى يوم القيامة. وقال عليه السلام: لا تقولوا قوس قزح فان قزح اسم الشيطان ولكن قولوا قوس الله و ان هذه المجرة التى فى السماء ويسمونها مجر الكبش موضع انفطار السماء للماء لانه لم ينزل قطرات وانما نزل دفعا فلما التأمت السماوات بقى اثره كالجرح المندمل يبقى اثره فى البدن.

[ 89 ]

(عيون اخبار الرضا عليه السلام) قال الوشا: قال لى كيف تقرؤون (قال يا نوح انه ليس من اهلك‌انه عمل غير صالح) فقلت من الناس من يقرأ (انه عمل غير صالح) نفاه عن ابيه، فقال عليه السلام كلا لقد كان ابنه ولكن لما عصى الله عزوجل نفاه عن ابيه. (اقول) هاهنا قراءتان فى المتواتر فالاكثر على الفعل الماضي وما بعده منصوب على المفعولية يعنى ان اعماله غير صالحة، وقراءة الكسائي ويعقوب وسهل على المصدرية وما بعده صفة له واولوه على انه تولد من الخيانة، وحينئذ فقوله عليه السلام: كلا يجوز ان يكون ردا للتأويل لا للقراءة يعنى ان تأويلهم باطل لان نفيه عنه باعتبار الدين والعمل ويجوز ان يكون نفيا للقراءة يعنى انها قراءة باطلة لم ينزل بها جبرئيل عليه السلام. (وفيه) تأييد لما حررناه فى مواضع من كتبنا من القدح فى تواتر القراءآت السبع وانها ان ثبت تواترها فانما هو عن القراء السبعة لاعن صاحب الوحى صلى الله عليه وآله وذلك ان القراء فى كثير من الموارد إذا ذكروا قراءة يقولون قرأ فلان كذا فيجعلون قراءة القرآن تسمية لقراءتهم صلوات الله عليهم و قد فصلنا الكلام فى هذا المقام فى شرحنا على تهذيب الحديث بما لا مزيد عليه. (وفيه) عنه عليه السلام قال: سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام فقال: ما بال الماعز مرفوعة الذنب بادية الحياء والعورة ؟ فقال: لان الماعز عصت نوحا عليه السلام لما ادخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها. والنعجة مستورة الحياء و العورة لان النعجة بادرت بالدخول الى السفينة فمسح نوح عليه السلام يده على حياها وذنبها فاستوت الألية. (علل الشرايع) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان النجف كان جبلا وهو الذى قال ابن نوح (سآوى الى جبل يعصمني من الماء) ولم يكن على وجه الارض جبل اعظم منه، فأوحى الله عزوجل إليه: يا جبل ايعتصم بك منى ! فتقطع قطعا قطعا الى بلاد الشام وصار رمادا دقيقا وصار بعد ذلك بحرا عظيما وكان

[ 90 ]

يسمى ذلك البحر ببحر (ني) ثم جف بعد ذلك وقيل: ني جف فسمى نجف ثم صار بعد ذلك يسمونه نجف لانه كان اخف على السنتهم. (وفيه) انه لما ركب نوح عليه السلام فى السفينة القى الله عزوجل السكينة على ما فيها من الدواب والطير والوحش فلم يكن شىء فيها يضر شيئا كانت الشاة تحتك بالذئب والبقر تحتك بالاسد واذهب الله حمة كل ذى حمة فلم يزالوا كذلك فى السفينة حتى خرجوا منها وكان الفار قد كثر فى السفينة والعذرة، فأوحى الله عز وجل الى نوح عليه السلام ان يمسح الاسد فمسحه فعطس فخرج من منخريه هران ذكر و انثى فخف الفار، ومسح وجه الفيل فعطس فخرج من منخريه خنزيران ذكر وانثى فخف العذرة. وعن ابى عبد الله عليه السلام قال: جاء نوح عليه السلام الى الحمار ليدخله السفينة فامتنع عليه وكان ابليس بين ارجل الحمار، فقال يا شيطان ادخل فدخل الحمار ودخل الشيطان. (وعنه) عليه السلام قال: ارتفع الماء زمن نوح عليه السلام على كل جبل وعلى كل سهل خمسة عشر ذراعا. (الفقيه) قال أبو جعفر الباقر عليه السلام ان الحيض للنساء نجاسة رماهن الله عز وجل بها وقد كن النساء فى زمن نوح عليه السلام انما تحيض المرأة فى كل سنة حتى خرجن نسوة من حجابهن وكن سبعمائة امرأة وانطلقن فلبسن المعصفرات من الثياب وتحلين و تعطرن ثم خرجن فتفرقن فى البلاد فجلسن مع الرجال وشهدن الاعياد معهم وجلسن فى صفوفهم فرماهن الله عزوجل بالحيض عند ذلك فى كل شهر يعنى اولئك النسوة باعيانهن فسالت دماؤهن فخرجن من بين الرجال فكن يحضن فى كل شهر حيضة فشغلهن الله تعالى بالحيض وكسر شهوتهن قال وكان غيرهن من النساء اللواتى لم يفعلن مثل ما فعلن يحضن فى كل سنة حيضة، قال: فتزوج بنوا اللائي يحضن فى كل شهر بنات اللاتى يحضن فى كل سنة حيضة فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء فى كل شهر حيضة وكثر

[ 91 ]

اولاد اللاتى يحضن فى كل شهر حيضة لاستقامة الحيض وقل اولاد اللاتي يحضن فى السنة حيضة لفساد الدم، قال فكثر نسل اولئك. (الكافي) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: لما اظهر الله نبوة نوح وايقن الشيعة بالفرج اشتدت البلوى ووثبوا الى نوح بالضرب المبرح حتى مكث فى بعض الاوقات مغشيا عليه ثلاثة ايام يجرى الدم من اذنه ثم افاق وذلك بعد سنة ثلاثمائة من مبعثه وهو فى خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهارا فيهربون ويدعوهم سرا فلا يجيبون ويدعوهم علانية فيولون. فهم بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم وجلس بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السابعة وهم ثلاثة املاك فسلموا عليه ثم قالوا له: يا نبي الله حاجتنا ان تؤخر الدعاء على قومك، فانها اول سطوة لله عزوجل فى الارض، قال: قد اخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة اخرى، وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون حتى إذا انقضت ثلاثمائة سنة اخرى ويئس من ايمانهم جلس فى وقت ضحى النهار للدعاء، فهبط إليه وفد من السماء السادسة فسلموا عليه وسألوه مثل ما سأله الوفد الاول فأجابهم مثل ما اجاب اولئك، ثم عاد و قومه بالدعاء حتى انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة فصارت إليه الشيعة و شكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج فأجابهم الى ذلك و صلى ودعا، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: ان الله تبارك وتعالى قد اجاب دعوتك فقل للشيعة يأكلوا التمر ويغرسوا النوى ويراعوه حتى يثمر، فإذا اثمر فرجت عنهم، فعرفهم ذلك واستبشروا ففعلوا ذلك وراعوه حتى اثمر ثم سألوه ان ينجز لهم الوعد. فسال الله ذلك، فأوحى الله إليه: قل لهم كلوا هذا التمر واغرسوا النوى فإذا اثمرت فرجت عنكم. فلما ظنوا ان الخلف قد وقع عليهم ارتد عنهم الثلث وبقى الثلثان فأكلوا التمر وغرسوا النوى حتى إذا اثمر اتوا به نوحا فسألوه ان ينجز لهم الوعد، فسال الله عزوجل عن ذلك، فأوحى الله إليهم: قل لهم كلوا التمر واغرسوا النوى، فارتد الثلث الاخر وبقى الثلث. فاكلوا التمر وغرسوا النوى، فلما اثمر اتوا به نوحا عليه السلام فأخبروه وقالوا: لم يبق منا الا

[ 92 ]

القليل ونحن نتخوف على انفسنا بتأخر الفرج ان نهلك، فصلى نوح عليه السلام فقال: يا رب لم يبق من اصحابي الا هذه العصابة وانى اخاف عليهم الهلاك ان تأخر الفرج، فأوحى الله عزوجل إليه: قد اجبت دعوتك فاصنع الفلك فكان بين اجابة الدعاء والطوفان خمسون سنة. (اقول) ورد فى سبب التأخير تصفية المؤمنين من الكفار والمنافقين الذين يظهرون الايمان ويسرون الكفر. (الخرائج) عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: لما اراد الله ان يهلك قوم نوح اوحى الله إليه ان شق الواح الساج فلما شقها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت بها مائة الف مسمار وتسعة و عشرون الف مسمار فسمر المسامير كلها السفينة الى ان بقيت خمسة مسامير فضرب بيده الى مسمار فاشرق بيده واضاء كما يضىء الكوكب الدري فى افق السماء فتحير نوح فانطق الله المسمار بلسان طلق ذلق فقال انا علي اسم خير الانبياء محمد بن عبد الله فهبط جبرئيل عليه السلام فقال له: يا جبرئيل ما هذا المسمار الذى ما رايت ؟ مثله فقال: هذا باسم سيد الانبياء محمد بن عبد الله، اسمره على اولها على جانب السفينة الايمن ثم ضرب بيده الى مسمار ثان، فاشرق وانار، فقال هذا مسمار اخيه وابن عمه سيد الاوصياء علي بن ابى طالب فاسمره على جانب السفينة الايسر فى اولها، ثم ضرب بيده الى مسمار ثالث فزهر واشرق وانار، فقال جبرئيل عليه السلام: هذا مسمار فاطمة، فاسمره الى جانب مسمار ابيها، ثم ضرب بيده الى مسمار رابع فزهر وانار، فقال جبرئيل (ع) هذا مسمار الحسن فاسمره الى جانب مسمار ابيه، ثم ضرب بيده الى مسمار خامس فزهر وانار واظهر النداوة، فقال جبرئيل (ع): هذا مسمار الحسين عليه السلام فاسمره الى جانب مسمار ابيه، فقال نوح يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال: هذا الدم فذكر قصة الحسين عليه السلام وما تعمل الامة به، فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام انه قال لبعض غلمانه فى شىء جرى: لئن

[ 93 ]

انتهيت والا ضربتك ضرب الحمار قيل وما ضرب الحمار ؟ قال ان نوحا عليه السلام لما ادخل السفينة من كل زوجين اثنين جاء الى الحمار فابى ان يدخل فاخذ جريدة من نخل فضربه ضربة واحدة وقال له: عبسا شيطانا، أي ادخل يا شيطان. (المحاسن) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: لما حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح عليه السلام فجزع جزعا شديدا، فاغتم بذلك، فأوحى الله إليه: ان كل العنب الاسود ليذهب غمك. (العياشي) عن عبد الله العلوى قال: كانت السفينة مطبقة بطبق وكان معه خرزتان تضىء احداهما بالنهار ضوء الشمس وتضىء احداهما بالليل ضوء القمر وكانوا يعرفون وقت الصلاة وكان آدم معه فى السفينة فلما خرج من السفينة صير قبره تحت المنارة بمسجد منى. اقول: اكثر الاخبار دالة على ان قبره بالنجف الاشرف ضجيع قبر امير المؤمنين (ع) وقبر نوح عليه السلام. و عن ابى عبد الله عليه السلام: ان مدة لبثهم فى السفينة سبعة ايام ولياليها. و فى حديث آخر مائة وخمسين يوما بلياليها. وقيل ستة اشهر. (العياشي) عن الاعمش يرفعه الى على عليه السلام فى قوله: (حتى إذا جاء امرنا وفار التنور) فقال: اما والله ما هو تنور الخبز، ثم اومأ بيده الى الشمس فقال طلوعها. (وفى تفسير العياشي) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: صنعها فى مائة سنة ثم امره ان يحمل فيها من كل زوجين اثنين، الازواج الثمانية التى خرج بها آدم من الجنة ليكون معيشة لعقب نوح عليه السلام فى الارض كما عاش آدم (ع) فان الارض تغرق و ما فيها الا ما كان معه فى السفينة قال فحمل نوح (ع) فى السفينة الازواج الثمانية التى قال الله (وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين) فكان زوجين من الضأن زوج يربيها الناس ويقومون بأمرها وزوج من الضأن التى تكون فى الجبال وهى الوحشية احل لهم صيدها، ومن المعز اثنين زوج يربيها الناس، وزوج من الظباء، ومن

[ 94 ]

البقر اثنين زوج يربيه الناس وزوج هو البقر الوحشى ومن الابل زوجين وهو البخاتي و الغراب وكل طير وحشى و انسى ثم غرقت الارض. اقول: المفسرون قالوا المراد بالزوجين الصنفان، يعنى الذكر والانثى، وما قاله عليه السلام هو الاصوب والانسب. وعنه عليه السلام قال: ينبغى لولد الزنا ان لا تجوز شهادته ولا يؤم بالناس لم يحمله نوح فى السفينة وقد حمل فيها الكلب والخنزير. وعنه عليه السلام فى قوله (وما آمن معه الا قليل) قال آمن معه ثمانية نفر من قومه. (وعنه عليه السلام) باسانيد متعددة فى قول الله (ونادى نوح ابنه) فقال ليس بابنه انما هو ابن زوجته على لغة طي يقولون لابن المرأة ابنه. (وعن) ابى الحسن عليه السلام: ان الله اوحى الى الجبال انى واضع سفينة نوح على جبل منكن فى الطوفان، فتطاولت وشمخت وتواضع جبل بالموصل يقال له الجودى فمرت السفينة تدور فى الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت الى الجودى، فوقفت عليه فقال نوح بارات قنى بارات قنى، يعنى اللهم اصلح اللهم اصلح، وفى حديث آخر انه ضرب جؤجؤ السفينة الجبل فخاف عليها، فقال يا ماريا اتقن، يعنى رب اصلح، وفى حديث آخر انه قال: يا رهمان اتقن وتأويلها رب احسن. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال: سأل نوح ربه ان ينزل على قومه العذاب فأوحى الله إليه ان يغرس نواة من النخل فإذا بلغت واثمرت هلك قومه، فغرس نوح النواة واخبر اصحابه بذلك فلما اثمرت واطعم اصحابه قالوا له يا نبى الله الوعد الذى وعدتنا، فأوحى الله إليه ان يعيد الغرس ثانية، حتى إذا بلغ النخل واثمر فأكل منه نزل عليهم العذاب، فاخبر نوح اصحابه بذلك فصاروا ثلاث فرق، فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت مع نوح عليه السلام، ففعل نوح عليه السلام ذلك حتى إذا بلغت النخلة واثمرت واكل منها واطعم اصحابه قالوا يا نبى الله الوعد الذى وعدتنا، فدعا نوح ربه فأوحى الله إليه: ان يغرس الغرسة الثالثة فإذا بلغ واثمر اهلك قومه. فاخبر اصحابه، فافترقوا ثلاث فرق، فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت معه حتى فعل نوح ذلك عشر مرات وفعل الله باصحابه الذين

[ 95 ]

يبقون معه فيفترقون كل فرقة ثلاث فرق على ذلك فلما كان فى العاشرة جاء إليه رجل من اصحابه فقال: يا نبى الله فعلت بنا ما وعدت أو لم تفعل، فانت صادق نبى مرسل لا نشك فيك ولو فعلت ذلك بنا، قال فعند ذلك من قولهم اهلكهم الله لقول نوح، وادخل الخاص معه السفينة فنجاهم الله تعالى ونجى نوحا معهم بعد ما صفوا وذهب الكدر منهم. (كتاب القصص) لمحمد بن جرير الطبري: ان الله تعالى اكرم نوحا بطاعته وكان طوله ثلاثمائة وستين ذراعا، بذراع زمانه. وكان لباسه الصوف ولباس ادريس قبله الشعر، و كان يسكن الجبال وياكل من نبات الارض. وفى حديث آخر: انه كان نجارا فجاءه جبرئيل عليه السلام بالرسالة وقد بلغ عمره اربعمائة سنة وستين سنة، فقال له: ما بالك معتزلا ؟ قال لان قومي لا يعرفون الله فاعتزلت عنهم، فقال جبرئيل عليهم السلام فجاهدهم، فقال نوح عليه السلام لا طاقة لي بهم ولو عرفوني لقتلوني فقال له فان اعطيت القوة كنت تجاهدهم ؟ قال وا شوقاه الى ذلك، فقال له نوح من انت ؟ فصاح جبرئيل (ع) صيحة واحدة، فأجابته الملائكة بالتلبية ورجت الارض وقالت لبيك لبيك يا رسول رب العالمين فبقى نوح مرعوبا، فقال له جبرئيل عليه السلام انا صاحب ابويك آدم وادريس و الرحمن يقرؤك السلام، وقد اتيتك بالبشارة وهذا ثوب الصبر وثوب اليقين و ثوب النصرة وثوب الرسالة والنبوة وآمرك ان تتزوج بعمارة بنت ضمران بن اخنوخ فانها اول من تؤمن بك، فمضى نوح عليه السلام يوم عاشوراء الى قومه وفى يده عصا بيضاء وكانت العصا تخبره بما يكن به قومه، وكان رؤساؤهم سبعين الف جبار عند اصنامهم فى يوم عيدهم، فنادى لا اله الا الله، فارتجت الاصنام وخمدت النيران واخذهم الخوف، وقال الجبارون من هذا ؟ فقال نوح: انا عبدالله وابن عبديه بعثنى اليكم رسولا، فسمعت عمورة كلام نوح فآمنت به فعاتبها ابوها أيؤثر فيك قول نوح فى يوم واحد واخاف ان يعرف الملك بك فيقتلك، فقالت عمورة: يا ابت اين عقلك وحلمك نوح رجل وحيد ضعيف يصيح فيكم تلك الصيحة فيجرى عليكم

[ 96 ]

ما يجرى فتوعدها، فلم ينفع، فاشاروا عليه بحبسها ومنعها الطعام، فحبسها فبقيت فى الحبس سنة وهم يسمعون كلامها، فاخرجها بعد سنة، وقد صار عليها نور عظيم وهى فى احسن حال فتعجبوا من حياتها بغير طعام، فسألوها فقالت: انها استغاثت برب نوح وان نوحا عليه السلام كان يحضر عندها بما تحتاج إليه، ثم ذكر تزويجه بها وانها ولدت له سام بن نوح، وذكروا انه كان لنوح امرأتان، احداهما رايعة، وهى الكافرة فهلكت، وحمل نوح معه فى السفينة امرأته المسلمة. وعن الصادق عليه السلام قال: يوم النيروز هو اليوم الذى استوت فيه سفينة نوح عليه السلام على الجودى. (دعوات الراوندي) قال: لما ركب نوح فى السفينة أبى ان يحمل العقرب معه فقالت عاهدتك ان لا السع احدا يقول: سلام على محمد وآل محمد وعلى نوح فى العالمين وقال على عليه السلام: صلى نبى الله نوح عليه السلام ومن معه ستة اشهر قعودا لان السفينة كانت تنكفأ بهم. الباب الرابع فى قصص هود النبي عليه السلام وقومه وعاد قال الله تعالى: (والى عاد اخاهم هودا. قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره افلا تتقون) وقد ذكر الله سبحانه قصته فى كثير من السور والآيات. (وعاد) هو عاد بن عوض بن ارم بن سام بن نوح، اخاهم فى النسب، لان هود بن شالخ بن ارفخشد بن نوح. وقيل هو ابن عبد الله بن رياح بن حلوت ابن عاد بن علوص بن آدم بن سام بن نوح. كذا فى كتاب النبوة: وقد جعلهم

[ 97 ]

الله سكان الارض من بعد قوم نوح وزادهم بسطة فى الخلق، كان اطولهم مائة ذراع واقصرهم سبعين ذراعا. وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: كانوا كأنهم النخل الطوال فكان الرجل منهم يضرب الجبل بيده فيهدم منه قطعة وكانوا يعبدون اصناما سموها آلهة، ولذا قال لهم هود (ع): (اتجادلوننى فى اسماء سميتموها). وقيل معناه تسميتهم لبعضها انه يسقيهم المطر والارض وانه ياتيهم بالرزق والآخر انه يشفى المرضى والآخر انه يصحبهم في السفر، وهؤلاء الذين اهلكهم الله بالريح، خرج على قدر الخاتم وكانوا يقولون لنبيهم هود ولا نقول فيك الا انه اصابك بعض آلهتنا بسوء فخبل عقلك لسبك اياه، وكانوا يبنون البنيان بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة فيسخروا بهم ويعبثوا منهم. وقيل ان معنى قوله: (اتبنون بكل ريع) هو اتخاذهم بروجا للحمام عبثا ولما دعاهم ولم ينفع بهم حبس الله سبحانه عنهم المطر فساق إليهم سحابة سوداء فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا، فقال هود بل هو العذاب الذى طلبتموه فارسل الله عليهم ريحا اهلكت كل شىء واعتزل هود ومن معه فى حضيرة لم يصبهم من تلك الريح الا ما تلين على الجلود وتلتذ به الانفس وانها لتمر على عاد بالظعن ما بين السماء والارض حتى ترى الظعينة كأنها جرادة وقد سخر تلك الريح عليهم سبع ليال وثمانية ايام، قال وهب: هي التى تسميها العرب ايام العجوز ذات برود ورياح شديدة، وانما نسبت الى العجوز، لان عجوزا دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها فى اليوم الثامن. (وفى تفسير على بن ابراهيم) ان عادا كانت بلادهم فى البادية وكانت لهم زرع ونخل كثير ولهم اعمار طويلة و اجسام طويلة فعبدوا الاصنام فبعث الله إليهم هودا يدعوهم الى الاسلام فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه فكفت السماء عنهم سبع سنين حتى قحطوا وكان هود زارعا وكان يسقى الزرع، فجاء قوم الى بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأته شمطاء عوراء، فقالت ومن انتم ؟ فقالوا نحن من بلاد كذا وكذا اجدبت بلادنا، فجئنا الى هود نسأله ان يدعو الله حتى تمطر وتخصب

[ 98 ]

بلادنا، فقالت لو استجيب لهود لدعا لنفسه احترق زرعه لقلة الماء، قالوا فأين هو ؟ قالت هو فى موضع كذا وكذا فجاؤا إليه، فقالوا يا نبى الله قد اجدبت بلادنا فأسال الله ان يمطر بلادنا، فصلى ودعا لهم فقال: ارجعوا فقد امطرتم، فقالوا يا نبى الله لقد رأينا فى بيتك عجبا، امرأة شمطاء عوراء، وحكوا له كلامها، فقال هود تلك امراتى، وانا ادعو الله لها بطول البقاء ! فقالوا وكيف ذلك ؟ قال لانه ما خلق الله مؤمنا الا وله عدو يؤذيه وهى عدوتى فلان يكون عدوي ممن املكه، خير من ان يكون عدوى ممن يملكني، فبقى هود فى قومه يدعوهم الى الله وينهاهم عن عبادة الاصنام حتى تخصب بلادهم وهو قوله عزوجل: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين). (فقالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين) فلما لم يؤمنوا ارسل الله عليهم الريح الصرصر، يعنى الباردة، وهو قوله فى سورة القمر: (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر. إنا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر). وحكى فى سورة الحاقة فقال: (واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما). قال كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية ايام. وعن ابى جعفر عليه السلام: الريح العقيم تخرج من تحت الارضين السبع، وما خرج منها شىء قط الا على قوم عاد، حين غضب الله عليهم، فامر الخزان ان يخرجوا منها مثل سعة الخاتم، فعصفت على الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد، فضج الخزنة الى الله من ذلك. وقالوا: يا ربنا انها قد عتت علينا ونحن نخاف ان نهلك، ممن لم يعصك من خلقك وعمار بلادك، فبعث الله جبرئيل (ع) فردها بجناحه، وقال لها اخرجي على ما امرت به، فرجعت وخرجت على ما امرت به فأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم. (على بن ابراهيم) قال حدثني أبي قال امر المعتصم ان يحفر بالبطانية بئر، فحفروا ثلاثمائة قامة فلم يظهر الماء فتركه ولم يحفره، فلما ولي المتوكل امر ان يحفر ذلك

[ 99 ]

البئر ابدا حتى يبلغ الماء، فحفروا حتى وضعوا فى كل مائة قامة بكرة حتى انتهوا الى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت فخرجت عليهم منها ريح باردة فمات من كان بقربها، فأخبروه بذلك فلم يعلم ما ذاك فقالوا سل ابن الرضا عن ذلك وهو أبو الحسن على بن محمد العسكري عليه السلام، فكتب إليه يساله عن ذلك، فقال عليه السلام: تلك بلاد الاحقاف - اي الرمل - وهم قوم عاد الذين اهلكهم الله بالريح الصرصر وكان نبيهم هود وكانت بلادهم كثيرة الخير، فحبس الله عنهم المطر سبع سنين، حتى اجدبوا وذهب خيرهم وكان هود يدعوهم فلم يؤمنوا. فأوحى الله الى هود عليه السلام: ان ياتيهم العذاب فى وقت كذا وكذا ريح فيها عذاب اليم، فلما كان ذلك الوقت نظروا الى سحاب قد اقبلت ففرحوا بالمطر، فقال هود عليه السلام بل هو عذاب استعجلتم بطلبه، ريح فيها عذاب اليم فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم، وكل هذه الاخبار من هلاك الامم تخويف وتحذير لامة محمد صلوات الله عليه وآله (وقال عليه السلام) الرياح خمسة منها العقيم فنعوذ بالله من شرها. (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله): ما خرجت ريح قط الا بمكيال الا زمن عاد فانها عتت على خزانها، فخرجت فى مثل خرق الابرة فاهلكت قوم عاد. (الكافي) عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان لله جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه، و لكل ريح منها ملك موكل بها، فإذا اراد الله ان يعذب قوما بنوع من العذاب، اوحى الله الى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التى يريد ان يعذبهم بها، قال: فيأمرها الملك فتهيج كما يهيج الاسد المغضب، قال ولكل ريح منهن اسم، اما تسمع قوله تعالى فى عاد: (إذا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر) وقال تعالى الريح العقيم وقال (ريح فيها عذاب اليم) وقال: (فأصابها اعصار فيه نار فاحترقت) وما ذكر من الرياح التى يعذب الله بها من عصاه. (علل الشرايع) بالاسناد عن وهب قال: ان الريح تحت هذه الارض التى نحن عليها قد زمت بسبعين الف زمام من حديد، قد وكل بكل زمام سبعون الف ملك، سلطها الله عزوجل على عاد، استاذنت خزنة الريح ربها عزوجل ان

[ 100 ]

يخرج منها فى مثل منخرى الثور، ولو اذن الله عزوجل لها ما تركت شيئا على وجه الارض الا احرقته، فأوحى الله عزوجل الى خزنة الريح ان اخرجوا منها مثل ثقب الخاتم، فاهلكوا بها، وبها ينسف الله عزوجل الجبال نسفا والتلال والآكام و المدائن والقصور يوم القيامة. وذلك قوله عزوجل: (يسالونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا. فيذرها قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا امتا) والقاع الذى لا نبات فيها، والصفصف الذى لا عوج فيه، والامت المرتفع، وانما سميت العقيم لانها تلقحت بالعذاب وتعقمت عن الرحمة كتعقم الرجل، إذا كان عقيما لا يولد له، وطحنت تلك القصور والحصون والمدائن حتى صاروا رملا، وانما كثر الرمل فى تلك البلاد لان الريح طحنت تلك البلاد وعصفت عليهم (سبع ليال وثمانية ايام حسوما. فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية) وكانت ترفع الرجال والنساء فتهب بهم صعدا ثم ترمى بهم من الجو فيقعون على رؤوسهم منكبين، تقلع الرجال والنساء من تحت ارجلهم ثم ترفعهم وكانت الريح نقضت الجبال كما نقضت المساكن فتطحنها، ثم تعود رملا دقيقا، انما سميت عاد ارم ذات العماد، من اجل انهم كانوا يسلخون العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول الجبال الذى يسلخونه من اسفله الى اعلاه، ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها، ثم يبنون القصور عليها، فسميت ذات العماد لذلك. (كتاب الاحتجاج) عن على بن يقطين قال: امر أبو جعفر الدوانيقي يقطين ان يحفر بئرا بقصر العبادي، فلم يزل يقطين فى حفرها حتى مات أبو جعفر، ولم يستنبط منها الماء فاخبر المهدى بذلك، فقال له احفر ابدا حتى يستنبط الماء ولو انفقت جميع ما فى بيت المال، فوجه يقطين اخاه ابا موسى فى حفرها، فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقبا فى اسفل الارض فخرجت منه الريح فهالهم ذلك فاخبروا به ابا موسى فقال انزلوني وكان رأس البئر اربعين ذراعا فى اربعين ذراع، فاجلس فى شق محمل ودلى فى البئر فلما صار فى قعرها نظر الى هولها وسمع دوي الريح فى اسفل ذلك،

[ 101 ]

فامرهم ان يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم، ثم دلي فيه رجلان فى شق محمل، فقال ائتونى بخبر هذا فنزلا ومكثا مليا ثم حركا الحبل، فاصعدا فقال لهما، ما رأيتما ؟ قالا امرا عظيما نساء ورجالا وبيوتا وآنية و متاعا كلهم مسوخ من حجارة، فاما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم. فمن بين قاعد ومضطجع ومتكىء، فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتقشأ مثل الهباء، ومنازلهم قائمة، فكتب بذلك أبو موسى الى المهدى، فكتب الى المدينة الى موسى بن جعفر عليه السلام يسأله ان يقدم عليه، فقدم عليه، فاخبره فبكى بكاءا شديدا، وقال يا امير المؤمنين هؤلاء بقية اصحاب عاد غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم، هؤلاء اصحاب الاحقاف - أي الرمل - اقول: قال المبرد المراد من الاحقاف الرمل الكثير، وهى رمال بين عمان الى حضرموت. وقيل هي باليمن مشرفة على البحر. (اكمال الدين) مسندا الى ابى وائل قال: ان رجلا يقال له عبد الله بن قلابة خرج فى طلب ابل له قد شردت، فبينما هو فى صحاري عدن فى الفلوات إذ هو قد وقع على مدينة عليها حصن حول ذلك الحصن قصور كثيرة واعلام طوال فلما دنى منها ظن ان فيها من يسأله عن ابله فلم ير داخلا ولا خارجا، فنزل عن ناقته وعقلها وسل سيفه ودخل من باب الحصن فإذا هو ببابين عظيمين لم ير فى الدنيا اعظم منهما و لا اطول، وإذا خشبهما من اطيب عود وعليها نجوم من ياقوت اصفر وياقوت احمر ضوءها قد ملأ المكان، فلما راى ذلك المكان اعجبه ففتح احد البابين ودخل فإذا هو بمدينة لم ير الراؤون مثلها قط، و إذا هو بقصور وكل قصر منها معلق تحته اعمدة من زبرجد وياقوت فوق كل قصر منها غرف وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعلى كل باب من ابواب تلك القصور مصاريع مثل مصاريع باب المدينة من عود طيب قد نضدت عليه اليواقيت وقد فرشت تلك القصور باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فلما رأى ذلك ولم ير احدا افزعه ذلك، ونظر الى الازقة وإذا فى كل زقاق منها اشجار قد اثمرت تحتها انهار تجرى، فقال هذه الجنة التى وعد الله عزوجل لعباده فى الدنيا فالحمد لله الذى

[ 102 ]

ادخلني الجنة، فحمل من لؤلؤها وبنادق المسك والزعفران ولم يستطع ان يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها لانه كان مثبتا فى ابوابها وجدرانها، وكان اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران بمنزلة الرمل فى تلك القصور والغرف كلها، فاخذ منها ما اراد وخرج، حتى اتى ناقته ركبها ثم سار يقفو اثره حتى رجع الى اليمن واظهر ما كان معه واعلم الناس امره وباع بعض ذلك اللؤلؤ، وكان قد اصفر وتغير من طول ما مر عليه من الليالى والايام، فشاع خبره وبلغ معاوية بن ابى سفيان، فارسل رسولا الى صاحب صنعاء وكتب باشخاصه، فشخص حتى قدم على معاوية. فخلا به وسأله عما عاين، فقص عليه امر المدينة وما راى فيها وعرض عليه ما حمله منها من اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فقال والله ما اعطي سليمان بن داود مثل هذه المدينة. فبعث معاوية الى كعب الأحبار فقال له يا ابا اسحاق هل بلغك ان فى الدنيا مدينة مبنية بالذهب والفضة وعمدها زبرجد و ياقوت وحصا قصورها وغرفها اللؤلؤ وانهار فى الازقة تجرى من تحت الاشجار. قال كعب: اما هذه المدينة صاحبها شداد بن عاد الذى بناها، واما المدينة فهى ارم ذات العماد وهى التى وصفها الله عزوجل فى كتابه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وذكر انه لم يخلق مثلها فى البلاد. قال معاويه حدثنا بحديثها فقال: ان عاد الاولى وليس بعاد قوم هود كان له ابنان سمي احدهما شديدا والآخر شدادا، فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبرا واطاعهما الناس فى الشرق والغرب فمات شديد وبقى شداد، فملك وحده لم ينازعه احد، وكان مولعا بقراءة الكتب، وكان كلما سمع بذكر الجنة وما فيها من البنيان والياقوت والزبرجد رغب ان يفعل مثل ذلك فى الدنيا، عتوا على الله عزوجل فجعل على صنعتها مائة رجل، تحت كل واحد الف من الاعوان، فقال انطلقوا الى اطيب فلاة فى الارض واوسعها واعملوا لى فيها مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ واصنعوا تحت تلك المدينة اعمدة من زبرجد وعلى المدينة قصورا وعلى القصور غرفا وفوق الغرف غرف، و اغرسوا تحت القصور وفى ازقتها

[ 103 ]

اصناف الثمار كلها واجروا فيها الانهار، حتى تكون تحت اشجارها، فانى ارى فى الكتب صفة الجنة وانا احب ان اجعل مثلها فى الدنيا، قالوا له كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذهب والفضة حتى يمكننا ان نبني مدينة كما وصفت ؟ قال شداد ألا تعلمون ان ملك الدنيا بيدى ؟ قالوا بلى، قال انطلقوا الى كل معدن من معادن الجواهر والذهب والفضة فوكلوا بها حتى تجمعون ما تحتاجون إليه وخذوا جميع ما تجدونه فى ايدى الناس من الذهب والفضة، فكتبوا الى ملك الشرق والغرب فجعلوا يجمعون الجواهر عشر سنين فبنوا له هذه المدينة فى مدة ثلاثمائة سنة، وعمر شداد تسعمائة سنة، فلما اتوه واخبروه بفراغهم منها، قال فانطلوا فاجعلوا عليها حصنا واجعلوا حول الحصن الف قصر عند كل قصر الف علم يكون فى كل قصر من القصور وزير من وزرائي، فرجعوا و عملوا ذلك كله. ثم اتوه فأخبروه بالفراغ منها كما امرهم، فامر الناس بالتجهيز الى ارم ذات العماد فاقاموا فى تجهيزهم إليها عشر سنين، ثم سار الملك يريد ارم، فلما كان من المدينة على مسيرة يوم وليلة، بعث الله عزوجل عليه وعلى جميع من كان معه صيحة من السماء فاهلكتهم، ولا دخل ارم ولا احد ممن كان معه، فهذه صفة ارم ذات العماد، وانى لاجد فى الكتب ان رجلا يدخلها و يرى ما فيها ثم يخرج فيحدث الناس بما رأى، فلا يصدق، وسيدخلها اهل الدين فى آخر الزمان. وفى (مجمع البيان) فى آخره: وسيدخلها فى زمانك رجل من المسلمين احمر اشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج من تلك الصحاري فى طلب ابل له (و الرجل عند معاوية) فالتفت إليه كعب وقال: هذا والله ذلك الرجل.

[ 104 ]

الباب الخامس فى قصص نبى الله صالح صلوات الله عليه وفيه بيان حال قومه قال الله تبارك وتعالى: (و الى ثمود اخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل فى ارض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم. واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم فى الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الارض مفسدين. قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم اتعلمون ان صالحا مرسل من ربه قالوا انا بما ارسل به مؤمنون. قال الذين استكبروا إنا بالذى آمنتم به كافرون. فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم وقالوا يا صالح إئتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين. فاخذتهم الرجفة فاصبحوا فى دارهم جاثمين. فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين). وقد ذكر الله سبحانه قصتهم فى كتابه المجيد تعظيما لمواقعتهم الشنيعة وتخويفا لهذه الامة من ان يرتكبوا مثلها، وقد ارتكبوا ما هو اشنع وافضع منها. ولهذا صح عنه صلى الله عليه وآله انه قال لعلى عليه السلام: اشقى الاولين والاخرين من عقر ناقة صالح ومن ضربك يا علي على قرنك حتى تخضب من دم راسك لحيتك. وتواتر عنه صلى الله عليه وآله تشبيه قاتله عليه السلام بعاقر الناقة. وقد

[ 105 ]

صنف بعض المتأخرين رسالة فى وجه هذا التشبيه واطال فى بيان وجوه المناسبة ومن امعن النظر فيه يظهر له شدة انطباقه عليه وذلك ان عليا عليه السلام كان آية لله تعالى اظهرها على يدى رسول الله صلى الله عليه وآله، كما قال عليه السلام: و أي آيي اعظم مني. وذكر الفاضل المعتزلي ابن ابى الحديد فى الشرح: ان تاريخ الدنيا واحوالها مضبوط من بعد الطوفان الى يومنا هذا، وما بلغنا فى هذه المدة الطويلة ان رجلا من العرب والعجم والترك والهند والروم يدانيه فى الشجاعة مع تكثرهم فى طوائف الناس بل ولم يقاربه احد فى خصلة من خصال الكمال. (وروى) صاحب كتاب القدسيات من علماء الجمهور انه قال جبرئيل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وآله: ان الله بعث عليا مع الانبياء باطنا وبعثه معك ظاهرا. واما ولادته فكانت فى الكعبة التى هي صخرة بيت الله، كما خرجت الناقة من الصخرة، ولم يتفق ذلك لنبى أو وصى نبى. وكان عليه السلام: يمير الناس العلوم و الحكم، كما كانت الناقة تميرهم السقيا. واما سبب شهادته عليه السلام فكانت قطامة عليها لعنة الله، كما كان السبب فى عقر الناقة الملعونة الزرقاء، و بعد ان استشهد عليه السلام عمدوا الى ولده الحسين عليه السلام وقتلوه، كما قتل اولئك فصيل الناقة، الى غير ذلك من وجوه المناسبة بين قران قاتله عليه السلام مع عاقر الناقة والمشابهة بينهما. وقوله سبحانه: (تتخذون من سهولها) السهل خلاف الجبل، وهو ما ليس فيه مشقة للناس أي تبنون فى سهولها الدور و القصور، وانما اتخذوها فى السهول ليصيفوا فيها (وتنحتون من الجبال بيوتا) قال ابن عباس: كانوا يبنون القصور بكل موضع وينحتون من الجبال بيوتا ليكون مساكنهم فى الشتاء احسن وأدفا. وكانت ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام و كانت عاد باليمن وكانت اعمار ثمود من الف سنة الى ثلاثمائة. واما صالح عليه السلام: فهو صالح بن ثمود بن عاثر بن ارم بن سام بن نوح (ع)

[ 106 ]

(العياشي) عن ابيه عن ابى حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام: قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله سأل جبرئيل عليه السلام كيف كان مهلك قوم صالح ؟ فقال: يا محمد ان صالحا بعث الى قومه وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة لا يجيبونه الى خير وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم، قال يا قوم انى قد بعثت اليكم وانا ابن ست عشر سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة، وانا اعرض عليكم امرين ان شئتم فاسألوني حتى اسأل إلهي فيجيبكم فيما تسألونى، وان شئتم سألت آلهتكم فان اجابتني بالذى اسألها خرجت عنكم فقد شنئتم وشنئتمونى ؟ فقالوا قد انصفت فاتعدوا ليوم يخرجون فيه، فخرجوا باصنامهم الى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فاكلوا و شربوا، فلما فرغوا دعوه فقالوا يا صالح سل، فدعا صالح كبير اصنامهم، فقال ما اسم هذا ؟ فاخبروه باسمه فناداه باسمه فلم يجب فقالوا ادع غيره فدعا كلها باسمائهم، فلم يجبه واحد منهم، فقال يا قوم قد ترون دعوت اصنامكم فلم يجبنى واحد، منهم فأسالونى حتى ادعو الهى فيجبكم الساعة، فاقبلوا على اصنامهم فقالوا لها ما بالكن لا تجبن صالحا، فلم تجب، فقالوا يا صالح تنح عنا ودعنا واصنامنا. قال فرموا بتلك البسط التى بسطوها وبتلك الانية وتمرغوا فى التراب و قالوا لها لئن لم تجبن صالحا اليوم لتفضحن، ثم دعوه فقالوا يا صالح تعال فسلها، فعاد فسألها فلم تجبه، فقال يا قوم قد ذهب النهار ولا ارى آلهتكم تجيبني، فأسالونى حتى ادعو إلهي فيجيبكم الساعة، فانتدب له سبعون رجلا من كبرائهم فقالوا يا صالح نحن نسألك فقال، أكل هؤلاء يرضون بكم ؟ قالوا نعم، فان اجابك هؤلاء اجبناك قالوا يا صالح نحن نسألك فان اجابك ربك اتبعناك و تابعك جميع قريتنا. فقال لهم صالح سلوني ما شئتم، فقالوا انطلق بنا الى هذا الجبل فانطلق معهم، فقالوا سل ربك ان يخرج لنا الساعة من هذا الجبل ناقة حمراء شديدة الحمرة وبراء عشراء - يعنى حاملا - بين جنبيها ميل، فقال سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي، فسأل الله ذلك. فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه العقول لما سمعوا صوته واضطرب الجبل كما

[ 107 ]

تضطرب المرأة عند المخاض ثم لم يفجأهم الا ورأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت ثم خرج سائر جسدها، فاستوت على الارض قائمة فلما رأوا ذلك، قالوا يا صالح ما اسرع ما اجابك ربك، فاسأله ان يخرج لنا فصيلها فسأل الله ذلك، فرمت به فدب حولها، فقال يا قوم ابقي شىء ؟ قالوا لا فانطلق بنا الى قومنا نخبرهم ما رأيناه ويؤمنوا بك، فرجعوا فلم يبلغ السبعون الرجل إليهم حتى ارتد منهم اربعة وستون رجلا وقالوا سحر، وثبت الستة وقالوا الحق ما رأيناه، ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقرها. وزاد محمد بن ابى نصر فى حديثه: قال سعيد بن يزيد فاخبرني انه رأى الجبل الذى خرجت منه بالشام، فرأى جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه وجبل آخر بينه وبين هذا ميل. وفى (التهذيب) عن امير المؤمنين عليه السلام قال: ادفنوني فى هذا الظهر فى قبر اخوي هود وصالح عليهما السلام. (وعن ابن عباس) قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو آخذ بيد على (ع) وهو يقول: يا معاشر الانصار انا محمد رسول الله الا انى خلقت من طينة مرحومة فى اربعة من اهل بيتى: انا وعلي وحمزة وجعفر. فقال قائل هؤلاء معك ركبان يوم القيامة ؟ فقال كذلك انه لن يركب يومئذ الا اربعة: انا وعلي وفاطمة وصالح، فاما انا فعلى البراق، و اما فاطمة ابنتى فعلى العضباء، واما صالح فعلى ناقة الله التى عقرت، واما علي فعلى ناقة من نوق الجنة، زمامها من ياقوت عليه حلتان خضراوان فيقف بين الجنة والنار و قد الجم الناس العرق يومئذ فتهب ريح من قبل العرش فتنشف عنهم عرقهم، فيقول الانبياء والملائكة والصديقون ما هذا الا ملك مقرب أو نبى مرسل، فينادى مناد: ما هذا ملك مقرب ولا نبى مرسل ولكنه على بن ابي طالب اخو رسول الله (صلوات الله عليهما فى الدنيا والآخرة). (وفى تفسير على بن ابراهيم) صالح قال لهم: لهذه الناقة شراب - أي تشرب ماؤكم يوما - وتدر لبنها عليكم يوما، فكانت تشرب ماءهم يوما وإذا كان

[ 108 ]

من الغد وقفت وسط قريتهم، فلا يبقى فى القرية احد الا حلب منها حاجته، وكان فيهم تسعة من رؤسائهم يفسدون فى الارض، فعقروا الناقة وقتلوها وقتلوا فصيلها، فلما عقروا الناقة قالوا لصالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين. قال صالح: (تمتعوا فى داركم ثلاثة ايام) وعلامة هلاككم انه تصفر وجوهكم غدا وتحمر بعد غد وتسود يوم الثالث، فلما كان من الغد نظروا الى وجوههم قد اصفرت فلما كان اليوم الثاني احمرت مثل الدم فلما كان الثالث اسودت وجوههم، فبعث الله عليهم صيحة جبرئيل (ع) صاح بهم صيحة تقطعت بها قلوبهم وخرقت منها اسماعهم فماتوا اجمعين فى طرفة عين، ثم ارسل الله عليهم نارا من السماء فاحرقتهم. (قال) الحسن بن محبوب: حدثني رجل من اصحابنا يقال له سعيد بن زيد فى حديث طويل قال فيه: وكانت مواشيهم تنفر منها لعظمها، فهموا بقتلها، قالوا وكانت امرأة جميلة يقال لها صدوب ذات مال وبقر وغنم، وكانت اشد الناس عداوة لصالح، فدعت رجلا من ثمود يقال له مصدع، وجعلت له على نفسها على ان يعقر الناقة، وامرأة اخرى يقال لها عنيزة، دعت قدار بن سالف وكان احمر ازرق قصيرا وكان ولد زنا ولم يكن لابيه، ولكنه ولد على فراشه، قالت اعطيك أي بناتى شئت على ان تعقر الناقة، فانطلق قدار ومصدع فاستغويا غواة ثمود فاتبعهما سبعة نفر واجمعوا على عقر الناقة. ولما ولد قدار وكبر وجلس مع اناس يصيبون من الشراب فأرادوا ماءا يمزجون به شرابهم وكان ذلك اليوم شرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقة، فاشتد ذلك عليهم فقال قدار هل لكم فى ان اعقرها لكم ؟ قالوا نعم. (وقال كعب) كان سبب عقرهم الناقة ان امرأة يقال لها ملكا كانت قد ملكت ثمودا فلما اقبلت الناس على صالح وصارت الرياسة إليه حسدته، فقالت لأمرأة يقال لها قطام وكانت معشوقة قدار بن سالف ولأمرأة اخرى يقال لها قبال كانت معشوقة مصدع وكان قدار ومصدع يجتمعان معهما كل ليلة ويشربون الخمر فقالت لهما ملكا إن اتاكما الليلة قدار ومصدع فلا تطيعاهما وقولا لهما ان الملكة

[ 109 ]

حزينة لاجل الناقة ولاجل صالح فنحن لا نطيعكما حتى تعقرا الناقة، فلما اتياهما قالتا لهما هذه المقالة فقالا نحن نكون من وراء عقرها، فانطلق قدار ومصدع واصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار فى اصل صخرة فى طريقها وكمن لها مصدع فى اصل اخرى، فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من احسن الناس فاسفرت لقدار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرجت ورغت رغاء واحدة ثم طعنها فى لبتها فنحرها، وخرج اهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه، فلما رأى الفصيل ما فعل بامه ولى هاربا ثم صعد جبلا، ثم رغى رغاء تقطع منه قلوب القوم، واقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه، انما عقرها فلان ولا ذنب لنا، فقال صالح: انظروا هل تدركون فصيلها فان ادركتموه فعسى ان يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه فى الجبل فلم يجدوه. وكانوا عقروا الناقة ليلة الاربعاء، فقال لهم صالح تمتعوا داركم ثلاثة ايام فان العذاب نازل بكم، فصاح بهم جبرئيل عليه السلام تلك الصيحة، وكانوا قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا ان العذاب نازل بهم، فماتوا اجمعين فى طرفة عين، و كان ذلك فى يوم الاربعاء.

[ 110 ]

الباب السادس فى قصص ابراهيم عليه السلام وفيه فصول: الفصل الاول فى علة تسميته وفضائله وسننه ونقش خاتمه على نبينا وآله وعليه السلام قد ذكر الله سبحانه قصته وبين احواله فى كثير من الآيات والسور، لأنه أبو الانبياء، وثاني اولى العزم، وخليل الرحمن، وكانت الانبياء ينسبون الى دينه. و لذا قال عليه السلام: ما على دين ابراهيم غيرنا و غير شيعتنا. قال الله سبحانه: (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين). (علل الشرايع) مسندا الى الرضا عليه السلام: قال انما اتخذ الله ابراهيم خليلا لانه لم يرد احدا قط، ولم يسأل احدا غير الله عزوجل. (وعن) على عليه السلام قال كان ابراهيم اول من اضاف الضيف واول من شاب فقال ما هذا ؟ فقيل وقار فى الدنيا ونور فى الآخرة. (و قال) الصدوق رحمه الله: سمعت بعض المشائخ من اهل العلم يقول: انه سمي ابراهيم: ابراهيم، لانه هم فبر. و قيل: انه هم بالآخرة فبرء من الدنيا.

[ 111 ]

(وسئل) عن ابى عبد الله عليه السلام: لم اتخذ الله ابراهيم خليلا ؟ قال لكثرة سجوده على الارض. (وعن) محمد بن العسكري (ع): قال انما اتخذ الله عز و جل ابراهيم خليلا لكثرة صلواته على محمد وآل محمد صلوات الله عليهم. (وعنه) صلى الله عليه وآله: ما اتخذ الله ابراهيم خليلا إلا لاطعامه الطعام، وصلواته بالليل والناس نيام. (وعن) ابي جعفر عليه السلام قال: لما اتخذ الله ابراهيم خليلا اتاه ملك الموت ببشارة الخلة فى صورة شاب ابيض، فدخل ابراهيم الدار، فاستقبله خارجا من الدار، وكان ابراهيم رجلا غيورا وكان إذا خرج فى حاجة اغلق بابه واخذ مفتاحه، فقال: يا عبد الله ما ادخلك دارى ؟ فقال ربها ادخلنيها، فقال ابراهيم ربها احق بها منى، فمن انت ؟ قال ملك الموت. ففزع ابراهيم، فقال جئتني لتسلبني روحي ؟ فقال لا، ولكن اتخذ الله عزوجل خليلا فجئت ببشارته، فقال ابراهيم فمن هذا لعلي اخدمه حتى اموت، قال انت هو، فدخل على سارة، فقال ان الله اتخذني خليلا. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال: لما جاء المرسلون الى ابراهيم عليه السلام، جاءهم بالعجل، فقال كلوا، فقال لا نأكل حتى تخبرنا مأمنه، فقال إذا اكلتم فقولوا بسم الله، وإذا فرغتم فقولوا الحمد لله، فالتفت جبرئيل عليه السلام الى اصحابه وكانوا اربعة، فقال حق الله ان يتخذ هذا خليلا. ولما القي فى النار تلقاه جبرئيل فى الهواء وهو يهوى، فقال يا ابراهيم ألك حاجة ؟ فقال اما إليك فلا. (تفسير على بن ابراهيم) عن ابى عبد الله عليه السلام ان ابراهيم عليه السلام اول من حول له الرمل دقيقا، وذلك انه قصد صديقا له بمصر فى قرص طعام فلم يجده فى منزله، فكره ان يرجع بالجمل خاليا، فملأ جرابه رملا، فلما دخل منزله، خلى بين الجمل وبين سارة، استحياء منها، ودخل البيت ونام، فتحت سارة عن دقيق اجود ما يكون، فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا، فقال ابراهيم من اين لك هذا ؟ فقالت من الدقيق الذى حملته من خليلك المصرى، فقال اما انه

[ 112 ]

من خليلي، وليس بمصري، فلذلك أعطي الخلة فشكر الله وحمده واكل. اقول: هذه اسباب لكونه عليه السلام خليلا، ولا تكون الخلة الا مع اجتماع تلك الخصال كلها. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة دعى محمد صلى الله عليه وآله فيكسى حلة وردية، ثم يقام عن يمين العرش ثم يدعى بابراهيم عليه السلام فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش، ثم يدعى بعلي عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين النبي صلى الله عليه وآله، ثم يدعى باسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار ابراهيم عليه السلام، ثم يدعى بالحسن عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين امير المؤمنين عليه السلام، ثم يدعى بالحسين فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين الحسن عليه السلام، ثم يدعى بالائمة عليهم السلام فيكسون حللا وردية فيقام كل واحد عن يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة فيقومون امامهم ثم يدعى بفاطمة عليها السلام ونسائها من ذريتها وشيعتها، فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم ينادى مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة: فنعم الاب ابوك يا محمد وهو ابراهيم ونعم الاخ اخوك وهو على بن ابى طالب، ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين، ونعم الجنين جنينك وهو محسن، ونعم الائمة الراشدون ذريتك وهم فلان وفلان، ونعم الشيعة شيعتك. ثم يؤمر بهم الى الجنة. (وعن) علي عليه السلام قال: كان الرجل يموت وقد بلغ الهرم ولا يشيب فكان الرجل يأتي النادى فيه الرجل وبنوه فلا يعرف الأب من الابن، فيقول ايكم ابوكم ؟ فلما كان زمن ابراهيم عليه السلام قال اللهم اجعل لي شيئا اعرف به، فشاب وابيض رأسه ولحيته. (قصص الانبياء) للراوندي من علماء الامامية قال: كان فى عهد ابراهيم عليه السلام رجل يقال له ماريا بن آوى قد اتت عليه ستمائة وستون سنة وكان يكون فى غيضته له بينه وبين الناس خليج من ماء غمر، وكان يخرج الى الناس فى كل ثلاث سنين، فيقيم فى الصحراء فى محراب يصلي فيه، فخرج ذات يوم فإذا هو بغنم

[ 113 ]

كان عليها الدهن فاعجب بها وفيها شاب كأن وجهه شقة قمر طالع، فقال يا فتى لمن هذه الغنم ؟ قال لابراهيم خليل الرحمن، قال فمن انت ؟ قال انا ابنه اسحاق، فقال ماريا فى نفسه: اللهم ارنى عبدك وخليلك حتى اراه قبل الموت، ثم رجع الى مكانه ورفع اسحاق خبره الى ابيه، فكان ابراهيم يتعاهد ذلك المكان ويصلى فيه، فسأله ابراهيم عن اسمه وما اتى عليه من السنين فخبره، فقال اين تسكن ؟ قال فى غيضة. قال ابراهيم انى احب ان آتى موضعك فانظر إليه وكيف عيشك فيها، فقال انى ايبس من الثمار الرطب ما يكفيني الى قابل لا تقدر ان تصل الى ذلك الموضع فانه خليج وماء غمر. فقال له ابراهيم فما لك - معبر ؟ قال لا. قال كيف تعبر ؟ قال امشى على الماء. قال ابراهيم لعل الذى سخر لك الماء يسخره لى للعبور. فانطلقا وبدا ماريا فوضع رجله على الماء وقال: بسم الله. وقال ابراهيم: بسم الله. فالتفت ماريا وإذا ابراهيم يمشي كما يمشي هو، فتعجب من ذلك، فدخل الغيضة واقام معه ابراهيم عليه السلام ثلاثة ايام لا يعلمه من هو، ثم قال له ماريا ما احسن موضعك، هل لك ان تدعو الله ان يجمع بيننا فى هذا الموضع. فقال ما كنت لافعل. قال ولم ؟ قال لأني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين فلم يجبنى فيها. قال وما الذى دعوته ؟ فقص عليه خبر الغنم و اسحاق فقال ابراهيم قد استجاب لك، انا ابراهيم. فقام وعانقه فكانت اول معانقة. (نوادر الراوندي) باسناده عن الكاظم عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اول من قاتل فى سبيل الله ابراهيم الخليل عليه السلام حيث اسرت الروم لوطا (ع) فنفر ابراهيم عليه السلام واستنقذه من ايديهم. واول من اختتن ابراهيم عليه السلام اختتن بالقدوم على رأس ثمانين سنة. اقول: يحمل هذا الاختتان وما روي بمعناه من الاخبار على التقية، كما ورد فى حديث آخر و الوارد فى اكثر الاخبار ان الانبياء عليهم السلام يولدون مختونين. وفى بعضها: ان غلفهم وسررهم تسقط يوم السابع، ويمكن التوفيق بحمل

[ 114 ]

الاول على اولى العزم منهم، والثانى على غيرهم. وقيل: بامكان ما يبقى من الغلف شىء يسقط يوم السابع. (تفسير العياشي) عن الصادق عليه السلام قال: إذا سافر احدكم فليأت اهله بما تيسر ولو بحجر، فان ابراهيم عليه السلام ضاف ضيفا فأتى قومه فوافق منهم قحطا شديدا، فرجع كما ذهب، فلما قرب من منزله نزل عن حماره، فملأ خرجه رملا اراد ان يسكن به روع زوجته سارة، فلما دخل منزله حط الخرج عن الحمار وافتتح العلوفة، فجاءت سارة ففتحت الخرج فوجدته مملوءا دقيقا، فاختبزت منه وقالت لابراهيم انفتل من صلاتك وكل، فقال لها من اين لك هذا ؟ قالت من الدقيق الذى فى الخرج، فرفع رأسه الى السماء فقال اشهد انك الخليل. (وعنه) عليه السلام قال: لقد كانت الدنيا وما كان فيها الا واحدا يعبد الله ولو كان معه غيره إذا لأضافه إليه، حيث يقول (ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين)، فصبر بذلك ما شاء الله، ثم ان الله تبارك و تعالى آنسة باسماعيل واسحاق، فصاروا ثلاثة. (وعنه) عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عليه السلام عبدا قبل ان يتخذه نبيا، وان الله تعالى اتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا، وان الله تعالى اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا، و ان الله تعالى اتخذه خليلا قبل ان يجعله اماما فلما جمع له الاشياء قال: (انى جاعلك للناس اماما). قال فمن عظمها فى عين ابراهيم قال ومن ذريتي ؟ قال لا ينال عهدي الظالمين، قال لا يكون السفيه امام التقى. (وعنه) عليه السلام: اول من اتخذ النعلين ابراهيم عليه السلام. (وعن) ابي جعفر عليه السلام: قال كان الناس يموتون فجأة، فلما كان زمن ابراهيم عليه السلام قال يا رب اجعل الموت علة يؤجر بها الميت ويسلي بها عن المصائب فأنزل الله عزوجل البرسام ثم انزل بعده الداء. (نوادر الراوندي) عن الكاظم عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الولدان تحت عرش الرحمن يستغفرون لآبائهم يحضنهم ابراهيم عليه السلام

[ 115 ]

وتربيهم سارة فى جبل من مسك وعنبر وزعفران. اقول: اولاد المؤمنين الذين يموتون اطفالا ورد فى بعض الاخبار ان الزهراء (ع) تربيهم فى الجنة حتى يأتي أبواهم أو واحد من اقاربهم فتدفعه إليهم. وفى بعضها: ان بعض شجر الجنة له اخلاف كاخلاف البقر يرتضع منه اطفال المؤمنين الذين يموتون رضعانا حتى يكبروا، فيدفعوا الى آبائهم، والتوفيق بين الاخبار تارة بأن بعضهم تربيهم الزهراء عليها السلام، والآخر يحضنهم ابراهيم وسارة واخرى بان اطفال العلويين من اولادها عليهم السلام هي التى تربيهم واطفال باقى المؤمنين يوكل الى غيرها. واما نقش خاتمه عليه السلام فقد تقدم. الفصل الثاني فى بيان ولادته عليه السلام وكسر الاصنام وحال أبيه وما جرى له مع فرعون قال الله سبحانه: (الم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه ان آتاه الله الملك إذ قال ابراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال انا احيى واميت قال ابراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) أي لم ينته علمك الذى حاج ابراهيم - أي خاصمه وهو نمرود بن كنعان وهو اول من تجبر وادعى الربوبية وهذه المحاجة. (روي) عن الصادق عليه السلام: انها بعد إلقائه فى النار، وقوله: (ان آتاه الله الملك) أي محاجته ومخاصمته مع ابراهيم طغيانا وبغيا، باعتبار الملك الذى آتاه الله والملك هنا عبارة عن نعيم الدنيا وهو بهذا المعنى يجوز ان يعطيه الله الكافر والمؤمن. واما الملك بمعنى تمليك الامر والنهي وتدبير امور الناس وايجاب الطاعة على الخلق، فلا يجوز ان يؤتيه الله إلا من يعلم انه يدعو الى الصلاح والسداد

[ 116 ]

والرشاد ولايكون الا للنبي واهل بيته الطاهرين العالمين بما يحتاج إليه الامة من اول امرها الى آخرها. وقد ذكرت فى بعض مؤلفاتي مباحثة مع بعض علماء العامة قلت له: الشيطان يأمر بكل منكر وينهى عن كل معروف، قال نعم قلت الامام يجب ان يكون نقيضا للشيطان يأمر بما ينهى عنه الشيطان وينهى عما يأمر به الشيطان، فقال نوافق على هذا القول، فقلت وهذا لا يكون الا إذا كان الامام عالما بجميع الاوامر والنواهي الالهية وإلا كان الشيطان اعلم منه، ولم يكن على طرف النقيض مع الشيطان ومن ادعيتم لهم الامامة ليسوا على هذه الصفة بالاجماع على ما تواتر من قول الثاني: كل الناس أفقه منى، حتى المخدرات فى الحجاب، وقول الاول عند اغاليطه: ان لي شيطانا يعترينى، إذا زغت فقوموني وإذا ملت فسددوني. واما الثالث: فحاله فى الجهل اوضح من ان يذكر، فعلى هذا الملك الذى وثبوا عليه وتقصموه لم يكن ملك اتاهم الله، حتى اوجب على الناس طاعتهم، مع انه لو كان الامر كذلك يلزم الحرج على المكلفين، لأن الاول في زمن خلافته ذهب الى مذاهب وفتاوى فى الاحكام لم يذهب إليها الثاني وعمل بضدها: فكيف يجب متابعة الرجلين مع ما بينهما من التضاد والخلاف في الأقوال والأفعال. (وروي) فى تفسير قوله تعالى: (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) انه قال رجل للصادق (ع) ملك بني امية اهو من الله تعالى ؟ فقال عليه السلام: انه ملك لنا من الله ولكن بنو امية وثبوا عليه وغصبوه منا، كمن كان له ثوب فجاء رجل فغصبه منه ولبسه، فبلبسه له لم يصر ملكا له ولا ثوبه، و المراد بالملك هنا هو معناه الثاني، واما الملك بمعناه الأول فلا مانع من تمكين الله سبحانه لهم منه كما اعطى ملوك الكفار والسلاطين الظالمين وكانوا من الفريقين. وقوله: (والذى يحيى ويميت) المراد بالاماتة هنا اخراج الروح من بدن الحي من غير جرح ولا نقص بنية ولا احداث فعل يتصل بالبدن من جهته، وهذا خارج عن قدرة البشر.

[ 117 ]

وقوله: (انا احيى) بالتخلية من الحبس، (واميت) بالقتل، وهذا جهل منه لانه اعتمد فى المعارضة على العبارة فقط دون المعنى عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع الذى ينفرد سبحانه به، ولا يقدر عليه سواه فبهت الذى كفر - أي تحير عن الانقطاع بما بان له من ظهور الحجة. فان قيل: فهلا قال له نمرود فليأت بها ربك من المغرب. قيل: انه لما رأى الآيات علم انه لو اقترح ذلك لأتى به تصديقا لابراهيم، فكان يزداد بذلك فضيحة، على ان الله سبحانه خذله، ولطف لابراهيم (والله لا يهدي القوم الظالمين) بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد. (عن ابن عباس) ان الله سبحانه سلط على نمرود بعوضة فعضت شفته، فأهوى إليها ليأخذها فطارت فى منخره، فذهب ليستخرجها، فطارت في دماغه، فعذبه الله بها اربعين ليلة، ثم اهلكه. (تفسير علي بن ابراهيم) باسناده الى الباقر عليه السلام انه قال: ليهنئكم الاسم، قيل ما هو ؟ قال (وانه من شيعته لابراهيم) وقوله: فاستغاثه الذى من شيعته على الذي من عدوه ليهنئكم الاسم. (اقول) الشيعة اسم تسمى الشيعة به ولقبوا به انفسهم. واما الرافضة فاسم سمانا به المخالفون، وجاء فى الحديث انه اسم للمؤمنين من قوم موسى سموا به لانفسهم رفضوا فرعون وقومه فذخر الله سبحانه هذا الاسم لنا معاشر الشيعة. (وفيه) عن ابى عبد الله عليه السلام: ان آزر ابا ابراهيم عليه السلام كان منجما لنمرود بن كنعان، فقال له انى أرى في حساب النجوم ان هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو الى دين، فقال له نمرود فى أي بلاد يكون ؟ قال فى هذه البلاد، ولم يخرج بعد الى الدنيا قال ينبغى ان نفرق بين الرجال والنساء ففرق، وحملت ام ابراهيم بابراهيم ولم يظهر حملها. فلما حانت ولادتها قالت يا آزر انى قد اعتللت واريد ان اعتزل عنك، وكانت فى ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها، فاعتزلت في غار، ووضعت ابراهيم وقمطته، ورجعت الى

[ 118 ]

منزلها وسدت باب الغار بالحجارة، فأجرى الله لابراهيم لبنا من ابهامه، وكانت تأتيه امه، ووكل نمرود بكل امرأة حامل، فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت ام ابراهيم بابراهيم من الذبح، وكان يشب ابراهيم فى الغار يوما كما يشب غيره فى الشهر، حتى اتى له في الغار ثلاث عشر سنة، فلما كان بعد ذلك زارته امه، فلما ارادت ان تفارقه تشبث بها، فقال يا امي اخرجيني، فقالت يا بني ان الملك ان علم انك ولدت فى هذا الزمان قتلك. فلما خرجت امه من الغار وقد غابت الشمس، نظر الى الزهرة فى السماء فقال هذا ربى فلما غابت الزهرة فقال لو كان ربى، ما زال ولا برح، ثم قال لا احب الآفلين، - والآفل الغائب - فلما نظر الى المشرق وقد طلع القمر، قال هذا ربى هذا اكبر واحسن، فلما تحرك وزال قال: (لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين) فلما اصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها فى الدنيا، قال هذا اكبر واحسن، فلما تحركت وزالت، كشف الله عن السماوات حتى رأى العرش واراه الله ملكوت السماوات والارض. فعند ذلك (قال يا قوم إنى بريء مما تشركون. انى وجهت وجهى للذى فطر السماوات والارض حنيفا مسلما وما انا من المشركين) فجاء الى امه وادخلته دارها وجعلته بين اولادها. فنظر إليه آزر فقال من هذا الذى بقى فى سلطان الملك والملك يقتل اولاد الناس ؟ قالت هذا ابنك ولدته وقت كذا و كذا حين اعتزلت. فقال ويحك ان علم الملك هذا نزلت منزلتنا عنده. وكان آزر صاحب امر نمرود ووزيره وكان يتخذ الاصنام له وللناس، ويدفعها الى ولده فيبيعونها، فقالت ام ابراهيم لا عليك ان لم يشعر الملك به بقى لنا، وان شعر به كفيتك الاحتجاج عنه. وكان آزر كلما نظر الى ابراهيم احبه حبا شديدا، وكان يدفع إليه الاصنام ليبيعها كما يبيع اخوته فكان يعلق فى اعناقها الخيوط ويجرها على الارض، ويقول من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه، و يغرقها فى الماء والحمام ويقول لها تكلمي، فذكر اخوته ذلك لابيه فنهاه، فلم ينته، فحبسه ولم يدعه يخرج، (فحاجه قومه فقال ابراهيم اتحاجوني فى الله وقد هدان...).

[ 119 ]

(وقال " ع ") فى اول يوم من ذي الحجة ولد ابراهيم خليل الرحمان (ع) (وفيه) انه خرج نمرود وجميع اهل مملكتهم الى عيد لهم. وكره ان يخرج ابراهيم عليه السلام معهم، فوكله ببيت الاصنام، فلما ذهبوا عمد ابراهيم الى طعام فأدخله بيت اصنامهم، فكان يدني صنم من صنم فيقول له كل وتكلم، فإذا لم يجبه اتخذ القدوم فكسر يده ورجله، حتى فعل ذلك بجميع الاصنام، ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذى كان فى الصدر، فلما رجع الملك ومن معه من العبيد نظروا الى الاصنام متكسرة، فقالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين فقالوا هاهنا فتى يذكرهم، يقال له ابراهيم وهو ابن آزر، فجاؤوا به الى نمرود، فقال نمرود لآزر خنتني وكتمت هذا الولد عني ؟ فقال ايها الملك هذا عمل امه، وذكرت انها تقوم بحجته. فدعا نمرود ام ابراهيم، فقال لها ما حملك على ان كتمتيني امر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل ؟ فقالت ايها الملك نظرا مني لرعيتك. فقال وكيف ذلك ؟ قالت لأني رأيتك تقتل اولاد رعيتك، فكان يذهب النسل، فقلت ان كان هذا الذي يطلبه دفعته ليقتله، و يكف عن اولاد الناس وان لم يكن ذلك فبقى لنا ولدنا، وقد ظفرت به، فشأنك. فكف عن اولاد الناس بصواب رأيها، ثم قال لابراهيم من فعل هذا بآلهتنا ؟ (قال فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون). فقال الصادق عليه السلام: ما فعله كبيرهم وما كذب ابراهيم: لانه انما قال فعله كبيرهم هذا، ان نطق و ان لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا، فاستشار نمرود قومه فى ابراهيم فقالوا له احرقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين. فقال الصادق عليه السلام: كان فرعون ابراهيم واصحابه لغير رشدة فانهم قالوا لنمرود احرقوه، وكان فرعون موسى واصحابه لرشدة فانه لما استشار اصحابه فى موسى، (قالوا إرجه واخاه وارسل فى المدائن حاشرين. ياتوك بكل ساحر عليم) فحبس ابراهيم وجمع له الحطب، حتى إذا كان اليوم الذي القى فيه نمرود

[ 120 ]

ابراهيم فى النار برز نمرود وجنوده وكان بني لنمرود بناءا ينظر منه الى ابراهيم كيف تأخذه النار، فجاء ابليس واتخذ لهم المنجنيق لانه لم يقدر احد ان يتقارب منها، وكان الطائر من مسيرة فرسخ يحترق فوضع ابراهيم في المنجنيق، وجاء ابوه فلطمه لطمة وقال ارجع عما انت عليه، ولم يبق شىء الا طلب الى ربه، وقالت الارض يا رب ليس على ظهري احد يعبدك غيره فيحرق ؟ وقالت الملائكة يا رب خليلك ابراهيم يحرق. فقال الله عزوجل اما انه ان دعاني كفيته. وقال جبرئيل يا رب خليلك ليس فى الارض احد يعبدك غيره سلطت عليه عدوه يحرقه بالنار ؟ فقال اسكت، انما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي آخذه إذا شئت، فان دعاني اجبته. فدعا ابراهيم عليه السلام ربه بسورة الاخلاص: يا الله يا واحد يا احد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد و لم يكن له كفوا احد نجني من النار برحمتك. قال فالتقى معه جبرئيل في الهواء، وقد وضع في المنجنيق، فقال يا ابراهيم هل لك إلي من حاجة ؟ فقال ابراهيم اما اليك فلا، واما الى رب العالمين فنعم. فدفع إليه خاتما عليه مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله ألجأت ظهرى الى الله واسندت امري الى الله وفوضت امري الى الله، فأوحى الله الى النار (كوني بردا وسلاما) فاضطربت اسنان ابراهيم من البرد حتى قال (سلاما على ابراهيم) فانحط جبرئيل و جلس معه يحدثه فى النار وهو فى روضة خضراء، ونظر إليه نمرود فقال من اتخذ إلها فليتخذ إلها مثل إله ابراهيم فقال عظيم من عظماء اصحاب نمرود انى عزمت على النار ان تحرقه فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه ونظر نمرود الى ابراهيم فى روضة خضراء فى النار مع شيخه يحدثه، فقال لآزر ما اكرم ابنك على ربه، قال وكان الوزغ ينفخ في نار ابراهيم وكان الضفدع يذهب بالماء ليطفىء به النار. قال ولما قال الله تبارك وتعالى للنار (كوني بردا وسلاما) لم يعمل النار فى الدنيا ثلاثة ايام (ونجيناه ولوطا الى الارض التى باركنا حولها للعالمين) الى الشام وسواد الكوفة. اقول: قال الرازي اختلفوا في ان النار كيف بردت على ثلاثة اوجه:

[ 121 ]

احدها - ان الله تعالى ازال منها ما فيها من الحر والاحراق و ابقى ما فيها من الاضاءة والاشراق. وثانيها - الله سبحانه خلق فى جسم ابراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم فى الآخرة، كما انه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة بدن السمندر وبحيث لا يضره المكث في النار. وثالثها - انه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول النار إليه. قال المحققون: والاول أولى لان ظاهر قوله (يا نار كوني بردا) ان نفس النار صارت باردة. (وعنه) صلى الله عليه وآله: انه لما القى ابراهيم فى النار نزل جبرئيل (ع) بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص واقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه. (وفى التفسير): أنه لما القى نمرود ابراهيم عليه السلام فى النار وجعلها الله بردا وسلاما قال نمرود يا ابراهيم من ربك ؟ قال ربى الذى يحيى ويميت قال له نمرود أنا احيي واميت، قال ابراهيم كيف تحيي وتميت ؟ قال اعمد الى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل، فأطلق عن واحد واقتل واحدا فكنت أمت واحييت، فقال ابراهيم ان كنت صادقا فأحيى الذى قتلته، ثم قال دع هذا فان ربى يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر. (وعن) ابى عبد الله عليه السلام قال: ملك الارض كلها اربعة: مؤمنان وكافران، فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين عليهما السلام، و الكافران نمرود وبخت نصر، واسم ذى القرنين عبد الله بن ضحاك بن معد. وأول منجنيق عمل فى الدنيا منجنيق عمل لابراهيم عليه السلام بسور الكوفة في نهر يقال له كوفى وفي قرية يقال لها قنطانا. (علل الشرايع) سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل: (يوم يفر المرء من اخيه * وامه و ابيه * وصاحبته وبنيه) من هم فقال عليه السلام: قابيل يفر من هابيل. والذى يفر من امه موسى. والذى يفر من ابيه ابراهيم. والذى يفر من صاحبته لوط. و الذى يفر من ابنه نوح، يفر من ابنه كنعان.

[ 122 ]

اقول: قال الصدوق طاب ثراه: ان موسى عليه السلام يفر من امه خوفا ان لا يعرفها حق تربيتها له وقيل: انها كانت مرضعة ترضعه في بيت فرعون قبل وقوعهم على امه وكانت كافرة. واما أبو ابراهيم فالمراد عمه، والا فأبوه تارخ كان من المسلمين. (وعن) ابى عبد الله (ع): انه لما اضرمت النار على ابراهيم (ع) شكت هوام الارض الى الله عزوجل واستأذنته ان تصب عليها الماء. فلم ياذن الله عزوجل لشىء منها الا الضفدع، فاحترق منه الثلثان وبقى منه ثلث. (وعن) اسحاق بن عمار، عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال: يا ابا اسحاق ان فى النار لواديا يقال له سقر، لم يتنفس منذ خلقه الله، وان اهل النار ليتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه و قذره، وما أعد الله فيه لاهله، وان لذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع اهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما اعد الله فيه لأهله وان في الجبل لشعبا يتعوذ جميع اهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما اعد الله فيه، وان في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ اهل ذلك الشعب من حر ذلك الشعب و نتنه وقذره وما اعد الله فيه لأهله، وان فى ذلك القليب لحية يتعوذ أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها وما اعد الله في انيابها من السم لأهلها، وان في جوف تلك الحية لسبع صناديق فيها خمسة من الامم السالفة، و اثنان من هذه الامة. قال: قلت جعلت فداك من الخمسة ومن الاثنان ؟ قال: فأما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل، ونمرود الذى حاج ابراهيم فى ربه، وفرعون الذى قال أنا ربكم الاعلى، ويهودا الذى هود اليهود، وبولس الذي نصر النصارى ومن هذه الامة أعرابيان. اقول: يعنى به: الاول والثانى، وسماهما اعرابيان لما فيهما من الجفاء. وعن الرضا عليه السلام قال: لما رمي ابراهيم في النار دعا الله بحقنا، فجعل الله النار عليه بردا وسلاما. وقال (ع): لما ألقاه الله في النار انبت الله فى حواليه من الاشجار الخضرة النضرة النزهة وانبت حوله من انواع الاشجار ما لا يوجد فى الفصول الاربعة من السنه.

[ 123 ]

(كتاب المحاسن) رفعه الى علي بن الحسين عليه السلام: ان هاتفا هتف به فقال يا علي بن الحسين أي شىء كانت العلامة بين يعقوب ويوسف ؟ فقال لما قذف ابراهيم في النار، هبط جبرئيل عليه السلام بقميص فضة فالبسه إياه. ففرت عنه النار و نبت حوله النرجس، فأخذ ابراهيم عليه السلام القميص فجعله في عنق اسحاق فى قصبة من فضة وعلقها اسحاق في عنق يعقوب وعلقها يعقوب في عنق يوسف (ع) فقال له: ان نزع هذا القميص من بدنك علمت انك ميت أو قد قتلت. فلما دخل عليه اخوته اعطاهم القصبة واخرجوا القميص فاحتملت الريح رائحته فألقته على وجه يعقوب بالأردن، فقال: (انى لأجد ريح يوسف لولا ان تفندون). (العياشي) عن الحرث عن علي بن ابي طالب (ع) قال: ان نمرود اراد ان ينظر الى ملك السماء، فأخذ نسورا اربعة فرباهن، وجعل تابوتا من خشب وادخل فيه رجلا ثم شد قوائم النسور بقوائم التابوت ثم جعل فى وسط التابوت عمودا وجعل فى رأس العمود لحما، فلما رأين النسور اللحم طرن بالتابوت والرجل فارتفعن فمكث ما شاء الله، ثم ان الرجل اخرج من التابوت رأسه فنظر الى السماء فإذا هي على حالها ونظر الى الارض فإذا هو لا يرى الجبال الا كالذر، ثم مكث ساعة فنظر الى السماء فإذا هي على حالها ونظر الى الارض فإذا هو لا يرى الا الماء، ثم مكث ساعة فنظر الى السماء فإذا هي على حالها ونظر الى الارض فإذا هو لا يرى شيئا، ثم وقع فى ظلمة لم ير ما فوقه وما تحته، ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضات، فلما نظرت الجبال اليهن وقد أقبلت منقضة وسمعت حفيفهن فزعت و كادت ان تزول مخافة أمر السماء وهو قول الله: (وان كان مكرهم لتزول منه الجبال). (الكافي) باسناده الى ابى عبدالله عليه السلام قال ان ابراهيم (ع) كان مولده بكوثا - يعني قرية من قرى الكوفة - وكان ابوه من أهلها وكانت ام ابراهيم وام لوط اختين وهما ابنتان للآحج، وكان الآحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا، وان ابراهيم لزوج سارة وهى ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وارض واسعة وحال حسنة فملكته ابراهيم عليه السلام، فقام فيه واصلحه. ولما كسر اصنام

[ 124 ]

نمرود، وامر باحراقه ولم يحترق، امرهم ان ينفوه من بلاده وان يمنعوه من الخروج بما يشتهيه وماله فحاجهم ابراهيم فقال: ان اخذتم ماشيتي و مالي فان حقي عليكم ان تردوا علي ما ذهب من عمري فى بلادكم، واختصموا إلى قاضي نمرود. فقضى ان الحق لابراهيم فخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله فأخرجوا ابراهيم ولوطا معه من بلادهم الى الشام الى بيت المقدس، فعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليه الاغلاق، غيرة منه عليها ومضى حتى خرج من سلطان نمرود. ودخل في سلطان رجل من القبط يقال له عرارة، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه. فقال العاشر لابراهيم افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه. فقال ابراهيم: قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطيك عشره ولا تفتحه. فأبى العاشر الا فتحه، وغضب ابراهيم عليه السلام. فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر: ما هذه منك ؟ قال ابراهيم: هي حرمتي وابنة خالتي. فقال له العاشر: لست ادعك تبرح حتى اعلم الملك حالها وحالك، فبعث رسولا الى الملك فأعلمه، فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت. فقال ابراهيم عليه السلام: لا افارق التابوت. فحملوه مع التابوت الى الملك فقال له: افتح التابوت فقال ابراهيم: ان فيها حرمتي وابنة خالتي وانا مفتد لا افتحه بجميع ما معي. فغضب الملك على ابراهيم لعدم فتحه فلما رأى سارة لم يملك حلمه ان مد يده إليها. فأعرض ابراهيم وجهه عنه وعنها غيرة وقال: اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي. فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه. فقال له الملك: ان إلهك هو الذي فعل بي هذا ؟ فقال نعم ان إلهي غيور يكره الحرام فقال له الملك: فادع إلهك ان يرد علي يدي فان اجابك فلم اتعرض لها فقال ابراهيم: إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي. فرد الله عزوجل عليه يده، فأقبل الملك عليها ببصره ثم عاد بيده نحوها فأعرض ابراهيم غيرة وقال: اللهم احبس يده عنها فيبست يده ولم تصل إليها فقال الملك لابراهيم ان إلهك لغيور وانك لغيور، فادع إلهك يرد علي يدي فانه ان فعل لم اعد افعل. فقال ابراهيم أسأله ذلك على انك ان عدت لم تسألني ان اسأله فقال له الملك نعم فقال ابراهيم اللهم ان كان صادقا فرد عليه يده، فرجعت إليه.

[ 125 ]

فلما رأى الملك ذلك عظم ابراهيم عنده وأكرمه واتقاه، وقال له انطلق حيث شئت ولكن لي اليك حاجة وهو أن تأذن لي ان اقدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما. فاذن له ابراهيم فوهبها لسارة وهى هاجر أم اسماعيل. فسار ابراهيم بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف ابراهيم اعظاما له وهيبة، فأوحى الله تبارك وتعالى الى ابراهيم ان قف ولا تمش قدام الجبار ولكن اجعله امامك وعظمه فانه مسلط ولابد من آمر في الارض بر أو فاجر. فوقف ابراهيم (ع) وقال للملك امض فان إلهي أوحى الى الساعة: ان اعظمك واهابك وان اقدمك أمامي وامشي خلفك. فقال له الملك: اشهد ان إلهك لرقيق حليم كريم وانت ترغبني في دينك فودعه الملك. وسار ابراهيم حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطا عليه السلام في ادنى الشامات. ثم ان ابراهيم (ع) لما ابطأ عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتيني هاجر لعل الله يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا ؟ فابتاع ابراهيم هاجر من سارة عليها السلام فوقع عليها فولدت اسماعيل (ع). اقول: بقي فى هذا المقام امور لا بد من التنبيه عليها: الامر الأول: اختلف علماء الاسلام في أب ابراهيم عليه السلام قال الرازي في تفسير قوله تعالى (واذ قال ابراهيم لأبيه آزر) ظاهر هذه الآية تدل على ان اسم والد ابراهيم (ع) هو آزر. ومنهم من قال: اسمه تارخ. قال الزجاج: الاختلاف بين النسابين ان اسمه تارخ ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن وذكر له وجوها: منها - ان والد ابراهيم عليه السلام كان تارخ وآزر كان عما له. والعم قد يطلق عليه لفظ الأب كما حكى الله عن اولاد يعقوب انهم قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق). ومعلوم ان اسماعيل كان عما ليعقوب وقد اطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا. ثم قال: قالت الشيعة: ان احدا من آباء رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان كافرا. وذكروا. ان آزر كان عمه. واحتجوا على قولهم بوجوه الحجة الاولى ان آباء نبينا ما كانوا كفارا لوجوه:

[ 126 ]

منها: قوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين). يعني انه كان ينقل روحه من ساجد، الى ساجد ويدل عليه ايضا قوله صلى الله عليه وآله: لم ازل انقل من اصلاب الطاهرين الى ارحام الطاهرات. وقوله تعالى: (انما المشركون نجس) فلا يكون احد اجداده منهم. وايضا اجمع الامامية رضوان الله عليهم على اسلام والد ابراهيم عليه السلام. و حينئذ فالأخبار الدالة على انه كان مشركا أباه حقيقة محمولة على التقية. الأمر الثاني - فى قول ابراهيم اني سقيم، واختلف في معناه على اقوال: احدها - انه نظر في النجوم، فاستدل بها على وجه حمى كانت تعتوره فقال إنى سقيم أي حضر وقت ذلك المرض - فكأنه قال: انى سأسقم. وثانيها - انه نظر في النجوم كنظرهم، لانهم يتعاطون علم النجوم فأوهمهم انه يقول بمثل قولهم، فقال عند ذلك اني سقيم، فتركوه ظنا منهم ان نجمه يدل على سقمه. وثالثها - ان يكون الله أعلمه بالوحي انه سيسقمه في وقت مستقبل وجعل العلامة على ذلك، اما طلوع نجم على وجه مخصوص أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص. فلما رأى ابراهيم عليه السلام تلك الامارة: قال اني سقيم. تصديقا لما اخبره الله تعالى سبحانه. ورابعها - ان معنى قوله: اني سقيم - أي سقيم القلب - أو الرأي حزنا من اصرار القوم على عبادة الاصنام، ويكون على ذلك معنى نظره في النجوم فكرته في انها محدثة مخلوقة، فكيف ذهب على العقلاء حتى عبدوها. والذى ورد في الاخبار هو انه (ع) اوهمهم بالنظر في النجوم لموافقتهم وقال اني سقيم تورية. وجاء في الأخبار تجويز الكذب والتورية لأجل التقية. (وفي) حديث صحيح انه قال: اني سقيم، يعني بما يفعل بالحسين عليه السلام، لأنه عرفه من علم النجوم، يعني من نجم الحسين (ع)، لأن الانبياء والائمة (ع) كل واحد له نجم في السماء ينسب إليه، كما ورد في الحديث: ان زحل نجم

[ 127 ]

أمير المؤمنين عليه السلام، فلا يقال انه نحس، كما يقوله الناس. الأمر الثالث - قوله عليه السلام: (هذا ربي). وقيل: في تأويله وجوه: الأول - انه عليه السلام انما قال عند كمال عقله في زمان مهلة النظر فانه تعالى لما أكمل عقله وحرك دواعيه على الفكر والتأمل و رأى الكوكب فأعظمه نوره وقد كان قومه يعبدون الكواكب، فقال هذا ربي على سبيل الفكر، فلما غاب علم ان الأفول لا يجوز على الآله. فاستدل بذلك على انه محدث مخلوق، وكذلك كان حاله في رؤية القمر والشمس قال في آخر كلامه: يا قوم اني بريء مما تشركون. وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى و علمه بان صفات المحدثين لا تجوز عليه وفي بعض الاخبار ايماءا إليه. الثاني - انه كان عارفا بعدم صلاحيتها للربوبية ولكن قال ذلك في مقام الاحتجاج على عبدة الكواكب على سبيل الفرض الشائع عند المناظرة فكأنه اعاد كلام الخصم ليلزم عليه المحال. ويؤيده بعد ذلك (وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم). الثالث - ان يكون المراد: هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ونظيره ان يقول الموحد للمجسم ان إلهه جسم محدود - أي في زعمه واعتقاده - وقوله تعالى: (وانظر الى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا). الرابع - ان يكون المراد منه الاستفهام على سبيل الانكار. الخامس - ان يكون القول مضمرا أي يقولون هذا ربي. السادس - ان يكون قوله ذلك على سبيل الاستهزاء كما يقال الدليل ساد قوما هذا سيدكم على وجه الهزء. السابع - انه صلوات الله عليه اراد ان يبطل قولهم بربوبية الكواكب الا انه كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل انه لو صرح بالدعوة إلى الله لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه فمال إلى طريق يستدرجهم به الى استماع الحجة. وذلك بأنه ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم مع ان قلبه كان مطمئنا بالايمان فكأنه بمنزلة المكره على إجزاء كلمة الكفر على

[ 128 ]

اللسان على وجه المصلحة لاحياء الخلق بالايمان. الامر الرابع: وجه الاستدلال بالأفول على عدم صلاحيتها للربوبية. (قال الرازي): الافول عبارة عن غيبوبة الشيء بعد ظهوره. وإذا عرفت هذا فلسائل ان يقول الافول انما يدل على الحدوث من حيث انه حركة وعلى هذا يكون الطلوع ايضا دليلا على الحدوث فلم ترك ابراهيم (ع) الاستدلال على حدوثها بالطلوع وعول في اثبات هذا المطلوب على الافول. (والجواب): انه لاشك ان الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث والا ان الدليل الذي يحتج به الانبياء في معروض دعوة الخلق كلهم الى الآله لابد وان يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل و دلالة الحركة على الحدوث وان كانت يقينية إلا انها دقيقة لا يعرفها الا الأفاضل من الخلق. واما دلالة الافول فكانت على هذا المقصود، وايضا قال بعض المحققين: الهوى في حظيرة الامكان. اقول: واحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الاوساط وحصة العوام، فان الخواص يفهمون من الافول الامكان وكل ممكن محتاج، و المحتاج لا يكون مقطعا للحاجة، فلابد من الانتهاء الى ما يكون منزها عن الامكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال (وان الى ربك المنتهى). واما الاوساط فانهم يفهمون من الافول مطلق الحركة فكل متحرك محدث وكل محدث محتاج الى القديم القادر فلا يكون الآفل إلها بل الآله هو الذي احتاج إليه هذا الاقل. و اما العوام فانما يفهمون من الافول الغروب وهم يشاهدون ان كل كوكب يقرب من الافول فانه يزول فورا ضوءه ويذهب سلطانه ويصير كالمعدوم ومن كان كذلك فانه لا يصلح للالهية، فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله (لا احب الآفلين) مشتملة على نصيب المقربين واصحاب اليمين واصحاب الشمال، فكانت اكمل الدلائل وافضل البراهين، وفيه دقيقة اخرى وهي انه عليه السلام كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ومذهب اهل النجوم إذا كان في الربع الشرقي ويكون شاهدا الى وسط السماء

[ 129 ]

كان قويا عظيم التأثر. و أما إذا كان غربيا وقريبا من الافول، فانه يكون ضعيف الاثر قليل القوة. فنبه بهذه الدقيقة على ان الإله هو الذي لا تتغير قدرته الى العجز وكماله الى النقص، ومذهبكم ان الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ناقص التأثير، عاجزا عن التدبير، وذلك يدل على القدح في إلهيته. فظهر ان على قول المنجمين للافول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الالهية، انتهى. الامر الخامس - تأويل قوله عليه السلام (بل فعله كبيرهم) وقد ذكروا له وجوها: الاول - ما ذكره علم الهدى نور الله ضريحه: وهو ان الخبر مشروط غير مطلق لانه قال (... ان كانوا ينطقون). ومعلوم ان الاصنام لا تنطق، فما علق على المستحيل فهو مستحيل فأراد ابراهيم توبيخهم بعبادة من لا ينطق و لا يقدر ان يخبر عن نفسه بشىء، فإذا علم استحالة النطق علم استحالة الفعل، و علم باستحالة الامرين انه لا يجوز ان تكون آلهة معبودة، وان من عبدها ضال مضل. ولافرق بين قوله انهم فعلوا ذلك أن كانوا ينطقون وبين قوله انهم ما فعلوا ذلك ولا غيره، لأنهم لا ينطقون و لا يقدرون. واما قوله: (فأسالوهم) فانما هو امر بسؤالهم ايضا على شرط والنطق منهم شرط في الامرين، فكأنه قال (إن كانوا ينطقون) فاسألوهم فانه لا يمتنع ان يكونوا فعلوه، وهذا يجري مجرى قول احدنا لغيره من فعل هذا الفعل ؟ فيقول: زيد فعل كذا وكذا ويشير الى فعله يضيفه السائل الى زيد، وليس في الحقيقة من فعله ويكون غرض المسؤول نفي الامرين عن زيد وتنبيه السائل على خطأه في اضافته الى زيد. الثاني - انه لم يكن قصد ابراهيم عليه السلام الى أن ينسب الأمر الى الصادر عنه الى الصنم وإنما قصد تقريره لنفسه واثباته لها على وجه تعريضي، وهذا كما لو قال صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق وانت تحسن الخط انت كتبت هذا

[ 130 ]

وصاحبك لا يحسن الخط، فقلت له بل كنت انت. كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء لا نفيه عنك. الثالث - ان ابراهيم (ع) غاظته تلك الاصنام حيث ابصرها مصفقة مرتبة فكان غيظه من كبيرها اشد، لما رأى من زيادة تعظيمهم له فاسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته وحطمه لها، والفعل كما يسند الى مباشرته يسند الى الحامل عليه. الرابع - انه قال على وجه التورية لما فيه من الاصلاح. (روى في الكافي) باسناده الى ابى عبدالله (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا كذب على مصلح، ثم تلى: (ايتها العير انكم لسارقون) ثم قال: و الله ما سرقوا وما كذب، ثم تلى: (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) فقال: والله ما فعلوا وما كذب، وهذا ارادة الاصلاح ودلالة على انهم لا يعقلون، وبقيت وجوه اخر، لا نطول الكتاب بذكرها. الفصل الثالث (في إراءته ملكوت السماوات والأرض وسؤاله إحياء الموتى) وجملة من حكمة ومناقبه عليه السلام وفيه وفاته عليه السلام قال الله سبحانه: (و إذ قال ابراهيم رب ارنى كيف تحيى الموتى ؟ قال: أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم). (الاحتجاج) عن ابي محمد العسكري (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان ابراهيم (ع) لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي: (وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى ابصر الارض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على

[ 131 ]

فاحشة فدعا الله عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك. فأوحى الله إليه: يا ابراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي، فاني انا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي كما لا ينفعني طاعتهم، ولست اسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي، فانما انت عبد نذير، لا شريك في المملكة ولا مهيمن علي ولا على عبادي، وعبادي معي بين خلال ثلاث اما تابوا الي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، و اما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من اصلابهم ذريات مؤمنون، فأرفق بالآباء الكافرين وأتاني بالامهات الكافرات وارفع عنهم عذابي ليخرج اولئك المؤمنون من اصلابهم، فإذا تزايلوا حق بهم عذابي، وان لم يكن هذا ولا هذا، فان الذى اعددته لهم من عذابي اعظم مما تريد لهم فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي يا ابراهيم وخل بيني وبين عبادي، فاني انا الجبار الحليم العلام الحكيم ادبرهم بعلمي وانفذ فيهم قضائي وقدري. ثم التفت ابراهيم (ع) فرأى جيفة على ساحل البحر بعضها في الماء وبعضها في البر، تجىء سباع الماء فتأكل ما في الماء، ثم ترجع فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا وتجىء سباع البر فتأكل منها فيشتمل (فيشتد) بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا. فعند ذلك تعجب ابراهيم عليه السلام مما رأى، وقال: يا رب (ارنى كيف تحيى الموتى) هذه امم تأكل بعضها بعضا ؟ (قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) يعني حتى أرى هذا كما رأيت الاشياء كلها (قال خذ أربعة من الطير) واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة فى هذه السباع ثم (ادعهن ياتينك سعيا). اقول: الظاهر من الاحاديث ان رؤية الملكوت كانت بالعين، وجوز بعضهم الرؤية القلبية، بأن انار قلبه حتى احاط بها علما. وفى (علل الشرايع) سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول: في قول ابراهيم (رب ارني كيف تحيى الموتى) ان الله عزوجل امر ابراهيم ان يزور عبدا من عباده الصالحين. فزاره، فلما كلمه قال له ان الله تبارك وتعالى خلق في الدنيا

[ 132 ]

عبدا يقال له: ابراهيم، اتخذه خليلا. قال وما علامة ذلك العبد ؟ قال يحيى الموتى فوقع لابراهيم انه هو، فسأله ان يحيى الموتى، قال أو لم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلة. ويقال انه اراد ان تكون له في ذلك معجزة، كما كانت للرسل، وان ابراهيم سال ربه ان يحيى له الميت، فأمره الله عزوجل الى ان يميت لأجله الحي سواء بسواء وهو لما امره بذبح ابنه اسماعيل، وان الله عزوجل امر ابراهيم بذبح اربعة من الطير: طاووس ونسر وديك وبط. فالطاووس يريد به زينة الدنيا. والنسر يريد به الأمل الطويل. والبط يريد به الحرص. والديك يريد به الشهوة. يقول الله عزوجل: ان احببت ان تحيي قلبك وتطمئن معى، فاخرج عن هذه الاشياء الاربعة، فإذا كانت هذه الاشياء في قلب فانه لا يطمئن معي، وسألته كيف قال (أو لم تؤمن) مع علمه بسره وحاله، فقال: انه لما قال: (رب ارني كيف تحيى الموتى) كان ظاهر هذه اللفظة توهم انه لم يكن بيقين فقرره الله بسؤاله عنه اسقاطا للتهمة عنه وتنزيها له من الشك. وفى (الكافي) عن الحصين بن الحكم قال: كتبت الى العبد الصالح اخبره انى شاك، وقد قال ابراهيم (رب ارني كيف تحيي الموتى) وانى احب ان ترينى شيئا فكتب إلي: ان ابراهيم كان مؤمنا واحب ان يزداد ايمانا، وانت شاك والشاك لا خير فيه. (وعن) ابى عبدالله عليه السلام: قول الله عزوجل: (فخذ من الطير) قال: اخذ الهدهد والصرد والطاووس والغراب، فذبحهن وعزل رؤوسهن ودق لحمهن فى الهاون مع عظامهن وريشهن حتى اختلطن، ثم جزأهن عشرة اجزاء على عشرة جبال ثم وضع عنده حبا وماءا، ثم جعل مناقيرهن بين اصابعه، قال إئتين معي باذن الله. فتطاير بعضها الى بعض اللحوم والريش والعظام، حتى استوت الابدان كما كانت وجاء كل بدن حتى التزق برقبته التى فيها رأسه والمنقار، فخلى ابراهيم عن مناقيرهن فوقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب، ثم قلن: يا نبي الله احييتنا احياك الله فقال ابراهيم عليه السلام: بل الله يحيى ويميت فهذا

[ 133 ]

تفسيره الظاهر، وتفسيره فى الباطن: خذ اربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهم علمك، ثم ابعثهم فى اطراف الارضين حججا لك على الناس، وإذا اردت ان يأتوك دعوتهم بالاسم الاكبر يأتينك سعيا باذن الله عزوجل، قال الصدوق الذى عندي فى هذا انه امر بالامرين جميعا. (وروي) ان الطيور التى امر بأخذها: الطاووس والنسر والديك والبط اقول: يجوز ان يحمل تغاير الطيور على تعدد المرات. (عيون اخبار الرضا) عن ابن الجهم قال: سال المأمون الرضا (ع) عن قول ابراهيم عليه السلام (رب ارني كيف تحيى الموتى...) قال الرضا عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى كان اوحى الى ابراهيم عليه السلام: (انى متخذ من عبادي خليلا إن سألني احياء الموتى اجبته) فوقع فى نفس ابراهيم (ع) انه ذلك الخليل، فقال (رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) على الخلة، قال: (فخذ اربعة من الطير...) الحديث. اقول: ذكر المفسرون لتأويل هذه الآية وجوها: الاول - ما تضمنه هذا الحديث. الثاني - انه احب ان يعلم ذلك عيان بعد ما كان عالما به من جهة الدليل والبرهان لتزول الخواطر والوساوس. وفى الأخبار دلالة عليه. الثالث - ان سبب السؤال منازعة نمرود إياه فى الاحياء، فقال احيى واميت: اطلق محبوسا واقتل انسانا. فقال ابراهيم عليه السلام: ليس هذا باحياء، وقال: (يا رب ارنى كيف تحيي الموتى) ليعلم نمرود ذلك، وذلك ان نمرود توعده بالقتل ان لم يحيي الله له الميت بحيث يشاهده ولذلك قال (ليطمئن قلبي) أي بان لا يقتلنى الجبار. (وعن المفضل بن عمر) عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات) ما هذه الكلمات ؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو انه قال: يا رب اسألك بحق محمد وعلي وفاطمة

[ 134 ]

والحسن والحسين إلا تبت علي. فتاب الله عليه فقلت: فما يعنى بقوله: (فأتمهن) قال: فاتمهن الى القائم عليه السلام اثنى عشر اماما. (قال المفضل) فقلت يا بن رسول الله فاخبرني عن قول الله عزوجل: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) ؟ قال: يعنى بذلك الامامة، وجعلها الله في عقب الحسين (ع) الى يوم القيامة. (معاني الاخبار) مسندا عن النبي صلى الله عليه وآله قال: انزل الله على ابراهيم عليه السلام عشرين صحيفة، قلت ما كانت صحيفة ابراهيم، قال كانت امثالا كلها وكان فيها: ايها الملك المبتلى المغرور، اني لم ابعثك لتجمع الدنيا بعضها الى بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فاني لا اردها وإن كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا - أي مريضا وصاحب علة - ان يكون له ثلاث ساعات، ساعة يناجى فيها ربه عزوجل، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها صنع الله عزوجل، وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال، فان هذه الساعة عون لتلك الساعات على العاقل ان يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ فى غير محرم. قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى ؟ قال كانت عبرا كلها. وفيها عجبت لمن ايقن بالموت كيف يفرح، ولمن ايقن بالنار كيف يضحك، ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها - لم يطمئن، إليها ومن لم يؤمن بالقدر كيف ينصب - أي يتعب نفسه - فى طلب الرزق، ولمن ايقن بالحساب لم لا يعمل.). (وعن) ابى جعفر عليه السلام فى قول الله تعالى: (وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض). قال: اعطى بصره من القوة ما يعدو السماوات، فرأى ما فيها و رأى العرش وما فوقه ورأى الارض وما تحتها، وفعل محمد صلى الله عليه وآله مثل ذلك، وانا لا أرى صاحبكم والائمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك. (العياشي) عن عبد الصمد بن بشير: قال جمع لابي جعفر الدوانيقي جميع القضاة، فقال لهم: رجل اوصى بجزء من ماله فكم الجزء ؟ فلم يعلموا كم الجزء

[ 135 ]

فأبرد بريد الى صاحب المدينة ان يسأل جعفر بن محمد عليهما السلام رجل اوصى بجزء من ماله، فكم الجزء، فقد اشكل ذلك على القضاة، فلم يعلموا كم الجزء، فأتى صاحب المدينة الى الصادق عليه السلام وسأله عن الجزء، فقال عليه السلام: هذا فى كتاب الله بين ان الله يقول، لما قال ابراهيم: (رب ارنى كيف تحيى الموتى...) على كل جبل جزء وكانت الطيور و الجبال عشرة، الحديث. (العياشي) عن احدهما عليهما السلام: انه كان يقرأ هذه الآية (رب اغفر لي ولوالدي) يعنى اسماعيل واسحاق. وفى رواية اخرى عنه عليه السلم: انه قرأ (ربنا اغفر لي ولوالدي) قال هذه كلمة صحفها الكتاب، انما كان استغفار ابراهيم لأبيه عن موعدة وعدها اياه، وانما قال: (رب اغفر لي و لوالدي) يعني اسماعيل واسحاق، والحسن والحسين ابناء رسول الله صلى الله عليه وآله. (غوالي اللئالي) فى الحديث ان ابراهيم عليه السلام لقى ملكا، فقال له: من انت ؟ قال انا ملك الموت، قال تستطيع ان تريني الصورة التى تقبض بها روح المؤمن ؟ قال نعم، اعرض عنى، فاعرض عنه، فإذا هو شاب حسن الصورة حسن الثياب حسن الشمائل طيب الرائحة، فقال: يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن الا حسن صورتك لكان حسبه، ثم قال هل تستطيع ان تريني الصورة التى تقبض بها روح الفاجر ؟ فقال: لا تطيق، فقال بلى، قال فاعرض عنى، فاعرض عنه، ثم التفت إليه، فإذا هو رجل اسود قائم الشعر منتن الرائحة اسود الثياب يخرج من فيه ومن مناخيره النيران والدخان. فغشى على ابراهيم، ثم افاق، وقد عاد ملك الموت الى حالته الاولى، فقال: يا ملك الموت لو لم يلق الفاجر الا صورتك هذه لكفته. (علل الشرايع) عن على عليه السلام قال: ان ابراهيم صلى الله عليه وآله مر ببانقيا، وكان ينزل بها، فبات بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم. فقالوا ما هذا وليس حدث ؟ قالوا: هاهنا شيخ ومعه غلام له قال فأتوه فقالوا له: يا هذا انه كان يزلزل بنا كل ليلة، ولم تزلزل بنا هذه الليلة، فبت عندنا،

[ 136 ]

فبات، فلم يزلزل بهم، فقالوا: اقم عندنا ونحن نجري عليك ما احببت ؟ قال: لا، ولكن تبيعوني هذا الظهر، ولم يزلزل بكم، قالوا: فهو لك. قال لا آخذه، الا بالشراء. قالوا: فخذه بما شئت، فاشتراه بسبع نعاج واربع احمرة، فلذلك سمي بانقيا لان النعاج بالنبطية نقيا، فقال له غلامه: يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر وليس فيه زرع ولا ضرع ؟ فقال له اسكت، فان الله عزوجل يحشر من هذا الظهر سبعين الف يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع منهم لكذا وكذا. اقول: بانقيا على ما في القاموس قرية بالكوفة، والمراد هنا ظهر الكوفه هي النجف. وفيه ايضا مسندا الى الصادق عليه السلام قال: اوحى الله عز وجل الى ابراهيم عليه السلام: ان الارض قد شكت إلي الحياء من رؤية عورتك، فاجعل بينك وبينها حجابا، فجعل شيئا هو اكبر من الثياب ومن دون السراويل، فلبسه، فكان الى ركبتيه. اقول: المراد من قوله: ومن دون السراويل، انه انقص طولا من هذه السراويل المتعارفة، وهو السروال لابراهيم عليه السلام، الا انه كان قاصرا ان يدل على ان اول من اتخذ لبس السراويل هو ابراهيم عليه السلام. (وعنه) صلى الله عليه وآله فى حديث المعراج: انه مر على شيخ قاعد تحت الشجرة حوله اطفال، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من هذا الشيخ يا جبرئيل ؟ قال هذا ابوك‍ ابراهيم. فقال فما هؤلاء الاطفال حوله ؟ قال هؤلاء الاطفال اطفال المؤمنين حوله يغذيهم. (الامالي) عن الصادق عليه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام قال لما اراد الله تبارك وتعالى قبض روح ابراهيم عليه السلام اهبط الله ملك الموت، فقال السلام عليك يا ابراهيم. قال وعليك السلام يا ملك الموت اداع ام ناع ؟ فقال: بل ناع يا ابراهيم فاجب، قال يا ملك الموت فهل رأيت خليلا يميت خليله ؟ قال: فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدى الله جل جلاله، فقال: إلهي قد سمعت بما قال خليلك ابراهيم ؟ فقال الله جل جلاله: يا ملك الموت اذهب إليه وقل له: هل رايت حبيبا

[ 137 ]

يكره لقاء حبيبه. اقول: المراد بالداعي هنا الطالب على سبيل التخيير والرضا، كمن يدعو احدا الى ضيافة، وبالناعي الطالب على سبيل القهر والجزم، فلما علم ابراهيم عليه السلام ان الامر موسع عليه طلب الحياة ليكثر من الطاعة والعبادة. (العلل) عن الصادق عليه السلام قال: ان ابراهيم عليه السلام لما قضى مناسكه رجع الى الشام فهلك. وكان سبب هلاكه ان ملك الموت اتاه ليقبضه، فكره ابراهيم الموت، فرجع ملك الموت الى ربه عزوجل، فقال: ان ابراهيم كره الموت. فقال: دع ابراهيم فانه يحب ان يعبدني حتى رأى ابراهيم شيخا كبيرا، يأكل ويخرج منه ما يأكله، فكره الحياة واحب الموت، فبلغنا ان ابراهيم اتى داره، فإذا فيها رجلا حسن الصورة ما رآها قط، قال من انت ؟ قال انا ملك الموت. قال: سبحان الله من الذى يكره قربك وزيارتك وانت بهذه الصورة ؟ فقال: يا خليل الرحمن ان الله تبارك وتعالى إذا اراد بعبد خيرا بعثني إليه فى هذه الصورة، وإذا اراد بعبد شرا بعثنى إليه فى غير هذه الصورة فقبض عليه السلام بالشام. وتوفي اسماعيل بعده وهو ابن ثلاثين ومائة سنة، فدفن فى الحجر مع امه. (وفيه) ايضا عنه عليه السلام قال: ان سارة قالت لابراهيم (ع) يا ابراهيم قد كبرت فلو دعوت الله ان يرزقك ولدا تقر اعيننا به، فان الله اتخذك خليلا، وهو مجيب لدعوتك فسال ابراهيم عليه السلام ربه ان يرزقه غلاما عليما. فأوحى الله إليه: اني واهب لك غلاما عليما، ثم ابلوك بالطاعة. فمكث ابراهيم عليه السلام بعد البشارة ثلاث سنين، وان سارة قالت لابراهيم علهى السلام: انك قد كبرت وقرب اجلك فلو دعوت الله عزوجل ان يمد لك فى العمر فتعيش معنا ؟ فسال ابراهيم عليه السلام ربه ذلك فأوحى الله إليه: سل من زيادة العمر ما احببت. فقالت سارة: سل ان لا يميتك حتى تكون انت الذى تسأله الموت. فأوحى الله تعالى إليه: في ذلك. فقالت سارة: اشكر الله واعمل طعاما، وادع عليه الفقراء واهل الحاجة، ففعل ودعا الناس فكان فيمن اتى رجل كبير ضعيف مكفوف، معه

[ 138 ]

قائد له، فاجلسه على مائدته فمد الاعمى يده، فتناول اللقمة واقبل بها نحو فيه، فجعلت تذهب يمينا وشمالا، ثم اهوى بيده الى جبهته فتناول قائده يده فجاء بها الى فمه، ثم تناول المكفوف لقمة، ثم ضرب بها عنقه، قال: وابراهيم ينظر الى المكفوف والى ما يصنع، فتعجب ابراهيم عليه السلام من ذلك. وسأل قائده ؟ فقال: هذا الذى ترى من الضعف، فقال ابراهيم عليه السلام فى نفسه اليس إذا كبرت اصير مثل هذا. ثم ان ابراهيم عليه السلام سأل الله عزوجل حيث رأى من الشيخ ما رأى: اللهم توفني فى الاجل الذى كتبت لي، فلا حاجة لي فى الزيادة فى العمر بعد الذي رأيت. (وعنه) عليه السلام قال: ان ابراهيم عليه السلام ناجى ربه فقال: يا رب كيف تميت ذا العيال من قبل ان تجعل له من ولده خلفا يقوم بعده في عياله ؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا ابراهيم أو تريد لها خلفا منك يقوم مقامك من بعدك خيرا منى ؟ قال ابراهيم: اللهم لا، الآن طابت نفسي. الفصل الرابع فى احوال اولاده وازواجه صلوات الله عليه وبناء البيت الحرام قال الله تعالى: (واذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا * واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى * وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود). (طبرسي طاب ثراه) روي عن الباقر عليه السلام انه قال نزلت ثلاثة

[ 139 ]

احجار من الجنة، حجر مقام ابراهيم عليه السلام وحجر بني اسرائيل، والحجر الاسود، و استودعه الله ابراهيم عليه السلام حجر الابيض، و كان اشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بنى آدم. اقول: الحجر الاسود تقدم ان آدم عليه السلام حمله من الجنة. وحدثني بعض الشيوخ من العلماء ان الكعبة لما هدمها السيل، انهم شاهدوا الحجر من الطرف الذي يلي البيت، وكان ابيض. (قال ابن عباس) وروي فى كثير من اخبارنا انه لما اتى ابراهيم باسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة، و اتت على ذلك مدة، ونزلها الجرهميون، وتزوج اسماعيل منهم وماتت هاجر، استاذن ابراهيم سارة ان يأتي هاجر فأذنت له، وشرطت عليه ان لا ينزل، فقدم ابراهيم عليه السلام وقد ماتت هاجر، فذهب الى بيت اسماعيل، فقال لامرأته اين صاحبك ؟ فقالت ذهب يتصيد وكان اسماعيل عليه السلام يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع. فقال لها ابراهيم هل عندك ضيافة ؟ قالت ما عندي شىء فقال لها ابراهيم عليه السلام إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام، وقولى له فليغير عتبة بابه. وذهب ابراهيم عليه السلام فلما جاء اسماعيل عليه السلام ووجد ريح ابيه فقال لامرأته: هل جاءك احد ؟ قالت جاءني شيخ صفته كذا وكذا، كالمستخفة بشأنه، قال فما قال لك قالت: قال لي إقرأي زوجك السلام، وقولى فليغير عتبة بابه. فطلقها وتزوج باخرى. فلبث ابراهيم ما شاء الله، ثم استأذن سارة ان يزور اسماعيل. فأذنت له، واشترطت عليه ان ينزل. فجاء حتى انتهى الى باب اسماعيل، فقال لامرأته اين صاحبك ؟ فقالت ذهب يتصيد وهو يجىء الآن ان شاء الله فانزل يرحمك الله قال لها هل عندك ضيافة ؟ قالت نعم، فجاءت باللبن و اللحم، ودعا لها بالبركة، فلو جاءت يومئذ بخبز بر أو شعير أو تمر، لكان اكثر ارض الله برا أو تمرا أو شعيرا فقالت له انزل حتى اغسل راسك فلم ينزل، فجاءت بالمقام فوضعته على شقه الايمن فوضع قدمه عليه فبقى اثر قدمه عليه، فغسلت شق رأسه الايمن ثم حولت المقام الى شقه الأيسر، فبقى اثر قدميه

[ 140 ]

عليه، فغسلت شق راسه الايسر، فقال لها إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له لقد استقامت عتبة بابك، فلما جاء اسماعيل، وجد رائحة ابيه، فقال لامرأته هل جاءك احد قالت نعم، شيخ من احسن الناس وجها واطيبهم ريحا وقال لي كذا وكذا، وغسلت رأسه و هذا موضع قدميه على المقام قال لها اسماعيل ذلك ابراهيم عليه السلام. (وعن) النبي صلى الله عليه وآله: الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا ان نورهما طمس لاضاء ما بين المشرق و المغرب. (العياشي) عن الصادق عليه السلام قال: انزل الحجر الاسود من الجنة لآدم وكان في البيت درة بيضاء، فرفعه الله تعالى الى السماء وبقى اساسه فهو حيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يرجعون إليه ابدا، فامر الله ابراهيم و اسماعيل ان يبنيا البيت على القواعد. (وعن ابن عباس) قال: قدم ابراهيم فى المقام، فنادى ايها الناس ان الله دعاكم الى الحج. فأجابوا لبيك اللهم لبيك، اجابه من فى اصلاب الرجال واول من اجابه أهل اليمن. (تفسير على بن ابراهيم) فى قوله تعالى (طهرا بيتي) عن الصادق عليه السلام يعني نح عنه المشركين. وقال لما بنى ابراهيم عليه السلام البيت وحج الناس شكت الكعبة الى الله تبارك وتعالى ما تلقى من انفاس المشركين ؟ فأوحى الله إليها قري يا كعبة، فاني ابعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون. اقول: قضبان الشجر شامل للادراك وغيره، وربما توجد فى موضع آخر تخصيصه بالادراك، وارادة العموم جائزة، فان السواك بمطلق قضبان الشجر مستحب وان كان الافضل هو الاراك، بل ورد استحباب السواك بالاصابع، وهو منزل مراتب الفضل والاستحباب. وفيه فى قوله تعالى: (ووهبنا لهم من رحمتنا) يعنى لابراهيم واسحاق

[ 141 ]

ويعقوب (من رحمتنا) يعنى برسول الله صلى الله عليه وآله (وجعلنا لهم لسان صدق) يعني امير المؤمنين (ع) حدثني بذلك ابي عن الامام الحسن العسكري (ع). (علل الشرايع) باسناده الى الصادق عليه السلام فى حديث طويل يقول فيه: لما بنى ابراهيم واسماعيل عليهما السلام البيت، قالت امرأة اسماعيل وكانت عاقلة فهلا تعلق على هذين البابين سترا من هاهنا ؟ قال نعم. فعملا له سترين طولهما اثنى عشر ذراعا فعلقهما على البابين، فاعجبها ذلك، فقالت: فهلا احوك للكعبة ثيابا ونسترها كلها فان هذه الاحجار سمجة. فقال اسماعيل: بلى، فاسرعت فى ذلك وبعثت الى قومها بصوف كثير تستغزل بهن. (قال) أبو عبدالله عليه السلام: وانما وقع استغزال بعضهن مع بعض، لذلك فأسرعت واستعانت في ذلك، فلما فرغت من شقة علقتها، فجاء الموسم وقد بقى وجه من وجوه الكعبة. فقالت لاسماعيل كيف نصنع بهذا الوجه الذى لم ندركه بكسوة فكسوه خصفا، فجاء الموسم فجاءته العرب، فنظروا الى امر فأعجبهم فقالوا: ينبغى لعامر هذا البيت ان يهدى إليه. فمن ثم وقع الهدى فأتى كل فخذ من العرب بشىء يحمله من ورق ومن اشياء وغير ذلك، فنزعوا ذلك الخطف واتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين، وكانت غير مسقفة فسقفها اسماعيل بالجرائد، فجاءت العرب فرأوا عمارتها فزادوا فى الهدى فأوحى الله إليه ان انحره واطعم الحاج، وشكى اسماعيل الى ابراهيم قلة الماء. فأوحى الله تعالى الى ابراهيم عليه السلام، احتفر بئرا يكون منها شرب الماء فاحتفر زمزم وضرب ابراهيم عليه السلام فى اربع زوايا البئر فانفجرت من كل زاوية عينا، فقال جبرئيل عليه السلام اشرب يا ابراهيم وادع لولدك فيها بالبركة، ثم تزوج اسماعيل الحميرية وولد منها ولد ثم تزوج بعدها اربع نسوة فولد له من كل واحدة اربع غلمان، ثم قضى الله على ابراهيم بالموت فلم يره اسماعيل ولم يخبر بموته حتى كان ايام الموسم فنزل جبرئيل عليه السلام واخبره بموت ابيه وكان لاسماعيل ابن صغير يحبه، وكان هوى اسماعيل فيه، فأبى الله عليه ذلك فقال يا اسماعيل هو فلان، فلما قضى الموت على اسماعيل

[ 142 ]

دعا وصيه، فقال يا بني إذا حضرك الموت فافعل كما فعلت. فمن ذلك لا يموت إمام الا اخبره الله الى من يوصي. (تفسير على بن ابراهيم) مسندا الى الصادق (ع) قال: ان ابراهيم عليه السلام كان نازلا فى بادية الشام، فلما ولد من هاجر اسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لانه لم يكن له منها ولد وقد كانت تؤذي ابراهيم في هاجر فتغمه، فشكا ذلك الى الله تعالى. فأوحى الله تعالى إليه: انما مثل المرأة مثل الضلع المعوج ان تركت استمتعت بها و ان اقمتها كسرتها، ثم امره ان يخرج اسماعيل وامه عنها، فقال يا رب الى أي مكان ؟ فقال: الى حرمي. فانزل عليه جبرئيل عليه السلام بالبراق، فحمل هاجر واسماعيل عليه السلام، وكان ابراهيم عليه السلام لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع، الا وقال يا جبرئيل الى هاهنا ؟ فقال: لا، امض. حتى وافى مكة فوضعه موضع البيت، وقد كان عاهد سارة الا ينزل حتى يرجع إليها، فلما نزلوا فى ذلك المكان كان فيه شجر، فالقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها، فاستظلوا تحته فلما وضعهم واراد الانصراف الى سارة قالت له هاجر: يا ابراهيم تدعنا في موضع ليس فيه انيس ولا ماء ولا زرع ؟ فقال ابراهيم عليه السلام: الذي امرني ان اضعكم فى هذا المكان هو يكفيكم. ثم انصرف عنهم، فالتفت إليهم، فقال: (ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) فبقيت هاجر، فلما ارتفع النهار عطش اسماعيل وطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى، فنادت هل فى الوادي من انيس ؟ فغاب اسماعيل عنها، فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب فى الوادي وظنت انه ماء، فنزلت فى بطن الواد وسعت، فلما بلغت المسعى غاب عنها اسماعيل، ثم لمع لها السراب فى موضع الصفا، فهبطت الى الوادي تطلب الماء، فلما غاب عنها اسمايل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات، فلما كان فى الشوط السابع، وهي على المروة نظرت الى اسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه،

[ 143 ]

فجمعت حوله رملا، فانه كان سائلا فزمته بما جعلت حوله، فلذلك سمي زمزم، و كان جرهم نازلة بعرفات، فلما ظهر الماء بمكة، وعكفت الطير والوحوش عليه، اتبعوها حتى نظروا الى امرأة وصبي نازلين فى ذلك الموضع قد استظلا بشجرة، قد ظهر الماء لهما، قال لهاجر: من انت وما شأنك وشأن هذا الصبي ؟ قالت انا ام ولد ابراهيم خليل الرحمان، و هذا ابنه. فقالوا لها: فتأذنين لنا ان نكون بالقرب منكم، ثم انها استاذنت ابراهيم ؟ فأذن لهم، فنزلوا بالقرب منهم، فأنست هاجر واسماعيل بهم فلما رآهم ابراهيم عليه السلام في المرة الثالثة نظر الى كثرة الناس حولهم، فسر بذلك سرورا شديدا فلما ترعرع اسماعيل عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا لاسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين، وكانت هاجر واسماعيل يعيشان بها، فلما بلغ مبلغ الرجال، امر الله عزوجل ابراهيم: ان يبني البيت، فقال: يا رب فى أية بقعة انا ؟ قال: في البقعة التى انزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم، فلم تزل القبة التى انزلها على آدم قائمة حتى كانت ايام الطوفان ايام نوح عليه السلام فلما غرقت الدنيا، رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا، فسميت البيت العتيق، لانه اعتق من الغرق، فلما امر الله عزوجل ابراهيم ان يتخذ البيت. فلم يدر فى أي مكان ؟ فبعث الله عزوجل جبرئيل عليه السلام، فخط له موضع البيت. فأنزل الله عليه القواعد من الجنة، وكان الحجر الذي انزله الله على آدم اشد بياضا من الثلج فلما مسته ايدي الكفار إسود. فبنى ابراهيم البيت ونقل اسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة اذرع، ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه ابراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن، وجعل له بابين بابا الى المشرق وبابا الى المغرب، يسمى المستجار ثم القى عليه الشجر والأذخر، وعلقت على بابه كساء، فلما بناه وفرغ منه حج ابراهيم واسماعيل ونزل عليهما جبرئيل (ع) يوم التروية، فقال جبرئيل عليه السلام: قم فارتوا من الماء. لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء، فسميت التروية لذلك. ثم قال ابراهيم (ع) لما فرغ من بناء البيت: (رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر).

[ 144 ]

قال: من ثمرات القلوب، - أي حببه الى الناس ليعودوا إليه. (علل الشرايع) باسناده الى محمد بن عرفة قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن من قبلنا يقولون ان ابراهيم خليل الرحمان ختن نفسه بقدوم على دن ؟ فقال: سبحان الله، ليس كما يقولون كذبوا على ابراهيم، قلت له: صف لي ذلك ؟ فقال: ان الانبياء عليهم السلام كان يسقط غلفهم مع سررهم يوم السابع، فلما ولد اسماعيل سقط عنه غلفته مع سرته و عيرت بعد ذلك سارة هاجر، بما تعير به الاماء، فبكت هاجر واشتد عليها. و بكى لبكائها اسماعيل. فأخبر ابراهيم فقام الى مصلاه وناجى ربه وسأله ان يلقى ذلك عن هاجر. فألقاه الله عزوجل عنها. فلما ولدت سارة اسحاق وكان يوم السابع لم تسقط غلفته. فجزعت من ذلك سارة وقالت لابراهيم ما هذا الحادث الذى حدث فى اولاد الانبياء ؟ هذا ابنك اسحاق سقطت سرته ولم تسقط غلفته، فقام ابراهيم الى مصلاه وناجى ربه فقال: يا رب ما هذا الحادث الذي حدث في آل ابراهيم هذا اسحاق ابني سقطت سرته ولم تسقط غلفته ؟ فأوحى الله عزوجل إليه هذا لما عيرت سارة هاجر، فآليت ان لا اسقط ذلك عن احد من اولاد الانبياء بعد تعييرها لهاجر. فاختتن اسحاق بالحديد واذاقه حر الحديد. فقال فاختتن ابراهيم اسحاق بحديد فجرت السنة فى الناس بعد ذلك. اقول: القدوم المراد منه قدوم النجار. وقول الجزي انه قرية بالشام أو موضع على ستة اميال من المدينة غير مناسب هنا. والدن الراقود العظيم أو اطول من الحب أو اصغر، وفيه دلالة على اختتان ابراهيم محمول على التقية. (مناقب ابن شهر آشوب) عن علي (ع): ان الجمار انما رميت بسبع حصيات، لان جبرئيل عليه السلام حين ارى ابراهيم عليه السلام المشاعر، برز له ابليس فأمره جبرئيل ان يرميه فرماه بسبع حصيات. فدخل عند الجمرة الاولى تحت الارض فأمسك ثم انه برز عند الثانية فرماه بسبع حصيات آخر. فدخل تحت الارض

[ 145 ]

فى موضع الثانية ثم برز له فى موضع الثالثة فرماه بسبع حصيات فدخل موضعها. (وفيه) عن ابى الحسن عليه السلام قال: السكينة ريح تخرج من الجنة لها صورة كصورة الانسان ورائحة طيبة. وهى التي انزلت على ابراهيم عليه السلام، فاقبلت تدور حول اركان البيت وهو يضع الاساطين. (علل الشرايع) عن ابن عباس قال: كانت الخيل العراب وحوشا بارض العرب، فلما رفع ابراهيم واسماعيل القواعد من البيت، قال الله: انى اعطيتك كنزا لم اعطه احدا كان قبلك، فخرج ابراهيم واسماعيل حتى صعدا جيادا - يعنى جبلا بمكة - فقال الا هلا الا هلم، فلم يبق فى ارض العرب فرس الا اتاه وتذلل له، واعطت بنواصيها، وانما سميت جيادا: لهذا، فما زال الخيل بعد تدعو الله ان يحببها الى اربابها، فلم تزل حتى اتخذها سليمان، فلما آلمته امر بها ان يمسح رقابها وسوقها حتى بقى اربعون فرسا. اقول: هذا زجر للخيل - أي إقربي - قاله الجوهري. (وفيه) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: لما امر الله عزوجل ابراهيم واسماعيل عليهم السلام ببنيان البيت، وتم بناؤه، امره ان يصعد ركنا، ثم ينادى فى الناس: الا هلم الى الحج، فلو نادى: هلموا الى الحج، لم يحج الا من كان انسيا مخلوقا، ولكن نادى: هلم الى الحج، فلبى الناس فى اصلاب الرجال: لبيك داعي الله فمن لبى عشرا حج عشرا ومن لبى خمسا حج خمسا و من لبى اكثر فبعدد ذلك ومن لبى واحدا حج واحدا، ومن لم يلب لم يحج. ورواه في الكافي مثله. اقول: ذكروا فى وجه الفرق ان الاصل فى الخطاب ان يكون متوجها الى الموجودين، اما شمول الحكم للمعدودين فيستفاد من دليل آخر، لا من نفس الخطاب الا ان يكون المراد بالخطاب، الخطاب العام المتوجه الى كل من يصلح للخطاب، فانه شامل للواحد والكثير والموجود والمعدوم والشائع فى مثل هذا الخطاب، ان يكون بلفظ المفرد، بل صرح بعض اهل العربية: بأنه لا يتأتى الا بالمفرد، وفى الكافي: اسقط لفظ الى في المفرد واثبتها في الجمع، وجعله بعضهم:

[ 146 ]

هو وجه الفرق بأن يكون في المفرد المخاطب هو الحج مجازا لبيان كونه مطلوبا من غير خصوصية شخص أي هلم ايها الناس الحج. (وفي الفقيه) كلمة الى موجودة فى المواضع، وفيه عند ذكر المفرد فى الموضعين: نادى، وعند ذكر الجمع ناداهم. ومن ثم قال بعض المحققين ليس مناط الفرق بين افراد الصيغة وجمعها بل ما في الحديث بيان للواقعه. والمراد ان ابراهيم عليه السلام نادى: هلم الى الحج بلا قصد الى مناد معين - أي الموجودين - لكان الحج مخصوصا بالموجودين، فلذا يعم الموجودين والمعدومين فلو ناداهم الى الموجودين وقال: هلموا الى الحج، قاصدا الى الموجودين، لكان الحج مخصوصا بالموجودين، فضميرهم: فى ناداهم، راجع الى الناس الموجودين. فالمناط قصد المنادي المعين المشعر إليه بلفظهم في احدى العبارتين وعدم القصد فى الاخرى المشعر إليه بذكر نادى مطلقا، لا الافراد والجمع. اقول: وجه التحقيق فيه ان الموجودين وقت الخطاب كانوا جماعة من الاحياء فلو خاطبهم باللفظ الصالح لهم لكان متوجها إليهم، لان الاصل فى الخطاب ان يكون متوجها الى من يقبل صيغة الخطاب، ولما عدل عنه الى الافراد مع عدم القرينة على تعيين المخاطب كان شاملا لكل من يقبل ان يكون مخاطبا ولو بعد الوجود وإلا لكان الخطاب عبثا خاليا عن الحكمة و الفائدة. (وفيه) عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان الله جل جلاله لما امر ابراهيم عليه السلام ينادي في الناس بالحج، قام على المقام، فارتفع به حتى صار بازاء ابي قبيس فنادى فى الناس: بالحج، فاسمع من في أصلاب الرجال و ارحام النساء الى ان تقوم الساعة. (وفيه) عنه عليه السلام: ان الله عزوجل اوحى الى ابراهيم واذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا. فنادى فأجيب من كل فج عميق. وقال: انما سميت الخيل العراب لان اول من ركبها اسماعيل. وقال عليه السلام ان بنات الانبياء لا يطمثن، انما جعل الطمث عقوبة. وأول من طمثت سارة.

[ 147 ]

(وعنه عليه السلام) صار السعي بين الصفا والمروة لان ابراهيم عليه السلام عرض له ابليس، فأمره جبرئيل عليه السلام فشد عليه فهرب منه، فجرت به السنة يعني به الهرولة. (وفيه عن الرضا عليه السلام) انما سميت منى: بمنى لأن جبرئيل عليه السلام قال: هناك يا ابراهيم تمن على ربك ما شئت ؟ فتمنى ابراهيم في نفسه ان يجعل الله مكان ابنه اسماعيل كبشا يأمره الله بذبحه فداء له ؟ فاعطاه الله. (وفيه) عن ابي عبد الله عليه السلام: ان جبرئيل (ع) خرج بابراهيم عليه السلام يوم عرفة، فلما زالت الشمس قال له جبرئيل عليه السلام: يا ابراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك، فسميت عرفات لقول جبرئيل (ع): اعرف واعترف وقال ان جبرئيل عليه السلام انتهى الى الموقف، فأقام به حتى غربت الشمس، ثم افاض به، فقال يا ابراهيم ازدلف الى المشعر الحرام. (وفيه) عن ابي عن علي عن ابيه عن ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام فى قول سارة: اللهم لا تؤاخذني بما صنعت بهاجر انها كانت خفضتها فجرت السنة بذلك. اقول: فيه بيان ما تقدم من ان الذي عيرت سارة بهاجر، هو هذا نعم الموجود هناك هو ان الله سبحانه ألقاها عنه وهاهنا ان سارة خفضتها ولم تقصد سارة من ذلك الخفض التطهير والسنة، بل قصدت به الايذاء والاضرار بها كما تقطع الفروج اضرارا بأهلها. (وفيه) عن ابى الحسن عليه السلام: ان ابراهيم دعا ربه: ان يرزق اهله من كل الثمرات. فقطع له قطعة من الشام، فاقبلت بثمارها، حتى طافت بالبيت سبعا، ثم اقرها الله عزوجل فى موضعها. فانما سميت، الطائف للطواف بالبيت. (قصص الانبياء) باسناده الى على عليه السلام قال: شب اسماعيل واسحاق فتسابقا فسبق اسماعيل، فأخذه ابراهيم فاجلسه فى حجره، واجلس اسحاق الى جنبه، فغضبت سارة وقالت: اما انك قد جعلت ان لا تساوي بينهما، فاعزلهما

[ 148 ]

عني، فانطلق ابراهيم عليه السلام باسماعيل وامه الى مكة... الحديث. الفصل الخامس فى قصة الذبح وتعيين المذبوح قال الله تعالى: (وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين * رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابة افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين * فلما اسلما وتله للجبين وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين * ان هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم و تركنا عليه فى الاخرين * سلام على ابراهيم كذلك نجزى المحسنين * انه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى اسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين). (فلما بلغ معه السعي) أي شب حتى صار يتصرف مع ابراهيم ويعينه على اموره، وكان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل: يعني بالسعي العمل لله والعبادة (فلما اسلما) أي استسلما لامر الله ورضيا به. (و تله للجبين) قيل وضع جبينه على الارض، لئلا يرى وجهه فتلحقه رقة الآباء. (وروي) انه قال: اذبحني وانا ساجد، لا تنظر الى وجهي، فعسى ان يرحمنى. لهو البلاء المبين - أي الامتنان الظاهر والاختبار الشديد أو النعمة الظاهرة (بذبح عظيم) قيل: كان كبشا من الغنم. (قال ابن عباس) هو الكبش الذي تقبل من هابيل حين قربه، وكونه عظيما لانه رعى في الجنة اربعين خريفا. (وبشرناه باسحاق) من قال ان الذبيح اسحاق قال يعنى بشرناه بنبوة اسحاق وبصبره.

[ 149 ]

(وباركنا عليه وعلى اسحاق) أي وجعلناه فيما اعطيناهما من الخير والبركة، و المراد كثرة ولدهما وبقائهم قرنا بعد قرن الى ان تقوم الساعة. (ومن ذريتهما) أي من اولاد ابراهيم واسحاق (محسن) بالايمان والطاعة، (وظالم لنفسه) بالكفر و المعاصي. (عيون اخبار الرضا) باسناده الى الرضا عليه السلام وقد سئل عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله: انا ابن الذبيحين. قال يعني اسماعيل بن ابراهيم وعبد الله بن عبد المطلب، اما اسماعيل فهو الغلام الذي قال الله فيه: (اني ارى في المنام اني اذبحك) فلما عزم على ذبحه، فداه الله بكبش املح يأكل فى سواد وينظر فى سواد ويبول في سواد ويبعر فى سواد وكان يرتع قبل ذلك فى رياض الجنة اربعين عاما، وما خرج من انثى. فكلما يذبح بمنى فهو فدية لاسماعيل الى يوم القيامة. ثم ذكر قصه عبد الله. ثم قال الصدوق (ره) وقد اختلفت الروايات فى الذبح. فمنها ما ورد بانه اسماعيل. ومنها ما ورد بانه اسحاق. ولا سبيل الى رد الاخبار متى صح طرقها وكان الذبيح اسماعيل. لكن اسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى انه هو الذى امر ابوه بذبحه، فكان يصبر لامر الله ويسلم له كصبر اخيه و تسليمه فينال بذلك درجته فى الثواب، فعلم الله عزوجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك. ثم روي فى ذلك حديثا عن الصادق عليه السلام وقال: قول النبي صلى الله عليه وآله انا ابن الذبيحين. ويؤيد ذلك لان العم قد سماه الله ابا فى قوله تعالى (ام كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون قالوا نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق) وكان اسماعيل عم يعقوب فسماه الله ابا. (وقول) النبي صلى الله عليه وآله: العم والد. فعلى هذا الاصل ايضا يطرد قول النبي صلى الله عليه وآله: انا ابن الذبيحين، احدهما ذبيح بالحقيقة، والاخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب على النية والتمنى، فالنبي صلى الله عليه وآله هو

[ 150 ]

ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه. وللذبح العظيم وجه آخر. حدثنا ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن الفضل قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما امر الله عزوجل ابراهيم عليه السلام ان يذبح مكان ابنه اسماعيل الكبش الذى انزله عليه، تمنى ابراهيم عليه السلام ان يكون قد ذبح ابنه اسماعيل وانه لم يؤمر بذبح ذلك الكبش مكانه، ليرجع الى قلبه ما يرجع الى قلب الوالد الذي يذبح اعز ولده بيده عليه، فيستحق بذلك ارفع درجات اهل الثواب على المصائب، فأوحى الله عزوجل إليه: يا ابراهيم من احب خلقي اليك ؟ قال: يا رب ما خلقت خلقا هو احب إلي من حبيبك محمد (ص)، فأوحى الله إليه: فهو أحب اليك ام نفسك ؟ قال بل هو أحب إلي من نفسي، قال: فولده احب اليك ام ولدك ؟ قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلما على ايدي اعدائه. اوجع لقلبك ام ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال: يا رب بل ذبحه على ايدي اعدائه اوجع لقلبي قال: يا ابراهيم فان طائفة تزعم انها من شيعة محمد، ستقتل الحسين من بعده ظلما و عدوانا، كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي، فجزع ابراهيم عليه السلام لذلك، وتوجع قلبه واقبل يبكي، فأوحى الله عزوجل الى ابراهيم عليه السلام: قد فديت جزعك على ابنك اسماعيل لو ذبحته بيدك، بجزعك على الحسين وقتله، واوجبت لك ارفع درجات اهل الثواب على المصائب، وذلك قول الله عزوجل: (وفديناه بذبح عظيم). اقول: هذا الحديث يرفع الاشكال الذي ربما يورد على ان المراد بالفداء الحسين عليه السلام بان يقال انه افضل من اسماعيل، فكيف يكون فداء له لان الفداء انفس درجة من المفدى. وحاصل رفع الاشكال، ان المراد من قوله: (و فديناه بذبح عظيم) عوضناه لان الفداء يكون عوضا عن المفدي، والمعنى حينئذ إنا جعلنا مصيبة ابراهيم (ع) وحزنه عليه بدلا من مصيبته بذبح ابنه، فيكون الله سبحانه قد رقاه في درجات التكليف ومصائب الحزن.

[ 151 ]

وربما رفع جماعة من الاعلام هذا الاشكال بوجه آخر، وهو ان اسماعيل اب للنبي واهل بيته والائمة الطاهرين صلوات الله عليهم، فلو ذبح اسماعيل عليه السلام فقد بذبحه جميع اهل هذه الشجرة المباركة، ولا ريب ان مجموع هذه السلسلة العليا افضل واشرف من الحسين عليه السلام وحده، وما في الحديث هو الأولى. (وفي تفسير علي بن ابراهيم) في حديث طويل عن الصادق عليه السلام وفيه: انه لما اسلم اسماعيل امره الى الله في حكاية الذبح واراد ابراهيم (ع) ذبحه اقبل شيخ وقال: يا ابراهيم ما تريد من الغلام ؟ قال: اريد ان اذبحه، فقال: سبحان الله تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين ؟ فقال ابراهيم: ان الله امرني بذلك. فقال ربك ينهاك عن ذلك، وانما امرك بهذا الشيطان فقال له ابراهيم: ويلك ان الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي امرني به، ثم قال: يا ابراهيم انك امام يقتدى بك وانك ان ذبحته ذبح الناس اولادهم. فلم يكلمه. واقبل على الغلام فاستشاره فى الذبح فلما اسلما جميعا لامر الله. قال الغلام: يا ابتاه خمر وجهى وشد وثاقي فقال ابراهيم عليه السلام: يا بني الوثاق مع الذبح، لا والله لا اجمعها عليك. فاضجعه واخذ المدية فوضعها على حلقه ورفع رأسه الى السماء. ثم جر عليه المدية. وقلب جبرئيل المدية على قفاها. واجتر الكبش واثار الغلام من تحته ووضع الكبش مكان الغلام. ونودي من ميسرة مسجد الخيف: ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا. (وفيه) عن ابي عبدالله (ع) قال: سأل ملك الروم الحسن بن على عليهما السلام عن سبعة اشياء خلقها الله لا تركضن فى رحم ؟ فقال عليه السلام اول هذا آدم ثم كبش ابراهيم ثم ناقة الله ثم ابليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله فى القرآن. وفى (عيون الاخبار) قال سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن ستة لم يركضوا فى رحم فقال: آدم و حواء و كبش ابراهيم وعصا موسى وناقة صالح والخفاش الذى عمله عيسى عليه السلام فطار باذن الله عزوجل.

[ 152 ]

(علل الشرايع) مسندا الى ابان بن عثمان قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام كيف صار الطحال حراما وهو من الذبيحة ؟ فقال: ان ابراهيم عليه السلام هبط عليه الكبش من ثبير. وهو جبل بمكة ليذبحه، اتاه ابليس فقال له اعطني نصيبي من هذا الكبش ؟ قال و أي نصيب لك وهو قربان لربي و فداء لابني. فأوحى الله عزوجل إليه ان له فيه نصيبا وهو الطحال. لانه مجمع الدم وحرم الخصيتان لانهما موضع النكاح ومجرى النطفة فأعطاه الله الطحال والانثيين وهما الخصيتان: قال فقلت فكيف حرم النخاع ؟ قال لانه موضع الماء الدافق من كل ذكر وانثى وهو المخ الطويل الذي يكون فى فقار الظهر. وفى (الكافي) عن الرضا (ع): لو علم الله شيئا اكرم من الضأن لفدى به اسماعيل عليه السلام. اقول: اختلف علماء الاسلام في تعيين الذبيح هل هو اسماعيل أو اسحاق عليهما السلام فذهبت الطائفة المحقة من اصحابنا وجماعة من العامة الى انه اسماعيل عليه السلام والاخبار الصحيحة دالة عليه (ع) دلالة غيرهما من الايات ودلائل العقل. وذهب طائفة من الجمهور الى انه اسحاق عليه السلام. و به اخبار واردة من الطرفين. وطريق تأويلها اما تحمل على التقية، واما حملها على ما قاله الصدوق طاب ثراه من ان اسحاق (ع) صار ذبيحا بالنية والتمني. (وروى) شيخنا امين الاسلام الطبرسي رحمه الله. ان ابراهيم عليه السلام لما خلا بابنه اسماعيل اخبره بما قد ذكر الله عنه فى المنام فقال يا ابت اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح من دمي شىء فتراه امي واشحذ شفرتك واسرع من السكين على حلقي ليكون اهون علي، فان الموت شديد فقال له ابراهيم نعم العون انت على امر الله.

[ 153 ]

الباب السابع في قصص لوط عليه السلام وقومه قال الله تعالى: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه الا أن قالوا اخرجوهم من قريتكم انهم اناس يتطهرون * فأنجيناه واهله إلا امرأته كانت من الغابرين * وامطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين). هو ابن هاران بن تارخ بن اخي ابراهيم الخليل عليه السلام. وقيل انه كان ابن خالة ابراهيم عليه السلام، وكانت سارة زوجة ابراهيم عليه السلام اخت لوط. و الفاحشة اتيان الرجال فى ادبارهم. قال الحسن: وكانوا يفعلون ذلك. وقوله تعالى: (وتقطعون السبيل) أي سبيل الولد باختياركم الرجال وتقطعون الناس عن الأسفار باتيان هذه الفاحشة، فانهم كانوا يفعلونه بالمجتازين فى ديارهم و كانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالخزف فان اصابه كان اولى به ويأخذون ماله فينكحونه ويغرمونه ثلاثه دراهم، وكان لهم قاض يفتي بذلك. وقوله تعالى: (و تأتون في ناديكم المنكر). قيل: كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء. و روي ذلك عن الرضا عليه السلام. وقيل: انهم كانوا يأتون الرجال في مجالسهم يرى بعضها بعضا، فأنزل الله

[ 154 ]

عليهم الرجز - أي العذاب - و هي الحجارة التى امطرت عليهم. وقيل: هو الماء الاسود على وجه الارض. اقول: خروج الماء الاسود على وجه الارض من علامات الغضب، وفى هذه الاعصار خروج الماء الاسود من بلاد (قم) وبه خربت محال كثيرة وهو الى وقت رقم هذه الكلمات على حاله واقفا بين محالها يخرج من المنازل فيخربها وكل محلة خربت منازلها وقع بأهلها الموت حتى انه لم يبق منهم الا القليل، وقد حفروا لها انهارا من تحت الارض وهو يجرى منه الماء الى خارج البلد. ورأيت حديثا عن الصادق عليه السلام: من علامات الفرج لاهل قم ان يجري الماء على وجه الارض. يعنى ان يكون الفرج ويخرج القائم عليه السلام. وقد خرج من غيرها ايضا مثل شيراز و جرفايقان وخرب المنازل ووقع الموت بأهلها، لكنه سكن وفرغ منه. (علل الشرايع) باسناده الى ابي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعوذ من البخل ؟ قال نعم فى كل صباح ومساء، ونحن نتعوذ بالله من البخل، انه يقول: (ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون) وسأخبرك عن عاقبة البخل: ان قوم لوط كانوا اهل قرية اشحاء على الطعام، فاعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم. فقلت وما اعقبهم ؟ فقال ان قرية قوم لوط كانت على طريق السيارة تنزل بهم فيضيفونهم، فلما اكثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا بخلا ولؤما، فدعاهم البخل الى ان كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم، وانما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتى ينكل النازل عنهم، فشاع امرهم فى القرى، فاورثهم البخل بلاءا لا يستطيعون دفعه عن انفسهم من غير شهوة الى ذلك حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ويعطونهم عليه الجعل. فقلت له جعلت فداك فهل كان اهل قرية لوط كلهم يفعلون ؟ فقال نعم الا اهل بيت منهم من المسلمين، اما تسمع لقوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) وان لوطا لبث فى قومه ثلاثين سنة يدعوهم الى

[ 155 ]

الله عزوجل وكانوا لا يتنظفون من الغائط ولا يتطهرون من الجنابة. وكان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به ويحذرهم قومه، فلما رأى قمه ذلك قالوا اننا ننهاك عن العالمين ان فعلت فضحناك في ضيفك، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم امره مخافة ان يفضحه قومه لانه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط و ابراهيم عليهما السلام يتوقعان نزول العذاب على قومه، وان الله كان إذا اراد عذاب قوم لوط ادركته مودة ابراهيم وخلته ومحبة لوط، فيؤخر عذابهم، فلما اشتد عليهم غضب الله واراد عذابهم وقضى ان يعوض ابراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلى به مصابه بهلاك قوم لوط، فبعث الله رسلا الى ابراهيم يبشرونه باسماعيل فدخلوا عليه ليلا، ففزع وخاف ان يكونوا سرا. فلما رأته الرسل مذعورا قالوا سلاما (قال سلام إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) وهو اسماعيل. قال (فما خطبكم بعد البشارة ؟ قالوا إنا ارسلنا الى قوم لوط لننذرهم عذاب رب العالمين * فقال ابراهيم للرسل ان فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجيه واهله اجمعين * الا امرأته...) الحديث. (وروي) عن الاصبغ قال سمعت عليا عليه السلام يقول: ستة في هذه الامة من اخلاق قوم لوط: الجلاهق - وهو البندق - والجذف ومضغ العلك وارخاء الازار في الخلاء وحل الازار من القباء والقميص. (وفيه) عن الباقر عليه السلام في حديث طويل يقول: انه لما انتصف الليل سار لوط ببناته وتولت امرأة مدبرة فانقطعت الى قومها تسعى بلوط وتخبرهم ان لوطا قد سار ببناته، قال جبرئيل عليه السلام واني نوديت من تلقاء العرش لما طلع الفجر يا جبرئيل حق القول من الله بحتم عذاب قوم لوط، فاقلعها من تحت سبع ارضين ثم عرج بها الى السماء فأوقفها حتى يأتيك امر الجبار فى قلبها ودع منها آية من منزل لوط عبرة للسيارة فهبطت على اهل القرية فضربت بجناحي الايمن على ما حوى عليه شرقيها وضربت بجناحي الايسر على ما حوى عليه غربيها فاقتلعتها

[ 156 ]

من تحت سبع ارضين الا منزل آل لوط، ثم عرجت بها فى خوافي جناحي حتى اوقفتها حيث يسمع اهل السماء صياح ديوكها ونباح كلابها، فلما طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش يا جبرئيل اقلب القرية على القوم فقلبتها عليهم حتى صار اسفلها اعلاها وامطر الله عليهم حجارة من سجيل، وكان موضع قريتهم بنواحي الشام، وقلبت بلادهم، فوقعت فيها بين بحر الشام الى مصر فصارت تلولا فى البحر (علي بن ابراهيم) فى كلام طويل: ان ابراهيم عليه السلام لما رمي بنار نمرود، وجعلت عليه بردا وسلاما خرج من بلاد نمرود الى البادية فنزل على ممر الطريق الى اليمن والشام، فكان يمر به الناس فيدعوهم الى الاسلام، وقد كان خبره فى الدنيا ان الملك القاه في النار ولم يحترق، وكان ابراهيم كل من مر به يضيفه وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة كثيرة الشجر، وكان الطريق عليها وكان كل من مر بتلك البلاد تناول من تمورهم وزروعهم فجزعوا من ذلك وجاءهم ابليس في صورة شيخ فقال لهم هل أدلكم على ما إن فعلتموه لم يمر بكم احد ؟ فقالوا ما هو ؟ قال من مر بكم فانكحوه في دبره واسلبوا ثيابه، ثم تصور لهم ابليس في صورة امرد حسن الوجه فجاءهم فوثبوا عليه ففجروا به كما امرهم فاستطابوه وكانوا يفعلونه بالرجال فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فشكى الناس فى ذلك الى ابراهيم عليه السلام فبعث إليهم لوطا يحذرهم وقال لهم لوط: انا ابن خالة ابراهيم الذي جعل الله عليه النار بردا و سلاما، وهو بالمقرب منكم فاتقوا الله ولا تفعلوا، فان الله يهلككم وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من ايديهم وتزوج لوط فيهم وولد بنات، فلما طال ذلك على لوط ولم يقبلوا منه قالوا لئن لم تنته لنرجمنك بالحجارة فدعا عليهم لوط. فبينما ابراهيم عليه السلام قاعد فى الموضع الذى كان فيه وقد كان اضاف قوما وخرجوا، فنظر الى اربعة نفر وقد وقفوا عليه لا يشبهون الناس، فقالوا سلاما. فقال ابراهيم سلام، فجاء ابراهيم عليه السلام الى سارة فقال لها: قد جاءتني اضياف لا يشبهون الناس ؟ فقالت ما عندنا الا هذا العجل. فذبحه و شواه وحمله إليهم وذلك قول الله عزوجل: (ولقد جاءت

[ 157 ]

رسلنا ابراهيم بالبشرى، قالوا سلاما قال سلام) فما لبث ان جاء بعجل حنيذ مشوي فلما رأى ايديهم لا تصل إليه ولا ياكلون منه، خاف منهم، فقالت لهم سارة: مالكم تمتنعون من طعام خليل الله ؟ فقالوا: لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط، ففزعت سارة وضحكت - أي حاضت - وقد كان ارتفع حيضها، فبشروها باسحاق ومن ورائه يعقوب. فوضعت يدها على وجهها فقالت يا ويلتى أألد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا. فقال لها جبرئيل عليه السلام اتعجبين من امر الله ؟ فلما ذهب عن ابراهيم الروع اقبل يجادل الملائكة فى قوم لوط فقال ابراهيم لجبرئيل عليه السلام: بماذا ارسلت ؟ قال بهلاك قوم لوط، قال ان فيها لوطا قال: جبرئيل عليه السلام (نحن اعلم بمن فيها لننجينه واهله الا امرأته) قال ابراهيم: يا جبرئيل ان كان في المدينة مائة رجل من المؤمنين تهلكهم ؟ قال: لا قال: فان كان فيهم خمسون ؟ قال لا، فان كان فيهم عشرة ؟ قال لا، قال وان كان فيهم واحد ؟ قال لا، وهو قوله (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) فقال ابراهيم يا جبرئيل راجع ربك فيهم فأوحى الله الى ابراهيم: يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتاهم عذاب غير مردود، فخرجوا من عند ابراهيم، فوقفوا على لوط وهو يسقى زرعه، فقال لهم لوط: من انتم ؟ قالوا: نحن ابناء السبيل اضفنا الليلة. فقال لهم: يا قوم ان اهل هذه القرية قوم سوء لعنهم الله واهلكهم، ينكحون الرجال ويأخذون الاموال، فقالوا: قد ابطأنا فاضفنا، فجاء لوط الى اهله وكانت منهم، فقال لها: انه قد اتانا اضياف فى هذه الليلة فاكتمي عليهم حتى اعفو عنك جميع ما كان الى هذا الوقت ؟ فقالت افعل. وكانت العلامة بينها وبين قومها إذا كان عند لوط اضياف بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار، فلما دخل جبرئيل والملائكة معه بيت لوط عليه السلام أوقدت امرأته نارا فوق السطح، فعلم اهل القرية واقبلوا إليه من كل ناحية يهرعون، فلما صاروا الى باب البيت قالوا يا لوط أو لم ننهك عن العالمين ؟ فقال لهم: هؤلاء بناتي هن اطهر لكم، قال يعني به - ازواجهم - وذلك ان النبي هو أبو امته، فدعاهم الى الحلال، ولم يكن يدعوهم

[ 158 ]

الى الحرام، فقال: ازواجكم هن اطهر لكم، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد ؟ فقال لوط لما ايس: لو ان لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد، وما بعث الله نبيا بعد لوط الا في عز من قومه، وقوله عليه السلام: القوة القائم والركن الشديد ثلاثمائة وثلاثة عشر يعني الذين يخرجون مع القائم عليه السلام. (قال علي بن ابراهيم) فقال جبرئيل للملائكة لو علم ما له من القوة فقال لوط: من انتم فقال له جبرئيل عليه السلام انا جبرئيل. فقال لوط: بماذا امرت قال: بهلاكهم، قال الساعة ؟ فقال جبرئيل: (ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب) قال فكسروا الباب ودخلوا البيت، فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فطمسها، وهو قول الله عزوجل: (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر) فلما راوا ذلك علموا انه قد جاءهم العذاب، فقال جبرئيل للوط: فاسر باهلك بقطع من الليل واخرج من بينهم انت وولدك ولا يلتفت منكم احد الا امراتك فانه مصيبها ما اصابهم، وكان فى قوم لوط رجل عالم فقال لهم: يا قوم لقد جاءكم العذاب الذى كان يعدكم لوط، فاحرسوه و لا تدعوه يخرج من بينكم فانه ما دام فيكم لا ياتيكم العذاب، فاجتمعوا حول داره يحرسونه، فقال جبرئيل: يا لوط اخرج من بينهم، فقال كيف اخرج وقد اجتمعوا حول داري ؟ فوضع بين يديه عمودا من نور، فقال له: اتبع هذا العمود، فخرجوا من القرية من تحت الارض، فالتفتت امرأته، فارسل الله عليها صخرة فقتلتها. فلما طلع الفجر صارت الملائكة الاربعة كل واحد في طرف من قريتهم فقلعوها من سبع ارضين الى تخوم الارض، ثم رفعوها فى السماء، حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبوها عليهم، وامطر الله عليهم حجارة من سجيل. (وعن ابي عبدالله " ع "): ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل عمل قوم لوط الا رماه الله بحجر من تلك الحجارة ليكون فيه منيته ولكن الخلق لا يرونه. (قال الطبرسي " رحمه الله ") اختلف فى ذلك - يعني عرض البنات -

[ 159 ]

فقيل: اراد بناته لصلبه. عن قتادة وبه رواية. وقيل اراد النساء من امته، لانهن كالبنات له. واختلف ايضا فى كيفية عرضهن ؟ فقيل بالتزويج، وكان يجوز في شرعه تزويج بنته المؤمنة من الكافر. وكذا كان يجوز ايضا في مبتدأ الاسلام، وقد زوج النبي صلى الله عليه وآله من ابي العاص بن الربيع، قبل ان يسلم. ثم نسخ ذلك. وقيل: اراد التزويج بشرط الايمان، و كانوا يخطبون بناته فلا يزوجهن منهم لكفرهم. وقيل: انه كان لهم سيدان مطاعان، فاراد ان يزوجهما بنتيه ذعورا وريثا. (علل الشرايع) عن الصادق عليه السلام قال: في المنكوح من الرجال هم بقية سدوم، اما اني لست اعني بقيتهم انه ولدهم، ولكن من طينتهم. (قلت) سدوم الذي قلبت عليهم ؟ قال هي اربعة مدائن سدوم وصديم ولدنا وعميراء. (وقال المسعودي) ارسل الله لوطا الى المدائن الخمسة وهى سدوم وعمورا ودوما وصاعورا وصابورا. (وعنه عليه السلام) وقد سئل وكيف كان يعلم قوم لوط انه قد جاء لوطا رجل ؟ قال كانت امرأته تخرج فتصفر فإذا سمعوا الصفير جاؤوا، فلذلك كره التصفير (وعنه عليه السلام) انه لما جاء الملائكة الى لوط وهو لم يعرفهم واخذهم الى منزله إلتفت إليهم فقال انكم تأتون شرار خلق الله، وكان جبرئيل عليه السلام قال الله له: لا يعذبهم حتى يشهد عليهم ثلاث شهادات، فقال هذه واحدة، ثم مشى ساعة فقال انكم تأتون شرار خلق الله. فقال جبرئيل عليه السلام هذه ثنتان، فلما بلغ باب المدينة، إلتفت إليهم وقال انكم تأتون شرار خلق الله. فقال جبرئيل هذه ثلاث، ثم دخلوا منزله، الحديث. (ثواب الاعمال) مسندا الى ابي جعفر عليه السلام قال: كان قوم لوط افضل قوم خلقهم الله عزوجل فطلبهم ابليس لعنه الله طلبا شديدا، وكان من

[ 160 ]

فضلهم وخيرهم انهم إذا خرجوا الى العمل خرجوا باجمعهم وتبقى النساء خلفهم، فحسدهم ابليس على عبادتهم، وكانوا إذا رجعوا خرب ابليس ما يعملون، فقال بعضهم لبعض تعالوا نرصد هذا الذي يخرب متاعنا، فرصدوه فإذا هو غلام كاحسن ما يكون من الغلمان، فقالوا انت الذي تخرب متاعنا ؟ فقال نعم مرة بعد مرة، واجتمع رأيهم على ان يقتلوه فبيتوه عند رجل، فلما كان الليل صاح. فقال ما لك ؟ فقال كان ابى ينومني على بطنه. فقال نعم فنم على بطني فلم يزل بذلك الرجل حتى علمه ان يعمل بنفسه، فأولا علمه ابليس والثانية علمه هو، يعني لغيره. ثم انسل ففر منهم فاصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه شىء لا يعرفونه، فوضعوا ايديهم فيه حتى اكتفى الرجال بعضهم ببعض. ثم جعلوا يرصدون مار الطريق فيفعلون بهم حتى ترك مدينتهم الناس، ثم تركوا نساءهم، فاقبلوا على الغلمان، فلما رأى ابليس لعنه الله انه قد احكم امره فى الرجال دار الى النساء، فصير نفسه امرأة، ثم قال ان رجالكم يفعلون بعضهم ببعض قلن نعم قد رأينا ذلك، وعلى ذلك يعظهم لوط. وما زال يوصيهن حتى استكفت النساء بالنساء فلما كملت عليهم الحجة، بعث الله عزوجل جبرئيل وميكائيل واسرافيل فى زي غلمان عليهم اقبية، فمروا بلوط وهو يحرث فقال اين تريدون ؟ فما رأيت اجمل منكم قط، قالوا ارسلنا سيدنا الى رب هذه المدينة قال ولم يبلغ سيدكم ما يفعل اهل هذه القرية ؟ يا بني انهم والله ياخذون الرجال فيفعلون بهم حتى يخرج الدم ؟ فقالوا له امرنا سيدنا ان نمر فى وسطها، قال فلى اليكم حاجة ؟ قالوا وما هي ؟ قال تصبرون هاهنا الى اختلاط الظلام ؟ فجلسوا، فبعث ابنته فقال: هاتي لهم خبزا وماء و عباءة يتغطون بها من البرد. فلما ان ذهبت الى البيت اقبل المطر وامتلأ الوادي، فقال لوط الساعة تذهب بالصبيان الوادي، قال قوموا حتى نمضي، فجعل لوط يمشي في اصل الحائط وجعل الملائكة يمشون وسط الطريق، فقال يا بني هاهنا قالوا امرنا سيدنا ان نمر وسطها. وكان لوط عليه السلام يستغل الظلام ومر ابليس لعنه الله فاخذ من حجر امرأته صبيا، فطرحه في البئر، فتصايح اهل المدينة على

[ 161 ]

باب لوط عليه السلام، فلما نظروا الى الغلمان في منزل لوط عليه السلام قالوا يا لوط قد دخلت فى عملنا ؟ قال هؤلاء ضيفي فلا تفضحون، قالوا هم ثلاثة خذ واحدا واعطنا اثنين، قال وادخلهم الحجرة وقال لوط عليه السلام لو ان لي اهل بيت يمنعونني منكم، وقد تدافعوا بالباب فكسروا باب لوط وطرحوا لوطا فقال جبرئيل عليه السلام انا رسل ربك لن يصلوا اليك، فاخذ كفا من بطحاء الرمل فضرب بها وجوههم وقال شاهت الوجوه. فعمى اهل المدينة كلهم، فقال لوط يا رسل ربي بماذا امركم فيهم ؟ قالوا امرنا ان ناخذهم بالسحر، قال تأخذونهم الساعة ؟ قالوا يا لوط ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب ؟ فخذ انت بناتك وإمض. (وقال) أبو جعفر: رحم الله لوطا لو يدري من معه فى الحجرة لعلم انه منصور حين يقول لو ان لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد، أي ركن اشد من جبرئيل معه فى الحجرة. وقال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وآله: (وما هي للظالمين ببعيد) أي من ظالمي امتك ان عملوا عمل قوم لوط. (ثواب الاعمال) باسناده الى الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما عمل قوم لوط ما عملوا، بكت الارض الى ربها حتى بلغت دموعها السماء، وبكت السماء حتى بلغت دموعها العرش، فأوحى الله عزوجل الى السماء: احصبيهم - أي ارميهم بالحصباء - وهى الحجارة، واوحى الله الى الارض: ان اخسفي بهم. (العياشي) عن زيد بن ثابت قال: سأل رجل امير المؤمنين عليه السلام اتؤتى النساء فى ادبارهن ؟ فقال: سفلت سفل الله بك، اما سمعت الله يقول: (اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين). وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام ذكر عنده اتيان النساء فى ادبارهن، فقال ما اعلم آية فى القرآن احلت ذلك الا واحدة (انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء).

[ 162 ]

الباب الثامن في قصص ذي القرنين عليه السلام وكان اسمه عياشيا وكان اول الملوك بعد نوح عليه السلام ملك ما بين المشرق والمغرب، قال الله تعالى: (ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا * إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شىء سببا * فاتبع سببا * حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا * قال اما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا * واما من آمن وعمل صالحا فله جزاءا الحسنى و سنقول له من امرنا يسرا...) الايات. قال امين الاسلام الطبرسي فى قوله تعالى: (انا مكنا له فى الارض) أي بسطنا يده في الارض وملكناه حتى استولى عليها. وروي عن علي عليه السلام انه قال: سخر الله له السحاب فحمله عليها ومد له فى الاسباب وبسط له النور، فكان الليل والنهار عليه سواء، فهذا معنى تمكينه فى الارض. (وآتيناه من كل شىء سببا) أي واعطيناه من كل شىء علما وقدرة وآلة يتسبب بها الى إرادته. (فاتبع سببا) أي فاتبع طريقا واخذ في سلوكه. (حتى إذا بلغ مغرب الشمس) أي آخر العمارة من جانب المغرب، وبلغ قوما لم يكن وراءهم احد الى موضع غروب الشمس.

[ 163 ]

(وجدها تغرب) أي كأنها تغرب. (فى عين حمئة) وان كانت تغرب وراءها لان الشمس لا تزايل الفلك فلا تدخل فى عين الماء، ولكن لما بلغ ذلك الموضع تراءى له كأن الشمس تغرب في عين كما ان من كان في البحر يراها كأنها تغرب فى الماء من كان فى البر يراها كأنها تغرب فى الارض الملساء. والعين الحمئة ذات الحماة وهي الطين الاسود المنتن و الحامية الحارة. و عن كعب قال اجدها فى التوراة تغرب في ماء وطين. (علل الشرايع والامالي) مسندا الى وهب قال: وجدت فى بعض كتب الله تعالى ان ذا القرنين لما فرغ من عمل السد انطلق على وجهه، فبينما هو يسير وجنوده إذ مر على شيخ يصلي فوقف عليه بجنوده حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين كيف لم يرعك ما حضرك من جنودي ؟ قال كنت اناجي من هو اكثر جنودا منك واعز سلطانا واشد قوة ولو صرفت وجهى اليك لم ابلغ حاجتى قبله فقال ذو القرنين هل لك فى ان تنطلق معي فاواسيك بنفسي واستعين بك على بعض امري ؟ قال نعم ان ضمنت لي اربعة خصال: نعيما لا يزول وصحة لا سقم فيها وشبابا لا هرم فيه وحياة لا موت فيها، فقال له ذو القرنين واي مخلوق يقدر على هذه الخصال ؟ فقال له الشيخ فاني مع من يقدر عليها ويملكها واياك. ثم مر برجل عالم فقال لذي القرنين اخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عزوجل قائمين ؟ وعن شيئين مختلفين ؟ وعن شيئين جاريين ؟ وعن شيئين متباغضين. فقال له ذو القرنين: اما الشيئان الجاريان فالشمس والقمر، واما الشيئان المختلفان فالليل والنهار، واما الشيئان المتباغضان فالموت والحياة. فقال انطلق فانك عالم. فانطلق ذو القرنين يسير فى البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى فوقف عليه بجنوده فقال: له اخبرني ايها الشيخ لأي شىء تقلب هذه الجماجم ؟ فقال لأعرف الشريف من الوضيع والغني من الفقير فما عرفت واني لأقلبها منذ عشرين سنة فانطلق ذو القرنين وتركه، فقال ما عنيت بهذا احدا غيري.

[ 164 ]

فبينما هو يسير إذ وقع الى الامة العالمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون فلما رآهم قال لهم ايها القوم اخبروني بخبركم، فإنى قد درت الارض شرقها وغربها وبرها وبحرها فلم الق مثلكم فاخبروني ما بال قبور موتاكم على ابواب بيوتكم ؟ قالوا لئلا ينسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا. قال فما بال بيوتكم ليس عليها ابواب ؟ قالوا ليس فينا لص ولا ظنين - اي متهم - وليس فينا الا امين قال فما بالكم ليس عليكم امراء ؟ قالوا لا نتظالم. قال فما بالكم ليس بينكم حكام ؟ - يعني القضاة - قالوا لا نختصم. قال فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟ قالوا لا نتكاثر. قال فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا من قبل إنا متواسون متراحمون. قال فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون ؟ قالوا من قبل إلفة قلوبنا، وصلاح ذات بيننا. قال فما بالكم لا تسبون ولا تقتلون ؟ قالوا من قبل انا غلبنا طبائعنا - يعني بالعزم - ومسسنا انفسنا بالحكم، قال فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة ؟ قالوا من قبل انا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا قال فاخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا من قبل انا نقسم بالسوية. قال فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ ؟ قالوا من قبل الذل والتواضع. قال فلم جعلكم الله اطول الناس اعمارا ؟ قالوا من قبل انا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل. قال فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا من قبل انا لا نغفل عن الاستغفار. قال فما بالكم لا تحزنون ؟ قالوا من قبل انا وطنا انفسنا على البلاء فعزينا انفسنا. قال فما بالكم لا تصيبكم الآفات ؟ قالوا من قبل انا لا نتوكل على غير الله عزوجل ولا نستمطر بالانواء والنجوم. قال فحدثوني ايها القوم هكذا وجدتم آباءكم يفعلون ؟ قالوا: وجدنا آباءنا يرحمون مسكينهم ويواسون فقيرهم ويعفون عمن ظلمهم ويحسنون الى من اساء إليهم ويستغفرون لمسيئهم ويصلون ارحامهم ويؤدون امانتهم ويصدقون ولا يكذبون فأصلح الله لهم بذلك امرهم. فاقام عندهم ذو القرنين حتى قبض وله خمسمائة عام. (تفسير علي بن ابراهيم) باسناده الى الصادق عليه السلام: قال ان ذا القرنين

[ 165 ]

بعثه الله الى قومه فضرب على قرنه الايمن، فأماته الله خمسمائة عام. ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك. فضرب على قرنه الايسر فاماته الله خمسمائة عام. ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك فملكه مشارق الارض ومغاربها. و سئل امير المؤمنين عليه السلام عن ذى القرنين انبيا كان ام ملكا ؟ فقال: لاملكا ولا نبيا بل عبدا احب الله فاحبه الله، ونصح لله فنصح له، فبعثه الى قومه فضربوه على قرنه الايمن، فغاب عنهم ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الايسر فغاب عنهم، ثم بعثه الثالثة فمكن الله له فى الارض وفيكم. مثله يعنى نفسه. وكان ذو القرنين إذا مر بقرية زار فيها كما يزار الاسد المغضب، فينبعث فى القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق يهلك من خالفه. وقيل له: ان لله فى ارضه عين يقال لها عين الحياة لا يشرب منها ذو روح الا لم يمت حتى الصيحة، فدعا ذو القرنين الخضر وكان افضل اصحابه عنده ودعا ثلاثمائة وستين رجلا ودفع الى كل واحد منهم سمكة وقال لهم اذهبوا الى موضع كذا وكذا فان هناك ثلاثمائة وستين عينا، فيغسل كل واحد سمكته فى عين غير عين صاحبه. فذهبوا يغسلون وقعد الخضر يغسل فانسابت منه السمكة في العين وبقى الخضر متعجبا مما رأى وقال فى نفسه: ما اقول لذي القرنين ؟ ثم نزع ثيابه يطلب السمكة، فشرب من مائها واغتمس فيه و لم يقدر على السمكة، فرجعوا الى ذي القرنين، فامر ذو القرنين بقبض السمك من اصحابه. فلما انتهوا الى الخضر لم يجدوا معه، فدعاه وقال له ما حال السمكة ؟ فاخبره الخبر، فقال له ماذا صنعت ؟ قال اغتمست فيها فجعلت اغوص واطلبها فلم اجدها، قال فشربت من مائها ؟ قال نعم. قال فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها فقال للخضر: كنت انت صاحبها. (الأمالي) عن الصادق عليه السلام قال: ان ذا القرنين لما انتهى الى السد جاوزه فدخل فى الظلمات، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع، فقال له الملك: يا ذا القرنين اما كان خلفك مسلك ؟ فقال له ذو القرنين من انت ؟ قال انا ملك من ملائكة الرحمان موكل بهذا الجبل فليس من جبل خلقه الله عزوجل الا

[ 166 ]

وله عرق الى هذا الجبل فإذا اراد الله عزوجل ان يزلزل مدينة اوحى إلي فزلزلتها. وعن ابي جعفر عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى لم يبعث انبياءا ملوكا فى الارض الا اربعة بعد نوح عليه السلام: ذو القرنين واسمه عياش و داود وسليمان ويوسف، واما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب، واما داود فملك ما بين الشامات الى بلاد الاصطخر، وكذلك كان ملك سليمان، واما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها الى غيرها. قال الصدوق طاب ثراه: جاء فى الخبر هكذا، والصحيح الذى اعتقده في ذى القرنين انه لم يكن نبيا صالحا احب الله فاحبه الله. قال امير المؤمنين عليه السلام: وفيكم مثله. و ذو القرنين ملك مبعوث وليس برسول ولا نبى، كما كان طالوت ملكا. قال الله عزوجل: (و قال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا) وقد يجوز ان يذكر في جملة الانبياء من ليس بنبي، كما يجوز ان يذكر من الملائكة من ليس بملك. قال الله عزوجل: (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن...). وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: ملك الارض كلها اربعة: مؤمنان وكافران فاما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين عليهما السلام، والكافران نمرود وبخت نصر، واسم ذى القرنين عبد الله بن ضحاك بن معبد. (علل الشرايع) باسناده الى الباقر عليه السلام: قال اول اثنين تصافحا على وجه الارض ذو القرنين وابراهيم الخليل عليه السلام استقبله ابراهيم فصافحه، واول شجرة نبتت على وجه الارض النخلة. (بصائر الدرجات) عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان ذا القرنين قد خير بين السحابين، واختار الذلول، وذخر لصاحبكم الصعب. قال قلت وما الصعب ؟ قال كان من سحاب فيه رعد وصاعقة وبرق، فصاحبكم يركبه، اما انه سيركب

[ 167 ]

السحاب ويرقى فى الاسباب اسباب السماوات السبع والارضين السبع خمس عوامر و اثنتان خراب. اقول: المراد بصاحبكم هو القائم عليه السلام. (اكمال الدين) باسناده الى عبد الله بن سليمان وكان قارئا للكتب قال: قرأت فى بعض كتب الله عزوجل ان ذا القرنين كان رجلا من اهل الاسكندرية وامه عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره يقال له اسكندر وكان له ادب وخلق وعفة من وقت ما كان فيه غلاما الى ان بلغ رجلا وكان رأى فى المنام كأنه دنا من الشمس حتى اخذ بقرنيها وشرقها وغربها، فلما قص رؤياه على قومه سموه ذا القرنين هذه الرؤيا بعدت همته وعلا صوته وعز فى قومه و كان اول ما اجمع عليه امره ان اسلم لله و دعا قومه الى الاسلام، فاسلموا هيبة له، ثم امرهم ان يبنوا له مسجدا فأجابوه الى ذلك، فامر ان يجعل طوله اربعمائة ذراع وعرض حائطه اثنين وعشرين ذراعا وعلوه الى السماء مائة ذراع، فقالوا له يا ذا القرنين كيف لك بخشب يبلغ ما بين الحائطين قال فاكبسوه بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم من ذلك فرضتم على كل رجل من المؤمنين على قدره من الذهب والفضة ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر وخلطتموه مع ذلك الكبس وعملتم له خشبا من نحاس وصفائح تذيبون ذلك وانتم متمكنون من العمل كيف شئتم على ارض مستوية فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب فيسارعون فيه من اجل ما فيه من الذهب والفضة. فبنوا المسجد واخرج المساكين ذلك التراب وقد استقل السقف بما فيه واستغنى المساكين فجندهم اربعة اجناد فى كل جند عشرة آلاف ثم نشرهم فى البلاد وحدث نفسه بالسير فاجتمع إليه قومه فقالوا ننشدك بالله لا تؤثر علينا بنفسك غيرنا فنحن احق برؤيتك وفينا كان مسقط رأسك وهذه اموالنا و انفسنا، فانت الحاكم فيها وهذه امك عجوز كبيرة وهى اعظم خلق الله عليك حقا فلا تخالفها، فقال ان القول لقولكم وان الرأي لرأيكم ولكنني بمنزلة المأخوذ بقلبه وسمعه وبصره ويقاد ويدفع من خلفه لا يدري اين يؤخذ به، ولكن

[ 168 ]

هلموا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد واسلموا على آخركم ولا تخالفوا علي فتهلكوا، ثم دعا دهقان الاسكندرية فقال له: اعمر مسجدي وعز عني امي، فلما رأى الدهقان جزع امه وطول بكائها احتال ليعزيها بما اصاب الناس قبلها وبعدها من المصائب و البلاء فيصنع عيدا عظيما، ثم اذن مؤذنه ايها الناس ان الدهقان يدعوكم ان تحضروا يوم كذا وكذا، فلما كان ذلك اليوم اذن مؤذنه اسرعوا واحذروا ان يحضر هذا العيد الا رجل قد عرى من البلاء والمصائب فاحتبس الناس كلهم، فقالوا ليس فينا احد عرى من البلاء ما منا احد الا وقد اصيب ببلاء أو بموت حميم، فسمعت ام ذي القرنين فاعجبها، ولم تدر ما اراد الدهقان، ثم ان الدهقان امر مناديا ينادي فقال: يا ايها الناس ان الدهقان قد امركم ان تحضروا يوم كذا و كذا ولا يحضر الا رجل قد ابتلى واصيب وفجع ولا يحضره احد عري من البلاء فانه لا خير فيمن لا يصيبه البلاء، فلما فعل ذلك قال الناس هذا رجل قد بخل، ثم ندم و استحيى فتدارك امره ومحى عيبه. فلما اجتمعوا، خطبهم ثم قال: اني لم اجمعكم لما دعوتكم له ولكني جمعتكم لاكلمكم في ذي القرنين وفيما فجعنا به من فقده و فراقه فذكروا آدم ان الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له ملائكته واسكنه جنته ثم ابتلاه بأن عظم بليته وهو الخروج من الجنة، ثم ابتلى ابراهيم بالحريق وابتلى ابنه بالذبح، ويعقوب بالحزن والبكاء ويوسف بالرق وايوب بالسقم و يحيى بالذبح وزكريا بالقتل وعيسى بالامر، وخلقا من خلق الله كثيرا لا يحصيهم الا الله عزوجل فلما فرغ من هذا الكلام قال لهم: انطلقوا فعزوا ام الاسكندر لننظر كيف صبرها فانها اعظم مصيبة في ابنها، فلما دخلوا عليها قالوا لها: هل حضرت الجمع اليوم وسمعت الكلام ؟ قالت لهم: ما غاب على من امركم شىء وما كان فيكم احد اعظم مصيبة بالاسكندر مني ولقد صبرني الله وارضاني وربط على قلبي، فلما رأوا حسن عزائها انصرفوا عنها. وانطلق ذو القرنين يسير على وجهه حتى امعن فى البلاد يؤم المغرب وجنوده يومئذ المساكين، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا ذا القرنين انك

[ 169 ]

حجتي على جميع الخلائق ما بين الخافقين من مطلع الشمس الى مغربها، وهذا تأويل رؤياك. فقال ذو القرنين: إلهي انك ندبتني لامر عظيم لا يقدر قدره غيرك فاخبرني عن هذه الامة باية قوم اكاثرهم وبأي عدد اغلبهم وبأية حيلة اكيدهم وبأي لسان اكلمهم وكيف لي بأن اعرف لغاتهم ؟ فأوحى الله تعالى إليه: اشرح لك صدرك فتسمع كل شىء واشرح لك فهمك فتفقه كل شىء واحفظ عليك فلا يعزب منك شىء واشد ظهرك فلا يهولك شىء واسخر لك النور و الظلمة اجعلهما جندين من جنودك النور يهديك والظلمة تحوطك وتحوش عليك الامم من ورائك فانطلق ذو القرنين برسالة ربه عزوجل، فمر بمغرب الشمس فلا يمر بامة من الامم الا دعاهم الى الله عزوجل فان اجابوه قبل منهم وان لم يجيبوه اغشاهم الظلمة، فاظلمت مدنهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم واغشت ابصارهم ودخلت على افواههم وآنافهم، فلا يزالون فيها متحيرين حتى يستجيبوا لله عزوجل. (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها...) الاية التى ذكرها الله عزوجل فى كتابه، ففعل بهم مع غيرهم حتى فرغ مما بينه وبين المغرب. ثم مشى على الظلمة ثمانية ايام وثمان ليال واصحابه ينظرونه حتى انتهى الى الجبل الذي هو محيط بالارض كلها، فإذا بملك من الملائكة قابض على الجبل وهو يسبح الله، فخر ذو القرنين ساجدا، فلما رفع رأسه، قال له الملك: كيف قويت يا بن آدم على ان تبلغ هذا الموضع ولم يبلغه احد من ولد آدم قبلك ؟ قال ذو القرنين: قواني على ذلك الذي قواك على قبض هذا الجبل وهو محيط بالارض كلها قال له الملك صدقت، لولا هذا الجبل لانكفأت الارض بأهلها وليس على وجه الارض جبل اعظم منه وهو اول جبل اسسه الله عزوجل، فرأسه ملصق بالسماء الدنيا واسفله بالارض السابعة السفلى وهو محيط به كالحلقة، وليس على وجه الارض مدينة الا ولها عرق الى هذا الجبل، فإذا اراد الله عزوجل ان يزلزل مدينة فأوحى الله الى فحركت العرق الذي يليها فزلزلتها. ثم رجع ذو القرنين الى اصحابه، ثم عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه

[ 170 ]

وبين المشرق من الامم، فيفعل بهم ما فعل بامم المغرب، حتى إذا فرق ما بين المشرق والمغرب عطف نحو الروم الذى ذكره الله عزوجل فى كتابه فإذا هو بامة (لا يكادون يفقهون قولا) وإذا ما بينه وبين الروم مشحون من امة يقال لها ياجوج وماجوج اشباه البهائم يأكلون ويشربون ويتوالدون وهم ذكور واناث وفيهم مشابهة من الناس الوجوه والاجساد والخلقة ولكنهم قد نقصوا في الابدان نقصا شديدا وهم فى طول الغلمان لا يتجاوزون خمسة اشبار وهم على مقدار واحد في الخلق والصور عراة حفاة لا يغزلون ولا يلبسون ولا يحتذون، عليهم وبر كوبر الابل يواريهم ويسترهم من الحر والبرد ولكل واحد منهم اذنان احداهما ذات شعر والاخرى ذات وبر ظاهرهما وباطنهما ولهم مخالب فى موضع الاظفار واضراس وانياب كالسباع، وإذا نام احدهم افترش احدى اذنيه وإلتحف الاخرى فتسعه لحافا، وهم يرزقون نون البحر كل عام يقذفه عليهم السحاب، فيعيشون به ويستمطرون في ايامه كما يستمطر الناس المطر فى ايامه، فإذا قذفوا به اخصبوا وسمنوا وتوالدوا و اكثروا فأكلوا منه الى الحول المقبل ولا يأكلون منه شيئا غيره وإذا اخطأهم النون جاعوا وساحوا فى البلاد فلا يدعون شيئا اتوا عليه الا افسدوه واكلوه وهم اشد فسادا من الجراد والآفات وإذا اقبلوا من ارض الى ارض جلى اهلها عنها و ليس يغلبون ولا يدفعون حتى لا يجد احد من خلق الله موضعا لقدمه ولا يستطيع احد ان يدنو منهم لنجاستهم وقذارتهم فبذلك غلبوا وإذا اقبلوا الى الارض يسمع حسهم من مسيرة مائة فرسخ لكثرتهم، كما يسمع حس الريح البعيدة ولهم همهمة إذا وقعوا فى البلاد كهمهمة النحل، الا انه اشد واعلى وإذا اقبلوا الى الارض حاشوا وحوشها وسباعها حتى لا يبقى فيها شىء، لأنهم يملأون ما بين اقطارها ولا يتخلف وراءهم من ساكن الارض شىء فيه روح الا اجتلبوه وليس فيهم احد الا وعرف متى يموت وذلك من قبل انه لا يموت منهم ذكر حتى يولد له الف ولد ولا تموت انثى حتى تلد الف ولد، فإذا ولدوا الالف، برزوا للموت وتركوا طلب المعيشة. ثم انهم اجفلوا في زمان ذي القرنين يدورون ارضا ارضا وامة امة

[ 171 ]

وإذا توجهوا لوجه لم يعدلوا عنه ابدا. فلما احست تلك الامم بهم وسمعوا همهمتهم استغاثوا بذى القرنين وهو نازل فى ناحيتهم، قالوا له فقد بلغنا ما آتاك الله من الملك والسلطان وما ايدك به من الجنود ومن النور والظلمة، وانا جيران ياجوج وماجوج وليس بيننا وبينهم سوى هذه الجبال وليس لهم الينا طريق الا من هذين الجبلين لو مالوا علينا اجلونا من بلادنا ويأكلون ويفرسون الدواب والوحوش كما يفرسها السباع ويأكلون حشرات الارض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح ولا نشك انهم يملؤن الارض ويجلون اهلها منها، ونحن نخشى كل حين ان يطلع علينا اوائلهم من هذين الجبلين، وقد اتاك الحيلة والقوه (... فاجعل بيننا وبينهم سدا * قال آتوني زبر الحديد). ثم انه دلهم على معدن الحديد والنحاس فضرب لهم فى جبلين حتى فتقهما واستخرج منهما معدنين من الحديد والنحاس، قالوا: فبأي قوة نقطع هذا الحديد والنحاس ؟ فاستخرج لهم من تحت الارض معدنا آخر يقال له السامور وهو اشد شىء بياضا وليس شىء منه يوضع على شىء الا ذاب تحته، فصنع لهم منه اداة يعملون بها. وبه قطع سليمان بن داود اساطين بيت المقدس، وصخوره جاءت بها الشياطين من تلك المعادن، فجمعوا من ذلك ما اكتفوا به. فأوقدوا على الحديد النار، حتى صنعوا منه زبرا مثل الصخور فجعل حجارته من حديد ثم اذاب النحاس فجعله كالطين لتلك الحجارة ثم بنى وقاس ما بين الجبلين فوجده ثلاثة اميال، فحفروا له اساسا حتى كاد يبلغ الماء وجعل عرضه ميلا وجعل حشوه زبر الحديد واذاب النحاس فجعله خلال الحديد فجعل طبقة من نحاس واخرى من حديد ثم ساوى الردم بطول الصدفين فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد. فيأجوج يأتونه في كل سنة مرة وذلك انهم يسيحون في بلادهم، حتى إذا

[ 172 ]

وقعوا الى الردم حبسهم، فرجعوا يسيحون فى بلادهم، فلا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة، فإذا جاء إشراطها، وهو قيام القائم عجل الله فرجه فتحه الله عز وجل لهم. فلما فرغ ذو القرنين من عمل السد انطلق على وجهه، فبينا هو يسير إذ وقع على الامة العالمة الذين منهم قوم موسى (الذين يهدون بالحق وبه يعدلون) فأقام عندهم حتى قبض ولم يكن له فيهم عمر وكان قد بلغ السن فأدركه الكبر وكان عدة ما سار فى البلاد من يوم بعثه الله عزوجل الى يوم قبض خمسمائة عام. (قصص الانبياء) للراوندي باسناده الى ابي جعفر عليه السلام قال: حج ذو القرنين في ستمائة الف فارس، فلما دخل الحرم شيعه بعض اصحابه الى البيت، فلما انصرف قال: رأيت رجلا ما رأيت اكثر نورا منه، قالوا: ذاك خليل الرحمان صلوات الله عليه، قال: اسرجوا فأسرجوا ستمائة الف دابة في مقدار ما يسرج دابة واحدة، ثم قال: لا بل نمشي الى خليل الرحمان. فمشى ومشى معه اصحابه حتى التقيا. قال ابراهيم عليه السلام: بم قطعت الدهر ؟ قال: بإحدى عشرة كلمة: سبحان من هو باق لا يفنى، سبحان من هو عالم لا ينسى، سبحان من هو حافظ لا يسقط، سبحان من هو بصير لا يرتاب، سبحان من هو قيوم لاينام، سبحان من هو ملك لا يرام، سبحان من هو عزيز لا يضام، سبحان من هو محتجب لا يرى، سبحان من هو واسع لا يتكلف، سبحان من هو قائم لا يلهو، سبحان من هو دائم لا يسهو. (العياشي) عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام قال: سئل عن ذي القرنين ؟ قال: كان عبدا صالحا واسمه عياش اختاره الله وابتعثه الى قرن من القرون الاولى في ناحية المغرب وذلك بعد طوفان نوح عليه السلام فضربوه على قرنه الايمن فمات منها. ثم احياه الله تعالى بعد مائة عام ثم بعثه الى قرن من القرون الاولى فى ناحية المشرق فضربوه ضربة على قرنه الايسر فمات منها. ثم احياه الله تعالى بعد مائة عام وعوضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين فى موضع الضربتين

[ 173 ]

اجوفين، وجعل عز ملكه وآية نبوته فى قرنه، ثم رفعه الله الى السماء الدنيا فكشط الارض كلها حتى ابصره ما بين المشرق والمغرب وآتاه الله من كل شىء علما وايده فى قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ثم هبط الى الارض واوحى إليه: ان سر فى ناحية غرب الارض وشرقها فقد طويت لك البلاد وذللت لك العباد فأرهبتهم منك فسار ذو القرنين الى ناحية المغرب، فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزار الاسد المغضب، فبعث من قرنيه ظلمات و رعدا وبرقا وصواعق تهلك من يخالفه، فدان له اهل المشرق والمغرب، فانتهى مع الشمس الى العين الحامية فوجدها تغرب فيها ومعها سبعون الف ملك يجرونها بسلاسل الحديد والكلاليب يجرونها من البحر فى قطر الارض الايمن كما تجر السفينة على ظهر الماء. فلما ملك ما بين المشرق والمغرب كان له خليل من الملائكة يقال له: رفائيل ينزل إليه فيحدثه ويناجيه، فقال له ذو القرنين اين عبادة اهل السماء من اهل الارض ؟ فقال ما فى السماوات موضع قدم الا وعليه ملك قائم لا يقعد ابدا أو راكع لا يسجد ابدا أو ساجد لا يرفع رأسه ابدا. فبكى ذو القرنين وقال: احب ان اعيش حتى ابلغ من عبادة ربى ما هو اهله ؟ قال رفائيل: يا ذا القرنين ان لله فى الارض عينا تدعى عين الحياة، من شرب منها لم يمت حتى يكون هو يسأل الموت، فان ظفرت بها تعش ما شئت، قال: واين تلك العين وهل تعرفها ؟ قال: لا، غير انا نتحدث فى السماء: ان لله فى الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان. فقال ذو القرنين: واين تلك الظلمة ؟ قال: ما ادري، ثم صعد رفائيل، فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رفائيل ومما اخبره عن العين والظلمة ولم يخبره بعلم ينتفع به منهما، فجمع ذو القرنين فقهاء اهل مملكته وعلماءهم. فلما اجتمعوا عنده قال لهم هل: وجدتم فيما قرأتم من كتب الله ان لله عينا تدعى عين الحياة من شرب منها لم يمت ؟ قالوا: لا، قال فهل وجدتم ان لله في الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان قالوا: لا. فحزن ذو القرنين وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من اولاد الانبياء،

[ 174 ]

فقال له: ان علم ما تريد عندي، ففرح ذو القرنين، فقال الغلام: اني وجدت فى كتاب آدم الذي كتب يوم سمي ما في الارض من عين أو شجر فوجدت فيه: ان لله عينا تدعى عين الحياة بظلمة لم يطأها انس ولا جان، ففرح ذو القرنين و قال له الغلام: انها على قرن الشمس - يعني مطلعها - ففرح ذو القرنين وبعث الى اهل مملكته فجمع اشرافهم وعلمائهم فاجتمع إليه الف حكيم وعالم. فلما اجتمعوا تهيؤوا للمسير فسار يريد مطلع الشمس يخوض البحار ويقطع الجبال، فسار اثنتى عشرة سنة حتى انتهى الى طرف الظلمة فإذا هي ليست بظلمة ليل ولا دخان، فنزل بطرفها وعسكر عليها وجمع اهل الفضل من عسكره فقال: اني اريد ان اسلك هذه الظلمة ؟ فقالوا: انك تطلب امرا ما طلبه احد قبلك من الانبياء و المرسلين ولا من الملوك ؟ قال: انه لابد لي من طلبها. قالوا إنا نعلم انك إن سلكتها ظفرت بحاجتك ولكنا نخاف هلاكك. قال: ولا بد من ان اسلكها، ثم قال: اخبروني بابصر الدواب ؟ قالوا الخيل الاناث البكارة، فاصاب ستة آلاف فرس في عسكره، فانتخب من اهل العلم ستة آلاف رجل، فدفع الى كل رجل فرسا وكان الخضر على مقدمته فى الفي فارس، فامرهم ان يدخلوا الظلمة، وسار ذو القرنين في اربعة آلاف وامر اهل عسكره ان يلزموا معسكره اثنتى عشرة سنة فان رجع هو إليهم والا لحقوا ببلادهم، فقال الخضر: ايها الملك إنا نسلك في الظلمة لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضلال إذا اصابنا ؟ فأعطاه ذو القرنين خرزة حمراء كأنها مشعلة لها ضوء، فقال: خذ هذه الخرزة فإذا اصابكم الضلال فارم بها الى الارض فانها تصيح فإذا صاحت رجع اهل الضلال الى صوتها، فأخذها الخضر ومضى في الليلة وكان الخضر يرتحل وينزل ذو القرنين، فبينا الخضر يسير ذات يوم إذ عرض له واد في الظلمة فقال لاصحابه: قفوا في هذا الموضع ونزل عن فرسه فتناول الخرزة و رمى بها، فأبطأت عنه بالاجابه حتى خاف ان لا تجيبه، ثم اجابته، فخرج الى صوتها فإذا هي العين وإذا ماؤها اشد بياضا من اللبن واصفى من الياقوت واحلى من العسل، فشرب منها، ثم خلع ثيابه فاغتسل

[ 175 ]

فيها ولبس ثيابه، ثم رمى بالخرزة نحو اصحابه فأجابه، فخرج الى اصحابه وركب وامرهم بالمسير فساروا، و مر ذو القرنين بعده فأخطأ الوادي، فسلك تلك الظلمة اربعين يوما، ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ولكنه نور، فخرجوا الى ارض حمراء رملة، كانت حصاها اللؤلؤ، فإذا هو بقصر مبني على طول فرسخ، فجاء ذو القرنين الى الباب فعسكر عليه، ثم توجه (بوجهه - نسخة -) وحده، الى القصر، فإذا طائر و إذا حديدة طويلة، قد وضع طرفاها على جانب القصر والطير اسود معلق في تلك الحديدة بين السماء والارض كأنه الخطاف، فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال: من هذا ؟ قال: انا ذو القرنين. فقال: يا ذا القرنين لا تخف واخبرني. قال: سل. قال: هل كثر في الارض بنيان الآجر والجص ؟ قال: نعم. فانتفض الطير و امتلأ حتى ملأ الحديد ثلثها، فخاف منه ذو القرنين، فقال: لا تخف واخبرني. قال: سل. قال: هل كثرت المعارف ؟ قال: نعم. قال: فانتفض الطير وامتلأ حتى ملأ الحديدة ثلثيها، فخاف منه ذو القرنين، فقال: لا تخف واخبرني. قال: هل ارتكب الناس شهادة الزور في الارض ؟ قال: نعم. فانتفض انتفاضة و انتفخ، فسد ما بين جداري القصر، فامتلأ ذو القرنين منه خوفا فقال: لا تخف واخبرني. قال: سل. قال: هل ترك الناس شهادة: لا اله الا الله ؟ قال: لا. فانضم ثلثه، ثم قال يا ذا القرنين لا تخف واخبرني. قال: سل. قال: هل ترك الناس الصلاة ؟ قال: لا. فانضم ثلث آخر، ثم قال: يا ذا القرنين لا تخف و اخبرني هل ترك الناس الغسل من الجنابة ؟ قال: لا. فانضم حتى عاد الى الحالة الاولى فإذا هو بدرجة مدرجة الى اعلى القصر، فقال الطير: اسلك هذه الدرجة، فسلكها وهو خائف حتى استوى على ظهرها فإذا هو بسطح ممدود مد البصر وإذا رجل شاب ابيض (مضىء) الوجه عليه ثياب بيض وإذا هو رافع رأسه الى السماء ينظر إليها، واضع يده على فيه فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال: من هذا ؟ قال: انا ذو القرنين قال يا ذا القرنين ما كفاك ما وراك حتى وصلت إلي ؟ قال ذو القرنين ما لي اراك واضعا يدك

[ 176 ]

على فيك ؟ قال انا صاحب الصور وان الساعة قد اقتربت وانا انتظر ان اؤمر بالنفخ فأنفخ، ثم ضرب بيده فتناول حجرا فرمى به الى ذي القرنين فقال خذها، فان جاع جعت وان شبع شبعت فارجع. فرجع ذو القرنين بذلك الحجر حتى خرج الى اصحابه، فاخبرهم بالطير وما سأله عنه وما قاله له واخبرهم بصاحب السطح، ثم قال اعطاني هذا الحجر، فاخبروني بأمره، فوضع في احدى الكفتين ووضع حجرا مثله في الكفة الاخرى، رفع الميزان فإذا الحجر الذي جاء به ارجح بمثل الآخر، فوضعوا آخر فمال به حتى وضعوا الف حجرة كلها مثله ثم رفع الميزان فمال بها ولم يشتمل به الألف حجر، فقالوا ايها الملك لا علم لنا بهذا الحجر، فقال له الخضر: اني اوتيت علم هذا الحجر، فقال ذو القرنين: اخبرنا به ؟ فتناول الخضر الميزان فوضع الحجر الذي جاء به ذو القرنين في كفة الميزان ثم وضع حجرا آخر في كفة اخرى ثم وضع كف تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا ثم رفع الميزان فاعتدل، فقالوا: ايها الملك هذا امر لم يبلغه علمنا وإنا لنعلم ان الخضر ليس بساحر فكيف هذا وقد وضعنا الف حجر كلها مثله فمال بها وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا ؟ قال ذو القرنين: بين يا خضر لنا ؟ قال الخضر ايها الملك ان امر الله نافذ في عباده وسلطانه وان الله ابتلى العالم بالعالم وانه ابتلاني بك وابتلاك بي. فقال: ذو القرنين: يرحمك الله يا خضر انما ابتلاني بك حين جعلت اعلم مني وجعلت تحت يدي اخبرني عن امر هذا الحجر ؟ فقال الخضر: ان امر هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور يقول: ان مثل بني آدم مثل هذا الحجر الذي وضع، فوضع معه الف فمال بها ثم إذا وضع عليه التراب شبع وعاد حجرا مثله. فيقول كذلك مثلك اعطاك من الملك ما اعطاك فلم ترض حتى طلبت امرا لم يطلبه ابدا من كان قبلك ودخلت مدخلا لم يدخله انس ولا جان، يقول كذلك ابن آدم لا يشبع حتى يحثى عليه التراب. فبكى ذو القرنين وقال: صدقت يا خضر لاجرم اني لا اطلب اثرا في البلاد بعد مسلكي هذا.

[ 177 ]

ثم انصرف راجعا في الظلمة. فبيناهم يسيرون إذ سمعوا خشخشة - أي صوتا - تحت سنابك خيلهم فقالوا: ايها الملك ما هذا ؟ فقال خذوا منه فمن اخذ منه ندم ومن تركه ندم. فأخذ بعض وترك بعض. فلما خرجوا من الظلمة إذا هم بالزبرجد. فندم الاخذ والتارك. ورجع ذو القرنين الى دومة الجندل وكان بها منزله. فلم يزل بها حتى قبضه الله إليه. وكان صلى الله عليه وآله إذا حدث بهذا الحديث قال: رحم الله اخي ذا القرنين ما كان مخطئا إذ سلك وطلب ما طلب ولو ظفر بوادي الزبرجد في ذهابه لما ترك فيه شيئا الا اخرجه للناس، لانه كان راغبا ولكنه ظفر به بعد ما رجع فقد زهد. وفيه عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان ذا القرنين عمل صندوقا من قوارير ثم حمل في مسيره ما شاء الله، ثم ركب البحر، فلما انتهى الى موضع قال لاصحابه: ادلوني، فإذا حركت الحبل فاخرجوني فان لم احرك الحبل فارسلوني الى آخره فارسلوه في البحر وارسلوا الحبل مسيرة اربعين يوما فإذا ضارب يضرب جنب الصندوق ويقول يا ذا القرنين اين تريد ؟ قال اريد ان انظر الى ملك ربي في البحر كما رأيته في البر ؟ فقال يا ذا القرنين ان هذا الموضع الذي انت فيه مر فيه نوح زمان الطوفان، فسقط منه قدوم فهو يهوي في قعر البحر الى الساعة لم يبلغ قعره، فلما سمع ذلك ذو القرنين حرك الحبل و خرج. (العياشي) عن امير المؤمنين عليه السلام قال: تغرب الشمس في عين حمئة في بحر، دون المدينة التي مما يلي المغرب يعني جابلقا. قال الرازي: اختلف الناس في ان ذا القرنين من هو ؟ وذكروا اقوالا: الاول - انه الاسكندر بن فليقوس اليوناني قالوا والدليل عليه ان القرآن دل على ان الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه المشرق والمغرب ومثل ذلك الملك البسيط لاشك انه على خلاف العادة وما كان كذلك وجب ان يبقى ذكره مخلدا على وجه الارض وان لا يبقى خفيا مستترا والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ:

[ 178 ]

انه بلغ ملكه الى هذا القدر ليس الا الاسكندر وذلك انه لما مات ابوه، جمع ملك الروم بعد ان كانت طوائف، ثم حصد ملوك المغرب وقهرهم وامعن حتى انتهى الى البحر الاخضر، ثم عاد الى مصر وبنى الاسكندرية باسم نفسه، ثم دخل الشام وقهر بني اسرائيل، ثم انعطف الى العراق ودان له اهلها، ثم توجه الى دارا وهزمه مرات الى ان قتله واستولى الاسكندر على ملوك الفرس وقصد الهند والصين وغزا الامم البعيدة ورجع الى خراسان وبنى المدن الكثيرة ورجع الى العراق ومرض بسهرورد (شهرزور - خ ل) ومات بها. فلما ثبت بالقرآن ان ذا القرنين ملك الارض كلها وثبت بعلم التواريخ ان الذي هذا شأنه ما كان الا الاسكندر وجب القطع بان المراد بذي القرنين هو الاسكندر بن فليقوس اليوناني. ثم ذكروا في تسمية ذي القرنين بهذا الاسم وجوها: الاول - انه لقب به لانه بلغ قرني الشمس يعني مشرقها ومغربها. والثاني - ان الفرس قالوا ان دارا الاكبر كان تزوج بنت فيلقوس، فلما قرب منها وجد رائحة منكرة فردها على ابيها وكانت قد حملت منه بالاسكندر فولدت الاسكندر بعد عودها الى ابيها (فيلقس - خ ل) فبقى الاسكندر عند فيلقس واظهر انه ابنه وهو في الحقيقة ابن دارا الاكبر، قالوا: والدليل على ذلك ان الاسكندر لما ادرك دارا بن دارا وبه رمق، وضع رأسه في حجره وقال لدارا: يا اخي اخبرني عمن فعل هذا لانتقم منه لك ؟. فهذا ما قالته الفرس. قالوا فعلى هذا التقدير فالاسكندر دارا الاكبر وامه بنت فيلقس، فهذا انما تولد من اصلين مختلفين الفرس والروم وهذا ما قاله الفرس وانما ذكروه لأنهم ارادوا ان يجعلوه من نسل ملوك العجم، وهو في الحقيقة كذلك، وانما قال الاسكندر يا أخي. على سبيل التواضع وإكرام دارا بذلك الخطاب. والقول الثاني - قول ابي الريحان البيروني المنجم في كتابه الذي سماه: بالاثار الباقية من القرون الخالية.

[ 179 ]

قيل: ان ذا القرنين هو أبو كرب شمر بن عمير بن افريقش الحميري وهو الذي بلغ ملكه مشارق الارض ومغاربها وهو الذي افتخر به الشعراء من حمير، ثم قال أبو الريحان: ويشبه ان يكون هذا القول اقرب، لان الاذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلو اساميهم من ذي، كذي المنار وذي قواس وذي النون. والثالث - انه كان عبدا صالحا ملكه الله الارض واعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة، وان كنا لا نعرف من هو ؟. ثم ذكروا في تسميته بذي القرنين وجوها: الاول - ما روي ان ابن الكواء سأل عليا عليه السلام عن ذي القرنين وقال: املك هو أو نبي ؟ قال: لا ملكا ولا نبيا، كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الايمن فمات، ثم بعثه الله تعالى فضرب على قرنه الايسر فمات، فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله. الثاني - سمي بذي القرنين لانه انقرض في وقته قرنان من الناس. الثالث - قيل: كان صفحة رأسه من نحاس. الرابع - كان على رأسه ما يشبه القرنين. الخامس - كان لتاجه قرنان. السادس - عن النبي صلى الله عليه وآله: انه سمي ذا القرنين لانه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها. السابع - كان له قرنان - أي ظفيرتان -. الثامن - ان الله تعالى سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من امامه وتمتد الظلمة من ورائه. التاسع - يجوز ان يلقب بذلك لشجاعته، كما يسمى الشجاع بالقرن لأنه يقطع اقرانه العاشر - انه رأى في المنام: كأنه صعد الفلك وتعلق بطرفي الشمس وقرنيها، - أي جانبيها - فسمي لهذا السبب بذي القرنين. الحادي عشر - سمي بذلك لانه دخل النور والظلمة.

[ 180 ]

والقول الرابع - ان ذا القرنين ملك من الملائكة. والقول الاول اظهر، للدليل الذي ذكرناه وهو: ان مثل هذا الملك العظيم يجب ان يكون معلوم الحال وهذا الملك العظيم هو الاسكندر فوجب ان يكون المراد بذي القرنين هو الا ان فيه اشكالا قويا وهو: انه كان تلميذا لارسطا طاليس الحكيم وكان على مذهبه، فتعظيم الله اياه يوجب الحكم بان مذهب ارسطا طاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه. المسألة الثالثة - اختلفوا في ان ذا القرنين هل كان من الانبياء ام لا ؟ منهم من قال انه كان من الانبياء. واحتجوا عليه بوجوه: الاول - قوله تعالى: (إنا مكنا له في الارض) والاولى حمله على التمكين في الدين، والتمكين الكامل في الدين هو النبوة. الثاني - قوله تعالى: (وآتيناه من كل شىء سببا) وهذا يدل على ان الله تعالى آتاه من النبوة سببا. والثالث - قوله تعالى: (يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا) والذي يتكلم الله معه لابد وان يكون نبيا. ومنهم من قال: انه كان عبدا صالحا وما كان نبيا. أقول: المستفاد من الاخبار كما قال شيخنا المحدث: انه غير الاسكندر وانه كان في زمن ابراهيم عليه السلام وانه اول الملوك بعد نوح عليه السلام. واما استدلاله فلا يخفى ضعفه بعد ما عرفت من ان الملوك المتقدمة لم تضبط احوالهم بحيث لا يشذ عنهم احد، وايضا الظاهر من كلام اهل الكتاب الذين يعولون عليهم في التواريخ عدم الاتحاد، والظاهر من الاخبار ايضا انه لم يكن نبيا ولكن كان عبدا صالحا مؤيدا من عند الله تعالى. وروى حذيفة قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن يأجوج ومأجوج فقال: يأجوج امة ومأجوج امة كل امة اربعمائة امة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر الى الف ذكر من صلبه، كل قد حمل السلاح. قلت يا رسول الله صفهم لنا ؟

[ 181 ]

قال هم ثلاثة اصناف صنف منهم امثال الارز، - وهي شجر بالشام وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، و صنف منهم يفترش احدى اذنيه ويلتحف بالاخرى، ولا يمرون بشىء الا اكلوه، مقدمتهم بالشام ومؤخرتهم بخراسان، يشربون انهار المشرق والمغرب. وقال وهب ومقاتل: انهم من ولد يافث بن نوح اب الترك. وقال السدي: الترك سرية من ياجوج وماجوج، خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجة. وقال كعب: هم نادرة من ولد آدم، وذلك ان آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله من ذلك الماء والتراب ياجوج وماجوج فهم، متصلون بنا من طرف الاب دون الام. انتهى وهو بعيد. واما سد ذي القرنين فقال امين الاسلام الطبرسي: قيل: ان هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرها البحر المحيط. وقيل: انه من وراء دربند وخزر من ناحية ارمينية وآذربيجان. وجاء في الحديث: انهم يدأبون في حفر السد نهارهم حتى إذا امسوا وكادوا يبصرون شعاع الشمس قالوا نرجع غدا ونفتحه ولا يستثنون فيعودون من الغد وقد استوى كما كان، حتى إذا جاء وعد الله - يعني خروج القائم عليه السلام - قالوا غدا نفتح ونخرج ان شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه بالامس، فيخرقونه فيخرجون على الناس فينشفون المياه، فتحصن الناس في حصونهم فرارا منهم فيرمون سهامهم الى السماء، فترجع وفيها كهيئه الدماء، فيقولون قد قهرنا اهل الارض وعلونا اهل السماء، يبعث الله عليهم بقا في اقفائهم، فتدخل في آذانهم فيهلكون بها ودواب الارض تسمن من لحومهم. وفي تفسير الكليني: ان الخضر والالياس يجتمعان في كل ليلة على ذلك السد، يحجبان ياجوج وماجوج عن الخروج. هذا هو الكلام فى قصص ذى القرنين عليه السلام.

[ 182 ]

الباب التاسع في قصص يعقوب ويوسف عليهما السلام تفسير علي بن ابراهيم مسندا الى جابر بن عبد الله الانصاري في قول الله عزوجل: (اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين. وهي: الطارق وحوبان والذيال وذو الكتفين ووثاب و قابس وعموران وفيلق ومصبح والصبوح والغروب والضياء والنور، يعني الشمس و القمر، وكل هذه محيطة بالسماء. وعن ابي جعفر عليه السلام في تأويل هذه الرؤ يا: انه سيملك مصر ويدخل عليه ابواه وإخوته. واما الشمس فام يوسف راحيل والقمر يعقوب والكواكب إخوته، فلما دخلوا عليه سجدوا لله شكرا حين نظروا إليه، وكان ذلك السجود لله. وقال عليه السلام: انه كان من خبر يوسف عليه السلام: انه كان له احد عشر اخا، وكان له اخ من امه يسمى بنيامين وكان يعقوب اسرافيل الله - أي خالصه - فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين، فقصها على ابيه فقال: (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك...). وكان يوسف من احسن الناس وجها. وكان يعقوب يحبه ويؤثره على الاولاد، فحسده إخوته على ذلك وقالوا ما بينهم، ما حكى الله عنهم: (إذ قالوا ليوسف واخوه احب الى ابينا منا، وعمدوا على قتل يوسف حتى يخلو لهم وجه ابيهم...) الى آخر الآيات.

[ 183 ]

واما اسماؤهم: فزوتيل وهو اكبرهم، وشمعون ولاوى ويهودا وريالون ويشجر وامهم أليا ابنة خاله يعقوب، ثم توفت اليا فتزوج يعقوب اختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وولد له من السرية بجماع أو مطلق لهم الشىء من سريتين، له اسم احداهما زلفة والاخرى بلهة اربع... ويقينا لي واحاد واشر. واكثر المفسرين: على ان إخوة يوسف كانوا انبياء. وقال بعضهم: لم يكونوا انبياء، الانبياء لا تقع منهم القبائح. وعن ابي جعفر عليه السلام: انهم لم يكونوا انبياء. وقوله (اني اخاف ان يأكله الذئب). قيل: كانت ارضهم مذأبه و كانت السباع ضارية في ذلك الوقت. وقيل: ان يعقوب رأى في منامه: كأن يوسف قد شد عليه عشرة أذؤب ليقتلوه، وإذا ذئب منها يحمى عنه، فكأن الارض إنشقت فدخل فيها يوسف (ع) فلم يخرج الا بعد ثلاثه ايام. فمن ثم قال: هذا فلقنهم العلة وكانوا لا يدرون. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تلقنوا الكذب فتكذبوا، فإن بني يعقوب لم يعلموا ان الذئب يأكل الانسان حتى لقنهم ابوهم. وقيل: كان يوم القي في الجب عمره عشر سنين. وقيل: اثنتا عشرة. وقيل: سبع. وقيل: تسع. وجمع بينه وبين ابيه وهو ابن اربعين سنة. ولما القوة في غيابة الجب قالوا له انزع قميصك. فبكى فقال يا إخوتي تجردوني فسل واحد منهم السكين عليه وقال: لئن لم تنزعه لأقتلنك ؟ فنزعه، فدلوه في الجب وتنحوا عنه، فقال عليه السلام في الجب: يا إله ابراهيم واسحاق ويعقوب إرحم

[ 184 ]

ضعفي وقلة حيلتي وصغري، فنزلت سيارة من اهل مصر فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب، فلما ادلى الدلو على يوسف تشبث بالدلو فجروه فنظروا الى غلام من احسن الناس وجها، فعدوا الى صاحبهم، فقالوا يا بشرى هذا غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا، فبلغ إخوته فجاؤوا فقالوا هذا عبد لنا آبق، ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر لنا بالعبودية لنقتلنك ؟ فقالت السيارة ليوسف ما تقول ؟ فقال انا عبدهم فقالت السيارة فتبيعوه منا ؟ قالوا نعم، فباعوه على ان يحملوه الى مصر وشروه بثمن بخس دراهم معدودة كانت ثمانية عشر درهما. عن الرضا عليه السلام: كانت عشرين درهما وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل. اقول: المشهور بين الاصحاب رضوان الله عليهم ان في كلب الغنم عشرين درهما وفي كلب الصيد اربعين أو القيمة فيهما، اما البائعون فهم اخوته. وقيل: باعه الواجدون بمصر، وقيل: ان الذين اخرجوه من الجب باعوه من السياره‍. و الاصح الاول. وقال النبي صلى الله عليه وآله: اعطي يوسف شطر الحسن، والنصف الآخر لباقي الناس. وفيه ايضا عن ابي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (و جاؤوا على قميصه بدم كذب) قالوا انهم ذبحوا جديا على قميصه قالوا نعمد الى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لأبينا ان الذئب اكله، فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوى يا قوم اتظنون ان الله يكتم هذا الخبر عن نبيه يعقوب فقالوا وما الحيلة ؟ قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع الى الله تعالى ان يكتم ذلك عن انبيائه انه جواد كريم، فاغتسلوا وكان في سنة ابراهيم واسحاق ويعقوب انهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا احد عشر رجلا فيكون واحد منهم اماما وعشرة يصلون خلفه، قالوا كيف نصنع وليس لنا إمام ؟ فقال لاوى نجعل الله إمامنا، فصلوا وبكوا وتضرعوا، وقالوا يا رب اكتم علينا هذا، ثم جاؤوا الى ابيهم عشاء يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم (فقالوا يا ابانا إنا ذهبنا نستبق) - أي نعدو - (وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب...) الآية.

[ 185 ]

فقال يعقوب: ما كان اشد غضب ذلك الذئب على يوسف واشفقه على قميصه حيث اكل يوسف ولم يمزق قميصه ؟ فحملوا يوسف الى مصر وباعوه من عزيز مصر، (فقال العزيز لأمرأته اكرمي مثواه) أي مكانه - (عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا) ولم يكن لهم ولد، فأكرموه وربوه، فلما بلغ اشده هوته إمرأة العزيز وكانت لا تنظر الى يوسف امرأة الا هوته ولا رجل إلا احبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته امرأة العزيز كما قال تعالى (وراودته التي هو في بيتها...) الآية. فما زالت تخدعه حتى كان كما قال الله تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه) فقامت امرأة العزيز وغلقت الابواب، فلما رأى يوسف صورة يعقوب فى ناحية البيت عاضا على اصبعه يقول: يا يوسف انت في السماء مكتوب في النبيين وتريد ان تكتب في الارض من الزناة ؟ فعلم انه قد اخطأ وتعدى. وعن ابي عبد الله عليه السلام: لما همت به وهم بها قامت الى صنم في بيتها فألقت عليه ثوبا وقالت لا يرانا فاني استحي منه، فقال يوسف فأنت تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر، وانا لا استحي من ربي ؟ فوثب وعدا وعدت من خلفه و ادركهما العزيز على هذه الحالة، و هو قوله عزوجل (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر والفيا سيدها لدى الباب) فبادرت امرأة العزيز فقالت له (ما جزاء من اراد بأهلك سوءا إلا ان يسجن أو عذاب اليم) فقال يوسف للعزيز (هي راودتني عن نفسي) فألهم الله يوسف ان قال للملك سل هذا الصبي في المهد فانه يشهد انها راودتني عن نفسي فقال العزيز للصبي فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال: (ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين). فلما رأى العزيز قميص يوسف قد تخرق من دبر، قال لامرأته (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم) ثم قال ليوسف اعرض عن هذا، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين.

[ 186 ]

فشاع الخبر بمصر وجعلن النساء يتحدثن بحديثها ويعذلنها وهو قوله تعالى: (وقالت نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها) فبلغ ذلك امرأة العزيز، فبلغت الى كل امرأة رئيسة، فجمعن في منزلها وهيأت لهن مجلسا ودفعت الى كل امرأة اترجة وسكينا فقالت اقطعن، ثم قالت ليوسف اخرج عليهن، فلما نظرن إليه اقبلن (يقطعن ايديهن وقلن ان هذا الا ملك كريم) فقالت امرأة العزيز (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم - أي امتنع - ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن) فما امسى يوسف في ذلك اليوم حتى بعثت إليه كل امرأة رأته تدعوه الى نفسها فضجر يوسف فقال (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن، اصب اليهن واكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) وامرت امرأة العزيز بحبسه فحبس. اقول: الصبي الذي كان في المهد هو ابن اخت زليخا وكان ابن ثلاثة اشهر ولما قطعن ايديهن لم يجدن وجع، و هذا حال العشق إذا غلب على القلب، كما في حكاية اليهودي الذي كان يصلح طعاما لجاريته في مرضها فلما سمع انينها سقطت المغرفة التي كان يخوط القدر بها من يده، فعاد يخوط القدر بيده حتى تناثر لحم يده وما شعر به، وقد وقع مثله لكثير عزة ولغيره من العشاق السبعة، وقد شاهدت انا في شيراز رجلا يمشي والناس وراءه وفي يديه في كل واحدي سكينا يضرب بها على صدره واللحم يتناثر من بدنه وهو لا يحس به، فسألت عنه فقيل: انه كان له محبوب فغيبوه عن نظره. وتحقيق هذه المقالة في كتابنا " مقامات النجاة " و " زهر الربيع " بما لا مزيد عليه. وعن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) فالآيات هي شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما

[ 187 ]

الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب فلما عصاها لم تزل مولعة لزوجها حتى حبسه ودخل معه السجن فتيان، يقول عبدان للملك احدهما خباز والآخر صاحب الشراب، والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز. وسبب حبسهما انه سعى بهما الى الملك انهما ارادا ان يسماه. وقال علي بن ابراهيم: ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه، فلما دخل السجن قالوا له ما صناعتك ؟ قال اعبر الرؤيا، فرأى احد الموكلين في نومه كما قال اعصر خمرا قال يوسف تخرج من السجن وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده، وقال الآخر: إني ارى في المنام احمل فوق رأسي خبزا تأكل منه الطير، ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف: انت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك، فجحد الرجل وقال اني لم ار ذلك، فقال له يوسف قضى الامر الذي فيه تستفتيان. فلما اراد من رأى في نومه انه يعصر خمرا الخروج من الحبس قال له يوسف: اذكرني عند ربك، فكان كما قال الله عزوجل: (فأنساه الشيطان ذكر ربه). اقول: قال امين الاسلام الطبرسي: القول في ذلك ان الاستغاثة بالعباد في دفع المضار والتخلص من المكاره جائز غير منكر ولا قبيح، بل ربما يجب وكان نبينا صلى الله عليه وآله يستعين فيما ينوبه بالمهاجرين والانصار وغيرهم. ولو كان قبيحا لم يفعله فلو صحت هذه الرواية فانما عوتب عليه السلام على ترك عادته الجميلة في الصبر والتوكل على الله سبحانه في كل اموره دون غيره وقت ابتلائه، وانما كان يكون قبيحا لترك التوكل على الله واقتصر على غيره. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: لما مضت مدة يوسف عليه السلام في السجن واذن له فط دعاء الفرج وضع خده على الارض ثم قال: اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بوجه آبائي الصالحين ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب. ففرج الله عنه، قلت جعلت فداك اندعو نحن

[ 188 ]

بهذا الدعاء ؟ فقال: ادع بمثله: اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام. وقال علي بن ابراهيم: ان الملك رأى رؤيا. فقال لوزرائه: اني رأيت في نومي سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف - أي مهازيل - ورأيت سبع سنبلات خضر وآخر يابسات فلم يعرفوا تأويل ذلك، فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها، وذكر يوسف بعد سبع سنين، فأرسلوا إليه، فقال (ايها الصديق إفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات) فقال يوسف: (تزرعون سبع سنين متواليات، فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون *) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن - أي سبع سنين - مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع السنين الماضية. فرجع الرجل الى الملك فأخبره بما قال يوسف، (فقال الملك ائتونى به فلما جاء الرسول قال ارجع الى ربك - يعني الملك - فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن ايديهن ان ربي بكيدهن عليم) فجمع الملك النسوة ف‍ (قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين * ذلك ليعلم اني لم اخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين) - أي لا اكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل - ثم قالت (وما ابريء نفسي ان النفس لأمارة بالسوء...)، (فقال الملك إئتوني به استخلصه لنفسي... (فلما نظر الى يوسف (قال انك لدينا مكين امين) سل حاجتك ؟ (قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) يعني الكناديج والانابير، فجعله عليهما. اقول: قوله: (وما ابريء نفسي..) من كلام يوسف عليه السلام على قول اكثر المفسرين.

[ 189 ]

وقيل: هو من كلام امرأة العزيز كما قاله علي بن ابراهيم. والاول اشهر واظهر. والكندوج شبه المخزن معرب كندود. وقال علي بن ابراهيم: وكان بينه وبين ابيه ثمانية عشر يوما، وكان في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون الى مصر ليمتاروا طعاما، و كان يعقوب وولده نزولا فى بادية فيه مقل، فأخذوا اخوه يوسف من ذلك المقل وحملوا الى مصر ليمتاروا به. وقيل: كان بضاعتهم بيع النعل، وكان يوسف يتولى البيع بنفسه، فلما دخل اخوته عليه عرفهم ولم يعرفوه، فلما جهزهم احسن جهازهم، قال لهم: من انتم ؟ قالوا نحن بنوا يعقوب. قال فما فعل ابوكم ؟ قالوا شيخ ضعيف. قال: فلكم اخ غيركم ؟ قالوا: لنا اخ من ابينا لامن امنا. قال: فإذا رجعتم الي فاتوني به، فان لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي قالوا سنراود عنه اباه. قال يوسف لقومه: هذه البضاعة التي حملوها الينا، اجعلوها بين رحالهم، حتى إذا رأوها رجعوا الينا، يعني لا احتمل ان يكون عندهم بضاعة اخرى يرجعون بها الينا. فلما رجعوا الى ابيهم، قالوا: يا ابانا منع منا الكيل فارسل معنا اخانا بنيامين نكتل وإنا له لحافظون * قال يعقوب هل آمنكم عليه الا كما آمنتكم على اخيه من قبل * فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم في رحالهم التي حملوها الى مصر، قالوا: يا ابانا ما نبغي - أي ما نريد - هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا ونحفظ اخانا قال يعقوب لن ارسله معكم حتى تحلفوا لي ان تأتوني به الا ان تغلبوا في شأنه. فخرجوا وقال لهم يعقوب: (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وما اغنى عنكم من الله من شىء ان الحكم الا لله عليه توكلت) فلما دخلوا من حيث امرهم ابوهم ما كان يغني عنهم من الله من شىء الا حاجة في نفس يعقوب قضاها وانه لذو علم لما علمناه. اقول: ان اخوة يوسف عليه السلام لم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم اياه في سن الحداثة وتوهمهم انه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حين فارقوه.

[ 190 ]

وقوله: (لا تدخلوا من باب واحد) المشهور بين المفسرين انه انما قال ذلك لما خاف عليهم من العين. وقيل: لما اشتهروا بمصر بالحسن والجمال واكرام الملك لهم خاف عليهم حسد الناس. ثم ان العبد مأمور بملاحظة الاسباب وعدم الاعتماد عليها والتوكل على الله قال اولا ما يلزمه من الحزم والتدبير، ثم تبرأ من الاعتماد على الاسباب بقوله: " وما اغنى عنكم من الله من شىء ". فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم. فلما دخلوا على يوسف و سلموا، نظر يوسف الى اخيه فعرفه، فجلس منهم بالبعيد، فقال يوسف: انت اخوهم ؟ قال نعم. قال فلم لا تجلس معهم ؟ قال لأنهم اخرجوا اخي عن ابي وامي، ثم رجعوا وزعموا ان الذئب اكله فآليت على نفسي ان لا اجتمع معهم ما دمت حيا، قال فهل تزوجت وولد لك ؟ قال نعم، ثلاث بنين سميت واحدا منهم الذئب و واحدا منهم القميص و واحدا الدم، قال وكيف اخترت هذه الاسماء ؟ قال لئلا انسى اخي، كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت اخي. قال يوسف لهم: اخرجوا وحبس بنيامين، فلما خرجوا من عنده، قال يوسف لاخيه: انا اخوك يوسف فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، ثم قال له: انا احب ان تكون عندي ؟ فقال لا يدعوني اخوتي ؟ فان ابي قد اخذ عليهم ميثاق الله ان يردوني إليه، قال: انا احتال بحيلة فلا تخبرهم بشىء. فقال لا فلما جهزهم بجهازهم واحسن إليهم، قال لبعض قوامه: اجعلوا هذا الصاع في رحل هذا، وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب، فجعلوه في رحله من حيث لم يقف عليه اخوته، فلما ارتحلوا بعث إليهم يوسف وحبسهم، ثم امر مناديا ينادي ايتها العير انكم لسارقون، فقال اخوة يوسف ماذا تفقدون ؟ قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم - أي كفيل - فقال اخوة يوسف تالله لقد علمتم، ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين. قال يوسف: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ؟

[ 191 ]

قالوا: جزاؤه من وجد في رحله حبسه فهو جزاؤه، فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء اخيه، ثم استخرجها من وعاء اخيه، فحبسوا اخاه وهو قوله تعالى: (وكذلك مكنا ليوسف - أي احتلنا له - ما كان ليأخذ اخاه في دين الملك الا ان يشاء الله). وسئل الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (ايتها العير انكم لسارقون) قال: ما سرقوا وما كذب، انما عنى سرقتم يوسف من ابيه. فلما اخرج ليوسف الصاع من رحل اخيه، قال اخوته إن يسرق فقد سرق اخ له من قبل - يعنون يوسف - فتغافل يوسف (ع) وهو قوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم وقال انتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون) فاجتمعوا الى يوسف وجلودهم تقطر دما اصفر وكانوا يجادلونه في حبسه، و كان ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤوسها دم اصفر وهم يقولون له ايها العزيز (ان له ابا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين) فأطلق عن هذا فقال يوسف: (معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل الا من سرق متاعنا (إنا إذا لظالمون) فلما ايسوا وارادوا الانصراف الى ابيهم، قال لهم يهودا بن يعقوب ألم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله في هذا ومن قبل ما فرطتم في يوسف فارجعوا انتم الى ابيكم، اما انا فلا ارجع إليه حتى يأذن لي ابي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ثم قال لهم: (ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق وما شهدنا الا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) فرجع اخوة يوسف الى ابيهم وتخلف يهودا، فدخل على يوسف وكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب، وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدم، وكان لا يسكن حتى يمسه بعض ولد يعقوب وكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها، فأخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غيظه، فارتاب يهودا، ورجع الصبي بالرمانة الى يوسف، حتى فعل ذلك ثلاثا. اقول: السقاية المشربة التي كان يشرب منها الملك ثم جعل صاعا في السنين

[ 192 ]

الشداد القحاط، يكال به الطعام وقوله (انكم لسارقون) تورية على وجه المصلحة اي سرقتم يوسف. ثم قال علي بن ابراهيم: فلما رجعوا الى ابيهم واخبروه بخبر اخيهم قال يعقوب (بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا.) يعني يوسف وبنيامين ويهودا الذي تخلف بمصر، ثم تولى عنهم وقال: (يا اسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن) يعني عميت من البكاء (فهو كظيم) اي محزون الاسف اشد الحزن. وسئل أبو عبد الله عليه السلام ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ فقال: حزن سبعين ثكلى بأولادها، وقال: ان يعقوب لم يعرف الاسترجاع، فمنها قال: وا أسفا على يوسف. اقول: جاء في الحديث: لم تعط امة من الامم: انا لله وانا إليه راجعون، عند المصيبة الا امة محمد صلى الله عليه وآله، الا ترى الى يعقوب حين اصابه ما اصاب لم يسترجع، وقال يا اسفا، وذلك لما جاء في الحديث من ان المسترجع عند المصيبة يبنى له بيت في الجنة وكلما ذكر المصيبة واسترجع كان له مثل ثوابه عند الصدمة الاولى. ثم اعلم: انه اختلف في قوله: (وابيضت عيناه من الحزن) كما ان الشيعة اختلفوا في انه هل يجوز على الأنبياء مثل هذا النقص في الخلقة. قال امين الاسلام الطبرسي: لا يجوز لأن ذلك ينفر. وقيل يجوز ان لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر العلل والامراض انتهى فمن قال لا يجوز ذلك يقول انه ما عمى، ولكنه صار بحيث يدرك ادراكا ضعيفا، ويأول بأن المراد انه غلبة البكاء وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين، فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء، ومن يجوز ذلك يحملها على ظاهرها. والحق انه لم يقم دليل على امتناع ذلك، حتى يحتاج الى تأويل الآيات والاخبار الدالة على حصوله على انه يحتمل، كما قيل ان يكون على وجه لا يكون

[ 193 ]

فيه نقص ولا عيب في ظاهر الخلقة والانبياء عليهم السلام يبصرون بقلوبهم ما يبصر غيرهم بعينيه. و فيه ايضا عن ابي جعفر عليه السلام قال سدير اخبرني عن يعقوب حين قال لولده: (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه) كان علم انه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة و ذهبت عينه عليه من البكاء ؟ قال: نعم، علم انه حي، دعا ربه في السحر ان يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت، بأطيب رائحة واحسن صورة فقال له: من انت ؟ فقال انا ملك الموت، اليس سألت الله ان ينزلني عليك، ما حاجتك يا يعقوب ؟ قال له: اخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو متفرقة قال: تقبضها اعواني متفرقة وتعرض علي مجتمعة، قال يعقوب: فأسالك باله ابراهيم واسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الارواح روح يوسف ؟ فقال: لا فعند ذلك علم انه حي، فقال لولده: (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله) وكتب عزيز مصر الى يعقوب: اما بعد: فهذا ابنك اشتريته بثمن بخس وهو يوسف واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين اخذته وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا، فما ورد على يعقوب شىء اشد من ذلك الكتاب، فقال للرسول: مكانك اجيبه، فكتب إليه يعقوب: بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق بن ابراهيم خليل الله اما بعد: فقد فهمت كتابك تذكر فيه انك اشتريت ابني واتخذته عبدا وان البلاء موكل ببني آدم، وان جدي ابراهيم القاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله له بردا وسلاما، وان ابي اسحاق امر الله جدي ان يذبحه بيده، فلما اراد ذبحه فداه بكبش عظيم، وان كان لي ولد ولم يكن في الدنيا احد احب الي منه فأخرجوه اخوته، ثم رجعوا إلي وزعموا ان الذئب اكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري، وكان له اخ من امه كنت آنس به فخرج مع إخوته الى ما قبلك ليمتاروا لنا طعاما، فرجعوا إلي و ذكروا انه سرق صواع الملك وقد حبسته، وانا اهل بيت لا يليق بنا السرقة و لا الفاحشة، و انا اسألك

[ 194 ]

باله ابراهيم واسحاق ويعقوب الا مننت علي به وتقربت الى الله و رددته الي فلما ورد الكتاب الى يوسف اخذه ووضعه على وجهه وبكى بكاءا شديدا، ثم نظر الى اخوته فقال لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه إذ انتم جاهلون ؟ فقالوا انك لأنت يوسف. قال انا يوسف وهذا اخي قد من الله علينا. فقالوا: (لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم - اي لا توبيخ و لا تعنيف - يغفر الله لكم) فلما ولى الرسول الى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يده الى السماء فقال: يا حسن الصحبة يا كريم المعونة وخير اله، ائتني بروح منك وفرج من عندك. فهبط جبرئيل (ع) فقال له يا يعقوب الا اعلمك دعوات يرد الله عليك بصرك وابنيك ؟ قال: نعم. قال قل يا من لم يعلم احد كيف هو الا هو يا من سد الهواء وكبس الارض على الماء واختار لنفسه احسن الاسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك. قال فما انفجر عمود الصبح حتى اتي بالقميص فطرح عليه، فرد الله عليه بصره وولده. اقول: ورد في سبب معرفتهم له انه تبسم، فلما ابصروا ثناياه كانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف. وقيل: رفع التاج عن رأسه، فعرفوه. وفى قوله: (إذ انتم جاهلون) - اي شبان أو صبيان - تعليم لهم كيف يعتذرون. روي عن الصادق عليه السلام: كل ذنب عمله العبد وان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربه، فقد حكى الله قول يوسف لاخوته: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون) فنسبهم الى الجهل لمخاطرتهم في انفسهم في معصية الله. وذكر بعض المحققين من اهل التفسير، وورد في الاخبار ايضا في تفسير قوله تعالى: (انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) ان كل مذنب فهو جاهل، لانه خاطر بنفسه وفعل فعل الجاهل.

[ 195 ]

ثم قال علي بن ابراهيم قدس الله ضريحه: و لما امر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله تعبير الرؤيا، فكان يعبر لاهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا عبر لهما (وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك) ولم يفزع في تلك الحال الى الله تعالى فأوحى الله إليه من اراك الرؤيا ؟ ومن حببك الى ابيك ؟ ومن وجه اليك السيارة ؟ ومن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا ؟ ومن انطق لسان الصبي بعذرك ؟ ومن الهمك تأويل الرؤيا ؟ قال: انت يا رب. قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي ؟ واملت عبدا من عبيدي ليذكرك الى مخلوق من خلقي لبث في السجن بضع سنين ؟ فقال يوسف: أسالك بحق آبائي عليك الا فرجت عني. فأوحى الله إليه: يا يوسف: واي حق لآبائك علي. ان كان ابوك آدم خلقته بيدي و نفخت فيه من روحي واسكنته جنتي وامرته ان لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألني فتبت عليه، وان كان ابوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا إليهم، فلما عصوا دعاني استجبت له وغرقتهم وانجيته ومن معه في الفلك، وان كان ابوك ابراهيم اتخذته خليلا وانجيته من النار وجعلتها عليه بردا وسلاما، وان كان ابوك يعقوب وهبت له اثني عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكط حتى ذهب بصره وقعد على الطريق يشكوني، فأي حق لآبائك علي ؟ قال له جبرئيل: قل يا يوسف: اسألك بمنك العظيم واحسانك القديم. فقالها، فرأى الملك الرؤيا، فكان فرجه فيها. وعن ابي الحسن الرضا عليه السلام انه قال: قال السجان ليوسف اني لأحبك، فقال يوسف: ما اصابني الا من الحب، كانت عمتي احبتني فسرقتني - أي نسبتني الى السرقة - وان كان ابي احبني حسدوني اخوتي، وان كانت امرأة العزيز احبتني فحبستني، وشكى يوسف في السجن الى الله تعالى، فقال: يا رب بماذا استحققت السجن ؟ فأوحى الله إليه: انت اخترته حين قلت: (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه) هلا قلت العافية احب إلي مما يدعونني إليه. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: لما طرح اخوة يوسف، يوسف في

[ 196 ]

الجب دخل عليه جبرئيل (ع) وهو في الجب، فقال: يا غلام من طرحك في هذا الجب ؟ قال اخوتي لمنزلتي من ابي حسدوني ولذلك في الجب طرحوني. قال: افتحب ان تخرج ؟ قال: ذاك الى إله ابراهيم واسحاق ويعقوب. قال فان إله ابراهيم يقول لك قل: اللهم اني اسألك بأن لك الحمد كله لا اله الا انت الحنان المنان بديع السماوات والارض ذو الجلال والاكرام صل على محمد وآل محمد واجعل لي من امري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث لا احتسب فدعا ربه. فجعل له من الجب فرجا ومن كيد المرأة مخرجا وآتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب. وعن المفضل الجعفي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: اخبرني ما كان قميص يوسف ؟ قال ان ابراهيم عليه السلام لما اوقدت له النار اتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه اياه، فلم يضره معه حر ولا برد، فلما حضر ابراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على اسحاق وعلق اسحاق على يعقوب، فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه، فكان في عنقه، حتى كان من امره ما كان، فلما اخرج يوسف من التميمة وجد يعقوب ريحه، وهو قوله: (اني لاجد ريح يوسف لو لا ان تفندون) قلت جعلت فداك فالى من صار ذلك القميص ؟ فقال الى اهله، ثم قال: كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى الى محمد صلى الله عليه وآله. وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر، فوجد ريح يوسف وهو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة، ونحن ورثته. اقول: قال امين الاسلام الطبرسي رحمه الله: قيل ان يوسف عليه السلام قال انما يذهب بقميصي من ذهب به اولا فقال يهودا انا اذهب به وهو ملطخ بالدم، قال فاذهب به ايضا واخبره انه حي وافرحه كما انه احزنه فحمل القميص وخرج حافيا حاسرا، حتى اتاه، وكان معه سبعة ارغفة وكانت المسافة ثمانين فرسخا، فلم يستوف الارغفة في الطريق. وقال ابن عباس: هاجت ريح فحملت قميص يوسف الى يعقوب. وذكر في القصة ان الصبا استأذنت ربي في ان تأتى يعقوب ريح يوسف قبل

[ 197 ]

ان يأتيه البشير بالقميص، فاذن لها فأتت بها، ولذلك يستروح كل محزون ريح الصبا وقد اكثر الشعراء من ذكرها. وعن ابي الحسن عليه السلام: كانت الحكومة في بني اسرائيل إذا سرق واحد شيئا استرق به وكان يوسف عند عمته وهو صغير وكانت تحبه. وكانت لاسحاق منطقة لبسها يعقوب وكانت عند اخته وان يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته، فاغتمت لذلك وقالت دعه حتى ارسله اليك واخذت المنطقة، وشدت بها وسطه تحت الثياب، فلما اتى يوسف اباه جاءت وقالت قد سرقت المنطقة، ففتشته فوجدتها في وسطه، فلذلك قال اخوته (ان يسرق) يعني بنيامين (صواع الملك فقد سرق اخ له من قبل) يعني يوسف المنطقة من عمته. قال علي بن ابراهيم: ثم رحل يعقوب واهله من البادية بعد ما رجع إليه بنوه بالقميص فارتد بصيرا، فقالوا يا ابانا استغفر لنا، قال: اخرهم الى السحر، لان الدعاء والاستغفار مستجاب فيه. فلما وافى يعقوب و اهله مصر، قعد يوسف على سريره ووضع التاج على رأسه فأراد ان يراه ابوه على تلك الحالة، فلما دخل ابوه لم يقم له فخروا له كلهم ساجدين فقال يوسف: يا ابة هذا تأويل رؤياي من قبل. وعن ابي الحسن عليه السلام: اما سجود يعقوب و ولده فانه لم يكن ليوسف وانما كان ذلك طاعة لله وتحية ليوسف، كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم وانما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم عليه السلام، فسجد يعقوب و ولده ويوسف معهم شكرا لله لاجتماع شملهم، الم تر انه يقول في شكره ذلك الوقت: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليى في الدنيا والآخرة توفنى مسلما و الحقني بالصالحين. وقال امين الاسلام الطبرسي: قيل: ان يوسف عليه السلام بعث مع البشير مائتي راحلة مع ما يحتاج إليه في السفر وسألهم ان يأتوه باهلهم اجمعين، ولما دنا كل واحد منهما من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام فقال السلام عليك يا مذهب الاحزان.

[ 198 ]

وقال وهب: انهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنسانا وخرجوا مع موسى عليه السلام وهم ستمائة الف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا. وكان بين يوسف وموسى اربعمائة سنة. وقال علي بن ابراهيم: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يوسف اخرج يدك فأخرجها من بين اصابعه نور. فقال يوسف ما هذا يا جبرئيل ؟ فقال هذه النبوة اخرجها الله من صلبك لانك لم تقم الى ابيك. فحط الله نوره ومحى النبوة من صلبه وجعلها في ولد لاوى اخي يوسف. وذلك لانهم لما ارادوا قتل يوسف قال لا تقتلوه والقوه في غيابة الجب. فشكر الله له ذلك. ولما ان ارادوا ان يرجعوا الى ابيهم من مصر وقد حبس يوسف اخاه قال لن ابرح الارض حتى يأذن لي ابي. فشكر الله له ذلك. فكان انبياء بني اسرائيل من ولد لاوى بن يعقوب. وكان موسى من ولده. قال يعقوب: يا بنى اخبرني بما فعل بك اخوتك حين اخرجوك من عندي قال يا ابة اعفني من ذاك. قال فاخبرني ببعضه ؟ قال يا ابة انهم لما ادنوني من الجب قالوا انزع القميص فقلت لهم يا اخوتي اتقوا الله ولا تجردوني، فسلوا علي السكين وقالوا لئن لم تنزع لنذبحنك ؟ فنزعت القميص والقوني في الجب عريانا. فشهق يعقوب شهقة واغمي عليه. فلما افاق قال يا بني حدثني قال يا ابة اسألك بإله ابراهيم واسحاق ويعقوب الا اعفيتني فاعفاه. قال: ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة. افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتى سألت، فقالوا لها لو قعدت للعزيز. وكان يوسف. فقالت استحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له. فأقبل يوسف في موكبه. فقامت إليه وقالت: الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا وجعل العبيد بالطاعة ملوكا. فقال لها يوسف وهي هرمة الست فعلت بي كذا وكذا ؟ فقالت يا نبي الله لا تلمني فاني بليت بثلاثة لم يبل بها احد. قال: وما هي ؟ قالت: بليت بحبك ولم يخلق الله لك نظيرا وبليت بحسني بانه لم تكن بمصر امرأة اجمل مني ولا اكثر مالا وبليت بأن زوجي كان

[ 199 ]

محصورا بفقد الحركة - يعنى عنينا - فقال لها يوسف ما حاجتك ؟ قالت تسأل الله ان يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها. فتزوجها وهي بكر. وعن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (قد شغفها حبا) يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا يغفل غيره. والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب. اقول: المشهور بين المفسرين واللغويين ان المراد شهق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل الى فؤادها (وحبا) نصبا على التمييز. وكان ما في الحديث بيان لحاصل المعنى. قال الطبرسي رحمه الله: وروي عن علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد (عليهما السلام) وغيرهم: قد شعفها بالعين - أي ذهب بها كل مذهب. (الامالي) عن ابي بصير عن الصادق عليه السلام: ان يوسف لما صار في الجب وايس من الحياة، كان دعاؤه: اللهم ان كانت الخطايا والذنوب قد اخلقت وجهي عندك فلن ترفع اليك صوتي ولن تستجيب لي دعوة فاني اسألك بحق الشيخ يعقوب فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه فقد علمت رقته علي و شوقي ثم بكى أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: وانا اقول اللهم ان كانت الخطايا والذنوب قد اخلقت وجهي عندك فلن ترفع اليك صوتا ولم تستجب لي دعوة فاني اسالك بك فليس كمثلك شىء واتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله، ثم قال عليه السلام: قولوا هكذا و اكثروا منه عند الكرب العظام. وفيه بالاسناد الى ابن عباس قال: لما اصاب يعقوب، ما اصاب الناس من ضيق الطعام، جمع يعقوب بنيه فقال لهم: يا بني انه بلغني انه يباع بمصر طعام طيب وان صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه واشتروا منه طعاما، فساروا حتى وردوا فادخلوا على يوسف (فعرفهم وهم له منكرون) فسألهم فقالوا نحن اولاد يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم، قال ولدكم إذا ثلاثة انبياء، وما انتم بحلماء ولا فيكم وقار ولا خشوع فلعلكم جواسيس لبعض الملوك، جئتم الى بلادي ؟ فقالوا ايها الملك لسنا بجواسيس ولا اصحاب حرب ولو تعلم بأبينا إذا لكرمنا عليك، فإنه نبي الله وابن

[ 200 ]

انبيائه وانه لمحزون، قال لهم يوسف: فما حزنه وهو نبي الله وابن انبيائه والجنة مأواه وهو ينظر اليكم في مثل عددكم وقوتكم فلعل حزنه انما هو من قبل سفهكم وجهلكم ؟ قالوا: ايها الملك لسنا بجهال و لاسفهاء ولا اتاه الحزن من قبلنا، ولكن كان له ابن كان اصغرنا سنا، يقال له: يوسف، فخرج معنا الى الصيد فأكله الذئب، فلم يزل بعده حزينا. فقال لهم يوسف كلكم من اب واحد ؟ قالوا ابونا واحد وامهاتنا شتى. قال فما حمل اباكم على ان سرحكم كلكم وحبس منكم واحدا يأنس به ويستريح إليه ؟ قالوا: قد فعل، قد حبس منا واحدا هو اصغرنا سنا. قال ولم اختاره من بينكم ؟ قالوا لانه احب اولاده إليه بعد يوسف. فقال لهم يوسف اني احبس منكم واحدا، يكون عندي وارجعوا الى ابيكم واقرؤه مني السلام وقولوا له: يرسل إلي بابنه الذي زعمتم انه حبسه عنده ليخبرني عن حزنه وعن سرعة الشيب إليه قبل أوان مشيبه وعن بكائه وذهاب بصره ؟ فلما قال هذا، اقترعوا بينهم، فخرجت القرعة على شمعون، فأمر به فحبس. فلما ودعوا شمعون قال لهم يا اخوتاه انظروا ماذا وقعت فيه واقرؤا والدي مني السلام. فودعوه و ساروا حتى وردوا الشام ودخلوا على يعقوب عليه السلام وسلموا عليه سلاما ضعيفا فقال لهم: يا بني ما لكم تسلمون سلاما ؟ ضعيفا وما لي لا اسمع فيكم صوت خليلي شمعون ؟ قالوا: يا ابانا انا جئناك من اعظم الناس ملكا لم ير الناس مثله حكما وعلما وإن كان لك شبيه، فانه لشبيهك، ولكنا اهل بيت خلقنا للبلاء، إتهمنا الملك وزعم انه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بنيامين برسالة منك، يخبره عن حزنك وعن سرعة الشيب اليك وعن بكائك وذهاب بصرك. فظن يعقوب عليه السلام ان ذلك مكر منهم، فقال لهم: يا بني بئس العادة عادتكم، كلما خرجتم في وجه نقص منكم واحد، لا ارسله معكم، (فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم) من غير علم منهم، فأقبلوا الى ابيهم فرحين، فقالوا يا ابانا ان هذه بضاعتنا ردت الينا. قال يعقوب قد علمتم ان بنيامين احبكم إلي بعد اخيكم يوسف وبه انسى، فلن ارسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله لتأتيني به الا ان يحاط بكم، فضمنه

[ 201 ]

يهودا، فخرجوا، حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف فقال لهم: هل بلغتم رسالتي ؟ قالوا: نعم وقد جئناك بجوابها مع هذا الغلام، فاسأله عما بدا لك، فقال له يوسف: بما ارسلك ابوك إلي يا غلام ؟ قال: ارسلني اليك يقرؤك السلام ويقول: انك ارسلت إلي تسألني عن حزني وعن سرعة الشيب إلي قبل اوان المشيب وعن بكائي وذهاب بصري فان اشد الناس حزنا وخوفا اذكرهم للمعاد وانما اسرع المشيب إلي: لذكري يوم القيامة وان بكائي و ابيضاض عيوني: على حبيبي يوسف وقد بلغني حزنك بحزني واهتمامك بأمري فكان الله لك جازيا ومثيبا. وانك لن تصلني بشىء اشد فرحا به من ان تعجل على ولدي ابني بنيامين فانه احب اولادي بعد يوسف وعجل علي بما استعين به على عيالي. فلما قال هذا خنقت يوسف العبرة ولم يصبر حتى قام فدخل البيت وبكى ساعة، ثم خرج إليهم وامر لهم بطعام، وقال ليجلس كل بني ام على مائدة فجلسوا، وبقى بنيامين قائما، فقال له يوسف: ما لك لم تجلس ؟ فقال: ليس لي فيهم ابن ام، فقال له يوسف فما كان لك ابن ام ؟ فقال بنيامين بلى، ولكن زعم هؤلاء ان الذئب اكله، قال فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال: ولد لي اثنا عشر ابنا، كلهم اشتق لهم اسما من اسمه، قال يوسف اراك قد عانقت النساء وشممت الولد من بعده ؟ فقال له بنيامين ان لي ابا صالحا وانه قال لي تزوج لعل الله عزوجل يخرج منك ذرية تثقل الارض بالتسبيح. فقال له يوسف فاجلس على مائدتي، فقال اخوته قد فضل الله يوسف واخاه، حتى ان الملك قد اجلسه معه على مائدته، فامر يوسف ان يجعل صواع الملك في رحل بنيامين. وعن جابر بن عبد الله قال: اتى النبي صلى الله عليه وآله رجل من اليهود يقال له بستان اليهودي فقال يا محمد اخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام انها ساجدة له ما اسماؤها ؟ فقال: انت تسلم ان اخبرتك باسمائها ؟ فقال: نعم فقال: حرمان والطارق و الذيال و ذو الكتفان و قابس و وثاب و عمودان و الفيلق والمصبح و الضروج و ذو القرع و الضياء و النور فى افق السماء، ساجدة له، فلما

[ 202 ]

قصها يوسف على يعقوب عليه السلام، قال يعقوب: هذا امر متشتت يجمعه الله بعد. فقال اليهودي: والله ان هذه لأسمائها. وعن ابى عبد الله عليه السلام قال: البكاؤن خمسة: آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله و علي بن الحسين عليه السلام. فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار خديه امثال الاودية. واما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره. واما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به اهل السجن، فقالوا له اما ان تبكي بالليل وتسكت بالنهار، واما ان تبكي بالنهار وتسكت بالليل. فصالحهم على واحدة منهما. واما فاطمة عليها السلام فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى تأذى به اهل المدينة فقالوا لها قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج الى مقابر الشهداء، فتبكي، حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف. واما علي بن الحسين عليهما السلام فبكى على الحسين عشرين سنة أو اربعين سنة ما وضع بين يديه طعام الا بكى: حتى قال له مولى له: جعلت فداك اني اخاف ان تكون من الهالكين ؟ قال: انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم ما لا تعلمون، اني ما ذكرت مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة. (علل الشرايع) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان يعقوب وعيص توأمين فولد عيص ثم يعقوب، فسمى يعقوب لانه خرج بعقب اخيه عيص، ويعقوب هو اسرائيل الله، ومعناه هو عبد الله، لان اسرا هو عبد وئيل هو الله. وفي خبر آخر ان اسرا هو القوة وئيل هو الله، يعني قوة الله. وعن (كعب الاحبار) في حديث طويل: انما سمي اسرائيل لان يعقوب كان يخدم بيت المقدس وكان اول من يدخل وآخر من يخرج وكان يسرج القناديل وإذا كان بالغداة رآها مطفأة، فبات ليلة في بيت المقدس، وإذا

[ 203 ]

بجني يطفيها بأسره الى سارية في المسجد، فلما اصبحوا رأوا اسيرا وكان اسم الجني ئيل، فسمي اسرائيل لذلك. وعن علي بن الحسين عليهما السلام قال: اخذ الناس من ثلاثة من ثلاثة، اخذوا الصبر عن ايوب والشكر عن نوح عليهما السلام والحسد عن بني يعقوب. وعن الرضا عليه السلام انه قال له رجل: اصلحك الله كيف صرت الى ما صرت إليه من المأمون و كأنه انكر ذلك عليه ؟ فقال عليه السلام يا هذا ايهما افضل النبي أو الوصي ؟ قال لا بل النبي. قال فأيهما افضل المسلم أو المشرك ؟ قال لا بل المسلم. قال فان عزيز مصر كان مشركا وكان يوسف مسلما وان المأمون مسلم وانا وصي، يوسف سأل العزيز ان يوليه، حين قال (اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) قال حافظ لما في يدي عالم بكل لسان. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان يوسف عليه السلام لما كان في السجن شكى الى ربه اكل الخبز وحده وسأل اداما يأتدم به وقد كان كثر عنده قطع الخبز اليابس، فأمره: ان يأخذ الخبز ويجعله في إجانة ويصب عليه الماء والملح فصار مريا وجعل يأتدم به عليه السلام. وعن ابن عباس قال: مكث يوسف في منزل الملك وزليخا ثلاث سنين، ثم احبته فراودته، فبلغنا والله اعلم: انها مكثت سبع سنين على قدميها، وهو مطرق الى الارض لا يرفع طرفه إليها مخافة من ربه، فقالت يوما ارفع طرفك وانظر الي قال: اخشى العمى على بصري قالت: ما احسن عينيك ؟ قال: هما اول ساقط على خدي في قبري. قالت: ما احسن طيب ريحك ؟ قال: لو شممت رائحتي بعد ثلاث من موتي لهربت مني ؟ قالت لم لا تقترب ؟ قال: ارجو بذلك القرب من ربي، قالت فرشي الحرير فقم واقض حاجتي ؟ قال اخشى ان يذهب من الجنة نصيبي. قالت اسلمك الى المعذبين ؟ قال يكفيني ربي. (علل الشرائع) باسناده الى الثمالي قال: صليت مع علي بن الحسين عليه السلام الفجر بالمدينة يوم الجمعة، فنهض الى منزله وانا معه فدعا مولاة له تسمى سكينة

[ 204 ]

فقال لها لا يعبر على بابى سائل الا اطعمتموه، فان اليوم يوم الجمعة، قلت له: ليس كل من يسأل مستحقا ؟ فقال يا ثابت اخاف ان يكون بعض من يسألنا مستحقا فلا نطعمه ونرده، فينزل بنا اهل البيت ما نزل بيعقوب وآله: ان يعقوب كان يذبح كل يوم كبشا فيتصدق منه ويأكل هو وعياله منه، وان سائلا مؤمنا صواما مستحقا له عند الله منزلة، وكان مجتازا غريبا مر على باب يعقوب عشية الجمعة عند اوان افطاره يهتف على بابه: اطعموا السائل الغريب الجائع، من فضل طعامكم يهتف بذلك على بابه مرارا وهم يسمعونه، قد جهلوا حقه ولم يصدقوا قوله، فلما يئس ان يطعموه و غشيه الليل استرجع وشكى جوعه الى الله عزوجل وبات طاويا، واصبح جائعا صابرا حامدا لله تعالى، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا، وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله عزوجل الى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد اذللت يا يعقوب عبدي ذلة استوجبت بها ادبي عليك وعلى ولدك، يا يعقوب ان احب انبيائي الي من رحم مساكين عبادي واطعمهم وكان لهم مأوى، يا يعقوب ما رحمت عبدي ذميال العابد لما مر ببابك عند افطاره وهتف بكم اطعموا السائل الغريب، فلم تطعموه، فشكا ما به إلي وبات طاويا حامدا لي واصبح صائما، وانت يا يعقوب و ولدك شباع واصبحت عندكم فضلة من طعامكم، أو علمت يا يعقوب ان العقوبة والبلوى الى اوليائي اسرع منها الى اعدائي، وذلك حسن النظر مني لاوليائي واستدراج مني لاعدائي، اما وعزتي لانزل بك بلواي ولاجعلنك وولدك عرضا لمصائبي فاستعد لبلواي، فقلت لعلي بن الحسين جعلت فداك: متى رأى يوسف الرؤيا ؟ فقال في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآل يعقوب شباعا وبات فيها ذميال طاويا جائعا فلما رأى يوسف الرؤيا واصبح يقصها على ابيه يعقوب فاغتم يعقوب لما سمع من يوسف ما اوحى الله عزوجل إليه ان استعد للبلاء، فقال يعقوب ليوسف: (لا تقصص رؤياك هذه على اخوتك فاني اخاف ان يكيدوا لك كيدا) فلم يكتم يوسف رؤياه وقصها على اخوته، وكانت اول بلوى نزلت بيعقوب وآل يعقوب، الحسد ليوسف، لما سمعوا منه الرؤيا،

[ 205 ]

فاشتدت رقة يعقوب على يوسف وخاف ان يكون ما اوحى الله إليه من استعداد للبلاء، هو في يوسف خاصة. فاشتدت رقته عليه من بين اخوته فلما رأى اخوة يوسف ما يصنع بيوسف وتكرمته اياه وايثاره اياه عليهم، اشتد ذلك عليهم. فتآمروا بينهم، فقالوا (ان يوسف واخاه احب الى ابينا منا، اقتلوا يوسف أو اطرحوه ارضا يخل لكم وجه ابيكم، فجاؤوا اباهم وقالوا ما لك لا تأمنا على يوسف ؟ فقال يعقوب اخاف ان يأكله الذئب) فانتزعه حذرا عليه من ان تكون البلوى من الله فيه، فغلبت قدرة الله وقضاؤه في يعقوب ويوسف واخوته فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء، فدفعه الى اخوته ولما خرجوا لحقهم مسرعا فانتزعه من ايديهم وضمه إليه واعتنقه وبكى ودفعه إليهم فانطلقوا به مسرعين مخافة ان يأخذه منهم، فلما امنوا به، اتوا غيضة اشجار فقالوا نذبحه ونلقيه تحت هذه الشجرة فيأكله الذئب الليلة فقال كبيرهم: لا تقتلوا يوسف ولكن القوة في غيابة الجب، فالقوه في الجب وهم يظنون انه يغرق فيه، فلما صار في قعر الجب ناداهم: يا ولد رومين اقرؤوا يعقوب مني السلام فلما سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض لا تزالوا من هاهنا حتى تعلموا انه قد مات فلم يزالوا حتى آيسوا (ورجعوا الى ابيهم عشاء يبكون * قالوا يا ابانا اكله الذئب) فاسترجع وذكر ما اوحى الله عزوجل إليه من الاستعداد للبلاء فصبر واذعن للبلاء. وقال: (بل سولت لكم انفسكم امرا...) وما كان الله ليطعم لحم يوسف الذئب من قبل ان رأى تأويل رؤياه الصادقة. فلما اصبحوا قالوا: انطلقوا بنا حتى ننظر ما حال يوسف امات ام هو حي ؟ فلما انتهوا الى الجب وجدوا عنده سيارة قد ارسلوا واردهم فأدلى دلوه، فلما جذب دلوه إذا هو بغلام متعلق بدلوه، فقال لاصحابه يا بشرى هذا غلام، فلما اخرجوه اقبل إليهم اخوة يوسف قالوا هذا عبدنا سقط منا امس في هذا الجب وجئنا اليوم لنخرجه فانتزعوه من ايديهم وتنحوا به ناحية، فقالوا اما ان تقر لنا انك عبدنا فنبيعك بعض هذه السيارة أو نقتلك ؟ فقال لهم يوسف: لا تقتلوني واصنعوا بي ما شئتم، فأقبلوا به الى السيارة، فقالوا: من يشتري هذا العبد ؟

[ 206 ]

فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما وسار به الذي اشتراه من البدو الى مصر فباعه من ملك مصر. فلما راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه. فقال لها معاذ الله انا من اهل بيت لا يزنون، فغلقت الابواب عليها وعليه وقالت لا تخف والقت نفسها عليه فأفلت منها هاربا الى الباب ففتحه فلحقت به فجذبت قميصه من خلفه فافلت منها ثيابه (والفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن أو عذاب اليم) فهم الملك بيوسف ليعذبه. فقال له يوسف: ما اردت بأهلك سوءا بل هي راودتني عن نفسي، فاسأل هذا الصبي اينا راود صاحبه عن نفسه ؟ فانطق الله الصبي لفصل القضاء فقال: يا ايها الملك انظر الى قميص يوسف فان كان مقدودا من قدامه فهو الذي راودها، وان كان مقدودا من خلفه فهي التي راودته ؟ فنظر الى القميص فرآه مقدودا من خلفه، فقال (انه من كيدكن) وقال ليوسف اعرض عن هذا ولا يسمعه احد منك واكتمه، فلم يكتمه يوسف واذاعه في المدينة حتى قلن نسوة: (امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) فبلغها ذلك، فأرسلت اليهن وهيأت لهن طعاما ثم آتتهن باترج (وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن، فلما رأينه اكبرنه وقطعن ايديهن... * فقالت هذا الذي لمتنني فيه...) فخرجت النسوة من عندها، فأرسلت كل واحدة منهن الى يوسف سرا من صاحبها تسأله الزيارة فأبى عليهن. ولما شاع امر يوسف وامرأة العزيز والنسوة في مصر، بدا للملك بعد ما سمع قول الصبي، ليسجنن يوسف فسجنه في السجن. اقول: قال امين الاسلام الطبرسي رحمه الله: قيل: ان النسوة قلن ليوسف اطع مولاتك واقض حاجتها فانها المظلومة وانت الظالم. وقال السدي: سبب السجن: ان المرأة قالت لزوجها ان هذا العبد فضحني بين الناس ولست اطيق ان اعتذر بعذري فاما ان تأذن لي فاخرج واعتذر بعذري واما ان تحبسه كما حبستني ؟ فحبسه بعد علمه ببراءته.

[ 207 ]

وفي الرواية: ان اخوة يوسف لما انطلقوا به الى الجب جعلوا يدلونه في البئر وهو يتعلق بشفيرها ثم نزعوا قميصه عنه وهو يقول: لا تفعلوا، ردوا علي القميص اتوارى به ؟ فيقولون: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك. فدلوه الى البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه، إرادة ان يموت. وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم آوى الى صخرة فقام عليها وكان يهودا يأتيه بالطعام والشراب. وقيل: ان الجب اضاء له و عذب ماؤه حتى اغناه عن الطعام. (علل الشرايع) سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول في قول يوسف عليه السلام: (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه) ان يوسف رجع الى اختيار نفسه فاختار السجن فوكل الى اختياره والتجأ نبي الله محمد صلى الله عليه وآله الى الاختيار، فتبرأ من الاختيار ودعا دعاء الافتقار فقال على رؤية الاضطرار: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك فعوفي من العلة وعصم فاستجاب الله له واحسن اجابته. وهو ان الله عصمه ظاهرا وباطنا. وسمعته يقول في قول يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على اخيه من قبل): ان هذا مثل قول النبي صلى الله عليه وآله لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وذلك انه سلم يوسف إليهم. فغشوه حين اعتمد على حفظهم له وانقطع في رعايته إليهم. فألقوه في غيابة الجب وباعوه. ولما انقطع الى الله في الابن الثاني وسلمه واعتمد في حفظه وقال: (فالله خير حافظا) اقعده على سرير المملكة و رد يوسف إليه واخرج القوم من المحنة واستقامت اسبابهم. وسمعته يقول في قول يعقوب (يا اسفي على يوسف) انه عرض في التأسف بيوسف وقد رأى في مفارقته فراقا آخر. وفي قطيعته قطيعة اخرى فتلهف عليها وتأسف من اجلها. كقول الصادق (ع) في معنى قوله عزوجل (ولنذيقنهم من العذاب الادنى

[ 208 ]

دون العذاب الاكبر ان هذا فراق الاحبة في دار الدنيا حتى يستدلوا به على فراق المولى. فلذلك يعقوب تأسف على يوسف من خوف فراق غيره فذكر يوسف لذلك. اقول: فراق الاحبة و وصال الأحبة نار وجنة مخلوقتان وفي الدنيا يستدل بها على نعيم الاخرة وجحيمها. وقال امير المؤمنين عليه السلام: لو لا هول المطلع و فراق الاحبة لطلبنا الموت. وفي تفسير قوله تعالى: (على سرر متقابلين) انه اعظم لذات الجنة: يجلس الاحبة في المكان الواحد، كل واحد على سرير من سرر الجنة: وقال المتنبي: لولا مفارقة الاحباب ما وجدت * لها المنايا الى ارواحنا سبلا. وفيه ايضا عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قلت لجعفر بن محمد اخبرني. عن يعقوب لما قال له بنوه: (يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف استغفر لكم ربي) فأخر الاستغفار لهم. ويوسف (ع) لما قالوا له: (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين). قال: لان قلب الشاب ارق من قلب الشيخ، وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف وجنايتهم على يعقوب انما كان بجنايتهم على يوسف، فبادر يوسف الى العفو عن حقه، واخر يعقوب العفو لان عفوه انما كان على حق غيره فاخرهم الى السحر ليلة الجمعة. وعنه عليه السلام: قال: استأذنت زليخا على يوسف ؟ فقيل لها: يا زليخا انا نكره ان نقدم بك عليه لما كان منك إليه ؟ قالت انى لا اخاف ممن يخاف الله، فلما دخلت، قال لها: يا زليخا ما لي اراك قد تغير لونك ؟ قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا وجعل العبيد بطاعتهم ملوكا. قال لها: يا زليخا ما الذي دعاك الى ما كان منك ؟ قالت حسن وجهك يا يوسف، فقال: كيف لو رأيتي نبيا يقال له محمد يكون في آخر الزمان، احسن مني خلقا واسمح مني كفا ؟ قالت

[ 209 ]

علمت انى صدقت ؟ قالت لانك حين ذكرته وقع حبه في قلبي. فأوحى الله عز و جل الى يوسف: انها قد صدقت، واني احببتها، لحبها محمد صلى الله عليه وآله فامر الله تبارك وتعالى: ان يتزوجها. (معاني الاخبار) معنى يوسف مأخوذ من أسف يوسف، أي غضب يغضب اخوته، قال الله عز و جل: (فلما اسفونا انتقمنا منهم) والمراد بتسميته يوسف انه يغضب اخوته ما يظهر من فضله عليهم. وعن ابى عبد الله عليه السلام قال: قدم اعرابي على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه، فلما فرغ قال له يوسف: اين منزلك ؟ قال بموضع كذا و كذا، فقال: إذا مررت بوادي كذا و كذا، فقف وناد: يا يعقوب يا يعقوب، فانه سيخرج اليك رجل عظيم جميل حسن فقل له: لقيت رجلا بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك: ان وديعتك عند الله عزوجل لن تضيع، فلما انتهى الى الموضع نادى: يا يعقوب يا يعقوب ؟ فخرج إليه رجل اعمى طويل جميل يتقى الحائط بيده، فأبلغه ما قال له يوسف، فسقط مغشيا عليه، ثم افاق فقال: يا اعرابي الك حاجة الى الله تعالى ؟ فقال نعم، اني كثير المال و لي ابنة عم لم يولد لي منها و اني احب ان تدعو الله ان يرزقني ولدا ؟ فدعا الله. فرزقه اربعة بطون، في كل بطن اثنان. وكان يعقوب يعلم ان يوسف حي لم يمت، وان الله سيظهره له بعد غيبته، وكان يقول لبنيه: (اني اعلم من الله ما لا تعلمون). وروي ان اخوة يوسف لما اتوا ابيهم عشاءا يبكون ومعهم قميص يوسف ملطخ بالدم، تولى عنهم يعقوب تلك الليلة واقبل يرثي يوسف وهو يقول: حبيبي يوسف الذي كنت اؤثره على جميع اولادي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت ارجوه من بين اولادي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت اوسده يميني وادثره شمالي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت اؤنس به وحشتي و اصل به وحدتي فاختلس مني، حبيبي يوسف ليت شعري في اي الجبال طرحوك ام في اي البحار غرقوك، حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني ما اصابك.

[ 210 ]

الثعلبي في (كتاب العرائس) قال: لما خلا يوسف باخيه قال له: ما اسمك: قال: بنيامين. قال وما بنيامين ؟ قال ابن المثكل. وذلك انه لما ولد هلكت امه، قال وما اسم امك ؟ قال: راحيل بنت لبان بن ناحور. قال: فهل لك من ولد ؟ قال: نعم عشرة بنين. قال: ما اسماؤهم ؟ فعد له اسماءهم، وكلها مشتقة أو فيها دلالة على يوسف فقال يوسف: احب ان اكون اخاك بدل اخيك الهالك ؟ فقال بنيامين ايها الملك ومن يجد اخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل. فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و قال اني اخوك فلا تعلمهم بشىء من هذا. فقال بنيامين اني لا افارقك. ثم احتالا في وضع الصاع في رحل بنيامين. اقول: وعلى هذا فالمراد بأبويه الذين دخلا مصر ابوه وخالته. كما قال الاكثر فان الخالة يقال لها: ام في اطلاق العرف. و قال صلى الله عليه وآله لما تخاصم امير المؤمنين عليه السلام في حضانة ابنة حمزة رضي الله عنه مع خالته: الخالة ام. وذلك لما ورد من ان امه (اي ام يوسف) قد كانت ماتت في نفاسها ببنيامين فتزوج يعقوب اختها. وقيل: يريد اباه وامه وكانا حيين. عن ابن اسحاق والجبائي. وقيل: ان راحيل امه نشرت من قبرها حتى سجدت له، تحقيقا للرؤيا. عن الحسن. (قصص الانبياء) عن سليمان الطلحي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما حال بني يعقوب هل خرجوا من الايمان ؟ قال: نعم. فما تقول في آدم عليه السلام ؟ قال: دع آدم. اقول: للايمان درجات ومراتب، كما جاء في صحيح الاخبار، فيكون المراد انهم خرجوا من درجاته العالية. ثم عادوا إليها و الى ما فوقها بتوبتهم واستغفار يعقوب و يوسف لهم. (قصص الراوندي) بالاسناد عن الصدوق عن ابيه عن الصفار عن ايوب بن

[ 211 ]

نوح عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم قال قلت لابي عبد الله عليه السلام ما بلغ من حزن يعقوب ؟ قال حزن سبعين ثكلى، ولما كان يوسف في السجن دخل عليه جبرئيل عليه السلام فقال ان الله ابتلاك وابتلى اباك وان الله ينجيك من هذا السجن فاسال الله بحق محمد واهل بيته ان يخلصك مما انت فيه. فقال يوسف اللهم اني اسالك بحق محمد واهل بيته الا عجلت فرجي وارحتني مما انا فيه. قال جبرئيل: فابشر ايها الصديق فان الله يخرجك من السجن الى ثلاثة ايام ويملكك مصر واهلها، فلم يلبث يوسف الا تلك الليلة حتى رأى الملك رؤيا افزعته، فقصها على اعوانه، فلم يدروا ما تأويلها، فذكر الغلام الذي نجى من السجن يوسف فقال ايها الملك ارسلني الى السجن فان فيه رجلا حليما عليما وقد كنت انا وفلان اغتضبت علينا وامرت بحبسنا، رأينا رؤيا فعبرها لنا وكان كما قال، ففلان صلب واما انا فنجيت فقال له الملك انطلق إليه، فدخل وقال: يوسف افتنا في سبع بقرات... فلما بلغ رسالة يوسف الملك قال (ائتوني به استخلصه لنفسي). فلما بلغ يوسف رسالة الملك قال كيف ارجو كرامته وقد عرف براءتي و حبسني سنين. فلما سمع الملك ارسل الى النسوة فقال ما خطبكن ؟ قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء. فأرسل إليه واخرجه من السجن، فلما كلمه اعجبه كلامه وعقله. فقال اقصص رؤياي فاني اريد ان اسمعها منك ؟ فذكره يوسف كما رأى وفسره. قال الملك صدقت فمن لي بجمع ذلك وحفظه ؟ فقال يوسف ان الله اوحى إلي اني مدبره والقيم في تلك السنين السبع الخصيبة يكبسه في الخزائن في سنبله. ثم اقبلت السنون الجدبة، اقبل يوسف على جميع الطعام فباعهم بالسنة الاولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها درهم ولا دينار الا صار في مملكة يوسف، وباعهم في السنة الثانية بالحلى والجواهر، و باعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي، و باعهم في السنة الرابعة بالعبيد والاماء، وباعهم في السنة الخامسة بالدور و العقار وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والانهار، و باعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر الا صار في مملكة يوسف عليه السلام

[ 212 ]

وصاروا عبيدا له. فقال يوسف للملك: ما ترى فيما خولني ربي ؟ قال الرأي رأيك قال: اني اشهد الله واشهدك ايها الملك اني اعتقت اهل مصر كلهم ورددت عليهم اموالهم وعبيدهم ورددت عليك خاتمك وسريرك وتاجك. على ان لا تسير الا بسيرتي ولا تحكم الا بحكمي، فقال له الملك: ان ذلك لديني وفخري، و انا اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانك رسوله... الحديث. وقال في (العرائس): فلما تبين للملك عذر يوسف وعرف امانته وكفايته وعقله (قال ائتوني به استخلصه لنفسي فلما جاءه الرسول) قال اجب الملك الآن فخرج يوسف و دعا لاهل السجن بدعاء يعرف الى اليوم، وذلك انه قال: اللهم اعطف عليهم قلوب الاخيار ولا تعم عليهم الاخبار، فهم اعلم الناس بالاخبار الى اليوم في كل بلدة، فلما خرج من السجن كتب على بابه: (هذا قبر الاحياء وبيت الاحزان وتجربة الاصدقاء وشماتة الاعداء) ثم اغتسل وتنظف وقصد الملك فلما ان نظر الى الملك سلم عليه يوسف بالعربية، فقال له الملك: ما هذا اللسان ؟ قال: لسان عمي اسماعيل، ثم دعا بالعبرانية، فقال له الملك: ما هذا اللسان ؟ قال لسان آبائي، وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا، فلما كلم الملك يوسف بلسان اجابه يوسف بذلك اللسان، فأعجب الملك بما رأى منه، وكان يوسف عليه السلام ابن ثلاثين سنة، فلما رأى الملك حداثة سنه وغزارة علمه، قال لمن عنده: ان هذا علم تأويل رؤياي، ولم تعلمه السحرة والكهنة، ثم قال له: اني احب ان اسمع رؤياي منك شفاها ؟ فقال يوسف نعم، ايها الملك رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان غر كشف لك عنهن النيل فطلعن لك من شاطئه تشخب اخلافهن لبنا، فبينا انت تنظر اليهن ويعجبك حسنهن إذ نضب النيل و غار ماؤه وبدا قعره وخرج من حماته ووحله سبع بقرات عجاف شعث ليس لهن ضروع ولا خلاف ولهن انياب و اضراس و اكف كاكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع، فاختلطن بالسمان فافترسنهن افتراس السبع واكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن، فبينا انت تتعجب إذا سبع سنابل خضر وسبع سنابل اخر سود في منبت واحد عروقهن في الثرى

[ 213 ]

والماء، فبينا انت تقول: انى هذا و هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد واصولهن في الماء، إذ هبت ريح فذرت الا رفات من السود اليابسات على الخضر المثمرات فاشعلت فيهن النار فأحرقتهن فصرن سودا متغيرات، فهذا آخر ما رأيت من الرؤيا. وعن محمد بن مسلم قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: اخبرني عن يعقوب كم عاش مع يوسف بمصر ؟ قال: عاش حولين، وكان يعقوب هو الحجة، و كان الملك ليوسف، فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت الى ارض الشام فدفنه في بيت المقدس، فكان يوسف بعده هو الحجة. (الخرائج) عن ابي محمد عليه السلام في قوله تعالى: (ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل) قال عليه السلام: ما سرق يوسف، انما كان ليوسف منطقة ورثها من ابراهيم، و كانت تلك المنطقة لا يسرقها احد الا استعبد فكان إذا سرقها انسان نزل عليه جبرئيل عليه السلام فأخبره بذلك، فاخذ منه واخذ عبدا، وان المنطقة كانت عند سارة بنت اسحاق بن ابراهيم، و كانت سميت ام اسحاق، وان سارة احبت يوسف وارادت ان تتخذه ولدا لها، و انما اخذت المنطقة فربطتها على وسطه ثم سدلت عليه سرباله، وقالت: يعقوب ان المنطقة سرقت، فاتاه جبرئيل فقال: يا يعقوب ان المنطقة مع يوسف، ولم يخبره بخبر ما صنعت سارة، لما اراد الله، فقام يعقوب الى يوسف واستخرج المنطقة، فقالت سارة بنت اسحاق مني سرقها يوسف فأنا احق به، فقال لها يعقوب: فانه عبدك على ان لا تبيعيه ولا تهبيه. قالت فأنا اقبله على ان لا تأخذه مني وانا اعتقه الساعة فاعتقته... الحديث. وروي انه لما قال للفتى: (اذكرني عند ربك) اتاه جبرئيل (ع) فضرب برجله حتى كشط له عن الارض السابعة، فقال له: يا يوسف انظر ماذا ترى ؟ فقال ارى حجرا صغيرا ففلق الحجر، فقال: ما ذا ترى ؟ قال دودة صغيرة. قال: فمن رازقها ؟ قال الله. قال فان ربك يقول: لم انس هذه الدودة في ذلك الحجر في قعر الارض السابعة اظننت اني انساك حتى تقول للفتى (اذكرني عند ربك)

[ 214 ]

لتلبثن في السجن بمقالتك هذه بضع سنين. قال فبكى يوسف عند ذلك حتى بكت لبكائه الحيطان، فتأذى به اهل السجن، فصالحهم على ان يبكي يوما ويسكت يوما فكان اليوم الذي يسكت اسوء حالا (العياشي) عن هشام بن صالح عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ما بكى احد بكاء ثلاثة: آدم ويوسف و داود. اما آدم فبكى حين اخرج من الجنة و كان رأسه في باب من ابواب السماء فبكى حتى تأذى به اهل السماء، فشكوا ذلك الى الله، فحط من قامته. واما داود فانه بكى حتى هاج العشب من دموعه وان كان ليزفر الزفرة فيحرق ما نبت من دموعه. واما يوسف فانه كان يبكي على ابيه يعقوب وهو في السجن، فأاذى به اهل السجن، فصالحهم على ان يبكي يوما ويسكت يوما. وفيه عن حفص بن غياث عن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان سبق يوسف الغلاء الذي اصاب الناس ولم يتمن الغلاء لاحد قط، قال: فاتاه التجار فقالوا: بعنا ؟ فقال اشتروا، فقالوا نأخذ كذا بكذا ؟ قال خذوا، وامر فكالوهم فحملوا ومضوا حتى دخلوا المدينة فلقيهم قوم من التجار فقالوا لهم: كيف اخذتم ؟ قالوا كذا بكذا وضاعفوا الثمن. قال و قدم اولئك على يوسف، فقالوا بعنا ؟ فقال اشتروا كيف تأخذون ؟ قالوا بعنا كما بعت كذا بكذا ؟ فقال ما هو كما يقولون ولكن خذوا فأخذوا ثم مضوا حتى دخلوا المدينة فلقيهم آخرون فقالوا كيف اخذتم ؟ فقالوا كذا بكذا، وضاعفوا الثمن، قال: فعظم الناس ذلك البلاء وقالوا اذهبوا بنا حتى نشترى قال: فذهبوا الى يوسف فقالوا بعنا ؟ فقال اشتروا. فقالوا بعنا كما بعت ؟ فقال وكيف بعت ؟ قالوا كذا بكذا. فقال ما هو كذلك ولكن خذوا. قال فاخذوا ورجعوا الى المدينة، فاخبروا الناس، فقالوا فيما بينهم تعالوا نكذب في الرخص كما كذبنا في الغلاء. قال فذهبوا الى يوسف فقالوا له بعنا ؟ فقال اشتروا. فقالوا بعنا كما بعت ؟ قال كيف بعت ؟ قالوا كذا بكذا. بالحط من

[ 215 ]

السعر الاول. فقال ما هو كذا، ولكن خذوا. قال فاخذوا وذهبوا الى المدينة. فلقيهم الناس فسألوهم بكم اشتريتم ؟ فقالوا كذا بكذا بنصف الاول. فقال آخرون اذهبوا بنا حتى نشتري فذهبوا الى يوسف فقالوا بعنا ؟ فقال اشتروا. فقالوا بعنا كما بعت ؟ قال كيف بعت ؟ فقالوا كذا بكذا ؟ بالحط من النصف. فقال ما هو كما تقولون ولكن خذوا، فلم يزالوا يتكاذبون حتى رجع السعر الى الاخير كما كان الاول. كما اراد الله تعالى. وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: رحم الله اخي يوسف لو لم يقل (اجعلني على خزائن الارض) لولاه عن ساعته ولكن اخر ذلك سنة وروى العياشي عن جابر عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان يعقوب ذهب الى عابد من العباد في حاجة، فقال له الراهب فما بلغ بك مما ارى من الكبر ؟ قال: الهم و الحزن. فما جاوز الباب حتى اوحى الله إليه ان يا يعقوب شكوتني الى العباد ؟ فخر ساجدا عند عتبة الباب يقول لا اعود. فأوحى الله إليه انى قد غفرتها لك فلا تعودن الى مثلها. فما شكى شيئا مما اصابه من نوائب الدنيا الا انه قال يوما (انما اشكو بثي و حزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون). وروي عن محمد بن اسماعيل رفعه باسناده له قال: ان يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسيرة عشره ليال وكان يعقوب ببيت المقدس ويوسف بمصر. وهو القميص الذي نزل على ابراهيم من الجنة. فدفعه الى اسحاق واسحاق الى يعقوب ودفعه يعقوب الى يوسف عليه السلام. وروي ان يوسف (ع) لما مات بمصر دفنوه في النيل في صندوق من رخام. وذلك انه لما مات تشاح الناس عليه، كل يحب ان يدفن في محلته لما كانوا يرجون من بركته، فأرادوا ان يدفنوه فى النيل، فيمر الماء عليه ثم يصل الى جميع مصر فيكون كلهم فيه شركاء وفي بركته شرعا سواء، فكان قبره في النيل الى ان حمله موسى عليه السلام حين خرج من مصر. خاتمة) في تأويل قوله تعالى (ولقد همت به وهم بها لو لا ان رأى برهان

[ 216 ]

ربه) فقد اختلف فيه علماء الاسلام ونسب بعضهم نبي الله الصديق الى الفاحشة التي نزهوا انفسهم عنها. فقال فخر الدين الرازي: إعلم ان هذه الاية من المهمات التي يجب الاعتناء بالبحث عنها، وفي هذه الاية مسائل: المسألة الاولى - في انه عليه السلام هل صدر عنه ذنب ؟ ام لا. وفي المسألة قولان: احدهما - انه عليه السلام هم بالفاحشة. قال الواحدي في (كتاب البسيط: قال المفسرون والموثوق بعلمهم المرجوع الى روايتهم: هم يوسف ايضا بهذه المرأة هما صحيحا وجلس منها مجلس الرجل من المرأة فلما رأى البرهان من ربه، زالت كل شهوة عنه. قال أبو جعفر الباقر عليه السلام باسناده عن علي عليه السلام انه قال: طمعت وطمع فيها، وكان طمعه فيها انه هم ان يحل التكة. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: حل الهميان وجلس منها مجلس الخائن. وعنه ايضا: انها استقلت له وقعد لها بين رجليها ينزع ثيابه. ثم ان الواحدي طول في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب، وما ذكر آية يحتج بها أو حديثا صحيحا يعول عليه في تصحيح هذه المقالة، ولما امعن في الكلمات العارية عن الفائدة.. روي ان يوسف لما قال: (ليعلم ذلك انه لم اخنه بالغيب) قال له جبرئيل (ع) ولا حين هممت يا يوسف ؟ فقال يوسف عند ذلك: (وما ابرىء نفسي) ثم قال: و الذين اثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا اعرف بحقوق الانبياء وارتفاع منازلهم عند الله من الذين نفوا الهم عنه، فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب. القول الثاني - ان يوسف صلوات الله عليه كان بريئا من العمل الباطل والهم المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول عنه و نذب. واعلم ان الدلائل الدالة على وجود عصمة الانبياء عليهم السلام كثيرة ذكرناها في سورة البقرة فلا نعيدها الا انا نزيد هاهنا وجوها:

[ 217 ]

فالحجة الاولى: ان الزنا من منكرات الكبائر، و الخيانة من معرض الامانة من منكرات الذنوب وايضا مقابلاة الاحسان العظيم الدائم بالاساءة الموجبة للفضيحة الباقية والعار الشديد من منكرات الذنوب، وايضا الصبي إذا تربى في حجر انسان وبقى مكفي المؤونة مصون العرض من اول صباه الى زمان شبابه وكمال قوته، فاقدام هذا الصبي على ايصال اقبح انواع الاساءة الى ذلك المنعم العظيم من منكرات الاعمال إذا ثبت هذا فنقول: ان هذه المعصية التي نسبوها الى يوسف كانت موصوفة بجميع هذه الاربعة، ومثل هذه المعصية لو نسبت الى افسق خلق الله لاستنكف منه، فكيف يجوز اسناده الى الرسول المؤيد بالمعجزات. ثم انه تعالى قال في عين هذه الواقعة: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وذلك يدل على ان ماهية الفحشاء مصروفة عنه. ولا شك ان المعصية التي نسبوها إليه افحش اقسام الفحشاء، فكيف يليق برب العالمين ان يشهد في عين هذه الوقعة بكونه بريئا من السوء والفحشاء، مع انه كان قد اتى بأعظم انواع السوء والفحشاء ايضا. فالآية تدل على قولنا من وجه آخر وذلك لانا نقول هب ان هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه، الا انه لا شك انها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ولا يليق بحكمة الله تعالى ان يحكي عن انسان اقدامه على معصية عظيمة، ثم انه يمدحه و يثني عليه بأعظم المدائح، عقيب ان يحكي عنه ذلك الذنب العظيم، فان مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده اقبح الذنوب وافحش الاعمال، ثم يذكره بالمدح العظيم و الثناء البالغ عقيبه، فان ذلك يستنكر جدا، فكذا هاهنا. الثالث - ان الانبياء متى صدرت عنهم زلة أو هفوة استعظموا ذلك واتبعوها باظهار الندامة والتوبة و لو كان يوسف هاهنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال ان لا يتبعها بالتوبة و الاستغفار، و لو اتى بالتوبة لحكى الله عنه اتيانه بها، كما في سائر المواضع و حيث لم يوجد شىء من ذلك علمنا انه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب و لا معصية.

[ 218 ]

الرابع - ان كل من له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام عن المعصية. و اعلم ان الذين لهم تعلق بهذه الواقعة: يوسف و تلك المرأة وزوجها و النسوة والشهود، و رب العالمين شهد ببراءته عن الذنب، و ابليس ايضا اقر ببراءته من المعصية. وإذا كان الامر كذلك فحينئذ لم يبق للمرء المسلم توقف في هذا الباب. اما بيان ان يوسف عليه السلام ادعى البراءة من الذنب فهو قوله عليه السلام: (هي راودتني عن نفسي) وقوله: (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه). واما بيان ان المرأة اعترفت بذلك، فلانها قالت للنسوة (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) وايضا قالت: (الان حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين). واما بيان ان زوج المرأة اقر بذلك، فهو قوله: (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم * يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك). واما الشهود: فقوله: (شهد شاهد من اهلها ان كان قميصه قد من قبل...) الى آخر الآية. و اما شهادة الله فقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين). فقد شهد الله في هذه الآية على طهارته سبع مرات: اولها - قوله: (لنصرف عنه السوء) واللام للتأكيد و المبالغة. والثاني - قوله: (و الفحشاء) اي كذلك يصرف عنه الفحشاء. و الثالث - قوله: (من عبادنا المخلصين) مع انه قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). الرابع - قوله: (المخلصين) و فيه قراءتان، تارة باسم الفاعل وتارة باسم المفعول فوروده باسم الفاعل دل على كونه اتيانا بالطاعات والقربات مع صفة الاخلاص و وروده باسم المفعول يدل على ان الله تعالى اخلصه لنفسه، وعلى كلا الوجهين فانه من ادل الالفاظ على كونه منزها مما اضافوه إليه.

[ 219 ]

واما بيان ان ابليس اقر بطهارته فلأنه قال: (فبعزتك لاغوينهم اجمعين * الا عبادك منهم المخلصين) فاقر بأنه لا يمكنه اغواء المخلصين، ويوسف من المخلصين لقوله تعالى: (انه من عبادنا المخلصين) وكان هذا اقرار من ابليس، بانه ما اغواه وما اضله عن طريق الهدى. و عند هذا، فقول هؤلاء الجهال الذين نسبوا الى يوسف (ع) هذه الفضيحة ان كانوا من اتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله على طهارته، وان كانوا من اتباع ابليس و جنوده فليقبلوا شهادة ابليس على طهارته، ولعلهم يقولون كنا في ابتداء الامر تلامذة ابليس الا انا زدنا عليه في السفاهة، كما قال الحروري: وكنت فتى من جند ابليس فارتقى * بي الامر حتى صار ابليس من جندي فلو مات قبلي كنت احسن بعده * طرائق فسق ليس يحسنها بعدي فثبت بهذه الدلائل ان يوسف (ع) برىء عما يقوله هؤلاء الجهال، وإذا عرفت هذا فنقول: الكلام على ظاهر هذه الآية يقع في مقامين: (المقام الاول) ان نقول لا نسلم ان يوسف عليه السلام (هم بها) والدليل انه تعالى قال: (وهم بها لو لا ان رأى برهان ربه) و جواب (لولا) هاهنا مقدم، و هو كما يقال قد كنت من الهالكين لولا اخلصك. ثم ذكر للزجاج سؤالات واجاب عنها، ثم قال: (المقام الثاني) في الكلام على هذه الآية ان نقول: سلمنا ان الهم قد حصل الا انا نقول: ان قوله (و هم بها) لا يمكن حمله على ظاهره، لان تعليق الهم بذات المرأة محال، لان الهم من جنس القصد، ولا يتعلق بالذوات الباقية، فثبت انه لا بد من اظهار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم، و ذلك الفعل غير مذكور فهم زعموا ان ذلك المضمر هو ايقاع الفاحشة، و نحن نضمر شيئا يغاير ما ذكروه و بيانه من وجوه: (الوجه الاول) انه عليه السلام: هم بدفعها عن نفسه ومنعها من ذلك القبيح لان الهم هو القصد. فوجب ان يحمل في كل واحد على القصد الذي يليق به،

[ 220 ]

فاللائق بالمرأة القصد الى تحصيل اللذه و التمتع، و القصد اللائق بالرسول المبعوث الى الخلق و الى زجر العاصي عن معصيته، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، هممت بفلان، اي بضربه ودفعه، فان قالوا: فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله: (لو لا ان رأى برهان ربه) فائدة. قلنا: فيه اعظم الفوائد وهو انه تعالى اعلم يوسف (ع) لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت به، فكان يتمزق ثوبه من قدام، وكان في علم الله تعالى: ان الشاهد يشهد ان ثوبه لو تمزق من قدام، لكان يوسف (ع) هو الجاني، و لو كان ثوبه متمزقا من خلفه، لكانت المرأة هي الخائنة. فالله تعالى اعلمه هذا العلم، فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه، بل ولى هاربا عنها حتى صارت شهادة الشاهد حجة على براءته عن المعصية. (الوجه الثاني) في الجواب ان: نفسر الهم بالشهوة، و هذا مستعمل في اللغة فمعنى الآية ولقد اشتهته واشتهاها (لو لا ان رأى برهان ربه) لدخل ذلك العمل في الوجود. (الوجه الثالث) ان نفسر الهم، بحديث النفس. وذلك لان المرأة الفائقة في الحسن و الجمال إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي، فلا بد وان يقع هناك بين الشهوة والحكمة و بين النفس و العقل مجاذبات ومنازعات، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة وتارة تقوى داعية العقل و الحكمة، فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة و رؤية البرهان عبارة عن جواذب العبودية، ومثاله الرجل الصالح القائم في الصيف الصائم إذا رأى الجلاب المبرد بالثلج، فان طبيعته تحمله على شربه، الا ان دينه يمنعه منه، هذا لا يدل على حصول الذنب، بل كلما كانت هذه الحالة اشد، كانت القوة في القيام بلوازم العبودية اكمل، فقد ظهر بحمد الله صحة القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدى الا مجرد التصلف وتعديد اسماء المفسرين. و اعلم ان بعض الحشوية روى عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: ما كذب ابراهيم عليه السلام الا ثلاث كذبات ! فقلت الاولى ان لا تقبل مثل هذه الاخبار فقال على طريق الاستنكار: فان لم تقبله لزمنا تكذيب الرواة ؟ فقلت يا مسكين ان قبلنا

[ 221 ]

لزمنا الحكم بتكذيب ابراهيم عليه السلام، وان رددنا لزمنا الحكم بتكذيب الرواة، ولا شك ان صون ابراهيم عن الكذب اولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب. إذا عرفت هذا الاصل فنقول للواحدي: ومن الذي يضمن ان الذي نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين ام كاذبين. المسألة الثالثة - في ان المراد بذلك البرهان ما هو ؟ اما المحققون المثبتون للعصمة فقد فسروا رؤية البرهان بوجوه: (الاول) انه حجة الله تعالى في تحريم الزنا والعلم بما على الزاني من العقاب. (الثاني) ان الله تعالى طهر نفوس الانبياء عن الاخلاق الذميمه‍، بل نقول: ان الله تعالى طهر نفوس المتصلين بهم عنها، كما قال: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) أو المراد برؤية البرهان هو حصول تلك الاخلاق وتذكير الاحوال المردعة لهم عن الاقدام على المنكرات. (الثالث) انه رأى مكتوبا في سقف البيت (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا). (الرابع) انه النبوة المانعة عن ارتكاب الفواحش، والدليل عليه: ان الانبياء بعثوا لمنع الخلق عن القبائح والفضائح، فلو انهم منعوا الناس عنها، ثم اقدموا على اقبح انواعها وافحش اقسامها لدخلوا تحت قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون). وايضا ان الله عير اليهود بقوله: (اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم) وما يكون عيبا في حق اليهود، كيف ينسب الى الرسول المؤيد بالمعجزات. واما الذين نسبوا المعصية الى يوسف فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان امورا: (الاول) قالوا ان المرأة قامت الى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب وقالت استحي من إلهي هذا ان يراني على المعصية، فقال يوسف: تستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع، و لا استحي من الهي القائم على كل نفس بما كسبت فو الله لا افعل ابدا.

[ 222 ]

(الثاني) نقلوا عن ابن عباس، انه مثل له يعقوب (ع) فرآه عاضا على اصابعه ويقول له: لتعمل عمل الفجار، وانت مكتوب في زمرة الانبياء عليهم السلام ؟ فاستحى منه. وهو قول عكرمة ومجاهد وكثير من المفسرين. قال سعيد بن جبير: تمثل له يعقوب (ع) فضرب في صدره فخرجت شهوته من انامله. (الثالث) قالوا انه سمع في الهواء قائلا يقول: يا بن يعقوب لا تكن كالطير له ريش فإذا زنى ذهب ريشه. (الرابع) نقلوا عن ابن عباس ان يوسف (ع) لم يزدجر برؤية يعقوب حتى ركضه جبرئيل عليه السلام فلم يبق فيه شىء من الشهوة الا خرج. ولما نقل الواحدي هذه الروايات تصلف و قال: هذا الذي ذكرناه قول ائمة المفسرين الذين اخذوا التأويل عمن شاهد التنزيل ؟ فيقال له: انك لا تأتينا البتة الا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها فأين الحجة والدليل، وايضا فان ترادف الدلائل على الشىء الواحد جائز، وانه عليه السلام كان ممتنعا عن الزنا بحسب الدلائل الاصلية. فلما انضاف إليها هذه الزواجر، قوى الانزجار وكمل الاحتراز. والعجيب انهم نقلوا ان جروا دخل تحت حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله و بقى هناك بغير علمه قالوا فامتنع جبرئيل عليه السلام من الدخول عليه اربعين يوما و هاهنا زعموا ان يوسف عليه السلام حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبرئيل عليه السلام. و العجب ايضا انهم زعموا انه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبرئيل عليه السلام. و لو ان افسق الخلق كان مشغولا بفاحشة فإذا دخل عليه رجل صالح على زي الصالحين استحى منه وفر، و ترك ذلك العمل، وهاهنا رأى يعقوب عض على انامله و لم يلتفت. ثم ان جبرئيل عليه السلام على جلالة قدره، دخل عليه فلم يمتنع عن ذلك القبيح بسبب حضوره، حتى احتاج جبرئيل الى ركضة على ظهره ! فنسأل الله تعالى ان يصوننا عن العمى في الدين و الخذلان في طلب اليقين.

[ 223 ]

فهذا هو الكلام الملخص في هذه المسألة، انتهى كلامه وتسلطه على الواحدي فيما قمع به اساس كلامه، هو مذهب اصحابنا قدس الله ارواحهم. و الوجهان اللذان اختارهما، اومى الرضا عليه السلام الى احدهما في حديث ابي الصلت الهروي حيث قال: واما قوله عز و جل في يوسف: (و لقد همت به و هم بها) فانها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها ان اجبرته، لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) يعني الزنا واشار اليهما معا في خبر ابن الجهم حيث قال: (لقد همت به ولولا ان رأى برهان ربه) لهم بها كما همت به، لكنه كان معصوما، والمعصوم لا يهم بذنب و لا يأتيه ولقد حدثني ابي عن ابيه الصادق عليهما السلام انه قال: همت بأن تفعل وهم بما لا يفعل. اقول: لا يتوهم خطا في قصده القتل إذ الدفع عن الغرض والاحتراز عن المعصية لازم، وان انجر الى القتل، ولكنه تعالى نهاه عن ذلك لمصالح كثيرة، وقد ظهر حقيقة الحال، فما ورد في روايتنا مما يوافق العامة فاحمله على التقية. ثم قال الزجاج: واما قوله: (وخروا له سجدا) ففيه اشكال، وذلك لأن يعقوب عليه السلام كان ابا يوسف، و حق الابوة حق عظيم، وايضا انه كان شيخا، والشاب يجب عليه تعظيم الشيخ. و الثالث - انه كان من اكابر الانبياء، الا ان يعقوب عليه السلام كان اعلى حالا منه. الرابع - ان جده واجتهاده في تحصيل الطاعات اكثر من جد يوسف. و لما اجتمعت هذه الجهات الكثيرة، فهذا يوجب ان يبالغ يوسف في خدمة يعقوب، فكيف استجاز يوسف ان يسجد له يعقوب هذا على تقرير السؤال ؟ والجواب عنه من وجوه: الاول - هو قول ابن عباس: ان المراد بهذه الآية انهم: (خروا له

[ 224 ]

سجدا) اي لاجل وجدانه سجدوا لله: وحاصله انه كان ذلك سجود الشكر، فالمسجود له هو: الله الا ان ذلك السجود انما كان لاجله. والدليل على صحة هذا التأويل ان قول و رفع ابويه على العرش (و خروا له سجدا مشعر بانهم صعدوا ذلك السرير، ثم سجدوا، ولو انهم سجدوا ليوسف عليه السلام لسجدوا له قبل الصعود الى السرير، لان ذلك ادخل في التواضع، وحينئذ فيكون المراد من قوله: (اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) اي رأيتهم ساجدين لاجلي، اي انها سجدت لله لطلب مصلحتي والسعي في اعلاء منصبي. وعندي ان هذا التأويل متعين لأنه يبعد من عقل يوسف ودينه، ان يرضى بان يسجد له ابوه مع سابقته في حقوق الولاة والشيخوخة والعلم والدين وكمال النبوة. الوجه الثاني - في الجواب ان يقال انهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكرا لنعمة وجدانه، كما يقال سجدت للكعبة. قال حسان: ما كنت اعرف ان الامر منصرف * عن هاشم ثم منها عن ابي حسن أليس اول من صلى لقبلتكم * واعرف الناس بالاثار والسنن فقوله: (و خروا له سجدا) اي جعلوه كالقبلة، ثم سجدوا لله شكرا لنعمة وجدانه. الوجه الثالث - في الجواب ان التواضع قد يسمى سجودا. كقوله: (ترى الاكم فيها سجدا للحوافر). إلا ان هذا مشكل لانه تعالى قال: (وخروا له سجدا) والخرور الى السجدة مشعرة بالاتيان بالسجدة على اكمل الوجوه. واجيب عنه بان الخرور، يعني به المرور فقط. قال الله تعالى: (لم يخروا عليها صما و عميانا) يعني لم يمروا. الوجه الرابع - في الجواب ان نقول: الضمير في قوله: (و خروا له) غير عائد الى الابوين لا محالة، والا لقال: (و خروا له ساجدين) بل الضمير عائد

[ 225 ]

الى اخوته والى سائر من كان يدخل عليه، لاجل التهنئة. فالتقدير: ورفع ابويه على العرش مبالغة في تعظيمهما. و اما الاخوة وسائر الداخلين، فخروا له ساجدين، وان قالوا: فهذا لا يلائم قوله: يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل. قلنا: ان تعبير الرؤيا لا يجب ان يكون مطابقا للرؤيا، حسب الصورة والصفة من كل الوجوه، فسجود الكواكب والشمس و القمر، تعبيره تعظيم الاكابر من الناس له. و لا شك ان ذهاب يعقوب مع اولاده من كنعان الى مصر لاجل نهاية التعظيم له فيكفي هذا القدر في صحة الرؤيا، فاما ان يكون التعبير في الصفة والصورة فلم يقل بوجوبه احد من العقلاء. الوجه الخامس في الجواب - لعل الفعل الدال على التحية و الاكرام في ذلك الوقت، هو السجود، فكان مقصودهم من السجود تعظيمه، وهو في غاية البعد، لأن المبالغة في التعظيم كان أليق بيوسف منها بيعقوب. فلو كان الامر كما قلتم لكان من الواجب ان يسجد يوسف ليعقوب. الوجه السادس فيه - ان يقال لعل اخوته حملتهم الانفة والاستعلاء على ان يسجدوا له، على سبيل التواضع، و علم يعقوب انهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سببا لثوران الفتن وظهور الاحقاد القديمة مع كونها، فهو عليه السلام مع جلالة قدره و عظيم حقه بسبب الابوة والتقدم في النبوة، فعل ذلك السجود حتى تصير مشاهدتهم لذلك، سببا لزوال تلك الانفة والنفرة عن قلوبهم. الا ترى ان السلطان الكبير إذا نصب محتسبا، فإذا اراد تربيته مكنه من اقامة الحسبة عليه، ليصير ذلك سببا في ان لا يبقى في قلب احد منازعة ذلك المحتسب في اقامة الحسبة، فكذلك هاهنا. الوجه السابع - لعل الله تعالى امر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها الا هو، كما امر الملائكة بسجودهم لآدم لحكمة لا يعرفها الا هو

[ 226 ]

ويوسف عليه السلام ما كان راضيا بذلك في قلبه، الا انه لما علم ان الله امره بذلك سكت، انتهى. اقول: افعال الانبياء عليهم السلام غير محتاجة الى هذه التكلفات، لان النبي لا ينطق عن الهوى. وهذا السجود الذي رآه يوسف (ع) في المنام، ومنام الانبياء نوع من الوحي. فما اوحي الى يوسف في المنام اوحاه الى يعقوب في اليقظة، كما ان رؤيا ابراهيم ذبح ولده، صار سببا لوجوب ذلك الذبح عليه في اليقظة. وسواء كان ذلك السجود ليوسف (ع) أو لله تعالى شكرا على الوجدان أو غير ذلك لا اشكال فيه، لان السجود ليوسف إذا كان بأمر الله تعالى فهو سجود لله، لانه وقع امتثالا لامره كالسجود الى القبلة دون باقي الجهات. والله اعلم ورسوله واهل بيته المعصومون سلام الله عليهم اجمعين.

[ 227 ]

الباب العاشر في قصص ايوب عليه السلام قال الله تعالى في سورة الانبياء: (وايوب إذ نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه اهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين). وقال في سورة ص: (و اذكر عبدنا ايوب إذ نادى ربه اني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * و وهبنا له اهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث انا وجدناه صابرا نعم العبد انه أواب). قال امين الاسلام الطبرسي طاب ثراه: اي (واذكر ايوب) حين دعا (ربه) لما اشتدت المحنة به: (اني مسني الضر) اي نالني واصابني الجهد (وانت ارحم الراحمين). وهذا تعريض منه بالدعاء لازالة ما به من البلاء (بنصب و عذاب) اي متعب ومكروه و مشقة. وقيل بوسوسة، فيقول له طال من ضرك و لا يرحمك ربك. وقيل: بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى، وكيف زال ذلك كله طمعا ان يزله بذلك، فوجده صابرا مسلما لامر الله. وقيل: انه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان الى الناس ان يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه ان تدخل عليهم، فكان ايوب يتاذى بذلك ويتألم منه ولم يشك الالم الذي كان من امر الله.

[ 228 ]

قال قتادة: دام ذلك سبع سنين، و روي ذلك عن ابي عبد الله عليه السلام. (اركض برجلك) اي ادفع برجلك الارض (هذا مغتسل بارد و شراب) وفي الكلام حذف، اي فركض برجله فنبعت بركضته عين ماء. (وخذ بيدك ضغثا) و هو ملأ الكف من الشماريخ وما اشبه ذلك اي وقلنا له ذلك. وذلك انه حلف على امرأته لامر انكره من قولها ان عوفي ليضربنها مائة جلدة. فقيل له: خذ ضغثا بعدد ما حلفت فاضربها به دفعة واحدة. فانك إذا فلعت ذلك برت يمينك (ولا تحنث) اي يمينك. (وروي) عن ابن عباس انه قال: كان السبب في ذلك ان ابليس لقيها في صورة طبيب فدعته الى مداواة ايوب. فقال اداويه على انه إذا برء يقول انت شفيتني ولا اريد جزاءا سواه ؟ فقالت نعم، فأشارت الى ايوب بذلك فحلف ليضربنها (انه اواب) اي رجاع الى الله منقطع إليه. (روى العياشي) باسناده ان عباد المكي قال: قال لي سفيان الثوري: اني ارى لك من ابي عبد الله منزلة فاسأله عن رجل زنى وهو مريض فان اقيم عليه الحد خافوا ان يموت ما يقول فيه. فسألته فقال لي: هذه المسألة من تلقاء نفسك أو امرك بها انسان ؟ فقلت ان سفيان الثوري امرني ان اسألك عنها فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله اتي برجل احبن - يعنئ به الاستسقاء - قد استسقى وبدت عروقه وقد زنى بامرأة مريضة. فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فاتي بعرجون فيه شمراخ. فضرب به ضربة وخلى سبيله. رواه الصدوق في (الفقيه) بسند صحيح. (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان الله عز و جل يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميته ولا يبتليه بذهاب عقله، اما ترى ايوب كيف سلط ابليس على ماله وعلى ولده و على اهله و على كل شىء منه ولم يسلط على عقله، ترك له ليوحد الله به.

[ 229 ]

(وعنه) عليه السلام قال: يؤتى بالمرأة الحساب يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول يا رب حسنت وجهي حتى لقيت ما لقيت ؟ فيجاء بمريم عليها السلام فيقال انت احسن أو هذه قد حسناها فلم تفتتن. ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه، فيقول يا رب قد حسنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت ؟ فيجاء بيوسف صلى الله عليه فيقال: انت احسن أو هذا قد حسناه فلم يفتتن ؟ ويجاء بصاحب البلاء الذي قد اصابته الفتنة في بلائه فيقول: يا رب شددت على البلاء حتى افتتنت ؟ فيؤتى بأيوب صلى الله عليه فيقال: ابليتك اشد ام بلية هذا فقد ابتلى ولم يفتتن. (تفسير علي بن ابراهيم) باسناده الى الصادق عليه السلام قال أبو بصير: سألته عن بلية ايوب عليه السلام التي ابتلى بها في الدنيا لأي علة كانت ؟ قال: لنعمة انعم الله عليه بها في الدنيا، وادى شكرها. وكان في ذلك الزمان لا يحجب ابليس من دون العرش، فلما صعد و رأى شكر نعمة ايوب، حسده ابليس، فقال يا رب ان ايوب لم يؤد اليك شكر هذه النعمة الا بما اعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما ادى اليك شكر نعمة ابدا فقيل له: قد سلطتك على ماله و ولده، قال فانحدر مسرعا خشية ان تدركه رحمة الله عز و جل فلم يبق له مالا و ولدا الا اعطاه. فازداد ايوب لله شكرا وحمدا. قال فسلطني على زرعه ؟ قال: قد فعلت. فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق، فازداد ايوب لله شكرا وحمدا. فقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه ولسانه و سمعه. فنفخ فيه ابليس فصار قرحة واحده من قرنه الى قدمه. فبقى في ذلك دهرا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود. وكانت تخرج من بدنه فيردها ويقول لها: ارجعي الى موضعك الذي خلقك الله منه. فنتن حتى اخرجه اهل القرية من القرية و ألقوه في المزبلة خارج القرية، وكانت

[ 230 ]

امرأته: رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم صلوات الله عليهم وعليها تتصدق من الناس بما تجده. فلما طال عليه البلاء و رأى ابليس صبره، اتى اصحابا له كانوا في الجبال رهبانا وقال لهم مروا بنا الى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته، فركبوا بغالا شهبانا وجاءوا، فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فقرنوا بعضها الى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه، فقالوا: يا ايوب لو اخبرتنا بذنبك و ما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به احد الا من امر كنت تسره فقال ايوب: وعزة ربي انه ليعلم اني ما اكلت طعاما الا و على خواني يتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي امران كليهما طاعة الا اخذت باشدهما على بدني. فقال الشاب: سوأة لكم عمدتم الى نبي الله فعيرتموه حتى اظهر من عبادة ربه ما كان يسرها فقال ايوب: لو جلست مجلس الخصم منك لأدليت بحجتي فبعث الله إليه غمامه‍ فنطق فيها ناطق بعشرة آلاف لسان أو ستة آلاف لغة: يا ايوب ادل بحجتك فاني منك قريب ولم ازل قريبا قال فشد عليه مئزره وجثى على ركبتيه و قال: ابتليتني بهذه البلية وانت تعلم انه لم يعرض لي امران قط الا لزمت باحسنهما على بدني ولم آكل اكلة من طعام الا و على خواني يتيم قال: فقيل له: يا ايوب من حبب اليك الطاعة ؟ ومن صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون ؟ وتحمده و تسبحه و تكبره و الناس عنه غافلون ؟ أتمن على الله بما لله المن فيه عليك ؟ فاخذ التراب ووضعه في فيه، ثم قال: انت يا رب فعلت ذلك بي فانزل الله عليه ملكا، فركض برجله، فخرج الماء فغسله بذلك الماء، فعاد احسن ما كان، فانبت الله عليه روضة خضراء، و رد عليه اهله وماله وولده و زرعه، و قعد معه الملك يحدثه، فاقبلت امرأته معها الخبز اليابس، فلما انتهت الى الموضع، إذا الموضع متغير و إذا رجلان جالسان، فبكت وصاحت وقالت: يا ايوب ما دهاك ؟ فناداها ايوب فاقبلت، فلما رأته و قد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله شكرا، فرأى ذؤابتها مقطوعة، وذلك انها سألت قوما ان يعطوها ما تحمله الى ايوب من طعام، وكانت حسنة

[ 231 ]

الذؤابة، فقالوا لها تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك ؟ فقطعتها ودفعتها إليهم واخذت منهم طعاما لايوب. فلما رآها مقطوعة الشعر غضب و حلف عليها ان يضربها مائة. فأخبرته: انه كان سببه كيت و كيت، فاغتم ايوب من ذلك، فأوحى الله إليه: (فخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) فاخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة، فخرج من يمينه. ثم قال: (و وهبنا له اهله ومثلهم معهم) قال: فرد الله عليه اهله الذين ماتوا بعد ما اصابهم البلاء، كلهم احياهم الله فعاشوا معه. وسئل ايوب عليه السلام بعد ما عافاه الله اي شىء كان اشد عليك مما مر عليك ؟ قال: شماتة الاعداء. قال: فأمطر الله عليه في داره فراش الذهب وكان يجمعه، فإذا ذهب الريح بشىء عدا خلفه فرده، فقال له جبرائيل: اما تشبع يا ايوب ؟ قال: ومن يشبع من رزق ربه ؟. وعن ابن عباس: ان الله رد على المرأة شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ذكرا، وكان له سبعة بنين وسبع بنات احياهم الله له بأعيانهم. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: ابتلى ايوب سبع سنين بلا ذنب. (وعنه) عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى ابتلى ايوب عليه السلام بلا ذنب، فصبر حتى عير، وان الانبياء لا يصبرون على التعيير. (الامالي) باسناده الى الصادق عليه السلام: ان ايوب عليه السلام: مع جميع ما ابتلى به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة و لا خرجت منه مدة ولا دم و لا قيح و لا استقذره احد رآه ولا استوحش منه احد شاهده و لا تدود شىء من جسده، وهكذا يصنع الله عز و جل من يبتليه من انبيائه واوليائه المكرمين عليه، وانما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر امره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره، من التأييد و الفرج. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: اعظم الناس بلاءا: الانبياء، ثم الامثل

[ 232 ]

فالامثل و انما ابتلاه الله عز و جل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لكيلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما اراد الله ان يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه وليستدلوا بذلك على ان الثواب من الله تعالى، على ضربين، استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه وليعلموا انه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء كيف يشاء بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء و سعادة لمن شاء، وهو عز و جل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في افعاله، لا يفعل بعباده الا الاصلح لهم و لاقوة الا به. اقول: هذا الحديث كما قاله شيخنا المحدث ابقاه الله تعالى اوفق باصول متكلمي الامامية: من كونهم عليهم السلام منزهين عما يوجب تنفر الطبائع عنهم، فتكون الاخبار الاخر محمولة على التقية، لموافقتها روايات العامة، لكن اقامة الدليل على نفي ذلك عنهم، ولو بعد ثبوت نبوتهم وحجتهم، لا يخلو من اشكال مع ان الاخبار الدالة على ثبوتها اكثر و اصح، وبالجملة للتوقف فيه مجال. وقال السيد الاجل علم الهدى قدس الله ضريحه: فان قيل: افتصححون ما روي من ان الجذام اصابه حتى تساقطت اعضاؤه. قلنا: اما العلل المستقذرة التي تنفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام، فلا يجوز شىء منها على الانبياء عليهم السلام لما تقدم ذكره، لان النفور ليس يوافق على الامور القبيحة بل قد يكون من الحسن و القبيح معا وليس ينكر ان تكون امراض ايوب عليه السلام واوجاعه و محنه في جسمه ثم في اهله و ماله، بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم والالم على ما ينال المجذوم وليس ينكر تزايد الالم فيه عليه السلام وانما ينكر ما اقتضى التنفير. (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان الله عز و جل لما عافى ايوب نظر الى بني اسرائيل قد ازدرعوه. فرفع طرفه الى السماء فقال: إلهي وسيدي عبدك ايوب المبتلى عافيته ولم يزدرع شيئا وهذا لبني اسرائيل زرع فأوحى

[ 233 ]

الله عز و جل إليه: يا ايوب خذ سبحتك كفا فابذره. وكانت سبحته فيها ملح، فاخذ ايوب كفا فبذره فخرج هذا العدس وانتم تسمونه الحمص ونحن نسميه العدس. (معاني الاخبار) معنى ايوب من آب يؤب وهو انه يرجع الى العافية و النعم و الاهل و المال و الولد بعد البلاء. و قال الصادق عليه السلام: ما سأل ايوب العافة في شىء من بلائه. اقول: رد السيد: الاخبار الواردة بان الشيطان تسلط على ايوب و اهلك ماله و غنمه و اولاده و نفخ في بدنه و جعله قرحة واحدة. و قال: ان ابليس لا يقدر على ان يقرح الاجساد و لا يفعل الامراض، وانما الله سبحانه هو الذي اوجد المرض في بدن ايوب عليه السلام امتحانا له وتعريضا بالثواب من حيث الصبر على الاوجاع والاسقام. ولا يخفى ما يرد على هذا الكلام ولا نرى فرقا بين ما صدر من الاشقياء بالنسبة الى الانبياء والائمة عليهم السلام. حيث خلاهم الله تعالى و انفسهم نظرا الى مصلحة التكليف ففعلوا ما فعلوا من قتلهم وايصال الاوجاع الى ابدانهم و بين ما اتاه الشيطان بالنسبة الى ايوب و اولاده و امواله. و اما التسلط المنفي في الآية فهو انما يكون بالنسبة الى الاديان لا الابدان. قال الثعلبي في (العرائس): قال وهب و كعب و غيرهما من اهل الكتاب كان ايوب النبي عليه السلام رجلا من الروم وكان مكتوبا على جبهته المبتلى الصابر. و هو ايوب بن اموص بن دارح بن روم بن عيص بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام و كانت امه من ولد لوط بن هاران عليه السلام وكانت له البسة بلدة من بلاد الشام. و كان له فيها من اصناف المال من الابل و البقر و الخيل و الغنم و كان برا تقيا رحيما و كان يحترز من الشيطان و كيده و كان معه ثلاثة قد آمنوا به و صدقوه، رجل من اهل اليمن يقال له اليفن، و رجلان من اهل بلاده بلدد و صافن. قال وهب: ان لجبرئيل عليه السلام بين يدي الله مقاما ليس لاحد من الملائكة في القربة والفضيلة وان جبرائيل عليه السلام هو الذي يتلقى الكلام، فإذا

[ 234 ]

ذكر الله تعالى عبدا بخير تلقاه جبرائيل عليه السلام ثم لقاه ميكائيل وحوله الملائكة المقربون حافين من حول العرش، فإذا شاع ذلك في الملائكة المقربين شاعت الصلوات على ذلك العبد من اهل السماوات فإذا صلت عليه ملائكة السماوات هبطت عليه بالصلاة الى ملائكة الارض. وكان ابليس لعنه الله، لا يحجب عن شىء من السماوات و كان يقف فيهن حيث ما اراد و وصل الى آدم حين اخرجه من الجنة، فلم يزل على ذلك يصعد، حتى رفع الله تعالى عيسى، فحجب من اربع و كان يصعد في ثلاث. فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله حجب الثلاثة الباقية فهو و جنوده محجوبون من جميع السماوات الى يوم القيامة (الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين). فلما سمع ابليس تجاوب الملائكة بالصلاة على ايوب عليه السلام و ذلك حين ذكره الله تعالى واثنى عليه، فأدركه البغي و الحسد فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه فقال يا إلهي نظرت في امر عبدك ايوب فوجدته عبدا انعمت عليه فشكرك فعافيته فحمدك ثم لم تجربه بشدة و بلاء و انا لك زعيم لئن ضربته ببلاء ليكفرن بك ولينسينك ؟ فقال الله تعالى: انطلق فقد سلطتك على ماله، فانقض عدو الله حتى وقع الى الارض ثم جمع عفاريت الشياطين وعظمائهم فقال ماذا عندكم من القوة والمعرفة فاني سلطت على مال ايوب و هي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال فقال عفريت من الشياطين اعطيت من القوة إذا شئت تحولت اعصارا من نار و احرقت كل شىء اتى عليه، قال له ابليس فأت الابل ورعاتها. فانطلق يؤم الابل وذلك حتى وضعت رؤوسها في مراعيها فلم يشعر الناس حتى فار من تحت الارض اعصار من نار تنفخ منها ارواح السموم لا يدنو منها شىء الا احترق فلم يزل يحرقها و رعاتها حتى اتى على آخرها فلما اتى على آخرها تمثل ابليس براعيها ثم انطلق يؤم ايوب حتى وجده قائما يصلي فقال يا ايوب قال: لبيك قال هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترته و عبدته بابلك و رعاتها ؟ قال

[ 235 ]

ايوب انها ماله اعارنيه و هو اولى به إذا شاء تركه وان شاء نزعه، وقديما ما وطنت نفسي ومالي على الفناء. فقال ابليس وان ربك ارسل عليها نارا من السماء فاحترقت كلها فترك الناس مبهوتون وقوفا عليها متعجبون منها. منهم من يقول ما كان ايوب يعبد شيئا وما كان الا في غرور. و منهم من يقول: لو كان اله ايوب يقدر على ان يصنع شيئا، لمنع وليه. ومنهم من يقول: بل هو الذي فعل ما فعل يشمت به عدوه ويفجع به صديقه. قال ايوب: الحمد لله حين اعطاني و حين نزع مني، عريانا خرجت من بطن امي وعريانا اعود في التراب و عريانا احشر الى الله تعالى. ليس ينبغي لك ان تفرح حين اعارك الله وتجزع حين قبض عاريته. الله اولى بك وبما اعطاك، ولو علم الله فيك ايها العبد خيرا لقبض روحك مع الارواح فآجرني فيك وصرت شهيدا ولكنه علم منك شرا فخلصك من البلاء. فرجع ابليس الى اصحابه خاسئا ذليلا فقال لهم ماذا عندكم من القوة فاني لم اكلم قلبه ؟ قال عفريت من عظمائهم عندي من القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح الا خرجت نفسه. قال له ابليس فأت الغنم ورعاتها فانطلق حتى إذا توسطها صاح صوتا فماتت من عند آخرها ومات رعاتها، ثم خرج متمثلا بقهرمان الرعاة حتى إذا جاء ايوب وهو قائم يصلي فقال له القول الاول و رد عليه ايوب الرد الاول. ثم ان ابليس رجع الى اصحابه فقال لهم ماذا عندكم من القوة فاني لم اكلم قلب ايوب فقال عفريت من عظمائهم عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا تنسف كل شىء فآتي عليه حتى لا ابقي شيئا. قال له ابليس فأت الفدادين و الحرث فانطلق يؤمهم وذلك حين قرنوا الفدادين وانشأوا في الحرث واولادها وقوع فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شىء من ذلك حتى كأنه لم يكن، ثم خرج ابليس متمثلا بقهرمان الحرث حتى جاء ايوب وهو قائم يصلي فقال له مثل القول الاول و رد عليه ايوب مثل رده الاول.

[ 236 ]

فجعل ابليس يصيب ما له مالا حتى مر على آخره بالهلاك، وهو يحمد الله ويشكره على البلاء. فلما رأى ابليس انه لم ينجح منه بشىء، صعد سريعا الى موقفه فقال إلهي ان ايوب يرى انك ما متعته بنفسه وولده فأنت معطيه المال، فهل انت مسلطي على ولده فانها الفتنة المضلة والمصيبة التي لا يقوى عليها صبر الرجال ! فقال انطلق فقد سلطتك على ولده. فانقض حتى جاء بني ايوب في قصرهم فلم يزل يزلزل بهم حتى تهدم قواعده ثم جعل يناطح جداره بعضها ببعض ويرميهم بالحجارة حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع بهم القصر وقلبه فصاروا منكبين، وانطلق الى ايوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة، وهو جريح يسيل دمه وقال يا ايوب لو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف قلبوا على رؤوسهم تسيل دماؤهم ودماغهم من انوفهم ولو رأيت كيف شقت بطونهم وتناثرت امعاؤهم لتقطع قلبك فلم يزل يقول هذا حتى رق ايوب واخذ قبضة من التراب فوضعها على رأسه، فاغتنم ابليس ذلك، فصعد سريعا بالذي كان من جزع ايوب مسرورا. ثم لم يلبث به ايوب ان رجع الى ربه فتاب واستغفر، وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته، فبدروا ابليس الى الله تعالى فوقف ابليس خاسئا ذليلا فقال يا إلهي انما هون على ايوب ما ذهب منه، انك متعته بنفسه، فهل انت مسلطه على جسده فانك ان ابتليته في جسده كفر بك فقال الله عزوجل: انطلق فقد سلطتك على جسده ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله. ولم يسلطه سبحانه عليه إلا ليعظم له الثواب وجعله عبرة للصابرين و ذكرى للعابدين في كل بلاء نزل ليأنسوا به بالصبر ورجاء الثواب. فانقض عدو الله سريعا فوجد ايوب (ع) ساجدا فأتاه في موضع في وجهه فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده وصار قرحة واحدة ووقعت فيه حكة لا يملكها، فحك بدنه بالفخار والحجارة، فلم يزل يحك بدنه حتى تقطع لحمه وتغير وانتن فأخرجه اهل القرية فجعلوه على كناسة وجعلوا له عريشا ورفضه خلق الله كلهم. غير امرأته رحمة بنت افرائيم بن يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم

[ 237 ]

صلوات الله عليه نبينا وآله وعليهم السلام وكانت تختلف إليه بما يصلحه، وكان له اصحاب ثلاثة فاتهموه ورفضوه من غير ان يفارقوا دينه واخذوا في لومه وتعنيفه وكان من بينهم شاب فلامهم على ما كان منهم وما عيروا به ايوب حتى قال لهم: انكم اشد علي من مصيبتي. ثم اعرض عنهم وقال: يا رب لأي شىء خلقتني ؟ يا ليتني عرفت الذنب الذي اذنبت والعمل الذي عملت ؟ فصرفت وجهك الكريم عني لو كنت امتني فالحقتني بآبائي ؟ فالموت كان اجمل بي ألما للغريب دارا وللمسكين قرارا ولليتيم وليا وللارملة قيما، الهي انا عبد ذليل ان احسنت فالمن لك وان اسأت فبيدك عقوبتي، جعلتني للبلاء غرضا ولو وقع علي بلاء لو وقع على جبل ضعف عن حمله فكيف يحمله ضعفي ؟ الهي تقطعت اصابعي فاني لأرفع اللقمة من الطعام بيدى معا فما تبلغان فمي الا على الجهد مني ؟ تساقطت لهواتي ولحم رأسي وان دماغي ليسيل من فمي ؟ تساقط شعر عيني فكأنما احرق بالنار وجهي وحدقتاي متدليان على خدي وورم لساني حتى ملأ فمي فما ادخل منه طعاما الا غصني و ورمت شفتاي حتى غطت العليا انفي والسفلى ذقني، وتقطعت امعائي في بطني فاني لادخلها الطعام فيخرج كما ذهب المال ؟ فصرت اسأل بكفي فيطعمني من كنت اعوله اللقمة الواحدة فيمنها علي ويعيرني ؟ هلك اولادي فلو بقي احد منهم اعانني على بلائي ؟ ملني اهلي وعقني ارحامي وتنكرت معارفي ؟ وان سلطانك هو الذي اسقمني وانحل جسمي ؟ ولو ان ربي نزع الهيبة من صدري واطلق لساني حتى اتكلم بملأ فمي بمكان ينبغي للعبد ان يحاج عن نفسه لرجوت ان يعافيني عند ذلك مما بي ولكنه القاني وتعالى عني فهو يراني ولا اراه ولا نظر إلي فرحمني ولا دنا مني ولا ادناني فأتكلم ببرأتي واخاصم عن نفسي. فلما قال ذلك ايوب عليه السلام واصحابه عنده اظلته غمام، ثم نودي: يا ايوب ان الله عز و جل يقول لك: ها انا قد دنوت منك ولم ازل منك قريبا، فقم فادل بعذرك وتكلم ببرأتك وخاصم نفسك واشدد ازارك وقم مقام جبار فانه لا

[ 238 ]

ينبغي ان يخاصمني الا جبار مثلي ولا يمكن ان يخاصمني الا من يجعل الزيار في فم الاسد والسخال في فم العنقاء واللجام في فم التنين ويكيل مكيالا من النور ويزن مثقالا من الريح ويصر صرة من الشمس ويرد امس لقد منتك نفسك امرا ما تبلغ بمثل قوتك اردت ان تخاصمني بعيك ام اردت ان تكابرني بضعفك اين انت مني يوم خلقت الارض فوضعتها على اساسها ؟ هل علمت بأي مقدار قدرتها ؟ ام كنت معي ؟ ام كنت تمتد بأطرافها ؟ ام تعلم ما بعد زواياها ؟ ام على اي شىء وضعت اكنافها ؟ ابطاعتك حمل الماء الارض ؟ ام بحكمك كانت الارض للماء غطاء ؟ اين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا بعلائق ولا تحملها دعم من تحتها ؟ يبلغ من حكمك ان تجري نورها ؟ أو تسير نجومها ؟ أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها اين كنت مني يوم سخرت البحار ؟ وانبعت الانهار ؟ اقدرتك حبست امواج البحار على حدودها ؟ ام قدرتك فتحت الارحام حين بلغت مدتها ؟ اين انت مني يوم صببت الماء على التراب ؟ ونصبت شوامخ الجبال ؟ هل لك من ذراع تطيق حملها ام هل تدري كم مثقال فيها ؟ اين الماء الذي انزل من السماء ؟ احكمتك احصت القطر ؟ وقسمت الارزاق ؟ ام قدرتك تثير السحاب وتجري الماء ؟ هل تدرى ما اصوات الرعود ؟ ام من اي شىء لهب البرق ؟ وهل رأيت عمق البحر ؟ هل تدري ما بعد الهواء ؟ هل تدري اين خزانة الثلج ؟ واين خزانة البرد ؟ ام اين جبال البرد ؟ ام هل تدري اين خزانة الليل والنهار ؟ واين طريق النور وبأي لغة تتكلم الاحجار ؟ واين خزانة الريح ؟ وكيف نحبسه ؟ ومن جعل العقول في اجواف الرجال ؟ ومن شق الاسماع والابصار. فقال ايوب عليه السلام: قصرت عن هذا الامر الذي تعرض علي، ليت الارض انشقت لي فذهبت فيها، ولم اتكلم بشىء يسخط ربي اجتمع علي البلاء. إلهي قد جعلتني لك مثل العدو وقد كنت تكرمني وتعرف نصحي، وقد علمت ان كل الذي ذكرت صنع يدك وتدبير حكمتك، وانما تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني، كلمة زلت عن لساني، فلن اعود وقد

[ 239 ]

وضعت يدي في فمي وعضضت لساني والصقت بالتراب خدي فاغفر لي ما قلت فلن اعود لشىء تكرهه مني. فقال الله تعالى: يا ايوب نفذ فيك علمي وسبقت رحمتي غضبي، إذا اخطأت فقد غفرت لك ورددت عليك اهلك ومالك (ومثلهم معهم) لتكون لمن خلفك آية وتكون عبرة لأهل البلاء وعزا للصابرين (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها واغتسل، فأذهب الله تعالى كل ما كان فيه من البلاء. ثم خرج وجلس، فأقبلت امرأته فقامت تلمسه في مضجعه فلم تجده، فقامت مترددة كالوالهة، ثم قالت: يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان هاهنا ؟ فقال لها: هل تعرفينه إذا رأيتيه ؟ قالت: نعم وما لي لا اعرفه، فتبسم وقال: انا هو، فعرفته بمضحكه فاعتنقته. فذلك قوله: (وايوب إذ نادى ربه اني مسني الضر..) واختلف العلماء فى وقت نداءه ومدة بلاءه والسبب الذي قال من اجله: (اني مسني الضر...). فعن انس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان ايوب نبي الله لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد الا رجلين من اخوانه، وكان يخرج لحاجته، فإذا قضى حاجته، امسك امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، واوحى الى ايوب في مكانه: (اركض برجلك). وقال الحسن: مكث ايوب عليه السلام مطروحا على كناسة في مزبلة لبني اسرائيل سبع سنين واشهر، تختلف فيه الدواب. ولم يبق له مال ولا ولد و لا صديق غير رحمة وهي زوجته، صبرت معه، وايوب لا يفتر من ذكر الله والثناء عليه. فصرخ ابليس صرخة جمع فيها جنوده من اقطار الارض جزعا من صبر ايوب عليه السلام فلما اجتمعوا إليه قالوا ما حزنك ؟ قال اعياني هذا العبد الذي سألت الله ان يسلطني عليه وعلى ماله، فلم يزد بذلك الا صبرا وثناءا على الله تعالى فقد افتضحت بربي فاستغثت لتغيثوني عليه ؟ فقالوا له اين مكرك اين علمك الذي اهلكت به من مضى ؟ قال بطل ذلك كله في امر ايوب (ع) فأشيروا علي ؟ قالوا

[ 240 ]

نشير عليك أرأيت آدم حين اخرجته من الجنة من اين اتيته ؟ قال من قبل امرأته، قالوا فانه من قبل امرأته فانه لا يستطيع ان يعصيها وليس احد يقربه غيرها قال اصبتم فانطلق حتى اتى امرأته وهي تصدق، فتمثل لها في صورة رجل فقال اين بعلك يا امة الله ؟ قالت هو ذلك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده، فلما سمعها طمع ان تكون كلمة جزع، فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال وذكرها جمال ايوب وشبابه و ما هو فيه من الضر وان ذلك لا ينقطع عنهم ابدا. قال الحسن: فصرخت، فلما صرخت علم انها قد جزعت، فأتاها بسخلة فقال لتذبح هذه الى ايوب ولا يذكر عليه إسم الله عز وجل فانه يبرأ. قال: فجاءت تصرخ: يا ايوب حتى متى يعذبك ربك ألا يرحمك ؟ اين المال ؟ اين الولد ؟ اين لونك الحسن ؟ قد تغير و قد صار مثل الرماد، اذبح هذه السخلة واسترح. قال ايوب: اتاك عدو الله فنفخ فيك واجبتيه، ويلك أرأيت ما كنا فيه من المال والولد والصحة ؟ من اعطانيه ؟ قالت: الله. قال: فكم متعنا به ؟ قالت: ثمانون سنة. قال: فمذ كم ابتلاني الله تعالى بهذا البلاء ؟ قالت: منذ سبع سنين واشهر قال: ويلك ما عدلت وما انصفت ربك، الا صبرت في البلاء الذي ابتلانا الله به ثمانين سنة، كما كنا في الرخاء ثمانين سنة، والله لئن شفاني الله عز وجل لأجلدنك مائة جلدة، حين امرتني ان اذبح لغير الله طعامك وشرابك الذي اتيتني به علي حرام ان اذوق مما تأتيني بعد إذ قلت لي هذا فاغربي عني، فلا اراك، فطردها فذهبت. فلما نظر ايوب عليه السلام الى امرأته قد طردها وليس عنده طعام ولا شراب خر ساجدا وقال: (اني مسني الضر) ثم ردد ذلك الى ربه فقال: (وانت ارحم الراحمين) فقيل له: ارفع رأسك فقد استجيب لك (اركض برجلك) فركض برجله، فنبعت عين فاغتسل منها، فأذهب الله تعالى عنه كل ألم، و عاد إليه شبابه وجماله احسن ما كان، ثم ضرب برجله فنبعت عين اخرى، فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء الا خرج، فقام صحيحا وكسي حلة، فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما

[ 241 ]

كان له من اهل ومال، الا وقد اضعفه الله تعالى، فجلس على مكان مشرف. ثم ان امرأته قالت: ارأيت ان كان كان طردني الى من اكله ؟ ادعه يموت جزعا ويضيع فتأكله السباع فرجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحالة التي كانت فجعلت تبكي على ايوب، وهابت صاحب الحلة ان تأتيه فتسأله عنه فدعاها ايوب فقال: ما تريدين يا امة الله ؟ فبكت وقالت: اردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذا على الكناسة لا ادري اضاع ام ما فعل ؟ قال لها: فهل تعرفينه إذا رأيتيه ؟ فقالت: اما انه كان اشبه خلق الله بك إذا كان صحيحا قال: فاني ايوب الذي امرتني ان اذبح لابليس واني اطعت الله تعالى وعصيت الشيطان، ودعوت الله تعالى فرد علي ما ترين. وقيل: ان ابليس تعرض لرحمة وقال: لو ان ايوب سجد لي سجدة واحدة لرددت عليه كلما اخذت منه، وانا إله الارض وانا الذي صنعت بأيوب ما صنعت. واراها اولادها والمال في بطن الوادي. وقال وهب: ان ابليس قال لرحمة لو ان صاحبك اكل طعاما و لم يسم عليه، لعوفي مما به من البلاء. ورأيت في بعض الكتب: ان ابليس لعنه الله قال لرحمة: وان شئت فاسجدي لي سجدة واحدة، حتى ارد عليك المال والاولاد واعافي زوجك فرجعت الى ايوب فاخبرته بما قال لها قال: لقد اتاك عدو الله ليفتنك عن دينك، ثم اقسم ان عافاه الله تعالى ليضربها مائة جلدة، وقال عند ذلك: (مسني الضر) في طمع ابليس في سجود رحمة له و دعائه اياها. وقيل: انما قال ذلك: حين قصدت الدود قلبه ولسانه فخشي ان يبقى خاليا من الذكر والفكر. وقيل: انما قال ذلك: حين وقعت الدودة في فخذه، فرفعها وردها الى موضعها فقال لها: قد جعلني الله طعامك، فعضته عضة زاد المها على جميع ما قاسى من عض الديدان. وقيل: انما قال ذلك: عند شماتة الاعداء، فقال: (رب اني مسني الضر) يعني شماتة الاعداء.

[ 242 ]

يدل عليه ما روي انه قيل له بعد ما عوفي: ما كان اشد عليك في بلائك ؟ قال: شماتة الاعداء. اقول: شماتة الاعداء اعظم المصائب والمحن لانه عذاب روحاني وغيره عذاب جسماني، والروح الطف الاعضاء وارقها. وقد ورد في الحديث: ان اهل جهنم يكتمون عذاب النار حذرا من شماتة اهل الجنة. الباب الحادي عشر في قصص شعيب عليه السلام قال الله تعالى: (والى مدين اخاهم شعيبا * قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فاوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم موقنين * ولا تقعدوا بكل صراط توعدون * وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين...) الايات. قال امين الاسلام الطبرسي في قوله تعالى: (والى اهل مدين) اي اهل مدين أو هو اسم القبيلة. قيل ان مدين بن ابراهيم الخليل، فنسب القبيلة إليه. قال عطاء: هو شعيب بن نوبة بن مدين بن ابراهيم، وكان خطيب الانبياء لحسن مراجعة قومه وهم اصحاب الايكة. وقال قتادة: ارسل شعيب مرتين الى اهل مدين مرة، والى اصحاب الايكة مرة (واوفوا الكيل والميزان) اي ادوا حقوق الناس على التمام في المعاملات.

[ 243 ]

(ولا تبخسوا الناس اشياءهم) اي لا تنقصوهم حقوقهم. (و لا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها) اي لا تعملوا في‌الارض بالمعاصي واستحلال المحرمات، بعد ان اصلحها الله بالامر والنهي وبعثة الانبياء. (ولا تقعدوا) فانهم كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيبا للايمان به، فيخوفونه بالقتل، أو انهم كانوا يقطعون الطريق فنهاهم عنه. (وتبغونها عوجا) بان تقولوا هو باطل. (فكثركم) اي كثر عددكم. قال ابن عباس: وذلك ان مدين بن ابراهيم تزوج بنت لوط، فولدت، حتى كثر اولادها. (علل الشرايع) باسناده الى انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بكى شعيب من حب الله عز و جل حتى عمى، فرد الله عز و جل عليه بصره، ثم بكى حتى عمى، فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمى، فرد الله عليه بصره. فلما كانت الرابعة اوحى الله إليه: يا شعيب الى متى يكون هذا ابدا منك ان يكن هذا خوفا من النار فقد اجرتك وان يكن شوقا الى الجنة فقد ابحتك فقال: إلهي وسيدي انت تعلم اني ما بكيت خوفا من نارك ولا شوقا الى جنتك، ولكن عقد حبك في قلبي فلست اصبر أو اراك فأوحى الله جل جلاله إليه: اما إذا كان هكذا فمن اجل هذا، سأخدمك كليمي موسى بن عمران. قال الصدوق رحمه الله: يعني بذلك: لا ازال ابكي أو اراك قد قبلتني حبيبا. وقال شيخنا المحدث ابقاه الله تعالى: كلمة أو بمعنى الى ان، أو الا ان، اي الى ان يحصل لي غاية العرفان والايقان المعبر عنها بالرؤية وهي رؤية القلب لا البصر. و الحاصل طلب كمال المعرفة بحسب الاستعداد والقابلية والوسع والطاقة انتهى. و الاظهر ان يقال المراد بقوله: أو اراك. الى ان اراك بعد الموت، يعني اني ابكي على حبك و لا افتر عن البكاء حتى القاك، كمن غاب عن حبيبه فهو يبكي على حبيبه لاجل فراقه الى ان يلقاه. فهذه معان ثلاثة والحديث حمال اوجه، وما قاله نبي الله شعيب (ع)، هو

[ 244 ]

الذي قاله امير المؤمنين عليه السلام: ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك. و عن علي بن الحسين عليه السلام: قال اول من عمل المكيال والميزان شعيب النبي عليه السلام عمله بيده، فكانوا يكيلون ويوفون، ثم انهم بعد ان طففوا في المكيال والميزان و بخسوا في الميزان فاخذتهم، الرجفة فعذبوا بها (فأصبحوا في ديارهم جاثمين). قال الطبرسي في قوله تعالى: (فاخذتهم الرجفة) اي الزلزلة. وقيل: ارسل الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم، فدخلوا اجواف البيوت فدخل عليهم البيوت فلم ينفعهم ظل ولا ماء وانضحهم الحر، فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فنادوا عليكم بها فخرجوا الى البرية فلما اجتمعوا تحت السحابة، الهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الارض فاحترقوا كما يحترق الجراد وصاروا رمادا، وهو عذاب يوم الظلة. عن ابن عباس وغيره من المفسرين. وقيل: بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا بها، عن ابي عبد الله. وقيل: انه كان لشعيب قومان، قوم اهلكوا بالرجفة وقوم هم اصحاب الظلة. (قصص الانبياء) للراوندي من علمائنا، رواه باسناده الى سهل بن سعيد، قال: بعثني هشام بن عبد الملك استخرج له بئرا في رصافة عبد الملك فحفرنا منها مائتي قامة، ثم بدت لنا جمجمة رجل طويل، فحفرنا ما حولها، فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض وإذا كفه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه، فكنا إذا نحينا يده عن رأسه سالت الدماء وإذا تركناها عاده فسدت الجرح، وإذا في ثوبه مكتوب: انا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي عليه السلام الى قومه، فضربوني وطرحوني في هذا الجب وهالوا علي التراب. فكتبنا الى هشام ما رأيناه، فكتب اعيدوا عليه التراب كما كان واحتفروا في مكان آخر. (كنز الفوائد) للكراجكي: عن عبد الرحمن بن زياد الافريقي قال: خرجت

[ 245 ]

بافريقية مع عم لي الى مزدرع لنا فحفرنا موضعا فاصبنا ترابا هشا فحفرنا عامة يومنا حتى انتهينا الى بيت كهيئة الاذج، فإذا فيه شيخ مسجى وإذا عند رأسه كتابة فقرأتها فإذا هي: انا حسان بن سنان الاوزاعي رسول شعيب النبي عليه السلام الى اهل هذه البلاد، دعوتهم الى الايمان بالله فكذبوني وحبسوني في هذا الحفر الى ان يبعثني الله واخاصمهم يوم القيامة. وذكروا ان سليمان بن عبد الملك مر بوادي القرى فامر ببئر يحفر فيه ففعلوا فانتهى الى صخرة، فاستخرجت فإذا تحتها رجل عليه قميصان واضع يده على رأسه، فجذبت يده، فشج مكانها بدم، ثم تركت فرجعت الى مكانها فرقا الدم فإذا معه كتاب فيه: انا الحارث بن شعيب الغساني رسول شعيب الى اهل مدين فكذبوني وقتلوني. وقال وهب: بعث الله شعيبا الى اهل مدين، ولم يكونوا قبيلة شعيب التي كان منها ولكنهم كانوا امة من الامم بعث إليهم شعيب، وكان عليهم ملك جبار ولا يطيقه احد من ملوك عصره، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس اشياءهم مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيه، وكانوا يستوفون إذا إكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها، وكانوا في سعة من العيش، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص المكاييل والموازين، ووعظهم شعيب، فأرسل إليه الملك، ما تقول ما صنعنا، اراض انت ام ساخط ؟ فقال شعيب: اوحى الله تعالى إلي: ان الملك إذا صنع مثل ما صنعت، يقال له: ملك فاجر، فكذبه الملك واخرجه وقومه من المدينة. قال الله تعالى حكاية عنهم: (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا فزادهم شعيب في الوعظ فقالوا يا شعيب اصلاتك تأمرك، ان نترك ما يعبد آباؤنا أو ان نفعل في اموالنا ما نشاء) فأذوه بالنفي من بلادهم، فسلط الله عليهم الحر و الغيم، حتى انضجهم الله، فلبثوا فيه تسعة ايام وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه فانطلقوا الى غيضة لهم، وهو قوله تعالى: (واصحاب الايكة) فرفع الله لهم سحابة سوداء، فاجتمعوا في ظلها، فارسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم

[ 246 ]

ينج احد منهم، وذلك قوله تعالى: (فأخذهم عذاب يوم الظلة). فلما اصاب قومه ما اصابهم، لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة، فلم يزالوا بها حتى ماتوا. والرواية الصحيحة: ان شعيبا عليه السلام صار منها الى مدين، فأقام بها، وبها لقيه موسى بن عمران صلوات الله عليهما. و عن علي عليه السلام قال: قيل له: يا امير المؤمنين حدثنا ؟ قال: ان شعيب النبي عليه السلام دعا قومه الى الله حتى كبر سنه ودق عظمه، ثم غاب عنهم ما شاء الله، ثم عاد إليهم شابا، فدعاهم الى الله عز و جل. فقالوا ما صدقناك شيخا فكيف نصدقك شابا ؟. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: لم يبعث الله عز وجل من العرب الا خمسة انبياء هودا وصالحا واسماعيل وشعيبا ومحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله و عليهم، وكان شعيب بكاءا. (الكافي) عن ابي جعفر عليه السلام قال: اوحى الله الى شعيب: اني معذب من قومك مائة الف، اربعين الف من شرارهم وستين الف من خيارهم، فقال عليه السلام: يا رب هؤلاء الاشرار، فما بال الاخيار ؟ فأوحى الله عز و جل إليه: داهنوا اهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي. وعن ابن عباس رضي الله عنه: عاش شعيب صلوات الله عليه: مائتين واثنين واربعين سنة. وقال مجاهد: عذاب يوم الظلة هو: إظلال العذاب لقوم شعيب. وقال بريد بن اسلم في قوله تعالى: (يا شعيب أصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا أو ان نفعل في اموالنا ما نشاء) قال: مما كان نهاهم عنه قطع الدراهم، انتهى.

[ 247 ]

الباب الثاني عشر في قصص موسى وهارون على نبينا وآله وعليهما السلام. وفيه فصول: الفصل الاول (فيما يشتركان فيه من علل التسمية والفضائل) قال الله تعالى: (و لقد آتينا موسى الكتاب و قفينا من بعده بالرسل). الى غير ذلك من الايات الكثيرة. قال المفسرون: موسى اسم مركب من اسمين بالقبطية، ف‍ (مو) هو الماء و (سى) الشجر، وسمي بذلك لان التابوت الذي كان فيه موسى وجد عند الماء والشجر، وجدته جواري آسية وقد خرجن ليغتسلن. وهو موسى بن عمران بن يصهر بن يافث بن لاوى بن يعقوب. واختلف في اسم ام موسى وهارون. فقال محمد بن اسحاق: نخيب. وقيل: افاحية. وقيل: يوخابيد، وهو المشهور. اقول: وهو الذي وجدته في التوراة المعربة في البصرة سنة الخامسة والتسعين بعد الالف، بعد انصرافي من حج البيت. تفسير علي بن ابراهيم، باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام في خبر المعراج، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثم صعدنا الى السماء الخامسة فإذا هي رجل كهل

[ 248 ]

عظيم العين، حوله ثلة من امته، فاعجبني كثرتهم، فقلت من هذا يا جبرئيل ؟ فقال: هذا المجيب في قومه، هارون بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات. ثم صعدنا الى السماء السادسة وإذا فيها رجل آدم طويل وسمعته يقول: يزعم بنو اسرائيل اني اكرم ولد آدم على الله وهذا رجل اكرم على الله مني. فقلت من هذا يا جبرئيل ؟ قال: هذا اخوك موسى بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات. وقال عليه السلام: كان عمر موسى بن عمران مائتين واربعين سنة، وكان بينه وبين ابراهيم خمسمائة سنة. وعنه صلى الله عليه وآله: اختار من الانبياء اربعة للسيف: ابراهيم و داود وموسى وانا، واختار من البيوتات اربعة. فقال الله عز و جل: (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين). (علل الشرايع) سأل الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عز و جل: (يوم يفر المرء من اخيه * وامه و ابيه * وصاحبته و بنيه) من هم ؟ فقال: قابيل يفر من هابيل، و الذي يفر من امه موسى، والذي يفر من ابيه ابراهيم، والذي يفر من صاحبته لوط، و الذي يفر من ابنه نوح، والذي يفر من ابيه كنعان. قال الصدوق: انما يفر موسى من امه: خشية ان يكون قصر فيما وجب عليه من حقها. اقول: ذكر جماعة من اهل الحديث: انه يجوز ان يتجوز بالام عن المربية أو المرضعة التي احضنته أو ارضعته في بيت فرعون قبل وقوع امه عليه، كما تجوزوا عن ابراهيم بأبيه. (الامالي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: اوحى الله الى موسى بن عمران: يا موسى أتدري لم إنتخبتك من خلقي واصطفيتك لكلامي ؟ فقال: لا يا رب. فأوحى الله إليه: اني اطلعت على الارض، فلم اجد اشد تواضعا لي منك

[ 249 ]

خر موسى ساجدا وعفر خديه في التراب، تذللا منه لربه عز وجل. فأوحى الله إليه: إرفع رأسك يا موسى، ومر يدك على موضع سجودك وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك، فانه امان من كل سقم وداء و آفة و عاهة. وفي حديث آخر، عن ابي جعفر عليه السلام قال: اوحى الله عز و جل الى موسى عليه السلام: اتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ فقال موسى لا يا رب فقال: يا موسى اني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم اجد احدا فيهم اذل لي منك نفسا يا موسى انك إذا صليت وضعت خديك على التراب. (وروي) ان موسى عليه السلام: كان إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الايمن بالارض والايسر. اقول: هذا الوضع على التراب بعد الصلاة هو سجدة الشكر، الذي قال به علماؤنا ونطقت به اخبارنا، وشنع المخالفون به علينا تشنيعا شنيعا وقالوا ان سجدة الشكر من مبتدعات اليهود والرافضة. ورووا في اخبارهم: ان اول من سجد سجدة الشكر في الاسلام هو امير المؤمنين عليه السلام، لما امر بالمبيت على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الغار. تفسير علي بن ابراهيم، عن الصادق عليه السلام قال: ان بني اسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال وكان موسى (ع) إذا اراد الاغتسال ذهب الى موضع لا يراه فيه احد، وكان يوما يغتسل على شط نهر، وقد وضع ثيابه على صخرة، فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه، حتى نظر بنو اسرائيل إليه، فعلموا انه ليس كما قالوا، فأنزل الله: (يا ايها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا...) الآية. قال امين الاسلام الطبرسي: اختلفوا فيما آذوا به موسى عليه السلام على اقوال: (احدها) ان موسى وهارون عليهما السلام صعدا الجبل، فمات هارون، فقالت بنو اسرائيل انت قتلته، فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني اسرائيل، وتكلمت الملائكة بموته، حتى عرفوا انه قد مات. فبراه الله من ذلك.

[ 250 ]

روي ذلك: عن علي عليه السلام، وابن عباس. و (ثانيها) ان موسى عليه السلام كان جنبا يغتسل وحده، فقالوا ما يتستر منا الا لعيب بجلده اما برص واما ادرة، فذهب مرة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى، فرآه بنو اسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا، فبراه الله مما قالوا. رواه أبو هريرة مرفوعا. وقال قوم ان ذلك لا يجوز، لأن فيها اشتهار النبي وإبداء سوأته على رؤوس الاشهاد، وذلك ينفر عنه. و (ثالثها) ان قارون استأجر مومسة لتقذف موسى عليه السلام بنفسها على رؤوس الملأ، فعصمه الله تعالى من ذلك. عن ابي العالية. و (رابعها) انهم آذوه من حيث انهم نسبوه الى السحر والجنون والكذب، بعد ما رأوا الآيات. عن ابي مسلم. انتهى. واما السيد قدس الله ضريحه فقد رد الثاني، بأنه ليس يجوز ان يفعل الله تعالى بنبيه، ما ذكروه من هتك العورة، لتنزيهه عن عاهة اخرى. فانه تعالى قادر ان ينزهه مما قذفوه به على وجه لا يلحقه معه فضيحة اخرى، وليس يرمي بذلك انبياء الله من يعرف اقدارهم. ثم قال: والذي روي في ذلك من الصحيح معروف وذكر الوجه الاول. وقال جماعة من اهل الحديث: لا استبعاد فيه بعد ورود الخبر الصحيح وان رؤيتهم له على ذلك الوضع الذي لم يتعمده موسى عليه السلام، ولم يعلم ان احدا ينظر إليه ام لا وان مشيه عريانا لتحصيل ثيابه مضافا الى تبعيده عما نسبوه إليه، ليس من المنفرات. وسئل الصادق عليه السلام ايهما مات قبل موسى ام هارون ؟ قال: هارون مات قبل موسى صلوات الله عليهما. و سئل ايهما كان اكبر ؟ قال هارون، وكان اسم ابني هارون شبيرا وشبرا وتفسيرهما بالعربية الحسن والحسين.

[ 251 ]

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت ابراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم، فأما موسى فرجل طوال سبط يشبه رجال الزط ورجال اهل شيوة، واما عيسى فرجل احمر جعد ربعة، ثم سكت فقيل يا رسول الله فابراهيم قال فانظروا إلى صاحبكم. يعني نفسه صلوات الله عليه. الفصل الثاني (في احوال موسى عليه السلام من حين ولادته الى نبوته) تفسير علي بن ابراهيم، عن ابي، عن ابن محبوب عن العلا عن محمد عن ابي جعفر (ع) قال: ان موسى عليه السلام لما حملته امه، لم يظهر حملها الا عند وضعه، وكان فرعون قد وكل بنساء بني اسرائيل نساء من القبط يحفظنهن، ولذلك لما كان بلغه عن بني اسرائيل انهم يقولون انه يلد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك فرعون واصحابه على يديه، فقال فرعون عند ذلك لأقتلن ذكور اولادهم حتى لا يكون ما يريدون، وفرق بين الرجال والنساء وحبس الرجال في المحابس. فلما وضعت ام موسى بموسى نظرت إليه واغتمت وقالت يذبح الساعة، فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه، فقالت لام موسى ما لك قد اصفر لونك ؟ فقالت اخاف ان يذبح ولدي. فقالت لا تخافى. وكان موسى لا يراه احد الا احبه، وهو قول الله (والقيت عليك محبة منى) فأحبته القبطية الموكلة به، وانزل الله على ام موسى التابوت ونوديت (ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليم - وهو البحر - ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) فوضعته في التابوت واطبقت عليه والقته في النيل. وكان لفرعون قصور على شط النيل متنزهات فنظر من قصره ومعه آسية

[ 252 ]

امرأته الى سواد في النيل ترفعه الامواج وتضربه الرياح حتى جاءت به الى قصر فرعون وامر فرعون بأخذه، فاخذ التابوت ودفع إليه ولما فتحه وجد فيه صبيا فقال هذا اسرائيلي، فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة وكذلك في قلب آسية واراد فرعون ان يقتله فقالت آسية لا تقتلوه عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا، وهم لا يشعرون انه موسى، ولم يكن لفرعون ولد، فقال التمسوا له ظئرا تربيه فجاؤا بعده نساء قد قتل اولادهم، فلم يشرب لبن احد من النساء وهو قول الله (وحرمنا عليه المراضع من قبل). وبلغ امه ان فرعون قد اخذه، فحزنت ثم قالت لاخت موسى قصيه - اي إتبعيه - فجاءت اخته إليه، فبصرت به عن جنب - اي من بعد - وهم لا يشعرون فلما لم يقبل موسى ثدي احد من النساء، إغتم فرعون غما شديدا، فقالت اخته: هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ؟ فقالوا: نعم، فجاءت بامه، فلما اخذته بحجرها والقمته ثديها. إلتقمه وشرب. ففرح فرعون واهله واكرموا امه. فقالوا لها ربيه لنا فانا نفعل بك ونفعل. وذلك قول الله: (فرددناه الى امه كي تقر عينها ولا تحزن). وكان فرعون يقتل اولاد بني اسرائيل كلما يلدون ويربي موسى ويكرمه ولا يعلم ان هلاكه على يديه. ولما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس فقال الحمد لله رب العالمين. فأنكر ذلك عليه ولطمه وقال: ما هذا الذي تقول ؟ فوثب موسى على لحيته وكان طويل اللحية فهبلها اي قلعها فهم فرعون بقتله فقالت امرأته غلام حدث لا يدري ما يقول فقال فرعون بل يدري فقالت له ضع بين يديك تمرا وجمرا فان ميز بين التمر والجمر فهو الذي تقول فوضع بين يديه تمرا وجمرا فقال له كل فمد يده الى التمر فجاء جبرئيل عليه السلام فصرفها الى الجمر، فأخذ الجمر فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون: الم اقل: انه لا يعقل ؟ فعفا عنه. فقلت لابي جعفر عليه السلام: فكم مكث موسى غائبا عن امه حتى رده الله عليها ؟ قال: ثلاثة ايام. قلت له اخبرني عن الاحكام والقضاء والامر والنهى أكان

[ 253 ]

ذلك اليهما ؟ قال: كان موسى الذي يناجي ربه ويكتب العلم ويقضى بين بني اسرائيل وهارون يخلفه إذا غاب عن قومه للمناجات قلت: فأيهما مات قبل صاحبه قال: مات هارون قبل موسى، وماتا جميعا في التيه. قلت: أو كان لموسى ولد ؟ قال: لا، كان الولد لهارون. قال: فلم يزل موسى عند فرعون في اكرامه كرامة، حتى بلغ مبلغ الرجال، وكان ينكر عليه ما يتكلم من التوحيد، حتى هم به، فخرج موسى من عنده ودخل مدينة من مدائن فرعون فإذا رجلان يقتتلان، احدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون، فجاء موسى فوكز صاحبه وقضى عليه وتوارى في المدينة، فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه الى موسى قال له: اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس فخلى سبيله وهرب. وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم ايمانه (ستمائة سنة) وهو الذي قال الله عز و جل: (و جاء رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه...) الآية. وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل، فطلبه ليقتله، فبعث المؤمن الى موسى (ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين) فخرج منها خائفا يترقب - اي يلتفت يمنة ويسرة - ومر نحو مدين، وكان بينه وبين مدين ثلاثة ايام، فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقى منها لاغنامهم، فقعد ناحية ولم يكن اكل منذ ثلاثة ايام شيئا، فنظر الى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر، فقال لهما: ما بالكما لا تستقيان ؟ فقالا: حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير. فرحمهما موسى ودنا من البئر، فقال لمن على البئر: استسقي لي دلوا ولكم دلوا ؟ وكان الدلو يمده عشرة رجال. فاستسقى وحده دلوا لبنتي شعيب وسقى اغنامهما، ثم تولى الى الظل فقال: (رب اني لما انزلت الي من خير فقير) والله ما سأل الا خبزا يأكله ببقلة الارض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه من هزاله.

[ 254 ]

فلما رجعت ابنتا شعيب قال لهما: اسرعتما الرجوع فاخبرتاه بقصة موسى، ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهن: اذهبي إليه فادعيه لنجزيه اجر ما سقى لنا، فجاءت إليه تمشي على استحياء فقالت له: ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا. فقام موسى معها فسفقتها الرياح فبان عجزها، فقال لها موسى: تأخري ودليني على الطريق، فأنا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء. فلما دخل على شعيب قص إليه قصته فقال شعيب: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، قالت احدى بنات شعيب: يا ابت استأجره ان خير ما استأجرت لقوي امين، فقال لها شعيب: اما قوته فقد عرفتيه بسقي الدلو وحده، فبم عرفت امانته فقالت: انه قال لي تأخري عنى فأنا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء، فهذه امانته. فقال له شعيب: اني اريد ان انكحك احدى بناتي هاتين على ان تأجرني ثماني حجج فان اتممت عشرا فمن عندك فقال له موسى: ذلك بيني وبينك ايما الأجلين قضيت فلا سبيل علي. ثم انه اتم عشرا. قلت: فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها اجارة شهرين ايجوز ذلك ؟ قال: ان موسى عليه السلام علم انه يتم بشرطه فكيف لهذا ان يعلم انه يبقى حتى يفي. فلما قضى موسى الاجل قال: لا بد ان ارجع الى وطني وامي واهل بيتي فما لي عندك ؟ قال شعيب: ما وضعت اغنامي في هذه السنة من بلق فهو لك، فعمد موسى عند ما اراد ان يرسل الفحل على الغنم الى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه وغرزه في وسط مربض الغنم والقى عليه كساء ابلق، ثم ارسل الفحل على الغنم، فلم تضع الغنم في تلك السنة الا بلقا، فلما حان عليه الحول، حمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده وساق غنمه، فلما اراد الخروج قال لشعيب إعطني عصا تكون معي، وكان عصى الانبياء عنده قد ورثها مجموعة في بيت فقال له شعيب: ادخل في هذا البيت وخذ عصا من بين تلك العصي. فدخل فوثبت عليه عصا نوح وابراهيم صلوات الله عليهما وصارت في كفه فظخرجها، ونظر إليها شعيب فقال: ردها وخذ غيرها فوثبت إليه تلك العصا بعينها حتى فعل مثل ذلك مرات، فلما

[ 255 ]

رأى شعيب ذلك قال له: اذهب بها فقد خصك الله بها. فخرج يريد مصر فلما صارت في مفازة ومعه اهله اصابهم برد شديد وريح وظلمة وقد جنهم الليل، ونظر موسى الى نار قد ظهرت فأقبل نحو النار فإذا شجرة ونار تلتهب عليها، فلما ذهب الى النار يقتبس منها، اهوت إليه ففزع وعدا و رجعت النار الى الشجرة فالتفت إليها ورجعت الى مكانها ورجع الثانية ليقتبس، فأهوت نحوه فعدا وتركها، ثم التفت وقد رجعت الى الشجرة فرجع إليها الثالثة فأهوت نحوه فعدا ولم يرجع، فناداه الله سبحانه: (يا موسى اني انا الله رب العالمين) قال موسى: فما الدليل على ذلك ؟ (قال الله وما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال هي عصاي) قال: القها، فألقاها فصارت حية ففزع منها موسى و عدا، فناداه الله: (خذها و لا تخف انك من الآمنين * واسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) - اي من غير سمرة - وذلك ان موسى كان شديد السمرة، فأخرج يده من جيبه فاضاءت له الدنيا، فقال الله عز و جل: فذلك برهان من ربك الى فرعون وملأه. فقال موسى عليه السلام: (اني قتلت منهم نفسا فأخاف ان يقتلون * واخي هارون هو افصح مني لسانا فارسله معي ردءا يصدقني اني اخاف ان يكذبوني * قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون اليكما بآياتنا انتما ومن اتبعكما الغالبون). (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام: كن لما ترجو ارجى منك لما لا ترجو فان موسى عليه السلام ذهب يقتبس نارا، فانصرف منها وهو نبي مرسل. (عيون الاخبار) في حديث ابن الجهم قال: سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عز و جل: (فوكزه موسى فقضى عليه) قال هذا من عمل الشيطان قال الرضا عليه السلام: ان موسى عليه السلام دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من اهلها و ذلك بين المغرب و العشاء فوجد فيها رجلان يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فقضى موسى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات. قال هذا من عمل الاقتتال الذي

[ 256 ]

كان وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى عليه السلام من قتله انه يعني الشيطان عدو مضل مبين. قال المأمون فما معنى قول موسى: (رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي) قال: يقول اني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة (فاغفر لي) - اي استرني من اعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني، فغفر له انه هو الغفور الرحيم، قال موسى عليه السلام: رب بما انعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فلن اكون ظهيرا للمجرمين بل اجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى فاصبح موسى في المدينة خائفا يترقب، فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر قال له موسى انك لغوي مبين قاتلت رجلا بالامس وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك واراد ان يبطش به، فاراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما وهو من شيعته قال يا موسى تريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ؟ ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض وما تريد ان تكون من المصلحين. قال المأمون: جزاك الله خيرا يا ابا الحسن، فما معنى قول موسى لفرعون: (فعلتها إذا وانا من الضالين) قال الرضا عليه السلام: ان فرعون قال لموسى لما اتاه فعلت فعلتك التي فعلت وانت من الكافرين قال موسى عليه السلام (فعلتها إذا وانا من الضالين) عن الطريق بوقوعي الى مدينة من مدائنك ففررت منكم لما خفتكم (فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين)... الخبر. (اكمال الدين) مسندا الى امير المؤمنين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما حضر يوسف الوفاة جمع شيعته واهل بيته فحمد الله واثنى عليه، ثم حدثهم بشدة قتالهم تقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبالى وتذبح الاطفال حتى يظهر الله الحق في ولد لاوى بن يعقوب وهو رجل اسمر طويل. و وصفه له بنعته فتمسكوا بذلك. و وقعت الغيبة والشدة ببني اسرائيل وهم ينتظرون قيام القائم اربعمائة، سنة حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علائم ظهوره واشتدت البلوى عليهم و حمل عليهم بالخشب والحجارة وطلبوا الفقيه الذي كانوا يستريحون الى احاديثه فاستتر و تراسلوه و قالوا كنا مع الشدة نستريح الى حديثك، فخرج بهم الى بعض الصحاري وجلس

[ 257 ]

يحدثهم حديث القائم ونعته و قرب الامر وكانت ليلة قمراء، فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه السلام وكان في ذلك الوقت حدث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزاهة فعدل عن موكبه واقبل إليهم وتحته بغلة و عليه طيلسان خز. فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت، فقام إليه وانكب على قدميه يقبلهما ثم قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك فلما رأى الشيعة ذلك علموا انه صاحبهم فأكبوا على الارض شكرا لله عز و جل فلم يزدهم الا ان قال ارجو الله ان يعجل فرجكم ثم غاب بعد ذلك وخرج الى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما اقام. فكانت الغيبة الثانية اشد عليهم من الاولى وكانت نيفا وخمسين سنة و اشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه لا صبر لنا على استتارك عنا فخرج الى بعض الصحاري واستدعاهم وطيب قلوبهم واعلمهم ان الله عز و جل اوحى إليه: انه مفرج عنهم بعد اربعين سنة، فقالوا بأجمعهم الحمد لله، فأوحى الله عز و جل قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد. فقالوا كل نعمة من الله. فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرين سنة. فقالوا لا يأتي بالخير الا الله. فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرا. فقالوا لا يصرف الشر الا الله. فأوحى الله إليه قال لهم لا تبرحوا فقد اذنت في فرجكم فبينا هم كذلك إذ طلع موسى (ع) راكبا حمارا. فأراد الفقيه ان يعرف الشيعة ما يستبصرون به. وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه ما اسمك ؟ فقال: موسى بن عمران بن وهيب بن لاوى بن يعقوب قال بماذا جئت ؟ قال بالرسالة من عند الله عز و جل. فقام إليه فقبل يده. ثم جلس بينهم وطيب نفوسهم وامرهم امره ثم فرقهم، فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون اربعون سنة. و عن ابي الحسن الرضا عليه السلام: كان شعيب يزور موسى كل سنة. فإذا اكل قام موسى على رأسه وكسر له الخبز. اقول: فيه اشعار باستحباب قيام صاحب المنزل على رأس ضيفة وان يخدمه مثل هذه الخدمة ونحوهما مما يزيد عليها بمفهوم المخالفة وما ينقص عنها بمفهوم الموافقة.

[ 258 ]

(الكافي) عن ابي جعفر عليه السلام قال: كانت عصا موسى لآدم فصارت الى شعيب ثم صارت الى موسى، وانها لعندنا وان عهدي بها آنفا وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها وانها لتنطق إذا استنطقت اعدت لقائمنا يصنع بها ما كان يصنع بها موسى عليه السلام وانها لتصنع ما تؤمر به، انها حيث اقبلت تلقف ما يأفكون، تفتح لها شعبتان احداهما في الارض والاخرى في السقف وبينهما اربعون ذراعا تلقف ما يافكون بلسانها وكانت من عوسج الجنة. وعن ابي عبد الله عليه السلام: ان فرعون لما وقف على زوال ملكه على يد موسى (ع) امر باحضار الكهنة فدلوه على نسبه وانه من بني اسرائيل فلم يزل يأمر اصحابه بشق بطون الحوامل من بني اسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا وعشرين الف مولود، وتعذر عليه الوصول الى قتل موسى بحفظ الله تبارك وتعالى اياه. (تفسير الامام العسكري عليه السلام) قال الامام: قال الله تعالى: (واذكروا يا بني اسرائيل إذ أنجيناكم وانجينا اسلافكم من آل فرعون) وكان من عذاب فرعون لبني اسرائيل انه كان يكلفهم عمل البناء على الطين ويخاف ان يهربوا عن العمل فامرهم بتقييدهم وكانوا ينقلون ذلك الطين على السلاليم الى السطوح. فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن لا يعبئون، بهم الى ان اوحى الله الى موسى: قل لا يبتدئون عملا الا بالصلاة على محمد وآله الطيبين ليخفف عليهم فكانوا يفعلون ذلك فيخف عليهم، وامر كل من سقط فزمن ممن نسي الصلاه على محمد وآله الطيبين ان يقولها على نفسه إن امكنه - اي الصلاة على محمد وآله، أو يقال عليه ان لم يمكنه فانه يقوم ولا تقبله يد ففعلوها فسلموا، فقيل لفرعون انه يولد في بني اسرائيل مولود يكون على يده زوال ملكك، فأمر بذبح ابنائهم، فكانت الواحدة منهن تعطي القوابل الرشوة لكيلا تنم عليها ويتم حملها ثم تلقي ولدها في صحراء أو غار جبل وتقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد و آله، فيقض الله ملكا يربيه ويدر من اصبع له لبنا يمصه ومن اصبع طعاما يتغذاه الى ان نشأ بنو اسرائيل وكان من سلم منهم ونشأ اكثر ممن قتل.

[ 259 ]

(ويستحيون نساءكم) يبقوهن ويتخذوهن اماء، فضجوا الى موسى وقالوا يفترعون بناتنا واخواتنا، فأمر الله تلك البنات كلما رأى بهن من ذلك ريب صلين على محمد وآله الطيبين، فكان يرد عنهن اولئك الرجال اما بشغل أو مرض أو زمانة أو لطف من الطافه فلم تفترش منهن امرأة بل دفع الله عز وجل عنهن بصلاتهن على محمد و آله الطيبين، ثم قال عز وجل: (وفي ذلكم الانجاء الذي انجاكم منهما ربكم بلاء نعمة من ربكم عظيم كبير) قال الله عز وجل: (يا بني اسرائيل اذكروا) إذا كان البلاء يصرف عن اسلافكم ويخف بالصلاة على محمد وآله الطيبين افما تعلمون انكم إذا شاهدتموه وآمنتم به كانت النعمة عليكم افضل و فضل الله عليكم اجزل. قال الثعلبي في (كتاب عرائس المجالس) مات الريان بن الوليد فرعون مصر الاول صاحب يوسف عليه السلام وهو الذي ولى يوسف خزائن ارضه واسلم على يديه فلما مات، ملك بعده قابوس بن مصعب صاحب يوسف عليه السلام الثاني فدعاه يوسف الى الاسلام فأبى وكان جبارا، وقبض الله يوسف عليه السلام في ملكه وطال ملكه ثم هلك، وقام بالملك بعده اخوه أبو العباس الوليد بن مصعب بن الريان بن اراشة بن ثوران بن عمرو بن فاران بن عملاق بن لاوى بن سام بن نوح عليه السلام وكان افجر من قابوس، واقام بنو اسرائيل بعد وفاة يوسف عليه السلام وقد نشروا وكثروا وهم تحت ايدي العمالقة وهم على بقايا من دينهم مما كان يوسف ويعقوب شرعوا فيهم من الاسلام، حتى كان فرعون موسى الذي بعثه الله إليه ولم يكن منهم فرعون اعتى على الله ولا اطول عمرا في ملكه ولا اسوء ملكه لبني اسرائيل منه، وكان يعذبهم ويستعبدهم وصنفهم في اعماله، فصنف يبنون وصنف يحرثون وصنف يتولون الاعمال القذرة وقد استنكح منهم فرعون امرأة يقال لها آسية بنت مزاحم من خيار النساء، فاسلمت على يد موسى ولم يسلم من اهل مصر الا ثلاثة: آسية وحزقيل ومريم بنت موساء التي دلت موسى على قبر يوسف عليهما السلام، فعمر فرعون وهم تحت يديه اربعمائة سنة، فلما اراد الله ان يفرج عنهم بعث موسى عليه السلام، وذلك ان فرعون رأى في منامه ان نارا قد اقبلت

[ 260 ]

من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فاخربتها واحرقت القبط وتركت بني اسرائيل، فدعا فرعون السحرة والمنجمين وسألهم عن رؤياه فقالوا انه يولد في بني اسرائيل غلام يسلبك ملكك ويخرجك وقومك من ارضك و يبدل دينك وقد اظلك زمانه الذي يولد فيه، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني اسرائيل وجمع القوابل من نساء اهل مملكته فقال لهن اقتلن الغلمان دون البنات. قال مجاهد: لقد ذكر لي انه كان يأمر بالقضب فيشق حتى يجعل امثال الشفار ثم يصف بعضها الى بعض ثم يؤتى بالحبالى من بني اسرائيل فيوقفن فتجر اقدامهن حتى ان المرأة منهن لتضع ولدها فيقع بين رجليها فتظل تطأه، تتقى به حد القضب عن رجليها لما بلغ جهدها، فكان يقتل الغلمان الذين كانوا في وقته ويقتل من يولد منهم ويعذب الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن، واسرع الموت في مشيخة بني اسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون فقالوا: ان الموت وقع في بني اسرائيل وانت تذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك ان يقع العمل علينا فأمر فرعون ان يذبحوا سنة ويتركوا سنة، فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها، قالوا فولدت هارون امه علانية آمنة، فلما كان العام المقبل حملت بموسى، فلما وضعته امرها الله سبحانه: بوضعه في التابوت ولفظه في الماء، حتى اتى به الى قصر فرعون، واتت به آسية الى فرعون وقالت: قرة عين لي ولك لا تقتله فقال قرة عين لك اما انا فلا حاجة لي فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي يحلف فيه لو اقر فرعون ان يكون ابنه كما اقرت به لهداه الله تعالى كما هدى زوجته ولكن الله تعالى حرمه ذلك، فلما آمنت آسية ارادت ان تسميه باسم اقتضاه حاله وهو موسى، لانه وجد بين الماء والشجر، و (مو) بلغة القبط الماء و (شا) الشجر، فعرب فقيل: موسى. و عن ابن عباس: ان بني اسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي ووافق خيارهم شرارهم فسلط الله عليهم القبط يعذبونهم.

[ 261 ]

قال وهب: بلغني انه ذبح في طلب موسى سبعين الف وليد. وعن ابن عباس: ان ام موسى لما تقارب ولادتها وكانت قابلة من القوابل مصافية لها، فلما ضربها الطلق ارسلت إليها فأتتها وقبلتها، فلما وقع موسى عليه السلام بالارض هالها نور بين عيني موسى، فارتعش كل مفصل منها ودخل حبه في قلبها. ولما خرجت القابلة من عندها ابصرها بعض العيون فجاؤوا ليدخلوا على ام موسى، فقالت اخته: هذا الحرس بالباب، فطاش عقلها، فلفته في خرقة ووضعته في التنور وهو مسجور، فدخلوا فإذا التنور مسجور ولم يروا شيئا وخرجوا من عنده فرجع إليها عقلها، فقالت لاخت موسى فأين الصبي ؟ قالت: لا ادري فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه، وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما فاحتملته. وعن ابن عباس قال: انطلقت ام موسى الى نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا صغيرا، فقال لها ما تصنعين به ؟ قالت ابن لي اخبئه فيه، وكرهت ان تكذب فانطلق النجار الى الذباحين ليخبرهم بأمرها فلما هم بالكلام امسك الله لسانه وجعل يشير بيده فلم يدر الامناء، فلما اعياهم امره، قال كبيرهم: اضربوه فضربوه واخرجوه فوقع في واد يهوى فيه حيران فرد الله عليه لسانه وبصره ان لا يدل عليه و يكون معه يحفظه الله فرد الله عليه بصره ولسانه فآمن به و صدقه، فانطلقت ام موسى والقته في البحر وذلك بعد ما ارضعته ثلاثة اشهر وكان لفرعون يومئذ بنت ولم يكن له ولد غيرها وكانت من اكرم الناس عليه وكان بها برص شديد وقد قالت اطباء مصر والسحرة انها لا تبرء الا من قبل البحر يوجد منه شىء شبه الانسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك، وذلك في يوم كذا من ساعة كذا. فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون الى مجلس كان له على شفير النيل ومعه آسية فأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهن، إذ اقبل النيل بالتابوت تضربه الامواج فاخذوه فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها للذي اراد الله ان يكرمها، ففتحت الباب فإذا

[ 262 ]

نور ما بين عينيه، وقد جعل الله تعالى رزقه في ابهامه يمصه لبنا، فألقى الله حبه في قلبها، واحبه فرعون، فلما اخرجوه عمدت بنت فرعون الى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت، فضمته الى صدرها وقبلته، فقال الغواة من قوم فرعون ايها الملك إنا نظن ان هذا المولود هو ذلك الذي تحذر منه، فهم فرعون بقتله فاستوهبته آسية فوهبه لها. و قال اهل السير لما بلغ موسى اشده وكبر، كان يركب مراكب فرعون و كان يدعى موسى بن فرعون، فركب فرعون ذات يوم وركب موسى في اثره فأدركه المقيل بارض يقال لها: منف فدخلها نصف النهار وقد غلقت اسواقها وليس في طرقها احد، وذلك قوله تعالى (على حين غفلة من اهلها) فبينا هو يمشي في ناحية المدينة إذا هو برجلان يقتتلان، احدهما من بني اسرائيل والآخر من آل فرعون و الذي من شيعته يقال انه السامري والذي من عدوه كان خبازا لفرعون واسمه قاثون و كان اشترى حطبا للمطبخ، فتنجز السامري ليحمله فامتنع، فلما مر بهما موسى (ع) استغاث به فقال موسى للقبطي: دعه، فقال الخباز: إنما آخذه لعمل ابيك فأبى ان يخلي سبيله فغضب موسى فبطش به، وخلص السامري من يده، فنازعه القبطي فوكزه موسى، فقتله وهو لا يريد قتله، فاصبح في المدينة خائفا يترقب الاخبار. فقيل له ان بني اسرائيل قد قتلوا رجلا من آل فرعون فخذلنا بحقنا فقال إئتوني بقاتله ومن يشهد عليه فطلبوا ذلك فبينا هم يطوفون إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الاسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس وكره الذي رأى، فغضب موسى (ع) فمد يده وهو يريد ان يبطش بالفرعوني، فقال للاسرائيلي: انك لغوي مبين، فخاف الاسرائيلي من موسى ان يبطش به من اجل انه اغلظ له الكلام فظن انه يريد قتله فقال له يا موسى (اتريد ان تقتلني...) الآية. وانما قال ذلك مخافة من موسى وظنا ان يكون إياه اراد، وإنما اراد

[ 263 ]

الفرعوني فتتاركا وذهب الى فرعون واخبره بما سمع من الاسرائيلي، فأرسل فرعون الذباحين وامرهم بقتل موسى وقال لهم اطلبوه في الطرق فانه غلام لا يهتدي الى الطريق فجاءه رجل من اقصى المدينة من شيعته يقال له: حزقيل وكان على تقية من دين ابراهيم الخليل وكان اول من صدق بموسى وآمن به. (وروي) عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سيأتي الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب ياسين، و علي بن ابي طالب (ع) وهو افضلهم. فجاء حزقيل فاختصر طريقا حتى سبق الذباحين إليه، واخبره بما هم به فرعون. فذلك قوله (فجاء رجل من اقصى المدينة...) الآية. فتحير موسى ولم يدر اين يذهب فجاء ملك على فرس بيده عنزة فقال: اتبعني فتبعه فهداه الى مدين وكان مسيرة ثمان ليال ولم يكن له طعام الا ورق الشجر، فما وصل إليها حتى جف قدميه وان خضرة البقل تتراءى من بطنه، ثم انه اتصل بشعيب وبقى عنده المدة المشروطة، فلما قضى اتم الاجلين وسار بأهله منفصلا من ارض مدين يؤم الشام ومعه اغنامه وامرأته و هي في شهرها، فانطلق في برية الشام عادلا عن المدائن والعمران مخافة الملوك الذين كانوا بالشام، فسار غير عارف بالطريق حتى انتهى الى جانب الطور الغربي الأيمن في عشية شتائية شديدة البرد واظلم عليه الليل واخذت السماء ترعد وتبرق وتمطر واخذ امرأته الطلق وعمد موسى الى زنده وقدحه مرات فلم تور، فتحير وقام و قعد واخذ يتأمل ما قرب وما بعد، تحيرا وزجرا، فبينا هو كذلك إذ أنس من جانب الطور نارا، فحسبه نارا، فقال لاهله: امكثوا (اني آنست نارا لعلي آتيكم بقبس أو اجد على النار هدى) يعني من يدلني على الطريق. وقد كان ظل الطريق، فلما اتاها رأى نورا عظيما ممتدا من عنان السماء الى شجرة عظيمة هناك. واختلفوا فيها. فقيل: العوسجة. وقيل: العناب. فتحير موسى وارتعدت فرائصه حيث رأى نارا عظيمة ليس لها دخان يلتهب

[ 264 ]

من جوف شجرة خضراء لا تزداد النار الا عظما ولا الشجرة الا خضرة، فلما دنا استأخرت عنه، فخاف عنها ورجع، ثم ذكر حاجته الى النار فرجع إليها فدنت منه، فنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة: (ان يا موسى) فنظر فلم ير احدا فنودي: (إني انا الله رب العالمين) فلما سمع ذلك علم انه ربه واقترب، فلما قرب منه وسمع النداء ورأى تلك الهيبة، خفق قلبه وكل لسانه وصار حيا كميت فأرسل الله إليه ملكا يقوي قلبه، فلما رجع إليه رشده، نودي: (اخلع نعليك انك بالواد المقدس طوى) ثم قال الله سبحانه تسكينا لقلبه: (وما تلك بيمينك...) الآية. و اختلف في اسم العصا. فقيل: اسمها ما شاء الله. وقيل: غياث. وقيل: عليق، واما صفاتها والمآرب التي كانت فيها: فقال اهل العلم: كان لعصى موسى شعبتان ومحجن في اصل الشعبتين وسنان حديد في اسفلها، فكان موسى إذا دخل مفازه ليلا ولم يكن قمر، تضىء شعبتاها من نور مد بصره، وكان إذا اعوزه الماء ادلاها في البئر فجعلت تمتد الى قعر البئر وتصير في رأسها شبه الدلو ويستقي وإذا احتاج الى الطعام ضرب الارض بعصاه فيخرج ما يأكل يومه وكان إذا اشتهى فاكهة من الفواكه غرزها في الارض فتغصنت اغصان تلك الشجرة التي اشتهى موسى فاكهتها واثمرت له من ساعتها. ويقال: كان عصاه من اللوز، وكان إذا قاتل عدوه يظهر على شعبتيها تنينان يتناضلان، وكان يضرب بها على الجبل الصعب الوعر المرتقى فيفرج، وإذا اراد عبور نهر من الانهار بلا سفينة ضربها وبدا له طريق يمشي فيه، وكان يشرب احيانا من احدى الشعبتين اللبن ومن الاخرى العسل، وكان إذا اعيى في طريقه يركبها فتحمله الى اي موضع شاء من غير ركض ولا تحريك رجل وكانت تدله على الطريق وتقاتل اعداءه وإذا احتاج موسى الى طيب فاح منها الطيب حتى يتطيب منها ثوبه وإذا كان في طريق فيه لصوص تكلمت العصا وتقول له: خذ بجانب كذا وكان يهش بها على غنمه ويدافع بها السباع والحيات والحشرات وإذا سافر وضعها على عاتقه

[ 265 ]

وعلق عليها جهازه ومتاعه ومخلاته وكساءه وطعامه وسقاءه. و قال شعيب لموسى، حين زوجه إبنته وسلم إليه اغنامه يرعاها: اذهب بهذه الاغنام فإذا بلغت مفرق الطريق فخذ على يسارك ولا تأخذ على يمينك وان الكلأ بها اكثر فان فيها تنينا عظيما اخشى عليك وعلى الاغنام منه فذهب موسى بالاغنام. فلما بلغ مفرق الطريقين اخذت الاغنام ذات اليمين، فاجتهد موسى على ان يصرفها الى ذات الشمال فلم تطعه، فنام موسى والاغنام ترعى، فإذا بالتنين قد جاء، فقامت عصا موسى فحاربته فقتلته واتت فاستلقت على جنب موسى وهي دامية، فلما استيقظ موسى عليه السلام رأى العصا دامية والتنين مقتولا، فعلم ان في تلك العصا لله قدره. فهذه مآرب موسى فيها إذا كانت عصا، فأما إذا القاها موسى عليه السلام فيرى انها تنقلب حية كأعظم ما يكون من التنانين سوداء مدلهمة تدب على اربع قوائم ولها اثنا عشر نابا يخرج منها لهب النار يهب من فيها ريح السموم لا يصيب شيئا إلا احرقته وكانت تكون في عظم الثعبان وخفة الجان ولين الحية، وذلك موافق لنص القرآن حيث قال في موضع: (فإذا هي ثعبان مبين) وفي موضع آخر: (فإذا هي حية تسعى) فقال له: (اذهب الى فرعون...) الحديث. (وروي) ان بنت شعيب لما قالت لموسى: ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا كره ذلك موسى واراد ان لا يتبعها ولم يجد بدا ان يتبعها، لانه كان في ارض مسبعة وخوف، فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيئا، فقال له شعيب اجلس يا شاب فتعش فقال له موسى: اعوذ بالله. قال شعيب: ولم ذاك ؟ ألست بجائع ؟ قال: بلى ولكن اخاف ان يكون هذا عوضا عما سقيت لهما وانا من اهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملأ الارض ذهبا فقال له شعيب: لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف ونطعم الطعام. والتي تزوج بها موسى اسمها: صفورة والاخرى ليا. وقيل: اسم الكبرى صفرا، واسم الصغرى صفيرا.

[ 266 ]

الفصل الثالث في معنى قوله تعالى: (فاخلع نعليك) وقول موسى: (واحلل عقدة من لساني) وتسمية الجبل: طور سيناء. (علل الشرايع) باسناده الى ابي عبدالله عليه السلام قال: قال الله عز وجل لموسى: (فاخلع نعليك) لأنها من جلد حمار ميت. وفيه عن ابي عبد الله (ع) في قوله: (فاخلع نعليك) قال: يعني: ارفع خوفيك، يعني خوفه من ضياع اهله. وقد خلفها تمخض، وخوفه من فرعون. قال الصدوق: سمعت ابا جعفر محمد بن عبد الله بن طيفور الدامغاني الواعظ يقول في قول موسى عليه السلام: (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) قال: يقول: اني استحي ان اكلمك بلساني الذي كلمت به غيرك فيمنعني حيائي منك عن محاورة غيرك، فصارت هذه الحالة عقدة من لساني فاحللها بفضلك، (واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي) معناه انه سأل الله عز وجل ان يأذن له في ان يعبر عنه هارون فلا يحتاج ان يكلم فرعون بلسان كلم الله عز وجل به. وفيه عن ابن عباس قال: إنما سمي الجبل الذي كان عليه طور سيناء لأنه جبل كان عليه شجر الزيتون وكل جبل يكون عليه ما ينتفع به من النبات والاشجار سمي طور سينا وطور سينين، وما لم يكن عليه ما ينتفع به من النبات والاشجار سمي طورا، لا يقال له طور سينا ولا طور سينين. (الاحتجاج) سأل سعد بن عبد الله القائم عليه السلام عن قول الله عز وجل لنبيه موسى عليه السلام: (فاخلع نعليك انك بالواد المقدس طوى) فان فقهاء الفريقين يزعمون انها كانت من اهاب الميتة فقال (ع): من قال ذلك فقد إفترى على

[ 267 ]

موسى واستجهله في نبوته، انه ما خلا الامر من خصلتين: اما ان كانت صلاة موسى (ع) فيها جائزة أو غير جائزة فان كانت جائزة فيها. فجاز لموسى ان يكون يلبسها في تلك البقعة. وان كانت مقدسة مطهرة، وان كانت صلاته غير جائزة فيها، فقد اوجب ان موسى لم يعرف الحلال والحرام ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه مما لم تجز. وهذا كفر. قلت: فاخبرني يا مولاي عن التأويل فيها. قال: ان موسى عليه السلام كان بالواد المقدس فقال: يا رب اني اخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك وكان شديد الحب لاهله، فقال الله تبارك وتعالى: (اخلع نعليك) اي انزع حب اهلك من قلبك، ان كانت محبتك لي خالصة وقلبك من الميل الى من سواي مشغولا اقول: اختلف المفسرون في سبب الامر يخلع النعلين، على اقوال: الاول - انهما كانتا من جلد حمار ميت، وقد تقدم ما يدل على انه محمول على التقية. الثاني - انه كان من جلد بقرة ذكية. و لكنه امر بخلعها ليباشر بقدميه الارض فتصيبه بركة الوادي المقدس. الثالث - ان الحفاء من علامة التواضع، ولذلك كانت السلف تطوف حفاة. الرابع - ان موسى (ع) انما لبس النعل اتقاء من الانجاس وخوفا من الحشرات، فآمنه الله مما يخاف واعلمه بطهارة الموضع. الخامس - ان معنى فرغ قلبك من حب الاهل و المال. السادس - ان المراد: فرغ قلبك عن ذكر الدارين. وفي خبر ابن سلام، انه سئل النبي صلى الله عليه وآله عن الوادي المقدس لم سمي المقدس ؟ قال: لأنه قدست فيه الارواح واصطفيت فيه الملائكة وكلم الله موسى تكليما.

[ 268 ]

الفصل الرابع في بعثة موسى وهارون الى فرعون وتفصيل الاحوال الى وقت غرق فرعون وقومه اما الآيات الواردة فيه فكثيرة، واما الأخبار فمستفيضة. قال الثقه علي بن ابراهيم: (وقال الملأ من قوم فرعون اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض ويذرك وآلهتك) قال كان فرعون يعبد الاصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية فقال فرعون (سنقتل ابناءهم ونستحي نساءهم وانا فوقهم قاهرون * فقال الذين آمنوا لموسى: قد اوذينا قبل مجيئك يا موسى بقتل اولادنا ومن بعد ما جئتنا، لما حبسهم فرعون لايمانهم بموسى فقال موسى: (عسى ربكم ان يهلك عدوكم و يستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون). وذلك انه لما سجد السحرة آمن الناس بموسى، فقال هامان لفرعون ان الناس قد آمنوا بموسى، فانظر من دخل في دينه فاحبسه، فحبس كل من آمن به من بني اسرائيل، فجاء إليه موسى فقال له: خل عن بني اسرائيل فلم يفعل، فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان فخرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا الى البرية وضربوا فيها الخيام. فقال فرعون لموسى إدع ربك حتى يكف عنا الطوفان حتى اخلي عن بنى اسرائيل واصحابك. فدعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان، وهم فرعون ان يخلي عن بني اسرائيل، فقال له هامان إن خليت بني اسرائيل غلبك موسى وأزال ملكك فقبل منه ولم يخل عن بني اسرائيل. فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد فأكلت كل شئ لهم من النبت

[ 269 ]

والشجر حتى كادت تجرد شعرهم ولحاهم، فجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا وقال يا موسى ادع ربك ان يكف عنا الجراد حتى اخلي عن بني اسرائيل واصحابك فدعا موسى ربه فكف عنهم الجراد. فلم يدعه هامان ان يخلي عن بني اسرائيل. فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل فذهبت زروعهم واصابتهم المجاعة، فقال فرعون لموسى: ان دفعت عنا القمل كففت عن بني اسرائيل فدعا موسى ربه حتى ذهب القمل. وقال: اول ما خلق الله القمل، في ذلك الزمان، فلم يخل عن بني اسرائيل. فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع، فكانت تكون في طعامهم وشرابهم. ويقال: انها تخرج من ادبارهم وآذانهم وآنافهم، فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فجاؤوا الى موسى فقالوا ادع الله ان يذهب عنا الضفادع فانا نؤمن بك و نرسل معك بني اسرائيل فدعا موسى ربه فرفع الله عنهم ذلك. فلما ابوا ان يخلوا عن بني اسرائيل، حول الله ماء النيل دما، فكان القبطي يراه دما، و الاسرائيلي يراه ماء، فإذا شربه الاسرائيلي كان ماءا وإذا شربه القبطي يشربه دما، فكان القبطي يقول للاسرائيلي خذ الماء في فمك وصبه في فمي فكان إذا صبه في فمه تحول دما، فجزعوا من ذلك جزعا شديدا، فقالوا لموسى لئن رفع عنا الدم لنرسلن معك بني اسرائيل فلما رفع عنهم غدروا ولم يخلوا عن بني اسرائيل. فأرسل الله عليهم الرجز - وهو الثلالاحمر - ولم يروه قبل ذلك فماتوا فيه وجزعوا واصابهم ما لم يعهدوه من قبل فقالوا لموسى: ادع لنا ربك بما عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن بك ولنرسلن معك بني اسرائيل فكشف عنهم الثلج فخلوا عن بني اسرائيل. فلما خلى عنهم اجتمعوا الى موسى، وخرج موسى من مصر واجتمع إليه من كان هرب من فرعون، وبلغ فرعون ذلك فقال له هامان قد نهيتك ان تخلي عن بني اسرائيل فقد استجمعوا إليه فجزع فرعون (وبعث في المدائن حاشرين)

[ 270 ]

وخرج في طلب موسى. اقول: ان فرعون كان يستعبد الناس ويعبد الاصنام بنفسه وكان الناس يعبدونها تقربا إليه. وقيل: كان يعبد ما يستحسن من البقر. وروي انه كان يأمرهم ايضا بعبادة البقر، ولذلك اخرج السامري لهم عجلا. وأما الطوفان فقيل: هو الماء الخارج عن العادة. وقيل: هو الموت الذريع. وقيل: هو الطاعون - بلغة اليمن - أرسل الله ذلك على بكارته آل فرعون في ليلة، فلم يبق منهم انسان و لا دابة. وقيل: هو الجدري، وهم اول من عذبوا به، فبقى في الارض. واختلف في القمل أيضا: فقيل: هو صغار الجراد الذي لا اجنحة لها. وقيل: صغار الذر. وقيل: دواب سود كالقراد. وقيل: هو السوس الذي يخرج من الحنطة. تفسير علي بن ابراهيم باسناده الى ابي عبدالله عليه السلام قال: لما بعث موسى (ع) الى فرعون اتى بابه فاستأذن عليه فضرب بعصاه الباب، فاصطكت الابواب مفتحة ثم دخل على فرعون فاخبروه انه رسول رب العالمين، وسأله أن يرسل معه بني اسرائيل فقال: (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت - اي قتلت الرجل - وانت من الكافرين) يعنى كفرت نعمتي، فتجاوبا الكلام، الى ان قال موسى: (أو لو جئتك بشىء مبين * قال فرعون فأت بها إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) فلم يبق من جلساء فرعون شخص إلا هرب، ودخل فرعون من الرعب ما لم يملك، فقال فرعون انشدك الله و الرضاع إلا كففتها عني (ثم نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) فأخذ، فلما اخذ

[ 271 ]

موسى العصا رجعت الى فرعون نفسه وهم بتصديقه، فقام إليه هامان فقال بينما انت إله تعبد إذ صرت تابعا لعبد ثم قال فرعون للملأ الذين حوله (ان هذا لساحر عليم يريد ان يخرجكم من ارضكم بسحره فماذا تأمرون). وكان فرعون و هامان قد تعلما السحر وانما غلبا الناس بالسحر وادعى فرعون الربوبية بالسحر. (فلما اصبح بعث في المدائن حاشرين) وجمعوا الف ساحر واختار من الالف ثمانين، فقال السحرة لفرعون قد علمت انه ليس في الدنيا اسحر منا فان غلبنا موسى فما عندك ؟ قال اشارككم في ملكي، قالوا فان غلبنا موسى وابطل سحرنا، علمنا ان ما جاء به ليس بسحر، آمنا به وصدقناه. فقال فرعون فان غبلكم موسى صدقته انا أيضا معكم، وكان موعدهم يوم عيد لهم. فلما ارتفع النهار وجمع فرعون الخلق والسحرة، وكانت له قبة طولها في السماء سبعون ذراعا وقد كانت لبست بالفولاذ المصقول وكانت إذا وقعت عليها الشمس لم يقدر احد ان ينظر من لمع الحديد و وهج الشمس. فقالت السحرة لفرعون انا نرى رجلا ينظر الى السماء ولم يبلغ سحرنا السماء، وضمنت السحر في الارض فقالوا لموسى (اما ان تلقي و اما ان نكون نحن الملقين * فقال لهم موسى القوا ما انتم ملقون * فألقوا حبالهم وعصيهم فأقبلت تضطرب مثل الحيات فقالوا بعزة فرعون انا لنحن الغالبون * فأوجس في نفسه خيفة موسى فنودي: لا تخف انك انت الأعلى * والق ما في يمينك) فألقى موسى العصا فذابت في الارض مثل الرصاص، ثم طلع رأسها وفتحت فاها و وضعت شدقتها العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت والتقمت عصا السحرة وحبالهم وانهزم الناس حتى رأوا عظمها فقتل في الهزيمة من وطي الناس بعضهم بعضا عشره آلاف رجل و امرأة وصبي ودارت على قبة فرعون. قال: فأحدث فرعون وهامان في ثيابهما وشاب رأسهما من الفزع و مر موسى في الهزيمة من الناس فناداه الله: (خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى)

[ 272 ]

فرجع موسى ولف على يديه عباءة ثم ادخل يده في فمها فإذا هي‍ عصا كما كانت (فألقي السحرة سجدا لما رأوا ذلك قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون) فغضب فرعون من ذلك وقال (آمنتم له قبل ان آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون * لأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ولأصلبنكم اجمعين * فقالوا له إنا نطمع ان يغفر لنا ربنا خطايانا) فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن، حتى انزل الله عليهم الطوفان والجراد والضفادع والدم فانطلق عنهم. فأوحى الله الى موسى: (ان اسر بعبادي) فخرج موسى ببني اسرائيل ليقطع بهم البحر، وجمع فرعون اصحابه (وبعث في المدائن حاشرين) وحشر الناس وقد تقدم مقدمته في ستمائة الف وركب هو في الف والف وخرج، كما حكى الله عز و جل (واخرجناهم من جنات وعيون وكنوز و مقام كريم * كذلك واورثناها بني اسرائيل * فلما قرب موسى من البحر وقرب فرعون من موسى قال اصحاب موسى إنا لمدركون * فقال موسى كلا ان معي ربي سيهدين) - اي سينجيني - فدنا موسى من البحر فقال له أنفرق فقال له البحر: استكبرت يا موسى ان تقول لي: أنفرق لك ولم اعص الله طرفة عين وقد كان فيكم العاصي فقال له موسى: فاحذر ان تعصي وقد علمت ان آدم اخرج من الجنة بمعصيته، وإنما لعن ابليس بمعصيته قال البحر: عظيم ربي مطاع أمره. فقام يوشع بن نون فقال لموسى: يا رسول الله ما امرك ربك ؟ فقال بعبور البحر، فاقتحم فرسه الماء، واوحى الله الى موسى: (ان اضرب بعصاك البحر) فضربه، فكان كل فرق كالطود العظيم فضرب له في البحر اثنى عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق، فكان قد ارتفع الماء وبقت الأرض يابسة طلعت فيها الشمس ويبست ودخل موسى البحر وكان اصحابه اثنى عشر سبطا، فضرب الله لهم في البحر اثني عشر طريقا، فأخذ كل سبط في طريق وكان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى في طريقه فقالوا: يا موسى أين اخواننا ؟ فقال لهم: معكم في البحر، فلم يصدقوه، فأمر الله البحر فصار طرقات

[ 273 ]

حتى كان ينظر بعضهم الى بعض ويتحدثون واقبل فرعون بجنوده فلما انتهى الى البحر قال لأصحابه ألا تعلمون ان ربكم الاعلى قد فرج لكم البحر. فلم يجسر احد ان يدخل البحر وامتنعت الخيل منه لهول الماء، فتقدم فرعون فقال له منجمه لا تدخل البحر وعارضه، فلم يقبل منه و اقبل الى فرس حصان فامتنع الفرس ان يدخل الماء، فعطف عليه جبرئيل عليه السلام وهو على ماديانه فتقدمته ودخل فنظر الى الرملة فطلبها ودخل البحر واقتحم اصحابه خلفه، فلما دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من اصحابه وآخر من خرج من اصحاب موسى، امر الرياح فضربت البحر بعضه ببعض، فأقبل الماء يقع عليه مثل الجبال فقال فرعون عند ذلك (آمنت انه لا إله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين). فأخذ جبرئيل كفا من حماة فوضعها في فيه ثم قال: (الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك). وذلك ان قوم فرعون ذهبوا اجمعين في البحر وهووا من البحر الى النار. واما فرعون فنبذه الله وحده والقاه بالساحل، لينظروا إليه وليعرفوه وليكون لمن خلفه آية ولئلا يشك احد في هلاكه وانهم كانوا اتخذوه ربا، فأراهم الله إياه جيفة ملقاة بالساحل، ليكون لمن خلفه عبرة. وقال الصادق عليه السلام: ما اتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله الا كئيبا حزينا ولم يزل كذلك منذ اهلك الله فرعون، فلما امره الله بنزول هذه الاية (الان وقد عصيت قبل و كنت من المفسدين) نزل عليه وهو ضاحك مستبشر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما اتيتني إلا والحزن في وجهك حتى الساعة قال: نعم، يا محمد لما غرق الله فرعون قال (آمنت انه لا إله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين) فأخذت حماة فوضعتها في فيه، ثم قلت له (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) وعملت ذلك من غير امر الله، خفت ان تلحقه الرحمة من الله ويعذبني على ما فعلت، فلما كان الان وامرني ربي

[ 274 ]

الله ان اؤدي اليك ما قلته أنا لفرعون آمنت وعلمت ان ذلك كان رضا لله تعالى. وقوله: (فاليوم ننجيك ببدنك) فان موسى عليه السلام اخبر بني اسرائيل ان الله قد غرق فرعون، فلم يصدقوه، فأمر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا. (علل الشرايع وعيون الأخبار) باسناده الى ابراهيم الهمداني قال: قلت للرضا عليه السلام لأي علة اغرق الله فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده ؟ قال: لأنه آمن عند رؤية الياس، والايمان عند رؤية اليأس غير مقبول، وذلك حكم الله في السلف والخلف. قال الله عز وجل: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا) وهكذا فرعون لما ادركه الغرق قال (آمنت انه لا إله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين) فقيل له: (الآن و قد عصيت من قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية). و قد كان فرعون من قدمه الى قرنه في الحديد. فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة من الارض ببدنه ليكون لمن بعده علامة، فيرونه مع ثقله بالحديد مرتفع وسبيل الثقيل ان يرسب ولا يرتفع، فكان ذلك آية وعلامة. ولعلة اخرى: اغرقه الله عز وجل وهي انه استغاث بموسى لما ادركه الغرق، ولم يستغث بالله، فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى لم تغث فرعون، لأنك لم تخلقه ولو استغاث بي‍ لاغثته. أقول: هذان الوجهان ذكرهما العلماء في اول الوجوه وذكروا وجوها اخر: منها - انه لم يكن مخلصا في هذه الكلمة، بل إنما تكلم بها توسلا الى دفع البلية الحاضرة. ومنها - ان ذلك الاقرار كان منبئا عن محض التقليد. ألا ترى انه قال (لا اله الا الذي‍ آمنت به بنو اسرائيل).

[ 275 ]

ومنها - ان اكثر اليهود كانت قلوبهم مائلة الى التشبيه والتجسيم، ولذا اشتغلوا بعبادة العجل، لظنهم انه تعالى في جسده، فكأنه آمن بالاله الموصوف بالجسمية. وكل من اعتقد ذلك كان كافرا. ومنها - انه اقر بالتوحيد فقط ولم يقر بنبوة موسى، فلذا لم يقبل منه. وفيه عنه عليه السلام: في قول فرعون (ذروني اقتل موسى) من كان يمنعه ؟ قال منعته رشدته، ولا يقتل الانبياء واولاد الانبياء إلا اولاد الزنا. أقول: الرشدة طيب الولادة، وفرعون لم يتولد من الزنا، ومن ذلك جاء في الاخبار الصحيحة: ان الالوف الذين حضروا واقعة الطفوف كانوا ما بين ولد زنية أو حيضة، ولعل التفصيل إشارة الى من اعان على القتال، تبين فيه نصب العداوة لاهل البيت عليه السلام. و ورد انه لا يبغضهم إلا ولد من الزنا. واما من حضر وكثر السواد ولم يقاتل فهو ممن حمل به في الحيض. وفي (قصص الانبياء) عن العبد الصالح صلوات الله عليه قال: كان من قول موسى حين دخل على فرعون: اللهم اني أدرأ بك في نحره واستجير بك من شره واستعين بك، فحول الله ما كان في قلب فرعون عن الأمن خوفا. و روى الصدوق قال: غار النيل على عهد فرعون، فأتاه اهل مملكته فقالوا: ايها الملك إجر لنا النيل قال اني لم ارض عنكم، ثم ذهبوا فأتوه فقالوا: ايها الملك نموت ونهلك ولئن لم تجر لنا النيل لنتخذن إلها غيرك قال اخرجوا الى الصعيد فخرجوا، فتنحى عنهم حيث لا يرونه ولا يسمعون كلامه، فألصق خده بالارض واشار بالسبابة وقال: اللهم اني خرجت اليك خروج العبد الذليل الى سيده واني اعلم انك تعلم انه لا يقدر على إجرائه احد غيرك فاجره. قال: فجرى النيل جريا لم يجر مثله، فأتاهم فقال لهم: اني قد اجريت لكم النيل، فخروا له سجدا. وعرض له جبرئيل عليه السلام فقال: ايها الملك اعني على عبد لي قال فما قصته ؟

[ 276 ]

قال: عبد لي ملكته على عبيدي وخولته على مفاتيحي فعاداني و احب من عاداني وعادى من احببت. قال لبئس العبد عبدك، لو كان لي عليه سبيل لأغرقته في بحر القلزم، قال: ايها الملك اكتب لي بذلك كتابا فدعى بكتاب ودواة فكتب ما جزاء العبد الذي يخالف سيده فأحب من عادى وعادى من احب إلا ان يغرق في بحر القلزم قال: ايها الملك إختمه، فختمه ثم دفعه إليه. فلما كان يوم البحر أتاه جبرئيل عليه السلام بالكتاب فقال: خذ هذا ما استحققت به على نفسك وهذا ما حكمت به على نفسك. اقول: قد أوردوا شبهة في هذا المقام وهو انه يلزم من اجراء الماء مثلا على يدي فرعون اغراء قومه وغيرهم باتباعه وقبول قوله: وهذا غير جائز على الحكيم، ولم أر من تعرض للجواب عنها، لأنها شبهة فاسدة في نفس الامر، الا ان الشبهات كلها من هذا الباب، فلزم التعرض للجواب عنها، مع انها لا اختصاص لها في هذا الباب المورد، بل جارية في موارد كثيرة كما ستعرف ان شاء الله تعالى. والجواب عنها من وجوه: (الوجه الاول) ان الامور التي يظهر بطلانها على العامة والخاصة، ومن اعمل العقل فيها لا اغراء للناس في وجودها، وذلك ان ربوبية فرعون كان أمرا باطلا تدركه العقول والاوهام والافهام ومن طاوعه عليها لم يكن منها على يقين، ولهذا قالوا له لئن لم تجر لنا النيل لنتخذن الها غيرك. فظهر: ان سجودهم له وقولهم بربوبيته انما هو مستند الى اطماع الدنيا واعتباراتها والهرب من شره وعذابه الذي كان يوقعه لغيرهم وقد اطاعوا في متابعته الاهواء والوساوس الشيطانية، وما كانت التقية تبلغ بهم الى ذلك الحد و ارتكاب الاقوال الباطلة. وبالجملة فقوله لهم انا ربكم الاعلى، امر ظاهر البطلان، وحينئذ فاجراء ماء النيل مثلا لا يلزم منه اغراؤهم بالقول بربوبيته.

[ 277 ]

نعم إذا وقع التحدي للنبي أو الامام صلوات الله عليهم بأمر من الامور الدالة على صدق دعواهم لا يجوز اجراؤه على يد المبطل من غيرهم. و لهذا لما ادعى الامامة في زمن الكاظم عليه السلام جماعة من اخوته وبني عمه كان يتحداهم بالجلوس وسط النار، مع ان دخول النار والجلوس فيها مبتذل في هذه الاعصار لكثير من عوام مذهبنا مذهب المخالفين. (الوجه الثاني) ان الله سبحانه اقسم بعزته انه لا يضيع عمل عامل ومن يرد حرث الدنيا في ذلك العمل يؤته منها ومن يرد حرث الآخرة يؤته منها. ومن هذا جاء في الاخبار: ان امهال الشيطان الى يوم القيامة وتسلطه على بني آدم وما اعطاه الله سبحانه مما طلب، انما سبب عبادته في السماء. كما قال مولانا امير المؤمنين عليه السلام انه عبد الله في السماء سته آلاف سنة. لا يدرى أ من سنى الدنيا ام من سنى الآخرة. وأما فرعون فجاء في الاخبار ان الله سبحانه امهله اربعمائة سنة، يدعي فيها الربوبية، لانه كان حسن الاخلاق سهل الحجاب وما جلس على مائدة الا كان فيها الايتام و المساكين. روي عن علي عليه السلام: انما امهل الله فرعون في دعوته لسهولة اذنه وبذل طعامه، فجوزي في الدنيا على اعماله. وكون ذلك الجزاء مستلزما لنقص الغير مما يمكن الاحتراز عنه لا يمنع منه، لان جزاء ابليس على عمله، استلزم تسلطه على بني آدم، لكنه لا يؤول الى جبرهم بل هم مختارون في الطاعة. وهذا الوجه يجري في موارد كثيرة، وذلك ان كفار الهند وغيرهم إذا تعبدوا لله سبحانه بزعمهم يجري على ايديهم الافعال الغريبة كالاخبار عن الغائبات ونحوها. ومثل جماعة من اهل الخلاف يجري على يدي جماعة من مشايخهم جزاء لعبادتهم ما لا يجري على يدي غيرهم من اهل الله.

[ 278 ]

(الوجه الثالث) ان فرعون وهامان كانا حاذقين في السحر وبه غلبا على قومهما فلعل تلك الافعال الغريبة كانت مستندة الى السحر، ولا ينافيه سجوده وتضرعه لله تعالى ودعائه. فان السحرة لا يخلو سحر من سحرهم عن الآيات والادعية، وان ضموا إليها امورا اخر. فلعل جريان النيل كان من ذلك العلم. ويجري ايضا في غيره من الموارد في الكفار والمخالفين. (الوجه الرابع) ان الحكمة الالهية اقتضت ان يكون طريق التكليف مقرونا بالالطاف والتوفيقات ومحفوفا بالابتلاء والاختبار ومعارضات العقول والاوهام ليتميز المؤمن من غيره والمجاهد من القاعد ومن يغلب الهوى عليه ممن يجري على مقتضى العقول و بزوال الاوهام. وذلك ان الله سبحانه أرسل الى فرعون وقومه وموسى وهارون الحجج القاطعة والآيات الباهرة والالطاف الالهية والتوفيقات الربانية، ولو عملوا فيها بمقتضى العقول وتجردوا عن الاوهام و الشكوك لكانت موجبة لايمانهم. وأما الذي جرى على يد فرعون من الامور الغريبة، فكان من باب الابتلاء والاختبار لقومه. وهذا مما ليس فيه اغراء ولا يوجب لفرعون ربوبية ولا نبوة. وهذا أيضا يجري في غيره من الموارد الكثيرة في طبقات الكفار والمخالفين. فان كون عبد السلام البصري مثلا يلزم الحيات ويدخل مع تلاميذه النار ويفعل الافعال الغريبة لا يوجب ان يكون مذهبه على الحق ولا ان تكون طريقته هي المثلى لان كثيرا من كفار الهند وغيرهم يصنعون ما هو اغرب واعجب. (الوجه الخامس) ان الحكمة الالهية قد جرت بأنه إذا اكمل الحجة على عباده و اقام فيهم البراهين واكمل فيهم العقول وارسل إليهم الانبياء. ولم يبق لهم عذر فان اطاعوه وقبلوا الايمان به وبرسله، جازاهم في الدنيا والآخرة، وان ابوا

[ 279 ]

الا العناد واللجاج وتكذيب الايات والرسل، امهلهم واملى لهم واستدرجهم و كلما ازدادوا في الطغيان زادت عليهم النعم وهم يحسبون انه من صنيع الله إليهم واحسانه عليهم. كما قال عز شأنه: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * واملى لهم ان كيدي متين) فما كان يصنعه جل وعز الى فرعون وقومه من نعم الدنيا، كان من باب الاملاء والاستدراج. وهكذا الحال في بعض الموارد، فان الكوفي ابا (...) كان يقول في مجلس الكوفة: قال علي، وأنا أقول. يعني خلافا لقوله. ولا شك ان قول علي عليه السلام هو حكم الله تعالى، وان غايره يكون حكم الشيطان، فقد جعل نفسه وفتواه شريكا لله تعالى، ومع ذلك امهله الله تعالى واستدرجه في نعم الدنيا والاعتبار عند الملوك والسلاطين واعتماد الناس على أقواله ومذاهبه في حياته وبعد مماته الى يوم القيامة. والناس يظنون ان ذلك من ألطاف الله سبحانه عليه، وليس هو إلا استدراجا وجزاءا لاعماله. فانه حكي عنه انه قام الليل من نصفه أو من اوله الى آخره عابدا داعيا مدة عشرين سنة. وهكذا حال اصحابه من باقي الفقهاء الاربعة. وبقيت وجوه كثيرة لا نطيل الكتاب بذكرها. (علل الشرايع) سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن يوم الاربعاء والتطير منه فقال عليه السلام: آخر اربعاء في الشهر وهو المحاق. ويوم الاربعاء غرق الله فرعون و يوم الاربعاء طلب فرعون موسى ليقتله ويوم الاربعاء امر فرعون بذبح الغلمان ويوم الاربعاء أطل قوم فرعون العذاب. وعن أبي جعفر عليه السلام: لما رجع موسى الى امرأته، قالت من أين جئت ؟ قال: من عند رب تلك النار. قال: فغدا الى فرعون، فو الله لكأني انظر إليه طويل الباع ذو شعر ادم عليه

[ 280 ]

جبة من صوف عصاه في كفه مربوط حقوه بشريط، نعله من جلد حمار شراكها من ليف، فقيل لفرعون ان على الباب فتى، يزعم انه رسول رب العالمين فقال فرعون لصاحب الاسد خل سلاسلها، وكان إذا غضب على أحد خلاها فقطعته، فخلاها و قرع موسى الباب الاول وكانت تسعة ابواب، فلما قرع موسى الباب الاول انفتحت له الابواب التسعة، فلما دخل جعلن يبصبصن تحت رجليه كأنهن جراء، فقال فرعون لجلسائه: أرأيتم مثل هذا قط. فلما أقبل إليه (قال ألم نربك فينا وليدا...) الآية. فقال فرعون لرجل من اصحابه قم فخذ بيده وقال للآخر اضرب عنقه، فضرب جبرئيل عليه السلام بالسيف حتى قتل ستة من اصحابه، فقال خلوا عنه. قال: فأخرج يده فإذا هي بيضاء قد حال شعاعها بينه وبين وجهه، وألقى العصا فإذا هي حية فالتقمت الايوان بلحييها، فدعاه ان يا موسى أقلني الى غد، ثم كان من امره ما كان. وعن ابن ابي عمير قال: قلت لموسى بن جعفر عليه السلام إخبرني عن قول الله عز وجل لموسى: (اذهب الى فرعون انه طغى * فقولا له قولا لينا * لعله يتذكر أو يخشى). فقال: أما قوله (لينا) يعني كنياه وقولا يا أبا مصعب واسمه الوليد بن مصعب. وأما قوله: (يتذكر أو يخشى) فانما قال ليكون احرص لموسى على الذهاب وقد علم الله عز وجل ان فرعون لا يتذكر ولا يخشى إلا عند رؤية العذاب الا تسمع الله عز وجل يقول: (حتى ادركه الغرق قال آمنت انه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين). فلم يقبل الله ايمانه، وقال: (الآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين). وعن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: كان على مقدمة فرعون ستمائة الف ومائتي الف وعلى ساقته الف الف، فدخلوا البحر وغرقوا. وقوله: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) يقول: نلقيك

[ 281 ]

على نجوة من الارض لتكون لمن بعدك علامة وعبرة. وعن ابان الاحمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وفرعون ذي الاوتاد) فقال: كان إذا عذب رجلا بسطه على الارض على وجهه ومد يديه ورجليه فأوتدها بأربعة اوتاد في الارض فتركه حتى يموت. وعن أبي عبد الله عليه السلام: التسع آيات الله اوتي موسى عليه السلام فقال: الجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والعصا ويده. وعنه عليه السلام: شاطئ الواد الايمن الذي ذكره الله في كتابه: هو الفرات والبقعة المباركة هي كربلاء، والشجرة هي محمد صلى الله عليه وآله. أقول: يعني نور محمد صلى الله عليه وآله ظهرت من تلك الشجرة. (العياشي) عن عاصم رفعه قال: ان فرعون بنى سبع مدائن يتحصن فيها من موسى عليه السلام وجعل فيها اجاما للأسد. فلما بعث الله موسى الى فرعون، فدخل المدينة و رأى الأسود: تبصبصت وولت مدبرة. قال: ثم لم يأت مدينة إلا فتح الله له بابها الى قصر فرعون الذي هو فيه، فقعد على بابه وعليه مدرعة من صوف ومعه عصاه فلما خرج الآذن قال له موسى إستاذن على فرعون فلم يلتفت إليه فأكثر عليه فقال له الآذن: أما وجد رب العالمين من يرسله غيرك ؟ فغضب موسى فضرب الباب بعصاه، فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلا انفتح، حتى نظر إليه فرعون وهو في مجلسه، فقال إدخلوه، فدخل عليه وهو في قبة له ارتفاعها ثمانون ذراعا، فقال: (إني رسول رب العالمين * قال فأت بآية إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه..) وكان لها شعبتان فإذا هي حية قد وقع احدى الشعبتين في الارض والشعبة الاخرى في أعلى القبة، فنظر فرعون الى جوفها وهو يلتهب نيرانا وأهوت إليه، فأحدث وصاح يا موسى خذها. و روى العياشي عن يونس بن ظبيان قال: قال ان موسى وهارون حين دخلا على فرعون ولم يكن في جلسائه يومئذ ولد سفاح كانوا ولد نكاح كلهم وإن كان

[ 282 ]

فيهم ولد سفاح لأمر بقتلهما (فقالوا إرجه وأخاه) وأمره بالتأني والنظر، ثم وضع يده على صدره، قال: وكذلك نحن لا يقصدنا بشر إلا كل خبيث الولادة. (تفسير الامام الحسن العسكري) قال: ان موسى عليه السلام لما انتهى الى البحر، أوحى الله عز وجل إليه: قل لبني اسرائيل جددوا توحيدي وأمروا بقلوبكم ذكر محمد صلى الله عليه وآله سيد عبيدي وإمائي واعيدوا على انفسكم الولاية لعلي اخي محمد وآله الطيبين وقولوا: اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء، يتحول لكم ارضا فقال لهم موسى ذلك فقالوا اتورد علينا ما نكره وهل فررنا من فرعون إلا من خوف الموت وانت تقحم بنا هذا الماء بهذه الكلمات وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا فقال لموسى كالب بن يوحنا وهو على دابة له وكان ذلك الخليج اربعة فراسخ: يا نبي الله أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل الماء ؟ فقال نعم، فوقف و جدد توحيد الله ونبوة محمد وولاية علي والطيبين من آلهما، كما امر به ثم قال: اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء، ثم اقتحم فرسه فركض على متن الماء حتى بلغ آخر الخليج، ثم عاد راكضا، فقال: يا بني اسرائيل اطيعوا موسى، فما هذا الدعاء إلا مفتاح ابواب الجنان ومغاليق ابواب النيران ومستنزل الأرزاق و جالب على عبيد الله وامائه رضاء المهيمن الخلاق فأبوا وقالوا نحن لا نسير إلا على الارض، فأوحى الله الى موسى: اضرب بعصاك البحر وقل اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما فلقته. ففعل فانفلق وظهرت الارض الى آخر الخليج. فقال موسى عليه السلام: ادخلوا قالوا الارض وحلة نخاف ان نرسب فيها فقال الله: يا موسى قل: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين جففها. فقالها فأرسل الله عليها ريح الصبا فجففت وقال موسى: ادخلوا قالوا: يا نبي الله نحن اثنا عشر قبيلة بنو اثنا عشر ابا وان دخلنا رام كل فريق تقدم صاحبه فلا نأمن وقوع الشر بيننا فلو كان لكل فريق منا طريق على حدة لآمنا ما نخافه فأمر الله موسى ان يضرب البحر بعددهم اثنى عشر ضربة في اثنى عشر موضعا ويقول: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين بين لنا الارض فصار فيه تمام اثنى عشر طريقا وجف الارض بريح الصبا، فقال ادخلوها قالوا كل فريق

[ 283 ]

منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين فقال الله عز وجل: فاضرب كل طود من الماء بين هذا السكك فضرب وقال: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت هذا الماء طاقات واسعة يرى بعضهم بعضا فحدث طاقات واسعة يرى بعضهم بعضا فلما دخلوا جاء فرعون و قومه فدخلوا، فأمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقوا وأصحاب موسى ينظرون إليهم. ثم قال الله عز وجل لبني اسرائيل في عهد محمد صلى الله عليه وآله: فإذا كان الله تعالى فعل كله بأسلافكم لكرامة محمد صلى الله عليه وآله ودعا موسى دعاء تقرب بهم، أفما تعقلون ان عليكم الايمان بمحمد وآله وقد شاهدتموه الآن. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: بين قوله: قد اجيبت دعوتكما وبين اخذ فرعون أربعون سنة. قال الثعلبي: قال العلماء بأخبار الماضين: لما كلم الله موسى و بعثه الى مصر خرج وليس معه زاد ولا سلاح وكان يستعين بالصيد وببقول الارض، و لما قرب من مصر أوحى الله الى أخيه هارون يبشره بقدوم موسى ويخبره انه جعله لموسى وزيرا ورسولا معه الى فرعون وأمره أن يمر يوم السبت لغرة ذي الحجة متنكرا الى شاطئ النيل ليلتقي في تلك الساعة بموسى. فخرج هارون واقبل موسى عليه السلام، فالتقيا على شط النيل قبل طلوع الشمس، فاتفق انه كان يوم ورود الاسد الماء، وكان لفرعون اسد تحرسه في غيضة محيطة بالمدينة من حولها. وكان فرعون إذ ذاك في مدينة حصينة عليها سبعون سورا في كل سور رساتيق وانهار ومزارع وأرض واسعة في ربض كل سور سبعون الف مقاتل ومن وراء تلك المدينة غيضة تولى فرعون غرسها بنفسه ثم اسكنها الاسد، فنسلت وتوالدت حتى كثرت ثم اتخذها جندا من جنوده تحرسه وجعل خلال تلك الغيضة طرقا تفضي من يسلكها الى ابواب المدينة، فمن أخطأ الطريق وقع في الغيضة فأكلته

[ 284 ]

الأسود وكانت الاسود إذا وردت النيل ظلت عليها يومها كلها، ثم تصدر مع الليل، فالتقى موسى وهارون يوم ورودها، فلما أبصرتهما الاسد مدت أعناقها ورؤوسها اليهما و شخصت ابصارها نحوهما، وقذف الله تعالى في قلوبها الرعب فانطلقت منهزمة نحو الغيضة، وكان لها ساسة يسوسونها ويحرسونها من الناس. فلما أصابها ما أصابها خاف ساستها فرعون ولم يشعروا من أين أتوا، فانطلق موسى وهارون في تلك المسبعة حتى وصلا الى باب المدينة الاعظم الذي هو اقرب ابوابها الى منزل فرعون وكان منه يدخل ويخرج، فأقاما إليه سبعة ايام. فكلمهما واحد من الحراس وزيرهما وقال لهما هل تدريان لمن هذا الباب ؟ فقال موسى: ان هذا الباب وما فيها لرب العالمين وأهلها عبيد له، فسمع ذلك الرجل قولا لم يظن ان أحدا من الناس يفصح بمثله، فأسرع الى كبرائه الذين هم فوقه فقال لهم: سمعت اليوم قولا من رجلين هو اعظم عندي مما اصابنا في الاسد وما كانا ليقدما على ما قدما عليه إلا بسحر عظيم واخبرهم القصة فتداولوه حتى انتهوا الى فرعون. وقال السدي باسناده: سار موسى عليه السلام بأهله نحو مصر حتى أتاها ليلا فتضيف امه وهي لا تعرفه، وانما أتاهم في ليلة كانوا يأكلون فيها الطفيشل - نوع من المرق، ونزل في جانب الدار، فجاء هارون، فلما أبصر ضيفه سأل عنه امه فأخبرته انه ضيف فدعاه فأكل معه، فلما ان قعد تحدثا، فقال له هارون: من انت ؟ فقال: أنا موسى، فتعانقا، فقال له موسى: يا هارون انطلق معي الى فرعون فان الله عز و جل قد ارسلنا إليه. فقال هارون: سمعا وطاعة، فقامت امهما فصاحت: وقالت انشدكما الله ان تذهبا الى فرعون فيقتلكما. فانطلقا إليه فأتيا الباب و التمسا الدخول عليه ليلا فقرعا الباب ففزع فرعون وفزع البواب، وقال فرعون من هذا الذي يضرب ببابي في هذه الساعة ؟ فأشرف عليهما البواب فكلمهما، فقال له موسى: أنا رسول رب العالمين. وقال محمد بن اسحاق: خرج موسى حين قدم مصرا على فرعون هو واخوه حتى وقفا على باب فرعون يلتمسان الاذن فمكثا سنتين يغدوان الى بابه ويروحان

[ 285 ]

لا يعلم بهما ولا يجتري احد ان يعلمه بشأنهما، حتى دخل عليه بطال له يلعب عنده ويضحكه فقال له ايها الملك ان على بابك رجلا يقول قولا عجيبا زعم ان له إلها غيرك فقال إدخلوه فدخل موسى وهارون، فلما وقفا عنده دعا موسى بدعاء فتحول خوفه أمنا. وكذا كل من يدعو بذلك الدعاء. ثم قال فرعون لموسى من انت ؟ قال: انا رسول رب العالمين، فتأمله فرعون فعرفه، فقال: (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين) الى آخر الآيات والمنازعات. (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان) وتوجهت نحو فرعون لتأخذه، فوثب عن سريره واحدث، حتى قامت به بطنه في يومه ذلك اربعين مرة. وكان فيما يزعمون لا يسعل ولا يصدع و لا تصيبه آفة مما تصيب الناس وكان يقوم في اربعين يوما مره وكان اكثر ما يأكل المرز لكيلا يكون له ثفل فيحتاج الى القيام وكانت هذه الاشياء مما زين له ان قال ما قال، لأنه ليس له من الناس شبيه، فلما قصدته الحية نادى يا موسى اكففها عني بحرمة الرضاع واني اؤمن بك وارسل معك بني اسرائيل فأخذها موسى فعادت عصا، ثم نزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء مثل الثلج لها شعاع كشعاع الشمس، فقال له فرعون هذه يدك فأدخلها موسى جيبه واخرجها الثانية ولها نور ساطع في السماء تكل منه الأبصار، فلم يستطع فرعون النظر إليها، ثم ردها موسى واخرجها على لونها الأول، فهم فرعون بتصديقه، و قال له هامان: بينما انت إله تعبد إذ انت تابع لعبد فقال فرعون لموسى: امهلني الى غد. واوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام: ان قل لفرعون: انك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك و رددت شابا طريا فاستنظره فرعون. فلما كان من الغد دخل عليه هامان فأخبره فرعون بما وعد موسى فقال له هامان و الله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا فنفخ في منخره ثم قال له هامان: انا اردك شابا فأتاه بالوسمة فخضبه بها.

[ 286 ]

فلما دخل عليه موسى و رآه على تلك الحالة، هاله ذلك. فأوحى الله تعالى إليه: لا يهولنك ما رأيت فانه لم يلبث إلا قليلا حتى يعود الى الحالة الاولى. وفي بعض الروايات ان موسى و هارون لما انصرفا من عند فرعون اصابهما المطر في الطريق، فأتيا على عجوز من اقرباء امهما، و وجه فرعون الطلب في اثرهما، فلما دخل عليهما الليل ناما في دارها، و جاء الطلب الى الباب والعجوز منتبهة، فلما احست بهم خافت عليهما، فخرجت العصا من ثقب الباب والعجوز تنظر، فقاتلتهم حتى قتلت منهم سبعة انفس ثم عادت ودخلت الدار. فلما إنتبه موسى وهارون اخبرتهما بقصة الطلب ونكاية العصا فيهم، فآمنت بهما وصدقتهما. قال الثعلبي: قالت العلماء بأخبار الانبياء، ان موسى وهارون عليهم السلام وضع فرعون امرهما على السحر فأراد قتلهما فقال العبد الصالح حزقيل مؤمن آل فرعون: اتقتلون رجلا يقول: ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم فقال الملأ من قوم فرعون (إرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم). وكانت لفرعون مدائن فيها السحرة معدة لفرعون، إذا احزنه امر. وقال ابن عباس: قال فرعون لما رأى سلطان الله في اليد والعصا: إنا لا نغالب موسى إلا بمن هو مثله، فأخذ غلمانا من بني اسرائيل فبعث بهم الى قرية يقال لها العرما يعلمونهم السحر كما يعلمون الصبيان في المكتب، فعلموهم سحرا كثيرا و واعد فرعون موسى موعدا، فبعث فرعون الى السحرة فجاء بهم ومعهم معلمهم، فقالوا له ماذا صنعت قال علمتهم سحرا لا يطيقه سحر اهل الأرض إلا ان يكون امر من السماء فانه لا طاقة لهم به. ثم بعث فرعون فجمع السحرة كلهم وكانوا اثنين وسبعين الفا. وقال كعب: كانوا اثنى عشر الفا. وقيل: بضعا وثلاثين الفا.

[ 287 ]

وقال عكرمة: سبعين الفا. وقيل: ثمانين الفا، واختار منهم سبعة آلاف واختار من اولئك سبعمائة. و كان رئيس السحرة اخوين بأقصى مدائن الصفر، فلما جاءهما رسول فرعون قالا لامهما دلينا على قبر ابينا فأتياه فصاحا باسمه فأجابهما فقالا ان الملك وجه علينا ان نقدم عليه لأنه اتاه رجلان ليس معهما رجال ولا سلاح ولهما عز ومنعة وقد ضاق الملك ذرعا من عزهما ومعهما عصا إذا ألقياها فلا يقوم لها شىء تبلع الحديد و الخشب والحجر. فأجابهما ابوهما انظرا إذا هما ناما فان قدرتما ان تسلا العصا فسلاها، فان الساحر لا يعمل سحره وهو نائم وإن عملت العصا وهما نائمان، فذلك امر رب العالمين، ولا طاقة لكما بهما ولا لجميع اهل الدنيا. فأتياهما في خيفة وهما نائمان ليأخذا العصا: فقصدتهما العصا ثم واعدوه يوم الزينة وكان يوم سوق لهم. وقال ابن عباس: كان يوم عاشوراء و وافق يوم السبت اول يوم النيروز يجتمع الناس من الآفاق وكان بالاسكندرية. فلما اجتمع الناس والسحرة جاء موسى متكئا على عصاه ومعه هارون، فقال موسى للسحرة: ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب أليم. فقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر وقالوا لنأتينك اليوم بسحر لم تر مثله وكانوا قد جاؤوا بالعصي والحبال تحملها ستون بعيرا، فقال لهم موسى إلقوا فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا هي حيات كامثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا تسعى (فأوجس في نفسه خيفة موسى)، فقال: والله إن كانت العصيات في ايديهم فلقد عادت حيات وما يعدون عصاي‍ هذه. فأوحى الله إليه: (لا تخف انك انت الاعلى * والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا، إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث اتى * فالقى عصاه فإذا هي ثعبان عظيم) اسود مدلهم على اربع قوائم، قصار غلاظ وهو اعظم واطول

[ 288 ]

من البختي وله ذنب يقوم عليه فيشرف فوق حيطان المدينة رأسه لا يضرب ذنبه على شىء الا حطمه و يكسر بقوائمه الصخور و يضرم حيطان البيوت نارا و منخراه تنفخان سموما و على مفرقه شعر كأمثال الرماح، فاستعرضت ما القى السحرة من حبالهم وعصيهم وهي حيات في عين فرعون واعين الناس فابتلعتها واحدا واحدا حتى ما يرى بالوادي قليلا ولا كثيرا، فانهزم الناس وتزاحموا ووطىء بعضهم بعضا حتى مات يومئذ خمسة وعشرون الفا وانهزم فرعون مرعوبا، وقد إستطلق بطنه في يومه ذلك من اربع مائة جلسة، ثم بعد ذلك الى اربعين مرة فى اليوم والليلة على الدوام الى ان هلك. فلما عاين السحرة ما عاينوا قالوا لو كان سحرا لما خفي علينا امره، ولو كان سحرا فأين حبالنا وعصينا (فخروا سجدا وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون). وكان فيهم اربعة شيوخ: سابور، عارور حطحط، مصفا، فلما آمن السحرة قال فرعون متجلدا (آمنتم به قبل ان آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف * فقالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات فاقض ما انت قاض). فقطع ايديهم وارجلهم و صلبهم، وهو اول من فعل ذلك فأصبحوا سحرة كفرة وامسوا شهداء بررة. و رجع فرعون مغلوبا، وابى إلا الاقامة على الكفر، فتابع الله عليه بالآيات و اخذه و قومه الى ان اهلكهم. ورجع موسى عليه السلام والعصا تتبعه وتبصبص حوله وتلوذ به كما يلوذ الكلب الألوف بصاحبه، و الناس ينظرون إليها حتى دخل موسى عسكر بني اسرائيل واخذ برأسها فإذا هي عصا كما كانت. واعتزل موسى عليه السلام في مدينته ولحق بقومه وعسكروا مجتمعين الى ان صاروا ظاهرين. قال الثعلبي: فلما خاف فرعون على قومه ان يؤمنوا بموسى عليه السلام عزم

[ 289 ]

على بناء صرح يقوي به سلطانه، فقال يا هامان (ابن لي صرحا...) الآية. فجمع العمال و الفعلة حتى اجتمع له خمسون الف بناء سوى الاتباع والاجراء ممن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب والابواب ويضرب المسامير، فلم يزل يبني ذلك الصرح الى أن فرغ منه في سبعة سنين وارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان احد من الخلق منذ خلق الله السموات والارض. فبعث الله عز وجل جبرئيل عليه السلام فضرب بجناحه الصرح فقطعه ثلاث قطع، وقعت قطعة منها في البحر، واخرى في الهند، واخرى في المغرب. وقال الضحاك: بعثه الله وقت الغروب فقذف به على عسكر فرعون فقتل منهم الف الف رجل ولم يبق أحد عمل فيه شيئا إلا أصابه موت أو حريق أو عاهة. ثم ان فرعون بعد ذلك عزم على قتال موسى (ع) فلما لم يؤمن أوحى الله تعالى إلى موسى: ان اجمع بني اسرائيل كل أربعة اهل ابيات في بيت، ثم اذبحوا أولاد الضأن واضربوا بدمائها على الأبواب، فاني مرسل على اعدائكم عذابا، واني سامر الملائكة فلا يدخل بيتا على بابه دم وسامرها تقتل أبكار آل فرعون من انفسهم وأموالهم فستسلمون أنتم ويهلكون هم، ثم اخبزوا خبزا فطيرا فانه أسرع لكم، (ثم اسر بعبادي) حتى تنتهي بهم البحر فيأتيك أمري. ففعل ذلك بنو اسرائيل، فقال النبط لبني اسرائيل: لم تعالجون هذا الدم على أبوابكم ؟ فقالوا: ان الله مرسل عذابا، فنسلم وتهلكون، فقالت النبط: فما يعرفكم ربكم إلا بهذه العلامات ؟ فقالوا: هكذا أمرنا نبينا. فأصبحوا وقد طعن أبكار آل فرعون وماتوا كلهم في ليلة واحدة، وكانوا سبعين الفا، فاشتغلوا بدفنهم وبالحزن عليهم. وسرى موسى عليه السلام بقومه متوجهين الى البحر، وهم ستمائة الف وعشرون الفا لا يعد فيهم ابن سبعين سنة لكثرتهم لكبره ولا ابن عشرين لصغره وهم المقاتلة دون الذرية، وكان موسى عليه السلام على الساقة وهارون على المقدمة. فلما فرغت القبط من دفن ابكارهم وبلغهم خروج بني اسرائيل، قال فرعون:

[ 290 ]

هذا عمل موسى، قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا، ثم خرجوا و لم يرضوا ان ساروا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالنا معهم، فنادى في قومه فأرسل في المدائن من يجمع الساحرين. وقال ابن جريج: أرسل فرعون في أثر موسى وقومه الف الف وخمسمائة الف ملك مسود مع كل ملك الف. ثم خرج فرعون خلفهم في الدهم وكانوا مائة الف رجل كل واحد منهم راكب حصانا أدهم. فلما اغرقوا في البحر بعث موسى (ع) جندين عظيمين من بني اسرائيل كل جند اثنا عشر الفا إلى مدائن فرعون وهي خالية من أهلها لم يبق منهم إلا النساء والصبيان والزمنى و المرضى والهرمى، وأمر على الجندين يوشع بن نون وكالب بن يوحنا، فدخلوا بلاد فرعون فغنموا ما كان فيها من أموالهم وكنوزهم. ثم ان يوشع استخلف على قوم فرعون رجلا منهم، وعاد إلى موسى بمن معه سالمين غانمين. تفسير علي بن ابراهيم: (قال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري، فاوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي اطلع إلى إله موسى واني لأظنه من الكاذبين) فبنى، هامان له في الهواء صرحا بلغ مكانا في الهواء لم يقدر الانسان ان يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء، فقال لفرعون: لا نقدر على ان نزيد على هذا. وبعث الله رياحا فرمت به، فاتخذ فرعون عند ذلك التابوت وعمد إلى اربعة أنسر، فأخذ فراخها ورباها، حتى إذا بلغت وكبرت عمدوا الى جوانب التابوت الاربعة فقرروا في كل جانب منه خشبة وجعلوا على رأس كل خشبة لحما وجوعوا الانسر وشدوا أرجلها بأصل الخشبة، فنظرت الأنسر إلى اللحم فأهوت إليه وارتفعت في الهواء فأقبلت تطير يومها، فقال فرعون لهامان: انظر إلى السماء هل بلغناها ؟ فنظر هامان فقال: أرى السماء كما كنت أراها في الارض في البعد فقال: انظر الى الارض، فقال: لا أرى الارض ولكن أرى البحار والماء.

[ 291 ]

قال: فلم تزل الانسر ترتفع حتى غابت الشمس وغابت عنهم البحار والماء، و جنهم الليل فنظر هامان الى السماء فقال فرعون: هل بلغناها ؟ فقال: أرى الكواكب كما كنت أراها في الأرض. ثم جالت الرياح القائمة في الهواء فأقبلت التابوت، فلم يزل يهوي حتى وقع على الارض، فكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت (علل الشرائع) عن ابي الحسن عليه السلام قال: احتبس القمر عن بني اسرائيل فأوحى الله جل جلاله الى موسى عليه السلام: اخرج عظام يوسف من مصر، و وعده طلوع القمر إذا أخرج عظامه. فسأل موسى عمن يعلم موضعه ؟ فقيل له: هاهنا عجوز تعلم علمه، فبعث إليها، فأتي بعجوز مقعدة عمياء، فقال لها: أتعرفين موضع قبر يوسف ؟ قالت: نعم، قال: فاخبريني به، قالت: لا، حتى تعطيني أربع خصال: تطلق رجلي، وتعيد لي شبابي، وتعيد لي بصري، وتجعلني معك في الجنة. قال: فكبر ذلك على موسى عليه السلام فأوحى الله جل جلاله إليه: يا موسى إعطها ما سألت، فانك إنما تعطي علي. ففعل فدلته عليه، فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر. فلما أخرجه طلع القمر، فحمله إلى الشام. فلذلك يحمل اهل الكتاب موتاهم الى الشام. (الكافي) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان قوما ممن آمنوا بموسى عليه السلام قالوا: لو أتينا عسكر فرعون فكنا فيه ونلنا من دنياه، فإذا كان الذي نرجوه من ظهور موسى عليه السلام صرنا إليه، ففعلوا. فلما توجه موسى وعسكره هاربين من فرعون، ركبوا دوابهم وأسرعوا في المسير ليلحقوا موسى وعسكره فيكونوا معه، فبعث الله ملكا فضرب وجوه دوابهم فردهم إلى عسكر فرعون، فكانوا مع فرعون. وفيه عن أبي الحسن عليه السلام قال: كان رجل من أصحاب موسى أبوه من اصحاب فرعون، فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلف عنهم ليعظ أباه فيلحقه بموسى، فمضى ابوه وهو يراغمه حتى بلغا طرفا من البحر، فغرقا جميعا، فأتى موسى

[ 292 ]

الخبر ؟ فقال: هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب الذنب دفاع. قال عليه السلام: ان أشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر: أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود الذي حاج ابراهيم في ربه، واثنان من بني اسرائيل هودا قومهم ونصراهم، وفرعون الذي قال: (أنا ربكم الأعلى)، واثنان من هذه الامة. أقول: الاول والثاني. و روي ان أول من اتخذ الآجر فرعون، حين أمر فرعون ببناء الصرح توهم الملعون انه لو كان إله كان جسما في السماء. وقيل: اراد ان يبني له رصدا يترصد منه اوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على من يبعثه رسول وتبدل دولته. و روي في قوله تعالى: (تخيل إليه من سحره انها تسعى) انها لم تكن تسعى حقيقة وانما تحركت: لأنهم جعلوا داخلها الزئبق، فلما طلعت الشمس طلب الزئبق الصعود، فحركت الشمس ذلك، فظن انها تسعى، فخاف موسى ان يلتبس على الناس أمرهم، ولم يفرقوا بين فعله وفعلهم فيشكوا. وقيل: انه خوف الطباع إذا رأى الانسان امرا فظيعا فانه يحذره ويخافه في اول وهلة. وقيل: انه خاف ان يتفرق الناس قبل القاء العصا وقبل ان يعلموا بطلان السحر فيبقوا في شبهة. وقيل: انه خاف، لانه لم يدر ان العصا إذا انقلبت حية، هل تظهر المزية ؟ لانه لم يعلم انها تتلقفها، وكان ذلك موضع خوف، لأنها لو انقلبت حية ولم تتلقف ما يأفكون، ربما ادعوا المساواة سيما والأهواء معهم والدولة لهم، فلما تلقفت زالت الشبهة. وقوله: (انه لكبيركم) اي استاذكم، ويعجز التلميذ عما يأتي به الاستاذ

[ 293 ]

أو رئيسكم ما عجزتم عن معارضته ولكنكم تركتم معارضته إحتشاما. و إنما قال ذلك لابهام العوام. وعن وهب: كانت العصا من عوسج، وكان طولها عشرة اذرع على مقدار قامة موسى عليه السلام. وقوله تعالى: (فقولا له قولا لينا * لعله يتذكر أو يخشى). فقيل: هو الكناية بأبى الوليد. وقيل: هو: (هل لك ان تزكى * واهديك الى ربك فتخشى). وقيل: هو ان موسى أتاه فقال له: أتسلم وتؤمن برب العالمين، على ان لك شبابك ولا تهرم وتكون ملكا لا ينزع الملك منك حتى تموت فإذا مت دخلت الجنة ؟ فأعجبه ذلك، وكان لا يقطع أمرا دون هامان، وكان غائبا فلما قدم اخبره بالذي كان دعاه إليه وانه يريد ان يقبل منه، فقال هامان: قد كنت أرى لك عقلا و رأيا بينا انت رب تريد ان تكون مربوبا، وبينا أنت تعبد تريد أن تعبد ؟. الفصل الخامس (في أحوال مؤمن آل فرعون، وامرأة فرعون، وخروج) (موسى عليه السلام وقومه من البحر، و حال ابتلائهم بالتقية) قال الله تعالى في مؤمن آل فرعون: (فوقاه الله) اي صرف الله عنه سوء مكرهم فجاء مع موسى عليه السلام حتى عبر البحر. (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا): اي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم صباحا ومساءا فيعذبون. وقال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة، لان نار القيامة لا تكون غدوا وعشيا.

[ 294 ]

ثم قال: إن كانوا يعذبون في النار غدوا وعشيا ففيما بين ذلك هم من السعداء، ولكن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة. ألم تسمع قوله عز وجل: (ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب). وهذا أمر للملائكة بادخالهم في أشد العذاب وهو عذاب جهنم. أقول: هذه النار هي نار البرزخ التي يعذب فيها أرواح الكفار في الدنيا وهي برهوت واد في حضرموت من بلاد اليمن، كما ان جنة الدنيا وادي السلام ومحلها ظهر الكوفة بين النجف وكربلاء وفيها ارواح المؤمنين في اجساد مثالية يتنعمون بها حتى يوافوا جنة، الخلد واولئك يوافون نار جهنم. (تفسير الامام الحسن العسكري عليه السلام) عن آبائه عن الصادق عليه السلام قال: كان حزقيل مؤمن آل فرعون يدعو قوم فرعون إلى توحيد الله ونبوة موسى وتفضيل محمد صلى الله عليه وآله على جميع رسل الله وخلقه وتفضيل علي بن أبي طالب والخيار من الائمة عليهم السلام على سائر اوصياء النبيين، وإلى البراءة من ربوبية فرعون. فوشى به واشون إلى فرعون وقالوا: ان حزقيل يدعو إلى مخالفتك ويعين اعداءك على مضادتك، فقال لهم فرعون: انه ابن عمي وخليفتي على ملكي و ولي عهدي إن فعل ما قلتم فقد استحق العذاب على كفره نعمتي ! وإن كنتم كاذبين فقد استحققتم اشد العذاب لإيثاركم الدخول في مساءته. فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا: انت تجحد ربوبية فرعون وتكفر نعماءه ؟ فقال حزقيل: ايها الملك هل جربت على كذبا قط ؟ قال: لا، قال: فسلهم من ربهم ؟ فقالوا: فرعون، قال: ومن خالقكم ؟ قالوا: فرعون، قال: و من رازقكم ؟ الكافل لمعاشكم والدافع عنكم مكارهكم ؟ قالوا: فرعون هذا. قال حزقيل: ايها الملك فاشهد ومن حضرك ان ربهم ربي وخالقهم هو خالقي و رازقهم هو رازقي لا رب لي و لا خالق و لا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم، واشهدك ومن حضرك أن كل رب وخالق سوى ربهم فأنا بريء منه ومن ربوبيته و كافر بآلهيته.

[ 295 ]

يقول حزقيل هذا وهو يعني ان ربهم هو: الله ربي، ولم يقل: ان الذي قالوا ربهم هو ربي. وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره و توهموا انه يقول: فرعون ربي وخالقي ورازقي. فقال لهم فرعون: يا طلاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي وهو عضدي، انتم المستحقون لعذابي لارادتكم فساد امري وإهلاك ابن عمي. ثم امر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتد وفي صدره وتد، وامر اصحاب امشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من ابدانهم. فذلك ما قال الله تعالى: (فوقاه الله سيئات ما مكروا به) لما وشوا به الى فرعون ليهلكوه، (وحاق بآل فرعون سوء العذاب) وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما اوتد فيهم الاوتاد ومشط عن ابدانهم لحومهم بالأمشاط. وعن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وآله اربع خطط في الارض وقال: أتدرون ما هذا ؟ قلنا: الله و رسوله اعلم، فقال: افضل نساء الجنة اربع: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. تفسير علي بن ابراهيم قدس الله ضريحه: (وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه) قال: كتم إيمانه ستمائة سنة وكان مجذوما مكنعا وهو الذي قد وقعت اصابعه وكان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين ويقول: يا قوم اتبعوني اهدكم سبيل الرشاد. وقوله: (فوقاه الله سيئات ما مكروا) يعني مؤمن آل فرعون. فقال أبو عبدالله (ع): ولقد قطعوه إربا إربا ولكن وقاه الله ان يفتنوه في دينه. وقال الثعلبي: قالت الرواة: كان حزقيل من اصحاب فرعون نجارا وهو الذي نجر التابوت لام موسى حين قذفته في البحر. وقيل: انه كان خازنا لفرعون مائه سنة، وكان مؤمنا مخلصا يكتم إيمانه إلى ان ظهر موسى عليه السلام على السحرة، فأظهر حزقيل يومئذ إيمانه فأخذ وقتل مع السحرة صلبا.

[ 296 ]

و اما امرأة حزقيل فانها كانت ماشطة بنات فرعون وكانت مؤمنة. و روي عن ابن عباس: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لما اسري بى مرت بي رائحة طيبة، فقلت لجبرئيل: ما هذه الرائحة ؟ فقال: هذه ماشطة آل فرعون واولادها، كانت تمشطها فوقعت المشطة من يدها، فقالت: بسم الله فقالت بنت فرعون: أبي ؟ قالت: لا، بل ربي وربك ورب ابيك، فأخبرت فرعون فدعا بها وبولدها، وقال: من ربك ؟ قالت: ان ربي وربك الله. فأمر بتنور من نحاس فاحمي فدعا بها وبولدها، فقالت: ان لي اليك حاجة وهي ان تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنها فقال: ذلك لك، لما لك من حق، فأمر بأولادها فالقوا واحدا واحدا بالتنور، حتى كان آخر ولدها وكان صبيا مرضعا: فقال: اصبري يا اماه انك على الحق، فالقيت في التنور مع ولدها. واما امرأة فرعون آسية: فكانت من بني اسرائيل وكانت مؤمنة خالصة وكانت تعبد الله سرا، إلى ان قتل فرعون امرأة حزقيل، فعاينت حينئذ الملائكة يعرجون بروحها، فزادت يقينا وإخلاصا. فبينا هي كذلك إذ دخل عليها فرعون يخبرها بما صنع، فقالت: الويل لك يا فرعون، ما اجرأك على الله جل و علا، فقال لها: لعلك اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبك ؟ فقالت: ما اعتراني جنون، بل آمنت بالله ربي و ربك و رب العالمين. فدعا فرعون امها فقال لها: ان ابنتك أخبريها فاقسم لتذوقن الموت أو لتكفرن بآله موسى. فخلت بها امها فسألتها موافقته في ما اراد ؟ فأبت وقالت: اما ان اكفر بالله فلا. فأمر بها فرعون حتى مدت بين اربعة اوتاد، ثم لا زالت تعذب حتى ماتت. وعن ابن عباس قال: اخذ فرعون امرأته آسية حين تبين له إسلامها يعذبها لتدخل في دينه. فمر بها موسى وهو يعذبها، فشكت إليه باصبعها ؟ فدعا الله موسى ان يخفف عنها، فلم تجد للعذاب ألما. وانها ماتت من عذاب فرعون، فقالت وهي في العذاب: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة، واوحى الله إليها: ان ارفعي

[ 297 ]

رأسك، فرفعت فرأت البيت في الجنة بني لها من در، فضحكت. فقال فرعون: انظروا الى الجنان التي بها تضحك وهي في العذاب. وقيل: انها كانت تعذب بالشمس وإذا انصرفوا عنها اظلتها الملائكة وجعلت ترى بيتها في الجنة. عن سلمان في تفسير علي بن ابراهيم: (وظللنا عليكم الغمام و انزلنا عليكم المن والسلوى...) الآية. فان بني اسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة، فقالوا يا موسى اهلكتنا وقتلتنا واخرجتنا من العمارة الى مفازة لا ظل و لا شجر و لا ماء، وكانت تجىء بالنهار غمامة فتظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن، فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه، وبالعشي يجيء طائر مشوي فيقع على موائدهم، فإذا أكلوا وشبعوا طار ومر. وكان مع موسى حجرا يضعه في وسط العسكر، ثم يضربه بعصاه فتنفجر منه إثنتا عشرة عينا، فيذهب الماء الى سبط في رحله، وكانوا اثنا عشر سبطا. فلما طال عليهم الأمد، قالوا يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها والفوم هو الحنطة. فقال لهم موسى: اتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير إهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم، فقالوا يا موسى (ان فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان: خرجوا منها فانا داخلون) فنصف الآية في سورة البقرة وتمامها وجوابها لموسى في سورة المائدة. أقول: هذا التبعيض في الآية الواحدة، الظاهر ان منشأه ما وقع في مصحف عثمان الذي سموه امام المصاحف، ولم يكن له ربط بترتيب القرآن، فكانت الآية الواحدة مقطعة في السورتين. و روي: انهم لما لم يوافقوا موسى عليه السلام على قتال الجبارين، أراد موسى ان يفارقهم، ففزعوا وقالوا إن خرج موسى من بيننا نزل علينا العذاب،

[ 298 ]

فسألوه ان يقيم معهم ويسأل الله ان يتوب عليهم فأوحى الله إليه: إني قد تبت عليهم على ان يدخلوا مصر، و حرمتها عليهم اربعين سنة يتيهون في الأرض عقوبة لقولهم (إذهب انت وربك فقاتلا) فدخلوا كلهم في التوبة والتيه إلا قارون. فكانوا يقومون في اول الليل ويأخذون في قراءة التوراة، فإذا اصبحوا على باب مصر دارت بهم الأرض فردتهم الى مكانهم، و كان بينهم وبين مصر اربع فراسخ، فبقوا على ذلك اربعين سنة. فمات هارون وموسى في التيه، ودخلها ابناؤهم وابناء ابنائهم. و روى الثعلبي عن محمد بن قيس قال: جاء يهودي الى علي بن ابي طالب عليه السلام فقال: يا ابا الحسن ما صبرتم بعد نبيكم إلا خمسا وعشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضا قال بلى ولكن ما جف اقدامكم من البحر حتى قلتم يا موسى إجعل لنا إلها كما لهم آلهة. وفي حديث آخر: انه عليه السلام قال له: إنا لم نختلف في نبينا و لكنا إختلفنا عنه. وعن ابن عباس قال: قال بنو اسرائيل لموسى عليه السلام حين جاز بهم البحر: خبرنا يا موسى بأي قوه وبأي عدة تبلغ الارض المقدسة ومعك الذرية والنساء والزمنى فقال موسى عليه السلام: ما اعلم قوما ورثهم الله من عرض الدنيا ما ورثكم وسيجعل الله لكم مخرجا، قالوا فادعه يطعمنا ويسقينا و يظلنا فأوحى الله تعالى الى موسى: قد امرت السماء ان تمطر عليهم المن و السلوى وامرت الريح ان تشوي لهم السلوى وامرت الحجارة ان تنفجر وامرت الغمام ان تظلهم وسخرت ثيابهم ان تنبت بقدر ما ينبتون فلما قال موسى ذلك سكنوا، فسار بهم الى الارض المقدسة وهي فلسطين. وانما قدسها: لان يعقوب صلوات الله عليه ولد بها و كان مسكن ابيه اسحاق ويوسف صلوات الله عليهما، و نقلوا كلهم بعد الموت الى ارض فلسطين. (العياشي) عن داود الرقي قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: نعم الارض الشام وبئس القوم اهلها وبئس البلاد

[ 299 ]

مصر اما انها سخط من سخط الله عليه، ولم يكن دخول بني اسرائيل إلا من سخطه ومعصيته منهم لله، لان الله تعالى قال: (ادخلوا الارض المقدسة) يعني الشام، فأبوا ان يدخلوها فتاهوا في الارض اربعين سنة في مصر وفيا فيها، ثم دخلوها بعد اربعين سنة، وما كان خروجهم من مصر ودخولهم الشام إلا من بعد توبتهم ورضا الله عنهم، وقال اني لاكره ان آكل من شيء يطبخ في فخارها، و ما احب ان اغسل رأسي من طينها مخافة ان يورثني ترابها الذل ويذهب بغيرتي. و روى الشيخ في (التهذيب) قال الصادق عليه السلام: نومة الغداة مشومة تطرد الرزق وتصفر اللون و تغبره و تقبحه. وهو نوم كل مشوم، ان الله تعالى يقسم الارزاق ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، وإياكم وتلك النومة. وكان المن والسلوى ينزل على بني اسرائيل ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه، وكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج الى السؤال والطلب. وعن الامام الحسن العسكري عليه السلام في قوله: (وانزلنا عليكم المن والسلوى) المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه، والسلوى السماني اطيب طير لحما يسترسل لهم فيصطادونه. وفي قوله تعالى: (إدخلوا هذه القرية) وهو اريحا من بلاد الشام وادخلوا باب القرية سجدا لله تعظيما لمثال محمد وعلي، مثل الله تعالى على الباب مثال محمد وعلي وامرهم ان يسجدوا تعظيما لذلك المثال وان يجددوا على انفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما وليذكروا العهد والميثاق المأخوذ عليهم (وقولوا حطة) اي قولوا ان سجودنا لله تعظيما لمثال محمد وعلي واعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبنا ومحوا لسيئاتنا (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) اي لم يسجدوا كما امروا و قالوا كما امروا ولكن دخلوها من منقلبها باستاههم، وقالوا اهتطانا سمقانا - اي حنطة حمراء ينقونها احب الينا من هذا الفعل وهذا القول (فأنزلنا على الذين غيروا - بدلوا - ما قيل لهم) ولم ينقادوا لولاية محمد وعلي وآلهما الطيبين (رجزا من السماء) والرجز الذي اصابهم انه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة و عشرون الف كلهم

[ 300 ]

من علم الله انهم لا يؤمنون ولا يتوبون. وفي قوله: (وإذ استسقى موسى لقومه) طلب منهم السقي لما لحقهم العطش في التيه وضجوا بالبكاء الى موسى عليه السلام وقالوا اهلكنا بالعطش فقال موسى: إلهي بحق محمد سيد الانبياء وبحق علي سيد الاوصياء وبحق فاطمة سيدة النساء وبحق الحسن سيد الاولياء وبحق الحسين افضل الشهداء وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الازكياء لما سقيت عبادك هؤلاء فأوحى الله تعالى: يا موسى (إضرب بعصاك الحجر) فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل قبيلة من بني‍ أب من اولاد يعقوب مشربهم فلا يزاحم الآخرين في مشربهم، (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) يعني المن والسلوى ولا بد لنا من خلط معه (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض...) الآية. فقال: إهبطوا مصرا من الامصار من هذه التيه فان لكم ما سألتم في المصر... الحديث. وعن ابي عبد الله عليه السلام: ان القائم عليه السلام إذا قام بمكة وأراد ان يتوجه الى الكعبة نادى مناديه: ألا لا يحمل احد منكم طعاما ولا شرابا، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلا إلا إنبعث عين منه، فمن كان جائعا شبع ومن كان ظامئا روى، فهو زادهم حتى ينزل النجف من ظهر الكوفة. وقال الثعلبي: ان الله عز وجل وعد موسى عليه السلام ان يورثه وقومه الارض المقدسة وهي الشام، وكان يسكنها الجبارون وهم العمالقة من ولد عملاق بن لاوى بن سام بن نوح عليه السلام. فأمر الله موسى عليه السلام وقومه بالمسير الى ارض الشام وقال: يا موسى اني قد كتبتها لكم دارا وقرارا، فجاهد فيها من العدو، فاني ناصركم عليهم وخذ من قومك اثنى عشر نقيبا من كل سبط نقيبا ليكون كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما امروا به. فاختار موسى النقباء من كل سبط نقيبا وامره عليهم، فسار موسى ببنى اسرائيل، فبعث هؤلاء النقباء يتجسسون له الأخبار ويعلمون احوالهم. فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عناق وكان طوله ثلاثة وعشرين

[ 301 ]

الف ذراع بذراع الملك. وكان عوج يحتجر بالسحاب ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله. و روي انه اتى نوحا ايام الطوفان فقال له احملني معك في سفينتك فقال له: اذهب يا عدو الله فاني لم اؤمر بك، وطبق الماء ما على الارض من جبل و ما جاوز ركبتي عوج وعاش عوج ثلاثة آلاف سنة حتى اهلكه الله تعالى على يدي موسى. وكان لموسى عليه السلام عسكر فرسخ في فرسخ، فجاء عوج حتى نظر إليهم ثم اتى الجبل ونقر منه صخرة على قدر العسكر ثم حملها ليطبقها عليهم فبعث الله تعالى إليه الهدهد ومعه المس، - يعني - حتى نقرا الصخرة، فانبثقت فوقعت في عنق عوج فطوقته فصرعته. فأقبل موسى عليه السلام وطوله عشرة اذرع وطول عصاه عشره اذرع ونزا في السماء عشرة اذرع، فما اصاب إلا كعبه وهو مصروع بالارض، فقتله. فأقبل جماعة ومعهم الخناجر فجهدوا حتى حزوا رأسه، فلما قتل وقع على نيل مصر، فحيرهم سنة وام عناق احدى بنات آدم من صلبه. فلما لقيهم عوج وعلى رأسه حزمة حطب، اخذ الاثنى عشر وجعلهم في حجزته وانطلق بهم الى امرأته وقال انظري الى هؤلاء القوم الذين يزعمون انهم يريدون قتالنا ! فطرحهم بين يديها وقال: الا اطحنهم برجلي فقالت امرأته: لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا. ففعل ذلك. وكان لا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة انفر بالخشب، ويدخل في شطر الرمان إذا نزع حبها خمسة انفر أو اربعة. فلما خرجوا قال بعضهم لبعض: يا قوم انكم ان اخبرتم بني اسرائيل خبر القوم تنكروا وارتدوا عن نبي الله، ولكن اكتموا شأنهم واخبروا موسى وهارون فيرون فيه رأيهما، فأخذ بعضهم على بعض الميثاق، ثم انصرفوا الى موسى بعد اربعين يوما، وجاؤوا بحبة من عنبهم، وقر رجل واخبروه بما راوه. ثم انهم نكثوا العهد وجعل كل واحد منهم ينهي سبطه وقريبه عن قتالهم

[ 302 ]

ويخبرهم بما رأوا من احوالهم إلا يوشع بن نون وكالب بن يوحنا ختن موسى على اخته مريم. فلما سمع القوم ذلك من الجواسيس رفعوا اصواتهم بالبكاء وقالوا يا ليتنا متنا في ارض مصر ولا يدخلنا الله فتكون نساؤنا واموالنا غنيمه لهم، وارادوا الرجوع الى مصر وقالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين فقال لهم موسى: ان الذي انجاكم و فلق البحر هو الذي يظهركم عليهم فلم يقبلوا وهموا بالانصراف الى مصر. فخرق يوشع وكالب ثيابهما وقالا لهم: ادخلوا على الجبارين الباب فإذا دخلتموه فانكم غالبون، لان الله منجز ما وعد، وإنا رأيناهم واختبرناهم فكانت اجسامهم قوية وقلوبهم ضعيفة فلا تخشوهم وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين. فأراد بنو اسرائيل ان يرموهم بالحجارة وعصوهما، وقالوا يا موسى (إنا لن ندخلها ما داموا فيها اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون) فغضب موسى ودعا عليهم فقال (رب اني لا املك الا نفسي واخي فافرق بيننا وبين القوم الظالمين) وكانت عجلة عجلها موسى فظهر الغمام على قبة الزمر، فأوحى الله تعالى الى موسى: (الى متى لا يصدقون بالآيات لأهلكنهم اجمعين) ولاجعلن لك شعبا اقوى واكثر منهم، فقال موسى: الهي لو انك قتلت هذا الشعب لقالت الامم الذين سمعوا انما قتل هذا الشعب من اجل انه لم يستطع ان يدخلهم الارض المقدسة فقتلهم في البرية، وانت طويل صبرك وتغفر الذنوب فاغفر لهم ولا توبقهم فقال الله عز وجل: قد غفرت لهم بكلمتك. ولكن بعد ما سميتهم فاستعين ودعوت عليهم بي، حلفت لاحرمن عليهم دخول الارض المقدسة، غير عبدي يوشع وكالب، ولاتينهم في هذه البرية اربعين سنة، مكان كل يوم من الايام التي تجسسوا فيها سنة، وكانت اربعين يوما، ولنلقين جيفهم في هذه القفار، واما بنوهم الذين لم يعملوا الخير والشر فانهم يدخلون الارض المقدسة. فذلك قوله تعالى: (فانها محرمة عليهم اربعين سنة) في ستة فراسخ، وكانوا ستمائة الف مقاتل فكانوا يسيرون جادين حتى إذا امسوا وباتوا فإذا هم في

[ 303 ]

الموضع الذي ارتحلوا منه، ومات النقباء العشرة الذين افشوا الخبر بغتة، وكل من دخل في التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه غير يوشع وكالب ولم يدخل اريحا احد ممن قال (انا لن ندخلها ابدا). فلما هلكوا وانقضت الاربعون سنة ونشأت النواشيء من ذراريهم وساروا الى حرب الجبارين وفتح الله لهم في ذكر النعم التي انعم الله على بني اسرائيل في التيه. قال الله سبحانه: (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم) أي على اجدادكم واسلافكم. الفصل السادس (في نزول التوراة وسؤال الرؤية وعبادة العجل وما يتعلق بها) قال الله تعالى: (وإذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون * ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون * وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون * وإذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم). (علل الشرايع و عيون الاخبار) سأل الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن الثور ما باله غاض طرفه لا يرفع رأسه الى السماء قال: حياءا من الله عز وجل لما عبد قوم موسى العجل نكس رأسه. وعن انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اكرموا البقر، فانه سيد البهائم ما رفعت طرفها الى السماء حياء من الله عز وجل منذ عبد العجل. تفسير علي بن ابراهيم في قوله تعالى (فانا قد فتنا قومك) قال:

[ 304 ]

اختبرناهم من بعدك (واضلهم السامري) بالعجل الذي عبدوه. وكان سبب ذلك ان موسى (ع) لما وعده الله تعالى ان ينزل عليه التوراة والألواح الى ثلاثين يوما، اخبر بني اسرائيل بذلك، وذهب الى ميقات ربه وخلف هارون على قومه. فلما جاءت الثلاثون يوما، ولم يرجع موسى إليهم، عصوا وارادوا ان يقتلوا هارون، قالوا ان موسى كذبنا وهرب منا. فجاء ابليس في صورة رجل فقال لهم ان موسى قد هرب منكم ولا يرجع ابدا فاجمعوا إلي حليكم حتى اتخذ إلها تعبدونه. وكان السامري على مقدمة موسى يوم اغرق الله فرعون واصحابه، فنظر الى جبرئيل عليه السلام وكان على حيوان في صورة رمكة كانت كلما وضعت حافرها على موضع من الارض يتحرك ذلك الموضع، فنظر إليه السامري وكان من خيار اصحاب موسى، فأخذ التراب من حافر رمكة جبرئيل وكان يتحرك، فصره في صرة وكان عنده يفتخر به على بني اسرائيل. فلما جاءهم ابليس واتخذوا العجل، قال للسامري هات التراب الذي معك فجاء به السامري فألقاه ابليس في جوف العجل، فلما وقع التراب في جوفه تحرك وخار ونبت عليه الوبر والشعر، فسجد له بنو اسرائيل، وكان عدد الذين سجدوا سبعين الفا من بني اسرائيل. فقال لهم هارون: (انما فتنتم به و ان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا امري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى) فهموا بهارون حتى هرب من بينهم وبقى في ذلك، حتى تم ميقات موسى اربعين ليلة. فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة انزل الله عليه الالواح فيه التوراة وما يحتاجون إليه من الاحكام والسير والقصص. ثم اوحى الله الى موسى عليه السلام: (انا قد فتنا قومك من بعدك واضلهم السامري وعبدوا العجل وله خوار) فقال موسى عليه السلام: يا رب

[ 305 ]

العجل من السامري، فالخوار ممن قال: مني، يا موسى اني لما رأيتهم قد ولوا عني الى العجل احببت ان ازيدهم فتنة. (فرجع موسى الى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا فطال عليكم العهد ام اردتم ان يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي) ثم رمى الالواح واخذ بلحية اخيه هارون و رأسه يجره إليه فقال له: (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا * الا تتبعني افعصيت امري * فقال يا بن ام لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي) فقال له بنو اسرائيل: (ما اخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا اوزارا من زينة القوم - يعني من حليهم - فقذفناها) قال التراب الذي جاء السامري طرحناه في جوفه، ثم اخرج السامري العجل وله خوار. فقال له موسى (ما خطبك يا سامري * قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها) يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل عليه السلام في البحر (فنبذتها) اي امسكتها (وكذلك سولت لي نفسي) اي زينت. فأخرج موسى العجل فأحرقه بالنار والقاه في البحر، ثم قال موسى للسامري (إذهب فان لك في الحياة ان تقول لا مساس) يعني ما دمت حيا وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة، حتى يعرفوا انكم سامرية فلا يغتروا بكم الناس، فهم الى الساعة بمصر والشام معروفين لا مساس لهم. ثم هم موسى بقتل السامري، فأوحى الله إليه: لا تقتله يا موسى فانه سخي، فقال له موسى: (انظر إلهك الذي ظللت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا * إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو). أقول: قوله (اوزارا من زينة القوم) احمالا في حلى القبط التي استعاروها منهم حين هموا بالخروج من مصر باسم العرس. وقيل: استعاروه لعيد كان لهم، ثم لم يردوه عند الخروج مخافة أن يعلموا به وقوله: (لا مساس). قال الطبرسي اختلف في معناه، فقيل: انه امر الناس بأمر الله ان لا يخالطوه ولا يجالسوه ولا يواكلوه، تضييقا عليه، والمعنى:

[ 306 ]

لك ان تقول لا امس ولا امس ما دمت حيا. وقال ابن عباس: لك ولولدك، والمساس فعل من المماسة، ومعنى (لا مساس) لا يمس بعضنا بعضا السامري، يهيم في البرية مع الوحش والسباع، لا يمس احدا ولا يمسه احد، عاقبه الله تعالى بذلك. وكان إذا لقى احدا يقول لا مساس، اي لا تمسني ولا تقربني، وصار ذلك عقوبة له ولولده، حتى ان بقاياهم اليوم يقولون ذلك، وان مس واحد من غيرهم حم كلاهما في الوقت. وقيل: ان السامري خاف وهرب فجعل يهيم في البرية لا يجد احدا من الناس يمسه، حتى صار لبعده من الناس كالقائل (لا مساس). (علي بن ابراهيم) باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام قال: ما بعث الله رسولا الا وفي وقته شيطانان يؤذيانه ويفتنانه ويضلان الناس بعده. فأما الخمسه اولوا العزم من الرسل: نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله واما صاحبا نوح عليه السلام ففبطقوس وحزام. واما صاحبا ابراهيم: فمكيل وزدام. واما صاحبا موسى: فالسامري و مرعقيبا. واما صاحبا عيسى: فمولس ومريسان. واما صاحبا محمد صلى الله عليه وآله: فحبتر وزريق. اقول: الحبيتر الثعلب والمراد به... لأنه يشبه بالمكر والخديعة والتعبير عنه بزريق لكونه ازرق. وقيل: انه يشبه بطائر اسمه زريق في سوء اخلاقه أو لكون الزرقه مما تبغضه العرب وتتشام منه. كما قيل في قوله تعالى: (ونحشر المجرمين يومئذ زرقا). وعن ابي بصير قال: سأل طاووس اليماني الباقر عليه السلام عن طير طار مرة لم يطر قبلها ولا بعدها ذكره الله في القرآن ما هو ؟ فقال: طور سيناء اطاره الله عز وجل على بني اسرائيل حين اظلهم فيه انواع العذاب حتى قبلوا التوراة وذلك قوله عز وجل (واذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا انه واقع بهم).

[ 307 ]

(وروي) انه لما انزل الله سبحانه التوراة، قال: رب ارني انظر اليك فأوحى الله إليه: لا تقدر على ذلك ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني، فرفع الله الحجاب ونظر الى الجبل، فساخ الجبل في البحر فهو يهوي حتى الساعة، ونزلت الملائكة وفتحت ابواب السماء، فأوحى الله الى الملائكه ادركوا موسى لا يهرب فنزلت الملائكة واحاطت بموسى وقالوا اثبت يا بن عمران فقد سألت الله عظيما فلما نظر موسى الى الجبل قد ساخ والملائكة قد نزلت وقع على وجهه فمات من خشية الله وهول ما رأى، فرد الله عليه روحه، فرفع رأسه وافاق وقال سبحانك تبت اليك وانا اول من صدق انك لا ترى، فقال الله: يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالتي وكلامي... الحديث. (وعنه) صلى الله عليه وآله قال: من الجبال التي تطايرت يوم موسى عليه السلام سبعة اجبل فلحقت بالحجاز واليمن منها بالمدينة احد و ورقان وبمكة ثور وثبير وحوى باليمن صبر وحضور. (عيون الاخبار) في خبر ابن الجهم انه سأل المأمون الرضا عليه السلام عن معنى قوله عز وجل: (ولما جاء موسى لميقاتنا) وكلمه ربه قال (رب ارني انظر اليك قال لن تراني...) الآية، كيف يجوز ان يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم ان الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال فقال الرضا عليه السلام: ان كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم ان الله تعالى عز ان يرى بالابصار، لكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع الى قومه فأخبرهم ان الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامهم كما سمعت، وكان القوم سبعمائة الف رجل، فاختار منهم سبعين الفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه، فخرج بهم الى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى الى الطور. وسأل الله ان يكلمهم و يسمعهم كلامه فكلمه الله، وسمعوا كلامه من فوق

[ 308 ]

واسفل ويمين وشمال و وراء وامام. لأن الله عز وجل احدثه في الشجرة وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لن نؤمن لك بان الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة. فلما قالوا هذا القول العظيم، بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا رب ما اقول لبني اسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لانك لم تكن صادقا فيما إدعيت من مناجاة الله عز وجل إياك فأحياهم الله وبعثهم معه. فقالوا إنك لو سألت الله ان يراك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى عليه السلام: يا قوم ان الله لا يرى بالابصار وانما يعرف بآياته فقالوا لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى: يا رب انك قد سمعت مقالة بني اسرائيل وانت اعلم بصلاحهم فأوحى الله إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن اؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى: رب ارنى انظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه وهو يهوي فسوف تراني * فلما تجلى ربه للجبل بآية من آياته جعله دكا * وخر موسى صعقا. فلما افاق قال: سبحانك تبت اليك. يقول: رجعت الى معرفتي بك عن جهل قومي وانا اول المؤمنين منهم بأنك لا ترى. (وعن) ابي جعفر عليه السلام قال: كان في وصية امير المؤمنين عليه السلام ان اخرجوني الى الظهر، فإذا تصوبت اقدامكم واستقبلتكم ريح، فادفنوني وهو اول طور سيناء. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام: الغري قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما. وقال المرتضى نور الله ضريحه: إن قيل: ما الوجه في قوله تعالى: (واخذ برأس اخيه...) الآية. وليس ظاهر الآية يدل على ان هارون احدث ما اوجب ايقاع ذلك الفعل به وبعد فما الاعتذار لموسى عليه السلام من ذلك الفعل وهو فعل السخفاء و المتسرعين

[ 309 ]

وليس من عادة الحكماء المتماسكين. قلنا: ليس فيما حكاه الله تعالى من فعل موسى بأخيه ما يقتضي صدور معصية ولا قبيح من واحد منهما. و ذلك ان موسى عليه السلام اقبل وهو غضبان على قومه لما احدثوا بعده مستعظما لفعلهم، مفكرا فيما كان منهم، فأخذ برأس اخيه وجره إليه، كما يفعل الانسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب وشدة الفكر. اما ترى ان المفكر الغضبان قد يعض على شفتيه ويقبض على لحيته، فأجرى موسى عليه السلام اخاه هارون مجرى نفسه، لأنه كان اخاه وشريكه ومن يمسه من الخير والشر ما يمسه، فصنع به ما يصنع الرجل بنفسه في احوال الفكر والغضب، وبهذه الامور تختلف احكامها بالعادات فيكون ما هو إكرام في بعضها استخفافا في غيرها وبالعكس. واما قوله: (لا تأخذ بلحيتي) فلا يمنع ان يكون هارون خاف من ان يتوهم بنو اسرائيل بسوء ظنهم انه منكر عليهم معاتب، ثم ابتدأ بشرح قصته فقال في موضع: (إني خشيت ان تقول...) الآية، وفي موضع آخر: (يابن ام إن القوم استضعفوني). ويمكن ان يكون قوله (لا تأخذ بلحيتي) ليس على سبيل الأنفة بل معنى كلامه لا تغضب ولا يشتد جزعك واسفك، انتهى. وذكر الصدوق: ان ذلك كان بينهما على جهة المصلحة لتخويف الامة وليعلموا شدة إنكار موسى عليهم، على انه لو كان ذلك مما لا ينبغي من واحد منهما فهو من باب ترك الأولى. كما قيل لما ورد من الادلة القاطعة على عصمتهم. (و روي) ان موسى عليه السلام لما رجع الى قومه وقد عبدوا العجل، قال لهم موسى: (يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى الله بارئكم فاقتلوا انفسكم). فقالوا كيف نقتل انفسنا ؟ فقال لهم موسى: اغدوا كل واحد منكم الى بيت المقدس ومعه سكين أو حديدة أو سيف، فإذا صعدت انا منبر بني اسرائيل فكونوا انتم متلثمين لا يعرف احد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا. فاجتمعوا سبعين الف رجل ممن كانوا عبدوا العجل الى بيت المقدس، فلما صلى بهم موسى

[ 310 ]

عليه السلام وصعد المنبر اقبل بعضهم يقتل بعضا، حتى نزل جبرئيل فقال: قل لهم يا موسى: إرفعوا القتل فقد تاب عليكم، فقتل عشرة آلاف فأنزل الله: (ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم). (بصائر الدرجات) باسناده الى سدير قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فمر بنا رجل من أهل اليمن فسأله أبو جعفر عليه السلام عن اليمن فأقبل يحدث، فقال له أبو جعفر عليه السلام: هل تعرف دار كذا وكذا ؟ قال: نعم ورأيتها فقال له أبو جعفر عليه السلام: هل تعرف صخرة عندها في موضع كذا وكذا قال: نعم ورأيتها، فقال الرجل: ما رأيت رجلا اعرف بالبلاد منك. فلما قام الرجل قال لي أبو جعفر (ع): يا ابا الفضل تلك الصخرة التي غضب موسى فألقى الألواح عندها، فما ذهب من التوراة التقمته الصخرة، فلما بعث الله رسولا ادته إليه وهي عندنا. (وعنه) عليه السلام: انه الله لم يعط الانبياء شيئا إلا وقد اعطاه محمدا صلى الله عليه وآله، وعندنا الصحف التي قال الله عز وجل: (صحف ابراهيم وموسى) وهي الالواح. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: ان في الجفر: ان الله تبارك وتعالى لما انزل الله الالواح على موسى عليه السلام انزلها عليه وفيها تبيان كل شىء الى ان تقوم الساعة، فلما انقضت ايام موسى عليه السلام اوحى الله إليه: ان استودع الالواح وهي زبرجدة من الجنة فأتى موسى الجبل فانشق الجبل، فجعل فيه الالواح ملفوفه فانطبق الجبل عليها. فلم تزل حتى بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وآله، فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي صلى الله عليه وآله فلما انتهوا الى الجبل انفرج الجبل وخرجت الالواح ملفوفة كما وضعها موسى عليه السلام، فأخذها القوم، ودفعوها الى النبي صلى الله عليه وآله. (وعن) امير المؤمنين عليه السلام: ان يوشع بن نون كان وصي موسى عليه السلام و كانت الواح موسى من زمرد اخضر، فلما غضب موسى القى الالواح

[ 311 ]

من يده فمنها ما تكسر ومنها ما بقي ومنها ما ارتفع. فلما ذهب عن موسى الغضب قال يوشع: اعندك تبيان ما في الألواح قال نعم، فلم يزل يتوارثها رهط بعد رهط حتى وصلت الى النبي صلى الله عليه وآله ودفعها إلي. (العياشي) عن الباقر عليه السلام في قوله: (وإذ واعدنا موسى اربعين ليلة) قال كان في العلم، و التقدير ثلاثين ليلة، ثم بدا لله فزاد عشرا (فتم ميقات ربه) الأول والاخر (اربعين ليلة). (وعن) ابي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) قال لما ناجى موسى عليه السلام ربه اوحى إليه: ان يا موسى قد فتنت قومك، فقال بماذا يا رب ؟ قال بالسامري، صاغ لهم من حليهم عليهم فخار قال يا رب ومن اخاره ؟ قال: أنا، فقال عندها موسى: إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي بها من تشاء. فلما انتهى موسى الى قومه ورآهم يعبدون العجل القى الالواح من يده فتكسرت، فقال أبو جعفر عليه السلام كان ينبغي ان يكون هذا عند اخبار الله إياه قال فعمد موسى فبرد العجل بالمبرد من انفه الى طرف ذنبه ثم احرقه بالنار فذره في اليم - يعني الماء. قال: فكان احدهم ليقع في الماء وما به إليه من حاجة فيعرض لذلك الرماد فيشربه وهو قول الله عز وجل (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم). (وعنه) عليه السلام قال: لما سأل موسى ربه تبارك وتعالى وقال (رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر فسوف تراني). قال: فلما صعد موسى عليه السلام على الجبل فتحت ابواب السماء واقبلت الملائكة افواجا في ايديهم العمد في رأسها النور يمرون به فوجا بعد فوج يقولون يا بن عمران فقد سألت عظيما، فلم يزل موسى واقفا حتى تجلى ربنا جل جلاله فجعل الجبل دكا. وخر موسى صعقا. فلما ان رد الله عليه روحه قال (سبحانك

[ 312 ]

تبت اليك وانا اول المؤمنين). قال ابن ابي عمير: وحدثني عدة من اصحابنا ان النار احاطت به حتى لا يهرب لهول ما رأى. (وعن) ابي بصير قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ان موسى بن عمران لما سأل ربه النظر إليه وعده ان يقعد في موضع، ثم امر الملائكة ان تمر عليه موكبا موكبا بالبرق والرعد والريح والصواعق. فكلما مر به موكب من المواكب إرتعدت فرائصه فيرفع رأسه فيقولون قد سألت عظيما. (وعن) ابي جعفر عليه السلام قال: ان ما ناجى موسى ان قال يا رب هذا السامري صنع العجل فالخوار من صنعه. قال فأوحى الله إليه يا موسى ان تلك فتنتي فلا تفضحني عنها. أقول: الفتنه ورد لها في القرآن الكريم والأخبار عن الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم معان كثيرة ومن اشهرها الابتلاء والاختبار، وليس هنا بمعنى الضلال لقوله تعالى (وتهدي بها من تشاء). واما قوله تعالى (فلا تفضحني) فذلك ان بني اسرائيل من فرط الجهل على قلوبهم لم يتعرفوا معاني الالفاظ ولا مواقع مواردها وإيصال ذلك الى افهامهم مما يتعذر على موسى (ع) فانه لم يقدر على إيصال الواضحات الى افهامهم فكيف هذا وامثاله. (مهج الدعوات) من كتاب عبد الله بن عباس بن حماد الأنصاري عن ابي عبدالله عليه السلام وذكر عنده حزيران فقال: هو الشهر الذي دعا فيه موسى على بني اسرائيل فمات في يوم وليلة من بني اسرائيل ثلاثمائة الف من الناس. (تفسير الامام الحسن العسكري عليه السلام) قال الله عز وجل: (وإذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون) قال: كان موسى عليه السلام يقول لبني اسرائيل إذا فرج الله عنكم واهلك اعداءكم آتيكم بكتاب من عند ربكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وامثاله.

[ 313 ]

فلما فرج الله عنهم امره الله عز وجل: أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند اصل الجبل. فظن موسى عليه السلام انه بعد ذلك يعطيه الكتاب فصام ثلاثين يوما فلما كان في آخر اليوم استاك قبل الفطر، فأوحى الله إليه يا موسى ا ما علمت ان خلوق فم الصائم اطيب عندي من ريح المسك صم عشرا اخر، ولا تستك عند الافطار. ففعل ذلك موسى عليه السلام، وكان وعده الله ان ياتيه الكتاب بعد اربعين ليلة، فأعطاه الله إياه. فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني اسرائيل فقال وعدكم موسى ان يرجع اليكم بعد اربعين ليلة وهذه عشرون يوما وعشرون ليلة تمت اربعون أخطأ موسى ربه وقد اتاكم ربكم اراد ان يريكم انه قادر على ان يدعوكم الى نفسه بنفسه وإن لم يبعث موسى لحاجة منه إليه فأظهر لهم العجل الذي كان عمله، فقالوا كيف يكون العجل إلهنا قال انما هذا العجل يكلمكم منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة. فلما سمعوا منه كلاما، قالوا له انه في العجل كما في الشجرة. فضلوا بذلك واضلوا. فلما رجع موسى الى قومه قال: يا ايها العجل أكان فيك ربك كما يزعم هؤلاء فنطق العجل وقال: عز ربنا ان يكون العجل حاويا له أو شيء من الشجرة والأمكنة عليه مشتملا لا والله يا موسى، ولكن السامري نصب عجلا مؤخره الى الحائط وحفر في جانب الآخر في الارض واجلس فيه بعض مردته، فهو الذي وضع فاه على دبره وتكلم بما تكلم لما قال هذا إلهكم وإله موسى، يا موسى بن عمران ما خذل هؤلاء لعبادي واتخاذي إلها إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد و آله الطيبين وجحودهم بموالاتهم ونبوة النبي ووصية الوصي حتى إذا هم يتخذوني إلها، قال الله عز وجل: فإذا كان الله تعالى انما خذل عبادة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد و وصيه علي، فما تخافون من الخذلان الاكبر ومعاندتكم لمحمد وعلي وقد شاهدتموهما وتبينتم آياتهما ودلائلهما. وفيه أيضا قال الله عز وجل: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون) أي عفونا عن اوائلكم عبادة العجل لعلكم ايها الكائنون في عصر محمد صلى الله عليه

[ 314 ]

وآله من بني اسرائيل تشكرون تلك النعمة على اسلافكم وعليكم بعدهم. قال عليه السلام: وإنما عفا الله عز وجل عنهم لانهم دعوا الله بمحمد وآله الطيبين وجددوا على انفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطاهرين فعند ذلك رحمهم الله وعفا عنهم. ثم ساق الحديث الى قوله: و امر الله موسى عليه السلام ان يقتل من لم يعبده من عبده، فتبرأ اكثرهم وقالوا لم نعبد، فقال الله عز وجل لموسى: ابرد هذا العجل بالحديد بردا ثم ذره في البحر، فمن شرب منه ماء اسودت شفتاه وانفه وبان ذنبه. ففعل، وبان العابدون، فأمر الله الاثنى عشر الفا ان يخرجوا على الباقين شاهري السيوف يقتلونهم ونادى مناد: ألا لعن الله احد اتقاهم بيد أو رجل ولعن الله من تأمل المقتول لعله ينسبه حميما قريبا فيتعداه الى الاجنبي. فاستسلم المقتولون فقال القاتلون نحن اعظم مصيبة منهم نقتل بأيدينا آباءنا وامهاتنا وإخواننا واقربائنا ونحن لم نعبد فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة. فأوحى الله تعالى الى موسى (ع): إني انما امتحنتهم كذلك لأنهم ما إعتزلوهم لما عبدوا العجل ولم يهجروهم ولم يعادوهم على ذلك، قل لهم من دعا الله بمحمد وآله الطيبين ان يسهل عليهم قتل المستحقين للقتل بذنوبهم ففعل فقالوها، فسهل عليهم ولم يجدوا لقتلهم لهم الما. فلما استمر القتل فيهم ستمائة الف إلا اثنى عشر الفا الذين لم يعبدوا العجل، وفق الله بعضهم فقال لبعض والقتل ولم يفض بعد إليهم فقال أو ليس الله قد جعل التوسل بمحمد وآله الطيبين امرا لا يخيب معه طلبه ولا يرد به مسألة وهكذا توسلت به الانبياء والرسل، فما لنا لا نتوسل. قال فاجتمعوا وضجوا قالوا: يا ربنا نجنا بجاه محمد الأكرم وبجاه علي الأفضل الاعظم وبجاه فاطمة ذات الفضل والعصمة وبجاه الحسن والحسين سبطي سيد المرسلين وسيدي شباب اهل الجنة اجمعين وبجاه الذرية الطيبة الطاهرة من آل طه ويس لما غفرت لنا ذنوبنا وغفرت لنا هفوتنا وأزلت هذا القتل عنا. فذلك حين نودي موسى عليه السلام من السماء: ان كف القتل فقد سألني بعضهم مسألة

[ 315 ]

واقسم علي قسما لو اقسم به هؤلاء العابدون العجل وسألني بعضهم العصمة حتى لا يعبدوه لوفقتهم وعصمتهم، ولو أقسم علي بها ابليس لهديته ولو أقسم بها نمرود أو فرعون لنجيتهم. فرفع الله عنهم القتل، فجعلوا يقولون يا حسرتنا اين كنا عن هذا الدعاء بمحمد وآله الطيبين حتى يقينا الله شر الفتنة. (وعنه) صلى الله عليه وآله لم سمي الفرقان فرقانا ؟ قال: لأنه متفرق الآيات والسور، انزل في غير الالواح وغير الصحف والتوراة والانجيل والزبور نزلت كلها جملة في الالواح والورق. (البصائر) عن السمان قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: ما تقول الشيعة في علي وموسى وعيسى عليهم السلام ؟ قال: قلت جعلت فداك ومن اي الحالات تسألني ؟ قال: أسألك عن العلم، فأما الفضل فهم سواء قلت: جعلت فداك فما عسى أقول فيهم ؟ قال: هو والله اعلم منهما. ثم قال: يا عبد الله أليس تقولون لعلي ما للرسول من العلم. قال: قلت بلى، قال فخاصمهم فيه، ان الله تبارك وتعالى قال لموسى: (و كتبنا له في الالواح من كل شيء فأعلمناه انه لم يبين له الامر كله) وقال تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وآله (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا * وانزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء). (و روي) انه لما اتاهم موسى وقد عبدوا العجل وأرادوا التوبة فقيل لهم: (فاقتلوا انفسكم) فجلسوا في الاقنية مختبئين واصلت القوم عليهم خناجرهم، فكان الرجل يقتل ابنه واباه واخاه وقريبه وصديقه وجاره، فلم يمكنه المضي لأمر الله سبحانه فأرسل الله عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا. وقيل لهم من حل حبوته أو مد طرفه الى قاتله أو إتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردود توبته، فكانوا يقتلونهم الى المساء. فلما كثر فيهم القتل وبلغ عدة القتلى سبعين الفا دعا موسى وهارون وبكيا وجزعا وتضرعا وقالا: يا رب هلكت بنو اسرائيل البقية البقية فكشف الله السحابة وامرهم ان يرفعوا السلاح ويكفوا

[ 316 ]

عن القتل، فلما انكشفت السحابة عن القتلى اشتد ذلك على موسى عليه السلام، فأوحى الله: ما يرضيك ان ادخل القاتل والمقتول الجنة فكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي مكفرا عنه ذنبه. ثم ان موسى عليه السلام هم بقتل السامري، فأوحى الله تعالى إليه: لا تقتله فانه سخي. فلعنه موسى عليه السلام وقال: (إذهب فان لك في الحياة ان تقول لا مساس وان لك موعدا) لعذابك في القيامة (لن تخلفه). وامر موسى عليه السلام بني اسرائيل ان لا تخالطوه ولا تقربوه، فصار السامري وحشيا لا يألف ولا يؤلف ولا يدنو من الناس ولا يمس احد منهم، فمن مسه قرض ذلك الموضع بالمقراض، فكان كذلك حتى هلك. الفصل السابع (في قصة قارون وذبح البقرة وما يتعلق بها) (تفسير علي بن ابراهيم) كان سبب هلاك قارون انه لما اخرج موسى بني اسرائيل من مصر وانزلهم البادية وذلك بعد غرق فرعون وقومه، امرهم بقتال الجبابرة في اريحا أرض الشام فلم يطيعوه وقالوا (إذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ففرض الله عليهم دخولها وحرمها عليهم أربعين سنة وكانوا في التيه وكان قارون منهم وكان يقرأ القرآن ولم يكن فيهم احسن صوتا منه وكان يسمى المنون لحسن قراءته وقد كان يعمل الكيمياء. فلما طال الامر على بنى اسرائيل في التيه أخذوا في التوبه، وكان قارون امتنع أن يدخل معهم في التوبة وكان موسى يحبه. فدخل عليه موسى فقال: يا قارون قومك في التوبة وانت قاعد هاهنا إدخل

[ 317 ]

معهم وإلا نزل بك العذاب فاستهان به وبقوله فخرج من عنده مغتما، فجلس في فناء قصره عليه جبة شعر و نعلان من جلد حمار فامر قارون ان يصب عليه رماد قد خلط بالماء فصب عليه فغضب موسى غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم. فقال موسى: يا رب إن لم تغضب لي فلست لك بنبي‍، فأوحى الله إليه. قد امرت السماوات والارض أن تطيعك، فمرها بما شئت. وقد كان قارون امر ان يغلق باب القصر، فأقبل موسى فأومى الى الابواب فانفرجت ودخل عليه، فلما نظر إليه قارون علم انه قد اوتي بالعذاب، فقال يا موسى أسألك بالرحم بيني و بينك، فقال له موسى: يا ابن لاوى لا يردني كلامك يا أرض خذيه فدخل القصر بما فيه في الارض ودخل قارون في الارض الى الركبة، فبكى وحلفه بالرحم فقال له موسى يا ابن لاوى لا يردني من كلامك. وهذا ما قال موسى لقارون يوم اهلكه الله فعيره بما قاله لقارون، فعلم موسى ان الله قد عيره بذلك، فقال: يا رب ان قارون دعاني بغيرك ولو دعاني بك لأجبته، فقال الله. يا ابن لاوى لا تردني من كلامك، فقال موسى يا رب لو علمت ان ذلك لك رضا لأجبته، فقال الله تعالى: وعزتي‍ وجلالي لو ان قارون كما دعاك دعاني لأجبته ولكنه لما دعاك وكلته اليك، يا بن عمران لا تجزع من الموت، فاني كتبت الموت على كل نفس وقد مهدت لك مهادا لو قد وردت عليه لقرت عينك. فخرج موسى الى جبل طور سيناء مع وصيه، فصعد موسى الجبل فنظر الى رجل قد أقبل ومعه مكتل ومسحاة، فقال له موسى: ما تريد ؟ قال ان رجلا من أولياء الله توفى فأنا احفر قبره، فقال له موسى: أفلا اعينك عليه، قال بلى، فحفر القبر، فلما فرغا أراد الرجل أن ينزل الى القبر، فقال له موسى: ما تريد ؟ قال أدخل القبر فأنظر كيف مضجعه، فقال موسى: انا اكفيك فدخل موسى فاضطجع فيه، فقبض فيه ملك الموت روحه وانضم عليه الجبل.

[ 318 ]

أقول: قوله تعالى: (كان من قوم موسى). قيل: كان ابن عمه يصهر بن فاهث وموسى بن عمران بن فاهث. و قيل كان ابن خالته. وروي ذلك عن ابي عبد الله عليه السلام. وقيل: كان عم موسى عليه السلام. وقول قارون: (إنما اوتيته على علم) أي فضت على الناس بالجاه والمال (على علم) وهو علم التوراة وكان اعلمهم. وقيل: هو علم التجارة والدهقنة وسائر المكاسب. وقيل: علم بكنوز يوسف. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام في خبر يونس قال: فدخل الحوت في بحر القلزم ثم خرج الى بحر مصر ثم دخل الى بحر طبرستان ثم دخل الى دجلة العوراء ثم مرت به تحت الارض حتى لحقت بقارون، وكان قارون هلك في أيام موسى، و وكل الله به ملكا يدخله في كل يوم قامة رجل، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره، فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به: انظرني فاني اسمع كلام آدمي فأوحى الله الى الملك: انظره. ثم قال قارون: من انت ؟ قال قال انا المذنب الخاطيء يونس بن متى، قال فما فعل شديد الغضب لله موسى بن عمران اخو كلثم التي كانت سميت لي ؟ قال هيهات هلك. قال فما فعل الغفور الرحيم على قوم هارون بن عمران ؟ قال هلك. قال فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي ؟ قال هيهات ما بقي من آل عمران احد. فقال قارون: وا اسفا على آل عمران. فشكر الله له ذلك، فأمر الملك الموكل به ان يرفع عنه العذاب ايام الدنيا، فرفعه عنه. (وروي) في قوله تعالى: (فبغى على قومه) يعني على بنى اسرائيل. فقال ابن عباس: كان فرعون قد ملك قارون على بنى اسرائيل حين كان بمصر وكان يظلمهم. وقيل: زاد عليهم في الثياب شبرا وقيل بكثرة ماله. (وروى) عن حنتمة قال: وجدت فى الانجيل ان مفاتيح خزائن قارون

[ 319 ]

وقر ستين بغلا غراء محجلة ما يزيد منها مفتاح على اصبع لكل مفتاح منها كنز وكانت من حديد، فلما ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت عليه، فجعلت من جلود البقر على طول الاصابع، فكانت تحمل معه. ويقال: اينما يذهب تحمل معه على اربعين بغلا. وكان اول طغيانه انه تكبر واستطال على الناس بكثرة الاموال، فكان يخرج في زينته ويختال. قال مجاهد: خرج على براذين بيض عليها سروج الارجوان في سبعين الفا عليهم المعصفرات. وقيل. في اربعة آلاف فارس ومعهم ثلاثة آلاف جارية بيض عليهم الحلي والثياب الحمر، فتمنى اهل الجهالة مثل الذي اوتيه. ثم ان الله اوحى الى نبيه موسى ان يأمر قومه ان يعلقوا في ارديتهم خيوطا اربعة في كل طرف خيطا اخضر لونه لون السماء. فأمرهم به موسى و قال لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها، فانه تعالى ينزل من السماء عليكم كلاما فاستكبر قارون وقال: انما تفعل هذه الارباب بعبيدهم لكي يميزوا من غيرهم. ولما قطع موسى عليه السلام ببنى اسرائيل البحر جعل الحبورة - وهي رياسة المذبح وبيت القربان - لهارون، فكان بنو اسرائيل ياتون بهديتهم ويدفعونه الى هارون، فيضعه على المذبح فتنزل النار من السماء فتأكله، فوجد قارون في نفسه من ذلك وأتى موسى وقال يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك و أنا أقرأ للتوراة منكما لا صبر لي على هذا، فقال موسى: والله ما انا جعلتها لهارون بل الله تعالى جعلها له، فقال قارون: والله لا اصدقك في ذلك حتى تريني بيانه. فجمع موسى عليه السلام رؤساء بني اسرائيل وقال: هاتوا عصيكم فجاؤوا بها فخرمها والقاها في القبة التي كانت يعبد الله تعالى فيها، وجعلوا يحرسون عصيهم حتى اصبحوا، فأصبحت عصى هارون عليه السلام قد اهتز لها ورق اخضر، وكانت من شجرة اللوز، فقال موسى: يا قارون أترى هذا ؟ فقال قارون

[ 320 ]

والله والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر ! فذهب قارون مغاضبا و اعتزل موسى باتباعه، وجعل موسى يداريه للقرابة بينهما، وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد كل يوم إلا كبرا ومعاداة لموسى عليه السلام، حتى بنى دارا وجعل بابها من الذهب وضرب على جدرانها صفائح الذهب، وكان الملأ من بني اسرائيل يميلون الى مجالسته ومضاحكته. ثم ان الله سبحانه انزل الزكاة على موسى عليه السلام فصالح قارون على ان يعطي عن كل الف دينار دينارا وعن كل الف شاة شاة وعن كل الف شيء شيئا، فرجع الى بيته فحسبه فوجده كثيرا، فلم تسمح بذلك نفسه ! فجمع بني اسرائيل وقال لهم ان موسى قد امركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد ان يأخذ اموالكم فقالوا له انت كبيرنا وسيدنا فمرنا بما شئت، فقال آمركم ان تجيئوا بفلانة البغية فنجعل لها جعلا على ان تقذفه بنفسها ! فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو اسرائيل، ورفضوه فاسترحنا منه فأتوا بها فجعل لها قارون الف درهم. وقيل: طشتا من الذهب وقال لها اني امولك واخلطك بنسائي على ان تقذفي بنفسك غدا إذا حضر بنو اسرائيل. فلما كان الغد جمع قارون بني اسرائيل فخرج إليهم موسى فقام فيهم خطيبا فوعظهم وقال: من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين جلدة ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة ومن زنى وله امرأة رجمناه حتى يموت. فقال له قارون وإن كنت أنت ؟ قال قارون فان بني اسرائيل يزعمون انك فجرت بفلانة ! قال دعوها فان قالت فهو ما قالت، فلما ان جاءت قال لها موسى: يا فلانة انما انا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر وانزل التوراة فلما ناشدها تداركها الله بالتوفيق وقالت في نفسها لئن احدث اليوم توبة افضل من ان اؤذي رسول الله فقالت: لا ولكن جعل لي قارون جعلا على ان اقذفك بنفسي. فلما تكلمت بهذا الكلام نكس قارون رأسه وعرف انه وقع في مهلكة، وخر موسى ساجدا يبكي ويقول: يا رب ان عدوك قد آذاني وأراد فضيحتي،

[ 321 ]

اللهم فان كنت رسولك فاغضب لي وسلطني عليه، فأوحى الله سبحانه إليه: ارفع رأسك ومر الارض بما شئت تطعك، فقال موسى: يا بني اسرائيل ان الله قد بعثني الى قارون كما بعثني الى فرعون ومن كان معه فليثبت معه، ومن كان معي فليعتزل، فاعتزلوا قارون ولم يبق معه الا رجلان. ثم قال: يا ارض خذيهم فأخذتهم الى كعابهم، ثم قال: يا ارض خذيهم، فأخذتهم الى ركبهم، ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم الى حقوتهم، ثم قال يا ارض خذيهم، فأخذتهم الى اعناقهم. وقارون واصحابه في كل ذلك يتضرعون الى موسى عليه السلام ويناشد قارون الله والرحم، حتى ناشده سبعين مرة، وموسى في جميع ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه، ثم قال: يا ارض خذيهم فأطبقت عليهم الارض. فأوحى الله الى موسى: ما اظنك. استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم ولم تغثهم، أما و عزتي وجلالي لو إياي دعوني مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا. قال قتادة: ذكر لنا انه يخسف به كل يوم قامة، وانه يتجلجل فيها ولا يبلغ قعرها الى يوم القيامة. فلما خسف الله تعالى بقارون وصاحبيه أصبحت بنو اسرائيل يتناجون فيما بينهم ان موسى انما دعا على قارون ليأخذ داره وامواله وكنوزه ! فدعا الله تعالى موسى حتى خسف بداره وامواله الارض... الحديث. (تفسير علي بن ابراهيم) باسناده الى أبي عبد الله عليه السلام قال: ان رجلا من خيار بني اسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأجابت، وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديئا فلم تقبل، فحسد ابن عمه الذي اجابوه فقعد له فقتله غيلة، ثم حمله الى موسى عليه السلام فقال: يا نبي الله هذا ابن عمي قد قتل ولا ادري من قتله وكان القتل في بني اسرائيل عظيما جدا، فعظم ذلك على موسى عليه السلام، فاجتمع إليه بنو اسرائيل فقالوا: ما ترى يا نبي الله. وكان رجل في بني اسرائيل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة، فجاء قوم يطلبون سلعته، وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه وكان نائما وكره

[ 322 ]

ابنه ان ينبهه وينغص عليه نومه، فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته، ولما إنتبه ابوه قال له: يا بني ماذا صنعت في سلعتك ؟ قال هي قائمة لم أبعها، لان المفتاح كان تحت رأسك وكرهت ان انبهك وانغص عليك نومك، قال ابوه قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك، وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه وامر بنو اسرائيل ان يذبحوا البقرة بعينها. فلما اجتمعوا الى موسى وبكوا وضجوا، قال لهم موسى: ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة فتعجبوا وقالوا اتتخذنا هزوا نأتيك بقتيل، فتقول: اذبحوا بقرة ! فقال لهم موسى: اعوذ بالله أن اكون من الجاهلين. فعلموا انهم قد اخطاوا فقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال: انه يقول: (انها بقرة لا فارض ولا بكر) أي لا مسنة ولا فتية، فقالوا: إدع لنا ربك يبين لنا ما لونها * قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها) اي شديدة الصفرة (تسر الناظرين) قالوا (إدع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض) أي لم تذلل (ولا تسقي الحرث) اي لا تسقي الزرع (مسلمة لا شية فيها) أي لا نقطة فيها الا الصفرة قالوا الآن جئتنا بالحق، هي بقرة فلان. فذهبوا ليشتروها، فقال لا ابيعها إلا بملأ جوفها ذهبا. فرجعوا الى موسى فأخبروه فقال لهم: لا بد لكم من ذبحها بعينها، فاشتروها بملأ جلدها ذهبا، ثم قالوا ما تأمرنا يا نبي الله ؟ فأوحى الله تعالى إليه: قل لهم إضربوه ببعضها، وقولوا من قتلك ؟ فأخذوا الذنب فضربوه به وقالوا من قتلك يا فلان ؟ فقال ابن عمي الذي جاء بي. وهو قوله: (فقلنا اضربوه، ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون). (و روي) في حديث آخر: انه كان في بني اسرائيل شيخ موسر، فقتل ابنه بنو أخيه طمعا في ميراثه وطرحوه على باب المدينة، ثم جاؤوا يطالبون بدمه ! فأمرهم الله ان يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيى فيخبر بقاتله... الحديث. (وعن) ابي جعفر عليه السلام: من لبس نعلا اصفر لم يزل ينظر في سرور

[ 323 ]

ما دامت عليه، لأن الله عز وجل يقول: (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين). (وعن) أبي الحسن الرضا عليه السلام: لو انهم عمدوا الى أي بقرة أجزأتهم، ولكن شددوا فشد الله عليهم. (وقال الطبرسي) اختلف العلماء في هذه الآيات، فمنهم من ذهب الى ان التكليف فيها متغاير، ولو انهم ذبحوا اولا اي بقر اتفقت لهم، كانوا قد امتثلوا الامر، فلما لم يفعلوا كانت المصلحة ان يشدد عليهم التكليف، ولما رجعوا المرة الثانية فغيرت مصلحتهم الى تكليف ثالث. ثم اختلف هؤلاء من وجه آخر، فمنهم من قال في التكليف الأخير انه يجب أن يكون مستوفيا لكل صفة تقدمت. فعلى هذا القول يكون التكليف الثاني والثالث ضم تكليف الى تكليف زيادة في التشديد عليهم لما فيه من المصلحة. ومنهم من قال: يجب ان تكون الصفة الاخيرة فقط، دون ما تقدم. وعلى هذا القول يكون التكليف الثاني نسخا للأول والثالث للثاني‍. وقد يجوز نسخ الشيء قبل الفعل، لان المصلحة يجوز ان تتغير بعدم فوات وقتها، وانما لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت الفعل، لأن ذلك يؤدي الى البداء. وذهب آخرون الى ان التكليف واحد، وان الأوصاف المتأخرة انما هي للبقرة المتقدمة وانما تأخر البيان وهو مذهب المرتضى قدس الله روحه واستدل بهذه الآية على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب الى وقت الحاجة قال: انه تعالى لما كلفهم ذبح بقرة، قالوا لموسى (إدع لنا ربك يبين لنا ما هي) فلا يخلو قولهم (ما هي) من ان تكون كناية عن البقرة المتقدم ذكرها، أي عن التي امروا بها ثانيا. و الظاهر من قولهم (ما هي) يقتضي ان يكون السؤال عن صفة البقرة المأمور بذبحها، لأنه لا علم لهم بتكليف ذبح بقرة اخرى ليستفهموا عنها. وإذا صح ذلك فليس يخلو قوله (انها بقرة لا فارض ولا بكر) من ان يكون الهاء فيه كناية عن البقرة الأولى أو غيرها، وليس يجوز ان يكون كناية عن بقرة ثانية، إذ الظاهر تعلقها بما تضمنه سؤالهم، ولأنه لم يكن الأمر جوابا لهم، وقول

[ 324 ]

القائل في جواب من سأله كذا وكذا انه بالصفة الفلانية صريح في ان الهاء كناية عما وقع السؤال عنه، هذا مع قولهم (ان البقر تشابه علينا) فانهم لم يقولوا ذلك إلا وقد اعتقدوا ان خطابهم مجمل غير مبين، ولو كان على ما ذهب إليه القوم فلم لم يقل واي تشابه عليكم، وانما امرتم بذبح اي بقرة كانت. وأما قوله: (وما كادوا يفعلون) فالظاهر ان ذمهم مصروف على تقصيرهم أو تأخيرهم امتثال الامر بعد البيان التام، لا على ترك المبادرة في الاول الى ذبح البقرة. انتهى غاية ما افاد رحمه الله هو ان الظاهر من الآيات هو ذلك وبعد تسليمه فقد يعدل عن الظاهر، لورود النصوص المعتبرة. وفي (تفسير الامام الحسن العسكري عليه السلام): ان بني اسرائيل جمعوا اموالهم لشراء البقرة، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما يلي به جلدة فبلغ خمسة آلاف الف دينار فقال بعض بني اسرائيل لموسى عليه السلام وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة لا ندري ايهما اعجب إحياء الله هذا وانطاقه بما نطق به وإغنائه لهذا الفتى بهذا المال العظيم فأوحى الله إليه: يا موسى قل لبني اسرائيل من احب منكم ان اطيب في دنياه عيشه واعظم في جناني محله واجعل بمحمد وآله الطيبين فيها منادمته ليفعل كما فعل هذا الفتى، انه كان قد سمع موسى بن عمران ذكر محمدا وآلهما الطيبين، وكان عليهم مصليا ولهم على جميع الخلائق من الجن والانس والملائكة مفضلا، فلذلك صرفت له المال العظيم. قال الفتى: يا نبي الله كيف احفظ هذه الاموال ؟ ام كيف احذر من عداوة من عاداني فيها ؟ وحسد من يحسدني لأجلها ؟ قال قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين، ما كنت تقول قبل ان تنالها، فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد، يحفظها عليك ايضا بهذا القول مع صحة الاعتقاد، فقالها الفتى فما رامها حاسد له إلا رفعه الله عنها. فلما قال موسى عليه السلام للفتى ذلك وصار الله له بمقالته حافظا، قال هذا

[ 325 ]

المنشور: اللهم اني أسالك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين ان تبقيني في الدنيا ممتعا بابنة عمي وهبت له لمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه ثابت فيها جنانه قوية فيها شهواته يتمتع بحلال الدنيا ويعيش ولا تفارقه، فإذا حان حينهما وماتا جميعا معا، فصارا الى جناني، فكانا زوجين فيها ناعمين. ولو سألني هذا الشقي القاتل، بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده ان اعصمه من الحسد واقنعته بما رزقته وذلك هو الملك العظيم لفعلت، ولو سألني بذلك مع التوبة أن لا افضحه، لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن إقتراح إبانة القاتل لأغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال، ولو سألني بعد ما إفتضح وتاب إلي وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى ان انسى الناس فعله بعد ما الطف لأوليائه فيعفون عن القصاص لفعلت وكان لا يعيره بفعله احد. فلما ذبحوها، قال الله تعالى: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) و ارادوا ان لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ولكن اللجاج حملهم على ذلك و إتهامهم لموسى حداهم قال: فضجوا الى موسى عليه السلام وقالوا: إفتقرت القبيلة ووقف الى التكفف وانسلخا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا، فادع الله لنا بسعة الرزق فقال لهم موسى ويحكم ما اعمى قلوبكم اما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما اورثه الله تعالى من الغنى أو ما سمعتم دعاء المقتول المنشور ؟ و ما اتم له من العمر الطويل والسعادة والتنعم بحواسه لما لا تدعون الله بمثل وسيلتهما، ليسد فاقتكم فقالوا: اللهم اليك إلتجانا وعلى فضلك إعتمدنا فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى ليذهب رؤساؤهم الى خربة بني فلان وتكشفوا في موضع كذا وجه ارضها قليلا ويستخرجوا ما هناك، فانه عشرة آلاف دينار ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود احوالهم، ثم ليقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهي خمسة آلاف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة لتضاعف احوالهم

[ 326 ]

جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين وإعتقادهم لتفضيلهم. (و روي) عن السدي وغيره: ان رجلا من بني اسرائيل كان بارا بأبيه وبلغ بره ان رجلا اتاه بلؤلؤة فابتاعها بخمسين الفا وكان فيها فضل وربح، فقال للبايع ان ابي نائم ومفتاح الصندوق تحت رأسه، فامهلني حتى يستيقظ فأعطيك الثمن، قال فأيقظ اباك واعطني المال، قال: ما كنت افعل ولكن ازيدك عشرة آلاف فانظرني حتى ينتبه ابي، قال الرجل فأنا احط عنك عشرة آلاف إن ايقظت اباك وعجلت النقد، فقال وانا ازيدك عشرين الفا إن انتظرت إنتباهة ابي، ففعل ولم يوقظ اباه، فلما استيقظ ابوه اخبره بذلك، فدعا له وجزاه خيرا وقال هذه البقرة لك بما صنعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انظر ماذا صنع البر. وعن ابن عباس: كان في بني اسرائيل رجل صالح له ابن طفل وكان له عجل فأتى بالعجل الى غيضة وقال: اللهم إني استودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر، ومات الرجل فشبت العجلة في الغيضة وصارت عوانا، وكانت تهرب من كل من رامها فلما كبر الصبي كان بارا بوالدته، وكان يقسم الليلة ثلاثة اثلاث، يصلي ثلثا وينام ثلثا ويجلس عند رأس امه ثلثا، فإذا اصبح انطلق واحتطب على ظهره ويأتي السوق فيبيعه بما شاء، ثم يتصدق بثلثه ويأكل بثلثه ويعطي والدته ثلثا. فقالت له امه يوما: ان اباك ورثك عجلة وذهب بها الى غيضة كذا واستودعها فانطلق إليها و إدع إله ابراهيم واسماعيل واسحاق ان يردها عليك، وان من علامتها انك إذا نظرت إليها يخيل اليك ان شعاع الشمس يخرج من جلدها وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفرتها وصفاء لونها. فأتى يعقوب الغيضة فرآها ترعى فصاح بها وقال: اعزم عليك بإله ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب، فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه، فقبض على عنقها وقادها، فتكلمت البقرة باذن الله تعالى وقالت ايها الفتى البار بوالدته أركبني فان ذلك اهون عليك، فقال الفتى ان امي لم تأمرني بذلك ولكن قالت خذ بعنقها، قالت

[ 327 ]

البقره بإله بني اسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر علي ابدا فانطلق فانك لو ركبتني امرت الجبل ان يقتلع من اصله و نطلق معك لفعل لبرك بوالدتك. فسار الفتى بها، فاستقبله عدو الله ابليس في صورة راع فقال ايها الفتى اني رجل من رعاة البقر اشتقت الى اهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه زادي ومتاعي حتى إذا بلغت شطر الطريق ذهبت لاقضي حاجتي فقد اوسط الجبل وما قدرت عليه واني اخشى على نفسي الهلكة فان رأيت ان تحملني على بقرتك وتنجيني من الموت واعطيك اجرها بقرتين مثل بقرتك، فلم يفعل الفتى وقال: اذهب فتوكل على الله، ولو علم منك الله اليقين لبلغك بلا زاد ولا راحلة، فقال إبليس ان شئت فبعنيها بحكمك وإن شئت فاحملني عليها و اعطيك عشرة مثلها، فقال الفتى: ان امي لم تأمرني بذلك. فبينما الفتى كذلك إذ طار طائر بين يدي البقرة هاربة في الفلاة وغاب الراعي فدعا الفتى باسم إله ابراهيم فرجعت البقرة إليه، فقالت ايها الفتى البار بوالدته لا تمر الى الطائر الذي طار، فانه ابليس عدو الله اختلسني اما انه لو ركبني لما قدرت عليه ابدا، فلما دعوت إله ابراهيم جاء ملك فانتزعني من يد ابليس و ردني اليك لبرك بامك وطاعتك لها. فجاء الفتى الى امه، فقالت له انك فقير لا مال لك ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل، فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها. قال لامه: بكم ابيعها قالت: بثلاثة دنانير، ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي. وكان ثمن البقرة في ذلك الوقت ثلاثة دنانير، فانطلق الفتى الى السوق، فعقبه الله سبحانه ملكا ليرى خلقه قدرته وليختبر الفتى كيف بره بوالدته وكان الله به خبيرا، فقال له الملك بكم تبيع هذه البقرة ؟ قال: بثلاثة دنانير واشترط عليك رضاء امي فقال له الملك: ستة دنانير ولا تستأمر امك فقال له الفتى: لو اعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضاء امي. فردها الى امه واخبرها بالثمن فقالت ارجع فبعها بستة دنانير على رضا مني

[ 328 ]

فانطلق بالبقرة الى السوق، فأتى الملك، فقال: استأمرت والدتك ؟ فقال الفتى: نعم انها امرتني ان لا انقصها عن ستة دنانير على ان استأمرها، قال له الملك: فاني اعطيك اثنى عشر على ان لا تستأمرها فأبى الفتى ورجع الى امه واخبرها بذلك فقالت ان ذلك الرجل الذي يأتيك هو ملك من الملائكة يأتيك في صوره آدمي، ليجربك فإذا اتاك فقل له اتأمرنا ان نبيع هذه البقرة ام لا ؟ ففعل ذلك، فقال الملك: اذهب الى امك وقل لها: إمسكي هذه البقرة، فان موسى يشتريها منك لقتيل يقتل في بني اسرائيل فلا تبيعوها إلا بملأ جلدها دنانير. فأمسكوا تلك البقرة، وقد رد الله تعالى على بني اسرائيل ذبح البقرة بعينها، مكافأة على بره بوالدته فضلا منه ورحمة، فطلبوها فوجدوها عند الفتى، فاشتروها بملأ مسكها ذهبا. وقال السدي: اشتروها بوزنها عشر مرات ذهبا. الفصل الثامن (في لقاء موسى عليه السلام للخضر وسائر أحوال الخضر عليه السلام) تفسير علي بن ابراهيم: لما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بخبر اصحاب الكهف، قالوا: اخبرنا عن العالم الذي امر الله موسى ان يتبعه وما قصته ؟ فأنزل الله تعالى: (وإذ قال موسى لفتاه لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين أو امضى حقبا). قال: وكان سبب ذلك انه لما كلم الله موسى تكليما، فأنزل عليه الألواح وفيها من كل شيء موعظة، ورجع موسى الى بني اسرائيل، فصعد المنبر فأخبرهم ان الله قد انزل عليكم التوراة، وقال في نفسه: ما خلق الله خلقا اعلم مني. فأوحى الله الى جبرئيل: ادرك موسى فقد هلك وإعلمه عند ملتقى البحرين عند

[ 329 ]

الصخره رجل اعلم منك، فصر إليه وتعلم من علمه، فنزل جبرئيل عليه السلام على موسى عليه السلام واخبره في ذل موسى في نفسه واعلم انه أخطأ ودخله الرعب، و قال لوصيه يوشع: ان الله قد امرني ان اتبع رجلا عند ملتقى البحرين وأتعلم منه فتزود يوشع حوتا مملوحا وخرجا. فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه، فلم يعرفاه، فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء و وضعه على الصخرة ومضيا ونسيا الحوت. وكان ذلك الماء ماء الحيوان، فحيى الحوت و دخل في الماء. فمضى عليه السلام ويوشع معه حتى عييا، فقال لوصيه: (آتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) فذكر وصيه السمكة، فقال لموسى عليه السلام: (اني نسيت الحوت) على الصخرة فقال موسى: ذلك الرجل الذى نصبه رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده فرجعا (على آثارهما قصصا) الى عند الرجل وهو في الصلاة، فقعد موسى عليه السلام حتى فرغ من الصلاة فسلم عليهما. وحدثني محمد بن علي بن بلال عن يونس قال: اختلف يونس وهشام في العالم الذي أتاه موسى عليه السلام أيهما كان أعلم، وهل يجوز ان يكون حجة في وقته، وهو حجة الله على خلقه. فقال قاسم الصيقل: فكتبوا الى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسألونه عن ذلك فكتب في الجواب: اتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر، اما جالسا وأما متكئا، فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بارض ليس فيها سلام فقال: من أنت ؟ قال أنا موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما، قال جئت (لتعلمني مما علمت رشدا) قال، اني وكلت بامر لا تطيقه، ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد عليهم السلام من البلاء، حتى اشتد بكائهما، ثم حدثه عن فضل آل محمد، حتى جعل موسى يقول: يا ليتني كنت من آل محمد، حتى ذكر فلانا و فلانا ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه، و ذكر له تأويل هذه الآية: (وتقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة

[ 330 ]

حين اخذ الميثاق عليهم) فقال موسى عليه السلام (هل أتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا) فقال الخضر: (انك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) فقال موسى عليه السلام (ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك امرا) قال الخضر عليه السلام (فان اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا). يقول: (لا تسئلني عن شيء) أفعله ولا تنكره علي حتى اخبرك انا بخبره قال نعم، فمروا ثلاثتهم حتى إنتهوا الى ساحل البحر وقد سنحت سفينة وهي تريد ان تعبر، فقال ارباب السفينة نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فانهم قوم صالحون فحملوهم، فلما جنحت السفينة في البحر، قام الخضر عليه السلام الى جانب السفينة فكسرها وحشاها بالخرق والطين، فغضب موسى غضبا شديدا وقال للخضر: (أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا) فقال له الخضر عليه السلام (ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا) قال له موسى عليه السلام (لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من امري عسرا) فخرجوا من السفينة. فنظر الخضر عليه السلام الى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر، في اذنيه درتان، فتأمله الخضر عليه السلام ثم اخذه وقتله، فوثب موسى على الخضر عليهما السلام وجلد به الارض فقال (اقتلت نفسا بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) فقال الخضر عليه السلام (ألم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا) قال موسى عليه السلام (ان سئلتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا بالعشى) قرية تسمى الناصرة و إليها تنسب النصارى، ولم يضيفوا احدا قط ولم يطعموا قريبا (فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم) فنظر الخضر عليه السلام الى حائط قد زال ليتهدم فوضع الخضر عليه السلام يده عليه وقال: قم باذن الله: فقام فقال موسى عليه السلام لم ينبغ ان تقيم الجدار حتى يطعمونا ويروونا، وهو قوله (لو شئت لاتخذت عليه اجرا) فقال الخضر عليه السلام (هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه)

[ 331 ]

صبرا * اما السفينة فكانت - التي فعلت بها ما فعلت صالحة - فانها كانت لقوم يعملون في البحر فأردت ان اعيبها وكان وراء السفينة ملك يأخذ كل سفينة غصبا) كذا نزلت وإذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا. (واما الغلام فكان ابواه مؤمنين) وطبع كافرا كذا نزلت، فنظرت الى جبينه وعليه مكتوب طبع كافرا (فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا * فأردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة واقرب رحما) فأبدل الله والديه بنتا، ولد منها سبعون نبيا من انبياء بني اسرائيل. (وأما الجدار - الذي أقمته - فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا فأراد ربك ان يبلغا اشدهما...) الى قوله: (وذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا). اقول: (لا ابرح) اي لا ازال امشي (حتى ابلغ ملتقى البحرين) بحر فارس وبحر الروم. وقيل: هو افريقية. وقيل: بحران موسى والخضر عليهما السلام، فان موسى كان بحر العلم الظاهر، و الخضر بحر العلم الباطن. وروي: ان موسى خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله المصر خطبة طويلة فأعجب بها، فقيل له: هل تعلم أحدا اعلم منك ؟ فقال: لا ! فأوحى الله إليه: بل عندنا الخضر وهو بمجمع البحرين. وكان الخضر عليه السلام في ايام افريدون وكان على مقدمة ذي القرنين الاكبر وبقى الى ايام موسى. وقيل: ان موسى عليه السلام سأل ربه: أي عبادك أعلم ؟ قال الذي يبغي علم الناس الى علمه عسى ان يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى، قال ان كان في عبادك اعلم مني فأدللني عليه، قال: أعلم منك الخضر، قال اين اطلبه ؟ قال: على الساحل عند الصخرة، قال كيف لي به ؟ قال: تأخذ حوتا في مكتلك

[ 332 ]

فحيث فقدته فهناك قال لفتاه إذا فقدت الحوت فاخبرني، فذهبا يمشيان (فلما بلغا مجمع البحرين نسيا حوتهما) يعني نسى موسى ان يطلبه ويتعرف حاله و يوشع ان يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر. روي ان موسى رقد فاضطرب الحوت المشوي و وثب في البحر معجزة لموسى أو الخضر عليه السلام. وقيل: توضأ يوشع من عين الحياة فانضج الماء عليه فعاش و وثب في الماء، فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا (فلما جاوزا مجمع البحرين قال لفتاه ائتنا ما نتغذى به...) الحديث. ولا ينافي نبوة موسى عليه السلام وكونه صاحب شريعة، ان يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا في ابواب الدين، فان الرسول ينبغي ان يكون اعلم ممن ارسل إليه فيما بعث به من اصول الدين وفروعه لا مطلقا، هكذا في التفاسير. والأولى في الجواب ان يقال ان الخضر عليه السلام كان من الأنبياء، فزيادة نبي على نبي في طرف من العلم وذلك النبي الآخر يزيد عليه فيما لا يتناهي من العلوم والكمال، لا قدح فيه على ان الله سبحانه إذا اراد ان يبتلي بعض الأنبياء في مثل هذه الامور، كما سيأتي في حديث الطير وعلمه الزائد عليهما لا اشكال فيه، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى. (علل الشرايع) عن الصادق عليه السلام انه قال: ان الخضر عليه السلام كان نبيا مرسلا، بعثه الله تعالى الى قومه فدعاهم الى توحيده والاقرار بأنبيائه ورسله وكتبه. وكانت آيته انه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا ازهرت خضرا، وانما سمي الخضر لذلك، وكان اسمه تاليا بن ملكان بن عامر بن ارفخشد ابن سام بن نوح عليه السلام. ثم ساق الحديث الى قوله: (وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا) قال: ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة ولكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب:

[ 333 ]

عجب لمن ايقن بالموت كيف يفرح، عجب لمن ايقن بالقدر كيف يحزن، عجب لمن ايقن ان البعث حق كيف يظلم، عجب لمن يرى الدنيا وتصرف اهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها. وكان بينهما وبين هذا الأب الصالح سبعون أبا، فحفظهما الله بصلاحه. قال الصدوق: بعد تمام الحديث ان موسى عليه السلام مع كمال عقله ومحله من الله تعالى لم يستدرك باستدلاله واستنباطه معنى افعال الخضر عليه السلام حتى اشتبه عليه وجه الامر فيه وسخطه جميع ما كان يشاهده حتى اخبر بتأويله، ولو لم يخبر بتأويله لما ادركه، ولو بقى في الفكر عمره، فإذا لم يجز لأنبياء الله و رسله صلوات الله عليهم: القياس والاستنباط و الاستخراج، كان من دونهم من الامم الاولى، بان لا يجوز لهم ذلك، انتهى. و قوله: ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة، يعني ان المقصود منه هو العلم و وصوله الى أهله، وان كان ذهبا فهو كنزان، كنز علم وكنز ذهب. (علل الشرايع) سمعت ابا جعفر محمد بن عبد الله بن طيفور الدامغاني الواعظ بفرغانة يقول: في خرق الخضر عليه السلام السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار، ان تلك إشارات من الله تعالى لموسى (ع) وتعريضات الى ما يريده من تذكيره لمنن سابقة لله عز و جل، نبهه عليها وعلى مقدارها من الفضل، ذكره بخرق السفينة انه حفظه في الماء حين القته امه في التابوت والقت التابوت في اليم، هو الذي يحفظهم في السفينة. واما قتل الغلام فانه كان قد قتل رجلا في الله عز و جل، وكانت تلك زلة عظيمة عند من لم يعلم ان موسى عليه السلام نبي، فذكره بذلك منة عليه حين دفع عنه كيد من اراد قتله به. واما إقامة الجدار من غير اجر، فان الله عز وجل ذكره بذلك فضله فيما اتاه في إبنتي شعيب حين سقى لهما، وهو جائع ولم يبتغ على ذلك اجرا، مع حاجته الى الطعام فنبهه الله على ذلك ليكون شاكرا مسرورا.

[ 334 ]

فأما قول الخضر عليه السلام: (هذا فراق بيني وبينك) فان ذلك كان من جهة موسى عليه السلام حيث قال: (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني) فموسى عليه السلام هو الذي حكم بالمفارقة لما قال: (لا تصاحبني). وان موسى عليه السلام إختار سبعين رجلا من قومه (لميقات ربه) فلم يصبروا بعد سماع كلام الله عز وجل، حتى تجاوزوا الحد بقولهم (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا، ولو اختارهم الله لعصمهم، ولما اختار من يعلم منه تجاوز الحد. فإذا لم يصلح موسى عليه السلام للاختيار مع فضله ومحله، فكيف تصلح الامة لاختيار الامام بآرائها ؟ وكيف يصلحون لاستنباط الاحكام و إستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة وهممهم المتباينة وارادتهم المختلفة تعالى الله عن الرضا باختيارهم علوا كبيرا. وافعال امير المؤمنين صلوات الله عليه مثلها مثل افاعيل الخضر عليه السلام، وهي حكمة وصواب، وان جهل الناس وجه الحكمة والصواب فيها. وفيه عن عباية الأسدي قال: كان عبد الله بن العباس جالسا على شفير زمزم يحدث الناس، فلما فرغ من حديثه، اتاه رجل فسلم عليه ثم قال: يا عبد الله اني رجل من اهل الشام، فقال اعوان كل ظالم إلا من عصم الله منكم، سل عما بدا لك، فقال يا عبد الله بن عباس اني جئتك اسئلك عمن قتله علي بن ابي طالب عليه السلام من اهل لا إله إلا الله لم يكفروا بصلاة ولا بحج ولا بصوم شهر رمضان ولا بزكاة ؟ ؟ ! فقال له عبد الله ثكلتك امك سل عما يعنيك و دع عما لا يعنيك، فقال ما جئتك اضرب اليك من حمص للحج ولا للعمرة ولكن اتيتك تشرح لي امر علي بن ابي طالب (ع) وفعاله فقال: ويلك ان علم العالم لا تحتمله ولا تقر به القلوب الصدية اخبرك ان علي بن ابي طالب (ع) كان مثله في هذه الامة كمثل موسى والعالم عليهما السلام، وذلك ان الله تبارك وتعالى قال في كتابه (يا موسى اني إصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي فخذ ما اتيتك وكن من

[ 335 ]

الشاكرين * وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء). فكان موسى يرى ان جميع الاشياء قد اثبتت له، كما ترون انتم ان علمائكم قد اثبتوا جميع الاشياء. فلما انتهى موسى عليه السلام الى ساحل البحر فلقى العالم، فاستنطق موسى ليصل علمه ولم يحسده، ثم انتم جحدتم علي بن ابي طالب (ع) وانكرتم فضله، فقال له موسى: (هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا) فعلم العالم ان موسى لا يطيق بصحبته ولا يصبر على علمه (فقال انك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) فقال له موسى (ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك امرا) فعلم العالم ان موسى لا يصبر عن علمه (قال فان اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا). قال: (فركبا في السفينة فخرقها) العالم، وكان خرقها لله عز وجل، وسخط موسى ذلك. كذلك كان علي بن أبي طالب (ع) لم يقتل إلا من كان قتل لله عز وجل رضا ولاهل الجهالة من الناس سخطا. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان موسى بن عمران عليه السلام حين أراد ان يفارق الخضر عليه السلام قال له: اوصني. فكان مما اوصاه ان قال له: إياك واللجاجة، أو ان تمشي في غير حاجة أو ان تضحك من غير تعجب واذكر خطيئتك واياك وخطايا الناس. وعن ابي جعفر عليه السلام: في قول الله عز وجل: (وكان تحته كنز لهما) قال: والله ما كان من ذهب ولا فضة وما كان إلا لوحا في كلمات اربع: انى انا الله لا إله الا انا ومحمد رسولي، عجبت لمن ايقن بالموت كيف يفرح قلبه، وعجبت لمن ايقن بالحساب كيف يضحك سنه، وعجبت لمن ايقن بالقدر كيف يستبطيء الله في رزقه، وعجبت لمن يرى النشأة الاولى كيف ينكر النشأة الآخرة. (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: لما اقام العالم الجدار اوحى

[ 336 ]

الله تعالى الى موسى: اني مجازي الابناء بسعي الآباء، ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا، ولا تزنوا فتزني نسائكم، ومن وطىء فراش امرأة مسلم وطىء فراشه، كما تدين تدان. (تفسير) علي بن ابراهيم عنه عليه السلام: لما اسري برسول الله صلى الله عليه وآله الى السماء، وجد في طريقه ريحا مثل المسك الاذفر، فسأل جبرئيل عنها فقال انها تخرج من بيت عذب، فيه قوم في عبادة الله حتى ماتوا. ثم قال له: ان الخضر عليه السلام كان من ابناء الملوك، فآمن بالله وتخلى في بيت ابيه يعبد الله، ولم يكن لابيه ولد غيره، فأشاروا الى ابيه ان يزوجه، لعل الله ان يرزقه ولدا، فيكون الملك فيه وفي عقبة فخطب له امرأة بكرا وادخلها عليه، فلم يلتفت الخضر إليها، فلما كان اليوم الثاني قال لها الخضر: تتمكنين على امري ؟ فقالت نعم، قال لها ان سائلك ابي اهل كان مني اليك ما كان من الرجال الى النساء فقولي نعم ؟ قالت افعل. فسألها الملك عن ذلك فقالت نعم، واشار عليه الناس ان يأمر النساء ان يفتشنها فامر وكانت على حالتها، فقالوا ايها الملك زوجت الغر من الغرة - يعني الغافل من الغافلة - زوجه امرأة ثيبا فزوجه، فلما دخلت عليه، سألها الخضر ان تكتم عليه فقالت نعم، فلما ان سألها الملك قالت ايها الملك ان ابنك امرأة فهل تلد المرأة من المرأة ! فغضب عليه، فامر بردم الباب عليه فردم. فلما كان اليوم الثالث حركته رقة الاباء، فامر بفتح الباب ففتح، فلم يجدوه فيه، فأعطاه الله من القوة ان يتصور كيف شاء، ثم كان على مقدمة ذي القرنين، وشرب من الماء الذي من شرب منه بقى الى الصيحة. قال: فخرج من مدينة ابيه رجلان في تجارة في البحر حتى وقعا الى جزيرة من جزائر البحر، فوجدوا فيه الخضر قائما يصلي، فلما انفتل دعاهما فسألهما عن خبرهما فأخبراه، فقال لهما هل تكتمان علي امري ان ارددتكما في يومكما الى منازلكما فقالا نعم، فنوى احدهما ان يكتم امره، ونوى الآخر ان رده الى منزله

[ 337 ]

اخبر اباه بخبره فدعا الخضر سحابة فقال إحملي هذين الى منازلهما، فحملتهما السحابة حتى وضعتهما من يومهما، فكتم احدهما امره، وذهب الآخر الى الملك فاخبره بخبره ! فقال له الملك من يشهد لك بذلك ؟ قال فلان التاجر فدل على صاحبه فبعث الملك إليه فأنكره وانكر معرفة صاحبه. فقال له الأول: ايها الملك ابعث معي خيلا الى هذه الجزيرة واحبس هذا حتى آتيك بابنك فبعث معه خيلا فلم يجده، فاطلق عن الرجل الذي كتم عليه. ثم ان القوم عملوا بالمعاصي، فأهلكهم الله وجعل مدينتهم عاليها سافلها، وابتدرت الجارية التي كتمت عليه امره والرجل الذي كتم عليه كل واحد منهما ناحية من المدينة فلما اصبحا إلتقيا، فأخبر كل واحد منهما صاحبه بخبره فقالا: ما نجونا إلا بذلك، فآمنا برب الخضر وحسن إيمانهما، وتزوج بها الرجل. و وقعا الى مملكة ملك آخر، وتوصلت المرأة الى بيت الملك وكانت تزين بنت الملك، فبينا هي تمشطها يوما إذ سقط من يدها المشط فقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت لها بنت الملك: ما هذه الكلمة، فقالت لها: ان لي إلها يجري الامور كلها بحوله وقوته، فقالت ألك إله غير أبي ؟ فقالت نعم وإلهك وإله ابيك، فدخلت بنت الملك الى ابيها، فأخبرت أباها بما سمعت من هذه المرأة. فدعاها الملك فسألها عن خبرها فأخبرته، فقال لها من دلك على دينك ؟ قالت: زوجي وولدي، فدعاهم الملك وامرهم بالرجوع عن التوحيد فأبوا عليه، فدعا مرجل من ماء فسخنه وألقاهم فيه وادخلهم بيتا وهدم عليهم البيت. فقال جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: فهذه الرائحة التي تشمها من ذلك البيت. (الأمالي) عن عبد الله بن سليمان قال: قرأت في بعض كتب الله عز وجل ان ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عز وجل حجة على عباده ولم يجعله نبيا فمكن الله له في الارض وآتاه من كل شيء سببا، فوضعت له عين الحياة وقيل له من شرب منها شربة لم يمت حتى يسمع الصيحة. وانه خرج في طلبها حتى انتهى الى موضع فيه ثلاثمائة وستون عينا، فكان

[ 338 ]

الخضر عليه السلام على مقدمته وكان من احب الناس إليه، فأعطاه حوتا مالحا، واعطى كل واحد من اصحابه حوتا مالحا و قال لهم: ليغسل كل رجل منكم حوته عند كل عين. فانطلقوا وانطلق الخضر عليه السلام الى عين من تلك العيون، فلما غمس الحوت في الماء حيى فانساب في الماء، فلما رأى الخضر عليه السلام ذلك علم انه قد ظفر بماء الحياة فرمى بثيابه وسقط في الماء فجعل يرتمس فيه ويشرب منه. فرجع كل واحد منهم الى ذي القرنين ومعه حوته و رجع الخضر وليس معه الحوت، فسأله عن قصته فأخبره، فقال له اشربت من ذلك الماء ؟ قال نعم، قال: أنت صاحبها وانت الذي خلقت لهذه العين فابشر بطول البقاء في هذه الدنيا مع الغيبه عن الأبصار الى النفخ في الصور (كتاب الخصال) المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن جعفر بن احمد عن ابن فضال عن الرضا عليه السلام قال: ان الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور وانه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وانه ليحضر حيث ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه وانه ليحضر المواسم فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته. أقول: في قوله عليه السلام: (و انه ليحضر حيث ذكر) دلالة على حضوره في الامكنة التي يذكرونها فما تعارف في هذه الأعصار بين الناس من قولهم طحين للخضر (ع) في حجرة مقفلة، وإذا صار الصباح رأوا على ذلك الطحين آثار يد الخضر غير خال من الدليل بل هذا دليله، لأنهم في ذلك الوقت يذكرونه في الدعاء والصلاة. (وعن) الرضا عليه السلام قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله جاء الخضر فوقف على باب البيت وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله قد سجي بثوب، فقال السلام عليكم يا أهل البيت (كل نفس ذائقة

[ 339 ]

الموت) وانما توفون اجوركم يوم القيامة ان في الله خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركا من كل فائت فتوكلوا عليه وثقوا به واستغفروا الله لي و لكم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا اخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم. (الكافي) باسناده الى سيف التمار قال: كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر قال: علينا عين، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا ليس علينا عين، فقال ورب الكعبة ورب البيت ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر (ع) لأخبرتهما اني اعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في ايديهما، لأن موسى والخضر اعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله. (إكمال الدين) كان اسم الخضر خضرويه بن قابيل بن آدم. ويقال: خضرون ايضا، ويقال: خلعبا. وانما سمي الخضر لأنه جلس على ارض بيضاء فاهتزت خضراء. والصحيح ان اسمه الياس بن ملكان بن عامر بن ارفخشد بن سام بن نوح عليهم السلام. (عن) أبي عبد الله عليه السلام قال: مسجد السهلة مناخ الراكب. قيل: ومن الراكب ؟ قال الخضر عليه السلام. (وعنه عليه السلام) في قول موسى عليه السلام لفتاه (آتنا غداءنا) وقوله (رب اني لما انزلت إلي من خير فقير) قال: انما عين الطعام، فقال أبو عبد الله (ع) ان موسى لذو جوعات. أقول: والجوعة الثالثة كما جاء في الحديث هو قوله (لاتخذت عليه أجرا). (تفسير العياشي) عن يزيد عن احدهما عليهما السلام قال: قلت له ما منزلتكم في الماضين أو بمن تشبهون بهم قال: الخضر وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا بنبيين. وعن ابي عبد الله عليه السلام: كان في كتف الغلام الذي قتله العالم أي الخضر عليه السلام - مكتوبا كافرا.

[ 340 ]

وقال (ع): ان الله ليحفظ ولد المؤمن الى الف سنة، وإن الغلامين كان بينهما وبين ابويهما سبعمائة سنة. (رياض الجنان) باسناده الى عبد الملك بن سليمان قال: وجد في ذخيرة احدى حواري المسيح عليه السلام رق فيه مكتوب بالقلم السرياني منقول من التوراة: ان موسى عليه السلام لما رجع من الخضر عليه السلام الى قومه سأله اخوه هارون عليه السلام عما شاهده من عجائب البحر قال: بينا انا والخضر على شاطئ البحر إذ سقط بين ايدينا طائر اخذ في منقاره قطرة و رمى بها نحو المشرق واخذ ثانية ورماها في المغرب واخذ ثالثة و رمى بها نحو السماء ورابعة رماها الى الارض ثم اخذ خامسة وعاد القاها في البحر، فبهتنا لذلك. فسألت الخضر عليه السلام عن ذلك فلم يجب، فإذا نحن بصياد يصطاد، فنظر الينا وقال: ما لي اراكما في فكر وتعجب من الطائر قلنا: هو ذلك، قال انا رجل صياد قد علمت وانتما نبيان ما تعلمان ؟ قلنا: ما نعلم إلا ما علمنا الله، قال هذا طائر في البحر يسمى مسلم، لأنه إذا صاح يقول في صياحه مسلم، فأشار برمي الماء من منقاره الى السماء والارض والمشرق والمغرب الى انه يبعث نبي بعدكما يملأ امته المشرق والمغرب ويصعد الى السماء ويدفن في الأرض، وأما رميه الماء في البحر يقول: ان علم العالم عند علمه مثل هذه القطرة و ورث علمه وصيه وابن عمه. فسكن ما كنا فيه من المشاجرة واستقل كل واحد منا علمه بعد ان كنا معجبين بأنفسنا. ثم غاب الصياد عنا، فعلمنا انه بعثه الله تعالى الينا ليعرفنا حيث إدعينا الكمال. (مهج الدعوات) روي ان الخضر والألياس يجتمعان في كل موسم ويفترقان عن هذا الدعاء وهو: بسم الله ما شاء الله لاقوة إلا بالله ما شاء الله كل نعمة فمن الله ما شاء الله الخير كله بيد الله عز وجل لا يصرف السوء إلا الله.

[ 341 ]

الفصل التاسع (في مناجاة موسى وما جرى بينه وبين ابليس وفي وفاة) (موسى وهارون وموضع قبرهما وما يتبع ذلك من النوادر) تفسير علي بن ابراهيم، عن ابن محبوب، عن ابن ابي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام: يقول من زرع حنطة في ارض فلم يترك ارضه و زرعه وخرج زرعه كثير الشعير فيظلم عمله في ملك رقبة الارض أو بظلم لمزارعه واكرته لأن الله يقول: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم ويصدهم عن سبيل الله كثيرا) يعني لحوم الابل وشحوم البقر والغنم. (الأمالي) باسناده الى عبد العظيم الحسني عن ابي الحسن العسكري عليه السلام قال: لما كلم الله موسى بن عمران قال موسى: يا إلهي ما جزاء من شهد اني رسولك و نبيك وأنت كلمتني ؟ قال: يا موسى تأتيه ملائكتي فتبشره بجنتي، قال موسى: إلهي فما جزاء من قام بين يديك يصلي ؟ قال: يا موسى: اباهي به ملائكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا ومن باهيت به ملائكتي لم اعذبه. قال موسى: إلهي ما جزاء من اطعم مسكينا ابتغاء وجهك ؟ قال: يا موسى آمر مناديا ينادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق ان فلان ابن فلان من عتقاء الله من النار، قال موسى: إلهي فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال: يا موسى أنسي أجله واهون عليه سكرات الموت ويناديه خزنة الجنة هلم الينا من أي ابوابها شئت، قال موسى: إلهي فما جزاء من كف أذاه عن الناس وبذل معروفة لهم ؟ قال: يا موسى تناديه النار يوم القيامة لا سبيل لي عليك قال إلهي فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال: يا موسى اظله

[ 342 ]

يوم القيامة بظل عرشي وأجعله في كنفي، قال إلهي فما جزاء من تلى حكمتك سرا وجهرا ؟ قال: يا موسى يمر على الصراط كالبرق، قال إلهي فما جزاء من صبر على إذى الناس وشتمهم فيك ؟ قال: أعينه على أهوال يوم القيامة. قال إلهي فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك ؟ قال: يا موسى أقى وجهه من حر النار واؤمنه يوم الفزع الأكبر. قال يا إلهي فما جزاء من ترك الخيانة حياءا منك ؟ قال يا موسى له الأمان يوم القيامة. قال يا إلهي فما جزاء من احب أهل طاعتك ؟ قال: يا موسى احرمه على ناري. قال: يا إلهي فما جزاء من قتل مؤمنا متعمدا ؟ قال لا أنظر إليه ولا اقيل عثرته. قال إلهي فما جزاء من دعا نفسا كافرا الى الاسلام ؟ قال يا موسى أأذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد. قال إلهي فما جزاء من صلى الصلاة بوقتها ؟ قال اعطيه سؤلي وابيحه جنتي. قال إلهي فما جزاء من أتم الوضوء من خشيتك ؟ قال ابعثه يوم القيامة وله نور بين عينيه يتلألأ. قال إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا ؟ قال يا موسى اقيمه يوم القيامة مقاما لا يخاف فيه، قال إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس ؟ قال يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه. (الأمالي) عن محمد بن سنان عن المفضل قال: سمعت مولاي الصادق عليه السلام يقول كان فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران انه قال له: يا بن عمران كذب من زعم انه يحبني فإذا جنه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه، ها أنا يا بن عمران مطلع على احبائي إذا جنهم الليل حولت ابصارهم من قلوبهم ومثلت عقوبتي بين أعينهم يخاطبوني عن المشاهدة ويكلموني عن الحضور، يا بن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع ومن عينيك الدموع في ظلم الليالي إدعني فانك تجدني قريبا مجيبا. (الكافي) محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن سدير قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: ان بني اسرائيل أتوا موسى فسألوه أن يسأل الله عز وجل ان يمطر السماء عليهم إذا أرادوا أو يحبسها إذا أرادوا ؟

[ 343 ]

فسأل الله عز وجل ذلك لهم فقال الله عز وجل فليحرثوا افعل ذلك لهم، يا موسى فأخبرهم موسى فحرثوا ولم يتركوا شيئا إلا و زرعوه، ثم استنزلوا المطر عليهم على إرادتهم وحبسوه على إرادتهم، فصارت زروعهم كأنها الجبال والاجام، فحصدوا وداسوا وذروا فلم يجدوا شيئا، فضجوا الى موسى (ع) و قالوا: انما سألناك أن تسأل الله ان يمطر السماء علينا إذا أردنا فأجابنا، ثم صيرها ضررا ! فقال يا رب ان بني اسرائيل ضجوا مما صنعت بهم فقال ومم ذاك يا موسى ؟ قال سألوني ان اسألك ان تمطر السماء إذا أرادوا، فأجبتهم ثم صيرتها عليهم ضررا، فقال يا موسى انا كنت المقدر لبني اسرائيل، فلم يرضوا بتقديري، فأجبتهم الى إرادتهم فكان ما رأيت. (عيون الأخبار) باسناده الى الرضا عليه السلام قال: لما بعث الله عز وجل موسى بن عمران عليه السلام واصطفاه وفلق له البحر واعطاه التوراة، رأى مكانه من ربه عز وجل. فقال يا رب لقد اكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي. قال يا موسى أما علمت ان محمدا عندي أفضل من جميع ملائكتي وجميع خلقي، قال موسى يا رب فان كان محمد اكرم عندك من جميع خلقك فهل من آل الانبياء اكرم من آلي ؟ قال الله جل جلاله يا موسى اما علمت ان فضل آل محمد على جميع النبيين كفضل محمد على جميع المرسلين، فقال موسى يا رب فان كان آل محمد كذلك فهل في امم الانبياء أفضل عندك من امتي ظللت عليهم الغمام وانزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر ؟ فقال الله جل جلاله يا موسى اما علمت ان فضل امة محمد على جميع الامم كفضله على جميع خلقي، فقال موسى يا رب ليتني كنت أراهم ؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى انك لن تراهم، فليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون، أفتحب ان اسمعك كلامهم ؟ قال نعم إلهي قال الله جل جلاله: قم بين يدي واشدد ميزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ففعل ذلك موسى عليه السلام. فنادى ربنا عز وجل: يا امة محمد فأجابوه وهم في أصلاب آبائهم وارحام

[ 344 ]

امهاتهم: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: فجعل الله عز و جل تلك الاجابة شعارا للحج. ثم نادى ربنا عز وجل: يا امة محمد ان قضائي عليكم ان رحمتي سبقت غضبي وعفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم قبل ان تدعوني و اعطيتكم من قبل ان تسألوني من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله صادق في اقواله محق في افعاله وان علي بن ابي طالب أخاه و وصيه من بعده ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد وان اولياءه المصطفين المطهرين الميامين بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما اوليائه، ادخلته جنتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر. قال: فلما بعث الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وآله، قال: يا محمد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا امتك بهذه الكرامة. ثم قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله: قل الحمد لله رب العالمين على ما اختصني من هذه الفضيلة. وقال لامته: قولوا انتم الحمد لله رب العالمين على ما اختصنا من هذه الفضائل. (الكافي) باسناده الى ابي جعفر عليه السلام قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير ان موسى عليه السلام سأل ربه فقال: يا رب ا قريب انت مني فاناجيك ام بعيد فاناديك ؟ فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى انا جليس من ذكرني، فقال موسى فمن في سترك يوم لا ستر إلا سترك قال الذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابون في فأحبهم، فاولئك الذين إذا اردت ان اصيب أهل الارض بسوء ذكرتهم، فدفعت عنهم بهم. أقول: ينبغي على الصوفية اذكارهم ووجدهم ونهيقهم وزعيقهم ورقصهم وصنعتهم و زعمهم ان هذا كله من افضل العبادات والطاعات. (الكافي) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان

[ 345 ]

الله عز وجل ناجى موسى بن عمران بمائة الف كلمة واربعة وعشرين الف كلمة في ثلاثة ايام ولياليهن ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها. فلما انصرف الى بني اسرائيل وسمع كلام الادميين مقتهم لما كان وقع من مسامعه من حلاوة كلام الله عز وجل. وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى قال لموسى: احفظ وصيتي لك بأربعة اشياء: أولهن - ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك. والثانية - ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك. والثالثة - ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج احدا غيري. والرابعة - ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره. وعنه عليه السلام: ليس في القرآن (يا ايها الذين آمنوا) إلا وهي في التوراة (يا ايها الناس). وفي خبر آخر: (يا ايها المساكين). وعنهم عليه السلام: قال ابليس يا موسى لا تخل بامرأة فانه لا يخلو رجل بامرأة لا تحل له، إلا وكنت صاحبه دون اصحابي، وإياك ان تعاهد الله عهدا فانه ما عاهد الله احدا إلا وكنت صاحبه دون اصحابي حتى احول بينه وبين الوفاء به، وإذا هممت بصدقة فامضها، فإذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون اصحابي حتى احول بينه وبينها. (قصص الراوندي) باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام قال: كان في زمن موسى صلوات الله عليه ملك جبار قضى حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح فتوفي في يوم واحد الملك الجبار والعبد الصالح، فقام على الملك الناس واغلقوا ابواب السوق لموته ثلاثة أيام، وبقى العبد الصالح في بيته، فتناولت دواب الأرض عن وجهه. فرآه موسى بعد ثلاث، فقال يا رب هو عدوك وهذا وليك ؟ فأوحى الله إليه: يا موسى ان الله وليي سأل هذا الجبار حاجة فقضاها له، فكافأته عن المؤمن و سلطت دواب الارض على محاسن وجه المؤمن لسؤاله ذلك الجبار.

[ 346 ]

(وعنه عليه السلام) قال: ان الله تعالى اوحى الى موسى: يا موسى اشكرني حق شكري فقال: يا رب كيف اشكرك حق شكرك وليس من شكر اشكرك به إلا وانعمت به علي ؟ فقال: يا موسى شكرتني حق شكري حين علمت ان ذلك مني. (وعن) ابي جعفر عليه السلام قال: اوحى الله تعالى الى موسى: احبني وحببني الى خلقي، قال موسى: يا رب انك لتعلم انه ليس احب إلي منك، فكيف لي بقلوب العباد ؟ فأوحى الله إليه: فذكرهم نعمتي وآلائي فانهم لا يذكرون مني إلا خير، فقال موسى: يا رب رضيت بما قضيت، تميت الكبير وتبقي الأولاد الصغار ؟ فأوحى الله إليه: ا ما ترضى بي وكيلا وكفيلا ؟ فقال: بلى يا رب نعم الوكيل ونعم الكفيل. وعن ابي جعفر قال: ان موسى سأل ربه ان يعلمه زوال الشمس فوكل الله بها ملكا، فقال: يا موسى قد زالت الشمس، فقال موسى متى ؟ فقال إذا قام رجل فشق قميصه، فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى قل له لا تشقق قميصك ولكن اشرح لي قلبك. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: ان الله اوحى الى موسى عليه السلام: ان بعض اصحابك ينم عليك فاحذره. فقال يا رب لا اعرفه فاخبرني به حتى اعرفه فقال يا موسى عبت عليه النميمة وتكلفني ان اكون نماما قال: يا رب وكيف اصنع ؟ قال الله تعالى فرق اصحابك عشرة عشرة ثم تقرع بينهم فان السهم يقع على العشرة التي هو فيهم، ثم تفرقهم وتقرع بينهم فان السهم يقع عليه. قال: فلما رأى الرجل ان السهام تقرع، قام فقال يا رسول الله انا صاحبك لا والله لا اعود ابدا. (و روي) ان موسى بن عمران رأى رجلا تحت ظل العرش، فقال يا رب من هذا الذي ادنيته حتى جعلته تحت ظل العرش ؟ فقال الله تبارك وتعالى: يا موسى هذا لم يعق والديه ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، وقال

[ 347 ]

موسى يا رب ما لمن عاد مريضا ؟ قال اوكل به ملكا يعوده في قبره الى محشره، قال يا رب ما لمن غسل ميتا ؟ قال اخرجه من ذنوبه كما خرج من بطن امه، قال يا رب ما لمن شيع جنازة ؟ قال اوكل به ملائكة معهم رايات يشيعونه من محشره الى مقامه، قال فما لمن عزى الثكلى ؟ قال اظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي. وقال: يا موسى اكرم السائل إذا أتاك بشيء، ببذل يسير أو برد جميل، فانه قد يأتيك من ليس بجني ولا انسي، ملك من ملائكة الرحمن ليبلوك فيما خولتك فكيف انت صانع. (وعنه) عليه السلام قال: مر موسى بن عمران برجل رافع يده الى السماء يدعو، فانطلق موسى في حاجته، فغاب عنه سبعة ايام، ثم رحل إليه وهو رافع يديه يدعو ويتضرع ويسأل حاجته فأوحى الله إليه يا موسى لو دعاني حتى يسقط لسانه ما استجبت له حتى يأتيني من الباب الذي امرته به. أقول: هذا يكشف لك عن امور كثير: منها بطلان عبادة المخالفين، وذلك انهم وإن صاموا وصلوا و حجوا وزكوا واتوا من العبادات والطاعات وزادوا على غيرهم إلا انهم اتوا الى الله تعالى من غير الابواب التي امر بالدخول منها. فانه سبحانه وتعالى قال (واتوا البيوت من ابوابها). وقد صح عن المسلمين قوله صلى الله عليه وآله أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقوله: أهل بيتي كسفينة نوح من ركب فيها نجى ومن تخلف عنها غرق. وقد جعلوا المذاهب الاربعة وسائط وابوابا بينهم وبين ربهم و اخذوا الأحكام عنهم، وهم اخذوها عن القياسات والاستنباطات والاراء، والاجتهاد الذي نهى الله سبحانه عن اخذ الاحكام عنها، وطعن عليهن من دخل في الدين منها. وكذلك عبادات الصوفية واصولهم الفاسدة، فانهم اخذوها عن مشايخهم. واخذها مشايخهم عن اسلافهم، وكلما تنتهي الى الصوفية من اهل الخلاف، فمن زعم انه من الشيعة وهو من الصوفية فهو عندنا من المبتدعين، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار.

[ 348 ]

(قصص الانبياء) للراوندي من علماء الامامية عن ابي عبد الله عليه السلام قال: لما مضى موسى صلوات الله عليه الى الجبل تبعه رجل من افضل اصحابه فأجلسه في اسفل الجبل وصعد موسى (ع) الجبل فناجى ربه ثم نزل، فإذا بصاحبه قد اكل السبع وجهه وقطعه، فأوحى الله تعالى إليه: ان كان له عندي ذنب، فأردت ان يلقاني ولا ذنب له. وفيه عن ابي جعفر (ع) قال: اوحى الله تعالى الى موسى (ع) ان من عبادي من يتقرب الى الجنة، فأحكمه في الجنة، قال وما تلك الجنة، قال يمشي في حاجة مؤمن. أقول: قوله: (يمشي) إشارة الى ان هذا الثواب مرتب على سعيه في حاجة المؤمن، وان لم تقض على يده. وقد وقع التصريح به في موارد اخرى. وفي حديث صحيح عنه عليه السلام قال: من طاف بالبيت طوافا، كتب الله له ستة آلاف حسنة ومحى عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة. ثم قال: وقضاء حاجة المؤمن افضل من طواف وطواف حتى عد عشرا. بقى الكلام في ان المؤمن الذي يترتب هذا الثواب على قضاء حاجته هل يكتفي بكونه من جملة الشيعة و واحد منهم وإن كان فاسقا في جوارحه، ام لا بد من هذه الاعمال الى الاعتقاد. أقول: الظاهر هو الثاني، لان الفاسق لا يبالغ في حرمته الى هذا الحال، نعم يكفي في هذا المعنى ان يكون مستور الظاهر غير متجاهر بالذنوب والمعاصي، وإلا فالمقصود من عصمه الله، ولا حول و لا قوة الا بالله. وقد بقى شىء آخر وهو ان جماعة من صلحاء الشيعة حالهم مستوري الذنوب والتجاهر بالمعاصي، لكنهم أما من جنود السلطان أو من نواكر العمال والحكام وان لهم خدمة معهم أو نحو ذلك. فمثل هذه، لا يقال له تجاهر بالمعاصي حتى ترديهم شهادتهم ولا يسعى لهم في حوائجهم ويحكم عليهم بلوازم الفسوق

[ 349 ]

والمعاصي. وهذا لا يخلو من كلام والحكم بفسقهم في هذا المقام في غاية الاشكال وإن مال إليه بعض العلماء من اصحابنا. بل الأظهر عندي ان هذا ليس على إطلاقه من باب التجاهر بالمعاصي، بل هنا تفصيل بسطنا الكلام فيه في المجلدة السابعة من (شرح التهذيب). (القصص) قال الصادق عليه السلام: اوحى الله الى موسى بن عمران عليه السلام (قل للملأ من بني اسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير حق، فان من قتل منكم نفسا في الدنيا قتلته مثل قتله صاحبه). (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام: ان إسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا، اعطي موسى منها اربعة احرف. (تفسير علي بن ابراهيم) مات موسى وهارون عليهما السلام في التيه. (فروي) ان الذي حفر قبر موسى ملك الموت في صورة آدمي. ولذلك لا يعرف بنو اسرائيل موضع قبر موسى. وعن حنان بن سدير قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل شق ثوبه على ابيه أو اخيه أو على قريب له فقال: لا بأس بشق الثوب، قد شق موسى بن عمران على اخيه هارون عليه السلام. وفي ليلة احدى و عشرين من شهر رمضان قبض موسى عليه السلام. وفي (الكافي) عن عمارة قال: قلت للصادق عليه السلام اخبرني بوفاة موسى بن عمران، فقال لما اتاه اجله، اتاه ملك الموت، فقال: السلام عليك يا كليم الله فقال وعليك السلام، من انت ؟ فقال انا ملك الموت جئت لأقبض روحك، فقال له موسى من اين تقبض روحي ؟ قال من فمك، قال له موسى كيف وقد تكلمت مع ربي جل جلاله ؟ قال فمن يديك، قال كيف وقد حملت بها التوراة ؟ قال فمن رجليك، قال كيف وقد وطأت بها طور سيناء ؟ قال فمن عينيك، قال كيف ولم تزل الى ربي ممدودة ؟ قال فمن اذنيك، قال كيف وقد سمعت بها كلام الله عز وجل ؟

[ 350 ]

قال: فأوحى الله تعالى الى ملك الموت لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك، وخرج ملك الموت. فمكث ما شاء الله يمكث بعد ذلك، ودعا يوشع بن نون، فأوصى إليه و امره بكتمان امره وبأن يوصي بعده الى من يقوم بالأمر، وغاب موسى عن قومه. فمر في غيبته برجل وهو يحفر قبرا، فقال ألا أعينك على حفر هذا القبر ؟ فقال له الرجل: بلى. فأعانه على حفر القبر وسوى اللحد ثم اضطجع فيه موسى بن عمران لينظر كيف هو، فكشف له عن الغطاء، فرأى مكانه من الجنة، فقال يا رب إقبضني اليك. فقبض ملك الموت روحه في مكانه ودفنه في القبر وسوى عليه التراب. وكان الذي يحفر القبر ملك في صورة آدمي، وكان ذلك في التيه. فصاح صائح من السماء: مات موسى كليم الله، فأي نفس لا تموت. ثم ان يوشع بن نون قام بالأمر من بعد موسى، صابرا من الطواغيت على الضراء والبلاء، حتى مضى منهم طواغيت، فقوى بعدهم امره. فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى، بصفراء بنت شعيب امرأة موسى في مائة الف رجل، فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين باذن الله، واسر صفراء بنت شعيب وقال لها: قد عفوت عنك في الدنيا الى ان نلقى كليم الله موسى بن عمران، فأشكو ما لقيت منك ومن قومك فقالت صفراء وا ويلاه والله لو ابيحت لي الجنة استحييت ان ارى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه وخرجت على وصيه بعده. (القصص) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: قال موسى صلوات الله عليه لهارون عليه السلام إمض بنا الى جبل طور سيناء، ثم خرجا، فإذا بيت على بابه شجرة عليها ثوبان، فقال موسى لهارون إطرح ثيابك وادخل البيت وإلبس هاتين الحلتين ونم على السرير، ففعل هارون. فلما ان نام على السرير، قبضه الله تعالى إليه وارتفع البيت والشجرة.

[ 351 ]

ورجع موسى الى بني اسرائيل فأعلمهم ان الله قبض هارون ورفعه إليه، فقالوا كذبت انت قتلته فشكى موسى عليه السلام ذلك الى ربه فأمر الله تعالى الملائكة فأنزلته على سرير بين السماء و الارض، حتى رأته بنو اسرائيل، فعلموا انه مات. (الكافي) عن محمد بن سنان قال: كنت عند الرضا عليه السلام فقال لي يا محمد انه كان في زمن بني اسرائيل اربعة نفر من المؤمنين، فأتى واحد منهم من الثلاثة وهم في منزل واحد في مناظرة بينهم، فقرع الباب وخرج إليه الغلام، فقال اين مولاك ؟ فقال ليس هو في البيت، فرجع الرجل ودخل الغلام الى مولاه فقال له من كان الذي قرع الباب ؟ قال فلان فقلت له ليس في المنزل، فسكت ولم يلم غلامه ولا اغتم احد منهم لرجوعه عن الباب، واقبلوا في حديثهم. فلما كان من الغد بكر إليهم الرجل، فأصابهم وقد خرجوا يريدون ضيعة بعضهم فسلم عليهم وقال انا معكم ؟ فقالوا نعم، ولم يتعذروا إليه ! وكان الرجل محتاجا ضعيف الحال. فلما كانوا في بعض الطريق، إذا غمامة قد اظلتهم، فظنوا انه مطر، فبادروا فلما استوت الغمامة على رؤوسهم، إذا مناد ينادي من جوف الغمامة: ايتها النار خذيهم وانا جبرئيل رسول الله فإذا نار في جوف الغمامة قد اختطفت الثلاثة نفر، وبقى الآخر مرعوبا يعجب مما نزل بالقوم ولا يدري ما السبب. فرجع الى المدينة، فلقى يوشع بن نون وأخبره الخبر وما رأى وما سمع فقال يوشع بن نون: أما علمت ان الله سخط عليهم، بعد ان كان راضيا، وذلك بفعلهم بك، قال وما فعلهم بي ؟ فحدثه يوشع، فقال الرجل فأنا اجعلهم في حل واعفو عنهم قال: لو كان هذا قبل لنفعهم، وأما الساعة فلا، وعسى ان ينفعهم بعد

[ 352 ]

الفصل العاشر (في قصة بلعم بن باعوراء وأحوال اسماعيل الذي سماه الله) (صادق الوعد وانه غير اسماعيل بن ابراهيم وقصة الياس وإليا) (واليسع وقصص ذي الكفل عليهم السلام) تفسير علي بن ابراهيم عن ابي الحسن الرضا عليه السلام: انه اعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجاب له، فمال الى فرعون. فلما مر فرعون في طلب موسى عليه السلام واصحابه، قال فرعون لبلعم ادع الله على موسى واصحابه ليحبسه علينا. فركب حمارته ليمر في طلب موسى عليه السلام ! فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت: ويل لك على ما تضربني اتريد ان أجيء معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين ؟ فلم يزل يضربها حتى قتلها ؟ وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه. وهو قوله: (فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) وهو مثل ضربه الله. فقال الرضا عليه السلام: فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة: حمارة بلعم و كلب أصحاب الكهف والذئب. وكان سبب الذئب: انه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين وهو يعذبهم، وكان للشرطي ابن يحبه، فجاء ذئب فأكل ابنه، فحزن

[ 353 ]

الشرطي، فأدخل الله ذلك الذئب الجنة، لما أحزن الشرطي. أقول: قال ابن عباس: دخل الذئب الجنة بأكله لابن الشرطي، فلو أكل الشرطي، لرفعه الله تعالى الى عليين، والشرطي من أعوان الظلمة من الشرطة، وهي العلامة، لانهم يعلمون انفسهم بعلامات يعرفون بها. وقال صاحب (الكامل): لما مات موسى وهارون عليهما السلام في التيه، أوحى الله تعالى الى يوشع بن نون: يأمره المسير الى اريحا وفتحها. وقال آخرون: ان موسى عاش حتى خرج من التيه وسار الى مدينة الجبارين وعلى مقدمته يوشع بن نون وكالب بن يوحنا وهو صهره على اخته مريم بنت عمران. فلما بلغوها اجتمع الجبارون الى بلعم بن باعوراء وهو من ولد لوط (ع) فقالوا له: ان موسى (ع) جاء ليقتلنا ويخرجنا من ديارنا، فادع الله عليهم وكان بلعم يعرف اسم الله الاعظم، فقال لهم كيف أدعو على نبي الله والمؤمنين ومعهم الملائكة، فراجعوه في ذلك وهو يمتنع عليهم. فأتوا امرأته وأهدوا لها هدية وطلبوا إليها ان تحسن لزوجها ان يدعو على بني اسرائيل فقالت له في ذلك فامتنع، فلم تزل به حتى قال استخير ربي فاستخار الله تعالى فنهاه في المنام، فاخبرها بذلك، فقالت راجع ربك. فعاد الاستخارة فلم يرد جواب. فقالت لو أراد ربك لنهاك. ولم تزل تخدعه حتى اجابهم. فركب حمارا له متوجها الى جبل يشرف على بني اسرائيل ليقف عليه ويدعو عليهم، فما مشى عليها إلا قليلا حتى ربض الحمار فضربه حتى قام فركبه، فسار قليلا فربض، ففعل ذلك ثلاث مرات. فلما اشتد ضربه في الثالثة فانطقها الله: ويحك يا بلعم اين تذهب ؟ أما ترى الملائكة تردني فلم يرجع، فأطلق الله: الحمار حينئذ فسار حتى أشرف على بني اسرائيل فكان كلما أراد ان يدعو عليهم: ينصرف لسانه الى الدعاء لهم، وإذا أراد أن يدعو لقومه إنقلب دعائه عليهم.

[ 354 ]

فقالوا له في ذلك ؟ فقال هذا شيء غلب الله عليه، واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال الآن خسرت الدنيا والآخرة. ولم يبق إلا المكر والحيلة وأمرهم أن يزينوا النساء ويعطوهن السلع للبيع ويرسلوهن الى العسكر ولا تمنع امرأة نفسها ممن يريدها، وقال ان زنى منهم رجل واحد كفيتموهم. ففعلوا ذلك ودخل النساء عسكر بني اسرائيل، فأخذ زمري بن شلوم وهو رأس سبط شمعون بن يعقوب امرأة و اتى بها الى موسى عليه السلام فقال له اظنك تقول ان هذا حرام فو الله لانطيعك ثم ادخلها خيمة فوقع عليها فأنزل الله عليهم الطاعون. وكان صحاح بن عيراد بن هارون صاحب عمه موسى غائبا، فلما جاء رأى الطاعون قد استقر في بني اسرائيل، وكان ذا قوة وبطش. فقصد زمرى فرآه مضاجع المرأة فطعنها بحربة بيده فانتظمها، ورفع الطاعون. وقد هلك في تلك الساعة عشرون الفا. وقيل سبعون الفا. ثم ان موسى عليه السلام قدم يوشع (ع) الى اريحا في بني اسرائيل فدخلها وقتل بها الجبارين، وبقيت منهم بقية وقد قاربت الشمس المغرب، فخشى ان يدركهم الليل فعجزوا، فدعا الله أن يحبس عليهم الشمس ففعل وحبسها حتى إستأصلهم، ودخلها موسى عليه السلام، فأقام بها ما شاء الله أن يقيم، وقبضه الله تعالى إليه، لا يعلم بغيره أحد من الخلق. وأما من زعم ان موسى عليه السلام كان توفي قبل ذلك فقال ان الله تعالى أمر يوشع بالمسير الى مدينة الجبارين، فسار ببني اسرائيل ففارقه رجل منهم يقال له بلعم بن باعوراء وكان يعرف الاسم الاعظم. وساق من حديثه نحو ما تقدم. فلما ظفر يوشع بالجبارين ادركه الماء ليلة السبت، فدعا الله تعالى فرد الشمس

[ 355 ]

عليه وزاد في الشمس ساعة، فهزم الجبارين ودخل مدينتهم وجمع غنائمهم ليأخذها للقربان فلم تأت النار... الحديث. تفسير علي بن ابراهيم: (الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ان الله لذو فضل على الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون). فانه وقع الطاعون بالشام في بعض الكور، فخرج منه خلق كثير كما حكى الله تعالى، هربا من الطاعون، فصاروا الى مفازة، فماتوا في ليلة واحدة كلهم فبقوا حتى كانت عظامهم يمر بها المار فينحيها برجله عن الطريق، ثم أحياهم الله وردهم الى منازلهم، فبقوا دهرا طويلا، ثم ماتوا وتدافنوا. (القصص) بالاسناد الى الصدوق عن عبد الأعلى انه قال للصادق عليه السلام حديث يرويه الناس فقال: ما هو ؟ قال يرون ان الله تعالى اوحى الى حزقيل النبي ان اخبر فلان الملك اني متوفيك يوم كذا. فأتى حزقيل الملك فأخبره بذلك قال: فدعا الله تعالى على قومه وهو على سريره حتى سقط ما بين الحائط والسرير وقال: اخرني حتى يشيب طفلي واقضي امري فأوحى الله الى ذلك النبي: ان إئت فلانا وقل اني انسىء في عمره خمس عشرة سنة، فقال النبي: يا رب وعزتك انك تعلم اني لم اكذب كذبة قط، فأوحى الله إليه: انما انت عبد مأمور، فأبلغه. وعن الباقر والصادق عليهما السلام: في قوله تعالى: (ألم تر الى الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت، فقال لهم الله موتوا... الآية، قال: هؤلاء اهل مدينة من مدائن الشام من بني اسرائيل، وكانوا سبعين الفا وكان الطاعون يقع فيهم في كل أوان، فكانوا إذا احسوا به، خرج من المدينة الاغنياء وبقى فيها الفقراء لضعفهم، فكان الموت يكثر في الذين اقاموا ويقل في الذين خرجوا. فيقول الذين خرجوا لو كنا اقمنا لكثر فينا الموت فيقول الذين اقاموا لو كنا خرجنا لقل فينا الموت. فاجتمع رأيهم جميعا على انه إذا وقع الطاعون خرجوا كلهم من المدينة فلما احسوا بالطاعون خرجوا جميعا من الطاعون حذر الموت، فساروا في

[ 356 ]

البلاد، ثم انهم مروا بمدينة خربة افنى اهلها الطاعون، فلما احطوا رحالهم قال الله (موتوا جميعا) فماتوا وصاروا رميما. فمر بهم نبي من الأنبياء يقال له حزقيل فرآهم وبكى وقال: يا رب لو شئت احييتهم الساعة. فأحياهم الله. كتاب (المحاسن) عن ابي جعفر عليه السلام قال: لما خرج ملك القبط يريد هدم بيت المقدس اجتمع الناس الى حزقيل النبي فشكوا ذلك إليه، فقال: لعلي اناجي ربي الليلة. فلما جنه الليل ناجى ربه، فأوحى الله إليه: اني قد كفيتهم وكانوا قد مضوا، فأوحى الله الى ملك الهواء: ان امسك عليهم انفاسهم، فماتوا كلهم واصبح النبي واخبر قومه، فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا. ودخل حزقيل النبي العجب فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبي علي ؟ وقد اعطيت مثل هذا. قال فخرجت قرحة على كبده واذنه، فخشع لله وتذلل وقعد على الرماد فأوحى الله إليه: ان خذ لبن التين فحكه على صدرك من خارج ففعل فسكن عنه ذلك. وروي عن الشيخ احمد بن فهد في (المهذب) وغيره بأسانيدهم الى المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله عليه السلام قال: يوم النيروز هو الذي احيى الله فيه القوم (الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم) وذلك ان نبيا من الأنبياء، سأل ربه ان يحيى القوم (الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فأماتهم الله) فأوحى الله إليه: ان صب عليهم الماء في مضاجعهم فصب عليهم الماء في ذلك اليوم، فعاشوا ثلاثون الفا. فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية، لا يعرف سببها الا الراسخون. أقول: لا يتوهم من هذه الاخبار عدم جواز الفرار من الطاعون، وذلك ان الآجال إذا تقاربت لا ينفع الفرار وعدمه. وقد وردت الأخبار متظافرة في الأمر بالفرار منه، ولم يعارضها إلا ما

[ 357 ]

روي من قوله صلى الله عليه وآله: الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف. ولما سئل الصادق عليه السلام عن معناه، قال: ان النبي صلى الله عليه وآله قال في جماعة كانوا في الثغور بأزاء العدو، وكانوا إذا فروا من الطاعون زحف العدو على ارض المسلمين واستولى عليها. يعني ان هذا الكلام متوجه الى جماعة مخصوصين يلزم من فرارهم من الطاعون الفساد والانفتال في الدين واستلال على المسلمين. وقد حققنا الكلام وأوردنا الأخبار في هذا الباب في رسالتنا الموسومة (بمسكن الشجون في حكم الفرار من الطاعون). وأما اسماعيل الذي سماه الله صادق الوعد فقال فيه: (واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا). (معاني الأخبار) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان اسماعيل الذي قال الله عز وجل في كتابه (واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا) لم يكن اسماعيل بن ابراهيم، بل كان نبيا من الانبياء، بعثه الله عز وجل الى قومه، فأخذوه وسلخوا فروة رأسه و وجهه، فأتاه ملك فقال: ان الله جل جلاله بعثني اليك فمرني بما شئت، فقال: لي اسوة بما يصنع بالحسين. وفي (قصص الانبياء) عن الصادق عليه السلام قال: رسول الله صلى الله عليه وآله: ان افضل الصدقة صدقة اللسان تحقن به الدماء وتدفع به الكريهة وتجر المنفعة الى اخيك المسلم. ثم قال صلى الله عليه وآله: ان عابد بني اسرائيل الذي كان اعبدهم، كان يسعى في حوائج الناس عند الملك، و انه لقى اسماعيل بن حزقيل، فقال لا تبرح حتى ارجع اليك يا اسماعيل فابقى عند الملك فبقى اسماعيل الى الحول هناك، فأنبت الله لاسماعيل عشبا، فكان يأكل منه وأجرى له عينين واظله بغمام.. فخرج الملك بعد ذلك الى التنزه ومعه العابد، فرأى اسماعيل، فقال: انك لهاهنا يا اسماعيل ؟ فقال له: قلت لا تبرح، فلم ابرح. فسمى صادق الوعد.

[ 358 ]

قال: وكان جبار مع الملك كذب هذا العبد، وقال بربرت بهذه البرية فلم تقول اني هاهنا، فقال له اسماعيل: إن كنت كاذبا فنزع الله صالح ما اعطاك. قال: فتناثرت اسنان الجبار، فقال الجبار اني كذبت على هذا العبد الصالح، فاطلب ان يدعو الله ان يرد اسناني فاني شيخ كبير، فطلب إليه الملك فقال: اني افعل، قال: الساعة ؟ قال: لا. قال: وأخره الى السحر، ثم دعا ثم قال: ان افضل ما دعوتم الله بالاسحار. قال الله تعالى: (وبالأسحار هم يستغفرون). وفي حديث آخر: انه عليه السلام قال لمن وعده: لو لم يجئني لكان منه المحشر، فأنزل الله: (واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد). (كامل الزيارة) باسناده الى بريد العجلي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام يا بن رسول الله اخبرني عن اسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: (واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد) اكان اسماعيل بن ابراهيم فان الناس يزعمون انه اسماعيل بن ابراهيم، فقال عليه السلام ان اسماعيل مات قبل ابراهيم وان ابراهيم كان حجة الله على خلقه، فالى من ارسل اسماعيل إذا قلت فمن كان ؟ قال اسماعيل بن حزقيل النبي، بعثه الله الى قومه فكذبوه وقتلوه وسلخوا فروة رأسه وجلدة وجهه. فغضب الله عليهم، فوجه سطاطائيل ملك العذاب، فقال له: يا اسماعيل انا ملك العذاب وجهني رب العزة اليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت فقال له اسماعيل: لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل. فأوحى الله إليه: ما حاجتك يا اسماعيل ؟ فقال اسماعيل: يا رب انك اخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولاوصيائه بالولاية واخبرت خلقك بما يفعل بالحسين بن علي من بعد نبيها، وانك وعدت الحسين ان تكره الى الدنيا حتى ينتقم ممن فعل ذلك به، فحاجتي اليك يا رب ان تكرني الى الدنيا، حتى انتقم ممن فعل بي كما تكر الحسين (ع) فوعد الله اسماعيل بن حزقيل ذلك. فهو يكر مع الحسين بن على عليهما السلام.

[ 359 ]

(و أما قصة الياس وإليا واليسع عليهم السلام) (الكافي) عن المفضل بن عمر قال: اتينا باب ابى عبد الله عليه السلام ونحن نريد الاذن، فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية، فتوهمنا انه بالسريانية، ثم بكى، فبكينا لبكائه، ثم خرج الينا الغلام، فأذن لنا فدخلنا عليه. فقلت: اصلحك الله سمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية ثم بكيت فبكينا، فقال: نعم ذكرت الياس النبي صلوات الله عليه، وكان من عباد بني اسرائيل، فقلت كما كان يقول في سجوده، ثم اندفع فيه بالسريانية، فما رأينا والله قسيسا ولا جاثليقا افصح لهجة منه، ثم فسره لنا بالعربية فقال: كان يقول في سجوده: اتراك معذبي بنارك وقد اظمأت لك هواجري ؟ اتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي ؟ اتراك معذبي وقد إجتنبت لك المعاصي ؟ اتراك معذبي وقد اسهرت لك ليلي ؟ فأوحى الله إليه: ان ارفع رأسك فاني غير معذبك. قال: فقال: إن قلت لا اعذبك، ثم عذبتني ماذا الست عبدك وانت ربي ؟ فأوحى الله إليه: إن ارفع رأسك فاني غير معذبك، فاني إذا وعدت وعدا وفيت به. (قصص الانبياء) عن ابن عباس قال: ان يوشع بن نون بوأ بني اسرائيل الشام بعد موسى عليه السلام وقسمها بينهم، فسار منهم سبط ببعلبك بأرضها وهو السبط الذي منه الياس النبي عليه السلام. فبعثه الله إليهم، وعليهم يومئذ ملك، فتنهم بعبادة صنم يقال له بعل، وذلك قوله: (وان الياس لمن المرسلين * إذ قال لقومه ألا تتقون * اتدعون بعلا وتذرون احسن الخالقين) ؟ فكذبوه. وكان للملك زوجة فاجرة يستخلفها إذا غاب فتقضي بين الناس وكان لها كاتب حكيم قد خلص من يدها ثلاثمائة مؤمن، كانت تريد قتلهم، ولم يعلم على وجه الأرض انثى ازنى منها، وقد تزوجت سبعة ملوك من بني اسرائيل حتى ولدت تسعين ولدا سوى ولد ولدها.

[ 360 ]

وكان لزوجها جار صالح من بني اسرائيل وكان له بستان يعيش به الى جانب قصر الملك يكرمه. فسافر مرة، فاغتنمت امرأته فقتلت العبد الصالح واخذت بستانه غصبا من اهله، وكان ذلك سبب سخط الله عليهم. فلما قدم زوجها اخبرته الخبر فقال لها ما اصبت، فبعث الله الياس النبي يدعوهم الى عبادة الله فكذبوه وطردوه ودعاهم الى الله فلم يزدهم إلا طغيانا. فآلى الله على نفسه ان يهلك الملك والزانية إن لم يتوبوا إليه، واخبرهما بذلك فاشتد غيضهم عليه وهموا لتعذيبه فهرب منهم ولحق بالجبل، فبقى سبع سنين يأكل من نبات الأرض. فأمرض الله ابنا للملك و كان اعز ولده، فاستشفعوا الى عبدة الأصنام ليشفعوا له فلم ينفع، فبعثوا الناس الى الجبل الذي فيه الياس، فكانوا يقولون اهبط الينا واشفع لنا. فنزل الياس من الجبل وقال: ان الله ارسلني اليكم وإلى من ورائكم فاسمعوا رسالة ربكم يقول: ارجعوا الى الملك فقولوا اني انا الله لا إله الا انا إله بني اسرائيل اضرهم وأنفعهم وتطلب الشفاء لابنك من غيري. فلما صاروا الى الملك وقصوا عليه القصة امتلأ غيظا فقال لهم ما الذي منعكم ان تقتلوه فانه عدوي ؟ قالوا قذف في قلوبنا الرعب. فندب خمسين من قومه واوصاهم بالاحتيال له و اطماعه في انهم آمنوا به ليغتر بهم فيمكنهم من نفسه. فانطلقوا الى الجبل الذي فيه الياس، فنادوا يا نبي الله ابرز لنا فانا آمنا بك فطمع في ايمانهم، فقال: اللهم ان كانوا صادقين فيما يقولون فاذن لي بالنزول إليهم وإن كانوا كاذبين فارمهم بنار تحرقهم، فما استتم كلامه حتى رموا بالنار فاحترقوا، فبلغ الملك خبرهم، فاشتد غيظه. وانتدب كاتب امرأته المؤمن وبعث معه جماعة الى الجبل، وقال له قد آن أن

[ 361 ]

نتوب، فقل له يرجع الينا ويأمرنا وينهانا بما يرضى ربنا، وأمر قومه فاعتزلوا الاصنام، فانطلق الكاتب ومن معه الى الجبل، ثم ناداه فعرف الناس صوته، فأوحى الله إليه: ان ابرز الى اخيك الصالح وصافحه، فقال المؤمن بعثني اليك هذا الطاغي وقص عليه ما قالوا، ثم قال: و اني لخائف إن رجعت إليه ولست معي ان يقتلني، فأوحى الله عز وجل الى الياس: ان كل شيء جاءك منهم خداع ليظفروا بك، واني اشغله عن هذا المؤمن بأن اميت ابنه. فلما قدموا عليه اخذ الموت ابنه، ورجع الياس سالما الى مكانه. فلما ذهب الجزع عن الملك، سأل الكاتب عن الذي جاء به فقال ليس لي علم به. ثم ان الياس نزل واستخفى عند ام يونس بن متى ستة اشهر، ويونس مولود، ثم عاد الى مكانه، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات ابنها حين فطمته، فعظم مصابها فخرجت في طلب الياس و رقت الجبال حتى وجدت الياس، فقالت: اني فجعت بموت إبني والهمنى الله تعالى الاستشفاع بك إليه ليحيى لي ابني فاني تركته بحاله ولم ادفنه واخفيت مكانه فقال لها ومتى مات ابنك ؟ قالت: اليوم سبعة ايام. فانطلق الياس وسار سبعة ايام اخرى، حتى انتهى الى منزلها، فدعا الله سبحانه حتى احيى الله بقدرته يونس عليه السلام، فلما عاش انصرف الياس. ولما صار اربعين سنة، ارسله الله الى قومه، كما قال: (وارسلناه الى مائة الف أو يزيدون). ثم اوحى الله تعالى الى الياس بعد سبع سنين من يوم احيى الله يونس: سلنى اعطك فقال: تميتني فتلحقني بآبائي، فاني قد مللت بني اسرائيل وابغضتهم فيك فقال الله تعالى: ما هذا اليوم الذي اعري الارض منك واهلها، وانما قوامها بك ولكن سلني اعطك، فقال الياس: فاعطني ثاري من الذين ابغضوني فيك فلا تمطر عليهم سبع سنين قطرة إلا بشفاعتي. فاشتد على بني اسرائيل الجوع والح عليهم البلاء واسرع الموت فيهم وعلموا ان ذلك من دعوة الياس، ففزعوا إليه وقالوا نحن طوع يدك فهبط الياس معهم

[ 362 ]

ومعه تلميذ له اليسع، و جاء النبي الملك، فقال قتلت بني اسرائيل بالقحط. فقال قتلهم الذي اغواهم، فقال إدع ربك ليسقيهم. فلما جن الليل عاد الياس ودعا الله فقال لليسع: انظر في اكناف السماء ماذا ترى ؟ فرأى سحابة، فقال ابشروا بالسقاء، فليحرروا انفسهم واموالهم من الغرق فأمطر الله عليهم السماء وانبت لهم الأرض، فقام الياس بين اظهرهم وهم صالحون. ثم ادركهم الطغيان والبطر، فجحدوا حقه وتمردوا فسلط الله عليهم عدوا قصدهم ولم يشعروا به حتى رهقهم، فقتل الملك وزوجته والقاهما في بستان الذي قتلته زوجة الملك. ثم وصى الياس الى اليسع، وانبت الله لألياس الريش والبسه النور ورفعه الى السماء وقذف بكسائه من الجو على اليسع. فنبأه الله على بني اسرائيل واوحى الله إليه وايده، فكان بنو اسرائيل يعظمونه صلوات الله عليه ويهتدون بهداه. وقال الشيخ الطبرسي: اختلف في الياس، فقيل: هو ادريس عليه السلام. وقيل: هو من انبياء بني اسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع، وهو الياس بن يسع بن فنحاس بن العيزار بن هارون بن عمران. عن ابن عباس ومحمد بن اسحاق و غيرهما قالوا: انه بعث بعد حزقيل، لما عظمت الاحداث في بني اسرائيل. و كان يوشع لما فتح الشام بوأها بني اسرائيل وقسمها بينهم، فأحل سبطا منهم ببعلبك، وهم سبط الياس، بعث فيهم نبيا إليهم، فأجابه الملك، ثم ان امرأته حملته على الخلاف لألياس وطلبته لتقتله، فهرب الى الجبال والبراري، واستخلف اليسع على بني اسرائيل، ورفعه الله ما بين اظهرهم وقطع عنه لذة الطعام والشراب وكساه الريش، فصار إنسيا ملكيا أرضيا سماويا، وسلط الله على الملك وقومه عدوا لهم فقتلهم، وبعث الله اليسع رسولا الى بنى اسرائيل فآمنوا به. وقيل: ان الياس صاحب البراري، والخضر صاحب الجزائر، ويجتمعان

[ 363 ]

في كل يوم عرفة بعرفات. وذكر وهب انه ذو الكفل. وقيل: هو الخضر عليه السلام. (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله عليكم بالكرفس فانه طعام الياس واليسع ويوشع بن نون عليهم السلام. وفيه عن ابي جعفر الثاني عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: بينا ابي (ع) يطوف في الكعبة إذا رجل متعجر فقطع عليه اسبوعه حتى ادخله دارا جنب الصفا فأرسل إلي ؟ فكنا ثلاثة، فقال مرحبا يا بن رسول الله، ثم قال: إن شئت اخبرني وإن شئت اخبرتك قال أشاء، قال إياك ان تنطق لسانك عن مسألتي بأمر تضمر لي غيره، قال انما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف احدهما صاحبه، فان الله عز وجل ابى ان يكون له علم فيه اختلاف، قال هذه مسألتي وقد فسرت طرفا منها، اخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه إختلاف من يعلمه ؟ قال اما جملة العلم فعند الله سبحانه، وأما ما لا بد منه، فعند الأوصياء. قال: ففتح الرجل عجرته وإستوى جالسا وتهلل وجهه وقال هذه اردت، زعمت ان علم ما لا إختلاف فيه عند الأوصياء فكيف يعلمونه قال كما كان رسول الله يعلم إلا انهم لا يرون ما كان رسول الله يرى، لانه كان نبيا وهم محدثون وانه كان يسمع الوحي وهم لا يسمعون، فقال صدقت يا بن رسول الله اخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله قال فضحك ابي عليه السلام وقال ابى الله ان يطلع على علمه إلا ممتحنا للايمان به، كما قضى على رسول الله صلى الله عليه وآله ان يصبر على اذى قومه ولا يجابههم إلا بأمره، فكم من إكتام قد إكتتم به حتى قيل له: (إصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين) وايم الله لو صدع قبل ذلك لكان آمنا ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف، فلذلك كذب فوددت ان يميتك تكون مع مهدي هذه الامة والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والارض يعذب ارواح الكفرة من الاموات ويلحق بهم ارواح اشباههم من الاحياء.

[ 364 ]

ثم اخرج سيفا، ثم قال: ها ان هذا منها، فقال ابي: إي والذي إصطفى محمدا على البشر. قال: فرد الرجل اعتجاره وقال: انا الياس ما سألتك عن امرك ولي منه جهاله غير اني احببت ان يكون هذا الحديث قوة لأصحابك. (المناقب) لابن شهرآشوب المازندراني، روي عن انس ان النبي صلى الله عليه وآله سمع صوتا من قلة جبل: اللهم اجعلني من الامة المرحومة المغفورة. فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا بشيخ اشيب قامته ثلاثمائة ذراع، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله عانقه، ثم قال: اني آكل في سنة مرة وهذا اوانه. فإذا هو بمائدة نزلت من السماء فأكلا، وكان الياس عليه السلام. وأما قصص ذي الكفل عليه السلام فقال تعالى: (واسماعيل وادريس وذا الكفل كل من الصابرين * و ادخلناهم في رحمتنا انهم من الصالحين). (قصص الانبياء) بالاسناد الى النبي صلى الله عليه وآله قال: ان ذا الكفل كان رجلا من حضرموت واسمه عويديا بن اديم. ولما كبر اليسع عليه السلام قال: اني‍ استخلفت رجلا يعمل على الناس في حياتي فانظر كيف يعمل ؟ فجمع الناس فقال لهم من يتقبل مني ثلاثا استخلفه: بعدي ان يقوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ؟ فقام رجل تزدريه الأعين، فقال انا وكان نبيا وكان يقضي اول النهار. فقال ابليس لاتباعه من له ؟ فقام واحد منهم يقال له الابيض انا، فقال ابليس فاذهب إليه لعلك تغضبه. فلما انتصف النهار جاء الابيض الى ذي الكفل وقد اخذ مضجعه فصاح

[ 365 ]

وقال اني مظلوم، فقال قل له تعال، فقال لا انصرف، قال فأعطاه خاتمه فقال اذهب وائتني بصاحبك، فذهب حتى إذا كان من الغد جاء الى تلك الساعة التي اخذ هو مضجعه فصاح اني مظلوم وان خصمي لم يلتفت الى خاتمك، فقال له الحاجب ويحك دعه ينم فانه لم ينم البارحة ولا امس قال لا ادعه ينام وانا مظلوم ؟ فدخل الحاجب واعلمه فكتب إليه كتابا وختمه ودفعه إليه فذهب. حتى إذا كان من الغد حين اخذ مضجعه جاء فصاح فقال: ما التفت الى شىء من امرك، ولم يزل يصيح حتى قام واخذ بيده في يوم شديد الحر، لو وضعت فيه بضعة لحم على الشمس لنضجت. فلما رأى الابيض ذلك انتزع يده من يده ويئس منه ان يغضب. فأنزل الله تعالى قصته على نبيه ليصبر على الأذى كما يصبر الانبياء صلوات الله عليهم على البلاء. وعن عبد العظيم الحسني قال: كتبت الى ابي جعفر الثاني عليه السلام عن ذي الكفل ما اسمه وهل كان من المرسلين ؟. فكتب صلوات الله عليه: بعث الله تعالى جل ذكره مائة الف نبي واربعة وعشرين الف نبي، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وان ذي الكفل منهم صلوات الله عليه وكان بعد سليمان عليه السلام وكان يقضي بين الناس كما كان يقضي داود عليه السلام ولم يغضب إلا لله عز وجل وكان اسمه عويديا. وقال الشيخ الطبرسي: وأما ذو الكفل فاختلف فيه: فقيل: انه كان رجلا صالحا ولم يكن نبيا، ولكنه تكفل لنبي صوم النهار وقيام الليل وان لا يغضب ويعمل بالحق، فوفى بذلك، فشكر الله ذلك له وكان نبيا وسمي ذا الكفل، بمعنى انه ذو الضعف، فله ثواب غيره ممن هو في زمانه لشرف عمله وقال الثعلبي في كتاب (العرائس): وقال بعضهم: ذو الكفل بشر بن ايوب الصابر عليهما السلام، بعثه الله بعد ابيه رسولا الى الروم، فآمنوا، ثم ان الله تعالى امرهم بالجهاد فأبوا وقالوا يا بشر إنا نحب الحياة ونكره الموت ومع ذلك نكره ان

[ 366 ]

نعصي الله ورسوله: فان سألت الله ان يطيل اعمارنا ولا يميتنا إلا إذا شئنا لنعبده ونجاهد اعداءه فقال لهم بشر: لقد سألتموني عظيما. ثم قام وصلى ودعا وقال: إلهي امرتني ان اجاهد اعداءك وانت تعلم اني لا املك إلا نفسي وان قومي سألوني ما انت اعلم به مني، فلا تأخذني بجريرة غيري فأوحى الله تعالى إليه: اني قد سمعت مقالة قومك واني قد اعطيتهم ما سألوني فلا يموتون إلا إذا شاؤا، فكن كفيلا لهم مني، فبلغهم بشر رسالة الله، فسمي ذا الكفل. ثم انهم توالدوا وكثروا ونموا، حتى ضاقت بهم بلادهم وتنغصت عليهم معيشتهم وتأذوا بكثرتهم، فسألوا بشرا ان يدعو الله تعالى ان يردهم الى آجالهم فأوحى الله تعالى الى بشر: اما علم قومك ان اختياري لهم خير من اختيارهم لأنفسهم، ثم ردهم الى اعمارهم فماتوا بآجالهم. قال: فلذلك كثرت الروم، حتى يقال ان الدنيا خمسة اسداسها الروم، وسموا روما: لأنهم نسبوا الى جدهم روم بن عيص بن ابراهيم. وكان بشر بن ايوب مقيما بالشام حتى مات وكان عمره خمسا وتسعين سنة. وقال السيد بن طاووس في (سعد السعود) قيل انه تكفل الله جل جلاله: ان لا يبغضه قومه، فسمي ذا الكفل. وقيل: تكفل لنبي من الأنبياء، أن لا يغضب، فاجتهد ابليس ان يغضبه بكل طريق فلم يقدر، فسمي ذا الكفل لوفائه لنبي زمانه ان لا يغضب

[ 367 ]

باب فيه قصص لقمان وحكمه عليه السلام (وقصة اشموئيل و طالوت وجالوت وتابوت السكينة) (ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله ومن يشكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد). تفسير علي بن ابراهيم عن حماد قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عز وجل ؟ فقال: اما والله لقد اوتي لقمان الحكمة لا بحسب ولا مال ولا اهل ولا بسط في جسم ولا جمال ؟ ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله عميق النظر طويل الفكر لم ينم نهارا قط ولم يره احد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال، لشدة تستره، ولم يضحك من شيء قط ولم ينازع إنسانا قط ولم يفرح بشيء اتاه من امر الدنيا ولا حزن منها على شىء قط، وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقد مات اكثرهم إفراطا فما بكى لأحد منهم، ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا اصلح بينهما، ولم يسمع قولا من احد إلا استحسنه الا سأل عن تفسيره وعمن اخذه ؟ وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشي القضاة و الملوك والسلاطين، فيرثى للقضاة مما ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم بذلك ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه وكان يداوي قلبه بالتفكر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يتكلم

[ 368 ]

الا فيما يعنيه فبذلك اوتي الحكمة، وان الله تعالى امر طوائف من الملائكة حين إنتصف النهار وهدأت العيون بالقابلة: فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض وتحكم بين الناس ؟ فقال لقمان: لقد امرني ربي فالسمع والطاعة، لأنه إن فعل بي ذلك اعانني وعلمني وعصمني وان هو خيرني قبلت العافية، فقالت الملائكة: يا لقمان لم قال لان الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين واكثر فتنا وبلاءا. ثم ساق الحديث الى قوله: فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه فلما أمسى واخذ مضجعه من الليل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه الى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاءا، فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه وخرج على الناس ينطق بالحكمة. فلما اوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها، امر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة، فقبلها و لم يشترط فيها بشرط لقمان، فأعطاه الله الخلافة في الارض، وابتلي فيها غير مرة، وكل ذلك يهوي في الخطأ، فيقيه الله ويغفر له. وكان لقمان يكثر زيارة داود ويعظه بمواعظه، وكان يقول له داود عليه السلام طوبى لك يا لقمان اوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية، واعطي داود عليه السلام الخلافة وابتلي بالخطأ و الفتنة. فوعظ لقمان ابنه بالنار حتى تفطر وانشق، وكان فيما وعظه ان قال: يا بني انك منذ سقطت الى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار انت إليها تسير اقرب اليك من دار أنت عنها متباعد، يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس، وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فان الصلاة احب الى الله من الصيام، يا بني ان الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الايمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله، فان نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك، يا بني إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا، يا بني خف الله

[ 369 ]

خوفا لو اتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبوك، وإرج الله رجاءا لو وافيت القيامة بذنوب الثقلين رجوت ان يغفر الله لك. فقال له ابنه: يا أبت وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد فقال يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق، لوجد فيه نوران، نور للخوف ونور للرجاء، لو وزنا ما رجح احدهما على الآخر مثقال ذرة، يا بني‍ لا تركن الى الدنيا ولا تشغل قلبك بها، فما خلق الله خلقا هو اهون عليه منها، ألا ترى انه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما اوصى به لقمان ابنه ناتان ان قال له يا بني ليكن مما تتسلح به على عدوك فتصرعه: المماسحة - أي المصادقة وإعلان الرضا عنه - ولا تزاوله بالمجانبة فيه، فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك، يا بني اني حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل فلم احمل شيئا اثقل من جار السوء، وذقت المرارات كلها فلم اذق شيئا امر من الفقر، يا بني إتخذ الف صديق والف قليل ولا تأخذ عدوا واحدا، والواحد كثير. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تكثر من الاخوان ما اسطعت انهم * عماد إذا ما استنجدوا وظهور وليس كثير الف خل وصاحب * وان عدوا واحدا لكثير وقال أمير المؤمنين عليه السلام: كان فيما وعظ به لقمان ابنه ان قال له: يا بني ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق ان الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة احوال من امره واتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة، والله تبارك وتعالى سيرزقه في الحالة الرابعة. واما اول ذلك: فكان في رحم امه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد، ثم اخرجه من ذلك واجري له رزقا من لبن امه يكفيه به ويربيه من غير حول ولا قوة، ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقا من كسب ابويه ورأفة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك، حتى انهما يؤثرانه على انفسهما في أحوال كثيرة حتى إذا كبر وعقل و اكتسب

[ 370 ]

وضاق به امره وظن الظنون بربه وجحد الحقوق في ماله وقتر على نفسه وعياله مخافة إقتار رزق وسوء يقين بالخلف من الله له في العاجل والآجل فبئس العبد هذا يا بني. ثم قال: يا بني ان تك في شك من الموت فادفع من نفسك النوم ولن تستطيع ذلك، وإن كنت في شك من البعث فادفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك، فانك إذا فكرت في هذا علمت ان نفسك بيد غيرك، وانما النوم بمنزلة الموت وانما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت، يا بني لا تقترب فيكون ابعد لك ولا تبتعد فتهان كل دابة تحب مثله وابن آدم لا يحب مثله لا تنشر برك إلا عند باغيه، يا بني لا تتخذ الجاهل رسولا فان لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك، فكن انت رسول نفسك، فإذا تحيرتم في طريقكم فانزلوا و إذا شككتم بالقصد فقفوا وتوامروا وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه، فان الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله ان يكون عينا للصوص أو يكون هو الشيطان الذي يحيركم، واحذروا الشخصين ايضا إلا ان تروا ما لا أرى، فان العاقل إذا بصر بعينه شيئا، عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني فإذا جاء وقت الصلاة فلا تأخرها لشيء وصلها واسترح منها، فانها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زج ولا تنامن على دابتك، فان ذلك سريع في دبرها و ليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك، وإذا نزلت فصل ركعتين قبل ان تجلس وإذا أردت قضاء حاجة فابعد المذاهب في الارض وإذا ارتحلت فصل ركعتين وودع الارض التي حللت بها وسلم عليها وعلى اهلها، فان لكل بقعة أهلا من الملائكة، وإياك والسير من اول الليل وعليك بالتعريس و العجله من لدن نصف الليل الى آخره وإياك ورفع الصوت في مسيرك. وقال أمين الاسلام الطبرسي: اختلف في لقمان: فقيل: انه كان حكيما ولم يكن نبيا. عن ابن عباس واكثر المفسرين.

[ 371 ]

وقيل: انه كان نبيا. وقيل: انه كان عبدا اسودا حبشيا غليظ المشافر مشقوق الرجلين في زمن داود عليه السلام. وقال له بعض الناس: الست كنت ترعى الغنم معنا فمن اين اوتيت الحكمة ؟ قال: اداء الأمانة وصدق الحديث والصمت عما لا يعنيني. وقيل: انه كان ابن اخت ايوب. وقيل: ابن خالته. وعنه صلى الله عليه وآله: لم يكن لقمان نبيا و لكنه كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين، احب الله فأحبه ومن عليه بالحكمة. وذكر: ان مولى لقمان دعاه فقال: إذبح شاة فأتني بأطيب مضغتين منها فأتاه بالقلب واللسان، ثم امره بذبح شاة فقال له: إئتني بأخبث مضغتين منها فأتاه بالقلب واللسان، فسأله عن ذلك فقال: انهما اطيب شيء إذا طابا، واخبث شيء إذا خبثا. و روي: ان مولاه دخل المخرج فأطال الجلوس، فناداه لقمان: ان طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبد ويورث الباسور ويصعد الحرارة الى الرأس، فاجلس هونا وقم هونا. قال: فكتب حكمته على باب الحشر. وروي: انه قدم من سفر فلقى غلامه في الطريق فقال: ما فعل ابي ؟ قال مات قال: ملكت امري، قال: ما فعلت امرأتي ؟ قال ماتت، قال اجدد فراشي، قال: ما فعلت اختي ؟ قال ماتت، قال: سترت عورتي، قال: ما فعل اخي ؟ قال مات، قال: إنقطع ظهري. وقيل له: ما اقبح وجهك، قال تعيب على النقش أو على فاعل النقش. وروي: انه دخل على داود وهو يسرد الدرع، وقد لين الله له الحديد كالطين فأراد ان يسأله فأدركته الحكمة فسكت، فلما اتمها لبسها وقال نعم لبوس الحرب

[ 372 ]

انت، فقال الصمت حكمة وقليل فاعله، فقال له داود بحق ما سميت حكيما. وقال المسعودي: كان لقمان نوبيا مولى للقين بن حر، ولد على عشرة سنين من ملك داود عليه السلام وكان عبدا صالحا ومن الله عليه بالحكمة، ولم يزل في فيافي الارض مظهرا للحكمة والزهد في هذا العالم الى ايام يونس بن متى، حتى بعث الى أهل نينوى من بلاد الموصل. ومن حكمته انه قال: يا بني ان الناس قد اجمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولا من جمعوا له، و انما انت عبد مستأجر قد امرت بعمل و وعدت عليه أجرا فأوفه عملك وإستوف أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع اخضر فأكلت حتى سمنت، فكان حتفها عند سمنها ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها و تركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر، اخربها ولا تعمرها فانك لم تؤمر بعمارتها. واعلم انك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن اربع: شبابك فيما ابليته ؟ وعمرك فيما افنيته ؟ ومالك مما إكتسبته ؟ وفيما انفقته فتأهب لذلك واعد له جوابا. وقال لقمان: لان يضر بك الحكيم فيؤذيك، خير من يدهنك الجاهل بدهن طيب، يا بني لا تطأ امتك ولو اعجبتك وإنه نفسك عنها وزوجها، يا بني‍ لا تفشين سرك الى امرأتك ولا تجعل مجلسك على باب دارك، يا بني تعلمت سبعة آلاف من الحكمة، فاحفظ منها اربعا وسر معي الى الجنة: احكم سفينتك فان بحرك عميق، وخفف حملك فان العقبة كؤود، واكثر الزاد فان السفر بعيد، واخلص العمل فان الناقد بصير. (بيان التنزيل) لابن شهرآشوب قال: أول ما ظهر من حكم لقمان ان تاجرا سكر وخاطر نديمه أن يشرب ماء البحر كله و إلا سلم إليه ماله واهله فلما اصبح وصحا ندم وجعل صاحبه يطالبه بذلك فقال لقمان: انا اخلصك بشرط ان لاتعود الى مثله، قل له: أاشرب ماء الذي كان فيه وقت افادتي به أو اشرب ماءه الآن ؟ فسد افواهه لأشربه، أو اشرب الماء الذي يأتي به فأصبر حتى يأتي فأمسك صاحبه عنه.

[ 373 ]

وأما قصة أشموئيل وطالوت وجالوت) ففي (تفسير) علي بن ابراهيم باسناده الى ابي جعفر عليه السلام: ان بني اسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن أمر ربهم، و كان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه. وروي: انه ارميا النبي فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط فأذلهم وقتل رجالهم واخرجهم من ديارهم وسلب أموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا الى نبيهم وقالوا اسأل الله ان يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني اسرائيل في بيت، والملك و السلطان في بيت آخر، لم يجمع الله لهم الملك والنبوة في بيت. فمن ذلك قالوا ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فقال لهم نبيهم هل عسيتم ان كتب عليكم القتال ان لا تقاتلوا ؟ قالوا وما لنا ان لا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا. وكان كما قال الله تبارك وتعالى: (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم فقال لهم نبيهم: ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا) فغضبوا من ذلك وقالوا انى يكون له الملك علينا ولم يؤت سعة من المال. و كانت النبوة في ولد لاوى، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد ابن يامين اخي يوسف لامه، لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة. فقال لهم نبيهم ان الله إصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء وكان اعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان اعلمهم، إلا انه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال فقال لهم نبيهم ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك موسى وآل هارون تحمله الملائكة وكان التابوت الذي انزله الله على ام موسى فوضعته فيه امه والقته في اليم، فكان بنو اسرائيل يتبركون به. فلما حضرت موسى عليه السلام الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من

[ 374 ]

آيات النبوة واودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو اسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم، فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت، رفعه الله منهم. فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكا يقاتل معهم، رد الله عليهم التابوت كما قال الله تعالى: (ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة). قال: البقية ميراث الانبياء. قوله: (فيه سكينة من ربكم) فان التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين، فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الانسان. وعن الرضا عليه السلام قال: السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان، وكان التابوت إذا وضع بين يدي المسلمين والكفار، فان تقدم التابوت رجل لا يرجع حتى يقتله أو يغلب، ومن رجع عن التابوت قتله الامام. فأوحى الله الى نبيهم: ان جالوت يقتله من يستوي عليه موسى عليه السلام وهو رجل من ولد لاوى بن يعقوب اسمه داود بن آشي راعيا، وكان له عشرة بنين اصغرهم داود. فلما بعث طالوت الى بني اسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث الى آشي ان إحضر وإحضر ولديك فلما حضر ودعا واحدا من ولده فألبسه الدرع، درع موسى عليه السلام فمنهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه، فقال آشي: هل خلفت من ولدك احدا ؟ قال: نعم اصغرهم تركته في الغنم راعيا. فبعث الله إليه فجاء به، فصارعاه اقبل ومعه مقلاع، فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت: يا داود خذنا، فأخذها في مخلاته، وكان شديد البطش قويا. فلما جاء الى طالوت البسه درع موسى (ع) فاستوى عليه، ففصل طالوت بالجنود، (وقال لهم نبيهم: يا بني اسرائيل ان الله مبتليكم بنهر - في هذه المفازة - فمن شرب منه فليس من الله و من لم يشرب فهو من الله إلا من إغترف غرفة بيده).

[ 375 ]

فلما وردوا النهر اطلق الله لهم ان يغرف كل واحد منهم غرفة، فشربوا منه إلا قليلا منهم، فالذين شربوا كانوا ستين الفا، والقليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. فلما جاوزوا النهر ونظروا الى الجنود (قال الذين شربوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وقال الذين لم يشربوا ربنا إفرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين). فجاء داود فوقف بحذاء جالوت، وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التاج وفي جبهته ياقوته يلمع نورها وجنوده بين يديه، فأخذ داود من تلك الاحجار حجرا فرمى به ميمنة جالوت فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا، واخذ حجرا آخر فرمى به ميسرة جالوت فانهزموا، ورمى جالوت بحجر فصكت الياقوتة في جبهته ووصلت الى دماغه ووقع الى الارض ميتا. وهو قوله: (فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت). وقال أمين الاسلام الطبرسي: في قوله: (إذ قال لهم نبيهم) اختلف في ذلك النبي. فقيل: اسمه شمعون بن صفية من ولد لاوى. وقيل: هو يوشع. وقيل: هو اشموئيل، وهو بالعربية اسماعيل، عن اكثر المفسرين. وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام. وقوله: (ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) فاختلف في سبب سؤالهم. فقيل: كان سببه استذلال الجبابرة لهم لما ظهروا على بني اسرائيل وغلبوهم على كثير من ديارهم بعد ان كانت الخطايا كثرت في بني اسرائيل، فبعث لهم اشموئيل نبيا فقالوا له إن كنت صادقا (إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله). وقيل: ارادوا العمالقة، فسألوا ملكا يكون أميرا عليهم. وعن ابي الحسن عليه السلام قال: السكينة ريح تخرج من الجنة لها صورة

[ 376 ]

كصورة الانسان ورائحة طيبه، وهي التي انزلت على ابراهيم صلوات الله عليه فأقبلت تدور حول اركان البيت وهو يضع الاساطين، وهذه السكينة كانت في التابوت وكان فيها طشت يغسل فيها قلوب الانبياء، وكان التابوت يدور في بني اسرائيل مع الانبياء عليهم السلام. ثم اقبل علينا فقال: فما تابوتكم ؟ قلنا السلاح، قال نعم هو تابوتكم. وعنه عليه السلام قال: كان تابوت موسى (ع) ثلاثة اذرع في ذراعين وكان فيه عصا موسى، و السكينة روح الله يتكلم، كانوا إذا اختلفوا في شىء، كلمهم واخبرهم ببيان ما يريدون. وروي: انه لما غلب الاعداء على التابوت ادخلوه بيت الأصنام فأصبحت اصنامهم منكسة، فأخرجوه و وضعوه في ناحية من المدينة فأخذهم وجع في اعناقهم وكل موضع وضعوه ظهر فيه بلاء وموت و وباء، فاشير عليهم بأن يخرجوا التابوت فاجتمع رأيهم ان يأتوا به ويحملوه على عجلة ويشدوها الى ثورين ففعلوا ذلك و ارسلوا الثورين، فجاءت الملائكة وساقوا الثورين الى بني اسرائيل. وقال ابن الأثير في (الكامل): لما انقطع إليا عن بني اسرائيل، بعث الله اليسع وكان فيهم، ثم قبض، وعظمت فيه الاحداث وعندهم التابوت يتوارثونه فيه السكينة فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت إلا انهزم العدو، وكانت السكينة شبيهه برأس الهر، فإذا صرخ في التابوت بصراخ الهر، ايقنوا بالنصر. فلما عظم احداثهم نزل بهم عدو، فخرجوا إليه واخرجوا التابوت، فاقتتلوا فغلبهم عدوهم على التابوت واخذه منهم وانهزموا فمات ملكهم تحسرا ودخل العدو ارضهم ونهب و سبى وعادوا فملكوا على اضطراب من امرهم واختلاف. وكان مدة ما بين وفاة يوشع الى ان رجعت النوبة الى اشموئيل ستين سنة. وكان من خبر اشموئيل: ان بني اسرائيل لما طال عليهم البلاء وطمع فيهم واخذ التابوت عنهم، فصاروا لا يلقون ملكا إلا خائفين. فقصدهم جالوت ملك الكنعانيين وكان ملكه ما بين مصر وفلسطين، فظفر بهم

[ 377 ]

وضرب عليهم الجزية واخذ منهم التوراة فدعوا الله ان يبعث لهم نبيا يقاتلون معه وكان سبط النبوة هلكوا ولم تبق فيهم غير امرأة حبلى، فحبسوها في بيت، رهبة ان تلد جارية، فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بني اسرائيل في ولدها، فولدت غلاما، سمته اشموئيل، ومعناه سمع الله دعائي. وسبب تسميته: انها كانت عاقرا وكان لزوجها امرأة اخرى قد ولدت له عشرة اولاد فبغت عليها بكثرة اولادها فانكسرت العجوز ودعت الله ان يرزقها ولدا فرحم الله تعالى انكسارها وحاضت لوقتها وقربت زوجها فحملت، فولدت غلاما سمته اشموئيل، فارسلته الى بيت المقدس يتعلم التوراة وكفله شيخ من علمائهم. فلما بلغ بعثه الله تعالى نبيا الى قومه فكذبوه تارة واطاعوه اخرى، فأقام يدير امرهم اربعين سنة، وكانت العمالقة مع ملكهم جالوت قد عظمت مكانتهم في بني اسرائيل حتى كادوا يهلكوهم. فلما رأى بنو اسرائيل ذلك، قالوا (ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) فدعا الله فأرسل لهم طالوت. فلما قتل داود جالوت، اعطاه طالوت ابنته وزوجها. وعن ابي عبدالله عليه السلام: انما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني اسرائيل - أي كل من وجد التابوت على بابهم - اوتوا النبوة، فمن صار إليه السلاح منا اوتي الامامة. (كنز الفوائد) ذكروا ان الوليد بن عبد الملك احتاج الى رصاص ايام بناء مسجد دمشق، فقيل ان في الاردن سنارة فيها رصاص، فبعث إليها. فلما اخذ في حفرها ضرب رجل بمعول فأصاب رجلا في سفط وناله المعول فسال دمه فقيل هذا طالوت الملك، فتركه ولم يخرجه.

[ 378 ]

باب قصص داود عليه السلام وفيه فصول: الفصل الاول في عمره و وفاته وفضائله وما آتاه الله تعالى، وفيه قصة أوريا) (الكافي) باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مات داود النبي عليه السلام يوم السبت مفجوءا، فأظلته الطير بأجنحتها. (معاني الاخبار) معنى داود انه داوى جرحه بود. وقيل: داوى وده بالطاعة حتى قيل عبد. (وعن ابي جعفر عليه السلام) قال: ان الله تبارك وتعالى لم يبعث الأنبياء ملوكا في الأرض إلا اربعة بعد نوح: ذو القرنين واسمه عياش و داود و سليمان و يوسف عليهم السلام. فاما عياش: فملك ما بين المشرق والمغرب. وأما داود: فملك ما بين الشامات الى بلاد اصطخر. وكذلك كان ملك سليمان وأما يوسف: فملك مصر وبراريها لم يجاوزها الى غيرها. (تفسير علي بن ابراهيم) (يا جبال اوبي معه) - أي سبحي لله - (والطير والنا له الحديد) قال: كان داود عليه السلام إذا مر في البراري يقرأ الزبور، تسبح الجبال والطير معه والوحوش وألان الله له الحديد مثل الشمع، حتى كان يتخذ منه ما احب.

[ 379 ]

قال الصادق عليه السلام: اطلبوا الحوائج يوم الثلاثاء، فانه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام. وقوله: (ان اعمل سابغات) قال: الدروع، وقدر في السرد المسامير التي في الحلقة. وقال امين الاسلام الطبرسي في قوله تعالى: (يا جبال اوبي معه) اي قلنا للجبال: يا جبال سبحي معه. قالوا: امر الله الجبال ان تسبح معه إذا سبح، فسبحت معه. ويجوز ان يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التسبيح معجزا له. وأما الطير: فيجوز ان يسبح ويحصل له من التمييز ما سيأتي منه ذلك بان يزيد في فطنته فيفهم ذلك. وقال بعض المتأخرين، يمكن ان يكون تسبيح الجبال كناية عن تسبيح الملائكة الساكنين بها، أو بأن خلق الله الصوت فيها أو على القول بان للجمادات شعور. (قال) مؤلف الكتاب نعمة الله الموسوي الحسيني ايده الله تعالى: إنا ذكرنا في كثير من مؤلفاتنا القول: بأن الطيور والحيوانات لها نفوس ناطقة داركة وحكيناه عن كثير من قدماء الحكماء بالبراهين والدلائل والأحاديث المستفيضة، بل المتواترة دالة على ادراكها وان لها من الادراك والشعور ما تزيد على كثير من الناس و ظاهر الآيات شاهد به. وكذلك في الأحاديث شهادة ودلالة على ان للجمادات نوعا من الادراك والشعور تسبح لخالقها وتطيعه بلسان مقالها، مثل لسان حالها. حتى ان جماعة من محققي المفسرين واهل الحديث قالوا: ان إعجاز النبي صلى الله عليه وآله كان تسبيح الحصا بيده هو اسماع الحاضرين ذلك التسبيح وإلا فالتسبيح حاصل في الحصا وغيره (وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). وقد أطلنا الكلام في هذا المقام في كتاب (زهر الربيع) وفي شرحينا

[ 380 ]

على كتابي (التوحيد، وعيون الأخبار) للصدوق. (قصص الانبياء) للفاضل الراوندي، باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام قال: ان داود عليه السلام كان يدعو أن يعلمه الله القضاء بين الناس بما هو عنده تعالى الحق فأوحى الله إليه: يا داود ان الناس لا يحتملون ذلك واني سأفعل. وارتفع إليه رجلان، فاستدعى احدهما على الاخر، فأمر المستدعى عليه ان يقوم المستدعي فيضرب عنقه ففعل. فاستعظمت بنو اسرائيل ذلك وقالت رجل جاء يتظلم من رجل، فأمر الظالم ان يضرب عنقه فقال صلوات الله عليه: (رب إنقذني من هذه الورطة). قال: فأوحى الله تعالى إليه: يا داود سألتني ان الهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي الحق، وان هذا المستعدى قتل ابا هذا المستعدى عليه، فأمرت فضربت عنقه فوداه بابيه وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت شجرة كذا فأته فناده باسمه، فانه سيجيبك فسله. قال: فخرج داود عليه السلام وقد فرح فرحا شديدا، فقال لبني اسرائيل: قد فرج الله، فمشى ومشوا معه فانتهى الى شجرة، فنادى: يا فلان فقال لبيك يا نبي الله، قال من قتلك ؟ قال فلان. قال بنو اسرائيل، لسمعناه يقول يا نبي الله فنحن نقول يا نبي الله كما قال فأوحى الله تعالى إليه: يا داود ان العباد لا يطيقون الحكم بما هو عندي الحكم، فسل المدعي البينة واضف المدعى الى اسمي. (وعن ابي عبد الله عليه السلام) قال: كان على عهد داود عليه السلام سلسلة يتحاكم الناس إليها، وان رجلا اودع رجلا جواهر، فجحده اياها فدعاه الى السلسلة، فذهب معه إليها وأدخل الجوهر في قناة، فلما اراد ان يتناول السلسلة قال له امسك هذه القناة حتى اخذ السلسلة فامسكها، و دنا الرجل من السلسلة فتناولها واخذها وصارت في يده، فأوحى الله تعالى الى داود عليه السلام، احكم بينهم بالبينات واضفهم الى اسمي يحلفون به، ورفعت السلسلة.

[ 381 ]

(العياشي) عن ابي جعفر (ع) قال: ان الله تبارك وتعالى اهبط ظللا من الملائكة على آدم (ع) وهو بوادي الروحا بين الطائف ومكة، ثم صرخ بذريته وهم ذر، فخرجوا كما يخرج النمل من كورها، فاجتمعوا على شفير الوادي، فقال الله لآدم انظر ماذا ترى ؟ فقال آدم: ذرا كثيرا، فقال الله يا آدم هؤلاء ذريتك اخرجتهم من ظهرك لأخذ عليهم الميثاق بالربوبية ولمحمد (ص) بالنبوة، كما اخذته عليهم في السماء، قال آدم: يا رب أو كيف اوسعتهم ظهري ؟ قال الله: يا آدم بلطف صنعي، قال آدم (ع) فما تريد منهم في الميثاق ؟ قال: ان لا يشركوا بي شيئا فمن اطاعني اسكنه جنتي، ومن عصاني اسكنه ناري، قال يا رب لقد عدلت فيهم وليعصينك اكثرهم ان لم تعصمهم. قال أبو جعفر عليه السلام: عرض على آدم عليه السلام اسماء الانبياء عليهم السلام واعمارهم، فمر بإسم داود فإذا عمره اربعون سنة، فقال آدم عليه السلام يا رب وما اقصر عمر داود واكثر عمري ؟ يا رب ان انا زدت داود من عمري ثلاثين سنة اتكتب ذلك له ؟ قال: نعم، قال اني زدته من عمري ثلاثين سنة فاثبتها له وإطرحها من عمري فأثبتها الله لداود ومحاها من آدم. فذلك قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب). فلما دنا عمر آدم هبط عليه ملك الموت ليقبض روحه فقال يا ملك الموت قد بقى من عمري ثلاثون سنة، فقال ألم تجعلها لابنك داود وانت بوادي الروحا ؟ فقال آدم عليه السلام يا ملك الموت ما اذكر هذا، فقال يا آدم لا تجهل، ألم تسأل الله ان يثبتها لداود ويمحوها من عمرك ؟ قال آدم فاحضر الكتاب حتى اعلم ذلك، وكان آدم صادقا لم يذكر. فمن ذلك اليوم أمر الله العباد ان يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا الى اجل مسمى، لنسيان آدم عليه السلام وجحود ما جعل على نفسه. أقول: في كثير من الأخبار انه زاد في عمر داود ستين سنة تمام المأة سنة وهو اوفق بسائر الاخبار.

[ 382 ]

(من لا يحضره الفقيه) قال أبو جعفر عليه السلام: دخل علي عليه السلام المسجد، فاستقبله شاب وهو يبكي و حوله قوم يسكتونه، فقال له علي عليه السلام ما ابكاك ؟ فقال يا امير المؤمنين ان شريحا قضى علي بقضية ما ادري ما هي، ان هؤلاء النفر خرجوا بأبي في سفرهم فرجعوا، ولم يرجع ابي فسألتهم عنه فقالوا مات فسألتهم عن ماله، فقالوا ما ترك مالا، فقدمتهم الى شريح فاستحلفهم وقد علمت يا أمير المؤمنين ان ابي خرج ومعه مال كثير فقال ارجعوا فردهم جميعا والفتى معهم الى شريح. فقال: يا شريح كيف قضيت بين هؤلاء ؟ فحكى له، فقال: يا شريح هيهات هكذا تحكم في مثل هذا، والله لأحكمن فيهم بحكم ما حكم به قبلي إلا داود النبي (ع) يا قنبر إدع لي شرطة الخميس فدعاهم، فوكل بكل رجل منهم رجلا من الشرطة، ثم نظر امير المؤمنين عليه السلام الى وجوههم فقال اتقولون اني لا اعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى اني إذا لجاهل. ثم قال فرقوهم وغطوا رؤوسهم ففرق بينهم واقيم كل واحد منهم الى اسطوانة من اساطين المسجد و رؤوسهم مغطاة بثيابهم، ثم دعا بعبيد الله بن ابي رافع كاتبه، فقال هات صحيفة ودواة و جلس (ع) في مجلس القضاء و اجتمع الناس إليه، فقال إذا انا كبرت فكبروا. ثم قال للناس افرجوا، ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه فكشف عن وجهه، ثم قال لعبيد الله اكتب قراره وما يقول، ثم اقبل عليه بالسؤال فقال في اي حين خرجتم من منازلكم وابو هذا الفتى معكم فقال في يوم كذا وشهر كذا، ثم قال والى اين بلغتم من سفركم حين مات ؟ قال الى موضع كذا، قال وفي اي منزل مات ؟ قال في منزل فلان بن فلان، قال وما كان مرضه ؟ قال كذا وكذا، قال كم يوما مرض ؟ قال كذا وكذا يوما، قال فمن يمرضه وفي أي يوم مات ومن غسله ومن كفنه وبما كفنتموه ومن صلى عليه و من نزل قبره ؟. فلما سأله عن جميع ما يريد، كبر وكبر الناس معه فارتاب اولئك الباقون ولم يشكوا ان صاحبهم قد اقر عليهم وعلى نفسه، فأطرق يغطى رأسه.

[ 383 ]

ثم دعا بآخر، فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه، ثم قال كلا زعمت اني لا اعلم ما صنعتم فقال يا أمير المؤمنين ما انا إلا واحد من القوم ولقد كنت كارها لقتله فأقر. ثم دعا بواحد بعد واحد، وكلهم يقر بالقتل، واخذ المال، ثم رد الاول فأقر ايضا، فألزمهم المال والدية. وقال شريح يا أمير المؤمنين و كيف كان حكم داود ؟ فقال ان داود النبي عليه السلام مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم مات الدين فدعا منهم غلاما، فقال يا غلام ما اسمك ؟ فقال اسمي مات الدين سمتني به امي. فانطلق الى امه فقال لها من سماه بهذا الاسم ؟ قالت ابوه، قال وكيف ذلك ؟ قالت ان أباه خرج في سفر له ومعه قوم وهذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي وقالوا مات قلت اين ماله ؟ قالوا لم يخلف مالا فقلت اوصاكم بوصية ؟ قالوا نعم زعم انك حبلى فما ولدت سميه مات الدين فسميته، فقال اتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك ؟ قالت نعم و هم احياء، قال فانطلقي بنا إليهم ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم، فحكم بينهم بهذا الحكم، فثبت عليهم المال والدم، ثم قال للمرأة سمي ابنك عاش الدين. (وعن ابي عبد الله عليه السلام) قال: أوحى الله تعالى الى داود عليه السلام: انك نعم العبد لولا انك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا. قال: فبكى داود عليه السلام، فأوحى الله تعالى الى الحديد ان لن لعبدي داود، فألآن الله له الحديد، فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلثماة وستين درعا، فباعها بثلثماة وستين الفا، واستغنى عن بيت المال. (بشارة المصطفى) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد عليهم السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج الى بينة، يلهمه الله تعالى. وقال صاحب (الكامل) كان داود بن ايشا من أولاد يهودا، فلما قتل طالوت أتى بنو اسرائيل داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه عليهم.

[ 384 ]

فلما ملك جعله الله نبيا ملكا وانزل عليه الزبور وامر الجبال والطير ان يسبحن معه إذا سبح، ولم يعط الله احدا مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحش حتى يأخذ بأعناقها، وكان يقوم الليل ويصوم النهار ونصف الدهر، فكان يحرسه كل يوم وليلة اربعة آلاف، وكان يأكل من كسب يده. قيل: أصاب الناس في زمن داود عليه السلام طاعون جارف - يعني عاما - فخرج بهم الى موضع بيت المقدس، وكان يرى الملائكة تعرج منه الى السماء فلهذا قصده ليدعو فيه. فلما وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب الله ورفع الطاعون، فاتخذوا ذلك الموضع مسجدا وكان الشروع في بنائه لاحدى عشرة سنة مضت من ملكه وتوفي قبل ان يستتم بناؤه و أوصى الى سليمان باتمامه. ثم ان داود عليه السلام توفى، وكانت له جارية تغلق الأبواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح ويقوم الى عبادته، فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلا، فقالت من ادخلك الدار ؟ فقال: انا الذي ادخل على الملوك بغير اذن، فسمع داود قوله فقال: انت ملك الموت، فهلا ارسلت إلي فأستعد للموت ؟ قال قد ارسلت اليك كثيرا، قال: من كان رسولك ؟ قال اين ابوك وأخوك وجارك ومعارفك ؟ قال: ماتوا، قال فهم رسلي اليك بانك تموت كما ماتوا، ثم قبضه. فلما مات ورث سليمان ملكه، وكان له تسعة عشر ولدا فورثه سليمان دونهم وكان عمر داود عليه السلام مائة سنة ومدة ملكه أربعين سنة. (نهج البلاغة) وان شئت ثلثت بداود عليه السلام صاحب المزامير وقاريء أهل الجنة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه ايكم يكفيني بيعها و يأكل قرص الشعير من ثمنها. أقول: في اللغة مزامير داود ما كان يتغنى به من الزبور وقد اعطي من طيب النغم ولذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور لأجله تقع عليه وهو في محرابه والوحش تسمعه فتدخل بين الناس ولا تنفر منهم لما قد استغرقها من طيب صوته.

[ 385 ]

(الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان داود عليه السلام لما وقف الموقف بعرفة نظر الى الناس وكثرتهم فصعد الجبل فأقبل يدعو، فلما قضى نسكه اتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا داود يقول لك ربك: لم صعدت الجبل ظننت انه يخفى على صوت من صوت ثم مضى به الى البحر الى جدة، فرسب به في الماء مسيرة اربعين صباحا في البر، فإذا صخرة ففلقها فإذا فيها دودة، فقال: يا داود يقول لك ربك انا اسمع صوت هذه في بطن هذه الصخرة في قعر هذا البحر، فظننت انه يخفى على صوت من صوت. (وعنه عليه السلام) قال: قال داود النبي عليه السلام: لأعبدن الله اليوم عبادة ولأقرأن قراءة لم أفعل مثلها قط، فدخل محرابه ففعل، فلما فرغ من صلاته إذا هو بضفدع في المحراب، فقال له: يا داود اعجبك اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك ؟ فقال: نعم فقالت، لا يعجبك فاني اسبح الله في كل ليلة الف تسبيحة يتشعب لي مع كل تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، واني لأكون في قعر الماء فيصوت الطير في الهواء فاحسبه جائعا، فأطفو له على الماء ليأكلني، وما لي ذنب. وأما قصته عليه السلام مع أوريا (فروى علي بن ابراهيم في تفسيره) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان داود عليه السلام لما جعله الله خليفة في الارض وانزل عليه الزبور و أوحى الله عز وجل الى الجبال والطير ان يسبحن معه وكان سببه: انه إذا صلى يقوم وزيره لما يفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره ويهلله ثم يمدح الانبياء عليهم السلام نبيا نبيا ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم في عبادتهم لله سبحانه والصبر على بلائه، ولا يذكر داود. فنادى داود عليه السلام ربه فقال: يا رب، قد اثنيت على الانبياء بما قد اثنيت عليهم ولا تثن علي ؟ فأوحى الله عز وجل إليه: هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا وانا اثني عليهم بذلك، فقال: يا رب فابتلني حتى اصبر فقال

[ 386 ]

يا داود تختار البلاء على العافية إني إبتليت هؤلاء فلم اعلمهم، وانا ابتليتك واعلمك انه يأتيك بلائي في سنة كذا في يوم كذا. وكان داود يفرغ نفسه لعبادته يوما يقعد في محرابه ويوما يقعد لبني اسرائيل فيحكم بينهم. فلما كان في اليوم الذي وعده الله عز وجل فيه إشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه، فبينما هو يصلي فإذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبرجد أخضر ورجلاه من ياقوت احمر ومنقاره من اللؤلؤ والزبرجد، فأعجبه جدا ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على حائط بين داود وبين اوريا وكان داود عليه السلام قد بعث اوريا في بعث، فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطير، وإذا امرأة جالسة تغتسل فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها، فنظر إليها داود عليه السلام وافتتن بها و رجع الى محرابه ونسي ما كان فيه. وكتب الى صاحبه في ذلك البعث: ان يصيروا الى موضع كيت وكيت ويوضع التابوت بينهم وبين عدوهم فإذا رجع عنه انسان كفر، ولا رجع احد عنه الا ويقتل، فكتب داود الى صاحبه الذي بعثه ان ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم اوريا بين يدي التابوت فقدمه وقتل. فلما قتل دخل عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه، ففزع داود منهما، فقالا: لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط وكان لداود عليه السلام حينئذ تسعة وتسعون امرأة، ما بين مهيرة الى جارية فقال احدهما لداود عليه السلام: (ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال إكفلنيها و عزني في الخطاب) - أي ظلمني وقهرني - فقال داود عليه السلام (لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه...) الآية. فضحك المستدعي عليه من الملائكة وقال حكم الرجل على نفسه، فقال داود عليه السلام تضحك وقد عصيت لقد هممت ان اهشم فاك.

[ 387 ]

قال: فعرجا، فقال الملك المستعدى عليه: لو علم داود انه احق بهشم فيه مني، ففهم داود الأمر وذكر الخطيئة. فبقى اربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره ولا يقوم إلا وقت الصلاة، حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه. فلما كان بعد أربعين يوما نودي: يا داود ما لك أجائع انت فنشبعك ؟ أو ظمآن فنسقيك ؟ ام عريان فنكسوك ؟ ام خائف فنؤمنك ؟ فقال: أي رب وكيف لا أخاف وقد علمت وانت الحكم العدل لا يجوزك ظلم ظالم ؟ فأوحى الله عز وجل إليه: تبت يا داود ؟ فقال: أي رب و أنى لي بالتوبة ؟ قال: سر الى قبر اوريا حتى ابعثه اليك وأسأله ان يغفر لك، فان غفر لك غفرت لك، قال: يا رب فان لم يفعل ؟ قال: أستوهبك منه. فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور حتى انتهى الى جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع تسبح علم انه داود فقال: هذا النبي الخاطيء فقال داود: يا حزقيل تأذن لي أن أصعد اليك ؟ قال: لا فانك مذنب. فأوحى الله تعالى الى حزقيل: يا حزقيل لا تعير داود بخطيئته و اسألني العافية فنزل حزقيل وأخذ داود واصعده إليه، فقال داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط ؟ قال لا قال: فهل دخلك العجب مما انت فيه من عبادة الله عز وجل ؟ قال: لا قال: فهل ركنت الى الدنيا واحببت ان تأخذ من شهواتها و لذاتها ؟ قال: بلى ربما عرض ذلك بقلبي، قال: فما تصنع ؟ قال ادخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه. فدخل داود عليه السلام الشعب فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة وإذا لوح من حديد فيه مكتوب، فقرأه داود فإذا فيه: انا اورى بن سلم، ملكت الف مدينة وبنيت الف مدينة وافتضضت الف جارية فكان آخر امري ان صار التراب فراشي والحجارة وسادي والحيات والديدان جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا.

[ 388 ]

ومضى داود حتى أتى قبر اوريا، فناداه فلم يجبه. ثم ناداه، فلم يجبه. ثم ناداه ثالثة، فقال اوريا: يا مالك يا نبي الله لقد شغلتني عن سروري وقرة عيني، قال يا اوريا اغفر لي خطيئتي، فأوحى الله عز وجل: يا داود بين له ما كان منك، فناداه داود فأجابه في الثالثة فقال: يا اوريا فعلت كذا وكذا وكيت وكيت، فقال اوريا: اتفعل الانبياء مثل هذا ؟ فناداه فلم يجبه، فوقع داود على الارض باكيا فأوحى الله عز وجل الى صاحب الفردوس ليكشف عنه فكشف عنه، فقال اوريا لمن هذا ؟ قال لمن غفر لداود خطيئته، فقال يا رب قد وهبت لداود خطيئته. فرجع داود الى بني اسرائيل وكان إذا صلى قام وزيره يحمد الله ويثني عليه ويثني على الانبياء عليهم السلام، ثم يقول كان من فضل نبي الله داود (ع) قبل الخطيئة كيت وكيت. فاغتم داود عليه السلام، فأوحى الله عز وجل إليه: يا داود قد وهبت لك خطيئتك والزمت عار ذنبك بني اسرائيل، قال يا رب كيف وانت الحكم الذي لا يجور ؟ قال: لانه لم يعالجوك النكير. وتزوج داود عليه السلام بامرأة اوريا بعد ذلك، فولد منها سليمان عليه السلام. ثم قال الله عز وجل (فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مآب). وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام: ان داود كتب الى صاحبه ان لا تقدم اوريا بين يدي التابوت ورده، فقدم اوريا الى اهله ومكث ثمانية ايام ثم مات. أقول: هذا الحديث محمول على التقية لموافقته مذاهب العامة و رواياتهم وعدم منافاته لقواعدهم من جواز مثله على الأنبياء. والأخبار الواردة برده كثيرة من طرقنا، فلا مجال لتأويله، إلا الحمل على التقية. (عيون الاخبار) باسناده الى ابي الصلت الهروي قال: سأل الرضا عليه السلام علي بن محمد بن الجهم فقال ما يقول من قبلكم في داود عليه السلام فقال: يقولون

[ 389 ]

ان داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له ابليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور، فقطع داود صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير الى الدار فخرج في اثره فطار الطير الى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار اوريا بن حنان فاطلع داود في اثره، فإذا بامرأة اوريا تغتسل، فلما نظر إليها هواها، وكان قد اخرج اوريا في بعض غزواته، فكتب الى صاحبه ان قدم اوريا أمام الحرب فقدم اوريا فظفر اوريا بالمشركين. فصعب ذلك على داود، فكتب إليه ثانية ان قدمه امام التابوت فقدم، فقتل اوريا، وتزوج بامرأته. قال: فضرب على جبهته وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيا من انبياء الله على التهاون بصلاته حين خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل. فقال يا بن رسول الله ما كانت خطيئته فقال: ويحك ان داود ظن ان ما خلق الله عز وجل خلقا هو اعلم مني. فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط وإهدنا الى سواء الصراط، ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له ما يقول. فكان هذا خطيئة داود، لا ما ذهبتم إليه. ألا تسمع الله عز وجل يقول: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق...) الآية. فقال يا بن رسول الله فما قصته مع اوريا ؟ قال الرضا عليه السلام: ان المرأة في ايام داود عليه السلام كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده ابدا، واول من أباح الله له ان يتزوج بامرأة قتل بعلها داود عليه السلام، فتزوج بامرأة اوريا، أو قتل لا تتزوج لما قتل وانقضت عدتها منه. فذلك الذي شق على اوريا. وعن أبي بصير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام ما تقول فيما يقول الناس في داود عليه السلام وامرأة اوريا ؟ فقال ذلك شيء تقوله العامة.

[ 390 ]

(وعنه عليه السلام) قال: لو أخذت احدا يزعم ان داود عليه السلام وضع يده عليها لحددته حدين، حدا للنبوة وحدا لما رماه به. (العياشي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال ما بكى أحد بكاء ثلاثة: آدم ويوسف وداود. أما آدم فبكى حين اخرج من الجنة، وكان رأسه في باب من ابواب السماء فبكى حتى تأذى به أهل السماء، فشكوا ذلك الى الله، فحط من قامته. وأما داود فانه بكى حتى هاج العشب من دموعه، وان كان ليزفر الزفرة فيحرق ما نبت من دموعه. وأما يوسف فانه كان يبكي على أبيه يعقوب وهو في السجن، فتأذى به أهل السجن، فصالحهم على ان يبكي ويسكت يوما. وقال الطبرسي: اختلف في استغفار داود من أي شيء كان: فقيل انه حصل منه على سبيل الانقطاع الى الله تعالى والخضوع و التذلل بالعبادة والسجود. كما حكى الله سبحانه عن ابراهيم بقوله: (والذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين). وأما قوله: (فغفر له ذلك) فالمعنى إنا قبلناه منه واثبتناه عليه، فأخرجه على لفظ الجزاء. وهذا قول من ينزه الأنبياء عن جميع الذنوب، من الامامية وغيرهم. ومن جوز على الانبياء الصغائر، قال ان إستغفاره كان لصغيرة. ثم انهم اختلفوا في ذلك على وجوه. أحدها - ان اوريا خطب امرأة فأراد أهلها أن يزوجوها له، فبلغ داود جمالها فخطبها ايضا فزوجوها منه وقدموه على اوريا، فعوتب داود على الحرص على الدنيا. عن الجبائي. وثانيها - انه خرج اوريا الى بعض ثغوره فقتل، فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده، إذ مالت نفسه الى نكاح امرأته، فعوتب على ذلك بنزول الملكين.

[ 391 ]

وثالثها - انه كان في شريعته ان الرجل إذا مات وخلف امرأة، فأولياؤه احق بها إلا أن يرغبوا عن التزويج بها، فحينئذ يجوز لغيرهم ان يتزوج بها. فلما قتل اوريا، خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته اولياؤه ان يخطبوها، فعوتب على ذلك. ورابعها - ان داود عليه السلام كان متشاغلا بالعبادة، فأتاه رجل وامرأة متحاكمين إليه، فنظر الى المرأة ليعرفها بعينها، وذلك مباح. فمالت نفسه ميل الطباع، ففصل بينهما، وعاد الى عبادة ربه، فشغله الفكر في امرها عن بعض نوافله فعوتب. وخامسها - انه عوتب على عجلته في الحكم التثبت، وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين ان يسأل الآخر عما عنده فيه ولا يحكم عليه قبل ذلك، وإنما انساه التثبت في الحكم فزعه من دخولهما عليه في وقت العبادة. انتهى. وقال الرازي: بعد الطعن في الرواية المشهورة وإقامة الدلائل على بطلانها، وذكر بعض الوجوه السابقة والكلام عليها. (روي) ان جماعة من الاعداء طمعوا في ان يقتلوا نبي الله داود عليه السلام وكان له يوم يخلو بنفسه ويشتغل بطاعة ربه، فانتهزوا الفرصة في ذلك اليوم وتسوروا المحراب. فلما دخلوا عليه وجدوا عنده اقواما يمنعونه، فخافوا فوضعوا كذبا، فقالوا خصمان بغى بعضنا على... الى آخر القصة. وليس في لفظ القرآن ما يمكن ان يحتج في لحاق الذنب بداود عليه السلام إلا الفاظ اربعة: احدها - قوله: (وظن داود انما فتناه). وثانيها - قوله: (فاستغفر ربه). وثالثها - قوله: (اناب). ورابعها - قوله: (فغفرنا له ذلك). ثم نقول: وهذه الالفاظ لا يدل شيء منها على ما ذكروه، وتقريره من وجوه: الاول - انهم لما دخلوا عليه لطلب قتله بهذا الطريق وعلم داود عليه السلام

[ 392 ]

دعاه الغضب الى ان يشغل بالانتقام منهم، إلا انه مال الى الصفح عنهم، طلبا لمرضات الله تعالى، فكانت هذه الواقعة هي الفتنة، لأنها جارية مجرى الابتلاء والامتحان، ثم انه (استغفر ربه) مما هم به من الانتقام منهم، وتاب عن ذلك الهم (فغفرنا له ذلك) القدر من الهم والعزم. والثاني - انه وإن غلب على ظنه انهم دخلوا عليه ليقتلوه، إلا انه قدم على ذلك الظن، وقال لما لم تقم دلالة ولا إمارة على ان الامر كذلك، فبئس ما عملت بهم حتى ظننت بهم هذا. فكان هذا المراد من قوله: (وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه واناب منه * فغفر الله له ذلك). الثالث - ان دخولهم عليه كان فتنة لداود عليه السلام إلا انه استغفر لذلك الداخل العازم على قتله. وقوله: (فغفرنا له ذلك) أي لاحترام داود عليه السلام وتعظيمه، انتهى. وقال البيضاوي: واقصى ما في هذه الاشعار بأنه عليه السلام وإن كان له ما لغيره وكان له امثاله، فنبهه الله بهذه القضية، فاستغفر واناب عنه، انتهى. واعلم انه لما ثبت عصمة الانبياء عليهم بالبراهين والأدلة القاطعة، وجب تأويل ما يكون ظاهره منافيا له. وهذه الوجوه وإن كان يحصل بها الخلاص من القدح في شأن داود عليه السلام إلا أن المعول على ما في الأخبار الخالية من التقية. الفصل الثاني فيما أوحى إليه وما صدر عنه من الحكم (أمالي الصدوق) رحمه الله باسناده الى أبي عبد الله عليه السلام قال: اوحى الله سبحانه الى داود عليه السلام: يا داود كما لا تضر الطيرة من لا يتطير منها،

[ 393 ]

كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون. أقول: هذا الحديث يكون وجها للجمع بين ما ورد في الأخبار من قوله عليه السلام: لا طيرة في الاسلام، وبين ما روي من وقوعها و وجودها. وعنه عليه السلام: ان العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة، فأبيحه جنتي. فقال داود: يا رب وما تلك الحسنة ؟ قال يدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة، فقال داود عليه السلام: حق لمن عرفك ألا يقطع رجاءه منك. وعنه عليه السلام قال: اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام: يا داود ان العبد ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فأحكمه بها في الجنة، فقال يا رب وما هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتحكمه بها الجنة ؟ قال: عبد مؤمن سعى في حاجة اخيه المؤمن احب قضاها، فقضيت له أو لم تقض. وقال المسعودي من علمائنا: انزل الله الزبور بالعبرانية خمسين ومائة سورة جعله ثلاثة اثلاث، فثلث في الاول فيه ما يلقون من بخت نصر وما يكون من امره في المستقبل، وفي الثلث الثاني، ما يلقون من اهل الثور، وفي الثلث الثالث مواعظ وترغيب ليس فيه امر ولا نهي ولا تحليل ولا تحريم. وقال الله سبحانه لداود عليه السلام: احببني وحببني الى خلقي، قال: يا رب انا احبك فكيف احببك الى خلقك ؟ قال: اذكر ايادي عندهم، فانك إذا ذكرت ذلك لهم احبوني. وعن ابي جعفر عليه السلام قال: بينا داود عليه السلام جالس وعنده شاب رث الهيئة يكثر الجلوس عنده ويطيل الصمت، إذ اتاه ملك الموت فسلم عليه واخذ ملك الموت النظر الى الشاب، فقال داود عليه السلام: نظرت الى هذا فقال: نعم اني امرت بقبض روحه الى سبعة ايام في هذا الموضع، فرحمه داود عليه السلام فقال: يا شاب هل لك امرأة ؟ فقال لا وما تزوجت قط. قال داود: فأت فلانا - رجلا كان عظيم القدر في بني اسرائيل - فقل له ان داود عليه السلام يأمرك ان

[ 394 ]

تزوجني ابنتك وتدخل بها في هذه الليلة وخذ من النفقة ما تحتاج إليه و كن عندها فإذا مضت سبعة ايام فوافني في هذا الموضع. فمضى الشاب برسالة داود عليه السلام فزوجه الرجل ابنته وادخلوها عليه وأقام عندها سبعة ايام. ثم وافى داود عليه السلام يوم الثامن، فقال له داود عليه السلام: يا شاب كيف رأيت ما كنت فيه ؟ قال ما كنت في نعمة وسرور قط اعظم مما كنت فيه، قال داود عليه السلام اجلس فجلس، وداود عليه السلام ينتظر ان يقبض روحه. فلما طال قال: انصرف الى منزلك فكن مع اهلك، فإذا كان يوم الثامن فوافني هاهنا. فمضى الشاب، ثم وافاه يوم الثامن وجلس عنده، ثم انصرف اسبوعا آخر، ثم اتاه وجلس. فجاء ملك الموت الى داود عليه السلام فقال له داود عليه السلام: ألست حدثتني بأنك امرت بقبض روح هذا الشاب الى سبعة أيام ؟ قال بلى فقد مضت ثمانية وثمانية وثمانية، قال يا داود ان الله تعالى رحمه برحمتك له، فأخر في اجله ثلاثين سنة. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام ان خلادة بنت اوس بشرها بالجنة واعلمها انها قرينتك في الجنة. فانطلق إليها وقرع الباب وخرجت وقالت هل نزلت في شيء ؟ قال ان الله اوحى إلي فأخبرني انك في الجنة وان ابشرك بالجنة، قالت أو يكون اسم وافق اسمي، قال انك لأنت هي، قالت يا بني ما اكذبك ولا والله ما اعرف من نفسي ما وصفتني به، قال داود عليه السلام اخبريني عن ضميرك وسريرتك ما هو ؟ فقالت: اما هذا فسأخبرك به، اخبرك انه لم يصبني وجع قط نزل بي كائنا ما كان ولا نزل ضر بي حاجة وجوع كائنا ما كان إلا صبرت عليه، ولم اسأل الله

[ 395 ]

كشفه عني حتى يحوله الله عني الى العافية والسعة، ولم اطلب بها بدلا وشكرت الله عليها وحمدته. فقال لها داود عليه السلام: فبهذا بلغت ما بلغت. وقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا دين الله الذي ارتضاه للصالحين. أقول: هذه المرتبة هي الدرجه العليا من مراتب السالكين وهي الرضا بقضاء الله تعالى. وكان مولانا امير المؤمنين عليه السلام يمتدح بالوصول إليها والاحاطة بها، وكان يقول ان الله سبحانه لو القاني بالنار معذبا لما قلت انها نار بل قلت انها جنة، لانه تعالى رضى لي بها وجنتي رضاه، وهو ناظر الى قوله عز وجل بعد ان ذكر الجنة وما اعد فيها للمتقين ورضوان من الله اكبر فسخطه نارهم ورضاه جنانهم. وعلى هذا نزل بعض المحققين: المحيا والمماة في قوله: ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، على معنى ان حياتي ومماتي اريدهما مدة إرادة الله سبحانه لهما، فما دام يريد حياتي فأنا اريدها ولا اريد الموت، وإذا قرب اجلي وأراد موتي كنت اريده ايضا ولا اريد الحياة. و روي هذا عن مولانا الامام ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام وكذلك ينزل عليه ما ورد في الدعاء عند رؤية الجنازة وهو قوله: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم، يعني من الهالكين والاموات. والمراد حمد الله سبحانه على الحياة فانها امر مطلوب الداعي، حيث ان الله سبحانه اختارها له، فلا يرغب إلا فيما اعطاه الله سبحانه أو من حيث ان فيها الوصول الى رضاه، من حيث الطاعات وما يقع منه قبل الموت من العبادات. وكثيرا ما ينزل على هذه الدرجة العلمية من الآيات والأخبار وما تخطى إليها احد غير الأولياء إلا كان كاذبا في دعواه وشواهد الامتحان تكون ناعية عليه كذب ما زعمه.

[ 396 ]

ومن جملة من إنتحلها مشايخ الصوفية وهم عنها بمراحل و روي في (الآثار) ان عمرو بن الفارض من ائمة الصوفية إدعاها في اقواله واشعاره ومن جملتها قوله: وبما شئت في هواك اختبرني * فاختياري ما كان فيه رضاكا: ثم بعده ابتلي بحصر البول. وكان يندب ويصيح ويقبض على ذكره ويذهب الى مكتب الصبيان ويصيح ايها الأولاد ادعوا لعمكم الكذاب. بقي الكلام في الجمع بين قوله إلا صبرت عليه ولم اسأل الله كشفه عني، وبين ما ورد في الآيات والأخبار من الأمر بالتضرع والدعاء في كشف البلاء وما يورد على الانسان من المصائب والأوجاع والاسقام. قلت: ومن درج الى هذه الدرجة ونال هذه السعادة وخرج من مرارة التصبر على البلاء الى حلاوة التلذذ به، وكان مخيرا بين الدعاء في كشف ما يسمى محنة وبلاء، وبين الاستلذاذ به وتحمله والصبر عليه، ولا نقول هو من باب الصبر، بل هو من باب الشكر. وذلك ان اولياء الله سبحانه كما ينالون حظا من العافية، ينالون حلاوه من الاسقام والمصائب، لعلمهم بأن مبدء الامرين من الحبيب الحقيقي و العشيق التحقيقي، فهؤلاء من حيث التلذذ به لا يحبون كشفه ولا يطلبون زواله. وقول أمير المؤمنين عليه السلام عند الضربة. فزت ورب الكعبة، شاهد عليه. وكذلك قوله عليه السلام لما قال له ابن عمه واخوه رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف صبرك إذا ضربت على قرنك واختضب شيبك بدمك وانت في محراب صلاتك ساجدا لربك ؟ فقال عليه السلام: ذلك مقام الشكر لا مقام الصبر. وقال عليه السلام في وقعة احد لما فر المسلمون وبقى وحده يضرب بسيفه يمينا وشمالا: يا رسول الله وعدتني الشهادة وهذا اليوم كان ميقاتها، فما الذي حرمني

[ 397 ]

لذتها ؟ فقال صلى الله عليه وآله: انك تنالها بعدي إذا قاتلت الناكثين والقاسطين والمارقين. وكان يقول: والله لابن ابي طالب أأنس بالموت من الطفل بثدي امه. وقال في مقام آخر لابنه الحسن عليه السلام: ما يبالي ابوك اوقع على الموت ام وقع عليه الموت. وحكى الشهيد الثاني زين الملة والدين اعلى الله مقامه في دار الاقامة في كتابه (مسكن الفؤاد): ان رجلا من العباد مر خارج مصر في طريق فرأى رجلا مطروحا على التراب قد اكل الديدان بدنه واحتوى الذباب على جراحاته، فقعد عند رأسه و روحه بالمروحة ليطرد الذباب عنه، ففتح عينيه وقال من هذا الذي يدخل بيني وبين ربي، وعزته وجلاله لو قطعني إربا إربا لم ازدد له إلا شكرا وفيه إلا حبا. والحاصل ان درجة الرضا بالقضاء: اعلى درجات المتقين، رزقنا الله الوصول إليها والوقوف عليها، بمنه وكرمه. (كتاب الحسين بن سعيد بن ابي البلاد) عن سعد الاسكاف عن ابي جعفر عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل عابد، فاعجب به داود (ع)، فأوحى الله تبارك وتعالى: لا يعجبك من أمره فانه مراء. قال: فمات الرجل، فأتى داود عليه السلام فقيل له مات الرجل. فقال: ادفنوا صاحبكم. قال: فأنكرت بنو اسرائيل وقالوا كيف لم يحضره. قال: فلما غسل، قام له خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون منه الا خيرا، فلما صلوا عليه قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون منه إلا خيرا. فأوحى الله تعالى الى داود (ع): ما منعك ان تشهد فلانا ؟ قال: الذي اطلعتني عليه من امره، قال: إن كان كذلك ولكن شهد قوم من الاحبار والرهبان فشهدوا له ما يعلمون إلا خيرا، فأجزت شهادتهم عليه وغفرت له علمي فيه. وقال السيد علي بن طاووس في (سعد السعود): رأيت في زبور

[ 398 ]

داود عليه السلام في السورة الثالثة ما هذا لفظه (يا داود اني جعلتك خليفة في الأرض وسيتخذ عيسى إلها من دوني من اجل ما مكنت فيه من القوة وجعلته يحيى الموتى باذني، يا داود من ذا الذي انقطع إلي فنحيته ومن ذا الذي اناب إلي فطردته عن إنابتي، ما لكم لا تقدسون الله وهو مصوركم، ما لكم لا تطردون المعاصي عن قلوبكم، كأنكم لا تموتون وكأن الدنيا باقية لا تزول عنكم). وفي السورة العاشرة: (ايها الناس لا تغفلوا عن الآخرة، بني اسرائيل لو تفكرتم في منقلبكم ومعادكم وذكرتم القيامة وما اعددت فيها للعاصين، قل ضحككم وكثر بكاؤكم ولكنكم غفلتم عن الموت، كم تقولون ولا تفعلون، ولو تفكرتم في خشونة الثرى و وحشة القبر وظلمته لقل كلامكم وكثر ذكركم، لا تفكرون في خلق السماوات والارض وما أعدت فيها من الآيات و النذر، وحبست الطير في جو السماء يسبحن ويسرحن في رزقي، وانا الغفور الرحيم سبحانه خالق النور). وفي السورة السابعة عشر: (يا داود إسمع ما اقول ومر سليمان يقول بعدك ان الارض اورثها محمدا وامته، وهم خلافكم ولا يكون صلاتهم بالطنابير ولا يقدسون الاوتار، فازدد من تقديسك، يا داود قل لبني اسرائيل لا تجمعوا المال من الحرام، فاني لا اقبل صلاتهم، واهجر اباك على المعاصي، و اخاك على الحرام، واتل على بني اسرائيل نبأ رجلين كانا على عهد ادريس فجاءت لهما تجارة وقد فرضت عليهما صلاة مكتوبة، فقال احدهما ابدأ بأمر الله، وقال الآخر ابدأ بتجارتي والحق امر الله فذهب هذا لتجارته وهذا لصلاته، فأوحيت الى السماء: فنفحت واطلقت نارا واحاطت واشتغل الرجل بالسحاب و الظلمة، فذهبت تجارته وصلاته وكتب على بابه انظروا ما تصنع الدنيا والتكاثر بصاحبه. يا داود إذا رأيت ظالما قد رفعته الدنيا فلا تغبطه فانه لا بد له من احد الامرين، اما ان اسلط عليه ظالما اظلم منه فينتقم منه، واما الزمه رد التبعات يوم القيامة، يا داود لو رأيت صاحب التبعات قد جعل في عنقه طوق من نار، فحاسبوا انفسكم وانصفوا

[ 399 ]

الناس ودعوا الدنيا، ويحكم لو رأيتم الجنة وما اعددت فيها لأوليائي من النعيم لما ذقتم دوائها بشهوة، اين المشتاقون الى لذيذ الطعام والشراب ؟ اين الذين جعلوا مع الضحك بكاء ؟ اين الذين هجموا على مساجدي في الصيف والشتاء ؟ انظروا اليوم ما ترى اعينكم، فطال ما كنتم تسهرون والناس نيام، فاستمتعوا اليوم ما اردتم، فاني قد رضيت عنكم أجمعين ولقد كانت اعمالكم الزاكية تدفع سخطي من اهل الدنيا، يا رضوان اسقهم من الشراب الآن فيشربون وتزداد وجوههم نضرة، فيقول رضوان: هل تدرون لم فعلت هذا ؟ لانه لم تطا فروجكم فروج الحرام، يا رضوان اظهر لعبادي ما اعددت لهم ثمانية آلاف ضعف، يا داود من تأجرني فهو اربح التاجرين، يا بن آدم ابوك وامك يموتان وليس لك عبرة بهما يا بن آدم ألا تنظر الى بهيمة ماتت فانتفخت وصارت جيفة وهي بهيمة وليس لها ذنب ولو وضعت اوزارك على الجبال الراسيات لهدتها، يا داود وعزتي ما شيء اضر اليكم من اموالكم ولا اولادكم ولا اشد في قلوبكم فتنة منها، و العمل الصالح عندي مرفوع وانا بكل شيء محيط، سبحان خالق النور). وفي السورة الثالثة والعشرين: (يا بني آدم الطين والماء المهين وبنى الغفلة والغرة، لا تكثروا الالتفات الى ما حرمت عليكم، فلو رأيتم مجاري الذنوب لاستقذرتموها، ولو رأيتم العطرات قد عوفين من هيجان الطبائع فهن الراضيات فلا يسخطن ابدا وهن الباقيات فلا يمتن ابدا، كلما افتضها صاحبها رجعت بكرا ارطب من الزبد واحلى من العسل، بين السرير والفراش أمواج يتلاطم الخمر والعسل كل نهر ينفذ من آخر، ويحك ان هذا لهو الملك الأكبر والنعيم الاطول والحياة و الرغد والسرور الدائم، والنعيم الباقي عندي الدهر كله، وانا العزيز الحكيم، سبحان خالق النور). وفي الثلاثين: (بني آدم رهائن الموتى إعملوا لآخرتكم و اشتروها بالدنيا ولا تكونوا قوما اخذوا لهوا ولعبا، واعلموا انه من قارضني نمت بضاعته، ومن قارض الشيطان قرن معه، ما لكم تتنافسون في الدنيا وتعدلون عن الحق، غرتكم

[ 400 ]

احسابكم فما حسب امرىء خلق من الطين، إنما الحسب عندي هو التقوى، سبحان خالق النور). وفي السادسة والاربعين: (بني آدم لا تستخفوا بحقي فأستخف بكم في النار، ان آكلة الربا تقطع امعاؤهم واكبادهم، إذا ناولتم الصدقات فاغسلوها بماء اليقين، فاني ابسط يميني قبل يمين الآخذ، فإذا كانت من حرام قذفت بها في وجه المتصدق، وان كانت من حلال قلت: ابنوا له قصورا في الجنة، وليست الرياسة رياسة الملك، انما الرياسة رياسة الآخرة، سبحان خالق النور). وفي السابعة والاربعين: (اتدري يا داود لم مسخت بني اسرائيل فجعلت منهم القردة والخنازير ؟ لانهم إذا جاء الغني العظيم ساهلوه و إذا جاء المسكين بأدنى منه انتقموا منه وجبت لعنتي على كل متسلط في الارض لا يقيم الفقير والغنى بأحكام واحدة، انكم تتبعون الهوى في الدنيا، اين المفر مني إذا تخليت بكم ؟ كم قد نهيتكم عن الالتفات الى حرم المؤمنين ؟ وطالت السنتكم في اعراض الناس، سبحان خالق النور). وفي الخامسة والستين: (افصحتم في الخطبة وقصرتم في العمل، فلو افصحتم في العمل وقصرتم في الخطبة، لكان ارجى لكم، يا داود اتل على بنى اسرائيل رجل دانت له اقطار الارض حتى استوى وسعى في الارض فسادا واخمد الحق واظهر الباطل وعمر الدنيا وحصن الحصون وحبس الاموال فبينما هو في غضارة دنياه، إذ اوحيت الى زنبور يأكل لحم خده و يدخل ويلدغ الملك فدخل الزنبور وبين يديه ستارة وزرائه واعوانه فضربه فتورمت وتفجرت منه اعين دما وقيحا فشير عليه يقطع من لحم وجهه، حتى كان كل من يجلس عنده شم منه نتنا عظيما حتى دفن جثته بلا رأس فلو كان للآدميين عبرة تردعهم لردعتهم ولكن اشتغلوا بلهو الدنيا فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يأتيهم امري ولا اضيع اجر المحسنين، سبحان خالق النور) انتهت المواعظ الزبورية على طريق التلخيص.

[ 401 ]

الفصل الثالث في قصة اصحاب السبت قال الله تعالى: (و لقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناهم نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين). (تفسير) علي بن ابراهيم: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر) فانها قرية كانت لبني اسرائيل على البحر وكان الماء يجري في المد والجزر، فيدخل انهارهم وزروعهم ويخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زروعهم. وقد كان الله حرم عليهم الصيد يوم السبت، فكانوا ينصبون الشباك في الانهار ليلة السبت ويصطادون يوم الأحد، وكان السمك يخرج يوم السبت ويوم الأحد، فنهاهم علمائهم عن ذلك فمسخوا قردة وخنازير. وكان العلة في تحريم الصيد عليهم يوم السبت، ان عيد جميع المسلمين وغيرهم، كان يوم الجمعة، فخالف اليهود وقالوا عيدنا السبت فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت. وعن ابي جعفر عليه السلام قال: اوحى الله الى طائفة منهم: انما نهيتم عن اكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها، فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الايام، فقالت طائفة منهم الآن تصطادوها فعتت وانحازت طائفة اخرى منهم ذات اليمين فقالوا ننهاكم عن عقوبة إن تتعرضوا بخلاف امره، واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فتنكبت فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم: (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) فقالت الطائفة التي وعظتهم: (معذرة الى ربكم ولعلكم تتقون) فقالت الطائفة التي وعظتهم: (لا والله

[ 402 ]

لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها قبل ان ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم). قال: فخرجوا منهم من المدينة ونزلوا قريبا منها، فباتوا تحت السماء. فلما اصبح اولياء الله المطيعون غدوا لينظروا ما حال اهل المعصية فأتوا باب المدينة، فإذا هو مصمت فدقوه، فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حس احد، بل سمعوا اصواتا كالعواء لا تشبه اصوات الناس، فوضعوا سلما على سور المدينة، ثم أصعدوا رجلا منهم، فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون ولها اذناب فكسروا الباب، فعرفت القردة انسابها من الانس ولم تعرف الانس انسابها من القردة، فقال القوم للقردة: ألم ننهكم ؟. وقال علي عليه السلام: والله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة اني لأعرف انسابها من الامة لا ينكرون ولا يغيرون، بل تركوا ما امروا به فتفرقوا. وقال علي بن طاووس: وجدت في حديث: انهم كانوا ثلاث فرق، فرقة باشرت المنكر وفرقة انكرت عليهم، وفرقة داهنت اهل المعاصي فلم ينكروا ولم تباشر المعصية فنجى الله الذين انكروا، وجعل الفرقة المداهنة ذرا، ومسخ الفرقة المباشرة للمنكر قردة. ثم قال: ولعل مسخ المداهنة ذرا، لتصغيرهم عظمة الله وتوهينهم بحرمة الله، فصغرهم الله. (مناقب ابن شهرآشوب المازندراني): عن هارون بن عبد رفعه الى احدهم قال: جاء قوم الى امير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وقالوا يا امير المؤمنين ان هذه الجراري تباع في اسواقنا فتبسم امير المؤمنين عليه السلام ضاحكا ثم قال: قوموا لأريكم عجبا ولا تقولوا في وصيكم إلا خيرا، فقاموا معه فأتوا شاطئ الفرات، فتفل فيه تفلة وتكلم بكلمات، فإذا بجرية رافعة رأسها فاتحة فاها، فقال لها امير المؤمنين عليه السلام: من انت الويل لك ولقومك فقالت نحن من اهل القرية التي كانت حاضرة البحر، فعرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها فمسخنا الله،

[ 403 ]

فبعضنا في البحر وبعضنا في البر، فاما الذين في البحر فنحن الجراري، واما الذين في البر فالضب واليربوع. ثم قال عليه السلام: والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة لتحيض كما تحيض نساؤكم. وقال علي بن الحسين عليهم السلام: في قوله تعالى: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) كانوا يسكنون على شاطئ بحر، فنهاهم الله وانبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت، فتوصلوا الى حيلة يحلوا بها ما حرم الله عليهم، فأخذوا اخاديد وعملوا طرقا تؤدي الى حياض يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق و لا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع، فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على امان الله لها فدخلت في اخاديد وحصلت في الحياض والغدران. فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها الى الحج لتأمن صائدها، فلما همت الرجوع فلم تقدر، وبقيت ليلها في مكان يتهيأ اخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع. وكانوا يأخذونها يوم الاحد ويقولون ما اصطدنا يوم السبت. حتى كثر من ذلك مالهم وتنعموا بالنساء، فكانوا في المدينة نيفا وثمانين الفا، فعل هذا منهم سبعون الفا، وانكر عليهم الباقون. وذلك ان طائفة منهم وعظوهم فأبوا، فاعتزلوهم الى قرية اخرى، فمسخهم الله الذين اعتدوا قردة، فجاؤا إليهم يعرفوا هؤلاء الناظرون معارفهم، يقول المطلع لبعضهم انت فلان ؟ فتدمع عيناه و يومي برأسه ان نعم. فما زالوا كذلك ثلاثة ايام، ثم بعث الله عليهم مطرا و ريحا، فجرفهم الى البحر وما بقى مسخ بعد ثلاثة ايام. واما الذين ترون من هذه المصورات بصورها، فانما هي اشباهها لا هي بأعيانها ولا من نسلها. ثم قال عليه السلام: ان الله مسخ هؤلاء لاصطياد السمك، فكيف ترى عند

[ 404 ]

الله عز وجل حال من قتل اولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهتك حرمته، ان الله تعالى لم يمسخهم في الدنيا، فان المعد لهم من عذاب الآخرة اضعاف اضعاف عذاب المسخ. ثم قال عليه السلام: اما ان هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين ان يعصمهم من ذلك لعصمهم. كذلك الناهون لو سألوا الله عز وجل ان يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم. ولكن الله عز وجل لم يلهمهم ذلك ولم يوفقهم له، فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ. (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام: في قول الله عز وجل: (لعن الله الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم). قال: الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى. أقول المشهور: في الحديث والتفاسير هو العكس. وقال البيضاوي: قيل اهل ابلة لما اعتدوا في السبت، لعنهم الله على لسان داود، فمسخهم قردة وخنازير. واصحاب المائدة لما كفروا دعا عيسى عليهم ولعنهم، فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل. أقول: الابلة - بضم الهمزة والباء المشددة - موضع بالبصرة، وهي احدى الجنات الاربعة.

[ 405 ]

باب فيه قصص سليمان عليه السلام وفيه فصول: الفصل الاول في فضله ومكارم أخلاقه وجمل من أحواله (إكمال الدين) للصدوق رحمه الله تعالى: عن الصادق عليه السلام: ان داود عليه السلام اراد ان يستخلف ابنه عليه السلام، لأن الله تعالى أمره بذلك، فقال بنو اسرائيل يستخلف علينا حدثا، فدعا اسباط بني اسرائيل فقال لهم: قد بلغني مقالتكم، فأروني عصيكم فأي عصا اثمرت، فصاحبها ولي الامر بعدي، فرضوا بذلك، وأدخلوا عصيهم بيتا، فأصبحوا وقد اورقت عصا سليمان واثمرت فسلموا ذلك لداود. ثم ان سليمان اخفى امره واستتر من شيعته ما شاء الله. ثم ان امرأته قالت له ذات يوم: بأبي انت وامي ما اكمل خصالك واطيب ريحك ولا اعلم لك خصلة اكرهها إلا في مؤنة ابي، فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت ان لا يخيبك، فقال لها سليمان عليه السلام: ما عملت عملا قط ولا احسنه. فدخل السوق، فجال يومه ذلك، ثم رجع فلم يصب شيئا، فقال لها ما اصبت شيئا قالت: لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا.

[ 406 ]

فلما كان من الغد رجع الى السوق وجال فيه، فلم يقدر على شيء، فرجع واخبرها فقالت: يكون غدا إن شاء الله. فلما كان في اليوم الثالث مضى حتى انتهى الى ساحل البحر، فإذا هو بصياد فقال له: هل لك ان اعينك وتعطيني شيئا ؟ قال نعم، فأعانه. فلما فرغ اعطاه الصياد سمكتين، فأخذهما وشق بطن احدهما، فإذا هو بخاتم في بطنها، فجاء الى منزله وهو واضع الخاتم في ثوبه، فقالت له امرأته: اني اريد ان تدعو ابوي حتى يعلما انك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه. فلما فرغوا اخرج خاتمه فلبسه، فخر عليه الطير والريح وغشيه الملك وحمل الجارية وابويها الى بلاد اصطخر واجتمعت الشيعة واستبشروا به ففرج الله عنهم ما كانوا فيه من حيرة غيبته. فلما حضرته الوفاة اوصى الى آصف بن برخيا، فلم يزل بين الشيعة يأخذون عنه. ثم غيب الله آصف غيبة طال امدها، ثم ظهر لهم، فبقى بين قومه ما شاء الله، ثم انه ودعهم، فقالوا له: اين الملتقى ؟ قال: على الصراط. و غاب عنهم ما شاء الله. واشتدت البلوى على بني اسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بخت نصر... الحديث اقول: ورد في حديث آخر: ان وقوعه على الخاتم في بطن السمكة كان بعد ان سلب منه الملك اخذ الشياطين خاتمه والقوه في البحر. (الاحتجاج) في حديث الزنديق الذي سأل الصادق عليه السلام عن مسائل وكان فيما سأله كيف صعدت الشياطين الى السماء وهم امثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانو يبنون لسليمان بن داود عليه السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم قال عليه السلام: غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق غذاؤهم التسنيم، والدليل على ذلك صعودهم الى السماء، لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها لا بسلم ولا بسبب.

[ 407 ]

(الكافي) عن ابي الحسن (ع) قال: كان لسليمان بن داود عليه السلام الف امرأة في قصر واحد، وثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية، ويطيف بهن في كل يوم وليلة. اقول: يحتمل طواف الزيارة، والأظهر انه طواف الجماع. وقال (ع): كان ملك سليمان ما بين الشامات الى بلاد اصطخر، وكان عليه السلام يطعم اضيافه اللحم بالحواري، ويطعم عياله الخشكار، و يأكل هو الشعير غير المسحول. اقول: الحواري الخبز الأبيض، كما ان الخشكار الخبز الأسود. (قصص) الراوندي باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (اعملوا آل داود شكرا). قال: كانوا ثمانين رجلا وسبعين امرأة، ملازمين للمحراب. فلما قبض داود ولي سليمان، وعلم منطق الطير وسخر له الجن والانس، وكان لا يسمع بملك في ناحية الارض إلا اتاه حتى يذله ويدخله في دينه، وسخر له الريح، فكان إذا خرج الى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والانس، و كان إذا اراد ان يغزو امر بمعسكره، فضرب له بساط من الخشب وجعل عليه الدواب والناس وآلة الحرب كلها حتى إذا حمل معه ما يريد امر العاصف من الريح فدخلت الخشب فحملته، حتى تنتهي به الى حيث يريد، وكان غدوها شهرا و رواحها شهرا. وفيه عن الاصبغ قال خرج سليمان بن داود عليه السلام من بيت المقدس، ومعه ثلاثمائة كرسي عن يمينه عليها الانس وثلاثمائة الف كرسي عن يساره عليها الجن، وامر الطير فأظلتهم وامر الريح فحملتهم حتى وردت بهم المدائن، ثم رجع وبات في اصطخر. ثم غدا فانتهى الى جزيرة بركادان، ثم امر الريح فخفضتهم حتى كادت اقدامهم تصيب الماء، فقال بعضهم لبعض: هل رأيت ملكا اعظم من هذا ؟ فنادى ملك من السماء: لثواب تسبيحة واحدة اعظم مما رأيتم.

[ 408 ]

وفيه عن ابي جعفر عليه السلام قال: كان لسليمان حصن بناه الشياطين له، فيه الف بيت في كل بيت منكوحة، منهن سبعمائة امة قبطية و ثلاثمائة حرة مهيرة. فأعطاه الله تعالى قوة اربعين رجلا في مباضعة النساء، و كان يطوف بهن جميعا ويسعفهن. وكان سليمان يأمر الشياطين فتحمل له الحجارة من موضع الى موضع فقال لهم ابليس كيف انتم ؟ قالوا ما لنا طاقة بما نحن فيه، فقال ابليس اليس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغا ؟ قالوا نعم قال فأنتم في راحة. فأبلغت الريح سليمان ما قال ابليس للشياطين، فأمرهم يحملون الحجارة ذاهبين ويحملون الطين راجعين الى موضعها فتراءى لهم ابليس فقال كيف انتم ؟ فشكوا إليه فقال الستم تنامون بالليل ؟ قالوا بلى قال فأنتم في راحة. فأبلغت الريح ما قالت الشياطين وابليس، فأمرهم ان يعملوهم بالليل والنهار، فما لبثوا يسيرا حتى مات سليمان عليه السلام. قال: وخرج سليمان ومعه الجن والانس يستسقي، فمر بنملة عرجاء ناشرة جناحها رافعة ايديها وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك لا غناء بنا عن رزقك، فلا تؤاخذنا بذنوب بني آدم واسقنا، فقال سليمان عليه السلام لمن كان معه: ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم. (تفسير) علي بن ابراهيم عن ابي الحسن عليه السلام قال: ما بعث الله نبيا قط إلا عاقلا، و بعض النبيين ارجح من بعض، وما استخلف داود سليمان حتى إختبر عقله، و استخلف داود سليمان وهو ابن ثلاثة عشر سنة، ومكث في ملكه اربعين سنة، وملك ذو القرنين وهو ابن اثنى عشرة سنة ومكث في ملكه ثلاثين سنة. (المحاسن) للبرقي عن ابي الحسن عليه السلام قال: ان سليمان بن داود عليه السلام اتته امرأة عجوز مستعدية على الريح فدعا سليمان الريح فقال لها: ما دعاك الى ما صنعت بهذه المرأة قالت: ان رب العزة بعثني الى سفينة بني فلان لانقذها من الغرق وكانت قد اشرفت على الغرق فخرجت في عجلتي الى ما امرني الله به، ومررت بهذه المرأة وهي على سطحها فعثرت بها ولم اردها فسقطت فانكسرت يدها

[ 409 ]

فقال سليمان عليه السلام: يا رب بما احكم على الريح فأوحى الله إليه: يا سليمان احكم بارش كسر هذه المرأة على ارباب السفينة التي انقذتها الريح من الغرق، فانه لا يظلم لدي احد من العالمين. عن ابي عبد الله عليه السلام قال: آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود عليه السلام وذلك لما اعطي في الدنيا. وعن ابي جعفر عليه السلام قال: ان سليمان قد حج البيت في الجن والانس والطير و الرياح وكسى البيت القباطي، وهو اول من كسى البيت الثياب. و روى: ان الريح كانت تغدو من دمشق فتقبل باصطخر من ارض اصفهان، وبينهما مسيرة شهر للمسرع، وتروح من اصطخر فتبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر، تحمله الريح مع جنوده، اعطاه الله الريح بدلا من الصافنات الجياد. وروي: ان داود عليه السلام لما شرع في بناء بيت المقدس لم يتمه، فأحب سليمان ان يتمه بعده. فجمع الجن والشياطين فقسم عليهم الأعمال، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها الابيض الصافي من معادنه، وامر ببناء المدينة من الرخام و الصفاح وجعلها اثنى عشر ربضا، وانزل كل ربض منها سبطا من الأسباط. فلما فرغ من بناء المدينة إبتدأ في بناء المسجد، فوجه الشياطين فرقة فرقة يستخرجون الذهب واليواقيت من معادنها، وفرقة يعلقون الجواهر والاحجار من اماكنها، و فرقة يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب، وفرقة يأتونه بالدر من البحار فأوتى بشيء من ذلك لا يحصيه الا الله. ثم احضر الصناع وامرهم بنحت تلك الأحجار حتى يصيرها الواحا ومعالجة تلك الجواهر واللئالي. وبنى سليمان المسجد بالرخام الابيض والاصفر والاخضر وعمده بأساطين المها الصافي وسقفه بألواح الجواهر وفضض سقوفه وحيطانه باللئالي واليواقيت وبسط

[ 410 ]

ارضه بألواح الفيروزج، فلم يكن في الارض بيت ابهى ولا انور منه، كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر. فلما فرغ منه جمع إليه خيار بني اسرائيل فأعلمهم انه بناه الله تعالى، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا. فلم يزل بيت المقدس على ما بنى سليمان، حتى غزى بخت نصر بني اسرائيل فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد واخذ ما في سقوفه وحيطانه من الذهب والدر والياقوت والجوهر فحملها الى دار مملكته من ارض العراق. وروي: انهم كانوا يعملون صور السباع و البهائم على كرسيه ليكون اهيب له فذكر انهم صوروا اسدين من اسفل كرسيه ونسرين فوق عمود كرسيه، فكان إذا أراد ان يصعد الكرسي بسط الاسدان ذراعيهما، وإذا علا على الكرسي نشر النسران اجنحتهما فظللاه من الشمس. ويقال: ان ذلك كان مما لا يعرفه احد من الناس. فلما حاول بخت نصر صعود الكرسي بعد سليمان في حين غلب على بني اسرائيل لم يعرف كيف كان يصعد سليمان فرفع الأسد ذراعيه فضرب ساقه فقدها، فخر مغشيا عليه، فما جسر بعده احد ان يصعد ذلك الكرسي. وعن الرضا عليه السلام: كان نقش خاتم سليمان: سبحان من الجم الجن بكلماته. وهو اوحى الله تعالى إليه وهو يسير ما بين السماء والارض: إني قد زدت في ملكك، انه لا يتكلم احد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح فأخبرتك به. ونسجت الشياطين لسليمان عليه السلام بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في ابريسم وكان يوضع فيه منبر من ذهب في وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة، فيقعد الانبياء على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظللها الطير بأجنحتها حتى لا يقع عليه الشمس.

[ 411 ]

(الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة بعد العتمة وهو يقول: همهمة همهمة وليلة مظلمة، خرج عليكم الامام عليه قميص آدم وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى عليهم السلام. وعن علي بن الحسين عليهم السلام قال: القنزعة التي على رأس القنبرة من مسحة سليمان بن داود (ع). وذلك ان الذكر أراد ان يستفد انثاه، فامتنعت عليه فقال لها لا تمنعيني ما اريد إلا ان يخرج الله عز وجل مني نسمة يذكر به، فأجابته الى طلبه. فلما ارادت ان تبيض قال لها تريدين ان تبيضي ؟ فقالت لا ادري انحيه عن الطريق قال لها اني اخاف ان يمر بك مار الطريق، ولكني ارى ذلك ان تبيضي قرب الطريق فمن يراك قربه توهم انت تتعرضين للقط الحب من الطريق فأجابته الى ذلك، وباضت وحضنت حتى اشرفت على النقاب. فبينا هما كذلك إذ طلع سليمان في جنوده والطير تظله، فقالت له هذا سليمان قد طلع علينا بجنوده ولا آمن ان يحطمنا ويحطم بيضنا، فقال لها ان سليمان (ع) لرجل رحيم فهل عندك شيء خبيته لفراخك إذا نقبن قال نعم عندي جرادة خبأتها منك انتظر بها فراخي إذا نقبن، فهل عندك انت شيء ؟ قال نعم عندي تمرة خبأتها منك لفراخي، قالت فخذ انت تمرتك وآخذ انا جرادتي ونعرض لسليمان عليه السلام فنهديها له فانه رجل يحب الهدية. فأخذ التمرة في منقاره واخذت هي الجرادة في رجليها ثم تعرضوا لسليمان (ع) فلما رآهما وهو على عرشه بسط يده لهما، فأقبلا فوقع الذكر على اليمين و وقعت الانثى على اليسار، وسألهما عن حالهما فأخبراه، فقبل هديتهما وجنب جنده عنهما وعن بيضهما ومسح على رأسيهما ودعا لهما بالبركة، فحدثت القنزعة على رأسيهما من مسحة سليمان عليه السلام. و روي ان سليمان عليه السلام مر في موكبه بعابد من عباد بني اسرائيل، فقال: والله يا بن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما، فسمعه سليمان فقال: لتسبيحة

[ 412 ]

في صحيفة المؤمن خير مما اعطي ابن داود ما اعطي، ابن داود يذهب وان التسبيحة تبقى. وكان سليمان إذا اصبح تصفح وجوه الأغنياء والأشراف حتى يجيء الى المساكين و يقعد معهم، ويقول مسكين من المساكين، وكان مع ما فيه من الملك يلبس الشعر وإذا جنه الليل شد يديه الى عنقه، فلا يزال قائما حتى يصبح باكيا، وكان قوته من سفائف الخوص يعملها بيده، وانما سألك الملك ليقهر ملوك الكفر. وكان إذا ركب حمل اهله وحشمه و خدمه وكتابه، وقد اتخذ مطابخ ومخابز يحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام يسع كل قدر عشرة جزور، وقد اتخذ ميادين للدواب امامه فيطبخ الطباخون ويخبز الخبازون وتجري الدواب بين يديه بين السماء والارض والريح تهوي بهم. فسار من اصطخر الى اليمن، فسلك ملك مدينة الرسول صلى الله عليه وآله فقال سليمان عليه السلام: هذا دار هجرة نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به وطوبى لمن إتبعه، ورأى حول البيت اصناما تعبد من دون الله. فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت، فأوحى الله إليه: ما يبكيك ؟ قال: يا رب ابكاني هذا نبي من انبيائك وقوم من اوليائك مروا بي فلم يهبطوا ولم يصلوا عندي ولم يذكروك بحضرتي، والاصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله تعالى إليه: لا تبك فاني سوف إملأك وجوها سجدا وانزل فيك قرآنا جديدا وابعث منك نبيا في آخر الزمان احب انبيائي إلي واجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني وافرض على عبادي فريضة يدفون اليك دفوف النسور الى وكورها ويحنون اليك حنين الناقة الى ولدها واطهرك من الأوثان. و روي: ان سليمان عليه السلام لما ملك بعد ابيه، امر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء، وامر ان يعمل مهولا بديعا بحيث لو رآه مبطل إرتدع فعمل له كرسي من انياب الفيلة، وفصصوه بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وانواع الجواهر وحففوه بأربع نخلات من ذهب شماريخها الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر على

[ 413 ]

رأس نخلتين منهما طاووسان من ذهب وعلى رأس الآخرين نخلان من ذهب بعضها مقابلا لبعض، وجعلوا من جنبي الكرسي اسدين من الذهب على رأس كل واحد منهما عمودا من الزمرد الأخضر، وقد عقدوا على النخلات اشجار كروم من الذهب الاحمر واتخذوا عناقيد من الياقوت الأحمر، بحيث يظل عريش الكروم و النخل والكرسي. وكان سليمان إذا اراد الصعود وضع قدميه على الدرجة السفلى فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة، وتنشر تلك النسور و الطواويس اجنحتها ويبسط الاسدان ايديهما فتضربان الارض بأذنابهما وكذلك كل درجة يصعدها سليمان (ع) فإذا استوى بأعلاه اخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان عليه السلام فوضعاه على رأس سليمان، ثم يستدير الكرسي بما فيه ويدور معه النسران والطاووسان والاسدان مائلات برؤوسها الى سليمان ينفخن عليه من اجوافها المسك والعنبر، ثم تتناول حمامة من ذهب قائمة على عمود من جوهر من اعمدة الكرسي التوراة، فيفتحها سليمان ويقرأها على الناس ويدعوهم الى فصل القضاء، ويجلس علماء بني اسرائيل على الكراسي من الذهب المفصصة بالجوهر وهي الف كرسي عن يمينه وتجيء عظماء الجن وتجلس على كراسي الفضة على يساره وهي الف كرسي حافين جميعا به، ثم تحف به الطير فتظلهم وتتقدم إليه الناس للقضاء، فإذا دعا البينات والشهود، لاقامة الشهادات، دار الكرسي بما فيه مع جميع ما حوله دوران الرحى المسرعة ويبسط الاسدان ايديهما ويضربان الارض بأذنابهما وينشر النسران والطاووسان بأجنحتها، فيفزع منه الشهود ويدخلهم من ذلك رعب ولا يشهدون إلا بالحق. روي هذا كله في كتاب (تنبيه الخاطر).

[ 414 ]

الفصل الثاني في معنى قول سليمان: (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) وفي قصة مروره بوادي النمل وفي قوله تعالى: (فطفق مسحا بالسوق والاعناق) (معاني الأخبار وعلل الشرايع) باسناده الى علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (ع) أيجوز ان يكون نبي الله بخيلا ؟ فقال لا، قلت له فقول سليمان: (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) ما وجهه ومعناه ؟ فقال: الملك ملكان، ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، وملك مأخوذ من قبل الله تعالى ذكره، كملك آل ابراهيم وملك طالوت وملك ذي القرنين فقول سليمان: (رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) انه يقول: انه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، فسخر الله عز وجل له الريح تجري بأمره رخاء حيث اصاب وجعل غدوها شهرا ورواحها شهرا، وسخر الله عز وجل له الشياطين كل بناء وغواص، و علم منطق الطير ومكن في الارض في وقته وبعده ان ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل الناس والمالكين بالغلبة والجور. فقلت له: فقول رسول الله صلى الله عليه وآله: رحم الله اخي ما كان ابخله فقال: لقوله عليه السلام وجهان: أحدهما - ما كان ابخله بعرضه وسؤال قوله فيه. والوجه الآخر - يقول ما كان ابخله، ان كان اراد ما يذهب إليه الجهال. ثم قال عليه السلام: قد و الله اوتينا ما اوتي سليمان وما لم يؤت احد من الانبياء.

[ 415 ]

قال الله عز و جل في قصة سليمان: (هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب) وقال عليه السلام في قصة محمد صلى الله عليه وآله: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). اقول: تأويله (ع) لما روي من قوله صلى الله عليه وآله: رحم الله اخي سليمان ما كان ابخله، يجوز ان تكون إشارة الى ان الحديث من الموضوعات والتأويل لحمل الخبر على التقية. لأن انكار الحديث إذا لم يمكن يطلبون عليهم السلام الوجوه البعيدة. ونحو ذلك ورد في الاخبار كثيرا، والله العالم. واما مروره عليه السلام بوادي النمل فقال الله سبحانه: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون * حتى إذا اتوا على وادي النمل قالت نمله يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين). وادي النمل: هو واد بالطائف. وقيل: بالشام، وتلك النملة كانت رئيسة النمل. وقولها: (لا يحطمنكم) يدل على ان سليمان وجنوده كانا ركبانا ومشاة على الارض ولم تحملهم الريح، لان الريح، لو حملتهم بين السماء والارض لما خافت النملة ان يطأها وجنوده بأرجلهم. ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان. (عيون الاخبار وعلل الشرايع) باسناده الى داود بن سليمان الغازي قال: سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول عن ابيه موسى بن جعفر عن ابيه جعفر بن محمد عليه السلام في قوله تعالى: (فتبسم ضاحكا من قولها - لما قالت النملة -:

[ 416 ]

يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم...) الآية. حملت الريح صوت النملة الى سليمان وهو مار في الهواء والريح قد حملته، فوقف وقال: علي بالنملة. فلما اتي بها، قال سليمان: يا ايتها النملة اما علمت اني نبي ؟ واني لا اظلم احدا ؟ قالت النملة: بلى، قال سليمان عليه السلام: فلم حذرتهم ظلمي ؟ قالت: خشيت ان ينظروا الى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن ذكر الله تعالى ذكره. ثم قالت النملة: انت اكبر ام ابوك داود ؟ قال سليمان: بل ابي داود، قالت النملة: فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم ابيك داود ؟ قال: ما لي بهذا علم. قالت النملة لأن اباك داود داوى جرحه بود، فسمي داود وانت يا بن داود أرجو ان تلحق بأبيك. ثم قالت النملة: هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة ؟ قال سليمان ما لي بهذا علم، قالت النملة يعنى (ع) بذلك لو سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح. فحينئذ (تبسم ضاحكا من قولها) وفي (تفسير الثعلبي) قالت النملة هل علمت لم سمي ابوك داود ؟ فقال: لا، فقالت لانه داوى جرحه بود، هل تدري لم سميت سليمان ؟ قال: لا، قالت لانك سليم وكنت الى ما اوتيت لسلامة صدرك، وان لك ان تلحق بأبيك. أقول: هذا الحديث عدوه من مشكلات الاخبار واطالوا الكلام في تأويله على وجوه كثيرة: منها - ان معناه ان اباك لما ارتكب ترك الاولى وصار قلبه مجروحا، فداواه بود الله تعالى ومحبته، فلذا سمي داود، إشفاقا من الدواء بالود، وانت لم تركب بعد وانت سليم منه، سميت سليمان. فخصوص العلتين للتسميتين صارتا علة، علة لزيادة اسمك على اسم ابيك. ثم لما كان كلاهما موهما لكونه من جهة السلامة افضل من ابيه، استدركت ذلك بأن ما صدر عنه، لم يصر سببا لنقصه، بل صار سببا لكمال محبته وتمام مودته وأرجو ان تلحق ايضا بأبيك، في ذلك لتكمل محبتك. الثاني - ان المعنى هو ان اصل الاسم داوى جرحه بود، وهو اكثر من اسمك وانما صدر بكثرة الاستعمال داود، ثم دعا له درجات بقوله ارجو ان تلحق بأبيك، يعني في الكمال والفضل.

[ 417 ]

الثالث - المراد ان هذا الاسم مشتمل على سليم أو مأخوذ منه والسليم قد يستعمل في الجريح، كاللذيع تفألا بصحته و سلامته، أو انت سليم من المداواة التي حصلت لأبيك، فلهذا سميت سليمان. فالحرف الزائد للدلالة على وجود الجرح، فكما ان الجرح زائد في البدن أو النفس عن اصل الخلقة، كان في الاسم حرف زائد للدلالة على ذلك. وفيه معنى لطيف وهو: ان هذه الزيادة في الاسم الدالة على الزيادة في المسمى ليست مما يزيد به الاسم والمسمى كمالا، بل قد تكون الزيادة لغير ذلك. الرابع - وهو المفهوم مما عنون الصدوق رحمه الله الباب الذي اورد الخبر فيه حيث قال: باب العلة التي من اجلها زيد في حروف اسم سليمان حرف من حروف اسم ابيه داود عليه السلام، فلعله رحمه الله كما قيل: حمل الخبر على ان المعنى انك لما كنت سليما اريد ان يشتق لك اسم يشتمل على السلامة، ولما كان ابوك داود داوى جرحه بالود وصار كاملا بذلك أراد الله تعالى ان يكون في اسمك حرف من حروف اسمه لتلحق به في الكمال، فزيد فيه الالف وما يلزمه لتمام التركيب وصحته من النون فصار سليمان، وإلا لكان السليم كافيا للدلالة على السلامة. فلذا زيد حروف اسمك على حروف اسم ابيك، ولو كان في الخبر من حروف اسم ابيك، كما هو الموجود في بعض النسخ: كان الصق بهذا المعنى وقوفها، ارجو ان تلحق بأبيك - اي لتلك الزيادة -، فيدل ضمنا وكتابة على انه انما زيد لذلك. أقول: ويحتمل فيه وجوه اخر لا نطول المقام بها. و روى الطبرسي (في مشارق الانوار): ان سليمان عليه السلام كان سماطه كل يوم سبعة اكرار، فخرجت دابة من دواب البحر يوما و قالت: يا سليمان اضفني اليوم فأمر ان يجمع لها مقدار سماطه شهرا، فاجتمع على ساحل البحر كالجبل العظيم، اخرجت الحوت رأسها وابتلعته وقالت: يا سليمان اين تمام قوتي اليوم ؟ هذا بعض قوتي، فتعجب سليمان وقال لها: هل في البحر دابة مثلك ؟ فقالت: الف امة فقال سليمان: سبحان الله الملك العظيم.

[ 418 ]

و روى غيره: ان سليمان عليه السلام رأى عصفورا يقول لعصفورته: لم تمنعين نفسك مني ؟ ولو شئت اخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيها في البحر فتبسم سليمان عليه السلام من كلامه. ثم دعاهما وقال للعصفور: اتطيق ان تفعل ذلك ؟ فقال لا يا رسول الله ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته والمحب لا يلام على ما يقول، فقال للعصفورة لم تمنعيه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت يا نبي الله انه ليس محبا ولكنه مدع، لانه يحب معي غيري. فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان وبكى بكاءا شديدا واحتجب عن الناس اربعين يوما يدعو الله ان يفرغ قلبه لمحبة الله وان لا يخالطها بمحبة غيره. و روي: انه عليه السلام سمع يوما عصفورا يقول لزوجته إدني مني اجامعك لعل الله يرزقنا ولدا ذكرا يذكر الله تعالى فإنا كبرنا. فتعجب سليمان من كلامه وقال: هذه النية خير من ملكي. ومر سليمان عليه السلام على بلبل يتصوت ويترقص، فقال: يقول إذا اكلت نصف التمرة فعلى الدنيا العفا. وصاحت فاختة، فقال: انها تقول ليت الخلق لم يخلقوا. و روى الزمخشري: ان قتادة دخل الكوفة والتف عليه الناس، فقال سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة حاضرا وهو غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان اكانت ذكرا ام انثى ؟ فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة كانت انثى، بدليل قوله تعالى: (قالت نملة) وذلك ان النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعه على الذكر والانثى، فيميز بينهما بعلامة، نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة انثى، انتهى. وقال الفاضل ابن الحاجب في بعض مصنفاته: والظاهر ان تأنيث مثل الشاة والنملة و الحمامة من الحيوانات تأنيث لفظي. ولذلك كان قول من زعم ان النملة في قوله تعالى: (قالت نملة) انثى لورود تاء التأنيث في قالت، وهما لجواز ان يكون مذكرا في الحقيقة و ورود تاء التأنيث كورودها في فعل المؤنث اللفظي، ولذا قيل: افحام قتادة خير من جواب ابي حنيفة. أقول: وهذا هو الصواب كما حققه نجم الائمة الشيخ الرضي نور الله ضريحه

[ 419 ]

وقد فضح الله الرجلين، قتادة حيث إدعى شيئا لم يدعه غير امير المؤمنين عليه السلام إلا كان كاذبا، وهو قوله عليه السلام: (سلوني قبل ان تفقدوني سلوني عما شئتم) نص عليه الفريقان. واما أبو حنيفة فقد اجاب وهو حدث وافتخر اصحابه بجوابه فظهر جوابه غلطا كما قاله اهل مذهبه وغيرهم. وقال الثعلبي في تفسيره: قال مقاتل كان سليمان عليه السلام جالسا، إذ مر به طائر يطوف فقال: هذا الطائر يقول السلام عليك ايها الملك المتسلط على بني اسرائيل اعطاك الله سبحانه وتعالى الكرامة واظهرك على عدوك، اني منطلق الى فروخي، ثم امر بك ثانية، وانه سيرجع الينا. فنظر القوم طويلا، فمر بهم، فقال السلام عليك ايها الملك ان شئت ان تأذن لي كيما اكسب على فروخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت فأذن له. وقال: صاح ورشان عند سليمان عليه السلام، فقال اتدرون ما يقول ؟ قالوا لا، قال انها تقول ليت الخلق لم يخلقوا. وصاح طاووس. فقال انه يقول كما تدين تدان. وصاح هدهد. فقال انه يقول من لا يرحم لا يرحم. وصاح صرد عنده. فقال انه يقول استغفروا الله يا مذنبين. وصاح طوطي. فقال انه يقول كل حي ميت وكل جديد بال. وصاح خطاف. فقال: قدموا خيرا تجدوه. وهدرت حمامة. فقال تقول سبحان ربي الاعلى ملأ سماواته وارضه وصاح قمري، فقال تقول سبحان ربي الاعلى. قال: والغراب يدعو على العشارين. والحدءة تقول كل شيء هالك إلا وجهه. والقطا تقول من سكت سلم. والببغاء وهو طائر يقول لمن الدنيا همه. والضفدع يقول سبحان ربي القدوس.

[ 420 ]

والباز يقول: سبحان ربي وبحمده. والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل مكان. وصاح دراج فقال: انها تقول: الرحمن على العرش إستوى. (دعوات الراوندي): ذكروا ان سليمان كان جالسا على شاطئ بحر، فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر، فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد اخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها، فدخلت النملة و غاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة وسليمان عليه السلام يتفكر في ذلك متعجبا. ثم انها خرجت من الماء وفتحت فاها، فخرجت النملة ولم يكن معها الحبة. فدعاها سليمان عليه السلام وسألها وشأنها واين كانت ؟ فقالت: يا نبي الله ان في قعر البحر الذي تراه صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء وقد خلقها الله تعالى هنالك، فلا تقدر ان تخرج منها لطلب معاشها، وقد وكلني الله برزقها فأنا احمل رزقها وسخر الله تعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها، وتضع فاها على ثقب الصخرة وادخلها، ثم إذا اوصلت رزقها إليها وخرجت من ثقب الصخرة الى فيها فتخرجني من البحر. قال سليمان عليه السلام: وهل سمعت لها من تسبيحة ؟ قالت نعم، تقول يا من لا ينساني في جوف هذه اللجة برزقك، لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك. وأما حكاية الخيل فقال الله سبحانه: (و وهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أواب * ذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد * فقال إني احببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب * ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق. ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب). (تفسير) علي بن ابراهيم: وذلك ان سليمان عليه السلام كان يحب الخيل

[ 421 ]

ويستعرضها فعرضت عليه يوما الى ان غابت الشمس وفاته صلاة، العصر، فاغتم من ذلك ودعا الله ان يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر ؟ فردها عليه الى وقت العصر فصلاها، واقبل يضرب اعناق الخيل ويسوقها بالسيف حتى قتلها كلها. وهو قوله عز اسمه: (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق * ولقد فتنا سليمان) وذلك ان سليمان عليه السلام لما تزوج بالبائنة ولد له منها ابن وكان يحبه فنزل ملك الموت على سليمان، وكان كثير ما ينزل عليه، فنظر الى ابنه نظرا حديدا، ففزع سليمان من ذلك وقال لامه: ان ملك الموت نظر الى ابني نظرة اظنه امر بقبض روحه. فقال للجن والشياطين: هل لكم ان تفروه من الموت ؟ فقال واحد انا اضعه تحت عين الشمس في المشرق فقال سليمان عليه السلام ان ملك الموت يخرج ما بين المشرق والمغرب، فقال واحد منهم انا اضعه في الأرضين السابعة فقال ان ملك الموت يبلغ، فقال آخر انا اضعه في السحاب والهواء، فرفعه و وضعه في السحاب. فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب، فوقع ميتا على كرسي سليمان، فعلم انه قد أخطأ. فحكى الله ذلك في قوله: (و القينا على كرسيه جسدا ثم اناب...) الآيات وقال الصادق عليه السلام: جعل الله عز وجل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجن والانس والشياطين وجميع الطير والوحوش، فأطاعوه، فيقعد على كرسيه، ويبعث الله عز وجل ريحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين والطير والدواب والانس والخيل، فتمر بها في الهواء الى موضع يريده سليمان، وكان يصلي الغداة بالشام والظهر بفارس، وكان يأمر الشياطين ان يحملوا الحجارة من فارس ويبنوها بالشام فلما قتل الخيل سلبه الله ملكه، وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه الى بعض من يخدمه. فجاء شيطان فخدع خادمه واخذ منه الخاتم ولبسه، فحشرت عليه الشياطين

[ 422 ]

والجن والانس والطير والوحوش، وخرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده، فهرب ومر على ساحل البحر. وانكرت بنو اسرائيل الشياطين الذين تصوروا في صورة سليمان، وصاروا الى امه، فقالوا لها اتنكرين من سليمان شيئا ؟ فقالت: كان ابر الناس بي وهو اليوم يعصيني، وصاروا الى جواريه ونسائه وقالوا اتنكرون من سليمان شيئا ؟ قلن: لم يكن يأتينا في الحيض وهو يأتينا في الحيض. فلما خاف الشيطان ان يفطنوا به القى الخاتم في البحر، فبعث الله سمكة فالتقمته وهرب الشيطان. فبقى بنو اسرائيل يطلبون سليمان اربعين يوما. وكان سليمان يمر على ساحل البحر تائبا الى الله مما كان منه. فلما كان بعد اربعين يوما مر بصياد يصيد السمكة، فقال له: اعينك على ان تعطيني من السمك شيئا ؟ قال نعم، فأعانه سليمان. فلما إصطاد دفع الى سليمان سمكة فأخذها وشق بطنها، فوجد الخاتم في بطنها فلبسه، وخرت عليه الشياطين والجن والانس ورجع الى مكانه، وطلب ذلك الشيطان وجنوده فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف الصخر بأسامي الله فهم محبوسون معذبون الى يوم القيامة. فلما رجع سليمان الى ملكة قال لآصف، وكان آصف كاتب سليمان وهو الذي كان عنده من علم الكتاب: قد عذرت الناس بجهالتهم، فكيف اعذرك ؟ قال: لا تعذرني فلقد عرفت الشيطان الذي اخذ خاتمك وأباه وامه وخاله، و لقد قال لي اكتب لي، فقلت له: ان العلم لا يجري بالجور، فقال اجلس ولا تكتب، فكنت اجلس ولا اكتب شيئا، ولكن اخبرني عنك صرت تحب الهدهد وهو اخس الطير منتنا واخبثه ريحا، قال انه يبصر الماء من وراء الصفاء الاصم، فقال وكيف يبصر الماء من وراء الصفاء الأصم ؟ وانما يوارى عنه القمح بكف من التراب يأخذ رقبته، فقال سليمان: قف يا وقاف فانه إذا جاء القدر حال دون البصر.

[ 423 ]

أقول: هذه الرواية موافقة للعامة، فهي محمولة على التقية. والصحيح الوارد في الأخبار عن الصادق عليه السلام: انها لما عرضت على سليمان عليه السلام الخيل وفاته وقت الصلاة ردت عليه الشمس وشرع يتوضأ ويمسح بساقه وعنقه - يعني يتوضأ للصلاة هو و من معه - وإلا فالخيل لا ذنب لها، حتى يمسح سوقها واعناقها بالسيف. الفصل الثالث في قصته مع بلقيس وفيه نفش الغنم ووفاته عليه السلام (تفسير علي بن ابراهيم): كان سليمان عليه السلام إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير، فتظل الكرسي بجميع من عليه من الشمس، فغاب عنه الهدهد من بين الطير، فوقع الشمس من موضعه في حجر سليمان، فرفع رأسه وقال (ما لي لا أرى الهدهد...) الآيات. فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء الهدهد، فقال له سليمان: (اين كنت قال احطت بما لم تحط به) وحكى له قصة سبأ، فقال له سليمان: خذ الكتاب إليها. فجاء به و وضعه في حجرها، فارتاعت من ذلك، وجمعت جموعها وقالت لهم (اني القي إلي كتاب كريم - أي مختوم - انه من سليمان...) الآيات. وذكر الكتاب الى قولها ان كان نبيا من عند الله كما يدعي، فلا طاقة لنا به، ولكن سأبعث إليه بهدية، فان كان ملكا يميل الى الدنيا فيقبلها وعلمنا انه لا يقدر علينا. فبعثت إليه حقة فيها جوهرة عظيمة، وقالت للرسول: قل له تثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار. فأتاه الرسول بذلك، فأمر سليمان عليه السلام بعض جنوده، فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها واخرج الخيط من الجانب الآخر، وقال سليمان عليه السلام لرسولها: ما اتاني

[ 424 ]

الله خير مما آتاكم (بل انتم بهديتكم تفرحون * إرجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون). فرجع إليها الرسول فأخبرها بقوة سليمان، فعلمت انه لا محيص لها، فارتحلت وخرجت نحو سليمان. فلما اخبره الله: باقبالها نحوه، قال للجن والشياطين: (ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن انا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك) قال سليمان عليه السلام اريد اسرع فقال آصف: انا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك) فدعا الله بالاسم الأعظم. فخرج السرير من تحت كرسي سليمان، فقال سليمان: (نكروا لها عرشها - أي غيروه - نظر اتهتدي ام تكون من الذين لا يهتدون). فلما جاءت قيل: اهكذا عرشك ؟ قالت كأنه هو، وكان سليمان قد أمر ان يتخذ لها بيت من قوارير، و وضعه على الماء، ثم قيل لها: ادخلي الصرح فظنت انه ماء، فرفعت ثوبها وابدت ساقيها، فإذا عليها شعر كثير، فقيل لها انه صرح ممرد من قوارير (قالت رب إني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين). فتزوجها سليمان (ع) وقال للشياطين اتخذوا لها شيئا يذهب عنها هذا الشعر فعملوا الحمامات وطبخوا النورة. فالحمامات والنورة مما احدثه الشياطين لبلقيس، وكذا الأرحية التي تدور على الماء. وفي (الكافي) عن ابي الحسن الأول عليه السلام: ان الله ما بعث نبيا إلا ومحمد صلى الله عليه وآله اعلم منه. ثم قال: ان سليمان بن داود عليه السلام قال للهدهد حين فقده: (ما لي لا ارى الهدهد) ؟ فغضب لفقده، لأنه كان يدله على الماء، فهذا وهو طائر اعطي ما لم يعط سليمان فلم يكن سليمان عليه السلام يعرف الماء تحت الهواء - أي الارض - وكان الطير يعرفه، وان الله يقول في كتابه: (ولو ان قرآنا سيرت به الجبال أو

[ 425 ]

قطعت به الارض أو كلم به الموتى) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان ويحيى به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء - يعني الارض -. وعن ابي جعفر عليه السلام: ان إسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد، فتكلم به فخسف بالارض ما بينه وبين سرير بلقيس، حتى تناول السرير بيده، ثم عادت الارض كما كانت اسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الاسم الاعظم إثنان وسبعون حرفا، وحرف عند الله تبارك وتعالى إستأثر به في علم الغيب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وفيه عن ابي عبد الله عليه السلام: من أراد الاطلاء بالنورة فأخذ من النورة باصبعه فشمه وجعله على طرف انفه وقال: صلى الله على سليمان بن داود كما امرنا بالنورة، لم تحرقه النورة. و روى العياشي بالاسناد قال: قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه السلام كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير ؟ قال: لأن الهدهد يرى الماء في بطن الارض كما يرى احدكم الدهن في القارورة. فنظر أبو حنيفة الى اصحابه وضحك فقال أبو عبد الله عليه السلام ما يضحكك ؟ قال ظفرت بك جعلت فداك، قال و كيف ذلك ؟ قال الذي يرى الماء في بطن الارض لا يرى الفخ في التراب حتى يأخذ بعنقه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا نعمان أما علمت انه إذا نزل القدر اعشى البصر، وفي قوله: (لأعذبنه عذابا شديدا) أي انتف ريشه والقيه في الشمس. وعن ابن عباس: وقيل بان اجعله بين اضداده. أقول: ورد انه أمر بحبسه مع الحداة في قفص واحد. فلما اشكل الامر على الهدهد، لأن فيه عذابا روحانيا طلب من سليمان عليه السلام ان يعذبه بأشد عذاب الطيور ويخرجه من قفص الحداة. فسأل الطيور فقالوا العذاب الشديد عندنا ان ينتف ريشه الطيور بمناقيرها

[ 426 ]

ويبقى لحمه ملقاة حتى ينبت له الريش، فصبر على هذا العذاب واختاره على ذلك، لانه عذاب جسماني وذاك عذاب روحاني. قال أمين الاسلام الطبرسي: اختلف في الهدهد: فقيل: اهدت إليه وصيفا ووصائف البستهم لباسا واحدا، حتى لا يعرف الذكر من الانثى. عن ابن عباس: وقيل اهدت مائتي غلام ومائتي جارية، البست الغلمان لباس الجواري والبست الجواري لباس الغلمان. عن مجاهد، وقيل اهدت له صفائح الذهب في اوعية الديباج. فلما بلغ ذلك سليمان عليه السلام أمر الجن فزوقوا له الآجر بالذهب، ثم امر به فالقي في الطريق في كل مكان صغر في اعينهم ما جاؤا به. ولما كتبت نسخة الهدية كتبت فيها: إن كنت نبيا فميز بين الوصيف والوصائف واخبر بما في الحقة قبل ان تفتحها، و قالت للرسول انظر إذا دخلت إليه فان نظر اليك نظر غضب، فاعلم انه ملك فلا يهولنك امره، وإن نظر اليك نظر لطف فاعلم انه نبي مرسل. فانطلق الرسول بالهدايا واتى الهدهد الى سليمان مسرعا مخبرا له. ثم ان سليمان عليه السلام جمع الجن والانس والطيور، و وضع ميدانا، وذلك ان سليمان عليه السلام أمر الجن ان يبسطوا من موضعه الذي هو فيه الى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات من الذهب والفضة وان يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها من الذهب والفضة ففعلوا. ثم قال للجن علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير، فأقامهم عن يمين الميدان ويساره، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره و وضع له اربعة آلاف كرسي عن يمينه، و مثلها عن يساره، وامر الشياطين ان يصطفوا صفوفا فراسخ، وامر الانس فاصطفوا فراسخ، وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره فلما دنى القوم من الميدان ونظروا الى ملك سليمان عليه السلام

[ 427 ]

تقاصرت إليهم انفسهم ورموا بما عندهم من الهدايا. فلما وقعوا بين يدي سليمان، نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق وقال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم بما جاؤا به و اعطاه كتاب الملكة فنظر إليه وقال اين الحقة ؟ فأتى بها وحركها واخبره جبرائيل بما فيها، وقال ان فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزه مثقوبة معوجة الثقب. فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة وادخل الخيط في الخرزة فأرسل سليمان الى الارضه فجاءت فأخذت شعرة في فيها، فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر. ثم قال من لهذه الخرزة يسلكها الخيط ؟ فقالت دودة بيضاء انا لها يا رسول الله فثقبتها، ثم ميز بين الجواري والغلمان، بأن أمرهم ان يغسلوا وجوههم وايديهم فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية باحدى يديها ثم تجعله على اليد الاخرى ثم تضرب به الوجه، والغلام يأخذ من الآنية يضرب به وجهه، وكانت الجارية على باطن ساعدها، والغلام على ظاهر الساعد، وكانت الجارية تصب الماء صبا، وكان الماء يحدر على يده حدرا، فميز بينهم بذلك. وقيل: انها انفذت مع هداياها عصا كانت تتوارثها ملوك حمير وقالت أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها وبقدح قالت تملأه ماء ليس من الارض ولا من السماء فأرسل سليمان العصا الى الهواء وقال أي الرأسين سبق الى الارض فهو أصلها وأمر الخيل فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها، وقال هذا ليس من ماء الارض ولا من ماء السماء. فلما رجع الرسول وعلمت انه نبي، تأهبت للمسير إليه، واخبره جبرائيل (ع) فعند ذلك قال سليمان عليه السلام: (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن تسلم) فيحرم عليه اخذ مالها. وقيل: أراد ان يجعل دليلا ومعجزة على صدقه ونبوته، لانها خلفته في دارها و وكلت به ثقاة قومها يحفظونه ويحرسونه. وأما كيفية الاتيان به فذكر العلماء في ذلك وجوها. أحدهما - ان الملائكة حملته بأمر الله تعالى.

[ 428 ]

والثاني - ان الريح حملته. والثالث - ان الله تعالى خلق فيه حركات متوالية. والرابع - انما انحرف مكانه حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان عليه السلام. والخامس - ان الارض طويت له، وهو المروي عن ابي عبد الله عليه السلام. والسادس - انه اعدمه الله في موضعه وأعاده في مجلس سليمان عليه السلام. وفي تفسير العياشي عن الحسن العسكري عليه السلام انه سئل اكان سليمان عليه السلام محتاجا الى علم آصف بن برخيا، يعني حتى احضر له عرش بلقيس فقال عليه السلام: ان سليمان لم يعجز عن معرفة ما عرفه آصف، لكنه صلوات الله عليه أحب ان يعرف امته من الجن والانس انه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان عليه السلام اودعه آصف بأمر الله، ففهمه الله ذلك، لئلا يختلف في إمامته و دلالته كما فهم سليمان (ع) في حياة داود عليه السلام، لتعرف إمامته ونبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق. وفي (تفسير العسكري عليه السلام): ان سليمان لما سار من مكة ونزل باليمن قال الهدهد: ان سليمان (ع) قد إشتغل بالنزول، فأرتفع نحو السماء فانظر الى طول الدنيا وعرضها ففعل ذلك ونظر يمينا وشمالا، فرأى بستانا لبلقيس فمال الى الخضرة فوقع فيه، فإذا هو بهدهد فهبط عليه، وكان اسم هدهد سليمان عليه السلام يعفور واسم هدهد اليمن عنقير، فقال عنقير ليعفور من أين اقبلت ؟ واين تريد ؟ قال اقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود عليهم السلام قال ومن سليمان بن داود ؟ قال ملك الجن والانس و الطير والوحوش والشياطين والرياح، فمن اين انت ؟ قال انا من هذه البلاد قال ومن ملكها ؟ قال امرأة يقال لها بلقيس وان لصاحبكم سليمان ملكا عظيما، وليس ملك بلقيس دونه، فانها ملكة اليمن، وتحت يدها اثنى عشر الف قائد فهل انت منطلق معي ؟ حتى تنظر الى ملكها ؟ قال اخاف ان يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج الى الماء، قال الهدهد اليماني ان صاحبك ليسره ان تأتيه بخبر هذه الملكة.

[ 429 ]

فانطلق معه ونظر الى بلقيس وملكها، وما رجع الى سليمان إلا وقت العصر. فلما طلبه سليمان فلم يجده دعا عريف الطيور. وهو النسر فسأله عنه فقال ما ادري اين هو، وما ارسلته مكانا، ثم دعا بالعقاب فقال علي بالهدهد فارتفع فإذا هو بالهدهد مقبلا، فانقض نحوه فناشده الهدهد: بحق الله الذي قواك وغلبك علي، إلا ما رحمتني ولم تعرض لي بسوء فولى عنه العقاب و قال له ويلك ثكلتك امك، ان نبي الله حلف ان يعذبك أو يذبحك. ثم طارا متوجهين الى سليمان عليه السلام. فلما انتهى الى المعسكر تلقته النسر والطير، فقالوا: توعدك نبي الله، فقال الهدهد: أو ما استثنى نبي الله ؟ فقالوا بلى (أو ليأتيني بسلطان مبين). فلما أتيا سليمان وهو قاعد على كرسيه، قال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وارخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الارض تواضعا لسليمان عليه السلام، فأخذ برأسه فمده إليه، فقال اين كنت ؟ فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى فارتعد سليمان عليه السلام وعفى عنه. (التهذيب) عن ابي بصير قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم) فقال: لا يكون النفش إلا بالليل، ان على صاحب الحرث ان يحفظ الحرث بالنهار، وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار، انما رعيها وإرزاقها بالنهار، فما افسدت فليس عليها، وعلى صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث النهار فما افسدت بالليل فقد ضمنوا. وان داود عليه السلام حكم للذي اصاب زرعه رقاب الغنم، وحكم سليمان اللبن والصوف في ذلك العام. وفيه عنه عليه السلام قال له أبو بصير: قول الله عز وجل: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) قلت حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة فقال: انه كان اوحى الله عز وجل الى النبيين قبل داود (ع) الى ان بعث داود (ع) أي غنم فنفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم، ولا يكون النفش إلا بالليل،

[ 430 ]

وان على صاحب الزرع ان يحفظ بالنهار، وعلى صاحب الغنم حفظ الغنم بالليل. فحكم داود عليه السلام بما حكمت به الانبياء عليهم السلام من قبله. وأوحى الله تعالى الى سليمان: أي غنم نفشت في الزرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها، و كذلك جرت السنة بعد سليمان عليه السلام، وهو قول الله عز وجل (وكلا آتيناه حكما وعلما) فحكم كل واحد منهما بحكم الله عز وجل. (تفسير علي بن ابراهيم) عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل رجل كان له كرم ونفشت فيه غنم لرجل بالليل وقضمته وافسدته فجاء صاحب الكرم الى داود (ع) فاستدعى على صاحب الغنم فقال داود (ع) اذهب الى سليمان (ع) ليحكم بينكما. فقال سليمان (ع): إن كانت الغنم اكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم ان يدفع الى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها، وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل فانه يدفع ولدها الى صاحب الكرم. وكان هذا حكم داود وانما اراد ان تعرف بني اسرائيل ان سليمان (ع) وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم، ولو اختلف حكمهما لقال (كنا لحكمهما شاهدين). (الكافي) عن معاوية بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ان الامامة عهد من الله عز وجل معهوده لرجال مسمين، ليس للامام ان يزويها عن الذي يكون من بعده ان الله تبارك وتعالى اوحى الى داود عليه السلام: ان اتخذ وصيا من اهلك فانه قد سبق في علمي ان لا ابعث نبيا إلا و له وصي من اهله. وكان لداود (ع) عدة اولاد فيهم غلام كانت امه ضد داود عليه السلام وكان لها محبا، فدخل داود عليه السلام عليها حين اتاه الوحي، فقال لها: ان الله عز وجل اوحى إلي: ان اتخذ وصيا من اهلي فقالت له امرأته: فليكن إبني قال ذاك اريد. وكان السابق في علم الله المحتوم: انه سليمان (ع). فأوحى الله تعالى الى داود (ع): ان لا تعجل، دون ان يأتيك امري. فلم يلبث ان ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله تعالى الى داود عليه السلام: ان اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب، فهو وصيك

[ 431 ]

من بعدك. فجمع داود (ع) ولده، فلما ان قضى الخصمان قال سليمان (ع): يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك ؟ قال دخلته ليلا، قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك واصوافها في عامك. ثم قال له داود (ع): فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني اسرائيل ؟ فكان ثمن الكرم قيمة الغنم، فقال سليمان: ان الكرم لم يحنث من اصله وانما اكل حمله وهو عائدا في قابل. فأوحى الله عز وجل الى داود عليه السلام: ان القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به، يا داود اردت امرا واردنا غيره. فدخل داود (ع) على امرأته فقال لها اردنا امرا واراد الله غيره، ولم يكن إلا ما اراد الله عز وجل، و سلمنا. وكذلك الأوصياء عليهم السلام ليس لهم ان يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزون صاحبهم الى غيره. يقول مؤلف هذا الكتاب ايده الله تعالى: الأخبار الواردة في هذه القضية من التعارض وذلك ان بعضها دال على اختلاف حكمي داود و سليمان عليهما السلام وبعضهم دال على اتحاد الحكم، ويمكن الجمع بوجوه: الأول - حمل ما دل على الاختلاف في الحكم على التقية، كما قاله بعض اهل الحديث، لانطباقه على اقوال العامة من جواز الاجتهاد على الأنبياء عليهم السلام وبطلانه لا يحتاج الى البيان. الثاني - حمل الحكم الذي تكلم به سليمان، على انه ناسخ لحكم داود، كما تقدم في الحديث، وبه قال جماعة من علمائنا وكثير من المعتزلة. وما يرد عليه من النسخ انما يكون في شرايع اولي العزم لمن تقدم عليهم. فجوابه: ان مثل هذه الامور الجزئية يجوز وقوع النسخ فيها في كل الشرايع كما قاله بعض علمائنا رضوان الله عليهم. الثالث ان الحكم الذي كان عند داود (ع) هو حكم من تقدمه من

[ 432 ]

الانبياء عليهم السلام، ولهذا احاله على الانبياء والعلماء. وأما داود فلم تقع له هذه المسألة الى ذلك الوقت، ولما فهمها الله سبحانه سليمان كان ذلك الوحي بذلك الحكم لداود وسليمان عليهما السلام فحكمهما واحد، ولكنه مغاير لما أوحى الله سبحانه الى الانبياء المتقدمين، وعليه كان عمل الانبياء والعلماء الى عصر داود (ع). والوجه الرابع - يستفاد من الحديث الذي رواه الثقة علي بن ابراهيم، وقد تقدم. (علل الشرايع و عيون الاخبار) مسندا الى الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضا (ع) قال سليمان بن داود (ع) قال ذات يوم لاصحابه: ان الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، سخر لي الريح والجن والانس والطير والوحوش وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شيء، ومع جميع ما اوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم الى الليل، وقد احببت ان ادخل قصري في غد فأصعد اعلاه وانظر الى ممالكي، فلا تأذنوا لأحد علي لئلا ينغص علي يومي قالوا نعم. فلما كان من الغد، اخذ عصاه بيده وصعد الى اعلى موضع من قصره ووقف متكئا على عصاه ينظر الى ممالكه مسرورا بما اوتي فرحا بما اعطي. إذ نظر الى شاب حسن الوجه واللباس خرج عليه من زوايا قصره، فلما ابصر به سليمان عليه السلام قال له: من أدخلك هذا القصر ؟ وقد اردت ان اخلو فيه اليوم، فباذن من دخلت ؟ فقال الشاب: أدخلني هذا القصر ربه وباذنه دخلت فقال: ربه احق به مني، فمن انت ؟ قال: انا ملك الموت، قال وفيم جئت ؟ قال: جئت لأقبض روحك، فقال: إمض لما امرت به، فهذا يوم سروري، وابى الله عز وجل ان يكون لي سرور دون لقائه. فقبض ملك الموت روحه وهو متكىء على عصاه. فبقى سليمان عليه السلام متكئا على عصاه و هو ميت ما شاء الله، والناس

[ 433 ]

ينظرون إليه وهم يقدرون انه حي، فافتتنوا فيه واختلفوا. فمنهم من قال: ان سليمان (ع) قد بقي متكئا على عصاه، هذه المدة الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب، انه لربنا الذي يجب ان نعبده وقال قوم: ان سليمان (ع) ساحر وانه يرينا انه واقف متكىء على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك. وقال المؤمنون: ان سليمان (ع) هو عبد الله ونبيه، يدبر الله أمره بما شاء. فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الأرضة في عصاه، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان (عليه السلام) من قصره على وجهه، فشكرت الجن للأرضة صنيعها، لأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا وعندها ماء وطين. وذلك قول الله عز وجل: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته - يعني عصاه - فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون ما لبثوا في العذاب المهين). ثم قال الصادق عليه السلام: والله ما نزلت هذه الآية هكذا، وإنما نزلت: (فلما تبينت الانس ان الجن لو كانوا يعلمون ما لبثوا في العذاب المهين). أقول: هذه القراءة نسبها صاحب الكشاف الى انها قراءة ابن مسعود. (علل الشرايع) باسناده الى ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال: أمر سليمان بن داود الجن، فصنعوا له قبة من قوارير فبينما هو متكىء على عصاه في القبة ينظر الى الجن كيف يعملون وهو ينظر، إذ جاءت منه إلتفاتة، فإذا رجل معه في القبة، قال: من أنت ؟ قال: الذي لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك أنا ملك الموت. فقبضه وهو قائم متكىء على عصاه في القبة والجن ينظرون إليه، فمكثوا سنة يدأبون حوله حتى بعث الله الأرضة... الحديث. و عنه عليه السلام: انه لما هلك سليمان (ع) وضع ابليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، ومن أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا ثم

[ 434 ]

دفنه تحت السرير، ثم أخرجه لهم فقرأه. فقال الكافرون ما كان سليمان يغلبنا إلا بهذا. وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيه. فقال جل ذكره: (واتبعوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر). أقول: و روي في السبب الذي لأجله اضافت الكفار من اليهود وغيرهم السحر الى سليمان عليه السلام. وذلك انه قد كتب السحر ووضعها في خزائنه. وقيل: كتمها تحت كرسي لئلا يطلع الناس عليها و لا يعلمون بها. فلما مات سليمان عليه السلام استخرجت السحرة تلك الكتب، وقالوا: إنما تم ملك سليمان عليه السلام بالسحر، وزينوا السحر في أعين الناس بالنسبة الى سليمان وشاع ذلك في اليهود فقبلوه، لعداوتهم لسليمان وعلموه الناس وجرى بينهم. (القصص) للراوندي باسناده الى ابي عبد الله (ع) قال: ان الله تعالى أوحى الى سليمان (ع): ان آية موتك ان شجرة تخرج في بيت المقدس يقال لها الخرنوبة، فنظر سليمان (ع) يوما الى الخرنوبة قد طلعت في بيت المقدس، فقال سليمان (ع): ما اسمك ؟ قالت: الخرنوبة، فولى مدبرا الى محرابه، حتى قام متكئا على عصاه، فقبضه الله من ساعته. وفي حديث آخر: انه (ع) سأل الشجرة ما اسمك ؟ قالت: الخرنوبة قال: لأي شيء انت ؟ قالت: للخراب، فعلم انه سيموت، فقال: اللهم اعم على الجن موتي ليعلم الانس انهم لا يعلمون الغيب، وقد كان قد بقي من بناء بيت المقدس سنة وقال لأهله: لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بنائه ودخل محرابه وقام متكئا على عصاه فمات، وبقى سنة، وتم البناء ثم سلط الله على منسأته الأرضة. وكان آصف يدبر أمره في تلك المدة. وعنه (ع) قال: قالت بنو اسرائيل لسليمان عليه السلام: إستخلف علينا ابنك، فقال: لا يصلح لذلك، فألحوا عليه، فقال: اني اسأله عن مسائل فان

[ 435 ]

أحسن الجواب فيها استخلفه، ثم سأله فقال: يا بني ما طعم الماء ؟ وطعم الخبز ؟ وبأي شيء ضعف الصوت وشدته ؟ وأين موضع العقل من البدن ؟ ومن أي شيء القساوة والرقة ؟ ومم تعب البدن ودعته ؟ ومم تكسب البدن وحرمانه ؟ فلم يجبه بشيء. فقال أبو عبد الله: طعم الماء الحياة وطعم الخبز القوة وضعف الصوت وشدته من لحم الكليتين وموضع العقل الدماغ، ألا ترى ان الرجل إذا كان قليل العقل قيل له ما أخف دماغه، والقسوة والرقة من القلب وهو قوله: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) وتعب البدن ودعته من القدمين إذا تعبا في المشي يتعب البدن وإذا أودعا اودع البدن وكسب البدن وحرمانه من اليدين إذا عمل بهما ردتا على البدن وإذا لم يعمل بهما لم يردا على البدن شيئا. باب في قصة قوم سبأ وأهل الثرثار وقصة اصحاب الرس وحنظلة وقصة شعيا وحيقوق (المحاسن) باسناده الى عمرو بن شمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لألحسن اصابعي من المأدم حتى اخاف ان يرى خادمي ان ذلك من جشع، وليس كذلك. ان قوما ما افرغت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار، فعمدوا الى مخ الحنطة فجعلوه خبزا ينجون به صبيانهم، حتى اجتمع من ذلك جبل. قال: فمر رجل صالح على امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها فقال: ويحكم

[ 436 ]

اتقوا الله لا يغير ما بكم من نعمة، فقالت: كأنك تخوفنا بالجوع ما دام ثرثارنا يجري فانا لا نخاف الجوع. قال: فأسف الله عز وجل وضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء ونبت الارض. قال: فاحتاجوا الى ما في ايديهم فأكلوه، فاحتاجوا الى ذلك الجبل. قال: كان ليقسم بينهم بالميزان. (الكافي) عن سدير قال: سأل رجل ابا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل: (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا انفسهم) فقال: هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم الى بعض وانهار جارية وأموال ظاهرة، فكفروا بأنعم الله وغيروا ما بأنفسهم، فأرسل الله عليهم العرم، فغرق قراهم و خرب ديارهم وأبدلهم مكان جناتهم جنتين ذواتي اكل خمط واثل وشيء من سدر قليل، جزاء بكفرهم. أقول: هؤلاء هم اهل سبأ الذين قص الله سبحانه قصتهم في القرآن و كان يجر الى اليمن، ثم أمر سليمان جنوده ان يجروا لهم خليجا من البحر العذب، ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم و جعلوا للخليج مجاري، وكانوا إذا أرادوا ان يرسلوا الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه وكانت جنات مسيرة عشرة أيام فمن يمر لا تقع عليه الشمس من إلتفاف أغصانها، وكان من كثرة النعم ان المرأة كانت تمشي والمكتل على رأسها، فيمتلىء بالفواكه من غير ان يمس يدها شيئا، ولم يكن في قريتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب و لاحية، وكانت قراهم ثلاث عشرة قرية، في كل قرية نبي يدعوهم الى الله فلم يقبلوا دعاء الأنبياء الى الله. فأرسل الله عليهم سيل العرم، وذلك ان الماء كان يأتي ارض سبأ من اودية اليمن، وكان هناك جبلان يجتمع ماء المطر والسيول بينهما، فسدوا ما بين الجبلين، فإذا احتاجوا الى الماء نقبوا السد بقدر فيسقون زروعهم وبساتينهم. فلما كذبوا الرسل بعث الله جرذا نقب ذلك الردم وفاض الماء عليهم فأغرقهم. وقيل: ان ذلك السد ضربته لهم بلقيس، ثم بدل الله جناتهم بجنات فيها ام غيلان وأثل - وهو نوع من الطرفا وشيء من السدر -.

[ 437 ]

(وروى الكلبي) عن ابي صالح قال: ألقت طريفة الكاهنة إلى ابي عامر الذي يقال له: ابن ماء السماء، وكانت قد رأت في كهانتها ان سد مأرب سيخرب وانه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنات. فباع ابن عامر أمواله وسار هو وقومه الى مكة، فأقاموا بها وما حولها فأصابهم الحمى، و كانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى، فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي اصابهم، فقالت لهم قد أصابني الذي تشكون وهو مفرق مفرق بيننا. فقالوا فماذا تأمرين ؟ قالت من كان منهم ذا هم بعيد وجمل شديد وزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد فكانت ازد عمان، ومن كان منكم ذا جلد وقسر وصبر على ازمات الدهر، فعليه بالاراك من بطن مر، فكانت خزاعة، ومن منكم يريد الراسيات الرحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل، فكانت الاوس والخزرج، ومن كان يريد الخمر والخمير والملك والتأمير وملابس التاج والحرير فليلحق ببصرى وعوير - وهما من ارض الشام - وكان الذين سكنوها آل جفنة بن غسان، ومن كان منكم يريد الثياب الرقاق والخيل العتاق وكنوز الارزاق والدم المراق فليلحق بأرض العراق، وكان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش، ومن كان بالحيرة آل محرق. وأما قصة أصحاب الرس الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن) فروي في (علل الشرايع، وعيون الاخبار) باسناده الى الهروي عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: سأل ابي علي بن أبي طالب (ع) قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له عمرو، يا أمير المؤمنين اخبرني عن اصحاب الرس في اي عصر كانوا ؟ و أين كانت منازلهم ؟ ومن كان ملكهم ؟ وهل بعث الله عز وجل إليهم رسولا ؟ وبماذا اهلكوا ؟ فقال عليه السلام: لقد سألت عن حديث ما سألني عنه احد قبلك و لا يحدثك احد بعدي إلا عني، وما في كتاب الله عز وجل آية إلا وأنا أعرف بتفسيرها وفي أي مكان نزلت من سهل أو جبل

[ 438 ]

وفي أي وقت من ليل أو نهار، وان هاهنا لعلما جما - و أشار الى صدره - ولكن طلابه قليل، وعن قليل يندمون لو فقدوني. كان من قصتهم يا أخا تميم: انهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر، يقال لها (شاهدرخت) كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها (روشنا آب). وانما سموا اصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الارض، وذلك بعد سليمان (ع) وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرس من بلاد المشرق، وبهم سمي النهر، ولم يكن يومئذ في الارض نهر أغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى اكثر ولا أعمر منها، و ذكر عليه السلام أسماءها، وكان اعظم مداينهم اسفندار وهي التي ينزلها ملكهم، وكان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن ساذن بن نمروذ بن كنعان فرعون ابراهيم (ع)، وبها العين الصنوبرة وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة وأجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة، فنبتت الحبة وصارت شجرة عظيمة وحرموا ماء العين والانهار، فلا يشربون منها ولا انعامهم، ومن فعل ذلك قتلوه، ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد ان ينقص من حياتنا ويشربون هم وأنعامهم من نهم الرس الذي عليه قراهم، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه اهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة من حرير فيها من أنواع الصور ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة، و يشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء وحال بينهم وبين النظر الى السماء خروا سجدا يبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم. فكان الشيطان يجىء فيحرك اغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي ان قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا وقروا عينا. فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ويأخذون الدستبند - يعني الصنج - فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون وسمت العجم شهورها اشتقاقا من تلك القرى. حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم فضربوا عند

[ 439 ]

الصنوبره والعين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور وجعلوا له اثنا عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم. فيجيء ابليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها فيحركون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يعيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف فيكونون على ذلك اثنا عشر يوما لياليها بعدد اعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون. فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره، بعث الله نبيا من بني اسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم الى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته، فلا يتبعونه. فلما رأى شدة تماديهم في الغي وحضر عيد قريتهم العظمى، قال: يا رب ان عبادك أبوا إلا تكذيبي وغدوا يعبدون شجرة لا تضر ولا تنفع، فأيبس شجرهم اجمع وأرهم قدرتك وسلطانك. فأصبح القوم وقد أيبس شجرهم كلها، فهالهم ذلك، فصاروا فرقتين، فرقة قالت: سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم انه رسول رب السماء والارض اليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم الى إلهه. وفرقة قالت: لا، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويدعوكم الى عبادة غيرها فحجب حسنها وبهاؤها لكي تغضبوا لها. فتنصروا منه وأجمع رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب طوالا مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم، وألقموا فاها صخرة عظيمة، ثم اخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا: نرجو الآن ان ترضى عنا آلهتنا إذا رأت إنا قد قتلنا من يقع فيها ويصد عن عبادتها ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان. فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام وهو يقول: سيدي قد

[ 440 ]

ترى ضيق مكاني وشدة كربي، فارحم ضعف ركني، وقلة حيلتي، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي، حتى مات. فقال الله جل جلاله لجبرئيل عليه السلام: أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وآمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي ان يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي، واني حلفت بعزتي لأجعلنهم نكالا وعبرة للعالمين. فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديد الحمرة، فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض، ثم صارت الارض من تحتهم حجر كبريت يتوقد و أظلتهم سحابة سوداء، فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب، فذابت ابدانهم كما يذوب الرصاص بالنار. فنعوذ بالله تعالى من غضبه ونزول نقمته ولا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم (تفسير علي بن ابراهيم): أصحاب الرس هم الذين هلكوا، لانهم استغنوا الرجال بالرجال والنساء بالنساء. (قصص الراوندي) باسناده الى يعقوب بن ابراهيم قال: سأل رجل ابا الحسن عليه السلام عن اصحاب الرس الذين ذكرهم الله من هم ؟ و أي قوم كانوا ؟ فقال: كانا رسولين، أما احدهما فليس الذي ذكره الله في كتابه. كان اهله أهل بدو واصحاب شاة وغنم، فبعث الله إليهم صالح النبي رسولا، فقتلوه، وبعث إليهم رسولا آخر وعضده بولي، فقتلوا الرسول وجاهدوا الولي حتى قمحهم، وكانوا يقولون إلهنا في البحر وكانوا على شفيره، وكان لهم عيد في السنة، يخرج حوت عظيم من البحر في ذلك اليوم فيسجدون له. فقال ولي صالح: لا اريد ان تجعلوني ربا، ولكن هل تجيبوني الى ما دعوتكم ان أطاعني ذلك الحوت ؟ فقالوا نعم وأعطوه عهودا ومواثيق. فخرج حوت راكبا على اربعة احوات، فلما نظروا إليه خروا سجدا فخرج ولي صالح النبي إليه وقال له: ائتني طوعا أو كرها بسم الله الكريم، فنزل أحواته

[ 441 ]

فقال الولي: اتيني عليهن لئلا يكون من القوم في أمري شك، فأتى الحوت الى البر يجرها وتجره الى عند ولي صالح، فكذبوه بعد ذلك. فأرسل الله عليهم ريحا فقذفتهم في البحر ومواشيهم، فأتى الوحي الى ولي صالح بموضع ذلك البئر وفيها الذهب والفضة فانطلق فأخذه ففضه على اصحابه بالسوية وأما الذين ذكرهم الله في كتابه فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرس، وكان فيهم انبياء كثيرة، وكانوا يعبدون الصلبان فبعث الله إليهم ثلاثين نبيا في مشهد واحد فقتلوهم جميعا. ثم ذكر القصة السابعة. وفي كتاب (العرائس): أهل الرس كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان وكان بأرضهم جبل يقال له فتح مصعدا في السماء سيلا، وكانت العنقاء تتشابه وهي اعظم ما يكون من الطير وفيها من كل لون. وسموها العنقاء لطول عنقها وكانت تكون في ذلك الجبل تنقض على الطير تأكل، فجاعت ذات يوم، فاعوزها الطير، فانقضت على صبي فذهبت به، ثم انها انقضت على جارية فأخذتها فضمتها الى جناحين لها صغيرين سوى الجناحين الكبيرين. فشكوا الى نبيهم، فقال: اللهم خذها واقطع نسلها فأصابتها صاعقة فاحترقت فلم ير لها أثر، فضربتها العرب مثلا في اشعارها وحكمها وامثالها. ثم ان اصحاب الرس قتلوا نبيهم، فأهلكهم الله تعالى، وبقى نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها احد. ثم أتى الله بقرن بعد ذلك فنزلوها، وكانوا صالحين سنين، ثم احدثوا فاحشة جعل الرجل يدعو ابنته واخته وزوجته فيعطيها جاره واخاه وصديقه يلتمس بذلك البر والصلة. ثم ارتفعوا من ذلك الى نوع اخزى، ترك الرجال النساء حتى شبقن واستغنوا بالرجال، فجاءت شيطانهن في صورة امرأة وهي الدلهات كانت في بيضة واحدة فشهت الى النساء ركوب بعضهن بعضا وعلمتهن كيف يضعن، فاصل ركوب النساء بعضهن بعضا من الدلهات. فسلط الله على ذلك القرن صاعقة في اول الليل وخسفا في آخر الليل وخسفا

[ 442 ]

مع الشمس، فلم يبق منهم باقية وبادت مساكنهم، واحسبها اليوم لا تسكن. وأما قصة شعيا ففي (قصص الراوندي) طاب ثراه باسناده الى الباقر (ع) قال: قال علي عليه السلام أوحى الله تعالى جلت قدرته الى شعيا عليه السلام: (اني مهلك من قومك مائة الف اربعين الفا من شرارهم وستين الفا من خيارهم. فقال عليه السلام: هؤلاء الاشرار فما بال الأخيار ؟ فقال: داهنوا اهل المعاصي، فلم يغضبوا لغضبي. وفيه عن وهب بن منبه قال: كان في بني اسرائيل ملك في زمان شعيا وهم تابعون مطيعون لله. ثم انهم ابتدعوا البدع فأتاهم ملك بابل، وكان نبيهم يخبرهم بغضب الله عليهم. فلما نظروا الى ما لا قبل به من الجنود، تابوا وتضرعوا، فأوحى الله تعالى الى شعيا عليه السلام: اني قبلت توبتهم لصلاح آبائهم، وملكهم كانت له قرحة بساقه وكان عبدا صالحا. فأوحى الله تعالى الى شعيا (ع): ان مر ملك بني اسرائيل فليوص وصيه وليستخلف على بني اسرائيل من أهل بيته فاني قابضه يوم كذا فليعهد عهده. فأخبره شعيا عليه السلام برسالته تعالى عز وعلا. فلما قال له ذلك، أقبل على التضرع والدعاء والبكاء فقال: اللهم إبتدأتني بالخير من أول يوم وسببته لي، وانت فيما استقبل رجائي وثقتي، فلا الحمد بلا عمل صالح سلف مني، وانت اعلم مني بنفسي أسألك ان تؤخر عني الموت وتنسيء لي عمري وتستعملني بما تحب وترضى. فأوحى الله تعالى الى شعيا عليه السلام: اني رحمت تضرعه واستجبت دعوته و قد زدت في عمره خمس عشرة سنة، فمره فليداوي قرحته بماء الطين، فاني قد جعلته شفاء مما هو فيه، واني قد كفيته وبني اسرائيل مؤنة عدوهم. فلما اصبحوا وجدوا جنود ملك بابل مصروعين في عسكرهم موتى لم يفلت

[ 443 ]

منهم أحد إلا ملكهم وخمسة نفر. فلما نظروا الى اصحابهم وما اصابهم، كروا منهزمين الى أرض بابل، وثبت بنو اسرائيل متوازرين على الخير. فلما مات ملكهم ابتدعوا البدع ودعا كل نفسه، وشعيا يأمرهم وينهاهم فلا يقبلون حتى يهلكهم الله. وقال صاحب (الكامل) قيل: ان شعيا اوحى الله إليه: ليقوم في بني اسرائيل يذكرهم بما يوحى على لسانه لما كثرت فيهم الاحداث ففعل فعدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم، فلقيته شجرة عظيمة فانفلقت له فدخلها، واخذ الشيطان بهدب ثوبه وأراه بني اسرائيل، فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها، حتى قطعوها في وسطها. (كتاب التوحيد) عن الحسن بن محمد النوفلي عن الرضا عليه السلام فيما إحتج على ارباب الملل، قال (ع) للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا ؟ قال اعرفه حرفا حرفا، فقال له: ولرأس الجالوت اتعرفان هذا من كلامه يا قوم اني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوءه مثل ضوء القمر، فقالا قد قال ذلك شعيا. ثم قال (ع) وقال شعيا النبي (ع) فيما تقول انت واصحابك في التوراة: رأيت راكبين أضاء لهما الارض، أحدهما على حمار والآخر على جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل ؟ قال رأس الجالوت: لا اعرفهما، فخبرني بهما قال: أما راكب الحمار فعيسى (ع) واما راكب الجمل فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم اتنكر هذا من التوراة ؟ قال لا ما انكره. ثم قال الرضا (ع): هل تعرف حبقوق النبي عليه السلام ؟ قال نعم اني به لعارف، قال: وكتابكم ينطق ما جاء الله بالبيان من جبل فاران وامتلأ السماوات من تسبيح احمد (ص) وامته يحمل خيله في البر يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس - يعني بالكتاب القرآن - اتعرف هذا وتؤمن به ؟ قال رأس الجالوت قد قال ذلك حبقوق ولا ننكره.

[ 444 ]

باب فيه قصص زكريا ويحيى عليهما السلام (عيون الأخبار) عن الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا عليه السلام في اول يوم من المحرم فقال: يا ابن شبيب أصائم أنت ؟ فقلت لا، فقال: ان هذا اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام فقال: (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء) فاستجاب الله وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب (ان الله يبشرك بيحيى) فمن صام هذا اليوم ودعا الله عز وجل، إستجاب الله له كما إستجاب لزكريا عليه السلام. (الكافي) عن ابي حمزه عن ابي جعفر عليه السلام قال قلت ما عنى الله تعالى بقوله في يحيى: (وحنانا من لدنا وزكاة) قال فما بلغ من تحنن الله عليه ؟ قال: إذا قال: يا رب، قال الله عز وجل: لبيك يا يحيى. (الأمالي) باسناده الى النبي (ص) قال: كان من زهد يحيى بن زكريا (ع) انه أتى بيت المقدس فنظر الى المجتهدين من الأحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر وبرانس الصوف وإذا هم خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها الى سواري المسجد. فلما نظر الى ذلك، أتى الى امه، فقال: يا اماه إنسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا من صوف حتى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الأحبار و الرهبان فقالت له امه حتى يأذن نبي الله و أوامره في ذلك، فدخل بمقالة يحيى، فقال زكريا: يا بني ما يدعوك الى هذا وإنما أنت صبي صغير ؟ فقال له يا أبت أما رأيت من هو اصغر

[ 445 ]

سنا مني قد ذاق الموت ؟ قال بلى، ثم قال لامه انسجي له مدرعة من شعر وبرنسا من صوف، ففعلت. فتدرع المدرعة على بدنه و وضع البرنس على رأسه، ثم اتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عز وجل مع الاحبار، حتى اكلت مدرعة الشعر لحمه. فنظر ذات يوم الى ما قد نحل من جسمه، فبكى، فأوحى الله تعالى: يا يحيى أتبكي مما قد نحل من جسمك، وعزتي وجلالي لو إطلعت على النار إطلاعة، لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج، فبكى حتى اكلت الدموع لحم خديه، وبدا للناظرين أضراسه. فبلغ ذلك امه، فدخلت عليه وأقبل زكريا واجتمع الاحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال ما شعرت بذلك، فقال زكريا: يا بني ما يدعوك الى هذا انما سألت ربي ان يهبك لي لتقر بك عيني ؟ قال انت امرتني بذلك يا ابة، قال ومتى ذلك يا بني ؟ قال: الست القائل: ان بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله ؟ قال بلى، فجد واجتهد وشأنك غير شأني. فقام يحيى فنفض مدرعته، فأخذته امه فقالت: أتأذن لي يا بني ان اتخذ لك قطعتي لبود يواريان أضراسك وينشفان دموعك ؟ فقال لها: شأنك. فاتخذت له قطعتي لبود يوريان أضراسه وتنشفان دموعه، حتى إبتلتا من دموع عينيه، فحسر عن ذراعيه، ثم اخذهما فعصرهما فتحدر الدموع بين أصابعه. فنظر زكريا الى ابنه والى دموع عينيه، فرفع رأسه الى السماء وقال: اللهم ان هذا ابني وهذه دموع عينيه وانت أرحم الراحمين. وكان زكريا عليه السلام إذا أراد أن يعظ بنى اسرائيل يلتفت يمينا و شمالا فان رأى يحيى لم يذكر جنة ولا نارا. فجلس ذات يوم يعظ بني اسرائيل، واقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة، فجلس في غمار الناس، وإلتفت زكريا يمينا وشمالا فلم ير يحيى، فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل عن الله تبارك وتعالى: ان في جهنم جبلا يقال له السكران

[ 446 ]

في اصل ذلك الجبل واديا يقال له الغضبان، يغضب لغضب الرحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام في ذلك الجب توابيت من نار في تلك التوابيت صناديق من نار وثياب من نار وسلاسل من نار وأغلال من نار. فرفع يحيى (ع) رأسه فقال: وا غفلتاه من السكران، ثم أقبل هائما على وجهه فقام زكريا من مجلسه ودخل على ام يحيى فقال لها: يا ام يحيى قومي فاطلبي يحيى فاني قد تخوفت ان لا نراه إلا وقد ذاق الموت، فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني اسرائيل فقالوا لها يا ام يحيى اين تريدين ؟ قالت ان اطلب ولدي يحيى ذكرت النار بين يديه، فهام على وجهه. فمضت ام يحيى والفتية معها، حتى مرت براعي غنم، فقالت له: يا راعي هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا ؟ فقال لها لعلك تطلبين يحيى بن زكريا ؟ قالت نعم ذاك ولدي، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فقال اني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا ناقعا على قدميه في الماء رافعا بصره الى السماء يقول: وعزتك يا مولاي لا ذقت بارد الشراب حتى انظر الى منزلتي منك. و اقبلت امه، فلما رأته دنت منه فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها وهي تناشده بالله ان ينطلق معها الى المنزل، فانطلق معها الى المنزل. فقالت: هل لك ان تخلع مدرعة الشعر ؟ وتلبس مدرعة الصوف فانه ألين، ففعل، وطبخ له عدس فأكل واستوفى، فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته. فنودي في منامه: يا يحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري، فاستيقظ فقام فقال: يا رب اقلني عثرتي إلهي فو عزتك لا استظل بظل سوى بيت المقدس، وقال لامه: ناوليني مدرعة الشعر فقد علمت انكما ستورداني المهالك، فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به فقال لها زكريا: يا ام يحيى دعيه فان ولدي قد كشف عن قناع قلبه و لن ينتفع بالعيش. فقام يحيى فلبس مدرعته و وضع البرنس على رأسه، ثم اتى بيت المقدس فجعل يعبد الله عز وجل مع الأحبار حتى كان من امره ما كان. وعن مير المؤمنين عليه السلام: ما بكت

[ 447 ]

السماء والأرض إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهم السلام. وقد اختلف فيه، لم سمي يحيى. فقيل: لأن الله احيى به عقر امه، عن ابن عباس. وقيل: لأن الله سبحانه أحياه بالايمان. أو ان الله سبحانه احيى قلبه بالنبوة، ولم يسم احد قبله بيحيى. (عيون الأخبار) عن ياسر الخادم قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ان أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يلد فيخرج من بطن امه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة واهلها، ويوم يبعث فيرى احكاما لم يرها في دار الدنيا، و قد سلم الله يحيى (ع) في هذه الثلاثة المواطن، وآمن روعته فقال: (سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا). وقد سلم الله عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال: (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا) (الأمالي) عن الرضا عليه السلام: ان ابليس كان يأتي الانبياء عليهم السلام من لدن آدم عليه السلام الى ان بعث الله المسيح عليه السلام يتحدث عندهم ويسائلهم ولم يكن بأحد منهم أشد بأسا منه بيحيى بن زكريا عليه السلام. فقال له يحيى (ع): يا ابا مرة ان لي اليك حاجة فقال انت اعظم قدرا من ان اردك بمسألة فسلني ما شئت فاني غير مخالفك فيما تريده فقال له يحيى عليه السلام يا ابا مرة اريد ان تعرض علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم، فقال له ابليس: حبا وكرامة و واعده لغد. فلما اصبح يحيى (ع) قعد في بيته ينتظر الموعد واغلق عليه الباب فما شعر حتى ساواه من خوخة كانت في بيته، فإذا وجهه صورة وجه القرد و جسده على صورة الخنزير وإذا عيناه مشقوقتان طولا واسنانه عظم واحد بلا ذقن ولا لحية وله اربعة ايد يدان في صدره ويدان في منكبه وإذا عراقيبه قوادمه واصابعه خلفه وعليه قباء وقد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط بين احمر واصفر واخضر

[ 448 ]

وجميع الألوان وإذا بيده جرس عظيم وعلى رأسه بيضة وإذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاليب. فلما تأمله يحيى (ع) قال له: ما هذه المنطقة التي في وسطك ؟ فقال هذه المجوسية انا الذي سننتها وزينتها لهم، فقال وما هذه الخيوط الألوان ؟ قال له هذه جميع اصباغ النساء لا تزال المرأة تصبغ الصبغ حتى تقع مع لونها، فافتتن الناس بها فقال له: فما هذا الجرس الذي بيدك ؟ قال هذا كل لذة من طنبور وبربط وطبل وناي و صرناي. وان القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه فاحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوا استخفهم الطرب فمن بين من يرقص ومن بين من يفرقع باصابعه ومن بين من يشق ثيابه، فقال له: و أي الاشياء اقر لعينك ؟ فقال النساء هن فخوخي و مصائدي فاني إذا اجتمعت على دعوات الصالحين ولعناتهم صرت الى النساء فطابت نفسي بهن فقال له يحيى (ع) فما هذه البيضة التي على رأسك ؟ قال بها اوتي دعوات المؤمنين قال فما هذه الحديدة التي ارى فيها الكلاليب ؟ قال بهذه اقلب قلوب الصالحين، قال يحيى (ع) فهل ظفرت بي ساعة قط ؟ قال لا ولكن فيك خصلة تعجبني بها، قال يحيى (ع): فما هي قال انت رجل اكول فإذا ظفرت واكلت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل قال يحيى (ع): فاني اعطي الله عهدا لا أشبع من الطعام حتى القاه، قال له ابليس وانا اعطي الله عهدا ألا انصح مسلما حتى القاه، ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك. (تفسير علي بن ابراهيم) كانت امرأة زكريا اخت مريم بنت عمران بن ماتان ويعقوب بن ماتان وبنو ماتان إذ ذاك رؤساء بني اسرائيل وبنو ملوكهم من ولد سليمان بن داود (ع) فطلب من الله سبحانه ولدا وارثا. وعن علي بن الحسين عليهم السلام قال: خرجنا مع الحسين (ع) فما نزل منزلا ولا إرتحل منه إلا وذكر يحيى بن زكريا عليهما السلام. وقال يوما: ان من هوان الدنيا على الله عز وجل ان رأس يحيى بن زكريا اهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل.

[ 449 ]

(كتاب الاحتجاج) سأل سعد بن عبد الله القائم عليه السلام عن تأويل (كهيعص) فقال (ع): هذه الحروف من انباء الغيب، اطلع عليها عبده ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وذلك ان زكريا عليه السلام سأل ربه أن يعلمه اسماء الخمسة، فأهبط الله عليه جبرئيل فعلمه إياها. فكان زكريا عليه السلام إذا ذكر محمدا صلى الله عليه وآله وعليا وفاطمة والحسن (ع) إنكشف عنه وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين عليه السلام خنقته العبرة و وقعت عليه البهرة - يعني الزفير - وتتابع النفس. فقال (ع) ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت اربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين (ع) تدمع عيني وتثور زفرتي، فأنبأه الله تعالى عن قصته فقال: (كهيعص) فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد وهو ظالم الحسين (ع) و العين عطشه والصاد صبره. فلما سمع ذلك زكريا (ع) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب. وكان يرثيه و يقول: إلهي اتفجع خير خلقك بولده ؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه إلهي اتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ إلهي اتحل كربة هذه المصيبة بساحتها. ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم افجعني به، كما تفجع محمدا حبيبك بولده. فرزقه الله يحيى (ع) وفجعه به. وكان حمل يحيى (ع) ستة اشهر، و حمل الحسين (ع) كذلك. (علل الشرايع) بالاسناد الى وهب قال: انطلق ابليس يستقري مجالس بني اسرائيل اجمع ويقول في مريم عليهما السلام ويقذفها بزكريا حتى إلتحم الشر وشاعت الفاحشة على زكريا (ع) فلما رأى زكريا ذلك هرب، واتبعه سفهاؤهم وشرارهم وسلك في واد، حتى

[ 450 ]

إذا توسطه انفرج له جذع شجرة فدخل فيه وانطبقت عليه الشجرة، واقبل ابليس يطلبه معهم حتى انتهى الى الشجرة التي دخل فيها زكريا (ع) فقاس لهم ابليس الشجرة من اسفلها الى اعلاها، حتى إذا وضع يده على موضع القلب من زكريا عليه السلام فنشروا بمنشارهم وقطعوا الشجرة وقطعوه في وسطها ثم تفرقوا عنه وتركوه وغاب عنهم ابليس حتى فرغ مما أراد. فكان آخر العهد به ولم يصب زكريا عليه السلام من ألم المنشار شيء. ثم بعث الله عز وجل الملائكة فغسلوا زكريا وصلوا عليه ثلاثة أيام من قبل ان يدفن. وكذلك الأنبياء عليهم السلام لا يتغيرون ولا يأكلهم التراب ويصلي عليهم ثلاثة أيام، ثم يدفنون. (إكمال الدين) عن الصادق (ع) قال: افضى الأمر بعد دانيال الى عزير وكانوا يجتمعون إليه ويأخذون عنه معالم دينهم. فغيب الله عنهم شخصه مائة عام، ثم بعثه، و غابت الحجج بعده، واشتدت البلوى على بني اسرائيل، حتى ولد يحيى بن زكريا عليهم السلام وترعرع. فظهر وله سبع سنين، فقام في الناس خطيبا، فحمد الله و اثنى عليه، واخبرهم ان محن الصالحين انما كانت لذنوب بني اسرائيل، و وعدهم الفرج بقيام المسيح (ع) بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول (قصص) الراوندي عنه (ع) قال: ان ملكا كان على عهد يحيى بن زكريا عليه السلام، لم يكفه ما كان عليه من الطروقة، حتى ينال امرأة بغيا، فكانت تأتيه حتى اسنت، فلما اسنت هيأت ابنتها ثم قالت لها اني اريد ان آتي بك الملك، فإذا واقعك فيسأل ما حاجتك فقولي حاجتي ان تقتل يحيى بن زكريا. فلما واقعها سألها عن حاجتها فقالت قتل يحيى بن زكريا. فبعث الى يحيى (ع) فجاءوا به، فدعا بطشت فذبحه فيها، وصبوه على الارض، فيرتفع الدم ويعلو، فأقبل الناس يطرحون عليه التراب، فيعلو عليه الدم حتى صار تلا عظيما، ومضى ذلك القرن.

[ 451 ]

فلما كان من امر بخت نصر ما كان رأى ذلك الدم فسأل عنه فلم يجد احدا يعرفه حتى دل على شيخ كبير فسأله فقال اخبرني ابي عن جدي انه كان من قصة يحيى بن زكريا (ع) كذا وكذا، وقص عليه القصة والدم دمه، فقال بخت نصر لا جرم لأقتلن عليه حتى يسكن، فقتل عليه سبعين الفا، فلما وافى عليه سكن الدم. وفيه، عن ابي عبد الله ان الله عز وجل إذا أراد ان ينتصر لأوليائه، إنتصر لهم بشرار خلقه، و إذا أراد ان ينتصر لنفسه، انتصر بأوليائه، ولقد إنتصر ليحيى بن زكريا ببخت نصر وفي خبر آخر: ان عيسى بن مريم (ع) بعث يحيى بن زكريا (ع) في اثنى عشر من الحواريين يعلمون الناس وينهونهم عن نكاح ابنة الاخت، قال وكان لملكهم ابنة اخت تعجبه وكان يريد ان يتزوجها. فلما بلغ امها ان يحيى نهى مثل هذا النكاح، أدخلت ابنتها على الملك مزينة، فلما رآها سألها عن حاجتها قالت حاجتي ان تذبح يحيى بن زكريا. فقال سليني غير هذا، فقالت لا أسألك غير هذا. فلما أبت دعا بطشت ودعا يحيى فذبحه فبدرت قطرة من دمه فوقعت على الأرض، فلم تزل تعلو، حتى بعث الله بخت نصر عليهم، فقتل منهم سبعين الفا حتى سكن. (قصص الراوندي) عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان عاقر ناقة صالح كان ازرق ابن بغي، وان قاتل يحيى بن زكريا ابن بغي، وان قاتل علي عليه السلام ابن بغي. وكانت مراد تقول: ما نعرف له فينا أبا ولا نسبا، وان قاتل الحسين بن علي عليهم السلام ابن بغي، وانه لم يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلا اولاد البغايا. وقال: في قوله تعالى: (و لم يجعل له من قبل سميا) قال يحيى بن زكريا (ع) لم يكن له سميا قبله، والحسين بن علي لم يكن له سمي قبله، وبكت السماء عليهما أربعين صباحا، وكذلك بكت الشمس عليهما وبكاؤها ان تطلع حمراء وتغيب

[ 452 ]

وقيل: أي بكاء اهل السماء وهم الملائكة. أقول: ذكرنا الاخبار الواردة في بكاء السماوات والارضين والشمس والقمر على الحسين (ع) في المجلدة الثانية من كتابنا الموسوم ب‍ (رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار). وورد: ان البكاء كان بأنواع مختلفة، وكلها حق. (الكافي) عن ابي الحسن الأول (ع) قال: كان يحيى بن زكريا يبكي ولا يضحك وكان عيسى بن مريم يضحك ويبكي وكان الذي يصنع عيسى (ع) أفضل من الذي كان يصنع يحيى. وفي (الكامل) ان يحيى (ع) أول من آمن بعيسى (ع) وذلك ان امه كانت حاملا به، فاستقبلت مريم عليها السلام وهي حامل بعيسى فقالت لها: يا مريم احامل أنت ؟ قالت: لماذا تسأليني ؟ قالت اني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك تصديقه. وقيل: صدق المسيح (ع) وله ثلاث سنين. وقيل: بستة أشهر، وكان يأكل العشب واوراق الشجر. وقيل: كان يأكل خبز الشعير، فمر به ابليس ومعه رغيف شعير، فقال انت تزعم انك زاهد وقد ادخرت رغيف شعير ؟ فقال يحيى: يا ملعون هو القوت، فقال ابليس: ان اقل من القوت يكفي لمن يموت، فأوحى الله إليه: إعقل ما يقول لك

[ 453 ]

باب في قصص عيسى وامه عليهما السلام و فيه فصول الفصل الاول في ولادة مريم وبعض أحوالها (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: يؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول يا رب حسنت خلقي حتى لقيت ما لقيت، فيجاء بمريم، فيقال: أنت أحسن أم هذه قد حسناها فلم تفتتن... الحديث. (العياشي) عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان فاطمة ضمنت لعلي (ع) عمل البيت والعجين والخبز وقم البيت، وضمن لها علي (ع) ما كان خلف الباب ثقل الحطب وان يجىء بالطعام. فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شيء ؟ قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاث إلا شيء آثرتك به، قال: أفلا اخبرتني ؟ قالت: كان رسول الله (ص) نهاني أن اسألك شيئا، فقال: لا تسألي ابن عمك شيئا إن جاءك بشيء عفوا، و إلا فلا تسأليه. قال: فخرج عليه السلام فلقى رجلا فاستقرض منه دينارا، ثم اقبل به، وقد امسى، فلقيه المقداد بن الأسود الكندي، فقال للمقداد: ما اخرجك في هذه الساعة ؟ قال: الجوع والذي عظم يا أمير المؤمنين، قال: هو الذي اخرجني وقد

[ 454 ]

استقرضت دينارا وساثرك به فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله (ص) جالسا وفاطمة تصلي وبينهما شيء مغطى. فلما فرغت احضرت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم، قال: يا فاطمة انى لك هذا ؟ قالت: هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: ألا احدثك بمثلك ومثلها ؟ قال: بلى، قال: مثل (زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب). فأكلوا منها شهرا، وهي الجفنة التي يأكل منها القائم عليه السلام وهي عنده. (تفسير) علي بن ابراهيم: اوحى الله الى عمران: (اني واهب لك ولدا يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذن الله) فبشر عمران زوجته بذلك، فحملت فقالت (رب اني نذرت لك ما في بطني) محررا للمحراب، وكانوا إذا نذروا نذرا محررا جعلوا ولدهم للمحراب. (فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى...) الآية. فوهب الله عيسى. وقال الصادق (ع): ان قلنا لكم في الرجل منا قولا فلم يكن فيه، وكان في ولده و ولد ولده، فلا تنكروا ذلك، ان الله اوحى الى عمران: (اني واهب لك ذكرا مباركا يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذني وجاعله رسولا الى بني اسرائيل) فحدث عنه امرأته بذلك. فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما (فلما وضعتها انثى قالت رب اني وضعتها انثى). فلما وهب الله لمريم عيسى (ع) كان هو الذي بشر الله به عمران و وعده إياه. ولما ولدت مريم كفل زكريا تربيتها. (تفسير الراوندي) باسناده الى محمد بن طلحة قال: قلت للرضا عليه السلام أيأتي الرسل عن الله بشيء ثم يأتي بخلافه ؟ قال: نعم إن شئت حدثتك به و إن

[ 455 ]

شئت اتيت به من كتاب الله تعالى: قال الله تعالى: (ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم...) الآية فما دخلوها ودخل ابناء ابنائهم. وقال عمران: ان الله وعدني ان يهب لي غلاما نبيا في سنتي هذه وشهري هذا ثم غاب، و ولدت امرأته مريم وكفلها زكريا، فقالت طائفة صدق نبي الله، وقالت الآخرون كذب. فلما ولدت مريم عيسى قالت الطائفة التى اقامت على صدق عمران هذا الذي وعدنا الله. الفصل الثاني في ولادة عيسى عليه السلام وفي معجزاته ونقش خاتمه وطرف مما يلائم ذلك (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: لم يعش مولود قط لستة اشهر غير الحسين (ع) وعيسى بن مريم عليه السلام. وفيه، عن حفص بن غياث قال: رأيت ابا عبد الله (ع) يتخلل بساتين الكوفة فانتهى الى نخلة، فتوضأ عندها ثم ركع وسجد فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ثم إستند الى نخلة فدعا بدعوات، ثم قال يا حفص انها والله النخلة التي قال الله جل ذكره لمريم (ع): (وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا). (تفسير علي بن ابراهيم) (واذكر في الكتاب مريم إذ إنتبذت من اهلها مكانا شرقيا). قال: خرجت الى النخلة اليابسة (فاتخذت من دونهم حجابا) قال: في محرابها (فأرسلنا إليها روحنا - يعني جبرئيل (ع) - فتمثل لها بشرا سويا * قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا * فقال - جبرئيل - إنما انا رسول

[ 456 ]

ربك لأهب لك غلاما زكيا) فأنكرت ذلك لأنه لم يكن في العادة ان تحمل المرأة من غير فحل، (فقالت انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا) ولم يعلم جبرئيل عليه السلام أيضا كيفية القدرة فقال لها: (كذلك قال ربك هو علي هين). قال: (فنفخ في جيبها) فحملت بعيسى في الليل فوضعته في الغداة، وكان حملها تسع ساعات جعل الله لها الشهور ساعات، ثم ناداها جبرئيل عليه السلام: (وهزي اليك بجذع النخلة) أي هزي النخلة اليابسة - وكان ذلك اليوم سوقا فاستقبلتها الحاكة، وكانت الحياكة انيل - اي انفع - صناعة في ذلك الزمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت لهم مريم: اين النخلة اليابسة ؟ فاستهزؤا بها وزجروها فقالت لهم: جعل الله كسبكم نزرا - أي قليل النفع - وجعلكم في الناس عارا، فاستقبلوها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة، فقالت لهم: جعل الله البركة في كسبكم واحوج الناس اليكم. فلما بلغت النخلة اخذها المخاض فوضعت بعيسى عليه السلام. فلما نظرت إليه قالت: (يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا) ماذا اقول لخالي وماذا اقول لبني اسرائيل ؟ فنادها عيسى من تحتها: (لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا * - أي نهرا - وحركي النخلة تساقط عليك رطبا جنيا). وكانت النخلة قد يبست منذ دهر، فمدت يدها الى النخلة فأورقت واثمرت وسقط عليها الرطب الطري فطابت نفسها. وقال لها عيسى: قمطيني ثم افعلي كذا وكذا، فقمطته وسوته وقال لها عيسى (كلي واشربي وقري عينا * فأما ترين من البشر احدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما - وصمتا كذا نزلت - فلن اكلم اليوم إنسيا). ففقدوها في المحراب، فخرجوا في طلبها، وخرج زكريا فأقبلت وهو في صدرها، واقبلن مؤمنات بني اسرائيل يبسرن في وجهها، فلم تكلمهن، حتى دخلت في محرابها، فجاء إليها بنو اسرائيل وزكريا (قالوا يا مريم لقد جئت

[ 457 ]

شيئا فريا * يا اخت هارون ما كان ابوك إمرء سوء وما كانت امك بغيا). ومعنى قوله: (يا اخت هارون) ان هارون كان رجلا زانيا فلستا، فشبهوها به، من اين هذا البلاء الذي جئتني (فأشارت - الى عيسى في المهد - فقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) فأنطق الله عيسى (ع): (فقال اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا...) الآية. (الأمالي) باسناده الى علي بن الحسين (ع) قال: ان أمير المؤمنين عليه السلام لما رجع من وقعة الخوارج، اجتاز بالزوراء، فقال للناس: انها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها فان الخسف اسرع إليها من الوتد في النخالة. فلما اتى يمنة السواد إذا هو براهب في صومعة له، فقال له الراهب: لا تنزل هذه الارض بجيشك قال: ولم ؟ قال: لأنها لا ينزلها الا نبي أو وصي نبي يقاتل في سبيل الله عز وجل، هكذا نجد في كتبنا، فقال له امير المؤمنين عليه السلام: أنا وصي سيد الأنبياء وسيد الأوصياء، فقال له الراهب: فأنت إذن اصلع قريش و وصي محمد صلى الله عليه وآله ؟ فقال له امير المؤمنين: انا ذاك: فنزل الراهب إليه فقال له: خذ على شرايع الاسلام، اني وجدت في الانجيل نعتك، وانك تنزل ارض براثا بيت مريم وارض عيسى (ع) فأتى امير المؤمنين موضعا، فلكزه برجله فانبجست عين خوارة، فقال: هذه عين مريم التي إنبعثت لها، ثم قال: إكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعا فكشف، فإذا هو بصخرة بيضاء، فقال علي عليه السلام: علي هذه الصخرة وضعت مريم عيسى من عاتقها، وصلت هاهنا. ثم قال: ارض براثا هذه بيت مريم عليها السلام. (التهذيب) عن علي بن الحسين عليه السلام: في قوله تعالى: (فانتبذت به مكانا قصيا). قال: خرجت من دمشق حتى اتت كربلاء، فوضعته في موضع قبر الحسين (ع) ثم رجعت من ليلتها. (علل الشرايع) عن وهب قال: لما جاء المخاض مريم عليها السلام الى جذع

[ 458 ]

النخلة، إشتد عليها البرد، فعمد يوسف النجار الى حطب فجعله حولها كالحضيرة ثم اشعل فيه النار، فأصابتها سخونة الوقود من كل ناحية حتى دفئت وكسر لها سبع جوزات وجدهن في خرجه فأطعمها. فمن اجل ذلك توقد النصارى النار في ليلة الميلاد وتلعب بالجوز. وعن الباقر (ع): ان ابليس اتى ليلة ميلاد عيسى (ع) فقيل له قد ولد الليلة ولد لم يبق على وجه الأرض صنم إلا خر لوجهه، واتى المشرق والمغرب يطلبه فوجده في بيت دير قد حفت به الملائكة، فذهب يدنو فصاحت الملائكة: تنح، فقال لهم من ابوه ؟ فقالت الملائكة: فمثله كمثل آدم، فقال ابليس لأضلن به أربعة اخماس الناس. (وعنه) عليه السلام: لما قالت العواتق الفرية على مريم وهن سبعون (لقد جئت شيئا فريا) أنطق الله عيسى عليه السلام عند ذلك فقال لهن: ويلكن تفترين على امي (انا عبد الله آتاني الكتاب) وأقسم بالله لأضربن كل امرأة منكن حدا بافترائكن على امي. قال الحكم: فقلت للباقر عليه السلام: افضربهن عيسى بعد ذلك ؟ قال: نعم ولله الحمد والمنة. (علل الشرايع) باسناده عن وهب اليماني قال: ان يهوديا سأل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد كنت في ام الكتاب نبيا قبل ان تخلق ؟ قال: نعم، قال: وهؤلاء اصحابك مثبتون معك قبل ان يخلقوا ؟ قال: نعم، قال فما شأنك لم تتكلم بالحكمة حين خرجت من بطن امك كما تكلم عيسى بن مريم على زعمك وكنت قبل ذلك نبيا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: انه ليس امري كأمر عيسى بن مريم، خلقه الله عز وجل من ام ليس له أب، كما خلق آدم من غير اب ولا ام، ولو ان عيسى خرج من بطنها ولم ينطق بالحكمة لم يكن لامه عذر عند الناس وقد اتت به من غير اب وكانوا يأخذونها كما يأخذون من المحصنات، فجعل الله منطقه عذرا لامه. (وعن الرضا عليه السلام) قال: كانت نخلة مريم عليها السلام العجوة

[ 459 ]

ونزلت في كانون أقول: اختلف في انه لم سمي بالمسيح. فقيل لأنه باليمن والبركة. وقيل لأنه مسح بالتطهير من الذنوب. وقيل انه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا براه. وقيل: لانه مسحه جبرئيل عليه السلام بجناحه وقت ولادته، لتكون عوذة من الشيطان. وفي (تفسير العياشي) ان اصحاب عيسى سألوه ان يحيي لهم ميتا. قال فأتى بهم الى قبر سام بن نوح فقال له قم باذن الله يا سام بن نوح، فانشق القبر، ثم اعاد الكلام فخرج سام بن نوح، فقال له عيسى ايما احب اليك تبقى أو تعود ؟ فقال يا روح الله اعود اني لأجد حرقة الموت وقال لذعة الموت في جوفي الى يومي هذا. (وفيه) عن ابان بن تغلب قال سئل أبو عبد الله هل كان عيسى بن مريم احيى احدا بعد موته حتى كان له اكل و رزق ومدة و ولد. قال: فقال نعم انه كان له صديق مؤاخ له في الله، وكان عيسى يمر به فينزل عليه، وان عيسى غاب عنه حينا، ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه امه فقالت مات يا رسول الله، فقال لها اتحبين ان تريه ؟ قالت نعم، قال إذا كان غدا اتيتك حتى احييه باذن الله. فلما كان من الغد اتاها فقال إنطلقي معي الى قبره، فانطلقا الى قبره فوقف عيسى ثم دعا الله، فانفرج القبر وخرج ابنها حيا. فلما رأته امه ورآها بكيا، فرحمهما عيسى، فقال اتحب ان تبقى مع امك في الدنيا ؟ قال يا رسول الله بأكل ورزق ومدة ؟ أو بغير مدة ولا رزق ولا اكل ؟ فقال له عيسى بل باكل ورزق ومدة تعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك ؟ قال نعم.

[ 460 ]

قال فدفعه عيسى الى امه، فعاش عشرين سنة وتزوج و ولد له. وفي (تفسير الحسن العسكري عليه السلام) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله ان قوم عيسى (ع) لما سألوه ان ينزل مائدة من السماء (قال الله اني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فاني اعذبه عذابا لا اعذب به احدا من العالمين) فأنزلها عليهم فمن كفر بعد فمسخه الله، اما خنزيرا واما قردا واما دبا واما هرا واما على صورة بعض الطيور و الدواب التي في البحر، حتى مسخوا على اربعمائة نوع من المسخ. وقال أبو جعفر عليه السلام المائدة التي نزلت على بني اسرائيل مدلاة بسلاسل من ذهب عليها تسعة الوان وتسعة ارغفة. وقيل لعيسى: ما لك لا تتزوج ؟ قال وما اصنع بالتزويج ؟ قيل يولد لك، قال وما اصنع بأولاد إن عاشوا افتتنونا وإن ماتوا احزنونا. وقال امير المؤمنين (ع) في بعض خطبه: وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان ادامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها وفاكهته ريحانة ما انبتت الارض للبهائم ولم تكن له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يتلفه ولا طمع يذله و دابته رجلاه وخادمه يداه. وفي (إرشاد القلوب) قال عيسى: خادمي يداي ودابتي رجلاي وفراشي الارض ووسادي الحجر ودفئي في الشتاء مشارق الارض وسراجي بالليل القمر وادامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف وفاكهتي وريحانتي ما انبتت الارض للوحوش والأنعام، ابيت وليس لي شيء واصبح وليس لي شيء، وليس على وجه الأرض احد اغنى مني. أقول: معنى قوله: وادامي الجوع اني لا آكل شيئا إلا بعد شدة الجوع والاشتياق إليه ولا آكل إلا إذا كان هكذا يكون مستلذا، ويكون كانه مع الأدام. والمراد بقوله: اغنى مني، غنى النفس وعدم الحاجة الى الناس.

[ 461 ]

و روى المفضل عن الصادق (ع): ان بقاع الأرض تفاخرت، ففخرت الكعبة على البقعة بكربلاء، فأوحى الله إليها اسكني ولا تفخري عليها، فانها البقعة المباركة التي نودي منها موسى من الشجرة، وانها الربوة التي اوت إليها مريم والمسيح (ع) وان الدالية التي غسل فيها رأس الحسين (ع) فيها، وفيها غسلت مريم عيسى واغتسلت لولادتها. (كتاب التمحيص) عن سدير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل يبتلي الله المؤمن ؟ فقال: وهل يبتلى إلا المؤمن ؟ حتى ان صاحب يس قال: (يا ليت قومي يعلمون) كان مكنعا، قلت وما المكنع ؟ قال: كان به الجذام. (الأمالي) عن ابي بصير قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ان عيسى روح الله مر بقوم مجلبين فقال ما لهؤلاء ؟ قيل يا روح الله ان فلانة بنت فلان تهدى الى فلان ابن فلان في ليلتها هذه، قال يجلبون اليوم ويبكون غدا، فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله ؟ قال: لأن صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه، فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال اهل النفاق وما اقرب غدا. فلما اصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء، فقالوا يا روح الله ان التي اخبرتنا امس انها ميته لم تمت، فقال عيسى يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب، فخرج زوجها، فقال له عيسى: إستأذن لي على صاحبتك فدخل إليها فأخبرها ان روح الله وكلمته بالباب مع عدة. قال: فتخدرت، فدخل عليها فقال لها ما صنعت ليلتك هذه ؟ قالت: لم اصنع شيئا إلا وقد كنت اصنعه فيما مضى، انه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فنعطيه ما يقوته الى مثلها، وانه جاءني في ليلتي هذه وانا مشغولة بأمري واهلي في مشاغيل وهتف فلم يجبه احد، ثم هتف فلم يجب، حتى هتف مرارا. فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى انلته كما كنا ننيله، فقال لها تنحي عن مجلسك فإذا تحت ثيابها افعى مثل الجذع عاض على ذنبه، فقال عليه السلام: بما صنعت، صرف عنك هذا.

[ 462 ]

أقول: ورد في الأخبار عن السادة الأئمة الأطهار: ان العلم الذى يخبر به الانبياء عليهم السلام عن الله تعالى لابد من وقوعه لئلا يلزم تكذيب الانبياء عليهم السلام وهذا الحديث ينافيه ظاهرا، ويمكن الجواب ان هذا وامثاله مما ترتب عليه وظهر منه إعجاز عيسى ورفع الكذب عنه. وقد وقع مثل هذا في إخبار النبي صلى الله عليه وآله، والجواب واحد. (البصائر) باسناده الى ابي عبد الله بن الوليد قال: قال أبو عبد الله ما يقول اصحابك في امير المؤمنين عليه السلام وعيسى وموسى عليهم السلام ايهم اعلم ؟ قال: قلت ما يقدمون علي اولي العزم احدا، قال: اما انك لو خاصمتهم بكتاب الله لحججتهم قال: قلت واين هذا في كتاب الله ؟ قال: ان الله قال فى موسى: (وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة) ولم يقل كل شيء، وقال في عيسى: (و لابين لكم بعض الذي تختلفون فيه) ولم يقل كل شيء. وقال في صاحبكم: (كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). (تفسير علي بن ابراهيم) عن ابي عبد الله (ع) قال: قال الحسن فيما ناظر به ملك الروم: كان عمر عيسى في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة، ثم رفعه الله الى السماء ويهبط الى الارض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال. (عيون الاخبار) باسناده الى الرضا عليه السلام قال: كان نقش خاتم عيسى حرفين إشتقهما من الانجيل: طوبى لعبد ذكر الله من اجله و ويل لعبد نسى الله من اجله. (إكمال الدين) عن الباقر عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى ارسل عيسى الى بنى اسرائيل خاصة، وكانت نبوته ببيت المقدس، وكان من بعده من الحواريين اثنا عشر. يقول مؤلف الكتاب ايده الله تعالى: قد تعارضت الأخبار في عموم رسالة اولي العزم الى كافة الناس خصوصا موسى وعيسى. ففي بعض الاخبار ان رسالتهما عامة والانبياء الذين كانوا في عصرهم امروا

[ 463 ]

بتبليغ شرايعهم. وفي بعضها كما في الخبر ولعل الاقوى هو الاول. ويؤل هذا الحديث وما بمعناه على إرادة إرساله بالذات الى بني اسرائيل. كما يقال في نبينا صلى الله عليه وآله انه رسول العرب ورسول اهل مكة إذ لا خلاف في عموم رسالته الى كافة المخلوقات. (قصص الراوندي) باسناده الى ابي عبد الله بن سنان قال: سأل ابي ابا عبد الله (ع) هل كان عيسى يصيبه ما يصيب ولد آدم ؟ قال نعم، ولقد كان يصيبه وجع الكبار في صغره، ويصيبه وجع الصغر في كبره و يصيبه المرض، وكان إذا مسه وجع الخاصرة في صغره - وهو من علل الكبار - قال لامه ابغي لي عسلا وشونيزا وزيتا فتعجنين به ثم ائتيني به، فأتته فكرهه، فتقول لم تكرهه وقد طلبته ؟ فيقول هاتيه وصفته لك بعلم النبوة، واكرهته لجزع الصبي، ويشم الدواء ثم يشربه بعد ذلك. وعنه (عليه السلام) ان عيسى كان يبكي بكاء شديدا، فلما اعيت مريم عليها السلام بشدة بكائه، قال لها خذي من لحا هذه الشجرة فاجعلي وجورا ثم اسقينيه فإذا سقي بكى بكاءا شديدا، فتقول مريم: ماذا امرتني ؟ فيقول يا اماه علم النبوة وضعف الصبي. (عيون الاخبار) عن الرضا (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بالعدس فانه مقدس مبارك يرقق القلب ويكثر الدمعة، وقد بارك الله فيه سبعون نبيا آخرهم عيسى بن مريم (ع). (الكافي) عن داود الرقى قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: إتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضا، ان عيسى بن مريم كان في شرايعه السيح في البلاد. فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من اصحابه قصير وكان كثير اللزوم لعيسى بن مريم (ع). فلما انتهى عيسى الى البحر قال بسم الله بصحة يقين منه، فمشى على ظهر الماء فقال الرجل القصير حين نظر الى عيسى جازه، بسم الله بصحة يقين منه، فمشى على الماء فلحق بعيسى، فدخله العجب بنفسه، فقال:

[ 464 ]

هذا عيسى روح الله يمشي على الماء وأنا امشي على الماء فما فضله علي. قال فرمس في الماء، فاستغاث بعيسى، فتناوله من الماء فأخرجه، ثم قال له ما قلت يا قصير ؟ قال: قلت هذا روح الله يمشي على الماء وانا امشي على الماء فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى (ع) لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله به، فمقتك الله على ما قلت، فتب الى الله عز وجل. قال: فتاب الرجل و رجع الى مرتبته التي وضعه الله، فاتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضا. وعنه عليه السلام ان عيسى عليه السلام لما ان مر على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في البحر، فقال له بعض الحواريين يا روح الله وكلمته لم فعلت هذا وانما هو من قوتك ؟ قال فعلت هذا لدابة تأكله من دواب الماء وثوابه عند الله عظيم. الفصل الثالث فيما جرى بينه وبين إبليس وفي حواريه واصحابه وفي مواعظه و حكمه عليه الصلاة والسلام (الأمالي) عن ابن عباس: خرجت امرأة من الجن تمشي على شاطئ البحر فإذا هي بابليس ساجدا على صخرة صماء تسيل دموعه على خديه فقامت تنظر إليه تعجبا، ثم قالت له ويحك يا ابليس ما ترجو بطول السجود ؟ فقال لها يا ايتها المرأة الصالحة ابنة الرجل الصالح ارجو إذا بر ربى عز وجل قسمه وادخلني نار جهنم ان يخرجني من النار برحمته، و وقوع ابليس في البحر إنما كان من سماعه دعاء عيسى. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام: ان عيسى (ع) صعد جبلا بالشام اسمه اريحا فأتاه ابليس في صورة ملك فلسطين فقال يا روح الله احييت الموتى وأبرأت

[ 465 ]

الاكمه والابرص فاطرح نفسك عن الجبل، فقال عيسى (ع): ان ذلك اذن لي فيه، وهذا لم يؤذن لي فيه. وفي حديث آخر، عنه عليه السلام: انه قال ابليس لعيسى عليه السلام اليس تزعم انك تحيي الموتى ؟ قال عيسى: بلى، قال فاطرح نفسك من فوق الحائط قال عيسى: ويلك ان العبد لا يجرب ربه. وقال ابليس يا عيسى هل يقدر ربك ان يدخل الارض في بيضة والبيضة كهيئتها فقال: ان الله لا يوصف بالعجز، والذي قلت لا يكون هو مستحيل بنفسه كجمع الضدين. وعن ابي جعفر (ع) قال: لقى ابليس عيسى بن مريم فقال هل نالك من حبائلك شيء ؟ قال: جدتك التي قالت: (رب اني وضعتها انثى... - الى قوله - الشيطان الرجيم). اقول معناه ان جدتك لما قالت حين وضعت وضعها امك: (و اني اعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم) لم يكن فيك نصيب. (عيون الاخبار) عن علي بن الحسين بن فضال قال: قلت للرضا عليه السلام لم سمي الحواريون (الحواريين) ؟ قال: اما عند الناس فانهم سموا حواريين، لأنهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل، وهو اسم مشتق من الخبز الحوار، وأما عندنا: فسمي الحواريون حواريين، لأنهم كانوا مخلصين في انفسهم و مخلصين لغيرهم من اوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير. قال: قلت له فلم سمي النصارى نصارى ؟ قال: لأنهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام نزلتها مريم و عيسى بعد رجوعهما من مصر. وعنه عليه السلام: سباق الامم ثلاث، لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن ابي طالب (ع) وصاحب يس ومؤمن آل فرعون، فهم الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن ابي طالب عليه السلام وهو افضلهم. (الكافي) قال عيسى بن مريم عليه السلام: يا معشر الحواريين لي اليكم حاجة اقضوها لي، قالوا: قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل اقدامهم، فقالوا:

[ 466 ]

كنا نحن احق بهذا يا روح الله، فقال: ان احق الناس بالخدمة العالم انما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم. ثم قال عيسى (ع): عليكم بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا بالجبل. وفيه، انه سئل أبو عبد الله عليه السلام: ما بال اصحاب عيسى عليه السلام كانوا يمشون على الماء وليس ذلك في اصحاب محمد صلى الله عليه وآله قال: ان اصحاب عيسى كفوا عن المعاش، وان هؤلاء ابتلوا بالمعاش. وفيه، عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه السلام قال: قلت إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع ولا يقول بالحق فهل ينفعه ذلك شيئا ؟ فقال: يا محمد انما مثل اهل البيت مثل اهل بيت كانوا في بني اسرائيل كان لا يجتهد احد منهم اربعين ليلة إلا دعا فاجيب، وان رجلا منهم اجتهد اربعين ليلة ثم دعا فلم يستجب له، فأتى عيسى بن مريم عليه السلام ليشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء. قال فتطهر عيسى وصلى ركعتين ثم دعا الله عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه: يا عيسى ان عبدي اتاني من قبل الباب الذي اوتى منه، انه دعاني وفي قلبه شك منك، فلو دعاني ينقطع عنقه وتنشر انامله ما استجبت له. قال: فالتفت إليه عيسى (ع) فقال تدعو ربك وانت في شك من نبيه ؟ فقال يا روح الله وكلمته قد كان والله ما قلت فادع الله ان يذهب به عني. قال: فدعى له عيسى، فتاب الله عليه وقبل منه، وصار في احد اهل بيته. وفي كتاب (بحار الأنوار) ان عيسى عليه السلام جمع بعض الحواريين في بعض سياحته، فمروا على بلد، فلما قربوا منه وجدوا كنزا على الطريق، فقال من معه: إئذن لنا يا روح الله ان نقيم هاهنا ونحوز هذا الكنز لئلا يضيع ؟ فقال لهم اقيموا هاهنا وانا ادخل البلد ولي كنزا اطلبه: فلما دخل البلد وجال فيه، رأى دارا خربة فدخلها، فوجد فيها عجوزا فقال لها: انا ضيفك في هذه الليلة وهل في الدار احد غيرك، قالت نعم لى ابن

[ 467 ]

صغير مات ابوه وبقي يتيما في حجري وهو يذهب الى الصحارى ويجمع الشوك ويبيعه ونتعيش به. فلما جاء ولدها قالت له بعث الله لنا في هذه الليلة ضيفا صالحا تسطع من جبينه انوار الهدى و الصلاح، فاغتنم خدمته وصحبته، فدخل الابن على عيسى (ع) واكرمه. فلما كان في بعض الليل سأل عيسى عليه السلام الغلام عن حاله ومعيشته وغيرها وتفرس فيه آثار العقل والاستعداد للترقي على مدارج الكمال، لكن وجد فيه ان قلبه مشغول بهم عظيم، فقال: يا غلام ارى قلبك مشغولا بهم عظيم فاخبرني لعله يكون عندي دواء دائك. فلما بالغ عيسى (ع) قال نعم في قلبي هم لا يقدر على دوائه إلا الله تعالى فقال اخبرني به لعل الله يلهمني ما يزيله عنك، فقال الغلام: اني كنت يوما احمل الشوك الى البلد، فمررت بقصر ابنة الملك فنظرت الى القصر فوقع نظري عليها فدخل حبها شغاف قلبي وهو يزداد كل يوم ولا ارى لذلك دواء إلا الموت، فقال عيسى (ع) إن كنت تريدها انا احتال حتى تتزوجها. فجاء الغلام الى امه واخبرها بقوله فقالت امه يا ولدي اني لا اظن ان هذا الرجل يعد بشيء لا يمكنه الوفاء به فاسمع له واطعه فى كل ما يقول. فلما اصبحوا قال عيسى عليه السلام للغلام اذهب الى باب الملك فإذا اتى خواص الملك ليدخلوا عليه، قل لهم ابلغوا الملك عني اني جئته خاطبا كريمته ثم ائتيني واخبرني بما جرى بينك بين الملك. فأتى الغلام باب الملك، فلما قال ذلك لخاصته ضحكوا وتعجبوا من قوله ودخلوا على الملك واخبروه بما قال الغلام مستهزئين به، فاستحضره الملك. فلما دخل على الملك وخطب ابنته قال الملك مستهزءا به لا اعطيك ابنتي إلا ان تأتيني من اللئالي واليواقيت والجواهر كذا وكذا ووصف له ما لا يوجد في خزانة ملك من ملوك الدنيا، فقال الغلام انا اذهب وآتيك بجواب هذا الكلام

[ 468 ]

فرجع الى عيسى (ع) فأخبره بما جرى فذهب به عيسى (ع) الى خربة فيها احجار ومدر كبار فدعا الله تعالى فصيرها كلها من جنس ما طلب الملك واحسن منها فقال يا غلام خذ منها ما تريد واذهب به الى الملك فلما اتى الملك بها تحير الملك واهل مجلسه في امره وقالوا لا يكفينا هذا فرجع الى عيسى (ع) فأخبره فقال اذهب الى الخربة وخذ منها ما تريد واذهب بها إليهم فلما رجع بأضعاف ما اتى به أولا زادت حيرتهم وقال الملك ان لهذا شأنا غريبا فخلا بالغلام واستخبره عن الحال فأخبره بكل ما جرى بينه وبين عيسى وما كان من عشقه لابنته فعلم الملك ان الضيف هو عيسى (ع) فقال قل لضيفك يأتيني ويزوجك ابنتي، فحضر عيسى (ع) وزوجها منه وبعث الملك ثيابا فاخرة الى الغلام فألبسها إياه وجمع بينه وبين ابنته تلك الليلة فلما اصبح طلب الغلام وكلمه فوجده عاقلا فهما فلم يكن للملك ولد غير هذه الابنة فجعله الملك ولي عهده و وارث ملكه وامر خواصه واعيان مملكته ببيعته وطاعته، فلما كانت الليلة الثانية مات الملك فأجلسوا الغلام على سرير الملك واطاعوه وسلموا إليه خزائنه فأتاه عيسى (ع) في اليوم الثالث ليودعه فقال الغلام ايها الحكيم ان لك علي حقوقا لا اقوم بشكر واحد منها ولكن عرض في قلبي البارحة امر لو لم تجبني عنه لم انتفع بشيء مما حصلتها لي. فقال وما هو ؟ قال الغلام انك قدرت على ان تنقلني من تلك الحالة الخسيسة الى تلك الدرجة الرفيعة في يومين فلم لا تفعل هذا بنفسك واراك في تلك الحالة ؟ فلما احفى في السؤال قال له عيسى ان العالم بالله وبدار ثوابه وكرامته والبصير بفناء الدنيا وخستها لا يرغب الى هذا الملك الزائل وان لنا في قربه تعالى و معرفته ومحبته لذات روحانية لا تعد تلك اللذات الفانية عندها شيئا فلما اخبر بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الآخرة ودرجاتها. قال الغلام فلى عليك حجة اخرى لم اخترت لنفسك ما هو اولى واحرى و اوقعتني في هذه البلية الكبرى فقال عيسى (ع) انما اخترت لك ذلك لأمتحنك فى عقلك وذكائك وليكون لك الثواب في ترك هذه الامور الميسرة لك اكثر و اوفى وتكون حجة على غيرك. فترك الغلام الملك ولبس اثوابه البالية وتبع عيسى عليه السلام

[ 469 ]

فلما رجع الى الحواريين قال: فذا كنزي الذي كنت اظنه هذا البلد فوجدته والحمد لله. (الأمالي) باسناده الى الصادق (ع) قال ان عيسى بن مريم (ع) توجه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من اصحابه فمر بلبنات ثلاث من ذهب على ظهر الطريق فقال لأصحابه ان هذا يقتل الناس، ثم مضى، فقال احدهم ان لي حاجة قال فانصرف ثم قال الآخر ان لي حاجة فانصرف فوافوا عند الذهب ثلاثتهم فقال اثنان لواحد اشتر لنا طعاما فذهب يشتري لهما طعاما فجعل فيه سما ليقتلهما كي لا يشاركاه في الذهب وقال الاثنان إذا جاء قتلناه كي لا يشاركنا فلما جاء قاما إليه فقتلاه ثم تغديا فماتا فرجع إليهم عيسى (ع) وهم موتى حوله فأحياهم باذن الله تعالى ذكره ثم قال ألم اقل لكم ان هذا يقتل الناس. (التوحيد) باسناده الى ابي جعفر عليه السلام قال لما ولد عيسى بن مريم كان ابن شهرين فلما كان ابن سبعة اشهر اخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتاب واقعدته بين يدي المؤدب فقال له المؤدب قل بسم الله الرحمن الرحيم فقال عيسى عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم فقال المؤدب قل ابجد فرفع عيسى رأسه فقال وهل تدري ما ابجد فعلاه بالدرة ليضربه فقال يا مؤدب لا تضربني ان كنت تدري وإلا فاسألني حتى افسر لك قال فسر لي فقال عيسى (ع) اما الألف فآلاء الله والباء بهجة الله والجيم جمال الله والدال دين الله، هوز الهاء هول جهنم والواو ويل اهل النار والزاء زفير جهنم، حطي حطت الخطايا عن المستغفرين، كلمن كلام الله لا مبدل لكلماته، سعفص صاع بصاع والجزاء بالجزاء، قرشت قرشهم فحشرهم. فقال المؤدب ايتها المرأة خذي بيدي ابنك فقد علم ولا حاجة له في المؤدب. (الأمالي) مسندا الى الصادق (ع) قال: رسول الله صلى الله عليه وآله ومر عيسى بن مريم (ع) بقبر يعذب صاحبه ثم مر به من القابل فإذا هو ليس يعذب فقال يا رب مررت بهذا القبر عام اول فكان صاحبه يعذب ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب فأوحى الله عز وجل إليه يا روح الله انه ادرك ولد صالح فأصلح

[ 470 ]

طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه قال: فقال عيسى بن مريم (ع) ليحيى بن زكريا (ع) إذا فيك ما فيك فاعلم انه ذنب ذكرته فاستغفر الله منه وان فيك ما ليس فيك فاعلم انها حسنة كتبت لك لم تتعب فيها. وفي مواعظ المسيح عليه السلام يا علماء السوء ليس امر الله على ما تتمنون وتتخيرون بل للموت تبنون الدار و للخراب تبنون وتعمرون وللوارث تمهدون وبحق اقول لكم ان موسى (ع) كان يأمركم ان لا تحلفوا بالله كاذبين وانا اقول لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ولكن قولوا وانعم الله يا بني اسرائيل عليكم بالبقل البري وخبز الشعير وإياكم وخبز البر فاني اخاف ان لا تقوموا بشكره. (علل الشرايع) عن امير المؤمنين (ع) إن النبي صلى الله عليه وآله قال مر اخي عيسى بن مريم عليه السلام بمدينة وفيها رجل وامرأة صالحين فقال وما شأنكما قال يا نبي الله ان هذه امرأتي وليس بها بأس فهي صالحة ولكني احب فراقها قال فما شأنها ؟ قال هي خلقة الوجه من غير كبر، قال لها إذا اكلت فاياك ان تشبعين لأن الطعام إذا تكاثر على الصدر فزاد في القدر ذهب بماء الوجه ففعلت ذلك فعاد وجهها طريا. وقال عليه السلام مر اخي عيسى (ع) بمدينة وإذا في ثمارها الدودة فشكوا إليه ما بهم فقال دواء هذا معكم وليس تعلمون انتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب ثم صببتم الماء وليس هكذا يجب بل ينبغي ان تصبوا الماء في اصول الشجرة ثم تصبوا التراب لكيلا يقع فيه الدود فاستأنفوا كما وصف فذهب ذلك عنهم. وقال عليه السلام: مر اخي عيسى (ع) بمدينة فإذا وجوههم صفر وعيونهم زرق فصاحوا إليه وشكوا ما بهم من العلل فقال دواؤه معكم انتم إذا اكلتم اللحم طبختموه غير مغسول وليس يخرج شيء من الدنيا إلا بجنابة فغسلوا بعد ذلك لحومهم فذهبت امراضهم. وقال عليه السلام: مر اخي عيسى (ع) بمدينة وإذا اهلها اسنانهم منتثرة و وجوههم منتفخة فشكوا إليه فقال انتم إذا نمتم تطبقون افواهكم فعلا الريح في الصدور حتى تبلغ إلى الفم فلا يكون لها مخرج الى اصول الأسنان فيفسد الوجه

[ 471 ]

فإذا نمتم فافتحوا شفاهكم وصيروه لكم خلقا ففعلوا، فذهب عنهم ذلك. (قصص الراوندي) باسناده الى ابي عبد الله (ع) قال: ان عيسى بن مريم (ع) قال: إذا داويت المرضى فشفيتهم باذن الله تعالى وابرأت الأكمه والأبرص باذن الله وعالجت الموتى فأحييتهم باذن الله وعالجت الاحمق فلم اقدر على إصلاحه فقيل يا روح الله وما الاحمق ؟ قال: المعجب برأيه ونفسه الذي يرى الفضل كله له، لا عليه ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها، فذلك الاحمق الذي لا حيلة في مداواته. (و روي) ان عيسى (ع) مر مع الحواريين على جيفة، فقال الحواريون: ما انتن ريح الكلب ؟ فقال عليه السلام: ما اشد بياض اسنانه. وقيل له: لو اتخذت بيتا، فقال يكفينا خلقان من كان قبلنا. (وروي) ان عيسى (ع) إشتد عليه المطر والرعد يوما، فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه، فرفعت له خيمة من بعيد فأتاها، فإذا فيها امرأة، فحاد عنها، فإذا هو بكهف في جبل فأتاه، فإذا فيه أسد فوضع يده عليه وقال: إلهي لكل شيء مأوى ولم تجعل لي مأوى، فأوحى الله تعالى إليه: مأواك في مستقر رحمتي، وعزتي لأزوجنك يوم القيامة مائة حورية، خلقتها بيدي، ولأطعم في عرسك اربعة آلاف عام يوم منها كعمر الدنيا، ولآمرن مناديا ينادي: اين الزهاد في الدنيا، إحضروا عرس الزاهد عيسى بن مريم. (وروى) ان عيسى (ع) كوشف بالدنيا، فرآها في صورة عجوز عتماء، - يعني منكسرة - الثنايا عليها من كل زينة، فقال لها: كم تزوجت فقالت لا احصيهم قال: وكلهم مات عنك أو كلهم طلقك، فقالت بل كلهم قتلت ؟ فقال عيسى (ع): بؤسا لأزواجك الباقين، كيف تهلكيهم واحدا واحدا، ولم يكونوا منك على حذر وقيل: بينما عيسى بن مريم جالس وشيخ يعمل بمسحاة ويثير الارض، فقال عيسى (ع): اللهم إنزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع، فلبث ساعة فقال عيسى (ع): اللهم اردد إليه الأمل، فقام يعمل بمسحاته، فسأله عيسى عن

[ 472 ]

ذلك فقال بينما انا اعمل إذ قالت لي نفسي: الى متى تعمل وانت شيخ كبير ؟ فألقيت المسحاة و اضطجعت، ثم قالت لي نفسي والله لابد لك من عيش ما بقيت، فقمت الى مسحاتي. الفصل الرابع في تفسير ما يقوله الناقوس وفي رفعه عليه السلام الى السماء (الامالي ومعاني الاخبار) بالاسناد الى الحارث الاعور قال: بينا اسير مع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في الحيرة، إذ نحن بديراني يضرب الناقوس، فقال علي بن ابي طالب (ع): يا حارث اتدري ما يقول الناقوس ؟ قلت: الله ورسوله وابن عم رسوله اعلم، قال: انه يضرب مثل الدنيا وخرابها ويقول لا إله إلا الله حقا حقا صدقا صدقا ان الدنيا قد غرتنا وشغلتنا واستهوتنا واستقوتنا، يا ابن الدنيا مهلا مهلا يا ابن الدنيا دقا دقا يا ابن الدنيا جمعا جمعا تفنى الدنيا قرنا قرنا، ما من يوم يمضي عنا الا أوهى منا ركنا قد ضيعنا دارا تبقى واستوطنا دارا تفنى، لسنا ندري ما فرطنا فيها إلا لو قد متنا. فقال الحارث: يا امير المؤمنين النصارى يعلمون ذلك ؟ قال: لو علموا ذلك لما اتخذوا المسيح إلها من دون الله عز وجل. قال: فذهبت الى ديراني. فقلت له: بحق المسيح عليك لما ضربت بالناقوس على الجهة التي تضربها قال: فأخذ يضرب وانا اقول حرفا حرفا، حتى بلغ الى قوله الا لو قد متنا، فقال بحق نبيكم من اخبركم بهذا ؟ قلت هذا الرجل الذي كان معي امس، قال: وهل بينه وبين النبي من قرابة ؟ قلت هو ابن عمه، قال بحق نبيكم اسمع هذا من نبيكم ؟ قال: قلت نعم، فأسلم. ثم قال لي: والله، اني وجدت في التوراة: انه يكون في آخر الانبياء. (إكمال الدين) عنه صلى الله عليه وآله قال: لما ملك اسبخ بن اشكان و ملك مائتين

[ 473 ]

وستا وستين سنة. ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله عيسى بن مريم (ع) واستودعه النور والحكمة وجميع علوم الانبياء قبله وزاده الانجيل وبعثه الى بيت المقدس الى بني اسرائيل يدعوهم الى الايمان بالله فمكث ثلاثة وثلاثين سنة، حتى طلبته اليهود وإدعت انها قتلته (وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه وانما شبه لهم)... الحديث. و عن ابي جعفر عليه السلام: لما كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون، و كذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم، وكذلك الليلة التي قتل فيها علي بن ابي طالب (ع) لم يرفع عن وجه الأرض حجر، إلا وجد تحته دم عبيط، حتى طلع الفجر، وكذلك الليلة التي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه. (تفسير علي بن ابراهيم) عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان عيسى (ع) وعد اصحابه ليلة رفعه الله إليه، فاجتمعوا عند المساء وهم إثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: ان الله رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود، فأيكم يلقي عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي ؟ قال شاب منهم: أنا يا روح الله، قال: فأنت هو ذا فقال عيسى: ان منكم لمن يكفر بي قبل ان يصبح اثنتى عشرة كفرة ؟ فقال له رجل انا منهم، فقال عيسى عليه السلام انحن بذلك في نفسك فلتكن هو. ثم قال عيسى (ع): أما انكم ستفترقون من بعدي على ثلاث فرق، فرقتين مفتريتين على الله في النار، و فرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة، ثم رفع الله عيسى من زاوية البيت وهم ينظرون إليه. ثم قال: ان اليهود جاءت في طلب عيسى (ع) من ليلتهم، فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى: ان منكم لمن يكفر بي قبل ان يصبح اثنتى عشرة كفرة، واخذوا الشاب الذي ألقى عليه شبح عيسى (ع) فقتل وصلب وكفر الذي قال له: تكفر قبل ان تصبح اثنى عشرة كفرة. (قصص الراوندي) عنه عليه السلام قال: لما اجتمعت اليهود على عيسى (ع)

[ 474 ]

ليقتلوه بزعمهم اتاه جبرئيل (ع) فغشاه بجناحه ونظر عيسى فإذا هو بكتاب في جناح جبرئيل: اللهم اني ادعوك باسمك الواحد الاعز وادعوك اللهم باسمك الكبير المتعالي الذي ثبت به أركانك كلها ان تكشف عني ما اصبحت وأمسيت فيه. فلما دعا به عيسى عليه السلام، أوحى الله تعالى الى جبرئيل عليه السلام ارفعه الى عندي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا بني عبد المطلب سلوا ربكم بهذه الكلمات فو الذي نفسي بيده ما دعا بهن عبد باخلاص إلا اهتز له العرش، وإلا قال الله للملائكة إشهدوا اني قد استجبت له بهن وأعطيته سؤله في عاجل دنياه وآجل آخرته. ثم قال لأصحابه: سلوا بها ولا تستبطئوا الاجابة. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: رفع عيسى بن مريم عليه السلام بمدرعة من صوف من غزل مريم (ع) ومن خياطة مريم. فلما انتهى الى السماء نودي يا عيسى بن مريم إلق عنك زينة الدنيا. (عيون الأخبار) عن الرضا (ع) قال: ما شبه امر احد من انبياء الله وحججه عليهم السلام للناس إلا امر عيسى بن مريم عليه السلام وحده، لأنه رفع من الارض حيا وقبض روحه بين السماء والارض، ثم رفع الى السماء و رد إليه روحه. وذلك قوله عز وجل: (إذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك إلي). و روي: انه مر عيسى (ع) برهط من اليهود، فقال بعضهم قد جاءكم الساحر ابن الساحرة والفاعل بن الفاعلة: فقذفوه بامه، فسمع ذلك عيسى (ع) فقال: اللهم انت ربي خلقتني ولم اتهم من تلقاء نفسي، اللهم إلعن من سبني وسب والدتي فاستجاب الله دعوته فمسخهم قردة وخنازير. وبلغ خبرهم يهوذا وهو رأس اليهود، فخاف ان يدعو عليه، فجمع اليهود واتفقوا على قتله فبعث الله جبرئيل عليه السلام يمنعه منهم. فاجتمع اليهود حول عيسى (ع) فجعلوا يسألونه فيقول لهم: يا معشر اليهود ان الله تعالى يبغضكم، فثاروا عليه ليقتلوه فأدخله جبرئيل عليه السلام خوخة

[ 475 ]

البيت الداخل لها روزنة في سقفها، فرفعه جبرئيل عليه السلام الى السماء. فبعث يهوذا - رأس اليهود - رجلا من اصحابه اسمه طيطانوس ليدخل عليه الخوخة ليقتله فدخل فلم يره، فأبطأ عليهم، فظنوا انه يقاتل في الخوخة، فالقى عليه شبه عيسى عليه السلام. فلما خرج على اصحابه قتلوه وصلبوه. وقيل: القى عليه شبه وجه عيسى ولم يقل عليه شبه جسده. فقال بعض القوم ان الوجه وجه عيسى والجسد جسد طيطانوس. وقال بعضهم ان كان هذا عيسى (ع) فاين طيطانوس، فاشتبه الأمر عليهم واما قوله: (إني متوفيك ورافعك إلي) فذكر المفسرون فيه أقوالا: منها - اني قابضك إلي ورافعك إلي السماء من غير وفات بموت، ومعنى (متوفيك) اني رافعك إلي وافيا، لم ينالوا منك شيئا من قولهم: توفيت منك كذا وكذا أي تسلمته. ومنها - اني متوفيك وفاة نوم ورافعك إلي في النوم من قوله: (وهو الذي يتوفاكم بالليل. ومنها - ما قاله ابن عباس من ان المراد: (اني متوفيك) وفاة موت كما تقدم في الحديث. وقال ابن عباس: انه توفاه، أي اماته ثلاث ساعات. وأما النحويون فيقولون: هو على التقديم و التأخير أي (رافعك ومتوفيك) لأن الواو لا توجب الترتيب. ويدل عليه ما روي عن النبي (ص) قال: عيسى (ع) لم يمت، وانه راجع اليكم قبل يوم القيامة. فيكون تقديره: (اني قابضك) بالموت بعد نزولك من السماء. (الاحتجاج) سأل نافع مولى ابن عمر ابا جعفر عليه السلام كم بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله من سنة قال: اجيبك بقولك ام بقولي ؟ قال: اجبني بالقولين قال: أما بقولي فخمسمائة سنة، وأما قولك فستمائة سنة. (تفسير) علي بن ابراهيم مسندا الى شهر بن حوشب قال: قال الحجاج:

[ 476 ]

يا شهر آية في كتاب الله قد اعيتني، فقلت ايها الأمير أي آية هي ؟ فقال قوله: (وان من اهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) والله اني لامر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه ثم ارمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد فقلت اصلح الله الامير ليس على ما تأولت، قال كيف هو ؟ قلت ان عيسى على نبينا وآله وعليه الصلاة ينزل قبل يوم القيامة الى الدنيا، فلا يبقى اهل ملة، يهودي ولا غيره إلا من آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي عليه السلام، قال ويحك انى لك هذا ومن اين جئت به ؟ قلت: حدثني محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام قال: جئت والله بها من عين صافية. باب في قصص أرميا ودانيال وعزير وبخت نصر قال الله تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها * قال انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت ؟ قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم ان الله على كل شيء قدير). وفي سورة الاسراء: (وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم

[ 477 ]

وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا ان احسنتم احسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا). (وقضينا) أي واوحينا إليهم في التوراة قضاء مقضيا. (مرتين) أي إفسادين، أولهما مخالفة احكام التوراة وقتل شعيا وقتل ارميا وثانيهما قتل يحيى وزكريا وقصد قتل عيسى. وقوله: (وعد اوليهما) أي وعد عقاب اولهما. وقوله: (عبادا لنا) أي بخت نصر عامل لهراسف الى بابل وجنوده، (فجاسوا) أي ترددوا لطلبكم (خلال الديار) أي وسطها، للقتل والغارة (والكرة) الدولة والغلبة (عليهم) أي على الذين بعثوا عليكم. وذلك بأن القى الله في قلب بهمن بن اسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسب شفقة عليهم، فرد اسراهم الى الشام و ملك دانيال عليهم، فاستولوا على من كان فيها من اتباع بخت نصر. و (نفير) من ينفر مع الرجل من قومه (فإذا جاء وعد - عقوبة - الآخرة) بعثاهم ليجعلوا وجوههم بادية اثارا لمساءة فيها، (وليتبروا) أي ليهلكوا (ما علوا) أي ما غلبوه و استولوا عليه أو مدة علوهم. وذلك بأن سلط الله عليهم الفرس مرة اخرى، فغزاهم ملك بابل ودخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم، فوجد فيه دما يغلي، فسألهم عنه فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقتموني، فقتل عليه الوفا منهم، فلم يسكن الدم، ثم قال إن لم تصدقوني ما تركت منكم احدا فقالوا انه دم يحيى، فقال لمثل هذا ينتقم منكم ربكم. (روي) ان بخت نصر ملك بابل وكان من جنس نمرود، وكان لزنية لا اب له فظهر على بيت المقدس وخرب المسجد و احرق التوراة، والقى الجيف في المسجد وقتل على دم يحيى (ع) سبعين الفا وسبى ذراريهم واغار عليهم واخرج أموالهم وسبى سبعين الفا وذهب بهم الى بابل وبقوا في مدة مائة سنة تستعبدهم المجوس. ثم تفضل الله عليهم بالرحمة، فأمر ملكا من ملوك فارس عارفا بالله سبحانه

[ 478 ]

فردهم الى بيت المقدس، فأقامهم به مائة سنة على الطريقة المستقيمة. ثم عادوا الى الفساد والمعاصي فجاءهم ملك من ملوك الروم اسمه انطياخوس فخرب بيت المقدس وسبى اهله. (تفسير علي بن ابراهيم) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: لما عملت بنو اسرائيل بالمعاصي وعتوا عن امر ربهم، أراد الله ان يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فأوحى الله الى ارميا: يا ارميا ما بلد إنتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كرائم الشجر فأخلف، فانبت خرنوبا. فاخبر ارميا احبار بني اسرائيل فقالوا له راجع ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل فصام ارميا سبعا، فأوحى الله إليه: يا ارميا اما البلد فبيت المقدس، واما ما نبتت فيه فبنو اسرائيل الذين اسكنتهم فيها، فعملوا المعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبي حلفت لأمتحنهم بفتنه يظل الحكيم فيها حيران ولأسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم طعاما، فليتسلطن عليهم فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب بيتهم التي يغترون به ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة، فأخبرهم اخبار بني اسرائيل فقالوا: راجع ربك فقل له: ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء ؟ فصام ارميا سبعا ثم أكل اكلة فلم يوح إليه شيء، ثم صام سبعا واكل اكلة فلم يوح إليه شيء، ثم صام سبعا، فأوحى الله إليه: يا ارميا لتكفن عن هذا أو لأردن وجهك الى وراءك. ثم اوحى الله إليه: قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال ارميا يا رب إعلمني من هو حتى آتيه وآخذ لنفسي واهل بيتي منه امانا قال: إئت موضع كذا وكذا فانظر الى غلام اشدهم زمانة واخبثهم ولادة واضعفهم جسما وأشرهم - غذاءا فهو ذاك. فأتى ارميا الى ذلك البلد، فإذا هو بغلام في خان زمن ملقى على وسط مزبلة وإذا له ام تربي بالكسر وقعت الكسر في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكله. فقال ارميا: إن كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا، فدنى منه وقال:

[ 479 ]

ما اسمك ؟ قال بخت نصر، فعرف انه هو، فعالجه حتى برء. ثم قال: تعرفني ؟ قال لا، انت رجل صالح، فقال: انا ارميا نبي بني اسرائيل اخبرني الله انه سيسلطك على بني اسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم السوء. قال: فتاه في نفسه في ذلك الوقت، ثم قال ارميا: اكتب لي كتابا بأمان منك فكتب له كتابا. وكان يخرج بالجبل و يحتطب ويدخله المدينة ويبيعه، فدعا الى حرب بني اسرائيل وكان مسكنهم في بيت المقدس، واقبل بخت نصر فيمن اجابه نحو بيت المقدس، وقد اجتمع إليه بشر كثير. فلما بلغ ارميا إقباله نحو بيت المقدس، استقبله على حمار له و معه الامان الذي كتبه بخت نصر، فلم يصل إليه ارميا، من كثرة جنوده، فصير الامان على خشبة ورفعها، فقال من أنت ؟ فقال: أنا ارميا النبي الذي بشرتك بأنك متسلط على بني اسرائيل وهذا امانك لي، قال اما انت فقد امنتك واما اهل بيتك فاني ارمي من هاهنا الى بيت المقدس، فان وصلت رميتي الى بيت المقدس فلا امان لهم عندي وان لم تصل فهم آمنون، وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس، فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس فقال لا امان لهم عندي. فلما وافى نظر الى جبل من تراب وسط المدينة. وإذا دم يغلي وسطه، كلما القى عليه التراب خرج وهو يغلي، فقال ما هذا ؟ فقالوا هذا نبي قتله ملوك بني اسرائيل ودمه يغلي كلما القي عليه التراب خرج يغلي، فقال بخت نصر لاقتلن بني اسرائيل ابدا حتى يسكن هذا الدم. وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا عليه السلام وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني اسرائيل وكان يمر يحيى بن زكريا عليه السلام فقال له يحيى: إتق الله ايها الملك لا يحل لك هذا، فقالت له المرأة من اللواتي كان يزني بها حين سكر: ايها الملك اقتل يحيى، فأمر ان يؤتى برأسه، فأتى برأس يحيى (ع) في الطشت وكان الرأس يكلمه ويقول: يا هذا إتق الله لا يحل لك هذا. ثم غلى

[ 480 ]

الدم في الطشت حتى فاض الى الارض فخرج يغلي ولا يسكن. وكان بين قتل يحيى وبخت نصر مائة سنة. ولم يزل بخت نصر يقتلهم، كان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان، و الدم يغلي حتى افنى من ثم، فقال هل بقى احد في هذه البلاد ؟ قالوا عجوز في موضع كذا وكذا، فبعث إليها فضرب عنقها على الدم، فسكن، وكانت آخر من بقى. ثم اتى الى بابل فبنى فيها مدينة واقام، وحفر بئرا فألقى فيها دانيال، و القى معه اللبوة، فجعل اللبوة تأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها، فلبث بذلك زمانا. فأوحى الله الى النبي الذي كان في بيت المقدس: ان اذهب بهذا الطعام والشراب الى دانيال واقرأه السلام، قال وأين هو يا رب ؟ فقال: في بئر بابل في موضع كذا وكذا. قال: فأتاه فاطلع في البئر، فقال: يا دانيال قال: لبيك صوت غريب، قال: ان ربك يقرؤك السلام قد بعث اليك بالطعام و الشراب، فدلاه إليه، فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه الحمد لله الذي من وثق به لم يكله الى غيره الحمد لله الذي يجزي بالاحسان إحسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة والحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حتى ينقطع الحبل منا والحمد والذي هو رجائنا حين ساء ظننا بأعمالنا. قال: فرأى بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجلاه من نحاس وصدره من ذهب. قال: فدعا المنجمين فقال لهم: ما رأيت ؟ قالوا ما ندري ولكن قص علينا ما رأيت في المنام ؟ فقال وأنا اجري عليكم الارزاق منذ كذا وكذا وما تدرون ما رأيت في المنام ؟ فأمر بهم فقتلوا. فقال له بعض من كان عنده: إن كان عند احد شيء، فعند صاحب الجب،

[ 481 ]

فان اللبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه، فبعث إلى دانيال، فقال: ما رأيت في المنام ؟ فقال: رأيت كأن راسك من كذا وصدرك من كذا، قال: هكذا رأيت فما ذاك ؟ فقال: ذهب ملكك وانت مقتول الى ثلاثة أيام يقتلك رجل من ولد فارس. قال: فقال له: ان علي لسبع مدائن على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة، لا يدخل غريب إلا صاحت فيؤخذ. قال: فقال له: ان الأمر كما قلت لك. قال: فبعث الخيل وقال: لا تلقون احدا من الخلق إلا قتلتموه وكان دانيال جالسا عنده، قال: لا تفارقني هذه الثلاثة أيام، فان مضت قتلتك. فلما كان اليوم الثالث ممسيا اخذه الغم فتلقاه غلام كان اتخذه ابنا له من اهل فارس وهو لا يعلم انه من اهل فارس، فدفع إليه سيفه وقال له: يا غلام لا تلقى احدا إلا وقتلته ولو لقيتني أنا فاقتلني، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله. فخرج ارميا على حمار ومعه تين قد تزوده وشيء من عصير، فنظر الى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف، ففكر في نفسه ساعة ثم قال: (انى يحيى الله هؤلاء - وقد أكلتهم السباع - فأماته الله مكانه). وهو قول الله تبارك وتعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) أي احياه. فلما رحم الله بني اسرائيل واهلك بخت نصر، رد بني اسرائيل الى الدنيا، وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني اسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها، وبقى ارميا مائة سنة، ثم احياه الله، فأول ما أحيى منه عينيه في مثل زقىء البيض فنظر فأوحى الله تعالى إليه: (كم لبثت قال لبثت يوما)، فنظر الى الشمس قد ارتفعت، فقال: (أو بعض يوم)، فقال الله تبارك وتعالى: (بل لبثت مائة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه - اي لم يتغير - وانظر الى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) فجعل ينظر الى العظام البالية المنفطرة يجتمع إليه والى اللحم الذي قد اكلته السباع يتألف الى العظام

[ 482 ]

من هاهنا ومن هاهنا ويلتزق بها، حتى قام وقام حماره. فقال: (أعلم ان الله على كل شيء قدير). أقول: قال أمين الاسلام رحمه الله في قوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية) هو عزير، وهو المروي عن ابي عبد الله عليه السلام. وقيل: هو ارميا، وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام. وقيل: هو الخضر (ع). (قصص الراوندي) عن الرضا عليه السلام قال: ان الملك قال لدانيال. أشتهي ان يكون لي ولد مثلك، فقال: ما محلي من قلبك ؟ قال: أجل محل واعظمه قال دانيال عليه السلام: فإذا جامعت فاجعل همتك في قلبك، ففعل الملك ذلك، فولد له ابن أشبه خلق الله بدانيال عليه السلام. (وفيه) عن ابن عباس قال: قال عزير يا رب اني نظرت في جميع امورك واحكامها فعرفت عدلك بعقلي، وبقي باب لم اعرفه، انك تسخط على اهل البلية فتعمهم بعذابك وفيهم الأطفال ؟ فأمره الله تعالى ان يخرج الى البرية، وكان الحر شديدا فرأى شجرة فاستظل بها ونام، فجاءت نملة فقرصته، فدلك الأرض برجليه فقتل من النمل كثيرا. فعرف انه مثل ضرب له، فقيل له: يا عزير ان القوم إذا استحقوا عذابي قدرت نزوله عند انقضاء آجال الأطفال، فماتوا اولئك بآجالهم وهلك هؤلاء بعذابي. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام: سمي بخت نصر لأنه رضع بلبن كلبة وكان اسم الكلبة بخت واسم صاحبها نصر، وكان مجوسيا اغلف أغار ببيت المقدس ودخله في ستمائة الف عام... الحديث. (العياشي) قال: ذكر جماعة من اهل العلم ان ابن الكوا قال لعلي (ع): ما ولد اكبر من ابيه من اهل الدنيا ؟ قال: نعم اولئك ولد عزير، حيث مر على قرية خربة، تحته حمار ومعه شنة فيها لبن وكوز فيه عصير، فمر على قرية فقال (أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام) فتوالد ولده وتناسلوا، ثم بعث الله إليه فأحياه في المولد الذي أماته، فاولئك ولده اكبر من ابيهم. وفي حديث آخر عنه عليه السلام: ان عزيرا خرج من اهله و امرأته في شهرها

[ 483 ]

وله يومئذ خمسون سنة، فلما ابتلاه الله عز وجل بذنبه (أماته الله مائة سنة ثم بعثه) فرجع الى اهله وهو ابن خمسين سنة، فاستقبله ابنه وهو ابن مائة سنة، ورد الله عزيرا في السن الذي كان به. (الكافي) مسندا الى ابي عبد الله عليه السلام قال: انه كان نبي يقال له دانيال وانه اعطى صاحب معبر رغيفا لكي يعبر به، فرمى صاحب المعبر بالرغيف وقال: ما اصنع بالخبز، هذا الخبز عندنا قد يداس بالأرجل. فلما رأى دانيال ذلك منه، رفع يده الى السماء وقال: اللهم اكرم الخبز فقد رأيت يا رب ما صنع هذا العبد ؟ ولما قال اوحى الله عز وجل الى السماء ان تحبس الغيث، واوحى الى الارض: ان كوني طبقا كالفخار. قال: فلم يمطر شيء، حتى انه بلغ من ان بعضهم اكل بعضا. فلما بلغ منهم ما اراد الله من ذلك، قالت امرأة لاخرى ولهما ولدان: يا فلانة تعالى حتى آكل انا وانت اليوم ولدي، فإذا جعنا غدا اكلنا ولدك، قالت: نعم فأكلتاه، فلما جاعتا من الغد راودت الاخرى على اكل ولدها، فامتنعت عليها، فقالت لها: بيني وبينك نبي الله، فاختصما الى دانيال عليه السلام، فقال لهما: وقد بلغ الأمر الى ما ارى ؟ قالتا له: نعم يا نبي الله، واشر. فرفع يده الى السماء فقال: اللهم عد علينا بفضلك ورحمتك ولا تعاقب الاطفال ومن فيه خير، بذنب صاحب المعبر واضرابه لنقمتك. قال: فأمر الله تعالى الى السماء ان امطري على الارض، وامر الله الارض ان انبتي لخلقي، ما قد فاتهم من خيرك، فاني قد رحمتهم بالطفل الصغير. (تفسير علي بن ابراهيم) قال: لما اخرج هشام بن عبد الملك ابا جعفر (ع) الى الشام سأله عالم النصارى عن مسائل فكان فيما سأله: اخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت بابنين جميعا حملتهما في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة ودفنا في قبر واحد، فعاش احدهما خمسين ومائة سنة. وعاش الآخر خمسين سنة من هما ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: هما عزير و عزرة، كان حمل امهما على ما وصفت و وضعهما

[ 484 ]

على ما وصفت، وعاش عزرة مع عزير ثلاثين سنة، ثم امات الله عزيرا مائة سنة وبقى عزرة حيا، ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة. يقول مؤلف الكتاب ايده الله تعالى: وقع الخلاف في ان الذي اماته الله مائة عام، هل هو ارميا أو عزير، وقد دلت الروايات على كل منهما. وقيل: ولعلل الأخبار الدالة على كونه عزيرا، محمولة على التقية، أو على ما يوافق اهل الكتاب، بأن يكون اجابوهم على معتقدهم. (دعوات الراوندي) قال: اوحى الله الى عزير إذا وقعت في معصية فلا تنظر الى صغرها ولكن انظر الى من عصيت، وإذا اوتيت رزقا مني فلا تنظر الى قلته و لكن انظر الى من اهداه، وإذا نزلت بك بلية فلا تشك الى خلقي، كما لا اشكوك الى ملائكتي عند صعود مساويك وفضائحك. باب في قصص يونس عليه السلام وفيه أحوال أبيه متى (تفسير علي بن ابراهيم) ابي عن ابن ابي عمير عن جميل قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم الى الاسلام فيأبون ذلك، فهم ان يدعو عليهم، وكان فيهم رجلان عابد وعالم، وكان اسم احدهما مليخا والآخر روبيل، فكان العابد يشير على يونس (ع) بالدعاء عليهم، وكان العالم ينهاه ويقول لا تدع عليهم فان الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده، فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم. فدعا عليهم، فأوحى الله إليه: ان يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا.

[ 485 ]

فلما قرب الوقت خرج يونس عليه السلام مع العابد وبقى العالم فيها. فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب فقال العالم لهم: يا قوم افزعوا الى الله فلعله يرحمكم فيرد العذاب عنكم، فقالوا: كيف نفعل ؟ قال: اخرجوا الى المفازة و فرقوا بين النساء والاولاد وبين الابل واولادها وبين البقر واولادها وبين الغنم و اولادها ثم ابكوا وادعوا، فذهبوا وفعلوا ذلك وضجوا وبكوا، فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم وفرق العذاب على الجبال. وقد كان نزل وقرب منهم، فأقبل يونس (ع) لينظر كيف اهلكهم الله فرأى الزارعين يزرعون في ارضهم، فقال لهم: ما فعل قوم يونس ؟ فقالوا له ولم يعرفوه ان يونس دعا عليهم، فاستجاب الله له ونزل العذاب عليهم، فاجتمعوا وبكوا، فدعوا فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم و فرق العذاب على الجبال، فهم ذا يطلبون يونس (ع) ليؤمنوا به، فغضب يونس و مر على وجهه مغاضبا به، كما حكى الله، حتى انتهى الى ساحل البحر، فإذا سفينة قد شحنت وارادوا ان يدفعوها، فسألهم يونس عليه السلام ان يحملوه، فحملوه. فلما توسط البحر، بعث الله حوتا عظيما، فحبس عليهم السفينة فنظر إليه يونس عليه السلام ففزع، فصار في مؤخرة السفينة، فدار إليه الحوت وفتح فاه، فخرج اهل السفينة فقالوا: فينا عاص، فتساهموا فخرج سهم يونس عليه السلام. وهو قول الله عز وجل: (فتساهموا فكان من المدحضين) فأخرجوه فألقوه في البحر فالتقمه الحوت ومر في الماء. وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه السلام عن سجن طاف اقطار الأرض بصاحبه فقال: يا يهودي أما السجن الذي طاف اقطار الارض بصاحبه فانه الحوت الذي حبس فيه يونس عليه السلام في بطنه، فدخل في بحر القلزم، ثم خرج الى بحر مصر ثم دخل بحر طبرستان ثم دخل في دجلة العوراء ثم مر به تحت الارض حتى لحقت بقارون. وكان قارون هلك في ايام موسى (ع) ووكل الله به ملكا يدخله في الارض

[ 486 ]

كل يوم قامة رجل، وكان يونس (ع) في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به انظرني اسمع كلام آدمي، فأوحى الله الى الملك: انظره، فأنظره. ثم قال قارون: من أنت ؟ قال يونس (ع): أنا المذنب الخاطىء يونس بن متى، قال: فما فعل شديد الغضب في الله موسى بن عمران ؟ قال: هيهات هلك، قال: فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه هارون بن عمران ؟ قال: هلك، قال: فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي ؟ قال: هيهات ما بقى من آل عمران احد، قال قارون: وا أسفاه على آل عمران، فشكر الله له ذلك فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا ؟ فرفع عنه. فلما رأى يونس عليه السلام ذلك (نادى في الظلمات أن لا اله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين) فاستجاب له وأمر الحوت فلفظته على ساحل البحر وقد ذهب جلده ولحمه، وانبت الله شجرة من يقطين فأظلته من الشمس فسكن، ثم امر الله الشجرة فتنحت عنه و وقعت الشمس عليه فجزع. فأوحى الله إليه: يا يونس لم لم ترحم مائة الف أو يزيدون، وانت تجزع من ألم ساعة ؟ فقال: يا رب عفوك عفوك، فرد الله صحة بدنه، ورجع إلى قومه وآمنوا به. قال: فمكث يونس عليه السلام في بطن الحوت تسع ساعات. (وعن) ابي جعفر عليه السلام: ثلاث ساعات. وقال علي بن ابراهيم في قوله (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) قال هو يونس (ع) قوله: (فظن أن لن نقدر عليه) قال: انزله على اشد الأمرين فظن به أشد الظن. وقال: ان جبرئيل عليه السلام إستثنى في هلاك قوم يونس (ع) ولم يسمعه يونس (ع) قلت: ما كان حال يونس (ع) لما ظن ان الله لم يقدر عليه ؟ قال: من أمر شديد، قلت: وما كان سببه حتى ظن ان الله لم يقدر عليه ؟ قال: وكله الى نفسه طرفة عين.

[ 487 ]

(وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: سمعت ام سلمة النبي صلى الله عليه وآله يقول في دعائه: اللهم لا تكلني الى نفسي طرفة عين أبدا، فسألته في ذلك، فقال: صلى الله عليه وآله: يا ام سلمة وما يؤمنني، وإنما وكل الله يونس بن متى الى نفسه طرفه عين، وكان منه ما كان. (عيون الأخبار) في خبر ابن الجهم انه سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه)، فقال الرضا (ع): ذلك يونس بن متى (ذهب مغاضبا) لقومه (فظن) بمعنى استيقن (أن لن نقدر عليه) اي لن نضيق عليه رزقه، ومنه قوله عز وجل: (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) اي ضيق عليه وقتر (فنادى في الظلمات) ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت، (أن لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين) بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت. يقول مؤلف الكتاب أيده الله تعالى: هذا التأويل الوارد في ان سند هذا الحديث هو الموافق لمذهب الامامية رضوان الله عليهم. وأما ما وقع في الخبر الأول، فهو موافق لمذاهب العامة. (العياشي) عن الباقر (ع) في حديث طويل، قال فيه: انه بعد ما سأل يونس ربه نزول العذاب على قومه، ان فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة والمستضعف، وأنا الحكم العدل، سبقت رحمتي غضبي لا اعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، وهم يا يونس عبادي احب أن أتأنيهم وارفق بهم وأنتظر توبتهم، وانما بعثتك الى قومك لتعطف إليهم وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوي والعالم بمداواة الداء، فخرقت بهم ولم تستعمل قلوبهم بالرفق، ثم سألتني من سوء نظرك العذاب عند قلة الصبر منك، وعبدي نوح كان اصبر منك على قومه واحسن صحبة واشد تأنيا، فغضبت له حين غضب لي واجبته حين دعاني. فقال يونس (ع): يا رب انما غضبت عليهم فيك وانما دعوت عليهم حين عصوك فو عزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا، فأنزل عليهم عذابك فانهم لا يؤمنون أبدا

[ 488 ]

فقال الله: يا يونس انهم مائة الف أو يزيدون من خلقي يعمرون بلادي ويلدون عبادي ومحبتي، ان أتأنيهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك، وتقديري غير علمك وتقديرك وأنت المرسل وأنا الرب الحكيم، يا يونس وقد اجبتك الى مسألتك من العذاب عليهم وما ذلك يا يونس بأوفر لحظك عندي، وسيأتيهم عذابي في شوال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فأعلمهم ذلك. قال: فسر بذلك يونس (ع) ولم يدر ما عاقبته، فانطلق يونس (ع) الى تنوخا العابد فأخبره بما اوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم وقال له: انطلق إليهم واعلمهم بما اوحى الله إلى من نزول العذاب عليهم، فقال تنوخا: فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم، حتى يعذبهم الله تعالى، فقال له يونس (ع): بل نلقى روبيل فنشاوره فانه رجل عالم حكيم من اهل بيت النبوة. فانطلقا الى روبيل، فأخبره يونس عليه السلام بما اوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الاربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فقال له: ما ترى ؟ انطلق بنا حتى اعلمهم ذلك، فقال له روبيل: إرجع الى ربك رجعة نبي حكيم و سله أن يصرف عنهم العذاب فانه غني عن عذابهم، وهو يحب الرفق بعباده، ولعل قومك بعد ما سمعت و رأيت من كفرهم و جحودهم يؤمنون يوما فصابرهم وتأنهم. فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل ما أشرت الى يونس (ع) وأمرت، بعد كفرهم بالله وجحودهم لنبيه وتكذبيهم إياه و إخراجهم إياه من مساكنه وما هموا به من رحمة، فقال روبيل لتنوخا: اسكت فانك رجل عابد لا علم لك. ثم اقبل على يونس (ع) فقال: يا يونس إذا انزل الله العذاب على قومك يهلكم جميعا أو يهلك بعضا ويبقي بعضا ؟ فقال يونس (ع): بل يهلكهم جميعا وكذلك سألته ما دخلتني لهم رحمة تعطف، فأراجع الله فيهم واسأله ان يصرف عنهم، فقال له روبيل: أتدري يا يونس لعل الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به أن يتوبوا إليه، فيرحمهم فانه أرحم الراحمين ويكشف عنهم العذاب من بعد ما اخبرتهم عن الله انه ينزل عليهم

[ 489 ]

العذاب يوم الاربعاء فتكون بذلك عندهم كذابا، فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل لقد قلت عظيما، يخبرك النبي المرسل ان الله أوحى إليه ان ينزل العذاب عليهم، فترد قول الله وتشك فيه وفي قول رسول الله، اذهب فقد هبط الله عملك، فقال روبيل لتنوخا: لقد فشل رأيك، ثم اقبل على يونس (ع) فقال: إذا نزل الوحي والأمر من الله فيهم على ما انزل عليك فيهم من انزال العذاب عليهم وقوله الحق أرأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم أليس يمحو الله اسمك من النبوة وتبطل رسالتك وتكون كبعض ضعفاء الناس ويهلك على يديك مائة الف من الناس ؟ فأبى يونس عليه السلام أن يقبل وصيته. فانطلق ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد، ورجع يونس (ع) الى قومه واخبرهم ان الله اوحى إليه أن ينزل العذاب عليكم في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فردوا عليه قوله وكذبوه واخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا. فخرج يونس عليه السلام ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد وأقاما ينتظران العذاب. وأقام روبيل مع قومه في قريتهم، حتى إذا دخل عليهم شوال، صرخ روبيل بأعلا صوته في رأس الجبل الى القوم: أنا روبيل شفيق عليكم رحيم بكم وهذا شوال قد دخل عليكم وقد اخبركم يونس نبيكم ورسولكم ان الله اوحى إليه ان العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط الشهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس، ولن يخلف الله وعده ورسوله فانظروا ما أنتم صانعون ؟ فأفزعهم كلامه و وقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب، فأتوا نحو روبيل وقالوا له: ما تشير علينا يا روبيل فانك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرأفة علينا والرحمة لنا، وقد بلغنا ما أشرت به على يونس فينا، فمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك، فقال لهم روبيل: فاني أرى لكم واشير عليكم أن تنظروا إذا طلع الفجر يوم الاربعاء في وسط الشهر ان تعزلوا الأطفال عن الامهات في اسفل الجبل في طريق الأودية وتقفوا النساء في سفح الجبل ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق

[ 490 ]

فعجوا الكبير منكم والصغير بالصراخ والبكاء والتضرع الى الله والتوبة إليه و ارفعوا رؤوسكم الى السماء وقولوا: ربنا ظلمنا انفسنا وكذبنا نبينا وتبنا اليك من ذنوبنا وإن لم تغفر لنا ولا ترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين، ثم لا تملوا من البكاء والصراخ والتضرع الى الله حتى تتوارى الشمس بالحجاب ويكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك. فأجمع رأي القوم جميعا على هذا. فلما كان يوم الاربعاء الذي توقعوا العذاب، تنحى روبيل من القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا نزل. فلما طلع الفجر يوم الاربعاء، فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل. فلما بزغت الشمس اقبلت ريح صفراء مظلمة لها صرير وحفيف وهدير. فلما رأوها عجوا بالصراخ والبكاء والتضرع الى الله وتابوا إليه وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب امهاتها وعجت سخال البهائم تطلب اللبن وعجت الأنعام تطلب المرعى. فلم يزالوا بذلك، ويونس وتنوخا يسمعان صيحتهم وصراخهم، ويدعوان الله عليهم بتغليظ العذاب، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ويرى ما نزل وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم. فلما ان زالت الشمس وفتحت ابواب السماء وسكن غضب الرب تعالى، فاستجاب دعائهم وقبل توبتهم، و اوحى الى اسرافيل: ان يهبط الى قوم يونس (ع) فانهم قد عجوا إلي بالبكاء والتضرع وتابوا فرحمتهم وأنا الله التواب الرحيم، وقد كان عبدي يونس سألني نزول العذاب على قومه وقد أنزلته عليهم، وأنا احق من وفى بعهدي، ولم يكن اشترط يونس حين سألني ان انزل عليهم العذاب، ان اهلكهم فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي، فقال اسرافيل: يا رب ان عذابك قد بلغ اكنافهم وكاد ان يهلكهم وما أراه إلا وقد نزل بساحتهم فكيف انزل اصرفه ؟ فقال الله: كلا اني قد أمرت ملائكتي أن يوقفوه ولا ينزلوه عليهم حتى يأتي أمري فيهم وعزيمتي، فاهبط يا اسرافيل عليهم واصرفه عنهم واصرفه

[ 491 ]

على الجبال بناحية مغاوض العيون ومجارى السيول في الجبال العادية المستطيلة على الجبال، فأذلها به لينها به حتى تصير ملينة حديدا جامدا. فهبط اسرافيل عليهم، فنشر أجنحته، فاستاق بها ذلك العذاب حتى ضرب بها تلك الجبال. قال أبو جعفر (ع): وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم، فصارت حديدا الى يوم القيامة. فلما رأى قوم يونس ان العذاب قد صرف عنهم، هبطوا من رؤوس الجبال الى منازلهم ضموا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم وحمدوا الله على ما صرف عنهم. وأصبح يونس (ع) وتنوخا يوم الخميس في موضعهما لا يشكان ان العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا، لما خفيت اصواتهم عندهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران الى ما صار إليه القوم. فلما دنوا من القوم واستقبلهم الحطابون والحماة والرعاة بأغنامهم ونظروا الى اهل القرية مطمئنين، قال يونس لتنوخا: يا تنوخا كذبني الوحي وكذبت وعدي لقومي ولا عزة لي ولا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي. فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية البحر مستنكرا فرار من ان يراه احد من قومه فيقول له كذاب. فلذلك قال الله تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه...) الآية. ورجع تنوخا الى القرية فلقى روبيل فقال له: يا تنوخا أي الرأيين كان أصوب وأحق ان يتبع، رأيى أو رأيك ؟ فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب ولقد كنت أشرت برأي الحكماء العلماء. فقال تنوخا: اما انى لم أزل أرى اني أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي حتى استبان فضلك لفضل علمك، وما اعطاك ربك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم، فاصطحبا، فلم يزالا مقيمين مع قومهما.

[ 492 ]

ومضى يونس (ع) على وجهه مغاضبا لربه: فكان من قصته ما أخبر الله في كتابه: (فآمنوا فمتعناهم الى حين). قال أبو عبيدة: قلت لابي جعفر عليه السلام: كم كان غاب يونس عليه السلام عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه ؟ قال: اربعة اسابيع سبعا منها في ذهابه الى البحر، وسبعا منها في رجوعه الى قومه. فقلت له: وما هذه الأسابيع شهورا وايام أو ساعات ؟ فقال: يا عبيدة ان العذاب اتاهم يوم الاربعاء في النصف من شوال وصرف عنهم من يومهم ذلك، فانطلق يونس عليه السلام مغاضبا، فمضى يوم الخميس سبعة ايام في مسيره الى البحر وسبعة ايام في بطن الحوت، وسبعة ايام تحت الشجرة بالعراء، وسبعة ايام في رجوعه الى قومه، فكان ذهابه ورجوعه مسيرة عشرين يوما، ثم اتاهم فآمنوا به وصدقوه واتبعوه. فلذلك قال الله: (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي). (العياشي) عن ابي جعفر عليه السلام في حديث قال فيه: ان العذاب نزل على قوم يونس حتى نالوه برماحهم، فلبسوا المسوح والصوف و وضعوا الحبال في أعناقهم والرماد على رؤوسهم وضجوا ضجة واحدة الى ربهم وقالوا: آمنا بآله يونس، فصرف الله عنهم العذاب الى جبال آمل. وأصبح يونس وهو يظن انهم هلكوا، فوجدهم في عافية فغضب وخرج، حتى ركب سفينة فيها رجلان فاضطربت السفينة فقال الملاح: يا قوم في سفينتي مطلوب، فقال يونس (ع): أنا هو وقام ليلقي نفسه، فأبصر السمكة و قد فتحت فاها، فهابها وتعلق به الرجلان وقالا له: انت واحد ونحن رجلان، فساهمهم، فوقعت السهام عليه. فجرت السنة بأن السهام إذا كانت ثلاث مرات انها لا تخطىء. فألقى نفسه، فالتقمه الحوت، فطاف به البحار سبعة، حتى صار الى البحر

[ 493 ]

المسجور، وبه يعذب قارون، ثم ذكر كلامه معه - كما تقدم -. (المناقب) عن الثمالي قال: دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين عليه السلام وقال له: يا بن الحسين الذي تقول ان يونس بن متى، انما ألقى من الحوت ما ألقى لأنه عرضت عليه ولاية جدى فتوقف عندها قال: ثكلتك امك، قال: فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين، فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة، ثم أمر بعد ساعة بفتح اعيننا، فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه. فقال ابن عمر: يا سيدي دمي في رقبتك، الله الله في نفسي، فقال: هبه وأر به إن كنت من الصادقين. ثم قال: يا ايها الحوت، قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر. مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك يا ولي الله، فقال: من أنت ؟ قال: أنا حوت يونس يا سيدي، قال: إنبئينا بالخبر، فقالت: يا سيدي ان الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم الى ان صار جدك محمد صلى الله عليه وآله إلا وقد عرض عليه ولايتكم، فمن قبلها من الأنبياء سلم و تخلص، ومن توقف عليها وتتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من الخطيئة، وما لقى نوح (ع) من الغرق، وما لقى ابراهيم من النار، وما لقى يوسف من الجب، وما لقى أيوب من البلاء، وما لقى داود من الخطيئة الى ان بعث الله يونس عليه السلام فأوحى الله إليه: أن يا يونس تول أمير المؤمنين عليا والأئمة الراشدين من صلبه. في كلام له: قال فكيف أتولى من لم أره ولم اعرفه، وذهب مغتاضا فأوحى الله تعالى إلي: ان إلتقمي يونس ولا توهني له عظما فمكث في بطني اربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي: (أن لا إله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين) قد قبلت ولاية علي والائمة الراشدين من ولده. فلما آمن بولايتكم، أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر. فقال زين العابدين (ع): ارجع ايتها الحوت الى وكرك، واستوى الماء. (وعن) ابي عبد الله عليه السلام قال: ان داود النبي (ع) قال: يا رب اخبرني بقريني

[ 494 ]

في الجنة ونظيري في منازلي، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: ان ذلك متى أبا يونس. قال: فاستأذن الله في زيارته فأذن له، فخرج هو وسليمان ابنه، حتى أتيا موضعه، فإذا هما ببيت من سعف، فقيل لهما: هو في السوق، فسألا عنه فقيل لهما: اطلباه في الحطابين، فسألا عنه، فقال لهما: جماعة من الناس: نحن ننتظره الآن يجيء فجلسا ينتظرانه. إذ اقبل وعلى رأسه وقر من حطب، فقام إليه الناس، فألقى عنه الحطب فحمد الله وقال: من يشتري طيبا بطيب ؟ فساومه واحد و زاد بآخر، حتى باعه من بعضهم. قال: فسلما عليه، فقال: انطلقا بنا الى المنزل، واشترى طعاما بما كان معه ثم طحنه وعجنه، ثم اجج نارا و أوقدها، ثم جعل العجين في تلك النار، وجلس معهما يتحدث، ثم قام وقد نضجت خبيزته فوضعها في الاجانة وفلقها وذر عليها ملحا و وضع الى جنبه مطهرة ماء وجلس على ركبتيه وأخذ لقمة، فلما وضعها الى فيه قال: بسم الله، فلما ازدردها قال الحمد لله، ثم فعل ذلك باخرى، ثم اخذ الماء فشرب منه فذكر اسم الله، فلما وضعه قال: الحمد لله، يا رب من ذا الذي أنعمت عليه ما اوليته مثل ما اوليتني، قد صححت بصري وسمعي وبدني وقويتني حتى ذهبت الى شجر لم اغرسه ولم اهتم لحفظه، جعلته لي رزقا وسقت إلي من اشتراه مني، فاشتريت بثمنه طعاما لم ازرعه، وسخرت لي النار فأنضجته، وجعلتني آكله بشهوة أقوى به على طاعتك فلك الحمد. قال ثم بكى، قال داود عليه السلام: يا بنى قم فانصرف بنا، فاني لم أر عبدا قط أشكر من هذا. صلى الله عليه وعليهما. اقول: نقل المفسرون: ان السفينة التي ركب فيها يونس (ع) إحتبست فقال الملاحون: ان هاهنا عبدا آبقا، فان من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري فلذلك إقترعوا، فوقعت القرعة على يونس (ع) ثلاث مرات، فعلموا انه المطلوب، فألقى نفسه في البحر. فأوحى الله الى الحوت: اني لم اجعل عبدي رزقا لك، ولكني جعلت بطنك له مسجدا، فلا تكسرن له عظما ولا تخدشن له جلدا.

[ 495 ]

وقوله: (وهو مليم) اي مستحق اللوم، لوم العتاب لا لوم العقاب على خروجه من بين قومه من غير امر ربه. وعندنا: ان ذلك إنما وقع منه تركا للمندوب وقد يلام الرجل على ترك المندوب. وعن ابي عبد الله عليه السلام ان النبي (ص) يقول: ما ينبغي لأحد ان يقول: أنا خير من يونس بن متى. اقول: لعل المعنى على تقدير صحة الخبر: انه لا ينبغي لأحد ان يقول: انا خير من يونس، من حيث المعراج، بأن يظن اني صرت من حيث العروج الى السماء اقرب الى الله تعالى منه، فان نسبته تعالى الى السماء والارض والبحار نسبة واحدة، وانما ارانى الله تعالى عجائب صنعه في السماوات، وارى يونس عجائب خلقه في البحار، واني عبدت الله في السماء ويونس عبده في بطن الحوت، ولكن التفضيل من جهات اخر لا تحصى. باب في قصة أصحاب الكهف والرقيم قال الله سبحانه: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا...) الآيات. (قصص الراوندي) باسناده الى ابن عباس قال: لما كان في عهد خلافة عمر أتاه قوم من احبار اليهود فسألوه عن أقفال السماوات ما هي ؟ وعمن انذر قومه وليس من الجن ولا من الانس ؟ وعن خمسة اشياء مشت على وجه الأرض لم يخلقوا في الأرحام ؟ وما يقول الدراج في صياحه ؟ وما يقول الديك والفرس والحمار والضفدع

[ 496 ]

والقنبرة ؟ فنكس عن رأسه فقال: يا ابا الحسن ما أرى جوابهم إلا عندك. فقال لهم علي عليه السلام: ان لي عليكم شريطة إذا أنا اخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا ؟ فقالوا: نعم، فقال علي عليه السلام: اما اقفال السماوات فهو الشرك بالله، فان العبد والأمة إذا كانا مشركين ما يرفع لهما إلى الله سبحانه عمل، فقالوا: وما مفاتيحها ؟ فقال علي عليه السلام: شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله. فقالوا: اخبرنا عن قبر سار بصاحبه ؟ قال: ذلك الحوت، حين ابتلع يونس (ع) فدار به في البحار السبعة. فقالوا: اخبرنا عمن أنذر قومه لا من الجن ولا من الانس ؟ قال: تلك نملة سليمان (ع): إذ قالت: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده). قالوا: اخبرنا عن خمسة اشياء مشت على الارض ما خلقوا في الأرحام ؟ قال: ذاك آدم وحواء وناقة صالح وكبش ابراهيم وعصا موسى صلوات الله عليهم. قالوا: فاخبرنا ما تقول هذه الحيوانات ؟ قال: الدراج يقول: الرحمن على العرش استوى. والديك يقول: اذكروا الله يا غافلين. والفرس يقول: اللهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين. والحمار يلعن العشارين ينعق في عين الشيطان. والضفدع يقول: سبحان ربي المعبود في لجج البحار. والقنبرة تقول: اللهم إلعن مبغضي محمد وآل محمد. قال: وكان الأحبار ثلاثة، فوثب إثنان وقالا: أشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده و رسوله، فوقف الحبر الآخر وقال: يا علي لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب اصحابي، ولكن بقيت خصلة أسألك عنها، فقال عليه السلام: سل، قال: اخبرني عن قوم كانوا في اول الزمان فماتوا ثلاثمائة وتسع سنين، ثم احياهم الله، ما كانت قصتهم ؟ فابتدأ علي عليه السلام وأراد ان يقرأ سورة الكهف، فقال الحبر: ما اكثر ما سمعنا قراءتكم، فان كنت عالما فاخبرنا بقصة هؤلاء وبأسمائهم و عددهم

[ 497 ]

واسم كلبهم واسم كهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم. فقال علي عليه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود حدثني محمد (ص) انه كان بأرض الروم مدينة يقال لها اقسوس وكان لهم ملك صالح فمات ملكهم، فاختلفت كلمتهم. فسمع ملك من ملوك فارس يقال له دقيوس، فأقبل في مائة الف حتى فتح مدينة اقسوس، فاتخذها دار مملكته واتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ واتخذ في ذلك القصر. مجلسا طوله الف ذراع في عرض مثل ذلك، من الزجاج الممرد واتخذوا في ذلك المجلس اربعة الآف إسطوانة من ذهب واتخذوا الف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللجين، تسرج بأطيب الأدهان، واتخذ في شرقي المجلس ثمانين كوة، وكانت الشمس إذا طلعت في المجلس كيفما دارت واتخذت فيه سريرا من ذهب له قوائم من فضة مرصعة بالجواهر، وعلاه من النمارق، واتخذ من يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر، فأجلس بطارقته - يعني قواده - وأعاظم اهل دولته من العلماء، واتخذ من يسار السرير ثمانين كرسيا من الفضة مرصعة بالياقوت الأحمر، فأجلس عليها هراقيله - يعني حكامه وعماله -، ثم علا على السرير فوضع التاج على رأسه. فوثب اليهودي فقال: مم كان تاجه ؟ قال: من الذهب المشبك له سبعة اركان على كل ركن لؤلؤة بيضاء كضوء الصبح في الليلة الظلماء، واتخذ خمسين غلاما من أولاد الهراقلة، فقرطهم بقراريط الديباج الأحمر وسرولهم سراويلات الحرير وتوجهم ودملجهم و خلخلهم واعطاهم اعمدة من الذهب وأوقفهم على رأسه، واتخذ ستة غلمة وزراء فأقام ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره. فقال اليهودي: ما كان اسم الثلاثة و الثلاثة ؟ فقال علي صلوات الله عليه: الثلاثة عن يمينه أسماؤهم تمليخا و مكسلمينا ومنثلينيا، وأما الذين عن يساره فأسماؤهم مرنوس وديرنوس وساذريوس، وكان يستشيرهم في جميع اموره، كان يجلس في كل يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره، ويدخل ثلاثة غلمة في يد

[ 498 ]

أحدهم جام من ذهب مملوء من المسك المسحوق وفي يد الآخر جام من فضة مملوء من ماء الورد وفي يد الآخر طائر ابيض منقاره احمر، فإذا نظر الملك الطائر صفر به، فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه ثم يقع على جام المسك، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحه، ثم يصفر به الثانية فيطير الطائر على الملك فينفض ما في ريشه وجناحه على رأس الملك. فلما نظر الملك الى ذلك عتى وتجبر فادعى الربوبية من دون الله ودعا الى ذلك وجوه قومه فكل من أطاعه الى ذلك اعطاه و كساه، وكل من لم يبايعه قتله فاستجابوا له رأسا، واتخذ لهم في كل سنة مرة. فبينما هم ذات يوم في عيد لهم والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره، إذ أتاه بطريق فأخبره ان عساكر الفرس قد غشيته، فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن ناصيته، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له تمليخا وكان له غلاما فقال في نفسه: لو كان دقيوس إلها كما يزعم إذن ما كان يغتم ولا يفزع ولا يبول ولا يتغوط ما كان ينام وليس هذا من فعل الآله. قال: وكان الفتية كل يوم عند احدهم، وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا، فاتخذ لهم من طيب الطعام ثم قال لهم: يا اخوتاه قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام والشراب والمنام، قالوا: وما ذاك يا تمليخا ؟ قال: أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آيتان مبصرتان ومن زينها بالنجوم ؟ ثم أطلت الفكر في الأرض فقلت: من سطحها على صميم الماء الزخار ؟ ومن حبسها بالجبال أن يمتد على كل شيء ؟ وأطلت فكري في نفسي من اخرجني جنينا من بطن امي ومن غذاني ومن رباني ؟ ان لها صانعا ومدبرا، غير دقيوس الملك، وما هو إلا ملك الملوك وجبار السماوات، فانكبت الفتية على رجليه يقبلونهما وقالوا: بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى، فأشر علينا. قال: فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم وصر في ردنه وركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة.

[ 499 ]

فلما صاروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا: يا اخوتاه جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك الدنيا، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم لعل الله ان يجعل لكم من أمركم فرجا ومخرجا، فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم، فجعلت أرجلهم تقطر دما. قال: فاستقبلهم راع فقالوا: يا أيها الراعي هل من شربة لبن أو ماء ؟ فقال الراعي: عندي ما تحبون، ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك وما أظنكم إلا هرابا من دقيانوس الملك، قالوا: يا ايها الراعي لا يحل لنا الكذب افينجينا منك الصدق ؟ فأخبروه بقصتهم، فانكب الراعي على ارجلهم يقبلها ويقول: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ولكن امهلوني حتى ارد الأغنام على اربابها وألحق بكم، فتوقفوا له، فرد الأغنام واقبل يسعى يتبعه الكلب. فوثب اليهودي فقال: يا علي ما اسم الكلب وما لونه ؟ فقال له علي عليه السلام: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، أما لون الكلب فكان أبلق بسواد، وأما اسم الكلب فقطمير. فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم: إنا نخاف ان يفضحنا الكلب بنباحه، فألحوا عليه بالحجارة، فأنطق الله الكلب وقال: ذروني حتى أحرسكم من عدوكم. فلم يزل الراعي يسير بهم، حتى علاهم جبلا فانحط به على كهف يقال له الوصيد فإذا بفناء الكهف عيون واشجار مثمرة، فأكلوا من الثمر وشربوا من الماء وجنهم الليل. فأوحى الله تعالى الى ملك الموت بقبض أرواحهم، و وكل الله بكل رجل ملكين يقلبانه من ذات اليمين الى ذات الشمال، وأوحى الله الى خزان الشمس (فكانت تزاور كهفهم ذات اليمين وتقرضهم ذات الشمال). فلما رجع دقيوس من عيده، سأل عن الفتية ؟ فاخبر انهم خرجوا هربا، فركب في ثمانين الف حصان، فلم يزل يقفوا أثرهم حتى علا، فانحط الى كهفهم. فلما نظر إليهم فإذا هم نيام، فقال الملك لو أردت ان اعاقبهم بشيء لما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا انفسهم، ولكن ائتوني بالبنائين، فسد باب الكهف بالكلس والحجارة

[ 500 ]

وقال لأصحابه: قولوا لهم يقولوا لإلههم في السماء لينجيهم وان يخرجهم من هذا الموضع. قال علي عليه السلام: يا أخا اليهود، فمكثوا ثلاثمائة وتسع سنين. فلما ان اراد الله ان يحييهم امر اسرافيل ان ينفخ فيهم الروح، فنفخ، فقاموا من رقدتهم. فلما بزغت الشمس قال بعضهم: قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماء فقاموا، فإذا العين قد غارت وإذا الأشجار قد يبست، فقال بعضهم لبعض: ان امرنا لعجيب، مثل تلك العين الغزيرة قد غارت و الاشجار قد يبست في ليلة واحدة ومسهم الجوع (فقالوا فابعثوا احدكم بورقكم هذه الى المدينة فلينظر أيها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم احدا) قال تمليخا: لا يذهب في حوائجكم غيري ولكن ادفع أيها الراعي ثيابك إلي، فدفع الراعي ثيابه: ومضى نحو المدينة فجعل يرى مواضع لا يعرفها وطريقا هو ينكرها، حتى اتى باب المدينة، وإذا علم اخضر مكتوب عليه: لا إله إلا الله عيسى رسول الله، فجعل ينظر الى العلم وجعل يمسح به عينيه ويقول: أراني نائم. ثم دخل السوق فأتى رجلا خبازا فقال: ايها الخباز ما اسم مدينتكم هذه ؟ قال: اقسوس، قال: وما اسم ملككم ؟ قال: عبد الرحمن، قال: ادفع لي بهذه الورق طعاما، فجعل الخباز يتعجب من ثقل الدراهم ومن كبرها. فقال اليهودي: يا علي ما كان وزن كل درهم منها ؟ قال وزن عشرة دراهم وثلثي درهم. فقال الخباز: يا هذا انت اصبت كنزا ؟ فقال تمليخا: ما هذا إلا ثمن تمر بعتها منذ ثلاث وخرجت من هذه المدينة وتركت الناس يعبدون دقيوس الملك. قال: فأخذ الخباز بيد تمليخا وأدخله على الملك، فقال: ما شأن هذا الفتى ؟ قال الخباز: هذا رجل اصاب كنزا، فقال الملك: يا فتى لا تخف فان نبينا عيسى (ع) أمرنا ان لا نأخذ من الكنز إلا خمسها، فاعط خمسها وامض سالما، فقال تمليخا:

[ 501 ]

انظر ايها الملك في امري ما اصبت كنزا، انا رجل من اهل هذه المدينة، فقال الملك: انت من اهلها ؟ قال: نعم، قال: فهل تعرف بها احدا ؟ قال: نعم، قال: ما اسمك ؟ قال: اسمي تمليخا، قال: وما هذه الأسماء اسم اهل زماننا. فقال الملك: هل لك في هذه المدينة دار ؟ قال: نعم، اركب ايها الملك معي فركب والناس معه، فأتى بهم ارفع دار في المدينة، قال تمليخا: هذه الدار لي، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ وقد وقع حاجباه على عينيه من الكبر، فقال: ما شأنكم ؟ قال الملك: اتانا هذا الغلام بالعجائب، يزعم ان هذه الدار داره، فقال الشيخ: من انت ؟ قال: انا تمليخا بن قسطيكين. قال: فانكب الشيخ على رجليه يقبلهما وهو يقول: جدي ورب الكعبة فقال: ايها الملك هؤلاء الفتية الستة الذين خرجوا هربا من دقيوس الملك. قال: فنزل الملك عن فرسه وحمله على عاتقه وجعل الناس يقبلون يديه ورجليه فقال: يا تمليخا ما فعل اصحابك ؟ فأخبر انهم بالكهف. وكان يومئذ بالمدينة ملك مسلم وملك يهودي، فركبوا في اصحابهم. فلما صاروا قريبا من الكهف قال لهم تمليخا: اني اخاف ان يسمع اصحابي اصوات حوافر الخيول يظنون ان دقيوس الملك قد جاء في طلبهم، ولكن امهلوني حتى اتقدم فأخبرهم، فوقف الناس. فأقبل تمليخا حتى دخل الكهف، فلما نظروا إليه إعتنقوه وقالوا: الحمد لله الذي نجانا من دقيوس، قال: تمليخا دعوني عنكم وعن دقيوسكم، كم لبثتم ؟ قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم، قال: تمليخا: بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين وقد مات دقيوس وقرن بعد قرن، و بعث الله نبيا يقال له المسيح عيسى بن مريم ورفعه الله إليه، وقد اقبل الينا الملك والناس معه. قالوا: يا تمليخا أتريد ان تجعلنا فتنة للعالمين ؟ قال تمليخا: فما تريدون ؟ قالوا: إدع الله جل ذكره وندعو معك حتى يقبض ارواحنا، فرفعوا ايديهم، فأمر الله تعالى بقبض ارواحهم، وطمس الله باب الكهف على الناس. فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة ايام، لا يجدان للكهف بابا، فقال

[ 502 ]

الملك المسلم: ماتوا على ديننا نبني على باب الكهف مسجدا، وقال اليهودي: لا بل ماتوا على ديني، نبني على باب الكهف كنيسة، فاقتتلا فغلب المسلم وبنى مسجدا عليه. يا يهودي أيوافق هذا ما في توراتكم ؟ قال: ما زدت حرفا ولا نقصت وانا اشهد أن لا اله الا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله. وفيه مسندا الى ابي جعفر عليه السلام قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله ذات ليلة، ثم توجه الى البقيع فدعا ابا بكر وعثمان وعمر و عليا، فقال: امضوا حتى تأتوا اصحاب الكهف وتقرؤوهم مني السلام، وتقدم انت يا ابا بكر فانك اسوة القوم، ثم انت يا عمر ثم انت يا عثمان، فان اجابوا احدا منكم وإلا تقدم انت يا علي كن آخرهم، ثم أمر الريح فحملتهم و وضعتهم على باب الكهف. فتقدم أبو بكر فسلم فلم يردوا عليه فتنحى، فتقدم عمر فسلم فلم يردوا عليه وتقدم عثمان وسلم فلم يردوا عليه. فتقدم علي عليه السلام وقال: السلام عليكم ورحمة الله و بركاته يا اهل الكهف الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى و ربط على قلوبهم، أنا رسول رسول الله اليكم، فقالوا: مرحبا برسول الله و برسوله وعليك السلام يا وصي رسول الله (ص) ورحمة الله وبركاته، قال: كيف علمتم اني وصي النبي ؟ قالوا: انه ضرب على آذاننا ان لا نكلم إلا نبيا أو وصى نبي، فقالوا: كيف تركت رسول الله وكيف حشمه وكيف حاله ؟ وبالغوا في السؤال، وقالوا: اخبر اصحابك هؤلاء إنا لا نكلم إلا نبيا أو وصي نبي. فقال لهم: أسمعتم ما يقولون ؟ قالوا: نعم، قال: فاشهدوا، ثم حول وجوههم نحو المدينة، فحملتهم الريح حتى وضعتهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبروه بالذي كان، فقال لهم (ص): قد رأيتم وسمعتم فاشهدوا، قالوا: نعم. فانصرف النبي صلى الله عليه وآله الى منزله وقال لهم: احفظوا شهادتكم. و رواه الثعلبي في تفسيره بأسانيد، في معجزات النبي ومعجزات أمير المؤمنين صلوات الله عليهما.

[ 503 ]

وعن ابي عبد الله عليه السلام: ان اصحاب الكهف أسروا الايمان واظهروا الكفر، فكان على اظهارهم الكفر اعظم منهم على اسرارهم الايمان. وفيه عنه عليه السلام انه قال: خرج ثلاثة نفر يسبحون في الارض فبينا هم يعبدون الله في كهف في قلة جبل حتى بدت صخرة من اعلى الجبل حتى إلتقمت باب الكهف، فقال بعضهم: يا عباد الله والله لا ينجيكم منها إلا ان تصدقوا عن الله، فهلموا ما عملتم لله خالصا. فقال احدهم: اللهم إن كنت تعلم اني طلبت امرأة جيدة لحسنها وجمالها واعطيت فيها مالا ضخما، فلما قدرت عليها و جلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار فقمت عنها خوفا منك، فارفع عنا هذه الصخرة. قال: فانصدعت حتى نظروا الى الضوء. ثم قال الآخر: اللهم إن كنت تعلم إني استأجرت قوما كل رجل بنصف درهم، فلما فرغوا اعطيتهم اجورهم، فقال رجل لقد عملت عمل رجلين والله لا آخذ إلا درهما ثم ذهب وترك ماله عندي، فبذرت بذلك النصف درهم في الارض، فأخرج الله به رزقا، وجاء صاحب النصف الدرهم فأراده فدفعت إليه عشرة آلاف درهم ودرهم حقه فان كنت تعلم انما فعلت ذلك مخافة منك فارفع عنا هذه الصخرة، قال: فانفرجت حتى نظر بعضهم الى بعض. ثم قال الآخر: اللهم إن كنت تعلم ان ابي وامي كانا نائمين فأتيتهما بقصعة من لبن فخفت ان اضعه فتقع فيه هامة، وكرهت ان انبههما من نومهما فيشق ذلك عليهما، فلم ازل بذلك حتى استيقظا فشربا، اللهم إن كنت تعلم اني فعلت ذلك ابتغاء لوجهك فارفع عنا هذه الصخرة، فانفرجت حتى سهل الله لهم المخرج. ثم قال رسول الله صلوات الله عليه وآله: من صدق الله نجا. أقول: إنما اوردنا هذا الخبر هنا. لأنه ذهب كثير من المفسرين الى ان اهل الرقيم هم هؤلاء الثلاثة. وقال الثقة علي بن ابراهيم: و اما الرقيم: فيهما لوحان من نحاس مرقوم مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم وما اراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم. وقيل: الرقيم اسم الوادي الذي كان فيه الكهف، وقيل: هي القرية التي خرجوا منها.

[ 504 ]

باب في قصة أصحاب الاخدود وقصة جرجيس وقصة خالد بن سنان العبسي (تفسير) علي بن ابراهيم في قوله تعالى: (قتل أصحاب الاخدود) قال: كان سببهم: ان الذي هيج الحبشة على غزوة اليمن ذانوس وهو آخر ملك من ملوك حمير تهود واجتمعت معه حمير على اليهودية، وسمى نفسه يوسف، ثم اخبر ان بنجران بقايا قوم على دين النصرانية وكانوا على دين عيسى عليه السلام وعلى حكم الأنجيل، ورأس ذلك الدين عبد الله بن ياس وحمله اهل دينه على ان يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ويدخلهم فيها. فسار حتى قدم نجران، فجمع ما كان بها على دين النصرانية، ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها، فأبوا عليه، فجادلهم وعرض عليهم وعلى الحرس كله فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها و اختاروا القتل، فخد لهم اخدودا وجمع فيه الحطب واشعل فيه النار، فمنهم من احرق بالنار ومنهم من قتل بالسيف ومثل بهم كل مثلة، فبلغ عدد من قتل واحرق بالنار عشرين الف الف رجل. (قصص الأنبياء) للراوندي طاب ثراه باسناده الى ابي جعفر عليه السلام قال: ان اسقف نجران دخل على امير المؤمنين عليه السلام فجرى ذكر أصحاب الاخدود، فقال عليه السلام: بعث الله نبيا حبشيا الى قومه في الحبشة فدعاهم الى الله تعالى فكذبوه وحاربوه وظفروا به وخدوا الاخدود وجعلوا فيه الحطب والنار. فلما كان حراقا، قالوا لمن كان على دين ذلك النبي: اعتزلوا والا طرحناكم فيها فاعتزل قوم كثير وقذف فيها خلق كثير، حتى وقعت امرأة ومعها ابن لها من شهرين

[ 505 ]

فقيل لها: اما ان ترجعي واما ان تقذفيه في النار، فهمت تطرح نفسها. فلما رأت ابنها رحمته، فأنطق الله الصبي وقال: يا اماه إلقي نفسك وإياي في النار، فان هذا في الله قليل. وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن المجوس أي احكام تجري فيهم ؟ قال: هم اهل الكتاب كان لهم كتاب وكان لهم ملك سكر يوما فوقع على اخته وامه فلما أفاق ندم وشق ذلك عليه، فقال للناس: هذا حلال. فامتنعوا عليه، فجعل يقتلهم ويحفر لهم الاخدود ويلقيهم فيها. وفيه عنه عليه السلام قال: ولى عمر رجلا كورة من الشام فافتتحها، فإذا أهلها أسلموا فبنى لهم مسجدا فسقط، ثم بنى فسقط، ثم بنى فسقط، فكتب الى عمر بذلك. فلما قرأ الكتاب سأل أصحاب محمد (ص) هل عندكم في ذلك علم ؟ قالوا: لا. فبعث الى علي بن ابي طالب عليه السلام فأقرأه الكتاب، فقال: هذا نبي كذبه قومه فقتلوه ودفنوه في هذا المسجد وهو متشحط في دمه، فاكتب الى صاحبك فلينبشه فان جسده طريا، ليصل عليه وليدفنه في موضع كذا، ثم ليبني عليه مسجدا فانه سيقوم. ففعل ذلك، ثم بنى المسجد فثبت. وفي رواية: اكتب الى صاحبك ان يحفر ميمنة أساس المسجد، فانه سيصيب فيها رجلا قاعدا يداه على أنفه ووجهه، فقال عمر: من هو ؟ قال علي عليه السلام: اكتب الى صاحبك فليعمل ما أمرته، فان وجده كما وصفت أعلمتك إن شاء الله. فلم يلبث ان كتب العامل: أصبت الرجل على ما وصفت، فصنعت الذي أمرت به، فثبت الينا. فقال عمر لعلي عليه السلام: ما حال هذا الرجل ؟ فقال: هذا نبي من اصحاب الاخدود، قصتهم معروفة في القرآن. وفيه باسناده الى ابن عباس قال: بعث الله جرجيس عليه السلام الى ملك

[ 506 ]

بالشام، فقال له: انه يعبد صنما، فقال له: ايها الملك إقبل نصيحتي لا ينبغي للخلق ان يعبدوا غير الله تعالى ولا يرغبوا إلا إليه، فقال له الملك: من أي ارض انت ؟ قال: من الروم قاطنين بفلسطين، ثم أمر بحبسه ثم مشط جسده بأمشاط من حديد حتى تساقط لحمه ونضج جسده بالخل ودلكه بالمسوح الخشنة ثم أمر بمكاو من حديد تحمى فيكوى بها جسده، ولما لم يقتل أمر بأوتاد من حديد فضربوها في فخذيه و ركبتيه وتحت قدميه، فلما رأى ان ذلك لم يقتله أمر بأوتاد طوال من حديد فوتدت في رأسه فسال منها دماغه وأمر بالرصاص فأذيب وصب على اثر ذلك ثم امر بسارية من حجارة كانت في السجن لم ينقلها إلا ثمانية عشر رجلا فوضعت على بطنه. فلما اظلم الليل وتفرق عنه الناس رآه اهل السجن وقد جاءه ملك فقال له: يا جرجيس ان الله جلت عظمته يقول: اصبر وابشر ولا تخف ان الله معك يخلصك وانهم يقتلونك اربع مرات، في كل ذلك ارفع عنك الألم والأذى. فلما اصبح الملك دعاه فجلده بالسياط على الظهر والبطن ثم رده الى السجن ثم كتب الى اهل مملكته ان يبعثوا إليه بكل ساحر، فبعثوا بساحر استعمل كلما قدر عليه من السحر، فلم يعمل فيه. ثم عمد إلى سم فسقاه، فقال جرجيس: بسم الله الذي يضل عند صدقه كذب الفجرة وسحر السحرة، فلم يضره، فقال الساحر: لو اني سقيت بهذا اهل الأرض لنزفت قواهم وعميت ابصارهم، فأنت يا جرجيس النور المضيء والسراج المنير والحق المبين، أشهد ان إلهك حق وما دونه باطل، آمنت به وصدقت رسله واليه أتوب مما فعلت. فقتله الملك، ثم اعاد جرجيس صلوات الله عليه الى السجن وعذبه ألوان العذاب، ثم قطعه اقطاعا والقاه في جب. ثم خلا الملك الملعون واصحابه على طعام له وشراب، فأمر الله تعالى اعصارا انشأت سحابة سوداء وجاءت بالصواعق ورجفت الارض وتزلزلت الجبال حتى أشفقوا ان يكون هلاكهم، وأمر الله ميكائيل فقام على رأس الجب وقال: قم يا جرجيس بقوة

[ 507 ]

الله الذي خلقك فسواك، فقام جرجيس حيا سويا واخرجه من الجب وقال: اصبر وابشر. فانطلق جرجيس حتى قام بين يدي الملك وقال: بعثني الله ليحتج بي عليكم فقام صاحب الشرطة وقال: آمنت بالهك الذي بعثك بعد موتك وشهدت انه الحق وجميع الآلهة دونه باطل، واتبعه اربعة آلاف آمنوا وصدقوا جرجيس، فقتلهم الملك جميعا بالسيف، ثم أمر بلوح من نحاس اوقد عليه النار حتى إحمر فبسط عليه جرجيس وامر بالرصاص فاذيب وصب في فيه، ثم ضرب الاوتاد في عينيه ورأسه ثم ينزع ويفرغ بالرصاص مكانه. فلما رأى ان ذلك لم يقتله، فأوقد عليه النار حتى مات وأمر برماده فذر في الرياح فأمر الله تعالى رياح الأرضين في ليلة فجمعت رماده في مكان، فأمر ميكائيل عليه السلام فنادى يا جرجيس، فقام حيا سويا باذن الله. فانطلق جرجيس صلوات الله عليه الى الملك وهو في اصحابه، فقام رجل فقال: ان تحتنا اربعة عشر منبرا ومائدة بين ايدينا وهي من عيدان شتى منها ما يثمر ومنها ما لا يثمر، فسل ربك ان يلبس كل شجرة منها لحاها وينبت فيها ورقها وثمرها، فان فعل ذلك فاني اصدقك، فوضع جرجيس ركبتيه على الأرض ودعا ربه تعالى عظم شأنه، فما برح مكانه حتى اثمر كل عود فيها ثمرة. فأمر الملك فمد بين الخشبتين و وضع المنشار على رأسه فنشر حتى سقط المنشار من تحت رجليه، ثم امر بقدر عظيمة فألقى فيها زفت وكبريت و رصاص وألقى فيها جسد جرجيس (ع) فطبخ حتى اختلط ذلك كله جميعا. فأظلمت الأرض لذلك وبعث الله اسرافيل فصاح صيحة خر منها الناس لوجوههم، ثم قلب اسرافيل (ع) القدر، فقال: قم يا جرجيس باذن الله تعالى، فقام حيا سويا بقدرة الله. وانطلق جرجيس الى الملك ولما رآه الناس عجبوا منه، فجاءت امرأة وقالت: ايها العبد الصالح كان لنا ثورا نعيش به فمات ؟ فقال لها جرجيس: خذي عصاي

[ 508 ]

فضعيها على ثورك وقولي ان جرجيس يقول: قم باذن الله تعالى. ففعلت، فقام حيا، فآمنت به. فقال الملك: إن تركت هذا الساحر هلك قومي، فاجتمعوا كلهم على ان يقتلوه، فأمر به ان يخرج ويقتل بالسيف، فقال جرجيس عليه السلام لما خرج: لا تعجلوا علي، فقال: اللهم إن اهلكت انت عبدة الاوثان اسألك ان تجعل اسمي وذكري صبرا لمن يتقرب اليك عند كل هول وبلاء، ثم ضربوا عنقه فمات، ثم اسرعوا الى القرية فهلكوا كلهم. (الكافي) باسناده الى ابي عبد الله عليه السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذ جاءته امرأة، فرحب بها واخذ بيدها واقعدها، ثم قال: إبنة نبي ضيعه قومه خالد بن سنان، دعاهم فأبوا ان يؤمنوا به، وكانت نار يقال لها: نار الحدثان: تأتيهم كل سنه فتأكل بعضهم، وكانت تخرج في وقت معلوم، فقال لهم إن رددتها عنكم تؤمنون ؟ قالوا: نعم. قال: فجاءت فاستقبلها بثوبه فردها ثم تبعها حتى دخلت كهفها ودخل معها وجلسوا على باب الكهف وهم لا يرون ألا يخرج ابدا، وهو يقول: زعمت بنو عبس اني لا اخرج ابدا، ثم قال: تؤمنون بي ؟ قالوا: لا، قال: فاني ميت يوم كذا وكذا فإذا انا مت فادفنوني، فانه سيجيء قطيع من حمر الوحش يقدمها عير ابتر حتى تقف على قبري، فانبشوني وسلوني عما شئتم. فلما مات دفنوه، وكان ذلك اليوم إذ جاءت الحمر الوحشية وجاؤوا يريدون نبشه، فقالوا: ما آمنتم به في حياته فكيف تؤمنون به بعد وفاته، ولئن نبشتموه ليكون عليكم فاتركوه، فتركوه. اقول: قال السيوطي نقلا عن العسكري في ذكر اقسام النار: نار الحرتين كانت في بلاد عبس تخرج من الارض فتؤذي من مر بها، وهي التي دفنها خالد بن سنان النبي عليه السلام.

[ 509 ]

قال خليد شعرا: كنار الحرتين لها زفير * تصم مسامع الرجل السميع وحينئذ فالأظهر - كما قيل -: انه كان نار الحرتين فصحف. وفيه مسندا الى الصادق عليه السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذ اقبلت امرأة تمشي حتى انتهت إليه، فقال لها: مرحبا يا بنت اخي فصافحها، وكان اسمها محياء بنت خالد بن سنان، ثم قال: ان خالدا دعا قومه فأبوا ان يجيبوه، وكانت نار تخرج في كل يوم فتأكل ما تليهم من مواشيهم وما ادركتهم، فقال لقومه: أرأيتم إن رددتها عنكم أتؤمنون بى وتصدقونني ؟ قالوا: نعم فاستقبلها فردها بقوة حتى ادخلها غارا، وهم ينظرون، فدخل معها فمكث حتى طال ذلك عليهم فقالوا: إنا لنراه قد اكلته، فخرج منها فقال: أتؤمنون بي ؟ قالوا: نار خرجت ودخلت لوقت، فأبوا ان يجيبوه... الحديث. (الاحتجاج) قال الصادق عليه السلام في اسئلة الزنديق وكان فيما سأله: اخبرني عن المجوس هل بعث إليهم خالد بن سنان ؟ قال: ان خالدا كان عربيا بدويا، وما كان نبيا، وإنما ذلك شيء يقوله الناس. اقول: الاخبار الدالة على نبوته كثيرة، و يمكن حمله على ما هو معتقد الزنديق لأن مثله يرد في الأجوبه كثيرا.

[ 510 ]

باب ما ورد بلفظ نبي من الأنبياء وفيه ذكر نبي المجوس (علل الشرايع) باسناد العلوي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان نبيا من الانبياء بعثه الله عز وجل الى قومه فبقى فيهم اربعين سنة فلم يؤمنوا، فكان لهم عيد في كنيسة فاتبعهم ذلك النبي فقال لهم: آمنوا بالله، قالوا: إن كنت نبيا فادع الله ان يجيئنا بطعام على لون ثيابنا، و كانت) و ثيابهم صفراء، فجاء بخشبة يابسة فدعا الله عز وجل عليها، فاخضرت و أينعت وجاءت بالمشمش حملا، فأكلوا، فكل من اكل و نوى أن يسلم على يد ذلك النبي خرج ما في جوف النوى من فيه حلوا، ومن نوى أن لا يسلم، خرج ما في جوف النوى من فيه مرا. (عيون الأخبار) مسندا الى الهروي قال: سمعت علي بن موسى الرضا (ع) يقول: أوحى الله عز وجل الى نبي من انبيائه: إذا اصبحت فأول كل شيء يستقبلك فكله والثاني فاكتمه والثالث فاقبله والرابع فلا تؤيسه و الخامس فاهرب منه. قال: فلما اصبح مضى، فاستقبله جبل عظيم أسود فوقف و قال: أمرني ربي عز وجل ان آكل هذا، وبقى متحيرا، ثم رجع الى نفسه فقال: ان ربي جل جلاله لا يأمرني إلا بما اطيق فمشى إليه ليأكله، فكلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمه فأكلها فوجدها اطيب شيء أكله. ثم مضى فوجد طشتا من ذهب، فقال: أمرني ربي ان اكتم هذا، فحفر له وجعله فيه وألقى عليه التراب.

[ 511 ]

ثم مضى فالتفت فإذا الطشت قد ظهر فقال: قد فعلت ما أمرني ربي عز وجل فمضى فإذا بطير وخلفه بازي، فطاف الطير حوله، فقال: امرني ربي ان اقبل هذا، ففتح كمه فدخل الطير فيه، فقال له البازي: اخذت صيدي وأنا خلفه منذ ايام فقال: ان ربي عز وجل أمرني ان لا آيس هذا، فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه ثم مضى. فلما مضى فإذا هو بلحم ميتة منتن مدود، فقال: امرني ربي عز وجل ان اهرب من هذا، فهرب ورجع. ورأى في المنام كأنه قد قيل له: انك فعلت ما امرت به، فهل تدري ماذا كان ؟ قال: لا، قال له: أما الجبل: فهو الغضب، ان العبد إذا غضب لم ير نفسه وجعل قدره من عظم الغضب، فإذا عرف نفسه وعرف قدره وسكن غضبه كان عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها. و أما الطشت: فهو العمل الصالح، إذا كتمه العبد واخفاه أبى الله عز وجل إلا ان يظهره، ليزينه به مع ما يدخر له من ثواب الآخرة. وأما الطير: فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة، فاقبله واقبل نصيحته. وأما البازي: فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة، فلا تؤيسه. وأما اللحم المنتن: فهو الغيبة، فاهرب منها. (قصص الراوندي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان الله تعالى اوحى الى نبي من انبياء بني اسرائيل: اني احببت ان تلقاني غدا في حضيرة القدس فكن في الدنيا غريبا مهموما محزونا متوحشا من الناس بمنزلة الطير الواحد، فإذا كان الليل آوى وحده إستوحش من الطيور واستأنس بربه. (الكافي) عن ابي جعفر عليه السلام قال: مر نبي من انبياء بني اسرائيل برجل بعضه تحت حائط وبعضه خارج قد نقبته الطير ومزقته الكلاب. ثم مضى فرفعت له مدينة فدخلها، فإذا هو بعظيم من عظمائها ميت على سرير

[ 512 ]

مسجى بالديباج حوله المجامر، فقال: يا رب أشهد أنك حكم عدل لا تجور، وعبدك لم يشرك بك طرفة عين أمته بتلك الميتة، وهذا عبدك لم يؤمن بك طرفة عين أمته بهذه الميتة ؟ قال الله عز وجل: أنا كما قلت حكم عدل لا أجور، ذلك عبدي كانت له عندي سيئة وذنب، أمته بذلك، لكي يلقاني ولم يبق عليه شيء، وهذا عبدي كانت له عندي حسنة فأمته بهذه الميتة، لكي يلقاني وليس له عندي شيء. (الكافي) عن الرضا عليه السلام قال: أوحى الله عز وجل الى نبي من الأنبياء إذا اطعت رضيت وإذا رضيت باركت، و ليس لبركتي نهاية، وإذا عصيت غضبت وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الورى - أي ولد الولد -. (وفيه) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: شكى نبي من الأنبياء عليهم السلام الى الله عز وجل الضعف، فقيل له: اطبخ اللحم باللبن فانهما يشدان الجسم. وقال عليه السلام: ان نبيا من الأنبياء شكا الى الله عز وجل من الضعف وقلة الجماع، فأمره بأكل الهريسة. وشكى نبى من الأنبياء إلى الله عز وجل قلة النسل، فقال: كل اللحم بالبيض. وفيه ان بعض انبياء بني اسرائيل شكى الى الله عز وجل قسوة القلب وقلة الدمعة، فأوحى الله إليه: ان كل العدس، فأكل العدس فرق قلبه وكثرت دمعته. وشكى نبي من الأنبياء لى الله عز وجل الغم، فأمره بأكل العنب. وما بعث الله عز وجل نبيا إلا ومعه رائحة السفرجل. وقال عليه السلام: العطر من سنن المرسلين. (الأمالي) ان ابن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر: سلوني قبل ان تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: له يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ من المجوس الجزية، ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي ؟ فقال: بلى يا اشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا، وكان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته الى فراشه فارتكبها فلما اصبح تسامع به قومه فاجتمعوا الى بابه فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا فأهلكته فاخرج بظهر بلدك نقم عليك الحد، فقال لهم: اجتمعوا

[ 513 ]

واسمعوا كلامي فان يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم. فاجتمعوا فقال لهم هل علمتم ان الله عز وجل لم يخلق خلقا اكرم عليه من ابينا آدم وامنا حوا ؟ قالوا صدقت ايها الملك، قال أفليس زوج بنيه بناته وبناته من بنيه ؟ قالوا صدقت ايها الملك هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك. فمحى الله ما في صدورهم من العلم ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بغير حساب والمنافقون اشد حالا. فقال الأشعث والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت الى مثلها ابدا. (الاحتجاج) في خبر الزنديق الذي سأل الصادق (ع) عن المجوس: ابعث الله إليهم نبيا، فقال ما من امة إلا خلا فيها نذير، قال الزنديق افزرادشت ؟ قال (ع) ان زرادشت أتاهم بزمزمة و ادعى النبوة فآمن منهم قوم وجحد قوم فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الارض. قال: فاخبرني عن المجوس كان اقرب الى الصواب في دهرهم ام العرب ؟ قال العرب في الجاهلية كانت اقرب الى الدين الحنيفي من المجوس. وذلك ان المجوس كفرت بكل الانبياء وجحدت كتبها وانكرت براهينها ولم تأخذ بشيء من سننها، وان كيخسرو ملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة، والعرب كانت تغتسل، والاغتسال من خالص الحنفية، وكانت المجوس لا تختتن، وهو من سنن الأنبياء، وأول من فعل ذلك ابراهيم خليل الله عليه السلام، وكانت المجوس لا تغسل امواتهم ولا تكفنهم، و كانت العرب تفعل ذلك، وكانت المجوس ترمي موتاهم في الصحاري والنواويس والعرب تواريها في قبورها وتلحدها، وكانت المجوس تأتي الامهات وتنكح البنات والاخوات وحرمت ذلك العرب، وانكرت المجوس بيت الله الحرام و سمته بيت الشيطان، والعرب كانت تحجه وتعظمه وتقول بيت ربنا وتقر بالتوراة والانجيل وتسأل اهل الكتاب وتأخذ، وكانت العرب في كل الاسباب اقرب الى الدين الحنيف من المجوس. قال: فاحتجوا باتيان الاخوات انها سنة آدم

[ 514 ]

قال فما حجتهم في اتيان البنات والامهات وقد حرم ذلك آدم وكذلك نوح و ابراهيم وموسى وعيسى وساير الانبياء عليهم السلام. وفي (الكافي) عن النبي صلى الله عليه وآله: ان المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب احرقوه، اتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر جلد ثور، وكتابهم يقال له جاماسب. وفيه عن أبي عبدالله (ع) قال: ان قوما فيما مضى قالوا لنبي لهم: إدع لنا ربك يرفع عنا الموت، فرفع الله عنهم الموت، فكثروا حتى ضاقت عليهم المنازل وكثر النسل، ويصبح الرجل يطعم أباه وجده وامه وجد جده ويوصيهم ويتعاهدهم فشغلوا عن طلب المعاش، فقالوا سل لنا ربك ان يردنا الى حالنا التي كنا عليها، فسأل نبيهم ربه فردهم الى حالهم. وفيه عن ابن ابي عمير عن بعض اصحابه قال: قلت لأبي عبد الله (ع) اني لأكره الصلاة في مساجدهم فقال: لا تكره فما من مسجد بني إلا على قبر نبي أو وصي نبي قتل، فأصاب تلك البقعة رشة من دمه، فأحب الله ان يذكر فيها، فأد فيها الفريضة والنوافل، واقض فيها ما فاتك. وعنه عليه السلام: ان الله لم يعذب امة فيما مضى الا يوم الاربعاء وسط الشهر. وقال عليه السلام: دفن ما بين الركن اليماني والحجر الاسود سبعون نبيا، اماتهم الله جوعا وضرا. وعنه عليه السلام: ان الله عز وجل اوحى الى نبي من انبيائه في مملكة جبار من الجبارين: ان إئت هذا الجبار فقل له اني ما استعملتك لتكشف عني اصوات المظلومين فاني لم ادع ظلامتهم وإن كانوا كفارا. وفيه عن ابي الحسن عليه السلام قال: ان الاحلام لم تكن فيما مضى من اول الخلق، وانما حدثت. فقلت: وما العلة في ذلك ؟ فقال: ان الله عز ذكره بعث رسولا الى اهل زمانه فدعاهم الى عبادة الله وطاعته فقالوا ان فعلنا ذلك، فما لنا ؟ فو الله ما انت بأكثرنا مالا ولا بأعزنا عشيرة، فقال: ان اطعتموني ادخلكم الله الجنة، وان عصيتموني ادخلكم الله النار، فقالوا وما الجنة وما النار ؟ فوصف لهم

[ 515 ]

ذلك، فقالوا متى نصير الى ذلك ؟ قال: إذا متم، قالوا رأينا امواتنا صاروا عظاما ورفاتا، فازدادوا له تكذيبا فأحدث الله عز وجل فيهم الاحلام، فأتوه واخبروه بما رأوا وما انكروا من ذلك فقال ان الله عز ذكره أراد ان يحتج عليكم بهذا، هكذا تكون ارواحكم إذا متم، وان بليت ابدانكم، تصير الارواح الى عقاب، حتى تبعث الابدان. (دعوات الراوندي) روي ان الله تبارك وتعالى اوحى الى نبي من الانبياء في الزمن الاول: ان لرجل في امته دعوات مستجابة، فأخبر ذلك به الرجل، فانصرف من عنده الى بيته واخبر زوجته بذلك، فألحت عليه ان يجعل دعوة لها فرضى، فقالت سل الله ان يجعلني اجمل نساء الزمان فدعا الرجل فصارت كذلك. ثم انها لما رأت رغبه الملوك والشبان المتنعمين فيها متوفرة، زهدت في زوجها الشيخ الفقير وجعلت تغالطه وتخاشنه، وهو يداريها، ولا يكاد يطيقها. فدعا الله ان يجعلها كلبة فصارت كذلك. ثم اجمع اولادها يقولون: يا ابة ان الناس يعيرونا ان امنا كلبة نابحة وجعلوا يبكون ويسألونه ان يدعو الله ان يجعلها كما كانت فدعا الله تعالى ان يصيرها مثل الذي كانت في الحالة الاولى فذهبت الدعوات الثلاث ضياعا

[ 516 ]

خاتمة الكتاب في نوادر أخبار بني إسرائيل وأحوال بعض الملوك (مجمع البيان) عن ابن عباس قال: كان في بني اسرائيل عابد اسمه برصيصا عبد الله زمانا من الدهر، حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوذهم، فيبرؤن على يده. وانه اتى بامرأة في شرف قد جنت، وكان لها اخوة فأتوه بها، وكانت عنده فلم يزل الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت. فلما استبان حملها قتلها ودفنها. فلما فعل ذلك، ذهب الشيطان حتى لقى احد اخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب وانه دفنها في مكان كذا، ثم اتى ببقية اخوتها رجلا رجلا فذكر له. فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: والله لقد اتاني آت ذكر لي شيئا يكبر علي ذكره فذكره بعضهم لبعض حتى بلغ ملكهم. فسار الملك والناس، فاستزلوه ؟ فأقر لهم بالذي فعل، فامر به فصلب. فلما رفع على خشبة، تمثل له الشيطان فقال انا الذي ألقيتك في هذا ؟ فهل انت مطيعي فيما اقول لك اخلصك مما انت فيه قال نعم، قال اسجد لي سجدة واحدة فقال كيف اسجد لك وانا على هذه الحالة ؟ قال اكتفي منك بالايماء، فأومى له بالسجود فكفر بالله، وقتل المرأة. فأشار الله تعالى الى قصته في قوله: (كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين).

[ 517 ]

(قصص الراوندي) باسناده الى ابي جعفر عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل عابد يقال له جريح وكان يتعبد في صومعته، فجاءته امه وهو يصلي فدعته فلم يجبها فانصرفت، ثم اتته ودعته فلم يجبها ولم يكلمها، فانصرفت وهي تقول اسأل إله بني اسرائيل ان يخذلك. فلما كان من الغد جاءت فاجرة وقعدت عند صومعته فأخذها الطلق، فادعت ان الولد من جريح. ففشا في بني اسرائيل ان من كان يلوم الناس على الزنا، فقد زنى، وامر الملك بصلبه، فأقبلت امه إليه تلطم وجهها، فقال لها: اسكني، انما هذا لدعوتك، فقال الناس لما سمعوا بذلك منه: وكيف لنا بذلك ؟ قال: هاتوا الصبي فجاؤوا به فأخذه، فقال من ابوك ؟ فقال فلان الراعي لبني فلان. فأكذب الله الذين قالوا ما قالوا في جريح، ان لا يخالف امه بل يخدعها ابدا. وفيه عنه عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل رجل وكان له بنتان فزوجهما من رجلين، واحد زارع وآخر يعمل الفخار، ثم انه زارهما، فبدأ بامرأة الزارع، فقال لها: كيف حالك ؟ فقالت قد زرع زوجي زرعا كثيرا، إن جاء الله بالسماء فنحن في احسن بني اسرائيل حالا. وذهب الى الاخرى، فسألها عن حالها فقالت قد عمل زوجي فخارا كثيرا، فان امسك الله السماء عنا فنحن احسن بني اسرائيل حالا. فانصرف وهو يقول: انت لهما. وفيه عن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل رجل يكثر ان يقول: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، فغاظ ابليس ذلك. فبعث إليه شيطانا فقال: قل العاقبة للأغنياء، فجاءه، فقال ذلك فتحاكما ان من طلع عليهما، على قطع يد الذي يحكم عليه. فلقيا شخصا، فاخبراه بحالهما، فقال العاقبة للأغنياء فقطع يده. فرجع وهو يحمد الله ويقول: العاقبة للمتقين، فقال له تعود ايضا، فقال نعم على اليد الاخرى فخرجا.

[ 518 ]

فطلع الآخر عليه ايضا فقطعت يده الاخرى، وعاد ايضا يحمد الله وهو يقول: العاقبة للمتقين، فقال تحاكمني على ضرب العنق ؟ فقال نعم فخرجا. فرأيا مثالا فوقعا عليه، فقال اني حاكمت هذا وقصا عليه قصتهما. قال: فمسح يديه فعادتا ثم ضرب عنق ذلك الخبيث وقال: هكذا العاقبة للمتقين. وفيه عن ابي جعفر عليه السلام قال: كان فاجر في بني اسرائيل وكان يقضي بالحق فيهم. فلما حضرته الوفاة قال لامرأته: إذا مت فاغسليني وكفنيني وغطي وجهي على سريري فانك لا ترين سوءا إن شاء الله تعالى. فلما مات فعلت ما امرها به، ثم مكثت بعد ذلك حينا، ثم انها كشفت عن وجهه فإذا دودة تقرض من منخره ففزعت من ذلك. فلما كان الليل اتاها في منامها، فقال لها فزعت مما رأيت ؟ قالت اجل، قال والله ما هو إلا في اخيك. وذلك انه اتاني ومعه خصم له فلما جلسا قلت: اللهم اجعل الحق له. فلما إختصما كان الحق له، ففرحت، فأصابني ما رأيت لموضع هواي مع موافقة الحق له. وعنه عليه السلام ان قوما من بني اسرائيل قالوا لنبي لهم ادع لنا ربك يمطر علينا السماء إذا اردنا فسأل ربه ذلك فوعده ان يفعل، فأمطر السماء عليهم كلما ارادوا، فزرعوا فنمت زروعهم وحسنت. فلما حصدوا لم يجدوا شيئا، فقالوا انما سألنا المطر للمنفعة، فأوحى الله تعالى انهم لم يرضوا بتدبيري. وقال عليه السلام: انه كان ورشان يفرخ في شجرة، وكان رجل يأتيه إذا ادرك الفرخان فيأخذ الفرخين.

[ 519 ]

فشكى ذلك الورشان الى الله تعالى فقال: اني سأكفيك. قال: فأخرج الورشان وجاء الرجل ومعه رغيفان فصعد الشجرة وعرض له سائل فأعطاه احد الرغيفين، ثم صعد فأخذ الفرخين ونزل بهما فسلمه الله لما تصدق به وعنه عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل رجل عاقل كثير المال وكان له ابن يشبهه في الشمائل من زوجة عفيفة وكان له ابنان من زوجة غير عفيفة. فلما حضرته الوفاة قال لهم: هذا مالي لواحد منكم. فلما توفى قال الكبير انا ذلك الواحد وقال الأوسط انا ذلك وقال الاصغر انا ذلك فاختصموا الى قاضيهم قال ليس عندي في امركم شيء، فانطلق الى بنى الاغنام الاخوة الثلاث فانتهوا الى واحد منهم، فرأوا شيخا كبيرا، فقال ادخلوا الى اخي فلان فهو اكبر مني سنا فاسألوه، فدخلوا عليه فخرج شيخ كهل، فقال سلوا اخي الاكبر مني، فدخلوا على الثالث، فإذا هو في المنظر اصغر، فسألوه اولا عن حالهم فقال: اما اخي الذى رأيتموه اولا، هو الأصغر وان له امرأة سوء تسوءه وقد صبر عليها، مخافة ان يبتلى ببلاء لا صبر عليه فهو منه. واما اخي الثاني، فان عنده زوجة تسوءه وتسره، فهو متماسك الشباب. واما انا، فزوجتي تسرني ولا تسوءني لم يلزمني منها مكروه قط منذ صحبتني فشبابي معها متماسك. واما حديثكم الذي هو حديث ابيكم انطلقوا اولا و انبشوا قبره واستخرجوا عظامه واحرقوها، ثم عودوا لاقضي بينكم. فانصرفوا، فأخذ الصبي سيف ابيه واخذ الاخوان المعاول. فلما ان هما بذلك قال لهم الصغير لا تنبشوا قبر ابي وانا ادع لكما حصتي. فانصرفوا الى القاضي فقال يقنعكما هذا، إئتوني بالمال ؟ فقال للصغير: خذ المال فلو كانا ابنيه لداخلهما من الرقة، كما دخل على الصغير. وعن ابي الحسن موسى صلوات الله عليه قال: كان في بني اسرائيل رجل صالح وكانت له امرأة صالحة، فرأى في النوم ان الله قد وقت لك من العمر كذا

[ 520 ]

وكذا سنة وجعل نصف عمرك في سعة، وجعل النصف الآخر في ضيق، فاختر لنفسك اما النصف الأول أو النصف الأخير ؟ فقال الرجل: ان لي زوجة صالحة وهي شريكتي في المعاش، فأشاورها في ذلك وتعود إلي فاخبرك. فلما اصبح الرجل قال لزوجته: رأيت في النوم كذا وكذا، فقالت يا فلان خذ النصف الاول وتعجل العافية لعل الله سيرحمنا ويتم لنا النعمة. فلما كان في الليلة الثانية اتى الآتي، فقال ما اخترت ؟ فقال اخترت النصف الاول، فقال ذلك لك: فأقبلت الدنيا عليه من كل وجه. ولما ظهرت نعمته قالت له زوجته: قرابتك والمحتاجون فصلهم وبرهم وجارك واخوك فلان فهبهم. فلما مضى نصف العمر وجاز حد الوقت، رأى الرجل الذي رآه في النوم فقال ان الله تعالى قد شكر لك ذلك، ولك تمام عمرك سعة ما مضى. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: خرجت امرأة بغي على شباب من بني اسرائيل، فافتتنتهم فقال بعضهم لو كان العابد فلانا رآها فتنته وسمعت مقالتهم فقالت والله لا انصرف الى منزلي حتى افتتنه. فمضت نحوه في الليل فدقت عليه، فقالت آوي عندك فأبى عليها فقالت ان بعض شباب بني اسرائيل راودني عن نفسي، فان ادخلتني وإلا لحقوني و فضحوني فلما سمع مقالتها فتح لها. فلما دخلت عليه رمت بثيابها، فلما رأى جمالها وهيئتها وقعت في نفسه فضرب يده عليها، ثم رجعت إليه نفسه، وقد كان يوقد تحت قدر له، فأقبل حتى وضع يده على النار، فقالت اي شيء تصنع ؟ فقال: احرقها لأنها عملت العمل. فخرجت حتى اتت جماعة من بني اسرائيل فقالت إلحقوا فلانا فقد وضع يده في النار فأقبلوا فلحقوه وقد إحترقت يده. وعن ابي عبدالله (ع): ان عابدا كان في بني اسرائيل فأضاف امرأة من بني اسرائيل فهم بها، فأقبل كلما هم بها، قرب إصبعا من اصابعه الى النار

[ 521 ]

فلم يزل ذلك دأبه حتى اصبح، قال لها: اخرجي لبئس الضيف كنت لي. وعن ابي جعفر عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل جبار، وانه اقعد في قبره و رد إليه روحه، فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله قال لا اطيقها، فلم يزالوا ينقصونه من الجلد وهو يقول لا اطيق، حتى صاروا الى واحدة قال لا اطيقها قالوا لن نصرفها عنك، قال فلماذا تجلدونني ؟ قال مررت يوما بعبد من عباد الله ضعيف مسكين مقهور، فاستغاث بك فلم تغثه ولم تدفع عنه. قال: فجلدوه جلدة واحدة، فامتلأ قبره نارا. وعن وهب بن منبه قال: رووا ان رجلا من بني اسرائيل بنى قصرا فجوده وشيده ثم صنع طعاما، فدعا الأغنياء وترك الفقراء. فكان إذا جاء الفقير قيل لكل واحد منهم ان هذا طعام لم يصنع لك ولا لأشباهك قال: فبعث الله ملكين في زي الفقراء، فقيل لهما مثل ذلك، ثم امرهما الله تعالى بأن يأتيا في زي الأغنياء فادخلا واكرما واجلسا، فأمرهما الله تعالى ان يخسفا المدينة ومن فيها. وباسناده: ان بني اسرائيل الصغير منهم والكبير كانوا يمشون بالعصا مخافة ان يختال احد في مشيه. وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان أبو جعفر صلوات الله عليه يقول: نعم الارض الشام وبئس القوم اهلها، وبئس البلاد مصر، اما انها سجن من سخط الله عليه من بني اسرائيل، ولم يكن دخل بنو اسرائيل مصر إلا من سخطه ومعصيته منهم لله لان الله، عز وجل يقول: (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) فأبوا ان يدخلوها وعصوا، فتاهوا في الارض اربعين سنة، وما كان خروجهم من مصر ودخولهم الشام، إلا من بعد توبتهم ورضاء الله عنهم. ثم قال أبو جعفر عليه السلام انني اكره ان آكل شيئا طبخ في فخار مصر وما احب ان اغسل رأسي من طينها، مخافة ان تورثني تربتها الذل وتذهب بغيرتي. (قصص الراوندي) باسناده الى عبد الأعلى بن اعين قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام حديث ترويه الناس من ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال:

[ 522 ]

حدث عن بني اسرائيل ولا حرج ؟ قال نعم. قلت: افنحدث عن بني اسرائيل ولا حرج علينا ؟ قال أما سمعت ما قال كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما سمع. قلت: كيف هذا ؟ قال ما كان في الكتاب انه كان في بني اسرائيل، فحدث انه كان في هذه الامة ولا حرج. أقول: في (النهاية) في الحديث حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج - أي لا بأس ولا اثم عليكم - ان تحدثوا عنهم ما سمعتم، و إن استحال ان يكون في هذه الامة مثل ما روي ان ثيابهم كانت تطول وان النار تنزل من السماء، فتأكل القربان وغير ذلك، لا ان تحدث عنهم بالكذب. ويشهد لهذا التأويل ما جاء في بعض رواياته فان فيهم العجائب. وقيل: معناه ان الحديث عنهم إذا اديته كما سمعته حقا كان أو باطلا لم يكن عليكم إثم، لطول العهد ووقوع الفترة، بخلاف الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله لأنه إنما يكون بصحة روايته وعدالة راويه. وقيل معناه إن الحديث عنهم ليس على الوجوب، لأن قوله صلى الله عليه وآله في اول الحديث بلغوا عني على الوجوب، ثم اتبعه بقوله وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج عليكم ان لم تحدثوا عنهم. (الكافي) عن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان عابد في بني اسرائيل لم يقارف من امر الدنيا شيئا، فنخر ابليس نخرة فاجتمع إليه جنوده، فقال من لي بفلان ؟ فقال بعضهم انا فقال من اين تأتيه ؟ فقال من ناحيه النساء، قال لست له لم يجرب النساء قال له آخر فأنا له قال من اين تأتيه ؟ قال من ناحية الشراب، و اللذات قال لست له ليس هذا بهذا، قال آخر فأنا له قال من اين تأتيه قال من ناحيه البر، قال انطلق فأنت صاحبه. فانطلق الى موضع الرجل فأقام حذاءه يصلي. قال: وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام، ويستريح والشيطان لا يستريح.

[ 523 ]

فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه وإستصغر عمله، فقال: يا عبد الله بأي شيء قويت على هذه الصلاة ؟ فلم يجبه، ثم اعاد عليه فقال يا عبد الله اني اذنبت ذنبا وانا تائب منه، فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال فاخبرني بذنبك حتى اعمله واتوب: فإذا فعلته قويت على الصلاة، قال ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فاعطها درهمين ونل منها، قال ومن اين لي الدرهمان وما ادري ما الدرهمين، فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين فناوله إياهما. فقام ودخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية فأرشده الناس، وظنوا انه جاء يعظها. فجاء إليها بالدرهمين وقال قومي فقامت فدخلت منزلها وقالت ادخل، وقالت انك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها، فاخبرني بخبرك فأخبرها، فقالت له: يا عبد الله ان ترك الذنب أهون من طلب التوبة، وليس كل من طلب التوبة وجدها وإنما ينبغي ان يكون هذا شيطانا مثل لك فانصرف فانك لا ترى شيئا. فانصرف، وماتت من ليلتها، فأصبحت وإذا على بابها مكتوب: احضروا فلانة (البغية) فانها من اهل الجنة، فارتاب الناس، فمكثوا ثلاثا لا يدفنوها، إرتيابا في امرها. فأوحى الله عز وجل الى نبي من الأنبياء لا اعلمه إلا موسى بن عمران صلوات الله عليه إن إئت فلانة، فصل عليها، ومر الناس ان يصلوا عليها، فاني قد غفرت لها و وجبت لها الجنة، بتثبيطها عبدي فلانا عن خطيئته. (الكافي) باسناده الى زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال: سأله حمران قال جعلني الله فداك، لو حدثتنا متى يكون هذا الأمر فسررنا به قال يا حمران ان لك اصدقاء وإخوانا ومعارف، ان رجلا كان فيما مضى من العلماء، وكان له ابن لم يكن يرغب في علم ابيه ولا يسأله عن شيء، وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ عنه. فحضر الرجل الموت، فدعا إبنه فقال: يا بني إنك كنت تزهد فيما عندي وتقل رغبتك فيه ولم تكن تسألني عن شيء، ولي جار قد كان يأتيني ويسألني ويأخذ مني ويحفظ عني، فان احتجت الى شيء فأته، وعرفه جاره، فهلك الرجل

[ 524 ]

وبقى ابنه فرأى ملك ذلك الزمان رؤيا، فسأل عن الرجل فقيل له قد هلك، فقال الملك هل ترك ولدا فقيل له نعم ترك إبنا، فقال إيتوني به فبعث إليه، فقال الغلام والله ما ادري لما يدعوني الملك وما عندي علم و لئن سألني عن شيء لأفتضحن، فذكر ما كان اوصاه ابوه، فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم عن ابيه، فقال له ان الملك قد بعث إلي يسألني ولست ادري فيما بعث إلي، و قد كان ابي امرني ان آتيك ان احتجت الى شيء، فقال الرجل ولكني ادري فيما بعث اليك، فان اخبرتك فما اخرج الله لك من شيء فهو بينى وبينك، فقال نعم فاستحلفه واستوثق منه ان يفي، فأوثق له الغلام، فقال: انه يريد ان يسألك عن رؤيا رآها اي زمان، فقل له: هذا زمان الذئب. فأتاه الغلام، فقال له الملك: لم ارسلت اليك، قال ارسلت إلي تريد ان تسألني عن رؤيا رأيتها أي زمان هذا، فقال له الملك: صدقت، فاخبرني اي زمان هذا فقال له زمان الذئب. فأمر له بجائزة فقبضها الغلام وانصرف الى منزله وابى ان يفى لصاحبه وقال لعلي لا انفذ هذا المال ولا آكله حتى اهلك، ولعلي لا احتاج ولا اسأل عن مثل هذا الذي سئلت عنه. فمكث ما شاء الله، ثم ان الملك رأى رؤيا، فبعث إليه يدعوه، فندم على ما صنع وقال: والله ما عندي علم آتيه به وما ادري كيف اصنع بصاحبي وقد غدرت به ولم أف له. ثم قال: لأتيه على كل حال واعتذرن إليه ولأحلفن له فلعله يخبرني، فأتاه فقال اني صنعت الذي صنعت ولم أف لك بما كان بيني وبينك وتفرق ما كان في يدي وقد إحتجت اليك، فأنشدك الله ان لا تخذلني وانا اوثق لك ان لا يخرج لي شيء إلا كان بيني وبينك الى الملك ولست ادري عما يسألني، فقال انه يريد ان يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا، فقل له زمان الكبش. فأتى الملك فدخل عليه، فقال الملك لم بعثت اليك ؟ قال انك رأيت رؤيا وانك

[ 525 ]

تريد ان تسألني اي زمان هذا، فقال له صدقت، فقال: هذا زمان الكبش. فأمر له بصلة فقبضها وانصرف الى منزله، وتدبر رأيه في ان يفي لصاحبه أو لا يفي فهم مرة ان يفعل ومرة ان لا يفعل، ثم قال لعلي لا احتاج بعد هذه المرة ابدا، واجمع رأيه على الغدر. فمكث ما شاء الله، ثم ان الملك رأى رؤيا، فبعث إليه، فندم على ما صنع فيما بينه وبين صاحبه وقال بعد غدرتين كيف اصنع وليس عندي علم، ثم اجمع رأيه على إتيان الرجل. فأتاه فناشده الله تبارك وتعالى وسأله ان يعلمه واخبره ان هذه المرة يفي له و اوثق منه وقال: لا تدعني على هذه الحال، فاني لا اعود الى الغدر، فاستوثق منه، فقال: انه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها اي زمان هذا، فإذا سألك فاخبره انه زمان الميزان. قال: فأتى الملك فدخل عليه فقال له: لم بعثت اليك ؟ فقال رأيت رؤيا وتريد ان تسألني اي زمان هذا، فقال صدقت فاخبرني اي زمان هذا ؟ قال: هذا زمان الميزان. فامر له بصلة فقبضها وانطلق بها الى الرجل فوضعها بين يديه وقال: قد جئتك بما خرج لي فقاسمنيه، فقال له العالم: ان الزمان الأول كان زمان الذئب وانك كنت من الذئاب، وان الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم ولا يفعل، وكذلك كنت تهم ولا تفي، وكان هذا زمان الميزان وكنت فيه على الوفاء، فاقبض مالك لا حاجة لي فيه، ورده عليه. اقول: قوله عليه السلام: إن لك اصدقاءا وإخوانا، قيل: لعل المقصود من ايراد الحكاية بيان ان هذا الزمان ليس زمان الوفاء بالعهود، فان عرفتك زمان ظهور الامر، فلك اصدقاء ومعارف فتحدثهم، فيشيع الخبر بين الناس وينتهي الى الفساد، والعهد بالكتمان لا ينفع لأنك لا تفي به وإذا لم يأت بعد زمان الميزان. وفيه عن الحسن بن الجهم قال: سمعت ابا الحسن عليه السلام يقول: ان

[ 526 ]

رجلا في بني اسرائيل عبد الله اربعين سنة، ثم قرب قربانا فلم يقبل منه، فقال لنفسه: وما اتيت إلا منك، وما الذنب إلا لك. قال: فأوحى الله تبارك و تعالى إليه: ذمك لنفسك افضل من عبادتك اربعين سنة. وعن ابي جعفر عليه السلام: ان رجلا من بني اسرائيل كان له ابن وكان له محبا، فاتي في منامه فقيل له: ان ابنك ليلة يدخل باهله يموت. قال: فلما كانت تلك الليلة وبنى عليه ابوه توقع ابوه ذلك، فاصبح ابنه سليما فاتاه ابوه فقال: يا بني ما عملت البارحة شيئا من الخير ؟ قال لا، إلا ان سائلا اتى الباب وقد كانوا إدخروا لي طعاما فاعطيته للسائل، فقال هذا دفع عنك. (الأمالي) باسناده الى ابي عبد الله (ع) قال: كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني اسرائيل، فبينا هو يصلي وهو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد اخذا ديكا وهما ينتفان ريشه، فأقبل على ما هو فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك، فأوحى الله الى الأرض: ان سيخي بعبدي فساخت به الارض، فهو يهوي ابد الآبدين ودهر الداهرين. (الكافي) مسندا الى ابي عبد الله عليه السلام قال: كان ملك في بني اسرائيل و كان له قاض وللقاضي اخ وكان رجل صدق وله امرأة قد ولدتها الأنبياء. فأراد الملك ان يبعث رجلا في حاجة، فقال للقاضي: إبغني رجلا ثقة فقال: ما اعلم احدا اوثق من اخي، فدعاه ليبعثه فكره ذلك الرجل وقال لأخيه اني اكره ان اضيع امرأتي، فعزم عليه فلم يجد بدا من الخروج فقال لأخيه: يا اخي لست اخلف شيئا اهم علي من امرأتي فاخلفني فيها وتول قضاء حاجتها. قال نعم. فخرج الرجل وكانت المرأة كارهة لخروجه، فكان القاضي يأتيها ويسألها عن حوائجها ويقوم لها، فأعجبته فدعاها الى نفسه فأبت عليه، فحلف عليها لئن لم تفعل ليخبرن الملك انها قد فجرت فقالت: اصنع ما بدا لك لست اجيبك الى شيء مما طلبت.

[ 527 ]

فأتى الملك فقال ان امرأة اخي فجرت وقد حق ذلك عندي فقال له الملك طهرها فجاء إليها فقال ان الملك امرني برجمك فما تقولين تجيبيني وإلا رجمتك فقالت: لست اجيبك فاصنع ما بدا لك، فأخرجها فحفر لها فرجمها ومعه الناس. فلما ظن انها قد ماتت تركها فانصرف، وجن بها الليل وكان بها رمق فتحركت فخرجت من الحفيرة، ثم مشت على وجهها حتى خرجت من المدينة، فانتهت الى دير فيه ديراني، فنامت على باب الدير. فلما اصبح الديراني فتح الباب فرآها فسألها عن قصتها فخبرته، فرحمها وادخلها الدير. وكان له ابن صغير لم يكن له غيره، وكان حسن الحال، فداواها حتى برأت من علتها واندملت، ثم دفع إليها ابنه، فكانت تربيه، وكان للديراني قهرمان يقوم بأمره فأعجبته فدعاها الى نفسه فأبت، فجهد بها فأبت، فقال لئن لم تفعلي لأجهدن في قتلك، فقالت: اصنع ما بدا لك. فعمد الى الصبي ودق عنقه واتى الديراني فلما رآها قال لها: ما هذا ؟ فقد تعلمين صنيعي بك، فاخبرته بالقصة، فقال لها لست تطيب نفسي ان تكوني عندي فاخرجي فأخرجها ليلا ودفع إليها عشرين درهما وقال لها تزودي هذه، الله حسبك. فخرجت ليلا، فأصبحت في قرية فإذا فيها مصلوب على خشبة وهو حي فسألت عن قصته فقالوا عليه دين عشرون درهما، ومن كان عليه دين عندنا لصاحبه صلب حتى يؤدي الى صاحبه، فاخرجت العشرين درهما و دفعتها الى غريمه وقالت لا تقتلوه فانزلوه عن الخشبة، فقال ما احد اعظم علي منة منك نحيتني من الصلب ومن الموت فانا معك حيث ما ذهبت. فمضى معها ومضت، حتى اتيا الى ساحل البحر، فرأى جماعة وسفنا، فقال لها اجلسي حتى اذهب انا واعمل لهم واستطعم وآتيك به، فأتاهم فقال ما في سفينتكم هذه ؟ قالوا كثيرة لا نحصيها، قال فان معي شيئا هو خير مما في سفينتكم قالوا ما معك ؟ قال جارية لم تروا مثلها قط قالوا فبعناها قال على شرط ان يذهب بعضكم

[ 528 ]

فينظر إليها ثم يجئني فيشريها ولا يعلمها ويدفع إلي الثمن ولا يعلمها حتى امضي انا، فقالوا ذلك لك. فبعثوا من نظر إليها، فقال ما رأيت مثلها قط، فاشتروها منه بعشرة آلاف درهم ودفعوا إليه الدراهم فمضى. فلما امعن اتوها فقالوا لها: قومي وادخلي السفينة، قالت: ولم ؟ قالوا قد اشتريناك من مولاك، قالت: ما هو مولاي، قالوا لتقومين أو لنحملنك، فقامت ومضت معهم. فلما انتهوا الى الساحل لم يأمن بعضهم بعضا عليها، فجعلوها في السفينة التي فيها الجواهر والتجارة وركبوا هم في السفينة الاخرى، فبعث الله عز وجل عليهم ريحا فغرقتهم وسفينتهم ونجت السفينة التي كانت فيها، حتى انتهت الى جزيرة من جزائر البحر وربطت السفينة ثم دارت في الجزيرة، فإذا فيها ماء وشجر فيه ثمر، فقالت هذا ماء اشرب منه، وثمر آكل منه اعبد الله في هذا الموضع. فأوحى الله عز وجل الى نبي من انبياء بني اسرائيل: ان يأتي ذلك الملك فيقول: ان في جزيرة من جزائر البحر خلقا من خلقي فاخرج انت ومن في مملكتك حتى تأتوا خلقي هذا، فتقروا له بذنوبكم ثم تسألوا ذلك الخلق ان يغفر لكم، فان غفر لكم غفرت لكم. فخرج الملك باهل مملكته الى تلك الجزيرة، فرأوا امرأة، فتقدم إليها الملك فقال لها: ان قاضي هذا اتاني فخبرني ان امرأة اخيه فجرت فأمرته برجمها ولم تقم عندي البينة فاخاف ان اكون قد تقدمت على ما لا يحل، فاحب ان تستغفري لي، فقالت غفر الله لك اجلس. ثم اتى زوجها ولا يعرفها فقال لها: انه كان لي امرأة وكان من فضلها وصلاحها، واني خرجت وهي كارهة لذلك، فاستخلفت اخي عليها، فلما رجعت سألت عنها فاخبرني اخي انها فجرت، فرجمها، وانا اخاف ان اكون قد ضيعتها فاستغفري لي، فقالت غفر الله لك اجلس، فاجلسته الى جنب الملك. ثم اتى القاضي فقال: انه كان لأخي امرأة وانها اعجبتني فدعوتها الى الفجور

[ 529 ]

فأبت، فأعلمت الملك انها قد فجرت وأمرني برجمها وأنا كاذب عليها، فاستغفري لي، قالت: غفر الله لك، ثم اقبلت على زوجها فقالت: اسمع اجلس. ثم اقبل الديراني فقص قصته وقال: اخرجتها بالليل وأنا أخاف أن يكون قد لقيها سبع فقتلها، فقالت: غفر الله لك اجلس، ثم تقدم القهرمان فقص قصته، فقالت للديراني: إسمع غفر الله لك. ثم تقدم المصلوب فقص قصته فقالت: لا غفر الله لك. ثم اقبلت على زوجها فقالت: انا امرأتك وكلما سمعت فانما هو من قصتي وليس لي حاجة في الرجال، فأنا احب ان تأخذ هذه السفينة، وما فيها وتخلي سبيلي، فأعبد الله عز وجل في هذه الجزيرة فقد ترى ما قد رأيت من الرجال، ففعل واخذ السفينة وما فيها وخلى سبيلها، وانصرف الملك واهل مملكته. وفيه عن الديلمي عن ابيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: فلان من عبادته وفضله ودينه كذا وكذا، فقال: كيف عقله ؟ قلت: لا أدري، فقال: ان الثواب على قدر العقل، ان رجلا من بني اسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر خضراء نظرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء وان ملكا من الملائكة مر به فقال: يا رب أرني ثواب عبدك هذا، فأراه الله ذلك فاستقله الملك، فأوحى الله إليه: ان إصحبه. فأتاه الملك في صورة إنسي فقال له: من أنت ؟ فقال انا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك. فكان معه يوم ذلك. فلما اصبح قال له الملك: ان مكانك لنزه ولا يصلح إلا للعبادة، فقال العابد: ان لمكاننا هذا عيبا، قال: وما هو ؟ قال: ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فان هذا الحشيش يضيع فقال له الملك: وما لربك حمار فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش. فأوحى الله الى ذلك الملك: إنما أتيته على قدر عقله. وفيه مسندا الى علي بن الحسين (ع): قال ان رجلا ركب البحر بأهله فكسرت السفينة بهم، فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل فانها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى إلتجأت الى جزيرة من جزائر البحر، فكان في تلك الجزيرة رجل

[ 530 ]

يقطع الطريق ولم يدع لله حرمه إلا انتهكها، فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على رأسه فرفع رأسه إليها فقال: إنسية أم جنية ؟ فقالت: إنسية، فلم يكلمها بكلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من اهله، فلما ان هم بها اضطربت، فقال لها: ما لك تضطربين ؟ فقالت: اخاف من هذا و اومأت بيدها الى السماء ؟ قال: فصنعت من هذا شيئا ؟ قالت: لا وعزته، قال: فأنت تخافين منه هذا الخوف ولم تصنعي شيئا واستكرهتك إستكراها فأنا والله أولى بهذا الخوف واحق منك. فقام ولم يحدث شيئا ورجع الى اهله وليس له همة إلا التوبة والمراجعة. فبينما هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب: إدع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس فقال الشاب: ما أعلم ان لي عند ربي حسنة فأتجاسر على ان اسأله شيئا، قال: فأدعو انا وتؤمن انت ؟ قال: نعم. فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن، فما كان بأسرع من ان اظلتهما غمامة فمشيا تحتها مليا من النهار، ثم إنفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة واخذ الراهب في واحدة فإذا السحاب مع الشاب، فقال الراهب: انت خير مني لك استجيب ولم يستجب لي فخبرني ما قصتك ؟ فأخبره بخبر المرأة فقال: غفر الله لك ما مضى حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما يستقبل. وعن الرضا عليه السلام: ان الرجل كان إذا تعبد في بني اسرائيل لم يعد عابدا حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين. وفي (الكافي) عن ابن عمارة قال: روينا ان عابد بني اسرائيل كان إذا بلغ الغاية في العبادة صار مشاءا في حوائج الناس عاينا بما يصلحهم. (إكمال الدين) باسناده الى ابن ابي رافع عن ابيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان جبرئيل (ع) نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك ملوك الأرض قبلي وخبر من بعث قبلي من الأنبياء و الرسل. وهو حديث طويل اخذنا منه موضع الحاجة، قال: لما ملك الأشيخ بن اشكان وكان يسمى الكيس وملك مائتين وستا وستين سنة. ففي سنة احدى وخمسين من ملكه بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام واستودعه النور والعلم وبعثه الى بيت المقدس إلى بني اسرائيل يدعوهم الى الايمان بالله، فأبى اكثرهم

[ 531 ]

إلا طغيانا وكفرا، فلما لم يؤمنوا به دعا ربه وعزم عليه، فمسخ منهم شياطين ليريهم آياته، فلم يزدهم إلا طغيانا وكفرا. فأتى بيت المقدس يدعوهم الى الله ثلاثا وثلاثين سنة، حتى طلبته اليهود وإدعت انها عذبته ودفنته في الارض حيا، وادعى بعضهم انهم قتلوه وصلبوه، وكذبوا (وإنما شبه لهم). ولما اراد ان يرفعه إليه اوحى إليه: ان يستودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا، خليفته على المؤمنين. فلم يزل شمعون يقوم بأمر الله عز وجل بجميع مقال عيسى عليه السلام ويجاهد الكفار، حتى بعث الله يحيى بن زكريا فمضى شمعون. وملك عند ذلك اردشيرا بن اسكان اربع عشرة سنة وعشرة اشهر، وفي ثمانية سنين من ملكه قتلت اليهود يحيى بن زكريا (ع) فلما اراد الله ان يقبضه اوحى إليه: ان يجعل الوصية في ولد شمعون ويأمر الحواريين واصحاب عيسى بالقيام معه، ففعل وعندها ملك سابور بن اردشير ثلاثين سنة حتى قتله الله، و علم الله نوره وحكمته في ذرية يعقوب بن شمعون (ع). وعند ذلك ملك بخت نصر مائة سنة وسبعا وثمانين، وقتل من اليهود سبعين الف مقاتل على دم يحيى بن زكريا، وخرب بيت المقدس، وتفرقت اليهود في البلدان وفي سنة سبع و اربعين من ملكه بعث الله (العزير) نبيا على اهل القرى التي مات اهلها، ثم بعثهم له وكانوا من قرى شتى، فهربوا خوفا من الموت، فنزلوا في جوار عزير، وكانوا مؤمنين، وكان عزير يختلف إليهم ويسمع كلامهم وأحبهم على ذلك، فغاب عنهم يوما واحدا، ثم اتاهم فوجدهم موتى صرعى فحزن عليهم (وقال انى يحيي هذه الله بعد موتها - تعجبا منه حيث اصابهم وقد ماتوا في يوم واحد - فأماته الله - عند ذلك - مائة سنة ثم بعثه الله وإياهم وكانوا مائة مقاتل، ثم قتلهم الله اجمعين على يد بخت نصر. ثم ملك مهرويه بن بخت نصر عند ذلك ستة عشر سنة و عشرين يوما، فأخذ عند ذلك دانيال وخد له خدا في الارض وطرح فيه دانيال عليه السلام واصحابه من المؤمنين وألقى عليهم النيران، فلما رأى ان النار لا تعذبهم ولا تحرقهم استودعهم

[ 532 ]

الجب والسباع وعذبهم بكل نوع من العذاب، حتى خلصهم الله منه وهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال: (قتل اصحاب الاخدود * النار ذات الوقود). فلما أراد الله ان يقبض دانيال أمره ان يستودع علمه و حكمه مكيخا بن دانيال ففعل. وعند ذلك ملك هرمز ثلاثة وستين سنة وثلاثة اشهر واربعة ايام، وملك بعده بهرام ستا وعشرين سنة، و ولى الله أمر مكيخا بن دانيال واصحابه المؤمنين، غير انهم لا يستطيعون ان يظهروا الايمان في ذلك الزمان. وعند ذلك ملك بهرام بن بهرام سبع سنين، وفي زمانه انقطعت الرسل و كانت الفترة، و ولي أمر الله يومئذ مكيخا بن دانيال واصحابه المؤمنون. فلما اراد الله ان يقبضه أوحى إليه في منامه: ان يستودع نور الله وحكمته انشوا بن مكيخا وملك بعده. وكانت الفترة بين عيسى (ع) ومحمد صلى الله عليه وآله اربعمائة سنة وثمانين سنة، و اولياء الله في الارض يومئذ ذرية انشوا يرث ذلك منهم واحد بعد واحد ممن يختاره الجبار عز وجل. فعند ذلك ملك سابور بن هرمز اثنتى وسبعين سنة، وهو اول من عقد التاج ولبسه، و ولي أمر الله يومئذ انشوا بن مكيخا. وملك بعده اردشير اخو سابور سنتين، وفي زمانه بعث الله عز وجل الفتية اهل الكهف والرقيم، و ولي امر الله يومئذ دسيخا بن انشوا بن مكيخا. وعند ذلك ملك سابور بن اردشير خمسين سنة، و ولي يومئذ دسيخا بن انشوا وملك بعده يزدجرد بن سابور احدى وعشرين سنة وخمسة اشهر وتسعة ايام، و ولي امر الله يومئذ في الارض دسيخا بن انشوا عليه السلام. فلما اراد الله تبارك وتعالى ان يقبض دسيخا اوحى الله إليه في منامه: يستودع علم الله و نوره نسطورس بن دسيخا، وفعل. وعند ذلك ملك بهرام جور ستا وعشرين سنة و ثلاثة اشهر وثمانية عشر يوما، و ولي امر الله في الارض نسطورس بن دسيخا. و عند ذلك ملك فيروز بن يزدجرد بن بهرام سبعا وعشرين سنة، و ولي أمر نسطورس بن دسيخا واصحابه المؤمنون. فلما اراد الله عز وجل ان يقبضه اوحى إليه في منامه: ان يستودع علم الله ونوره

[ 533 ]

وحكمته وكتبه مرعيدا. وعند ذلك ملك فلاس بن فيروز اربع سنين، و ولي أمر الله مرعيدا. وملك بعده قباد بن فيروز ثلاثا واربعين سنة. وملك بعده جاماسب اخو قباد ستا وستين سنة، و ولي امر الله يومئذ في مرعيدا وعند ذلك ملك كسرى بن قباد ستا واربعين سنة وثمانية اشهر. و ولي أمر الله مرعيدا وشيعته المؤمنون. فلما اراد الله عز وجل ان يقبض مرعيدا أوحى إليه في منامه: ان يستودع نور الله وحكمته بحيرا الراهب، ففعل. وملك عند ذلك هرمز بن كسرى ثمان وثلاثين سنة، و ولي أمر الله يومئذ بحيراء واصحابه المؤمنون وشيعته الصديقون. وعند ذلك ملك كسرى بن هرمز بن ابرويز، و ولي أمر الله يومئذ في الارض بحيراء، حتى إذا طالت المدة ودرس الدين وتركت الصلاة وإقتربت الساعة وكثرت الفرق وصار الناس في حيرة وظلمة وأديان مختلفة. وعند ذلك إستخلص الله تعالى لنبوته ورسالته محمدا صلى الله عليه وآله وسلم (إكمال الدين) عن مكي بن احمد قال: سمعت إسحاق الطوسي يقول وقد مضى عليه سبعة وتسعون سنة على باب يحيى بن منصور قال: رأيت سربابك ملك الهند في بلد تسمى صرح، فسألتاه كم أتى عليك من السنين ؟ قال: تسعمائة وخمسة وعشرين سنة، وهو مسلم، فزعم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنفذ إليه عشرة من اصحابه منهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن العاص واسامة بن زيد وابو موسى الأشعري، وغيرهم يدعونه الى الاسلام، فأسلم وقبل كتاب النبي صلى الله عليه وآله. فقلت له: كيف تصلي مع هذا الضعف ؟ فقال: قال الله عز وجل: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم). فقلت له: ما طعامك: قال: اكل ماء اللحم والكراث، وسألته هل يخرج منك شيء ؟ قال: في كل اسبوع مرة شيء يسير، وسألته عن اسنانه، فقال: ابدلتها عشرين مرة، ورأيت في إصطبله شيئا من الدواب اكبر من الفيل يقال له زنده قيل، فقلت له: ما تصنع بهذا ؟ قال: يحمل ثياب الخدم الى القصور، ومملكته مسيرة اربع سنين في مثلها، و مدينته خمسون فرسخا في مثلها، وعلى كل باب منها عسكر مائة الف، إذا وقع في أحد الابواب حدث خرجت تلك الفرقة الى الحرب لا تستعين بغيرها

[ 534 ]

وهو في وسط المدينة، وسمعته يقول: دخلت المغرب فبلغت الى رمل عالج، وصرت الى قوم موسى فرأيت سطوح بيوتهم مستوية، ويبدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك وقبورهم في دورهم ليس فيهم شيخ ولا شيخه ولا يعتلون إلى ان يموتوا، ولهم أسواق إذا أراد الانسان شراء شيء منهم صار الى السوق فوزن لنفسه وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر، وإذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا وانصرفوا لا يكون بينهم خصومة ولا كلام يكره، إلا بذكر الله عز وجل والصلاة وذكر الموت. وعن ابي عبد الله عليه الصلاة والسلام: ان تبع الملك أتى ببيت الله وكساه وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور، حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الأغلال في الأودية للوحوش، ثم انصرف من مكة إلى المدينة، فأنزل بها قوما من اهل اليمن من غسان، وهم الأنصار. اللهم انصرنا بنصرك، وتفضل علينا بكرمك، وارحمنا برحمتك. وقع الفراغ مما أردنا تحريره من (قصص الانبياء عليهم السلام) ما في الأخبار عن الأئمة الاطهار صلوات الله عليهم آناء الليل والنهار، كتب الكتاب ببنانه مؤلفه المذنب الجاني نعمة الله الحسيني عفا الله سبحانه عن

[ 534 ]

وهو في وسط المدينة، وسمعته يقول: دخلت المغرب فبلغت الى رمل عالج، وصرت الى قوم موسى فرأيت سطوح بيوتهم مستوية، ويبدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك وقبورهم في دورهم ليس فيهم شيخ ولا شيخه ولا يعتلون إلى ان يموتوا، ولهم أسواق إذا أراد الانسان شراء شيء منهم صار الى السوق فوزن لنفسه وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر، وإذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا وانصرفوا لا يكون بينهم خصومة ولا كلام يكره، إلا بذكر الله عز وجل والصلاة وذكر الموت. وعن ابي عبد الله عليه الصلاة والسلام: ان تبع الملك أتى ببيت الله وكساه وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور، حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الأغلال في الأودية للوحوش، ثم انصرف من مكة إلى المدينة، فأنزل بها قوما من اهل اليمن من غسان، وهم الأنصار. اللهم انصرنا بنصرك، وتفضل علينا بكرمك، وارحمنا برحمتك. وقع الفراغ مما أردنا تحريره من (قصص الانبياء عليهم السلام) ما في الأخبار عن الأئمة الاطهار صلوات الله عليهم آناء الليل والنهار، كتب الكتاب ببنانه مؤلفه المذنب الجاني نعمة الله الحسيني عفا الله سبحانه عن سيئاته وكان الفراغ من تأليفه صبح يوم الثلاثا في أوائل شهر شعبان المكرم عام العاشر بعد المائة والألف الهجرية وكان منه في بلدة شوشتر صانها الله سبحانه من طوارق الحدثان في دارنا القريبة من مسجدها الجامع. حامدا لله مصليا على رسوله (ص) وأهل بيته الطاهرين.

مكتبة يعسوب الدين عليه السلام الإلكترونية