الاحتجاج تأليف أبي منصور احمد بن علي بن أبى طالب الطبرسي تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان منشورات
[ 2 ]
طبع في مطابع النعمان النجف الاشرف حسن الشيخ ابراهيم الكتبى تلفون 977 المسكن 227 حي 1386 - 1966 م
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة بقلم: العلامة الجليل السيد محمد بحر العلوم بين يدي القراء الكرام كتاب جليل، يعتبر من المصادر القيمة في موضوعه ومؤلف هذا الكتاب هو: احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي، أبو منصور. وتكاد تجمع المصادر على هذا القدر من اسمه ونسبه، الا ابن شهر اشوب فقد ذكره على الوجه التالى " احمد بن ابي طالب " (1).
وحذا حذوه الشيخ المجلسي عند ذكره كتاب الاحتجاج، واعتقد ان الشيخ يوسف البحراني حاول توجيه راي ابن شهر اشوب بقوله: " وقد يعبر عنه بابن احمد بن ابي طالب الطبرسي، والظاهر انه من باب الاختصار في النسب فلا يتوهم التعدد " (2). ولم تحدد لنا المصادر سنة ولادته، كما لم تحدد لنا سنة وفاته، غير ان الحجة الثبت شيخنا المحقق اغا بزرك الطهراني يستنتج سنة وفاته من معاصريه وتلامذته ويعده ممن ادركوا اوائل القرن السادس الهجري، بدليل انه استاذ رشيد الدين محمد بن على بن شهر اشوب الذي توفي سنة 588 ه عن مائة سنة الا عشر أشهر، فهو من أهل الخامسة الذين ادركوا اوئل السادسة ايضا (3). ويتجه لغير هذا الرأي كل من عمر رضا كحاله (4)، واسماعيل باشا (5)
ويعتقدان بانه توفي في حدود سنة 620 ه. ولقد روى مترجمنا عن جماعة، منهم أبو جعفر مهدي بن الحسن بن ابي حرب الحسيني المرعشي (1). وروى عنه رشيد الدين محمد بن علي بن شهر اشوب، الذى صرح بذلك في كتابه (2) بقوله: " شيخي احمد بن ابي طالب ". وكان موضع اعتماد الشهيد في شرح الارشاد، فكثير ما نقل فتاواه واقواله (3)
وذكره اعلام المترجمين بكل ما يدل على مكانته العلمية، فقد اثنى عليه السيد ابن طاووس، ووصفه الحر العاملي بانه " عالم فقيه فاضل، محدث، ثقة " وتحدث عنه الشيخ يوسف البحراني بقوله: " الفاضل، العالم، المعروف، كان من أجل العلماء، ومشاهير الفضلاء " (4) واعتبره الخونساري به: " من اجلاء اصحابنا المتقدمين " (5) واورد ترجمته عمر رضا كحاله فوصفه بانه: " فقيه مؤرخ " (6) ومن هذه الفقرات المعدودة نستطيع ان نعرف مكانة مترجمنا العلمية ومدى الثقة التي كان يتسم بها. ودللت المصادر المترجمة له بانه مؤلف قدير، له عدة كتب، فالى جانب كتاب (الاحتجاج) الذي نحن بصدده خلف الكتب التالية، وهي: 1 - الكافي في الفقه، أو (الكافي من فقه الشيعة).
(1) مهدي بن الحسن بن ابى الحرب المرعشي، عده المحقق الوحيد من اجلاء الطائفة، ومن مشايخ الاجازة من مشايخ الطبرسي، وقد وصف بالعالم العابد العادل الموثق، يروى عن الشيخ الصدوق ابى عبد الله جعفر بن محمد بن احمد الدرويستى عن أبيه عن الشيخ ابى جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى. راجع (رجال المامقانى: 261 - 3، وكشكول البحراني: 301 - 1) (2) معالم العلماء: 25 (3) كشكول البحراني: 302 - 1، واعيان الشيعة: 99 - 9 (4) كشكول البحراني: 301 - 302 - 1 (5) روضات الجنات: 19 - 1 (6) معجم المؤلفين: 10 - 2
[ 5 ]
2 - تاريخ الائمة عليهم السلام. 3 - فضل الزهراء عليها السلام. وهذه الكتب وان لم نعثر عليها فقد اورد ذكرها كل من ابن شهر اشوب والشيخ عباس القمي، والسيد محسن الامين العاملي، وعمر رضا كحاله، واسماعيل باشا (1). 4 - مفاخرة الطالبية. وقد ذكر هذا الكتاب كل من ابن شهر اشوب. والسيد الامين العاملي (2). 5 - كتاب الصلاة. وانفرد بذكر هذا الكتاب ابن شهر اشوب (3). 6 - تاج المواليد. وانفرد بذكر هذا الكتاب السيد محسن الامين العاملي (4) وقال: " ينقل عنه السيد النسابة احمد بن محمد بن المهنا بن علي بن المهنا العبيدلي المعاصر للعلامة الحلي في كتابه " تذكرة النسب " ولكن الشيخ احمد بن ابي ظبية البحراني في كتابه " عقد اللآل في مناقب النبي والآل " نسبه إلى امين الاسلام ابي علي فضل ابن الحسن الطبرسي صاحب التفسير، فقد وقع اشتباه في نسبة الكتاب المذكور أما من العبيدلي، أو البحراني، وكونه من العبيدلي القريب من زمن المؤلف بعيد ". ولقد وقع نظير هذا الاشتباه الذي يشير إليه المرحوم السيد الامين، اشتباه آخر في كتاب الاحتجاج نفسه. فقد نسب بعض المؤلفين كتاب الاحتجاج إلى ابي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، صاحب تفسير مجمع البيان.
وفي صدد اثبات هذا الكتاب لابي منصور احمد بن ابي طالب الطبرسي قال الشيخ يوسف البحراني: " ويظهر من كتاب المجلى لابن ابى جمهور الاحسائي ان كتاب الاحتجاج للشيخ ابى الفضل الطبرسي. قال في اول البحار بعد نسبة كتاب الاحتجاج لاحمد بن ابى طالب: وينسب هذا الكتاب إلى ابي علي الطبرسي وهو خطأ، بل هو تأليف ابي منصور احمد بن علي بن ابى طالب الطبرسي، كما صرح به السيد ابن طاووس في كتاب كشف المحجة " (1). وقال الخونساري: " وقد غلط صاحب الغوالى، والمحدث الاسترابادي غلطا فاحشا يبعد عن مثلهما غاية البعد في نسبة (كتاب الاحتجاج) إلى الشيخ ابي علي الطبرسي صاحب التفسير، مع ان بينهما بونا بعيدا، وتصريح جمهور الاصحاب واسنادهم عنه واليه على خلاف ذلك جدا " (2). وقطع السيد الامين بالاشتباه، واضاف بان صاحب رياض العلماء قال: قد توهم بعضهم بان الاحتجاج لصاحب مجمع البيان ابي علي الفضل الطبرسي، وهو توهم فاسد " (3). وأكد البحراني على صحة نسبة هذا الكتاب لابي منصور احمد بن علي الطبرسي، ونقل عنه السيد الامين عن اللؤلؤة قوله: " غلط جملة من متأخري اصحابنا في نسبة كتاب الاحتجاج إلى أبي علي الطبرسي " (4). وادرج كل من الحجة الشيخ اغا بزرك الطهراني، واسماعيل باشا، وعمر رضا كحاله اسم هذا الكتاب في قائمة مؤلفات ابى منصور الطبرسي (5).
ولعل الاشتباه الذي نشأ مرجعه إلى اشتراكهما في لقب واحد، وعصر واحد كما صرح بذلك الشيخ البحراني بقوله: " وان كان عصرها متحدا، وهما شيخ
ابن شهر اشوب واستاداه، وظني ان بينهما قرابة " (1). وإذا كنا ونحن في صدد التفريق بين هاتين الشخصيتين لاشتراكهما في لقب واحد فمن الجدير ان نذكر عددا من اعلام الشيعة يشتركون في هذه النسبة ايضا، وهم: 1 - أبو منصور، احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي، والمعروف بصاحب كتاب (الاحتجاج). وهو الذي نحن بصدد الحديث عنه. 2 - أبو علي، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، صاحب (تفسير مجمع البيان)، المتوفي سنة 548 ه. 3 - أبو نصر، الحسن بن الفضل بن الحسن، رضي الدين، صاحب كتاب (مكارم الاخلاق وقد وصفته المصادر بانه: كان فاضلا فقيها، محدثا جليلا. 4 - أبو الفضل، على بن الحسن بن الفضل بن الحسن، صاحب كتاب (مشكاة الانوار) الذي ألفه تتميما لكتاب والده مكارم الاخلاق (2). 5 - أبو علي، محمد بن الفضل الطبرسي. هكذا ذكر الحر العاملي، ووصفه بانه " كان عالما صالحا عابدا، يروى ابن شهر اشوب عنه، عن تلامذة الشيخ الطوسي " (3). 6 - الشيخ حسن بن علي بن محمد على بن الحسن الطبرسي، المعاصر للخواجة نصير الدين الطوسى (4).
7 - الحاج ميرزا حسين بن العلامة محمد تقي النوري الطبرسي صاحب كتاب (مستدرك الوسائل) المتوفي عام 1320. وهناك عدد آخر ولكننا اخترنا المشهورين منهم. والطبرسي: نسبة إلى طبرستان، وهي التي تعرف بمازندران، بل قد يقال: طبرستان على جميع تلك البلاد، حتى يشمل استراباد، وجرجان، ونحوها، وهي واقعة على طرف بحر الخزر، وتعرف ببحيرة طبرستان.
(1) الكشكول: 301 - 1، واعيان الشيعة: 100 - 9 (2) راجع تراجم هؤلاء المذكورين في الكنى والالقاب 409 - 2 (3) امل الامل: مادة محمد (4) اعيان الشيعة 98 - 9
[ 8 ]
وطبر: بالفارسية الفاس، وهي من كثرة اشتباك اشجارها لا يسلك فيها الجيش الا بعد ان يقطع بالطبر الاشجار من بين ايديهم. واستان: الناحية بالفارسي، فسميت طبرستان، اي ناحية الطبر. ونقل عن صاحب تاريخ قم المعاصر لابن العميد: ان طبر معرب، وهي ناحية معروفة بحوالي قم، وان الطبرسي (احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي) وسائر العلماء المعروفين قد كانوا اهل هذه الناحية (1). والكتاب الذي نحن بصدده، يعتبر من المصادر المحترمة في بابه، ولعلنا نستطيع من خلال الفقرات التي سنوردها - والتي تتضمن اراء الاعلام فيه - نلمس مدى اهميته، ووزنه العلمي. قال البحراني: " قال المجلسي في اول البحار انه قال في الفصل الثاني: وكتاب الاحتجاج وان كان اكثر اخباره مراسيل لكنه من الكتب المعروفة، وقد اثنى السيد ابن طاوس على الكتاب وقد اخذ عنه اكثر المتأخرين " (2).
وقال الخونساري: و " كتاب الاحتجاج معتبر معروف بين الطائفة، مشتمل على كل ما اطلع عليه من احتجاجات النبي والائمة، بل كثير من اصحابهم الامجاد مع جملة من الاشقياء المخالفين " (3). وقال الشيخ اغا بزرك الطهراني: وفي الكتاب " احتجاجات النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام وبعض الصحابة، وبعض العلماء، وبعض الذرية الطاهرة، واكثر احاديثه مراسيل الاما رواه عن تفسير العسكري عليه السلام، كما صرح به في أوله بعد الخطبة، فهو من الكتب المعتبرة التي اعتمد عليها العلماء الاعلام: كالعلامة المجلسي، والمحدث الحر، واضرابهما " (4). ومن خلال هذه الفقرات نستفيد بان الكتاب بمجموعه موضع اعتماد الاعلام والباحثين، بالرغم من ان اكثر احاديثه مراسيل، الا ان الثقة الكبيرة التي يتمتع
بها مؤلف الكتاب، زرعت في نفوس المؤلفين الاعتماد عليه، والنقل عنه دون تمحيص وتحقيق، وتدقيق في اسناد الاخبار والاحاديث. اما البواعث التي دعت المؤلف لتأليف هذا الكتاب، فقد حدثنا الطبرسي نفسه عنها، فقال: " ثم ان الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الاصحاب عن طريق الحجاج جدا، وعن سبيل الجدال، وان كان حقا وقولهم: " ان النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام لم يجادلوا قط، ولا استعملوه، ولا للشيعة فيه اجازة، بل نهوهم عنه، وعابوه "، فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والاصول مع اهل الخلاف، وذوي الفضول، وقد جادلوا فيها بالحق من الكلام،
وبلغوا غاية كل مرام، وانهم عليهم السلام انما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من اهل القصور عن بيان الدين، دون المبرزين في الاحتجاج الغالبين لاهل اللجاج، فانهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم، ومداولة الكلوم، فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم " (1). إذا فالمؤلف اندفع إلى تأليف هذا الكتاب بدافع العقيدة لينير للمتخبطين بطريق الغواية، نور الهداية والخير، ويبسط ما وسعه المجال عن جميع ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وآل بيته عليهم السلام واتباعهم، وليكشف لذوي اللجاج مدى المكانة العالية، والمقام السامي، التي تتمتع بها هذه الصفوة. اما منهج الطبرسي في تأليف كتابه الاحتجاج، فقد اوضحه لنا نفسه في مقدمة كتابه المذكور " يقول: " وانا ابتدئ في صدر الكتاب بفصل ينطوي على ذكريات من القرآن التي امر الله تعالى بذلك انبياءه بمحاجة ذوي العدوان، ويشتمل ايضا على عدة اخبار في فضل الذابين عن دين الله القويم، وصراطه المستقيم بالحجج القاهرة، والبراهين الباهرة، ثم نشرع في ذكر طرف من مجالات النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، وربما
(1) الاحتجاج: 4
[ 10 ]
يأتي في اثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة، حيث تقتضي الحال ذكره ولا نأتي في اكثر ما نورده من الاخبار باسناده اما لوجود الاجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، الا ما اوردته عن ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام فاليس في الاشتهار على حد ما سواه، وان كان مشتملا على مثل الذي قدمناه، فلاجل ذلك ذكرت اسناده في اول جزء من ذلك دون غيره لأن جميع ما رويت عنه عليه السلام انما رويته باسناد واحد من
جملة الاخبار التي ذكرها عليه السلام في تفسيره " (1). ولقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في ايران والنجف، غير ان هذه الطبعة التي بين ايدينا - وهي من نتاج مطبعة النعمان الغراء - قد تميزت عن سابقاتها بمميزات هامة. اولا - من حيث التعليق والفهرسة: فقد تصدى الاخ الفاضل السيد محمد بقاقر الخرسان لتحقيقها والتعليق عليها، وترجمة الاعلام الواردة فيها، وشرح الكلمات اللغوية، ووضع فهارس لها بالاضافة إلى تقسيمها جزئين. الامر الذي دل على قابلية الاخ الخرسان في مضمار التحقيق والتعليق، والجهد الذي صرفه في هذا الكتاب، والذي يبشر عن مستقبل زاهر يبعث بالامل والتقدير واني ارجوا مخلصا له ذلك. ثانيا - من حيث الاخراج والطباعة: وفي هذا المضمار اقدر للاخ الاديب حسن الشيخ ابراهيم صاحب مطبعة النعمان اهتمامه الكبير في اخراج هذا الكتاب بهذه الحلة القشيبة، والطباعة الانيقة والتي يتجلى فيها كل مظاهر الخدمة الصادقة، والاخلاص العميق في ابراز هذه الكتب بصورة تتناسب وهذا العصر الذي تقدمت فيه كل الامور إلى الاحسن. وفي الختام ادعوا الله عزوجل ان يوفق المعلق والناشر لخدمة الدين الاسلامي ويأخذ بيدهما إلى ما يصبوان إليه من الجزاء الاوفر من محمد صلى الله عليه وآله وعلي وانجاله الغر الميامين الذين اذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا. وهو المسدد للصواب النجف الاشرف في 18 / 12 / 1385 محمد السيد علي بحر العلوم
(1) الاحتجاج: 4
[ 1 ]
الأحتجاج تأليف أبى منصور أحمد بن علي بن ابى طالب
الطبرسي سنة 1385 هجرية سنة 1965 ميلادي
[ 2 ]
.....
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتعالى عن صفات المخلوقين، المنزه عن نعوت الناعتين، المبرأ مما لا يليق بوحدانيته، المرتفع عن الزوال والفناء بوجوب الهيته، الذى استعبد الخلائق بحمد ما تواتر عليهم من نعمائه، وترادف لديهم من حسن بلائه، وتتابع من أياديه وعواطفه، وتفاقم من مواهبه وعوارفه، جم عن الاحصاء عددها، وفاق عن الاحاطة بها مددها، وخرست ألسن الناطقين بالشكر عليها عن أداء ما وجب من حقها لديها. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، شهادة يثقل بها ميزان العارفين وتبيض بها وجوههم يوم الدين، واشهد ان محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى خاتم الرسل والأنبياء وسيد الخلائق كلهم والأصفياء، وان وصيه علي بن ابى طالب عليه السلام خير وصي وصي وخير امام ولى، وان عترته الطاهرة خير العترة الأئمة الهادية الاثنا عشر أمناء الله في بلاده وحججه على عباده، بهم تمت علينا نعمته وعلت كلمته، اختارهم للبرية اظهارا للطفه وحكمته وانارة لاعلام عدله ورحمته فانزاحت بهم علة العبيد، وزهق باطل كل مستكبر عنيد، بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب حفظا منه للشرائع والأحكام، وسياسة لهم وهيبة لأهل المعاصي والآثام، وزجرا عن التغاشم والتكالب، وردعا عن التظالم والتواثب، وتأديبا بهم لأهل العتو والعدوان، ودفعا لما تدعو إليه دواعى الشيطان، ولم يهملهم سدى بلا
حجة فيهم معصوم إما ظاهر مشهور أو غائب مكتوم، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الحجة، ولا يلتبس عليهم في دينه المحجة، ولم يجعل إليهم اختياره لعلمه بأنهم لا يعلمون اسراره، ولأنه عزوجل متعال عن فعل شئ لا يجوز عليه مثل تكليف مالا يهتدى العباد إليه، وقد نزه نفسه عن ان يشرك به احدا في الاختيار
[ 4 ]
حيث قال: " وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة " سبحان الله تعالى عما يشركون. ثم ان الذى دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جدا وعن سبيل الجدال وان كان حقا، وقولهم: " ان النبي صلى الله عليه واله والأئمة عليهم السلام لم يجادلوا قط ولا استعملوه ولا للشيعة فيه اجازة بل نهوهم عنه وعابوه "، فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول مع اهل الخلاف وذوى الفضول، قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام، وانهم عليهم السلام انما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من اهل القصور عن بيان الدين دون المبرزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج، فانهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم ومداولة الكلوم، فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم. وانا ابتدئ في صدر الكتاب بفصل ينطوى على ذكر آيات من القرآن التي امر الله تعالى بذلك انبياءه بمحاجة ذوي العدوان ويشتمل أيضا على عدة أخبار في فضل الذابين عن دين الله القويم وصراطه المستقيم بالحجج القاهرة والبراهين الباهرة، ثم نشرع في ذكر طرف من مجادلات النبي والأئمة عليه وعليهم السلام، وربما يأتي في أثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة حيث تقتضي الحال ذكره، ولا نأتي في اكثر ما نورده من الأخبار باسناده اما لوجود الاجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه أو لاشتهاره في السير والكتب
بين المخالف والمؤالف، الا ما اوردته عن ابى محمد الحسن العسكري عليه السلام، فانه ليس في الاشتهار على حد ما سواه وان كان مشتملا على مثل الذى قدمناه، فلأجل ذلك ذكرت اسناده في اول جزء من ذلك دون غيره، لأن جميع ما رويت عنه عليه السلام انما رويته باسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها عليه السلام في تفسيره. والله المستعان فيما قصدناه وهو حسبى ونعم الوكيل.
[ 5 ]
فصل " في ذكر طرف مما أمر الله في كتابه من الحجاج والجدال " " بالتي هي أحسن وفضل أهله " قال الله تبارك وتعالى في كتابه مخاطبا لنبيه صلى الله عليه واله: " وجادلهم بالتي هي احسن " (1). وقال عز من قائل: " ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي احسن " (2) وقال الله تعالى: " الم تر إلى الذى حاج ابراهيم " الآية (3). وقال تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلام ايضا لما احتج على على عبدة الكوكب المعروف بالزهرة وعبدة الشمس والقمر جميعا بزوالها وانتقالها وطلوعها وافولها وعلى حدوثها واثبات محدث لها وفاطر اياها: " وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين " إلى قوله تعالى: " وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه " (4) وغير ذلك من الآيات التى فيها الامر بالاحتجاج، وسيأتى ذكر شرحها في مواضعها انشاء الله تعالى. وروى عن النبي صلى الله عليه واله انه قال: " نحن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا ". واما الأخبار في فضل العلماء فهى اكثر من ان تعد أو تحصى، لكنا
نذكر طرفا منها: فمن ذلك ما حدثني به السيد العالم العابد أبو جعفر مهدى بن ابى حرب
الحسيني المرعشي (1) رضى الله عنه، قال حدثنى الشيخ الصادق أبو عبد الله جعفر بن محمد ابن احمد الدوريستى (2) رحمه الله عليه، قال حدثني ابى محمد بن احمد (3) قال حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (4) رحمه الله، قال حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الاسترا بادى (5)، قال حدثنى أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وابو الحسن علي بن محمد بن سيار (6) - وكانا من الشيعة
(1) السيد أبو جعفر مهدى بن ابى حرب الحسينى المرعشي عالم عابد، يروى عنه الطبرسي صاحب الاحتجاج بحق روايته عن ابيه عن الصدوق محمد بن على بن بابويه ويروى هو عن جعفر بن محمد.. العيسى الدوريستى. أعيان الشيعة 48 / 121. (2) أبو عبد الله جعفر بن محمد بن احمد بن العباس الدوريستى الرازي من أكابر علماء الامامية، من بيت العلم والفضل، كثير الرواية، كان مشهورا في جميع الفنون، معظما في الغاية عند نظام الملك الوزير. والدوريستى نسبة إلى دوريست قرية من قرى الرى يقال لها الآن (درشت) الكنى والألقاب 2 / 408. (3) أبو جعفر محمد بن احمد بن العباس العبسى الدوريستى من ولد حذيفة بن اليمان العبسى الصحابي، يروى عن الصدوق ويروى عنه ولده جعفر بن محمد. اعيان الشيعة 43 / 266. (4) أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمى، شيخ الحفظة رئيس المحدثين، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر عليه السلام، له نحو من ثلاثمائة مصنف
ورد بغداد سنة 355 وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن، مات بالرى سنة 381 الكنى والألقاب 1 / 212. (5) محمد بن القاسم الاستر ابادى المفسر، الراوى لتفسير الامام العسكري عليه السلام، شيخ ابن بابويه، روى عنه كثيرا في الفقيه والتوحيد وعيون أخبار الرضا عليه السلام، وترضى عنه وترحم عليه شرح مشيخة الفقيه ص 100. (6) أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وابو الحسن على بن محمد بن سيار قال الامام العسكري عليه السلام لوالديهما: " خلفا على ولديكما لأفيدهما العلم الذى يشرفهما الله تعالى به "، ومن هذا الكلام يظهر عظيم منزلتهما وثقتهما بعكس ما رماهما -
[ 7 ]
الامامية - قالا حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام، قال حدثنى ابى عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال: اشد من يتم اليتيم الذى انقطع من امه وابيه يتم يتيم انقطع عن امامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدرى كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وارشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى (1). وبهذا الاسناد عن ابى محمد الحسن العسكري عليه السلام قال: قال علي بن ابى طالب عليه السلام: من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذى حبوناه به (2) جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور يضئ لجميع اهل العرصات، وحلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها، ثم ينادى مناد " يا عباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد، ألا فمن اخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان " فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا، أو فتح عن قلبه من
الجهل قفلا، أو اوضح له عن شبهة. وبهذا الاسناد عن ابى محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام قال: قال الحسين ابن علي (3) فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه الناشب (4) في رتبة الجهل يخرجه من جهله ويوضح له ما اشتبه عليه على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه
- بعضهم بالضعف لأن من علمه الامام علما يشرفه الله تعالى به لا يعقل كونه غير عدل. تنقيح المقال 2 / 305. (1) الرفيق: جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين. وفى بعض النسخ " الرفيع الأعلى ". (2) حبوناه: اعطيناه بلا عوض. (3) في بعض النسخ " الحسن بن علي ". (4) الناشب: الواقع فيما لا مخلص منه.
[ 8 ]
كفضل الشمس على السها. وبهذا الاسناد عن ابى محمد الحسن بن علي العسكري قال: قال الحسين بن علي عليهما السلام: من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا باستتارنا فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتى ارشده وهداه قال الله عزوجل: ايها العبد الكريم المواسى لاخيه انا اولى بالكرم منك، اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعيم. وبهذا الاسناد عنه عليه السلام قال: قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام: العالم كمن معه شمعة تضئ للناس، فكل من ابصر بشمعته دعا بخير، كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة، فكل من اضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار، والله يعوضه عن ذلك لكل شعرة لمن اعتقه
ما هو افضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار (1) على الوجه الذى امر الله عزوجل به، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها لكن يعطيه الله ما هو افضل من مائة ألف ركعة يصليها من بين يدى الكعبة. وبهذا الاسناد عنه عليه السلام قال: قال جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذى يلى ابليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم ابليس وشيعته والنواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن اديان محبينا وذلك يدفع عن ابدانهم. وعنه عليه السلام بالاسناد المتقدم قال: قال موسى بن جعفر عليهما السلام: فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه
(1) القنطار: قيل هو ألف ومائتا أوقية، وقيل مائة وعشرون رطلا، وقيل هو ملء مسك ثور ذهبا، وقيل ليس له وزن عند العرب، وفسر القنطار من الحسنات في حديث مذكور في معاني الاخبار وغير بألف ومائتي أوقية، وأوقية اعظم من جبل أحد.
[ 9 ]
أشد على ابليس من ألف (1) عابد لأن العابد همه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وامائه لينقذهم من يد ابليس ومردته، فلذلك هو افضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابدة. وعنه عليه السلام قال: قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام: يقال للعابد يوم القيامة: " نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك وكفيت مؤنتك فادخل الجنة ". ألا ان الفقيه من افاض على الناس خيره وانقذهم من اعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى وحصل لهم رضوان الله تعالى، ويقال للفقيه: " يا ايها الكافل لأيتام آل
محمد الهادى لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك "، فيقف فيدخل الجنة معه فئاما وفئاما وفئاما (2) - حتى قال عشرا - وهم الذين اخذوا عنه علومه واخذوا عمن اخذ عنه وعمن اخذ عمن اخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم صرف مابين المنزلتين (3). وعنه عليه السلام قال: قال محمد بن علي الجواد عليهما السلام: من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن امامهم المتحيرين في جهلهم الأسارى في ايدى شياطينهم وفي ايدى النواصب من اعدائنا فاستنقذهم منهم واخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل ائمتهم ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء على الارض والعرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على اخفى كوكب في السماء. وعنه عليه السلام قال: قال علي بن محمد عليهما السلام: لو لامن يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقى احد الا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما
(1) في بعض النسخ " ألف ألف عابد ". (2) الفئام: الجماعة الكثيرة من الناس، وقد فسرفي بعض الاحاديث بمائة ألف. (3) الصرف: الفضل، يقال " لهذا صرف على هذا " أي فضل.
[ 10 ]
يمسك صاحب السفينة سكانها، اولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل. وعنه عليه السلام قال: يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا واهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء قد انبثت تلك الانوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع
تيجانهم ينبث فيها كلها فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه اخرجوه الا تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلى العلو حتى تحاذى بهم فوق الجنان، ثم ينزلهم على منازلهم المعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم وبحضرة ائمتهم الذين كانوا إليهم يدعون، ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان الا عميت عينه وأصمت أذنه وأخرس لسانه وتحول عليه اشد من لهب النيران، فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية فيدعونهم (1) إلى سواء الجحيم. وقال ايضا أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: ان محبي آل محمد صلى الله عليه واله مساكين مواساتهم افضل من مواساة مساكين الفقراء، وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم من مقاتلة اعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم، ألا فمن قواهم بفقهه وعلمه حتى ازال مسكنتهم ثم يسلطهم على الأعداء الظاهرين النواصب وعلى الاعداء الباطنين ابليس ومردته حتى يهزموهم عن دين الله يذودوهم (2) عن أولياء آل رسول الله صلى الله عليه واله حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم فأعجزهم عن اضلالهم، قضى الله تعالى بذلك قضاءا حقا على لسان رسول الله صلى الله عليه واله. وقال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام: قال علي بن ابى طالب عليه السلام من قوى مسكينا في دينه ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف فأفحمه (3)
لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره ان يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وليي،
والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعدتي، والمؤمنون اخواني، فيقول الله: أدليت بالحجة (1) فوجبت لك اعالي درجات الجنة، فعند ذلك يتحول عليه قبره انزه رياض الجنة. وقال أبو محمد عليه السلام: قالت فاطمة عليها السلام وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شئ من امر الدين احداهما معاندة والاخرى مؤمنة ففتحت على المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحا شديدا، فقالت فاطمة: ان فرح الملائكة باستظهارك عليها اشد من فرحك، وان حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها، وان الله عزوجل قال للملائكة: اوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف مما كنت اعددت لها، واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على اسير مسكين فيغلب معاندا مثل ألف ألف ماكان له معدا من الجنان. وقال أبو محمد عليه السلام: قال الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام وقد حمل إليه رجل هدية فقال له: ايما احب اليك ان ارد عليك بدلها عشرين ضعفا [ عشرين ضعفا عشرين ضعفا - يعني ] (2) عشرين ألف درهم - أو افتح لك بابا من العلم تقهر فلانا الناصبي في قريتك تنقذ به ضعفاء اهل قريتك ؟ ان احسنت الاختيار جمعت لك الأمرين، وان اسأت الاختيار خيرتك لتأخذ ايهما شئت. فقال: يابن رسول الله فثوابي في قهرى ذلك الناصب واستنقاذي لأولئك الضعفاء من يده قدره عشرون ألف درهم ؟ قال: بل اكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة. قال: يابن رسول الله فكيف اختار الأدون بل اختار الأفضل، الكلمة التي اقهر بها عدو الله وأذوده عن اوليائه. فقال الحسن بن علي عليهما السلام: قد أحسنت الاختيار، وعلمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم، فذهب فأفحم الرجل، فاتصل
(1) أدلى بالحجة: أظهرها.
(2) هذه الزيادة ليست في بعض النسخ.
[ 12 ]
خبره به فقال له حين حضر معه: يا عبد الله ما ربح احد مثل ربحك ولا اكتسب احد من الأوداء مثل ما اكتسبت مودة الله اولا ومودة محمد وعلي ثانيا ومودة الطيبين من آلهما ثالثا ومودة ملائكة الله تعالى المقربين رابعا ومودة اخوانك المؤمنين خامسا، واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا ألف مرة، فهنيئا لك هنيئا. وقال أبو محمد عليه السلام: قال جعفر بن محمد عليهما السلام: من كان همه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين حمية لنا اهل البيت يكسرهم عنهم ويكشف عن مخازيهم ويبين عوارهم (1) ويفخم امر محمد وآله جعل الله تعالى همة املاك الجنان في بناء قصوره ودوره، يستعمل بكل حرف من حروف حججه على اعداء الله اكثر من عدد أهل الدنيا املاكا، قوة كل واحد يفضل عن حمل السماوات والأرضين، فكم من بناء وكم من نعمة وكم من قصور لا يعرف قدرها الا رب العالمين. وقال أبو محمد عليه السلام: قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام: افضل مايقدمه العالم من محبينا وموالينا امامه ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو لله ولرسوله، يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان الله، فيحملونه على اجنحتهم يقولون له: مرحبا طوباك طوباك (2) يا دافع الكلاب عن الابرار ويا ايها المتعصب للائمة الأخيار. وقال أبو محمد لبعض تلامذته - لما اجتمع إليه قوم من مواليه والمحبين لآل محمد رسول الله بحضرته وقالوا: يابن رسول الله صلى الله عليه واله ان لنا جارا من
النصاب يؤذينا ويحتج علينا في تفضيل الأول والثاني والثالث على امير المؤمنين عليه السلام ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها -: مر بهؤلاء إذا
(1) عوارهم: عيوبهم. (2) طوباك: طوبى لك، وطوبى اسم للجنة، وقيل شجرة فيها.
[ 13 ]
كانوا مجتمعين يتكلمون فتستمع عليهم فسيستدعون منك الكلام فتكلم وافحم صاحبهم واكسر عربه (1) وفل حده (2) ولا تبق له باقية، فذهب الرجل وحضر الموضع وحضروا وكلم الرجل فأفحمه وصيره لا يدرى في السماء هو أو في الأرض. قالوا: ووقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه الا الله تعالى، وعلى الرجل والمتعصبين له من الغم والحزن مثل ما لحقنا من السرور. فلما رجعنا إلى الامام قال لنا: ان الذين في السماوات لحقهم من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله كان اكثر مما كان بحضرتكم، والذى كان بحضرة ابليس وعتاة مردته من الشياطين من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم، ولقد صلى على هذا العبد الكاسر له ملائكة السماء والحجب والعرش والكرسي، وقابلهما الله تعالى بالاجابة فأكرم إيابه وعظم ثوابه، ولقد لعنت تلك الاملاك عدو الله المكسور وقابلها الله بالاجابة فشدد حسابه واطال عذابه.
(1) عربه: حدته، وفى بعض النسخ " عرنينه " وهو أول الأنف تحت مجتمع الحاجبين. (2) فل حده: مثل حد سيفه، وهو كناية عن كسر الشوكة.
[ 14 ]
فصل " في ذكر طرف مما جاء عن النبي (ص) من الجدال والمحاجة والمناظرة "
" وما يجري مجرى ذلك مع من خالف الاسلام وغيرهم " قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام: ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين وان رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام قد نهوا عنه، فقال الصادق عليه السلام: لم ينه عنه مطلقا، ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي احسن، أما تسمعون الله يقول: " ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي احسن " (1) وقوله: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن " (2) فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي احسن محرم حرمه الله على شيعتنا، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: " وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى " (3) وقال الله تعالى: " تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين " (3) فجعل الله علم الصدق والايمان بالبرهان، وهل يؤتى ببرهان الا بالجدال بالتي هي احسن. قيل: يابن رسول الله فما الجدال بالتي هي احسن وبالتي ليست بأحسن ؟ قال: اما الجدال بغير التي هي احسن فأن تجادل به مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد بذلك المبطل ان يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة ان يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا ان يصيروا فتنة على ضعفاء اخوانهم وعلى المبطلين، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجة له
(1) العنكبوت: 46. (2) النحل: 125 (3) البقرة: 111.
[ 15 ]
على باطله، وأما الضعفاء منكم فتغم قلوبهم (1) لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل.
واما الجدال بالتي هي احسن فهو ما امر الله تعالى به نبيه ان يجادل به من جحد البعث بعد الموت واحياءه له، فقال الله له حاكيا عنه: " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحى العظام وهى رميم " فقال الله تعالى في الرد عليه: " قل [ يا محمد ] يحييها الذى انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم. الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " (2) إلى آخر السورة، فأراد الله من نبيه ان يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز ان يبعث هذه العظام وهي رميم ؟ فقال الله تعالى: قل " يحييها الذى انشأها اول مرة " أفيعجز من ابتدأ به لا من شئ ان يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه اصعب عندكم من اعادته، ثم قال " الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا " أي إذا أكمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم انه على اعادة ما بلى اقدر، ثم قال " أو ليس الذى خلق السماوات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم " (3) أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم ان تقدروا عليه من اعادة البالي، فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو اسهل عندكم من اعادة البالي. قال الصادق عليه السلام: فهو الجدال بالتي هي أحسن، لأن فيها قطع عذر الكافرين وازالة شبههم. واما الجدال بغير التي هي احسن فان تجحد حقا لا يمكنك ان تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وانما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق، فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر. وقال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: فقام إليه رجل آخر وقال: يابن رسول الله صلى الله عليه واله أفجادل رسول الله ؟ فقال الصادق عليه السلام: مهما ظننت برسول الله من شئ فلا تظنن به مخالفة الله، أليس الله قد قال: " وجادلهم بالتي هي احسن " و " قل يحييها الذى انشأها اول مرة " لمن ضرب الله مثلا، أفتظن ان رسول الله صلى الله عليه واله خالف ما امر
الله به فلم يجادل بما أمره الله به ولم يخبر عن امر الله بما امره ان يخبر به، ولقد حدثني ابى الباقر عن جدى علي بن الحسين عن ابيه الحسين بن علي سيد الشهداء عن ابيه امير المؤمنين صلوات الله عليهم انه اجتمع يوما عند رسول الله صلى الله عليه واله أهل خمسة اديان: اليهود، والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركو العرب (1). فقالت اليهود: نحن نقول عزير ابن الله، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وافضل، وان خالفتنا خصمناك. وقالت النصارى: نحن نقول ان المسيح ابن الله اتحد به، وقد جئناك لننظر ما تقول، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وافضل، وان خالفتنا خصمناك. وقالت الدهرية: نحن نقول ان الأشياء لابدو لها وهي دائمة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل، وان خالفتنا خصمناك. وقالت الثنوية: نحن نقول ان النور والظلمة هما المدبر ان. وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك، وان خالفتنا خصمناك. وقال مشركو العرب: نحن نقول ان أوثاننا آلهة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وافضل، وان خالفتنا خصمناك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت [ بالجبت
(1) اليهود هم اتباع النبي موسى بن عمران عليه السلام وكتابهم المقدس هو التوراة، والنصارى هم اتباع النبي عيسى بن مريم عليه السلام وكتابهم المقدس هو الانجيل، والدهرية هم الذين ينفون الرب والجنة والنار ويقولون وما يهلكنا الا الدهر وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثبت، والثنوية هم الذين يثبتون
مع القديم قديما غيره، قيل هم المجوس الذين يثبتون مبدأين مبدأ للخير ومبدأ للشر وهما النور والظلمة ويقولون بنبوة ابراهيم الخليل عليه السلام، وقيل هم طائفة يقولون إن كل مخلوق للخلق الأول. ومشركو العرب هم الذين كانوا يعكفون على أصنام لهم ويعبدونها من دون الله تعالى ويعتقدون فيها انها منشأ الخير والشر وواسطة بين العبد والرب.
[ 17 ]
والطاغوت و ] (1) بكل معبود سواه. ثم قال لهم: ان الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا وحجة على العالمين، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره. ثم قال لليهود: اجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة ؟ قالوا: لا. قال: فما الذى دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله ؟ قالوا: لأنه أحيى لبني اسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذى جاء لهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم. ولئن كان عزير بن الله لما ظهر من إكرامه باحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة اولى وأحق، ولئن كان هذا المقدار من اكرامه لعزير يوجب له انه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة اجل من البنوة، لأنكم ان كنتم انما تريدون بالبنوة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمهات الأولاد بوطئ آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه واوجبتم فيه صفات المحدثين، فوجب عندكم ان يكون محدثا مخلوقا وان يكون له خالق صنعه وابتدعه. قالوا: لسنا نعني هذا، فان هذا كفر كما دللت لكنا نعني انه ابنه على معنى الكرامة وان لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد اكرامه وابانته بالمنزلة من غيره " يا بني " و " انه ابني " لا على اثبات ولادته منه
لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لانسب له بينه وبينه، وكذلك لما فعل الله تعالى بعزير ما فعل كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فهذا ما قلته لكم انه ان وجب على هذا الوجه ان يكون عزير ابنه فان هذه المنزلة بموسى اولى، وان الله يفضح كل مبطل باقراره ويقلب عليه حجته، ان ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو اكثر مما ذكرته لكم، لأنكم قلتم ان عظيما من عظمائكم قد يقول لاجنبي لانسب بينه وبينه " يا بني " و " هذا
(1) الزيادة في بعض النسخ.
[ 18 ]
ابني " لا على طريق الولادة، فقد تجدون ايضا هذا العظيم لأجنبي آخر " هذا اخي " ولآخر " هذا شيخي " و " ابي " ولآخر " هذا سيدى " و " يا سيدي " على سبيل الاكرام، وان من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذا يجوز عندكم ان يكون موسى اخا لله أو شيخا له أو ابا أو سيدا لأنه قد زاده في الاكرام مما لعزير، كما ان من زاد رجلا في الاكرام فقال له يا سيدي وياشيخي ويا عمي ويارئيسي على طريق الاكرام، وان من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم ان يكون موسى اخا لله أو شيخا أو عما أو رئيسا أو سيدا أو اميرا لأنه قد زاده في الاكرام على من قال له يا شيخى أو يا سيدي أو يا عمى أو يا رئيسي أو يا اميري ؟ قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يا محمد أجلنا نتفكر فيما قد قلته لنا. فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف يهدكم الله. ثم اقبل على النصارى فقال لهم: وانتم قلتم ان القديم عزوجل اتحد بالمسيح ابنه، فما الذي اردتموه بهذا القول، أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى، أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما كوجود القديم الذي هو الله
أو معنى قولكم انه اتحد به انه اختصه بكرامة لم يكرم بها احدا سواه، فان أردتم ان القديم صار محدثا فقد أبطلتم، لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، وان اردتم ان المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث ايضا محال ان يصير قديما، وان اردتم انه اتحد به بأنه اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد اقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذى اتحد به من أجله، لأنه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به - بأن احدث به معنى صار به اكرم الخلق عنده - فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه. فقالت النصارى: يا محمد ان الله لما اظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما اظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذى
[ 19 ]
ذكرتموه، ثم اعاد صلى الله عليه واله ذلك كله، فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم فقال له: يا محمد أو لستم تقولون ان ابراهيم خليل الله ؟ قال: قلنا ذلك. قال: فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من ان نقول ان عيسى ابن الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه واله: انهما لن يشتبها، لأن قولنا ابراهيم خليل الله فانما هو مشتق من الخلة والخلة انما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا واليه منقطعا وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا، وذلك لما اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله جبرئيل فقال له: ادرك عبدي، فجاء فلقيه في الهواء فقال له: كلفني مابدا لك فقد بعثني الله لنصرتك. فقال ابراهيم: حسبي الله ونعم الوكيل اني لا اسأل غيره ولا حاجة لي الا إليه، فسماه خليله اي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه، وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو انه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان الخليل معناه العالم به وبأموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه. ألا ترون انه إذا لم ينقطع
إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله، وان من يلده الرجل وان اهانه واقصاه لم يخرج عن ان يكون ولده، لأن معنى الولادة قائم به. ثم ان وجب لأنه قال لابراهيم خليلي ان تقيسوا انتم فتقولوا بأن عيسى ابنه وجب ايضا كذلك ان تقولوا لموسى انه ابنه، فان الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ماكان مع عيسى، فقولوا ان موسى ايضا ابنه، وان يجوز أن تقولوا على هذا المعنى انه شيخه وسيده وعمه ورئيسه واميره كما قد ذكرته لليهود. فقال بعضهم لبعض وفي الكتب المنزلة ان عيسى قال " اذهب إلى ابي وابيكم " فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فان كنتم بذلك الكتاب تعملون فان فيه " اذهب إلى ابي وابيكم " فقولوا ان جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم ان ما في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الذي زعمتم ان عيسى من وجهة الاختصاص كان ابنا له، لأنكم قلتم انما قلنا انه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره، وانتم تعلمون ان الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى " اذهب إلى ابي وابيكم "، فبطل ان يكون الاختصاص
[ 20 ]
لعيسى، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وانتم انما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها، لأنه إذا قال " اذهب إلى ابي وابيكم " فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عنى اذهب إلى آدم أو إلى نوح وان الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم وآدم ابي وابيكم وكذلك نوح، بل ما اراد غير هذا. قال: فسكت النصارى وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك وسننظر في أمورنا. ثم اقبل رسول الله على الدهرية فقال: وانتم فما الذى دعاكم إلى القول بأن
الأشياء لابدو لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال ؟ فقالوا: لأنا لا نحكم الا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أفوجدتم لها قدما ام وجدتم لها بقاءا أبد الآبد. فان قلتم انكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم انكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون والذين يشاهدونكم. قالوا: بل لم نشاهد لها قدما ولابقاء ابد الآبد، قال رسول الله صلى الله عليه واله: فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما لأنكم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاؤها اولى من تارك التميز لها مثلكم، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لانه لم يشاهد لها قدما ولا بقاءا ابد الآبد، أو لستم تشاهدون الليل والنهار واحدهما بعد الآخر ؟ فقالوا: نعم. فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا: نعم. فقال: افيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار ؟ فقالوا: لا. فقال صلى الله عليه واله فإذا منقطع احدهما عن الآخر فيسبق احدهما ويكون الثاني جاريا بعده. قالوا: كذلك هو. فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرته.
[ 21 ]
ثم قال صلى الله عليه واله: اتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه ام غير متناه، فان قلتم انه غير متناه فقد وصل اليكم آخر بلا نهاية لأوله، وان قلتم متناه فقد كان ولا شئ منهما. قالوا نعم. قال لهم: أقلتم ان العالم قديم غير محدث وانتم عارفون بمعنى ما اقررتم به وبمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه واله: فهذا الذى تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لأنه لا قوام للبعض الا بما يتصل به، كما
نرى البناء محتاجا بعض اجزائه إلى بعض والا لم يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نرى. وقال ايضا: فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني ان لو كان محدثا كيف كان يكون وماذا كانت تكون صفته ؟ قال: فبهتوا وعلموا أنهم ليجدون للمحدث صفة يصفونه بها الا وهى موجودة في هذا الذى زعموا أنه قديم، فوجموا وقالوا: سننظر في امرنا. ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه واله على الثنوية الذين قالوا النور والظلمة هما المدبر ان فقال: وانتم فما الذى دعاكم إلى ما قلتموه من هذا ؟ فقالوا: لأنا وجدنا العالم صنفين خيرا وشرا، ووجدنا الخير ضدا للشر، فأنكرنا ان يكون فاعل واحد يفعل الشئ وضده بل لكل واحد منهما فاعل، ألا ترى ان الثلج محال ان يسخن كما ان النار محال ان تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين ظلمة ونورا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة، وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع مثلين منها في محل واحد كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد ؟ قالوا: نعم قال فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر ؟ قال: فسكتوا. ثم قال: فكيف اختلط النور والظلمة، وهذا من طبعه الصعود وهذه من طبعها النزول، أرأيتم لو أن رجلا اخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا أكان يجوز عندكم ان يلتقيا ماداما سائرين على وجههما ؟ قالوا: لا. قال: فوجب
[ 22 ]
ان لا يختلط النور والظلمة لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف وجدتم حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج بل هما مدبران
جميعا مخلوقان. فقالوا: سننظر في امورنا. ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه واله على مشركي العرب فقال: وانتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله ؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى الله تعالى. فقال لهم: أو هي سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله ؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الذين نحتموها بأيديكم ؟ قالوا: نعم. قال: فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة احرى من ان تعبدوها، إذا لم يكن امركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم. قال: فلما قال رسول الله صلى الله عليه واله هذا القول اختلفوا فقال بعضهم: ان الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا، وقال آخرون منهم: ان هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله، وقال آخرون منهم: ان الله لما خلق آدم وامر الملائكة بالسجود له [ فسجدوه تقربا بالله ] كنا نحن احق بالسجود لآدم [ إلى الله ] من الملائكة، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى، وكما امرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب (1) سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم وقصدتم بالكعبة إلى الله عزوجل لا إليها. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: اخطأتم الطريق وضللتم، أما انتم - وهو صلى الله عليه واله
(1) محاريب جمع محراب، ومحراب المسجد قيل سمى بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى، وقيل بل المحراب اصله في المسجد، وهو اسم خص به صدر المجلس فسمى صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد. وكان هذا أصح قال تعالى: " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ". (*)
[ 23 ]
يخاطب الذين قالوا إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة التي صورناها فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا - فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شئ حتى يحيط به ذاك الشئ، فأى فرق بينه إذا وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته، ولم صار هذا المحلول فيه محدثا قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما، وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عزوجل كان لم يزل، وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم ان تصفوه بالزوال، وما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء، لأن ذلك اجمع من صفات الحال والمحلول فيه، وجميع ذلك متغير الذات، فان كان لم يتغير ذات الباري تعالى بحلوله في شئ جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين ويكون محدثا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: فإذا بطل ما ظننتموه من ان الله يحل في شئ فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم. قال: فسكت القوم وقالوا: سننظر في امورنا. ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه واله على الفريق الثاني فقال: اخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذى ابقيتم لرب العالمين، أما علمتم ان من حق من يلزم تعظيمه وعبادته ان لا يساوي به عبده، أرأيتم ملكا أو عظيما إذا سويتموه بعبده في التعظيم والخضوع والخشوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟ فقالوا: نعم. قال: أفلا تعلمون انكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون (1) على رب العالمين. قال: فسكت القوم بعد ان
قالوا: سننظر في امرنا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلا وشبهتمونا
(1) تزرون: تعيبون وتعاتبون.
[ 24 ]
بأنفسكم ولسنا سواء، وذلك انا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيها امرنا وننزجر عما زجرنا ونعبده من حيث يريده منا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه اطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لأنا لا ندري لعله ان اراد منا الأول فهو يكره الثاني، وقد نهانا ان نتقدم بين يديه، فلما امرنا ان نعبده بالتوجه إلى الكعبة اطعناه، ثم امرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها فأطعناه، ولم نخرج في شئ من ذلك من اتباع امره، والله حيث امر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم ان تقيسوا ذلك عليه لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه واله ارأيتم لو اذن لكم رجل دخول داره يوما بعينه ألكم ان تدخلوها بعد ذلك بغير امره، أو لكم ان تدخلوا دارا له اخرى مثلها بغير امره، أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه أو عبدا من عبيده أو دابة من دوابه ألكم ان تأخذوا ذلك ؟ قالوا: نعم. قال: فان لم تأخذوه ألكم اخذ آخر مثله ؟ قالوا: لا لأنه لم يأذن لنا في الثاني كما اذن في الأول. قال صلى الله عليه واله: فأخبروني الله اولى بأن لايتقدم على ملكه بغير امره أو بعض المملوكين ؟ قالوا: بل الله اولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير اذنه، قال: فلم فعلتم ومتى امركم بالسجود ان تسجدوا لهذه الصور ؟ قال فقال القوم: سننظر في امورنا وسكتوا. وقال الصادق عليه السلام: فوالذي بعثه بالحق نبيا ما اتت على جماعتهم الا ثلاثة ايام حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه واله فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل
فرقة خمسة وقالوا: ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد انك رسول الله. " احتجاج النبي صلى الله عليه واله وسلم على جماعة من المشركين " وقال الصادق عليه السلام: قال امير المؤمنين عليه السلام: انزل الله " الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم
[ 25 ]
يعدلون " (1) الآية. وكان في هذه الآية رد على ثلاثة اصناف منهم لما قال " الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض " فكان ردا على الدهرية الذين قالوا: ان الأشياء لابدو لها وهي دائمة. ثم قال " وجعل الظلمات والنور " فكان ردا على الثنوية الذين قالوا: ان النور والظلمة هما مدبران. ثم قال: " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا: ان أوثاننا آلهة. ثم نزل الله " قل هو الله احد " إلى آخرها، فكان ردا على من ادعى من دون الله ضدا اوندا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه واله لأصحابه: قولوا " اياك نعبد " أي نعبد واحدا لانقول كما قالت الدهرية ان الاشياء لابدو لها وهي دائمة، ولا كما قالت الثنوية ان النور والظلمة هما المدبر ان، ولا كما قال مشركو العرب ان اوثاننا آلهة فلا نشرك بك شيئا ولا ندعو من دونك الها كما يقول هؤلاء الكفار ولا نقول كما قالت اليهود والنصارى ان لك ولدا تعاليت عن ذلك. قال: فذلك قوله: " وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى " وقالت طائفة غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا، قال الله تعالى يا محمد " تلك امانيهم " التي يمنونها بلا حجة " قل هاتوا برهانكم " وحجتكم على دعواكم " ان كنتم صادقين " كما اتى محمد ببراهينه التي سمعتموها. ثم قال " بلى من اسلم وجهه لله " تعالى يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله لما سمعوا براهينه وحجته
" وهو محسن " في علمه " فله اجره " وثوابه " عند ربه " يوم فصل القضاء " ولا ولاخوف عليهم " حين يخاف الكافرون مما يشاهدون من العقاب " ولا هم يحزنون " (2) عند الموت لأن البشارة بالجنات تأتيهم.
(1) الانعام: 1. (2) البقرة: 111 - 112.
[ 26 ]
" احتجاج النبي صلى الله عليه واله على جماعة من المشركين " عن ابى محمد الحسن العسكري عليهما السلام انه قال: قلت لأبى علي بن محمد عليه السلام هل كان رسول الله صلى الله عليه واله يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم ؟ قال: بلى مرارا كثيرة، منها ما حكى الله من قولهم: " وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك " إلى قوله " رجلا مسحورا " (1) وقالوا: " لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " (2) وقوله عزوجل: " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " إلى قوله " كتابا نقرؤه " (3) ثم قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبيا كموسى انزلت علينا كسفا من السماء ونزلت علينا الصاعقة في مسألتنا اليك لأن مسألتنا اشد من مسائل قوم موسى لموسى عليه السلام. قال: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وابو البخترى ابن هشام وابو جهل والعاص بن وائل السهمى وعبد الله بن ابى امية المخزومى، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله صلى الله عليه واله في نفر من اصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدى إليهم عن الله امره ونهيه.
فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل امر محمد وعظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وابطال ما جاء به ليهون خطبه على اصحابه ويصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فان انتهى والا عاملناه بالسيف الباتر. قال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد الله بن ابي امية
المخزومى: انا إلى ذلك، أفما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيا ؟ قال أبو جهل بلى، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن ابى امية المخزومي فقال: يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا، زعمت انك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشى في الأسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا الا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو اراد الله أن يبعث الينا نبيا لكان انما يبعث الينا ملكا لابشرا مثلنا، ما انت يا محمد الا رجل مسحورا ولست بنبي. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: هل بقى من كلامك شئ ؟ قال: بلى، لو اراد الله ان يبعث الينا رسولا لبعث اجل من فيما بيننا اكثره مالا واحسنه حالا، فهلا أنزل هذا القرآن الذى تزعم ان الله انزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم اما الوليد بن المغيرة بمكة واما عروة بن مسعود الثقفى بالطائف. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: هل بقي من كلامك شئ يا عبد الله ؟ فقال: بلى
لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة هذه، فانها ذات احجار وعروة وجبال، تكسح ارضها (1) وتحفرها وتجرى فيها العيون، فاننا إلى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل والأعناب تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا (2) فانك قلت لنا " وان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم " (3) فلعلنا نقول ذلك. ثم قال: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، تأتى به وبهم وهم لنا مقابلون، أو
(1) نكسح ارضها: تقشرها من التراب. (2) كسفا: قطعا قد ركب بعضها على بعض. (3) الطور: 44. والمركوم: المتراكم الذى يجعل بعضه على بعض.
[ 28 ]
يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى، وانك قلت لنا: " كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى " (1). ثم قال: أو ترقى في السماء أي تصعد في السماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن ابى امية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فانه رسولي وصدقوه في مقاله انه من عندي، ثم لا ادرى يا محمد إذا فعلت هذا كله اؤمن بك اولا أؤمن بك، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت ابوابها وادخلتناها لقلنا انما سكرت أبصارنا (2) وسحرتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا عبد الله أبقى شئ من كلامك ؟ قال: يا محمد اوليس فيما اوردته عليك كفاية وبلاغ، ما بقي شئ فقل مابدا لك وافصح عن نفسك ان كان لك حجة وأتنا بما سألناك به.
فقال رسول الله صلى الله عليه واله: اللهم انت السامع لكل صوت والعالم بكل شئ تعلم ماقاله عبادك، فأنزل الله عليه: يا محمد " وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام " إلى قوله " رجلا مسحورا " (3) ثم قال الله تعالى: " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " (4) ثم قال: يا محمد " تبارك الذى انشأ جعل لك خيرا من ذلك جنات تجرى من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا " (5) وانزل عليه: يا محمد " فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك " (6) الآية وانزل الله عليه: يا محمد " وقالوا لو لا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضى الامر " إلى قوله " وللبسنا عليهم ما يلبسون " (7).
فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: يا عبد الله أما ذكرت من انى آكل الطعام كما تأكلون وزعمت انه لا يجوز لاجل هذا ان اكون لله رسولا فانما الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلم وكيف، الا ترى ان الله كيف افقر بعضا واغنى بعضا واعز بعضا واذل بعضا واصح بعضا واسقم بعضا وشرف بعضا ووضع بعضا، وكلهم ممن يأكل الطعام، ثم ليس للفقراء ان يقولوا " لم افقرتنا واغنيتهم " ولا للوضعاء ان يقولوا " لم وضعتنا وشرفتهم " ولا للزمنى (1) والضعفاء ان يقولوا " لم ازمنتنا واضعفتنا وصححتهم " ولا للأذلاء ان يقولوا " لم أذللتنا واعززتهم " ولا لقباح الصور ان
يقولوا " لم قبحتنا وجملتهم " بل ان قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين وله في احكامه منازعين وبه كافرين، ولكان جوابه لهم: انا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وانتم العبيد ليس لكم الا التسليم لي والانقياد لحكمي، فان سلمتم كنتم عبادا مؤمنين وان ابيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين. ثم انزل الله عليه: يا محمد " قل انما انا بشر مثلكم " يعني آكل الطعام " ويوحى الي انما الهكم اله واحد " (2) يعني قل لهم انا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا ان يخصني ايضا بالنبوة [ دونكم ]. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك " هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا الا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده " فان الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود، يا عبد الله انما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكد (3)
(1) الزمنى: الذين ألم بهم المرض، المرضى. (2) الكهف: 110. (3) الكد: الالحاح والشدة في الطلب.
[ 30 ]
نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والامور تتباطأ، أو ما ترى الملوك إذا احتجوا كيف يجرى الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون. يا عبد الله انما بعثنى الله ولا مال لى ليعرفكم قدرته وقوته وانه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون على قتله ولامنعه في رسالاته، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم
وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلا واسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولى عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك لي: " لو كنت نبيا لكان معك ملك صدقك ونشاهده، بل لو اراد الله ان يبعث الينا نبيا لكان انما يبعث ملكا لابشرا مثلنا " فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لاعيان منه، ولو شاهدتموه - بأن يزاد في قوى أبصاركم - لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر، لأنه انما كان يظهر لكم صورة البشر الذى ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق، بل انما بعث الله بشرا وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به انه معجزة وان ذلك شهادة من الله بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما [ تعجزون عنه و ] يعجز عنه [ جميع ] البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم ان ذلك ليس في طبائع سائر اجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا، ألا ترون ان الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا، فان الله عزوجل سهل عليكم الامر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وانتم تقترحون عمل الصعب الذى لاحجة فيه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك " ما انت الا رجل مسحور " فكيف اكون كذلك وقد تعلمون اني في صحة التميز والعقل فوقكم، فهل جربتم علي
[ 31 ]
منذ نشأت إلى ان استكملت اربعين سنة خزية (1) أو زلة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأى، اتظنون ان رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته، وذلك ما قال الله " انظر كيف ضربوا لك الامثال
فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " إلى ان يثبتوا عليك عمى بحجة اكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك " لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة [ بن مسعود الثقفي ] بالطائف " فان الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه انت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء وليس قسمة الله اليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وامائه وليس هو عزوجل ممن يخاف احد كما تخافه أنت لما له وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في احد في ماله أو في حاله كما تطمع انت فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحدا محبة الهواء كما تحب انت فتقدم من لا يستحق التقديم وانما معاملته بالعدل، فلا يؤثر الا بالعدل لافضل مراتب الدين وجلاله الا الأفضل في طاعته والاجد في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله الا اشدهم تباطأ عن طاعته، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لاحد من عباده عليه ضريبة لازب (2)، فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلابد ان تتفضل عليه بالنبوة ايضا لأنه ليس لأحد اكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمه. ألا ترى يا عبد الله كيف اغنى واحدا وقبح صورته، وكيف حسن صورة واحد وافقره، وكيف شرف واحدا وافقره، وكيف اغنى واحدا ووضعه. ثم ليس لهذا الغنى ان يقول " هلا اضيف إلى يسارى جمال فلان " ولا للجميل ان
(1) وفى بعض النسخ " خربة " وهى العيب والعورة والذلة (2) الضريبة: التى تؤخذ في الجزية ونحوها. واللازب: اللازم الشديد اللزوم.
[ 32 ]
يقول " هلا أضيف إلى جمالي مال فلان "، ولا للشريف ان يقول " هلا اضيف إلى شرفي مال فلان " ولا للوضيع ان يقول " هلا اضيف إلى ضعتى شرف فلان "، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في افعاله محمود في اعماله وذلك قوله تعالى: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " قال الله تعالى " أهم يقسمون رحمة ربك " يا محمد " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " (1) فأحوجنا بعضا إلى بعض، أحوج هذا إلى مال ذلك، واحوج ذلك إلى سلعة هذا والى خدمته. فترى اجل الملوك واغنى الأغنياء محتاجا إلى افقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك ان يستغنى الا به، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى ان يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغنى، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته. ثم ليس للملك ان يقول هلا اجتمع إلى مالى علم هذا الفقير، ولا للفقير ان يقول هلا اجتمع على رأيى وعلمي وما اتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني. ثم قال الله: " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا " ثم قال: يا محمد قل لهم " ورحمة ربك خير مما يجمعون " (2) أي ما يجمعه هؤلاء من اموال الدنيا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " إلى آخر قلته، فانك قد اقترحت على محمد رسول الله أشياء: منها مالو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته ورسول الله صلى الله عليه واله يرتفع عن ان يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لاحجة فيه، ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك، وانما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان بها لا ليهلكوا بها، فانما اقترحت هلاكك ورب العالمين ارحم بعباده واعلم بمصالحهم من ان يهلكهم كما تقترحون،
ومنها المحال الذى لا يصح ولايجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع
(1) الزخرف: 32. (2) الزخرف: 32.
[ 33 ]
معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص، ومنها ما قد اعترفت على نفسك انك فيه معاند متمرد لاتقبل حجة ولا تصغي إلى برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف اوليائه. فأما قولك يا عبد الله " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه فانها ذات احجار وصخور وجبال تكسح ارضها وتحفرها وتجري فيها العيون فاننا إلى ذلك محتاجون " فانك سألت هذا وانت جاهل بدلائل الله. يا عبد الله ارأيت لو فعلت هذا أكنت من اجل هذا نبيا ؟ قال: لا. قال رسول الله: ارأيت الطائف التي لك فيها بساتين اما كان هناك مواضع فاسدة صعبة اصلحتها وذللتها وكسحتها واجريت فيها عيونا استنبطتها ؟ قال: بلى. قال: وهل لك في هذا نظراء ؟ قال: بلى. قال: فصرت انت وهم بذلك انبياء ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته، فما هو الا كقولك: لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الارض كما يمشي الناس أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس. واما قولك يا عبد الله " أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الانهار خلالها تفجيرا " أو ليس لك ولاصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا، أفصرتم انبياء بهذا ؟ قال: لا. قال: فما بال اقتراحكم على رسول الله صلى الله عليه واله اشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه، بل لو تعاطاها لدل تعاطيها على كذبه
لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم واديانهم، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا عبد الله وأما قولك " أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا " فانك قلت وان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم، فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم، فانما تريد بهذا من
[ 34 ]
رسول الله صلى الله عليه واله ان يهلكك ورسول رب العالمين ارحم من ذلك، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح ومالايجوز منه من الفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه، والله عزوجل طبيبكم لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: وهل رأيت يا عبد الله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم، وانما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه احبه العليل أو كرهه، فأنتم المرضى والله طبيبكم، فان انقدتم لدوائه شفاكم وان تمردتم عليه اسقمكم. وبعد فمتى رأيت يا عبد الله مدعى حق من قبل رجل اوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه، إذا ما كان يثبت لأحد على احد دعوى ولاحق، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولابين صادق وكاذب فرق. ثم قال رسول الله: يا عبد الله وأما قولك " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم " فان هذا من المحال الذي لاخفاء به، وان ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال، وانما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي
لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن احد. يا عبد الله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها ؟ قال: بلى. قال أفتشاهد جميع احوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال: بسفراء. قال: ارأيت لو قال معاملوك واكرتك (1) وخدمك لسفرائك لا نصدقكم في هذه السفارة الا ان تأتونا بعبد الله بن ابي امية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها، كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال: لا. قال: فما الذي يجب على سفرائك أليس ان يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم
(1) الأكرة: الأجراء والعمال.
[ 35 ]
على صدقهم يجب عليهم ان يصدقوهم ؟ قال: بلى. قال: يا عبد الله ارأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد اليك وقال لك قم معي فانهم قد اقترحوا على مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفا وتقول له انما انت رسول لا مشير ولا آمر ؟ قال: بلى. قال: فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين مالا تسوغ لأكرتك ومعامليك ان يقترحوه على رسولك إليهم، وكيف أردت من رسول رب العالمين ان يستذم إلى ربه بأن يأمر عليه وينهى وانت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى اكرتك وقوامك، هذه حجة قاطعة لابطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله. واما قولك يا عبد الله " أو يكون لك بيت من زخرف - وهو الذهب - " أما بلغك ان لعظيم مصر بيوتا من زخرف ؟ قال: بلى. قال: افصار بذلك نبيا ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب لمحمد صلى الله عليه واله نبوة لو كان له بيوت، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله. وأما قولك يا عبد الله " أو ترقى في السماء " ثم قلت " ولن نؤمن لرقيك
حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " يا عبد الله الصعود إلى السماء اصعب من النزول عنها، وإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول، ثم قلت " حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من بعد ذلك ثم لا ادري اؤمن بك اولا اؤمن بك " فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك الا تأديبه لك على يد اوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية، وقد انزل الله علي حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته فقال عزوجل: " قل " يا محمد " سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا " (1) ما أبعد ربي عن ان يفعل الاشياء على ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز، وهل كنت الا بشرا رسولا لا يلزمني الا اقامة حجة الله التي اعطاني، وليس لي ان آمر على ربي ولا انهى ولا اشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره ان يفعل بهم ما اقترحوه عليه.
(1) الاسراء: 93
[ 36 ]
فقال أبو جهل: يا محمد هاهنا واحدة ألست زعمت ان قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه ان يريهم الله جهرة ؟ قال: بلى. قال: فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن ايضا، فقد سألنا اشد مما سأل قوم موسى، لانهم كما زعمت قالوا " أرنا الله جهرة " ونحن نقول: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا نعاينهم. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا ابا جهل أما علمت قصة ابراهيم الخليل لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي. " وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين " (1) قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى ابصر الارض ومن عليها ظاهرين ومستترين، فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه: يا ابراهيم اكفف دعوتك
عن عبادي وامائي فاني انا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا يضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم، ولست اسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي وامائي فانما انت عبد نذير لا شريك في الملك ولا مهيمن علي ولا عبادي، وعبادي معي بين خلال ثلاث: إما تابوا إلى فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، واما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من اصلابهم ذريات مؤمنون فارفق بالآباء الكافرين واتأنى بالامهات الكافرات وارفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من اصلابهم فإذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي، وان لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي اعظم مما تريده بهم، فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي، يا ابراهيم خل بينى وبين عبادي فأنا ارحم بهم منك، وخل بيني وبين عبادي فاني انا الجبار الحليم العلام الحكيم ادبرهم بعلمي وانفذ فيهم قضائي وقدري. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا ابا جهل انما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة عكرمة ابنك، وسيلي من امور المسلمين ما ان اطاع * (هامش *) (1) الانعام: 75.
[ 37 ]
الله ورسوله فيه كان عند الله جليلا والا فالعذاب نازل عليك، وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوا من هذا انما امهلوا لأن الله علم ان بعضهم سيؤمن بمحمد وينال به السعادة، فهو لا يقطعه عن تلك السعادة ولا يبخل بها عليه، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر اباه لايصال ابنه إلى السعادة، ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم. فانظر إلى السماء، فنظر فإذا أبوابها مفتحة وإذا النيران نازلة منها مسامتة لرؤوس القوم (1) تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين اكتافهم، فارتعدت فرائص (2) ابي جهل والجماعة، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لاتروعنكم
فان الله لا يهلككم بها وانما اظهرها عبرة. ثم نظروا إلى السماء وإذا قد خرج من ظهور الجماعة انوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى اعادتها في السماء كما جاءت منها، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ان بعض هذه الانوار انوار من قد علم الله انه سيسعده بالايمان بي منكم من بعد، وبعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن وهم يؤمنون. وعن ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام انه قال: قيل لأمير المؤمنين يا امير المؤمنين هل كان لمحمد صلى الله عليه واله آية مثل آية موسى في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما امروا به ؟ فقال امير المؤمنين عليه السلام: اي والذي بعثه الله بالحق نبيا مامن آية كانت لأحد من الانبياء من لدن آدم إلى ان انتهى إلى محمد صلى الله عليه واله الا وقد كان لمحمد مثلها أو افضل منها، ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه واله نظير هذه الاية إلى آيات اخر ظهرت له، وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما اظهر بمكة دعوته وابان عن الله تعالى مراده رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب مكائدهم، ولقد قصدته يوما لأني كنت اول الناس اسلاما، بعث يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلاثاء، وبقيت معه اصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الاسلام وايد الله تعالى دينه من بعد، فجاء قوم من المشركين فقالوا له: يا محمد تزعم
(1) مسامتة لرؤوس القوم: محاذية لرؤوسهم. (2) الفرائص جمع الفريصة، وهى لحمة بين الثدى والكتف ترعد عند الفزع
[ 38 ]
انك رسول رب العالمين، ثم انك لا ترضى بذلك حتى تزعم انك سيدهم وافضلهم، فلئن كنت نبيا فأتنا بآية كما تذكره من الانبياء قبلك: مثل نوح الذي جاء بالغرق ونجا في سفينته مع المؤمنين، وابراهيم الذى ذكرت أن النار جعلت عليه بردا وسلاما، وموسى الذي زعمت ان الجبل رفع فوق رؤوس اصحابه حتى انقادوا
لما دعاهم إليه صاغرين داخرين، وعيسى الذي كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. وصار هؤلاء المشركين فرقا اربعة: هذه تقول اظهر لنا آية نوح، وهذه تقول اظهر لنا آية موسى، وهذه تقول اظهر لنا آية ابراهيم، وهذه تقول اظهر لنا آية عيسى. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: انما انا نذير [ وبشير ] مبين أتيتكم بآية مبينة هذا القرآن الذي تعجزون انتم والأمم وسائر العرب عن معارضته وهو بلغتكم، فهو حجة بينة عليكم، وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي وما على الرسول الا البلاغ المبين إلى المقرين بحجة صدقه وآية حقه، وليس عليه ان يقترح بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون. فجاء جبرئيل فقال: يا محمد ان العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: اني سأظهر لهم هذه الآيات وانهم يكفرون بها الا من اعصمه منهم، ولكني اريهم ذلك زيادة في الاعذار والايضاع لحججك، فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح عليه السلام: امضوا إلى جبل ابي قبيس، فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح، فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه. وقل للفريق الثاني المقترحين لاية ابراهيم عليه السلام امضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة، فسترون آية ابراهيم في النار، فإذا غشيكم النار فسترون في الهواء امرأة قد ارسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة وترد عنكم النار. وقل للفريق الثالث [ المقترحين لآية موسى: امضوا إلى ظل الكعبة ] فسترون آية موسى، وسينجيكم هناك عمي حمزة. وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل:
[ 39 ]
وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك اخبار هؤلاء الفرق الثلاث، فان الاية
التي اقترحتها تكون بحضرتي. فقال أبو جهل للفرق الثلاث: قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد صلى الله عليه وآله، فذهب الفريق الاول إلى جبل ابي قبيس والثاني إلى صحراء ملساء والثالث إلى ظل الكعبة ورأوا ما وعدهم الله ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه واله مؤمنين، وكلما رجع فريق منهم إليه واخبروه بما شاهدوا ألزمه رسول الله صلى الله عليه واله الايمان بالله فاستمهل أبو جهل إلى ان يجئ الفريق الاخر حسب ما اوردناه في الكتاب الموسوم بمفاخر الفاطمية تركنا ذكره هاهنا طلبا للايجاز والاختصار. قال امير المؤمنين عليه السلام: فلما جاءت الفرقة الثالثة واخبروا بما شاهدوا عيانا وهم مؤمنين بالله وبرسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله لابي جهل: هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك واخبرتك بما شاهدت. فقال أبو جهل: لاادرى اصدق هؤلاء ام كذبوا ام حقق لهم ذلك ام خيل إليهم، فان رأيت أنا ما اقترحته عليك من نحو آيات عيسى بن مريم فقد لزمنى الايمان بك والا فليس يلزمني تصديق هؤلاء على كثرتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ابا جهل فان كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدة تحصيلهم فكيف تصدق بماثر ابائك واجدادك ومساوى اسلاف اعدائك، وكيف تصدق على الصين والعراق والشام إذا حدثت عنها، وهل المخبرون عن ذلك الا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الايات مع سائر من شاهدها معهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتخرصونه الا إذا كان بأزائهم من يكذبهم ويخبر بضد اخبارهم، ألا وكل فرقة محجوجون بما شاهدوا، وانت يا ابا جهل محجوج بما سمعت ممن شاهده. ثم اخبره النبي صلى الله عليه واله بما اقترح عليه من آيات عيسى من اكله لما اكل وادخاره في بيته لما ادخر من دجاجة مشوية واحياء الله تعالى اياها وانطاقها بما
فعل بها أبو جهل وغير ذلك على ما جاء به في هذا الخبر، فلم يصدقه أبو جهل
[ 40 ]
في ذلك كله بل كان يكذبه وينكر جميع ماكان النبي صلى الله عليه واله يخبره به من ذلك، إلى أن قال النبي لأبي جهل: اما كفاك ما شاهدت ام تكون آمنا من عذاب الله. قال أبو جهل: اني لأظن ان هذا تخييل وايهام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهل تفرق بين مشاهدتك لها وسماعك لكلامها - يعني الدجاجة المشوية التي انطقها الله له - وبين مشاهدتك لنفسك ولسائر قريش والعرب وسماعك كلامهم ؟ قال أبو جهل: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فما يدريك إذا أن جميع ما تشاهد وتحس بحواسك تخييل. قال أبو جهل: ما هو تخييل. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولا هذا تخييل، والا فكيف تصحح انك ترى في العالم شيئا اوثق منه - تمام الخبر. " رسالة لابي جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة والجواب عنها بالرواية عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام " وهى ان قال: يا محمد ان الخيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ورمت بك إلى يثرب، وانها لا تزال بك تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك إلى ان تفسدها على اهلها وتصليهم حر نار جهنم وتعديك طورك، وما ارى ذلك الا وسيؤل إلى ان تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد اثارك ودفع ضرك وبلائك، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك ويساعدك على ذلك من هو كافر بك مبغض لك، فيلجئه إلى مساعدتك ومظافرتك خوفه لأن لا يهلك بهلاكك ويعطب عياله بعطبك ويفتقر هو ومن يليه بفقرك وبفقر شيعتك، إذ يعتقدون ان اعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك، واصطلموهم (1) باصطلامهم لك واتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب كما يأتون على اموالك
وعيالك، وقد اعذر من انذر وبالغ من اوضح.
(1) اصطلموهم: استأصلوهم.
[ 41 ]
واديت هذه الرسالة إلى محمد وهو بظاهر المدينة بحضرة كافة اصحابه وعامة الكفار من يهود بني اسرائيل، وهكذا أمر الرسول ليجبن المؤمنين ويغري بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للرسول: قد اطريت مقالتك واستكملت رسالتك ؟ قال: بلى. قال: فاسمع الجواب، ان ابا جهل بالمكاره والعطب يتهددني ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر الله أصدق والقبول من الله احق، لن يضر محمدا من خذله أو يغضب عليه بعد ان ينصره الله ويتفضل بجوده وكرمه عليه، قل له: يا أبا جهل انك واصلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان، وانا اجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن، ان الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسع وعشرين يوما، وان الله سيقتلك فيها بأضعف اصحابي، وستلقى انت وشيبة وعتبة والوليد وفلان وفلان - وذكر عددا من قريش - في قليب بدر مقتولين اقتل منكم سبعين وآسر منكم سبعين واحملهم على الفداء الثقيل. ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود وسائر الاخلاط: ألا تحبون ان اريكم [ مصارع هؤلاء المذكورين و ] مصرح كل واحد منهم [ قالوا: بلى. قال: ] هلموا إلى بدر فان هناك الملتقى والمحشر وهناك البلاء الاكبر لأضع قدمي على مواضع مصارعهم، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ولا تتغير ولا تتقدم ولا تتأخر لحظة ولا قليلا ولا كثيرا فلم يخف ذلك على احد منهم ولم يجبه الا علي بن أبي طالب عليه السلام وحده قال: نعم بسم الله. فقال الباقون: نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ولا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة ايام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لسائر اليهود: فأنتم ماذا تقولون ؟ فقالوا: نحن نريد ان نستقر في بيوتنا ولا حاجة لنا في مشاهدة ما انت في ادعائه محيل (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لانصب لكم في المسير إلى هناك اخطوا خطوة واحدة فان الله يطوى الارض لكم ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى
(1) المحال من الكلام: ما عدل عن وجهه.
[ 42 ]
هناك. قال المسلمون: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فلنشرف بهذه الاية، وقال الكافرون والمنافقون: سوف نمتحن هذا الكذاب لينقطع عذر محمد ويصير دعواه حجة عليه وفاضحة له في كذبه. قال: فخطا القوم خطوة ثم الثانية فإذا هم عند بئر بدر، فتعجبوا فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اجعلوا البئر العلامة واذرعوا من عندها كذا ذراع، فذرعوا فلما انتهوا إلى آخرها قال: هذا مصرع ابي جهل يجرحه فلان الانصاري ويجهز عليه عبد الله بن مسعود اضعف اصحابي. ثم قال: اذرعوا من البئر من جانب آخر ثم من جانب آخر ثم من جانب آخر كذا وكذا ذراعا وذراعا وذكر اعداد الاذرع مختلفة، فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا مصرع عتبة، وهذا مصرع شيبة، وذاك مصرع الوليد، وسيقتل فلان وفلان إلى ان سمى سبعين منهم بأسمائهم [ واسماء آبائهم ]، وسيؤسر فلان وفلان إلى ان ذكر سبعين منهم بأسمائهم واسماء ابائهم وصفاتهم ونسب المنسوبين إلى امهاتهم وآبائهم ونسب الموالى منهم إلى مواليهم. ثم قال صلى الله عليه وآله: أوقفتم على ما اخبرتكم به ؟ قالوا: بلى. قال: ان ذلك [ من الله ] لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوما في اليوم التاسع والعشرين
وعدا من الله مفعولا وقضاءا حتما لازما - تمام الخبر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا بما سمعتم. فقالوا: يارسول الله قد سمعنا ووعينا ولا ننسى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الكتابة اذكر لكم. فقالوا: يارسول الله فأين الدواة والكتف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذلك للملائكة. ثم قال: يا ملائكة ربي اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في الكتاب واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك. ثم قال: يا معشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها واخرجوها واقرأوها،
[ 43 ]
فتأملوها وإذا في كم كل واحد منهم صحيفة قرأوها وإذا فيها ذكر ماقاله رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك سواء لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر. فقال: اغيضوها في اكمامكم تكن حجة عليكم وشرفا للمؤمنين منكم وحجة على اعدائكم فكانت معهم، فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر كما قال رسول الله صلى الله عليه واله لا يزيد ولا ينقص، قابلوها في كتبهم فوجدوها كما كتبها الملائكة لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر، فقبل المسلمون ظاهرهم ووكلوا باطنهم إلى خالقهم. " احتجاجه صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود في جواز نسخ الشرائع وفى غير ذلك " قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لما كان رسول الله صلى الله عليه واله بمكة امره الله تعالى ان يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة، فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر
شهرا، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله مادرى محمد كيف يصلي حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه واله لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم. فقال جبرئيل عليه السلام: فاسأل ربك أن يحولك إليها فانه لايردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك، فلما استتم ؟ ؟ دعاءه صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال: اقرأ يا محمد " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (1) الايات.
(1) البقرة: 144.
[ 44 ]
فقال اليهود عند ذلك: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأجابهم الله احسن جواب فقال " قل لله المشرق والمغرب " وهو يملكهما وتكليفه التحويل إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر " يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " (1) وهو اعلم بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم. قال أبو محمد عليه السلام: وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقالوا: يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربعة عشر سنة ثم تركتها الآن، أفحقا كان ماكنت عليه فقد تركته إلى باطل فان ما يخالف الحق باطل، أو باطلا كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا ان تكون الآن على باطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: بل ذلك كان حقا وهذا حق، يقول الله " قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " إذا عرف صلاحكم ايها العباد في استقبالكم المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب
امركم به، وان عرف صلاحكم في غيرهما امركم به، فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده إلى مصالحكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الايام، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، أفتركتم الحق إلى الباطل أو الباطل إلى الحق أو الباطل إلى الباطل أو الحق إلى الحق ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم. قالوا: بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقته حق. فقالوا له: يا محمد أفبدا لربك فيما كان امرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: مابدا له عن ذلك فانه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم جل عن ذلك، ولا يقع عليه ايضا مانع يمنعه من مراده، وليس يبدو
(1) البقرة: 142.
[ 45 ]
الا لمن كان هذا وصفه، وهو عزوجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه واله: أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك، أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا: لا. قال: فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد ان كان تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بداله في الاول. ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في اثر الصيف والصيف في أثر الشتاء، ابدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا: لا. قل: فكذلك لم يبدله في القبلة. قال: ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء ان تحترزوا من البرد بالثياب
الغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر، أفبدا له في الصيف حين امركم بخلاف ماكان امركم به في الشتاء ؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فكذلكم الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشئ آخر فإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه، فأنزل الله تعالى " ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم " (1) يعني إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه. ثم قال رسول الله: يا عباد الله انتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به لافيما يشتهيه المريض ويقترحه. ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين. فقيل: يابن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى ؟ فقال: لما قال الله تعالى " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " وهى بيت المقدس " الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " (2) الا لنعلم ذلك منه وجودا بعد ان علمناه سيوجد، وذلك ان هوى اهل مكة كان في الكعبة فأراد الله ان يبين متبعي محمد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة
(1) البقرة: 115. (2) البقرة: 143.
[ 46 ]
في بيت المقدس امرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمدا فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه. ثم قال: " وإن كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله " ان كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة الا على من يهدي الله، فعرف ان لله ان يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.
وقال أبو محمد عليه السلام: قال جابر بن عبد الله الانصاري: سأل رسول الله صلى الله عليه واله عبد الله بن صوريا غلام يهودي أعور تزعم اليهود أنه أعلم يهودى بكتاب الله وعلوم انبيائه عن مسائل كثيرة يعنته فيها (1) فأجابه عنها رسول الله صلى الله عليه واله بما لم يجد إلى انكار شئ منه سبيلا. فقال له: يا محمد من يأتيك بهذه الأخبار عن الله ؟ قال: جبرئيل. قال: لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة، فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك لآمنت بك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لم أتخذتم جبرئيل عدوا ؟ قال: لأنه ينزل البلاء والشدة على بني اسرائيل، ودفع دانيال عن قتل بخت نصر (2) حتى قوى امره واهلك بني اسرائيل، وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها الا جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ويحك أجهلت امر الله وما ذنب جبرئيل الا ان اطاع الله فيما يريده بكم ؟ أرأيتم ملك الموت هل هو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق، أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد (3) الدواء
(1) يعنته فيها: يطلب زلته ويشدد عليه ويلزمه ما يصعب عليه اداؤه (2) بخت اصله بوخت وهو بمعنى ابن، نصر اسم صنم كان قد وجد عنده ولم يعرف له أب فنسب إليه، وخرب بيت المقدس وقتل من اليهود مقتلة عظيمة عندما اصبح ملكا. (3) أوجره: جعل الوجور في فيه. والوجور: الدواء يجعل في وسط الفم.
[ 47 ]
الكريهة لمصالحهم أيجب ان يتخذهم اولادهم اعداء من اجل ذلك، لا ولكنكم بالله جاهلون وعن حكمه غافلون. اشهد ان جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان
وله مطيعان، وانه لا يعادي احدهما الا من عادى الآخر، وان من زعم انه يحب احدهما ويبغض الاخر فقد كفر وكذب، وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان كما ان جبرئيل وميكائيل اخوان فمن احبهما فهو من اولياء الله ومن ابغضهما فهو من اعداء الله، ومن ابغض احدهما وزعم انه يحب الاخر فقد كذب وهما منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه برآء. وقال أبو محمد عليه السلام: كان سبب نزول قوله تعالى: " قل من كان عدوا لجبرئيل " الآيتين (1) ماكان من اليهود اعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل، ومن كان من اعداء الله النصاب من قول أسوأ منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله، أما ماكان من النصاب فهو ان رسول الله صلى الله عليه واله لما كان لا يزال يقول في علي عليه السلام الفضائل التي خصه الله عزوجل بها والشرف الذي نحله الله (2) تعالى وكان في كل ذلك يقول اخبرني به جبرئيل عليه السلام عن الله، ويقول في بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في انه عن يمين علي عليه السلام الذي هو افضل من اليسار كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الاخر الذي يجلسه على يساره، ويفتخران على اسرافيل الذت خلفه بالخدمة وملك الموت الذى اقامه بالخدمة، وان اليمين واليسار أشرف من ذلك، كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم. وكان رسول الله صلى الله عليه واله يقول في بعض أحاديثه: ان الملائكة اشرفها عند الله اشدها لعلي بن ابي طالب عليه السلام حبا، وانه قسم الملائكة فيما بينها والذي شرف
(1) البقرة: 97 - 98 (2) نحله الله: وهب له الله. وفى بعض النسخ " اهله الله " ومعناه: رآه اهلا لذلك. (*)
[ 48 ]
عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى. ويقول مرة: ان ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن ابي طالب عليه السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق اخر من بقى عليها بعد عشرة دفنتهم، فكان هؤلاء النصاب يقولون: إلى متى يقول محمد جبرئيل وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه، ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل ومن ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بعد محمد مفضلون. وأما ماقاله اليهود فهو ان اليهود أعداء الله، لما قدم رسول الله صلى الله عليه واله المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا فقال: يا محمد كيف نومك فانا قد اخبرنا عن نوم النبي صلى الله عليه وآله الذي يأتي في آخر الزمان ؟ فقال: تنام عيني وقلبي يقظان. قال: صدقت يا محمد. ثم قال: فأخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو المرأة ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله: اما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة. قال: صدقت يا محمد. ثم قال: يا محمد فما بال الولد يشبه اعمامه ليس فيه من شبه اخواله شئ ويشبه اخواله ليس فيه من شبه اعمامه شئ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ايهما علاماؤه ماء صاحبه كان الشبه له. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له ؟ فقال صلى الله عليه واله: إذا مغرت النطفة لم يولد له - اي إذا حمرت وكدرت - فإذا كانت صافية ولد له. فقال: اخبرني عن ربك ما هو ؟ فنزلت " قل هو الله احد " إلى آخرها. فقال ابن صوريا: صدقت خصلة بقيت لي ان قلتها آمنت بك واتبعتك: اي ملك
يأتيك بما تقوله عن الله ؟ قال: حبرئيل. قال ابن صوريا: ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لأن ميكائيل كان مسدد ملكنا
[ 49 ]
وجبرئيل كان مهلك ملكنا، فهو عدونا لذلك. فقال له سلمان الفارسي رضى الله عنه: وما بدء عداوته لكم ؟ قال: نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة، وكان من اشد ذلك علينا ان الله أنزل على انبيائه ان بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال (بخت نصر) وفي زمانه، واخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، والله يحدث الأمر بعد الامر فيمحو ما يشاء ويثبت، فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث اوائلنا رجلا من اقوياء بني اسرائيل وافاضلهم نبيا كان يعد من انبيائهم يقال له (دانيال) في طلب بخت نصر، ليقتله فحمل معه وقرمال (1) لينفقه في ذلك، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولامنعة، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرائيل وقال لصاحبنا: ان كان ربكم هو الذى امر بهلاككم فان الله لا يسلطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله، فصدقه صاحبنا وتركه ورجع الينا فأخبرنا بذلك، وقوى بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا وميكائيل عدو لجبرئيل. فقال سلمان: يابن صوريا فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ظلمتم، ارأيتم اوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله انه يملك ويخرب بيت المقدس ارادوا تكذيب انبياء الله في إخبارهم أو اتهموهم في اخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك ارادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومن وجهوه الا كفارا بالله، واى عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن
مغالبة الله عزوجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى. فقال ابن صوريا: قد كان الله تعالى اخبر بذلك على ألسن انبيائه ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت. قال سلمان: فإذا لا تثقون بشئ مما في التوراة من الاخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وابطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت، ولعل
(1) الوقر بكسر الواو: الحمل الثقيل.
[ 50 ]
كلما اخبراكم به عن الله انه يكون لا يكون وما اخبراكم به انه لا يكون لعله يكون، وكذلك ما اخبراكم انه لم يكن لعله كان، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه فانه يمحو ما يشاء ويثبت. انكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت فلذلك انتم بالله كافرون ولأخباره عن الغيوب مكذبون وعن دين الله منسلخون. ثم قال سلمان: فاني اشهد انه من كان عدوا لجبرئيل فانه عدو لميكائيل وانهما جميعا عدوان لمن عاداهما سالمان لمن سالمهما، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان: " قل من كان عدوا لجبريل " في مظاهرته لأولياء الله على اعداء الله ونزوله بفضائل على عليه السلام ولي الله من عند الله " فانه نزله " فان جبرئيل نزل هذا القرآن " على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه " من سائر كتب الله " وهدى " من الضلالة " وبشرى للمؤمنين " (1) بنبوة محمد وولاية علي عليه السلام ومن بعده من الأئمة [ الاثنى عشر ] بأنهم اولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا سلمان ان الله صدق قيلك ووافق رأيك، وان جبرئيل عن الله تعالى يقول: يا محمد سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك
ووداد علي اخيك ووصيك وصفيك، وهما في اصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة عدوان لمن ابغض احدهما وليان لمن والى محمدا وعليا عدوان لمن عادى محمدا وعليا واولياء هما، ولو احب اهل الأرض سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلى وموالاتهما لاوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب الله احدا منهم بعذاب البتة. وقال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لما نزلت هذه الآية " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " (2) في حق اليهود والنواصب فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله، فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الألسن
(1) البقرة: 96. (2) البقرة: 74.
[ 51 ]
والبيان منهم: يا محمد انك تهجونا وتدعى على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه، ان فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: انما الخير ما أريد به وجه الله وعمل على ما امر الله تعالى، واما ما اريد به الرياء والسمعة ومعاندة رسول الله صلى الله عليه واله واظهار الغنى له والتمالك والتشرف عليه فليس بخير بل هو الشر الخالص ووبال على صاحبه ويعذبه الله به اشد العذاب. فقالوا له: يا محمد انت تقول هذا ونحن نقول بل ما نتفقه الا لابطال امرك ودفع رياستك ولتفريق اصحابك عنك وهو الجهاد الاعظم نأمل به من الله الثواب الاجل العظيم، فأقل احوالنا انك تساوينا في الدعاوى فأى فضل لك علينا ؟. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا اخوة اليهود ان الدعاوى يتساوى فيها المحقون والمبطلون، ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين وتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتم بجهلكم ولا يكلفكم التسليم له
بغير حجة، ولكن يقيم عليكم حجة الله التي لا يمكنكم دفاعها ولا تطيقون الامتناع عن موجبها، ولو ذهب محمد ويريكم آية من عنده لشككتم وقلتم انه متكلف مصنوع محتال فيه معمول أو متواطئ عليه، وإذا اقترحتم انتم فاراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأت بحيلة أو مقدمات، فما الذي تقترحون فهذا رب العالمين قد وعدني ان يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم ويزيد في بصائر المؤمنين منكم. قالوا: قد انصفتنا يا محمد فان وفيت بما وعدت من نفسك من الانصاف فأنت اول راجع عن دعواك للنبوة وداخل في غمار الامة ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك وظهور باطل دعواك فيما ترومه من حجتك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد، اقترحواما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون. فقالوا له: يا محمد زعمت انه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء ومعاونة الضعفاء والنفقة في ابطال الباطل واحقاق
[ 52 ]
الحق وان الاحجار ألين من قلوبنا واطوع لله منا، وهذه الجبال بحضرتنا فهلم بنا إليها أو إلى بعضها فاستشهدها على تصديقك وتكذيبنا، فان نطقت بتصديقك فأنت المحق يلزمنا اتباعك وان نطقت بتكذيبك أو صمتت فلم ترد جوابك فاعلم بأنك المبطل في دعواك المعاند لهواك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: نعم هلموا بنا إلى أيما جبل شئتم استشهدوه ليشهد لي عليكم، فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه فقالوا: يا محمد هذا الجبل فاستشهده. فقال رسول الله للجبل: اني اسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر اسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد ان لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لايعرف عددهم غير الله عزوجل، وبحق محمد وآله الطيبين الذين
بذكر اسمائهم تاب الله على آدم وغفر خطيئته واعاده إلى مرتبته، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر اسمائهم وسؤال الله بهم رفع ادريس في الجنة مكانا عليا لما شهدت لمحمد بما اودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحدهم لقول محمد رسول الله. فتحرك الجبل وتزلزل وفاض عنه الماء ونادى: يا محمد أشهد انك رسول رب العالمين وسيد الخلق اجمعين، واشهد ان قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجرا، واشهد ان هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك من الفرية على رب العالمين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأسألك ايها الجبل امرك الله بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بهم نجى الله نوحا من الكرب العظيم وبرد الله النار على ابراهيم وجعلها عليه بردا وسلاما ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير لم ير تلك الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض اجمعين، وانبت حواليه من الاشجار الخضرة النظرة النزهة وعما حوله من انواع التور مما لا يوجد الا في فصول اربعة من جميع السنة ؟ قال الجبل: بلى اشهد لك يا محمد بذلك، واشهد انك لو اقترحت على
[ 53 ]
ربك ان يجعل رجال الدنيا قرودا وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، أو يقلب النيران جليدا أو الجليد نيرانا لفعل أو يهبط السماء إلى الارض أو يرفع الارض إلى السماء لفعل، أو يصير اطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل، وانه قد جعل الارض والسماء طوعك، والجبال والبحار تتصرف بأمرك، وسائر ما خلق من الرياح والصواعق وجوارح الانسان واعضاء الحيوان لك مطيعة وما امرتها به من شئ ائتمرت.
فقالت اليهود: يا محمد علينا تلتبس وتشبه، قد اجلست مردة من اصحابك خلف صخور من هذا الجبل فهم ينطقون بهذا الكلام ونحن لا ندري أنسمع من الرجال أم من الجبل، لا يغتر بمثل هذا الا ضعفاؤك الذين تبجبج في عقولهم (1) فان كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار وامر هذا الجبل ان ينقلع من اصله فيسير اليك إلى هناك، فإذا حضرك ونحن نشاهده فأمره ان ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه ثم يرتفع السفلى من قطعيته فوق العليا وتنخفض العليا تحت السفلى، فإذا تجعل اصل الجبل قلته وقلته اصله لنعلم انه من الله، لا يتفق مثله بمواطأة ولا بمعاونة مموهين متمردين. فقال رسول الله صلى الله عليه واله - واشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال - فقال: يا ايها الحجر تدحرج، فتدحرج ثم قال لمخاطبة: خذه وقربه من اذنك فسيعيد عليك ما سمعت، فان هذا جزء من ذلك الجبل، فأخذه الرجل فأدناه إلى اذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله صلى الله عليه واله فيما ذكره عن قلوب اليهود ومما غبر به (2) من أن نفقاتهم في دفع امر محمد صلى الله عليه واله باطل ووبال عليهم. فقال له رسول الله صلى الله عليه واله اسمعت هذا أخلف هذا الحجر احد يكلمك ويوهمك ان الحجر يكلمك ؟ قال: فأتني بما اقترحت في الجبل فتباعد رسول الله
(1) تبجبج في عقولهم: تلعب فيها، يقال " بجبج الصبى " إذا لاعبه وسكنه عند المناغاة. (2) غبر به: مضى به وذهب.
[ 54 ]
صلى الله عليه واله وسلم إلى فضاء واسع ثم نادى الجبل وقال: يا ايها الجبل بحق محمد وآله الطيبين بجاههم ومسائلة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية لنزع الناس كأنهم اعجاز نخل خاوية، وامر جبرئيل ان يصيح صيحة هائلة في قوم صالح
حتى صاروا كهشيم المحتضر لما انفصلت من مكانك باذن الله وجئت إلى حضرته هذه - ووضع يده على الارض بين يديه. فتزلزل الجبل وصار كالفارع الهملاج (1) حتى دنى من اصبعه اصله فلزق بها ووقف ونادى: ها انا سامع لك مطيع يارسول رب العالمين وان رغمت أنوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ان هؤلاء اقترحوا على ان آمرك ان تنقلع من اصلك فتصير نصفين ثم ينحط اعلاك ويرتفع اسفلك فتصير ذروتك اصلك واصلك ذروتك. فقال الجبل: أتأمرني بذلك يارسول رب العالمين ؟ قال: بلى فانقطع نصفين وانحط اعلاه إلى الارض وارتفع اسفله فوق اعلاه فصار فرعه اصله واصله فرعه، ثم نادى الجبل: يا معاشر اليهود هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذين تزعمون انكم به مؤمنون ؟. فنظر اليهود بعضهم إلى البعض، فقال بعضهم: ماعن هذا محيص، وقال آخرون منهم: هذا رجل منجوت مؤتى له ما يريد - والمنجوت يتأتى له العجائب - فلا يغرنك ما تشاهدون. فناداهم الجبل: يا اعداء الله قد ابطلتم بما تقولون نبوة موسى، هلا قلتم لموسى ان قلب العصا ثعبانا وانفلاق البحر طرقا ووقوف الجبل كالظلة فوقكم انما تأتي لك لأنك مؤتى لك يأتيك جدك بالعجائب فلا يغرنا ما نشاهده، فألقمتهم الجبال بمقالتها والصخور ولزمتهم حجة رب العالمين. وعن معمر بن راشد قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: اتى يهودي إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك ؟ فقال: انت افضل ام موسى بن عمران النبي الذى كلمه الله عزوجل وانزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وظله بالغمام ؟
(1) الفارع: الصاعد المرتفع، والهملاج: السريع السير.
[ 55 ]
فقال له النبي صلى الله عليه واله: انه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني اقول: ان آدم لما اصاب الخطيئة كانت توبته ان قال " اللهم اني سألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لى " فغفرها الله له، وان نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال " اللهم اني اسألك بحق محمد وآل محمد لم انجيتني من الغرق " فأنجاه الله عز وجل، وان ابراهيم لما ألقي في النار قال " اللهم انى اسألك بحق محمد وآل محمد لما امنتني " فجعلها بردا وسلاما، وان موسى لما القى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال " اللهم اني اسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني " قال الله تعالى، لا تخف انك انت الأعلى. يا يهودي ان موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه ايمانه شيئا ولا نفعته النبوة، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلام لنصرته فقدمه ويصلي خلفه. وعن ابن عباس قال: خرج من المدينة اربعون رجلا من اليهود قالوا: انطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذاب حتى نوبخه في وجهه ونكذبه، فانه يقول، انا رسول رب العالمين، وكيف يكون رسولا وآدم خير منه ونوح خير منه - وذكروا الانبياء عليهم السلام - فقال النبي صلى الله عليه واله لعبد الله بن سلام: التوراة بيني وبينكم فرضيت اليهود بالتوراة فقال اليهود: آدم خير منك لأن الله عزوجل خلقه بيده ونفخ فيه من روحه. فقال النبي صلى الله عليه واله: آدم النبي ابي وقد اعطيت انا افضل مما اعطى آدم. قال اليهود: وما ذاك ؟ قال: ان المنادى ينادي كل يوم خمس مرات " اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله " ولم يقل آدم رسول الله، ولواء الحمد بيدى يوم القيامة وليس بيد آدم. فقال اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة. قال: هذه واحدة. قالت اليهود: موسى خير منك. قال النبي صلى الله عليه واله ولم ؟ قالوا: لأن الله عزوجل كلمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ. فقال النبي صلى الله عليه واله.
لقد أعطيت انا افضل من ذلك. قالوا: وماذاك ؟ قال: هو قوله عزوجل " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذى
[ 56 ]
باركنا حوله " (1) وحملت على جناج جبرئيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، حتى تعلقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش " انى انا الله لا اله الا انا السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرؤف الرحيم " ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني، فهذا افضل من ذلك قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذه اثنتان. قالوا: نوح افضل منك. قال النبي صلى الله عليه واله: ولم ذاك ؟ قالوا: لأنه ركب السفينة فجرت على الجودى. قال النبي صلى الله عليه وآله: لقد اعطيت انا افضل من ذلك. قالوا: وماذاك ؟ قال: ان الله عزوجل أعطاني نهرا في السماء مجرية من العرش وعليه ألف ألف قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة حشيشها الزعفران ورضراضها (2) الدر والياقوت وارضها المسك الأبيض، فذلك خير لي ولأمتي، وذلك قوله تعالى " انا اعطيناك الكوثر " (3) قالوا: صدقت يا محمد هو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه واله هذه الثلاثة. قالوا: ابراهيم خير منك. قال: ولم ذاك ؟ قالوا: لأن الله اتخذه خليلا. قال النبي صلى الله عليه وآله: ان كان ابراهيم خليله فأنا حبيبه محمد. قالوا: ولم سميت محمدا ؟ قال: سماني الله محمدا وشق اسمى من اسمه هو المحمود وانا محمد وامتى الحامدون على كل حال. فقالت اليهود: صدقت يا محمد هذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله هذه أربعة. قالت اليهود: عيسى خير منك. قال: ولم ذاك ؟ قالوا: ان عيسى بن
مريم كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءه الشياطين ليحملوه فأمر الله جبرئيل ان اضرب بجناحك الأيمن وجوه الشياطين والقهم في النار، فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم في النار. فقال رسول الله: لقد اعطيت انا افضل من ذلك.
قالوا: وما هو ؟ قال: اقبلت يوم بدر من قتال المشركين وانا جائع شديد الجوع، فلما وردت المدينة استقبلتني امرأة يهودية وعلى رأسها جفنة وفي الجفنة جدي مشوي وفي كمها شئ من سكر فقالت: الحمد لله الذي منحك السلامة واعطاك النصر والظفر على الاعداء، وانى قد كنت نذرت لله نذرا ان أقبلت سالما غانما من غزاة بدر لأذبحن هذا الجدى ولاشوينه ولاحملنه اليك لتأكله. فقال النبي صلى الله عليه واله: فنزلت عن بغلتي الشهباء فضربت بيدى إلى الجدى لآكله فأستنطق الله الجدى فاستوى على اربع قوائم وقال: يا محمد لا تأكلني فانى مسموم. قالوا: صدقت يا محمد هذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه واله: هذه خمسة. قالوا: بقيت واحدة ثم نقوم من عندك. قال: هاتوا. قالوا: سليمان خير منك. قال: ولم ذاك ؟ قالوا: لأن الله عزوجل سخر له الشياطين والانس والجن والطير والرياح والسباع. فقال النبي صلى الله عليه واله: فقد سخر الله لى البراق وهو خير من الدنيا بحذافيرها، وهى دابة من دواب الجنة وجهها مثل وجه آدمي وحوافرها مثل حوافر الخيل وذنبها مثل ذنب البقر وفوق الحمار ودون البغل، وسرجه من ياقوتة حمراء وركابه من درة بيضاء، مزمومة بألف زمام من ذهب عليه جناحان مكللان بالدر والياقوت والزبرجد. مكتوب بين عينيه " لا اله الله وحده لا شريك له وان محمدا رسول الله ".
قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك. يا محمد نشهد أن لا اله الا الله وانك رسول الله. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله: لقد اقام نوح في قومه ودعاهم ألف سنة الا خمسين عاما ثم وصفهم الله عزوجل فقللهم فقال " وما آمن معه الا قليل " (1) ولقد تبعني في سنيي القليلة وعمري اليسير ما لم تتبع نوحا في طول عمره وكبر سنه، وان في الجنة عشرين ومائة صف امتى منها ثمانون صفا، وان الله عزوجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم الناسخ لها، ولقد جئت بتحليل ما حرموا وبتحريم بعض ما احلوا. من ذلك ان موسى جاء بتحريم (هامش) * (1) هود: 40.
[ 58 ]
صيد الحيتان يوم السبت حتى ان الله تعالى قال من اعتدى منهم في صيدها يوم السبت " كونوا قردة خاسئين " (1) فكانوا، ولقد جئت بتحليل صيدها حتى صار صيدها حلالا. قال الله تعالى " احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم " (2) وجئت بتحليل الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها. ثم ان الله عزوجل صلى علي في كتابه العزيز، قال الله عزوجل " ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " (3) ثم وصفني الله عزو جل بالرأفة والرحمة وذكر في كتابه " لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم " (4) وانزل الله تعالى ان لا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبى قط، قال الله عز وجل " يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة " (5) ثم وضعها عنهم بعد أن افترضها عليهم برحمته ومنه. وعن ثوبان قال: ان يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه واله فقال: يا محمد اسألك فتخبرني، فركض ثوبان برجله وقال: قل يارسول الله. فقال: لا أدعوه الا بما
سماه اهله. فقال: ارأيت قوله عزوجل " يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات " (6) اين الناس يومئذ ؟ فقال: في الظلمة دون المحشر. فقال: فما اول ما يأكل اهل الجنة إذا دخلوها ؟ قال: كبد الحوت. قال: فما طعامهم على اثر ذلك ؟ قال: كبد الثور. قال: فما شرابهم على اثر ذلك ؟ قال: السلسبيل. قال: صدقت افلا اسألك عن شئ لا يعلمه الا نبي ؟ قال: وما هو ؟ قال: عن شبه الولد أباه وامه. قال: ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة اصفر دقيق، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا باذن الله تعالى ومن تشبه اباه قبل ذلك يكون الشبه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد أنثى باذن الله عزوجل ومن تشبه امه
قبل ذلك يكون الشبه. ثم قال النبي صلى الله عليه واله: والذى نفسي بيده ماكان عندي شئ مما سألتنى عنه حتى انبأنيه الله عزوجل في مجلسي هذا على لسان اخى جبرئيل. ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله من الاحتجاج على المنافقين في طريق تبوك وغير ذلك من كيدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله على العقبة بالليل. قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لقد رامت الفجرة ليلة العقبة قتل رسول الله صلى الله عليه واله على العقبة (1)، ورام من بقى من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن ابي طالب عليه السلام فما قدروا على مغالبة ربهم، حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلى الله عليه واله في علي عليه السلام لما فخم من أمره وعظم من شأنه: من ذلك انه لما خرج النبي صلى الله عليه واله من المدينة وقد كان خلفه عليها وقال له: ان جبرئيل أتاني وقال لى: يا محمد ان العلي الاعلى
يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمد اما ان تخرج أنت ويقيم علي أو تقيم انت ويخرج علي لابد من ذلك، فان عليا قد ندبته لاحدى اثنتين لا يعلم احد كنه جلال من اطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيرى، فلما خلفه اكتر المنافقون الطعن فيه فقالوا: مله وسئمه وكره صحبته، فتبعه علي عليه السلام حتى لحقه وقد وجد غما شديدا عما قالوا فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ما اشخصك يا علي عن مركزك ؟ فقال: بلغني عن الناس كذا وكذا. فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي بعدي ؟ فانصرف علي إلى موضعه فدبروا عليه ان يقتلوه وتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ثم غطوها بخص رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ما غطوا به وجوه الخص، وكان
(1) عقبة بالتحريك: هو الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه، وهو طويل صعب إلى صعود الجبل. والعقبة منزل في طريق مكة بعد واقصة وقبل القاع لمن يريد مكة، وهو ماء لبنى عكرمة من بكربن وائل. مراصد الاطلاع 2 - 948.
[ 60 ]
ذلك على طريق علي الذى لابد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التى قد عمقوها، وكان ما حوالى المحفور أرض ذات حجارة ودبروا على انه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه. فلما بلغ علي عليه السلام قرب المكان لوى فرسه عنقه واطاله الله فبلغت جحفلته (1) اذنيه وقال: يا امير المؤمنين قد حفر لك هيهنا ودبر عليك الحتف وانت اعلم لاتمر فيه. فقال له علي عليه السلام: جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبر تدببري وان الله عزوجل لا يخليك من صنعه الجميل، وسار حتى شارف المكان فوقف الفرس خوفا من المرور على المكان، فقال علي عليه السلام: سر باذن الله سالما سويا عجيبا شأنك بديعا امرك، فتبادرت الدابة فان الله عزوجل قد متن الأرض (2)
وصلبها [ ولام (3) حفرها ] كأنها لم تكن محفورة وجعلها كسائر الأرض، فلما جاوزها علي عليه السلام لوى الفرس عنقه ووضع جحفلته على اذنه ثم قال: ما اكرمك على رب العالمين اجازك على هذا المكان الخاوى (4). فقال امير المؤمنين عليه السلام: جازاك الله بهذه السلامة عن نصيحتك التي نصحتني بها. ثم قلب وجه الدابة إلى ما يلي كفلها والقوم معه بعضهم أمامه وبعضهم خلفه وقال، اكشفوا عن هذا المكان فكشفوا فإذا هو خاو لا يسير عليه احد الا وقع في الحفرة، فأظهر القوم الفزع والتعجب مما رأوا منه، فقال علي عليه السلام للقوم: اتدرون من عمل هذا ؟ قالوا: لا ندري. قال عليه السلام: لكن فرسى هذا يدرى، يا ايها الفرس كيف هذا ومن دبر هذا ؟ فقال الفرس: يا امير المؤمنين عليه السلام إذا كان الله عزوجل يبرم ما يروم جهال القوم نقضه أو كان ينقض ما يروم جهال الخلق ابرامه فالله
(1) الجحفلة لذي الحافر كالشفة للانسان. (2) متن الأرض: صلب متنه وقواه. (3) لام حفرها: جمع حفرها، كأن الحفيرة ملئت وأرجعت إلى ما كانت عليه قبل ذلك. (4) الخاوى: الخالي، القفر
[ 61 ]
هو الغالب والخلق هم المغلوبون، فعل هذا يا امير المؤمنين فلان وفلان إلى ان ذكر العشرة بمواطأة من اربعة وعشرين هم مع رسول الله صلى الله عليه واله في طريقه ثم دبروا رأيهم على ان يقتلوا رسول الله صلى الله عليه واله على العقبة والله عزوجل من وراء حياطة رسول الله وولى الله لا يغلبه الكافرون. فأشار بعض اصحاب امير المؤمنين عليه السلام بأن يكاتب رسول الله بذلك ويبعث رسولا مسرعا، فقال امير المؤمنين عليه السلام: ان رسول الله إلى محمد رسوله أسرع
وكتابه إليه اسبق، فلا يهمنكم هذا إليه، فلما قرب رسول الله صلى الله عليه واله من العقبة التى بأزائها فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة ثم جمعهم فقال لهم: هذا جبرئيل الروح الأيمن يخبرني أن عليا دبر عليه كذا وكذا، فدفع الله عزوجل عنه من ألطافه وعجائب معجزاته بكذا وكذا، ثم انه صلب الأرض تحت حافر دابته وأرجل اصحابه، ثم انقلب على ذلك الموضع علي وكشف عنه فرأيت الحفيرة، ثم ان الله عزوجل لامها كما كانت لكرامته عليه، وانه قيل له كاتب بهذا وارسل إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقال: رسول الله إلى رسول الله اسرع وكتابه إليه اسبق. ثم لم يخبرهم رسول الله صلى الله عليه واله بما قال علي عليه السلام على باب المدينة " ان مع رسول الله منافقين سيكيدونه ويدفع الله عنه "، فلما سمع الأربعة والعشرون اصحاب العقبة ما قال له رسول الله صلى الله عليه واله في امر علي عليه السلام قال بعضهم لبعض: ما امهر محمدا بالمخرقة (1) وان فيجا (2) مسرعا اتاه أو طيرا من المدينة من بعض أهله وقع عليه ان عليا قتل بحيلة كذا وكذا وهو الذى واطأنا عليه اصحابنا، فهو الآن لما بلغه كتم الخبر وقلبه إلى ضده يريد أن يسكن من معه لئلا يمدوا أيديهم عليه، وهيهات والله ما لبث عليا بالمدينة الا حينه ولا خرج محمدا إلى هيهنا الا حينه، وقد هلك علي وهو هيهنا هالك لا محالة، ولكن تعالوا حتى نذهب إليه ونظهر له السرور بأمر على ليكون اسكن لقلبه الينا إلى ان نمضى فيه تدبيرنا،
(1) خرق الكذب: صنعه، ومعنى هذه الجملة: ما امهر محمدا بصنع الكذب ووضعه. (2) الفيج: السريع السير الذي يأتي بالأخبار.
[ 62 ]
فحضروه وهنوه على سلامة علي من الورطة التى رامها اعداؤه. ثم قالوا له: يارسول الله أخبرنا عن على عليه السلام أهو افضل ام ملائكة الله المقربون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: وهل شرفت الملائكة الا بحبها لمحمد وعلي
وقبولها لولايتهما، وانه لا احد من محبى على قد نظف قلبه من قذر الغش والدغل ونجاسات الذنوب الا كان اطهر وافضل من الملائكة، وهل امر الله الملائكة بالسجود لآدم الا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم انه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها الا - وهم يعنون أنفسهم - افضل منه في الدين فضلا واعلم بالله وبدينه علما، فأراد الله ان يعرفهم انهم قد اخطأوا في ظنونهم واعتقاداتهم، فخلق آدم وعلمه الأسماء كلها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم عليه السلام ان ينبأهم بها وعرفهم فضله في العلم عليهم، ثم اخرج من صلب آدم ذريته منهم الأنبياء والرسل والخيار من عباد الله أفضلهم محمد ثم آل محمد والخيار الفاضلين منهم اصحاب محمد وخيار امة محمد وعرف الملائكة بذلك انهم افضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال وقاسوا ماهم فيه بعرض يعرض من أعوان الشياطين ومجاهدة النقوس واحتمال اذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ومعاناة مخاطرة الخوف من الاعداء من لصوص مخوفين ومن سلاطين جورة قاهرين وصعوبة في المسالك في المضائق والمخاوف والاجراع (1) والجبال والتلاع (2) لتحصيل اقوات الأنفس والعيال من الطيب الحلال، فعرفهم الله عزوجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ويتخلصون منها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم ويجاهدون أنفسهم بدفها عن شهواتها ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوات الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرئاسة والفخر والخيلاء ومقاساة العناء والبلاء من ابليس وعفاريته وخواطرهم واغوائهم واستهوائهم ودفع ما يكابدونه من أليم الصبر على سماعهم الطعن من اعداء الله وسماع الملاهي (هامش) * (1) الجرعة: رملة مستوية لا تنبت شيئا. (2) التلاع: جمع التلعة، وهو ما علا من الأرض وما سفل، وفى بعض النسخ " الطلاع " وهو جمع الطلع بكسر الطاء: المكان المشرف الذى يطلع منه.
[ 63 ]
والشتم لأولياء الله، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم والهرب من اعداء دينهم، أو الطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم. قال الله عزوجل: يا ملائكتي وانتم من جميع ذلك بمعزل لا شهوات الفحولة تزعجكم ولا شهوة الطعام تحفزكم (2) ولا خوف من اعداء دينكم ودنياكم تنحب (2) في قلوبكم ولا لابليس في ملكوت سماواتي وارضى شغل على اغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم، يا ملائكتي فمن اطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا واكتسب من القربات إلى ما لم تكتسبوا. فلما عرف الله ملائكته فضل خيار امة محمد وشيعة علي وخلفائه عليهم السلام واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم، ثم قال: فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على انوار هذه الخلائق الأفضلين، ولم يكن سجودهم لآدم انما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عزوجل، وكان بذلك معظما له مبجلا، ولا ينبغى لأحد ان يسجد لاحد من دون الله ويخضع له خضوعه لله ويعظم بالسجود له كتعظيمه لله، ولو امرت احدا ان يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا ان يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله ومحض وداد خير خلق الله على بعد محمد رسول الله واحتمل المكاره والبلايا في التصريح باظهار حقوق الله ولم ينكر على حقا ارقبه عليه (3) قد كان جهله أو غفله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله عصى الله ابليس فهلك لما كان معصيته بالكبر على آدم، وعصى الله آدم الله بأكل الشجرة فسلم ولم يهلك لما لم يقارن بمعصيته التكبر
(1) الحفز: الدفع من الخلف، والحفز بالرمح: الطعن به. (2) النحب: السير السريع، وفى بعض النسخ " تنخب " ومعناه تجبن قلوبكم
وتجعلكم بلا فؤاد، يقال " رجل نخب " أي الجبان الذى لا فؤاد له. (3) ارقبه عليه: انتظره منه.
[ 64 ]
على محمد وآله الطيبين، وذلك ان الله تعالى قال له: يا آدم عصاني فيك ابليس وتكبر عليك فهلك ولو تواضع لك بأمرى وعظم عز جلالى لأفلح كل الفلاح كما افلحت، وانت عصيتني بأكل الشجرة وعظمتني بالتواضع لمحمد وآل محمد فتفلح كل الفلاح وتزول عنك وصمة الزلة فادعني بمحمد وآله الطيبين لذلك، فدعا بهم فأفلح كل الفلاح لما تمسك بعروتنا اهل البيت. ثم ان رسول صلى الله عليه واله امر بالرحيل في اول نصف الليل الأخير، وامر مناديه فنادى: ألا لا يسبقن رسول الله صلى الله عليه واله احد إلى العقبة ولا يطأها حتى يجاوزها رسول الله صلى الله عليه واله، ثم امر حذيفة ان يقعد في اصل العقبة فينظر من يمر بها ويخبر رسول الله صلى الله عليه واله، وكان رسول امره ان يتشبه بحجر، فقال حذيفة يارسول الله انى اتبين الشرفي وجوه القوم من رؤساء عسكرك، وانى اخاف ان قعدت في أصل الجبل وجاء منهم من اخاف ان يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بى ويكشف عني فيعرفني ويعرف موضعي من نصيحتك فيتهمني ويخافني فيقتلني. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: انك إذا بلغت اصل العقبة فاقصد اكبر صخرة هناك إلى جانب اصل العقبة وقل لها: ان رسول الله يأمرك ان تنفرجي لى حتى ادخل جوفك ثم يأمرك ان تثقبي فيك ثقبة أبصر منها المارين وتدخل علي منها الروح لئلا اكون من الهالكين، فانها تصير إلى ما تقول لها باذن الله رب العالمين. فأدى حذيفة الرسالة ودخل جوف الصخرة وجاء الأربعة والعشرون على جمالهم وبين ايديهم رجالتهم يقول بعضهم لبعض: من رأيتموه هنا كائنا من كان فاقتلوه لأن لا يخبروا محمدا انهم قد رأونا هيهنا فينكص محمد ولا يصعد هذه العقبة
الا نهارا فيبطل تدبيرنا عليه، وسمعها حذيفة واستقصوا فلم يجدوا أحدا، وكان الله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم، فتفرقوا فبعضهم صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك، وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال وهم يقولون الآن ترون حين محمد كيف اغراه بأن يمنع الناس عن صعود العقبة حتى يقطعها هو لنخلو به هيهنا فنمضى فيه تدبيرنا واصحابه عنه بمعزل، وكل ذلك يوصله الله تعالى
[ 65 ]
من قريب أو بعيد إلى اذن حذيفة ويعيه حذيفة، فلما تمكن القوم على الجبل حيث ارادوا كلمت الصخرة حذيفة وقالت له: انطلق الآن إلى رسول الله صلى الله عليه واله فأخبره بما رأيت وبما سمعت. قال حذيفة: كيف اخرج عنك وان رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم ؟ قالت الصخرة: ان الذي مكنك من جوفي وأوصل اليك الروح من الثقبة التي أحدثها في هو الذى يوصلك إلى نبي الله وينقذك من اعداء الله. فنهض حذيفة ليخرج فانفرجت الصخرة بقدرة الله تعالى، فحوله الله طائرا فطار في الهواء محلقا حتى انقض بين يدي رسول الله، ثم أعيد على صورته فأخبر رسول الله صلى الله عليه واله بما رأى وسمع، فقال رسول الله: أو عرفتهم بوجوههم ؟ فقال: يارسول الله كانوا متلثمين وكنت اعرف اكثرهم بجمالهم، فلما فتشوا المواضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم واسمائهم فلان وفلان وفلان حتى عد أربعة وعشرين. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا حذيفة إذا كان الله يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق اجمعون ان يزيلوه، ان الله تعالى بالغ في محمد أمره ولو كره الكافرون. ثم قال: يا حذيفة فانهض بنا انت وسلمان وعمار وتوكلوا على الله، فإذا جزنا الثنية الصعبة فأذنوا للناس ان يتبعونا، فصعد رسول الله صلى الله عليه واله وهو على ناقته
وحذيفة وسلمان احدهما آخذ بخطام ناقته يقودها والآخر خلفها يسوقها، وعمار إلى جانبها، والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات، وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله صلى الله عليه واله ويقع به في المهوى الذي يهول الناظر إليه من بعده، فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله صلى الله عليه واله اذن الله لها فارتفعت ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سقطت في جانب المهوى ولم يبق منها شئ الا صار كذلك وناقة رسول الله كأنها لا تحس بشئ من تلك القعقعات التي كانت للدباب. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله لعمار: اصعد إلى الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه
[ 66 ]
رواحلهم فارم بها، ففعل ذلك عمار فنفرت بهم رواحلهم وسقط بعضهم فانكسر عضده ومنهم من انكسرت رجله ومنهم من انكسر جنبه واشتدت لذلك اوجاعهم، فلما انجبرت واندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى ان ماتوا، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله في حذيفة وامير المؤمنين عليه السلام: " انهما أعلم الناس بالمنافقين " لقعوده في اصل الجبل ومشاهدته من مر سابقا لرسول الله صلى الله عليه واله. وكفى الله رسوله امر من قصد له، وعاد رسول الله صلى الله عليه واله إلى المدينة سالما فكسى الله الذل والعار من كان قعد عنه، وألبس الخزى من كان دبر عليه وعلى علي ما دفع الله عنه عليه السلام. " احتجاج النبي (ص) يوم الغدير على الخلق كلهم وفى غيره من الايام بولاية علي بن ابي طالب (ع) ومن بعده من ولده من الائمة المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين ". حدثنى السيد العالم العابد أبو جعفر مهدى ابن ابى حرب الحسينى المرعشي رضى الله عنه (1) قال اخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد ابى جعفر
محمد بن الحسن الطوسى (2) رضى الله عنه، قال اخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر (3) قدس الله روحه، قال اخبرني جماعة عن ابى محمد هارون بن موسى
(1) مضت ترجمته في هذا الكتاب ص 6. (2) الشيخ أبو على الحسن بن محمد بن الحسن الطوسى، كان عالما فاضلا فقيها محدثا جليلا ثقة، له كتاب الامالى وشرح النهاية، قرأ على والده جميع تصانيفه واليه ينتهى اكثر الاجازات عن الشيخ الطوسى تنقيح المقال 1 - 36 (3) شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى ولد في شهر رمضان سنة 385 وقدم العراق سنة 408 وبقى في بغداد مدة ثم هاجر إلى النجف الأشرف وبقى فيها حتى وفاته سنة 406، كان جهبذة من جهابذة الاسلام وعظيما من عظماء امة محمد " ص "، صنف في علوم عصره فكانت مصنفاته هي الأم والمراجع، ولم يجرؤ -
[ 67 ]
التلعكبرى (1)، قال اخبرنا أبو علي محمد بن همام، (2) قال اخبرنا علي السورى (3)، قال اخبرنا أبو محمد العلوى (4) من ولد الأفطس - وكان من عباد الله الصالحين - قال حدثنا محمد بن موسى الهمداني (5)، قال حدثنا محمد بن خالد الطيالسي (6)، قال حدثنا سيف بن عميرة (7) وصالح بن عقبة (8) جميعا
- على الافتاء بعده احد من علماء الشيعة إلى سنين متمادية لقوته في الفقه واضطلاعه في العلوم الاسلامية والكنى والالباب 2 / 357 - 359. (1) أبو محمد هارون بن موسى الشيباني ثقة جليل القدر عظيم المنزلة واسع الرواية عديم النظير وجه أصحابنا معتمد عليه لا يطعن عليه في شئ توفى سنة 385. الكنى والالقاب 2 / 108 (2) أبو على محمد بن ابى بكر همام بن سهيل الكاتب الاسكافي شيخ أصحابنا ومتقدمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث، ولد يوم الاثنين 6 ذى الحجة سنة 258
وتوفى يوم الخميس 19 جمادى الثانية سنة 336 رجال النجاشي ص 294. (3) لم نقف على ترجمة له - فليراجع (4) يحيى المكنى ابا محمد العلوى من بنى زبارة علوى سيد متكلم فقيه من اهل نيشابور له كتب كثيرة، منها كتاب في المسح على الرجلين في ابطال القياس وكتاب في التوحيد. رجال النجاشي ص 345. (5) محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمان، ضعفه القميون بالغلو له كتاب ماروى في ايام الأسبوع وكتاب الرد على الغلاة. رجال النجاشي ص 260 واقول: كيف يقال في محمد هذا انه غال مع العلم ان من مؤلفاته كتاب الرد على الغلاة - فلاحظ (6) أبو عبد الله محمد بن خالد الطيالسي التميمي كان يسكن بالكوفة في صحراء جرم، له كتاب نوادر، مات ليلة الاربعاء 27 جمادى الثانية سنة 259 وهو ابن 97 سنة. تنقيح المقال 3 / 114 (7) سيف بن عميرة النخعي عربي ثقة كوفى، روى عن ابى عبد الله وابى الحسن عليهما السلام له كتاب يرويه جماعات من اصحابنا. رجال النجاشي ص 143. (8) صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن ابى ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، قيل انه روى عن ابى عبد الله عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة منتهى -
[ 68 ]
عن قيس بن سمعان (1) عن علقمة بن محمد الحضرمي (2) عن ابى جعفر محمد ابن علي عليه السلام انه قال: حج رسول الله صلى الله عليه واله من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمد ان الله جل اسمه يقرئك السلام ويقول لك: انى لم أقبض نبيا من انبيائي ولا رسولا من رسلي الا بعد اكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقى عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج ان تبلغهما قومك: فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فانى لم
أخل ارضى من حجة ولن اخليها ابدا، فان الله جل ثناؤه يأمرك ان تبلغ قومك الحج وتحج ويحج معك من استطاع إليه سبيلا من اهل الحضر والاطراف والاعراب وتعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك علي مثال الذى اوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع. فنادي منادى رسول الله صلى الله عليه واله في الناس: ألا ان رسول الله يريد الحج وان يعلمكم من ذلك مثل الذى علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على ما اوقفكم عليه من غيره، فخرج صلى الله عليه واله وخرج معه الناس واصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من اهل المدينة واهل الأطراف والاعراب سبعين ألف انسان أو يزيدون على نحو عدد اصحاب موسى السبعين الف الذين اخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلك اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي بالخلافة على عدد اصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل، واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة (3)
- المقال ص 163. (1) لم تقف على ترجمته. (2) علقمة بن محمد الحضرمي هو أخو عبد الله بن محمد الحضرمي. رجال الكشى ص 354. (3) ذكر العلامة الحجة الثبت الأميني في كتابه القيم " الغدير " حديث الغدير بتفاصيله في الجزء الاول، وعد الراوين لحديث الغدير، فكانوا من الصحابة 110 -
[ 69 ]
فلما وقف بالموقف اتاه جبرئيل عليه السلام عن الله عزوجل فقال: يا محمد ان الله عزوجل يقرئك السلام ويقول لك: انه قد دنى اجلك ومدتك وانا مستقدمك على ما لابد منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد إلى ما عندك من
العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن ابى طالب عليه السلام، فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته، وذكرهم ما اخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذى واثقتهم وعهدي الذى عهدت إليهم من ولاية وليى ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن ابى طالب عليه السلام، فانى لم اقبض نبيا من الانبياء الا من بعد اكمال ديني وحجتي واتمام نعمتي بولاية اوليائي ومعاداة اعدائي، وذلك كمال توحيدي وديني واتمام نعمتي على خلقي باتباع وليى وطاعته، وذلك انى لا اترك ارضى بغير ولى ولا قيم ليكون حجة لي على خلقي، فاليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا بولاية وليى ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيى ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا ومن اشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة، ومن لقيني بعداوته دخل النار، فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فاني قابضك الي ومستقدمك علي. فخشى رسول الله صلى الله عليه واله من قومه واهل النفاق والشقاق ان يتفرقوا ويرجعوا إلى جاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوى عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء
- شخصا، ومن التابعين 84 شخصا، ومن الرواة من العلماء ابتداءا من القرن الثاني حتى القرن الرابع عشر 360 شخصا، وذكر من المؤلفين في حديث الغدير خصيصا 26 شخصا، انظر الجزء الاول من الكتاب ص 14 - 157.
[ 70 ]
وسأل جبرئيل ان يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر ان يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه، فأخر ذلك إلى ان بلغ مسجد الخيف (1)، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس يهتدون به، ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذى اراد حتى بلغ كراع الغميم (2) بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل وامره بالذى اتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة، فقال: جبرئيل اني اخشى قومي ان يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي عليه السلام [ فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخره ذلك ] فرحل فلما بلغ غدير خم (3) قبل الجحفة (4) بثلاثة اميال أتاه جبرئيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال: يا محمد ان الله عزوجل يقرئك السلام ويقول لك " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك " في علي " وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " (5). وكان اوائلهم قريب من الجحفة، فأمر بأن يرد من تقدم منهم ويحبس تأخر
(1) الخيف هو المنحدر من غلظ الجبل قد ارتفع عن مسيل اتاه فليس شرفا ولا حضيضا، وخيف منى هو الموضع الذى ينسب إليه مسجد الخيف. مراصد الاطلاع 1 / 495. (2) كراع الغميم: موضع بالحجاز بين مكة والمدينة امام عسفان بثمانية أميال وهذا الكراع جبل اسود في طرف الجرة يمتد إليه. مراصد الاطلاع 3 - 1153. (3) غدير: ما غودر من ماء المطر في مستنقع صغير أو كبير غير انه لا يبقى في القيظ. وخم: قيل رجل، وقيل غيظة، وقيل موضع تصب فيه عين، وقيل بئر قريب من المبثب حفرها مرة بن كعب، نسب إلى ذلك غدير خم، وهو بين مكة والمدينة، قيل على ثلاثة أميال من الجحفة، وقيل على ميل، وهناك مسجد للنبي مراصد الاطلاع 1 - 482، 2 - 985.
(4) الجحفة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة على أربع مراحل. وكان اسمها مهيعة وسميت الجحفة لان السيل جحفها، وبينها وبين البحر ستة اميال مراصد الاطلاع 1 - 315. (5) المائدة: 67.
[ 71 ]
عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا علما للناس ويبلغهم ما انزل الله تعالى في علي واخبره بأن الله عزوجل قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله عندما جاءته العصمة مناديا ينادى في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير امره بذلك جبرئيل عن الله عزوجل، وكان في الموضع سلمات (1) فأمر رسول الله صلى الله عليه واله ان يقم ما تحتهن (2) وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون، فقام رسول الله صلى الله عليه واله فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى واثنى عليه فقال: الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجل في سلطانه، وعظم في أركانه، واحاط بكل شئ علما وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه مجيدا لم يزل محمودا لا يزال، بارئ المسموكات (3) وداحي المدحوات وجبار الأرضين والسماوات، قدوس سبوح رب الملائكة والروح، متفضل على جميع من برأه متطول على جميع من انشأه، يلحظ كل عين والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الاحاطة بكل شئ والغلبة على كل شئ والقوة في كل شئ والقدرة على كل شئ وليس مثله شئ، وهو منشئ الشئ حين لا شئ، دائم قائم بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم، جل عن ان تدركه
الأبصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق احد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية الا بما دل عزوجل على نفسه. وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشى الابد نوره، والذي ينفذ
(1) سلمات: اشجار. (2) أي يكنس ما تحتهن. (3) السمك السقف، أو من اعلى البيت إلى أسفله، والغاية من كل شئ، والمقصود هنا السماوات وما فيها.
[ 72 ]
امره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير، صور ما ابدع على غير مثال وخلق ما خلق بلا معونة من احد ولاتكلف ولا احتيال، انشأها فكانت وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا اله الا هو المتقن الصنعة الحسن الصنيعة العدل الذي لايجور والاكرم الذي ترجع إليه الامور. واشهد انه الذي تواضع كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لهيبته ملك الاملاك ومفلك الافلاك ومسخر الشمس والقمر كل يجرى لاجل مسمى، يكور الليل على النهار (1) ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاسم كل جبار عنيد ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، احد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد، اله واحد ورب ماجد يشاء فيمضى ويريد فيقضي ويعلم فيحصى ويميت ويحيى ويفقر ويغنى ويضحك ويبكي ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لا اله الا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء ومجزل العطاء، محصى الانفاس ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شئ ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه الحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين ومولى العالمين، الذي استحق من كل من خلق ان يشكره ويحمده. احمده على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، اسمع امره واطيع وابادر إلى كل ما يرضاه واستسلم
لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته، لانه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، واقر له على نفسي بالعبودية واشهد له بالربوبية واؤدي ما اوحى إلى حذرا من ان لا افعل فتحل بي منه قارعة (2) لا يدفعها عني احد وان عظمت حيلته لا اله الا هو، لانه قد اعلمني اني ان لم أبلغ ما انزل الي فما بلغت رسالته
(1) كور الشئ: ادارته. ضم بعضه إلى بعض ككور العمامة، ويكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل: اشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازدياد هما. (2) القارعة: الداهية والنكبة المهلكة.
[ 73 ]
وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحى الي: بسم الله الرحمن الرحيم " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك " في علي [ يعنى في الخلافة لعلي بن ابى طالب عليه السلام ] " وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ". (معاشر الناس) ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلى، وانا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: ان جبرئيل عليه السلام هبط الي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام ان اقوم في هذا المشهد فأعلم كل ابيض واسود ان على بن ابى طالب عليه السلام اخي ووصيي وخليفتي والامام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى الا انه لانبي بعدي وهو وليكم من بعد الله ورسوله، وقد انزل الله تبارك وتعالى على بذلك آية من كتابه " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (1) وعلي بن ابى طالب عليه السلام اقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عزوجل في كل حال. وسألت جبرئيل ان يستعفي لي عن تبليغ ذلك اليكم ايها الناس لعلمي بقلة
المتقين وكثرة المنافقين وادغال (2) الآثمين وختل (3) المستهزئين بالاسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة إذا هم لي في غير مرة حتى سموني اذنا (4). وزعموا اني كذلك لكثرة ملازمته اياي واقبالي عليه، حتى انزل الله عزوجل في ذلك قرآنا " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن " على الذين يزعمون انه اذن " خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " الاية (5). ولو شئت ان اسمي بأسمائهم لسميت وان أومى إليهم بأعيانهم لأومأت وان
(1) المائدة: 55. (2) الادغال: الخالفة والخيانة، وادغل في الأمر: ادخل فيه ما يفسده. (3) الختل: الخديعة. (4) الاذن بضمتين: الرجل المستمع لما يقال له. (5) التوبة: 61.
[ 74 ]
ادل عليهم لدللت، ولكني والله في امورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني الا ان ابلغ ما انزل الي، ثم تلى صلى الله عليه واله " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك " في على " وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ". فاعلموا معاشر الناس ان الله قد نصبه لكم وليا واماما مفترضا طاعته على المهاجرين والانصار وعلى التابعين لهم باحسان، وعلى البادى والحاضر وعلى الاعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الابيض والاسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ امره، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه واطاع له. (معاشر الناس) انه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا واطيعوا وانقادوا لامر ربكم، فان الله عزوجل هو مولاكم والهكم ثم من دونه محمد صلى الله عليه واله
وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وامامكم بأمر ربكم، ثم الامامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال الا ما احله الله ولا حرام الا ما حرمه الله، عرفني الحلال والحرام وانا افضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه. (معاشر الناس) ما من علم الا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد احصيته في امام المتقين، وما من علم الا علمته عليا، وهو الامام المبين. (معاشر الناس) لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستكبروا [ ولا تستنكفوا خ ل ] من ولايته، فهو الذي يهدى إلى الحق ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم. ثم انه أول من آمن بالله ورسوله، وهو الذى فدى رسوله بنفسه وهو الذي كان مع رسول الله ولا احد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره. (معاشر الناس) فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله. (معاشر الناس) انه امام من الله ولن يتوب الله على احد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له، حتما على الله ان يفعل ذلك بمن خالف امره فيه وان يعذبه عذابا
[ 75 ]
شديدا نكرا أبد الآباد ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين. (ايها الناس) بى والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين، وانا خاتم الأنبياء والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من اهل السماوات والارضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شئ من قولى هذا فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار. (معاشر الناس) حبانى الله بهذه الفضيلة منا منه علي واحسانا منه الي، ولا
اله الا هو، له الحمد مني ابد الا الآبدين ودهر الداهرين على كل حال. (معاشر الناس) فضلوا عليا فانه افضل الناس بعدى من ذكر وأنثى، بنا انزل الله الرزق وبقى الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد على قولى هذا ولم يوافقه، ألا ان جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول: " من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبى " فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله ان تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها ان الله خبير بما تعملون. (معاشر الناس) انه جنب الله الذى ذكر في كتابه فقال تعالى: " ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " (1). (معاشر الناس) تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره الا الذى انا آخذ بيده ومصعده الي - وشائل بعضده - ومعلمكم ان من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن ابى طالب عليه السلام اخى ووصيي، وموالاته من الله عزوجل أنزلها على. (معاشر الناس) ان عليا والطيبين من ولدى هم الثقل الاصغر، والقرآن الثقل الاكبر، فكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا على الحوض، هم امناء الله في خلقه وحكماؤه في ارضه، ألا وقد اديت، ألا وقد بلغت
(1) الزمر: 56.
[ 76 ]
ألا وقد اسمعت، ألا وقد اوضحت، ألا وان الله عزوجل قال وانا قلت عن الله عزوجل، ألا انه ليس امير المؤمنين غير اخى هذا ولا تحل امرة المؤمنين بعدى لاحد غيره. ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ اول ما صعد رسول الله صلى الله عليه واله شال
عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه واله، ثم قال: (معاشر الناس) هذا علي اخى ووصيي وواعى علمي وخليفتي على امتى وعلى تفسير كتاب الله عزوجل والداعى إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وامير المؤمنين والامام الهادى وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، اقول ما يبدل القول لدي بأمر ربى، اقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من انكره واغضب على من جحد حقه، اللهم انك انزلت علي ان الامامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبى ايام بما اكملت لعبادك من دينهم واتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم الاسلام دينا، فقلت: " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " (1) اللهم انى اشهدك وكفى بك شهيدا انى قد بلغت. (معاشر الناس) انما اكمل الله عزوجل دينكم بامامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدى من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عزوجل فأولئك الذين حبطت اعمالهم وفي النار فيها خالدون، لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون. (معاشر الناس) هذا علي انصركم لى واحقكم بي واقربكم إلى واعزكم علي، والله عزوجل وانا عنه راضيان، وما نزلت آية رضى الا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا الا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن الا فيه، ولاشهد بالجنة في هل اتى على الانسان الا له، ولا انزلها في سواه، ولامدح بها غيره. (معاشر الناس) هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله، وهو التقي
(1) آل عمران 85.
[ 77 ]
النقي الهادى المهدى، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الاوصياء.
(معاشر الناس) ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي. (معاشر الناس) ان ابليس اخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط اعمالكم وتزل اقدامكم، فان آدم اهبط إلى الارض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عزوجل وكيف بكم وانتم انتم ومنكم اعداء الله، ألا انه لا يبغض عليا الا شقى ولا يتوالى عليا الا تقى ولا يؤمن به الا مؤمن مخلص، وفي علي والله نزلت سورة العصر " بسم الله الرحمن الرحيم. والعصر ان الانسان لفى خسر " إلى آخرها. (معاشر الناس) قد استشهدت الله وبلغتكم رسالتي، وما على الرسول الا البلاغ المبين. (معاشر الناس) اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون. (معاشر الناس) آمنوا بالله ورسوله والنور الذى انزل معه من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها. (معاشر الناس) النور من الله عزوجل في مسلوك ثم في على ثم في النسل منه إلى القائم المهدى الذى يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لأن الله عزوجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين. (معاشر الناس) انذركم اني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل افان مت أو قتلت انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين، ألا وان عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدى من صلبه. (معاشر الناس) لاتمنوا على الله اسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذاب من عنده انه لبالمرصاد.
[ 78 ]
(معاشر الناس) انه سيكون من بعدى ائمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون. (معاشر الناس) ان الله وأنا بريئان منهم. (معاشر الناس) انهم وانصارهم واتباعهم واشياعهم في الدرك الأسفل من النار ولبئس مثوى المتكبرين، ألا انهم اصحاب الصحيفة فلينظر احدكم في صحيفته. قال: فذهب على الناس الا شرذمة منهم امر الصحيفة. (معاشر الناس) انى ادعها امامة ووراثة في عقبى إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما امرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب وعلى كل احد ممن شهد أولم يشهد ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين، وعندها سنفرغ لكم ايها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران. (معاشر الناس) ان الله عزوجل لم يكن يذركم على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب. (معاشر الناس) انه ما من قرية الا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى، وهذا علي امامكم ووليكم وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده. (معاشر الناس) قد ضل قبلكم اكثر الأولين، والله لقد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين، قال الله تعالى: " الم نهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين. كذلك نفعل بالمجرمين. ويل يومئذ للمكذبين " (1). (معاشر الناس) ان الله قد أمرني ونهاني، وقد امرت عليا ونهيته، فعلم الأمر والنهى من ربه عزوجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، واطيعوه تهتدوا، وانتهوا
لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله. (معاشر الناس) انا صراط الله المستقيم الذى امركم باتباعه ثم على من
(1) المرسلات: 16 - 19.
[ 79 ]
بعدى ثم ولدى من صلبه ائمة يهدون إلى الحق وبه يعدلون، ثم قرأ " الحمد لله رب العالمين " إلى آخرها وقال: في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت واياهم خصت، اولئك اولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا ان حزب الله هم الغالبون، ألا ان اعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق والحادون وهم العادون واخوان الشياطين الذين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ألا ان اولياءهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عزوجل " لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد (1) الله ورسوله " (2) إلى آخر الآية، ألا ان اولياءهم الذين وصفهم الله عزوجل فقال: " الذين آمنوا ولم يلبسوا (3) ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون " (4) ألا ان اولياءهم الذين وصفهم الله عزوجل فقال الذين يدخلون الجنة آمنين تتلقاهم الملائكة بالتسليم ان طبتم فادخلوها خالدين (5)، ألا ان اولياءهم الذين قال لهم الله عزوجل: يدخلون الجنة بغير حساب (6)، ألا ان اعداءهم يصلون سعيرا (7)، ألا ان اعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور ولها زفير (8)، ألا ان اعداءهم الذين قال الله فيهم: " كلما دخلت امة
(1) حاده بتضعيف الدال: خالفه ولم يطع امره. (2) المجادلة: 22. (3) أي يستروا ايمانهم بظلم، فان اللبس في الاصل بمعنى الستر. (4) الأنعام 82 (5) هذا المضمون مأخوذ من قوله تعالى: " وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة
زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت ابوابها قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " للزمر 73 (6) مأخوذ من قوله تعالى: " فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب " غافر: 40 (7) مأخوذ من قوله تعالى: " فسوف يدعو ثبورا، ويصلى سعيرا " الانشقاق: 12 (8) اشارة إلى قوله تعالى: " إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا " الفرقان: 12
[ 80 ]
لعنت اختها " (1) الاية، ألا ان اعداءهم الذين قال الله عزوجل: " كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ ان انتم الا في ضلال مبين " (2) ألا ان اولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة واجر كبير. (معاشر الناس) شتان مابين السعير والجنة، عدونا من ذمه الله ولعنه وولينا من مدحه الله واحبه. (معاشر الناس) الا واني منذر وعلي هاد. (معاشر الناس) اني نبي وعلي وصي، ألا ان خاتم الأئمة منا القائم المهدى ألا انه الظاهر على الدين، ألا انه المنتقم من الظالمين، ألا انه فاتح الحصون وهادمها ألا انه قاتل كل قبيلة من اهل الشرك، ألا انه مدرك بكل ثار لأولياء الله، ألا انه الناصر لدين الله، ألا انه الغراف (3) في بحر عميق، ألا انه يسم (4) كل ذى فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا انه خيرة الله ومختاره، ألا انه وارث كل علم والمحيط به، ألا انه المخبر عن ربه عزوجل والمنبه بأمر ايمانه، ألا انه الرشيد السديد، ألا انه المفوض إليه، ألا انه قد بشر من سلف بين يديه،
ألا انه الباقي حجة ولا حجة بعده ولاحق الا معه ولا نور الا عنده، ألا انه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا وانه ولى الله في ارضه وحكمه في خلقه وامينه في سره وعلانيته (معاشر الناس) قد بينت لكم وأفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدى، ألا واني عند انقضاء خطبتي ادعوكم إلى مصافقتى (5) على بيعته والاقرار به ثم مصافقته بعدي، ألا واني قد بايعت الله وعلى قد بايعني وانا آخذكم بالبيعة له عن
(1) الاعراف: 38. (2) الملك: 8 - 9. (3) غرف الماء بيده: أخذه بها، وهذا اشارة إلى ما اخذه علي عليه السلام من علوم النبي صلى الله عليه وآله الكثيرة التى هي كالبحر العميق الذى لم يصل الناس إلى أعماقه. (4) يسم الشئ: يجعل له علامة يعرف بها. (5) صفق يده بالبيعة، وصفق على يده: ضرب يده على يده، والمصافقة المبايعة
[ 81 ]
الله عزوجل " فمن نكث فانما ينكث على نفسه " (1) الآية. (معاشر الناس) ان الحج والصفا والمروة والعمرة من شعائر الله " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناج عليه ان يطوف بهما " (2) الآية. (معاشر الناس) حجوا البيت، فما ورده اهل بيت لا استغنوا، ولا تخلفوا عنه الا افتقروا. (معاشر الناس) ما وقف بالموقف مؤمن الا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف عمله. (معاشر الناس) الحجاج معانون (3) ونفقاتهم مخلفة، والله لا يضيع اجر المحسنين. (معاشر الناس) حجوا البيت بكمال الدين والتفقه، ولا تنصرفوا عن المشاهد الا بتوبة واقلاع (4). (معاشر الناس) اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما امركم الله عزوجل، لئن
طال عليكم الامد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم الذى نصبه الله عزوجل بعدي، ومن خلفه الله منى وانا منه يخبركم بما تسألون عنه ويبين لكم مالا تعلمون، ألا ان الحلال والحرام اكثر من أن أحصيهما واعرفهما، فأمر بالحلال وانهى عن الحرام في مقام واحد، فأمرت ان آخذ البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ماجئت به عن الله عزوجل في علي امير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم مني ومنه، ائمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضى بالحق. (معاشر الناس) وكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فانى لم ارجع عن ذلك ولم ابدل، ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا
(1) الفتح: 10، ونكث العهد والبيع: نقضه ونبذه (2) البقرة: 158 (3) معانون: مساعدون، ومخلفة: معوضة (4) الاقلاع الترك، والمراد منه هنا ترك الذنوب
[ 82 ]
تغيروه، ألا واني اجدد القول: ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ألا وان رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ان تنتهوا إلى قولى وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته، فانه امر من الله عزوجل ومنى، ولا امر بمعروف ولانهى عن منكر الا مع امام معصوم. (معاشر الناس) القرآن يعرفكم ان الأئمة من بعده ولده، وعرفتكم انه مني وانا منه، حيث يقول الله في كتابه " وجعلها كلمة باقية في عقبه " (1) وقلت " لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما ". (معاشر الناس) التقوى التقوى، احذروا الساعة كما قال الله عزوجل " ان زلزلة الساعة شئ عظيم " (2) اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة
بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب، فمن جاء بالحسنة اثيب عليها ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب. (معاشر الناس) انكم اكثر من ان تصافقوني بكف واحدة، وقد امرني الله عزوجل ان آخذ من ألسنتكم الاقرار بما عقدت لعلي من امرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما اعلمتكم ان ذريتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم " انا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في امر علي وامر ولده من صلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا على ذلك نحيى ونموت ونبعث ولا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق نطيع الله ونطيعك وعليا امير المؤمنين وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين الذين قد عرفتكم مكانهما مني ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عزوجل " فقد اديت ذلك اليكم وانهما سيدا شباب اهل الجنة، وانهما الامامان بعد ابيهما علي وانا ابوهما قبله، وقولوا " اطعنا الله بذلك واياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وانفسنا وألسنتنا ومصافقة ايدينا من ادركهما
(1) الزخرف: 28. (2) الحج: 1.
[ 83 ]
بيده واقر بهما بلسانه ولا نبتغى بذلك بدلا ولا نرى من انفسنا عنه حولا ابدا، أشهدنا الله وكفى بالله شهيدا وانت علينا به شهيد، وكل من اطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله اكبر من كل شهيد " (معاشر الناس) ما تقولون فان الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فانما يضل عليها، ومن بايع فانما يبايع الله يد الله فوق ايديهم.
(معاشر الناس) فاتقوا الله وبايعوا عليا امير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى، ومن " نكث فانما ينكث على نفسه " الآية. (معاشر الناس) قولوا الذى قلت لكم وسلموا على علي بامرة المؤمنين، وقولوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير، وقولوا " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله " الآية. (معاشر الناس) ان فضائل علي بن ابى طالب عليه السلام عند الله عزوجل، وقد أنزلها في القرآن اكثر من ان أحصيها في مقام واحد، فمن انبأكم بها وعرفها فصدقوه. (معاشر الناس) من يطع الله ورسوله وعليا والأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما. (معاشر الناس) السابقون السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بامرة المؤمنين، اولئك هم الفائزون في جنات النعيم. (معاشر الناس) قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، " فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فلن يضر الله شيئا " (1)، اللهم اغفر للمؤمنين واغضب على الكافرين والحمد لله رب العالمين. فناداه القوم: سمعنا وأطعنا على امر الله وامر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا
(1) آل عمران: 144
[ 84 ]
وتداكوا (1) على رسول الله وعلى علي عليه السلام فصافقوا بأيديهم، فكان اول من صافق رسول الله صلى الله عليه واله الاول والثانى والثالث والرابع والخامس وباقى المهاجرين والانصار وباقى الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم، إلى ان صليت المغرب والعتمة
في وقت واحد، ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول الله يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين. وصارت المصافقة سنة ورسما، وربما يستعملها من ليس له حق فيها. وروى عن الصادق عليه السلام انه قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه واله من هذه الخطبة رأى الناس رجلا جميلا بها طيب الريح فقال: تالله ما رأيت محمدا كاليوم قط، ما اشد ما يؤكد لابن عمه وانه يعقد عقدا لا يحله الا كافر بالله العظيم وبرسوله، ويل طويل لمن حل عقده. قال: والتفت إليه عمر بن الخطاب حين سمع كلامه فأعجبته، هيئته ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه واله وقال: أما سمعت ما قال هذا الرجل، قال كذا وكذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله: يا عمر اتدرى من ذاك الرجل ؟ قال: لا. قال: ذلك الروح الأمين جبرئيل، فاياك ان تحله، فانك ان فعلت فالله ورسوله وملائكته والمؤمنين منك براء. ذكر تعيين الأئمة الطاهرة بعد النبي صلى الله عليه وآله واحتجاج الله تعالى بمكانهم على كافة الخلق. روى أبو بصير عن ابى عبد الله الصادق عليه السلام انه قال: قال ابى محمد بن علي لجابر بن عبد الله الانصاري: ان لى اليك حاجة متى يخف عليك ان اخلو بك فأسألك عنها ؟ قل له جابر: في أي الأحوال احببت، فخلا به ابى في بعض الأوقات وقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد امي فاطمة وما اخبرتك به امي انه في ذلك اللوح مكتوب.
(1) تداكوا عليه: ازدحموا عليه
[ 85 ]
فقال جابر: اشهد بالله انى دخلت على امك فاطمة صلوات الله عليها في حياة رسول الله صلى الله عليه واله فهنيتها بولادة الحسين عليه السلام ورأيت في يدها لوحا اخضر فظننت
انه من زمرد، ورأيت فيه كتابا ابيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأمي وابي انت يا بنت رسول الله ماهذا اللوح ؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه واله فيه اسم ابى واسم بعلي واسم ابني واسماء الاوصياء من ولدى، فأعطانيه ابى ليسرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه امك عليها السلام فقرأته واستنسخته. قال له ابى: فهل لك يا جابر أن تعرضه على ؟ قال: نعم، فمشى معه ابى حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى ابى صحيفة من رق وقال: يا جابر أنظر في كتابك لأقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته وقرأ أبى فما خالف حرف حرفا. قال جابر: فأشهد بالله انى هكذا رأيت في اللوح مكتوبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نبيه ورسوله ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين. عظم يا محمد اسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائى، فاني انا الله لا اله الا انا قاصم الجبارين ومذل الظالمين وديان يوم الدين، لا اله الا انا من رجا غير فضلى أو خاف غير عدلى عذبته عذابا لا اعذبه احدا من العالمين، فاياى فاعبد وعلي فتوكل، انى لم ابعث نبيا فأكملت ايامه وانقضت مدته الا جعلت له وصيا، وانى فضلتك على الانبياء وفضلت وصيك على الاوصياء، واكرمتك بشبليك بعده وسبطيك الحسن والحسين فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقصاء مدة ابيه، وجعلت حسينا خازن علمي واكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، وهو افضل من استشهد وارفع الشهداء درجة، وجعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده، بعترته اثيب واعاقب: اولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر الصادق الراد عليه
[ 86 ]
كالراد علي، حق القول منى لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وانصاره وأوليائه، وانتجبت بعده موسى، واتيح بعده فتنة عمياء حندس (1) الا ان خيط فرضى لا ينقطع وحجتي لاتخفى وان اوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدى موسى وحبيبي وخيرتي، ألا ان المكذب بالثامن مكذب بكل اوليائي علي وليى وناصري ومن اضع عليه اعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، وهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي، لا يؤمن به عبد الا جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجب النار، واختم بالسعادة لابنه علي وليى وناصري والشاهد في خلقي واميني على وحيى، اخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن العسكري، ثم اكمل دينى بابنه محمد رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب، سيد اوليائي سيذل اوليائي في زمانه وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم، اولئك اوليائي حقا بهم ادفع كل فتنة عمياء حندس وبهم اكشف الزلازل وارفع الآصار والأغلال، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون. قال عبد الرحمن بن سالم (2) قال أبو بصير (3): لو لم تسمع في دهرك الا
(1) الحندس: الليل المظلم، والظلمة الشديدة. (2) عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الأشل الكوفي العطار، وكان سالم بياع المصاحف، وعبد الرحمن بن سالم اخو عبد الحميد بن سالم له كتاب. رجال النجاشي ص 177
(3) أبو بصير يحيى بن القسم الاسدي، مما اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وعن جماعة آخر مذكورين في كتب التراجم وانقادوا إليهم بالفقه، توفى سنة -
[ 87 ]
هذا الحديث لكفاك، فصنه الا عن اهله. وعن علي بن ابى حمزة (1) عن جعفر بن محمد الصادق عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله حدثنى جبرئيل عن رب العزة جل جلاله انه قال، من علم ان لا اله الا انا وحدي وان محمد عبدي ورسولي وان علي بن ابى طالب عليه السلام وليى وخليفتي وان الائمة من ولده حججى ادخلته الجنة برحمتي، ونجيته من النار بعفوي، وابحت له جواري، فأوجبت له كرامتي، واتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصتي وخالصتي. ان ناداني لبيته وان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته، وان اساء رحمته، وان فر منى دعوته، وان رجع إلى قبلته، وان قرع بابى فتحته. ومن لم يشهد ان لا اله الا انا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد ان علي بن ابى طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد ان الأئمة ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي، ان قصدني حجبته وان سألني حرمته، وان ناداني لم اسمع نداءه، وان دعاني لم استجب دعاءه، وان رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني وما انا بظلام للعبيد فقام جابر بن عبد الله الانصاري فقال: يارسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن ابى طالب ؟ فقال: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي، وستدركه يا جابر فإذا أدركته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا على بن موسى، ثم التقي الجواد محمد بن علي، ثم التقي علي بن محمد، ثم
الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدى امتى محمد بن الحسن صاحب
- 150 بعد ابى عبد الله الصادق عليه السلام. الكنى والألقاب 1 - 17. (1) علي بن ابى حمزة مولى الأنصار الكوفى، روى عن ابى عبد الله الصادق وابى الحسن موسى عليهما السلام، وصنف كتبا عدة منها كتاب جامع في ابواب الفقه. رجال النجاشي ص 188.
[ 88 ]
الزمان - صلوات الله عليهم اجمعين - الذى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من اطاعهم فقد اطاعني ومن عصاهم فقد عصاني، ومن انكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد انكرني، بهم يمسك الله عزوجل السماء ان تقع على الارض الا باذنه، وبهم يحفظ الله الارض أن تميد بأهلها. وروى عن النبي صلى الله عليه واله انه قال لعلى بن ابى طالب عليه السلام: يا علي لا يحبك الا من طابت ولادته، ولا يبغضك الا من خبثت ولادته، ولا يواليك الا مؤمن ولا يعاديك الا كافر. فقام إليه عبد الله بن مسعود فقال: يارسول الله فقد عرفنا علامة خبث الولادة والكافر في حياتك ببغض علي وعداوته، فما علامة خبث الولادة والكافر بعدك إذا أظهر الاسلام بلسانه واخفى مكنون سريرته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يابن مسعود ان على بن ابى طالب عليه السلام امامكم بعدي وخليفتي عليكم، فإذا مضى فالحسن والحسين ابناي اماماكم بعده وخليفتي عليكم، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم وخلفائي عليكم، تاسعهم قائم امتى يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، لا يحبهم الا من طابت
ولادته ولا يبغضهم الا من خبثت ولادته ولا يواليهم الا مؤمن ولا يعاديهم الا كافر من انكر واحدا منهم فقد انكرني ومن انكرني فقد انكر الله عزوجل، ومن جحد واحدا منهم فقد جحدني ومن جحدني فقد جحد الله عزوجل، لأن طاعتهم طاعتي وطاعتي طاعة الله ومعصيتهم معصيتي ومعصيتي معصية الله. يابن مسعود اياك ان تجد في نفسك حرجا مما اقضي فتكفر، فوعزة ربي ما انا متكلف ولا انا ناطق عن الهوى في علي والأئمة عليهم السلام من ولده. ثم قال صلى الله عليه واله وهو رافع يديه إلى السماء: اللهم وال من والى خلفائي وائمة امتى من بعدي وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، ولا
[ 89 ]
تخل الأرض من قائم منهم بحجتك اما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا يبطل دينك وحجتك وبيناتك. ثم قال صلى الله عليه واله: يابن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما ان فارقتموه هلكتم وان تمسكتم به نجوتم. والسلام على من اتبع الهدى. والأخبار في هذا المعنى متواترة لا تحصى كثرة ذكرنا طرفا منها جلاءا للابصار وشفاءا لما في الصدور وهدى لقوم ينصفون. " ذكر طرف مما جرى بعد وفاة رسول الله (ص) من اللجاج والحجاج في أمر الخلافة من قبل من استحقها ومن لم يستحق، والاشارة إلى شئ من انكار من أنكر على من تأمر على علي بن أبي طالب (ع) تأمره وكيد من كاده من قبل ومن بعد ". عن ابى المفضل محمد بن عبد الله الشيباني (1) باسناده الصحيح عن رجال ثقة ان النبي صلى الله عليه واله خرج في مرضه الذي توفى فيه إلى الصلاة متوكئا على الفضل بن عباس وغلام له يقال له ثوبان، وهى الصلاة التي اراد التخلف عنها لثقله ثم حمل
على نفسه وخرج، فلما صلى عاد إلى منزله فقال لغلامه: اجلس على الباب ولا تحجب احدا من الانصار وتجلاه الغشى وجاءت الانصار فأحدقوا بالباب وقالوا: استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه واله. فقال: هو مغشى عليه وعنده نساؤه، فجعلوا يبكون فسمع رسول الله صلى الله عليه واله البكاء فقال: من هؤلاء ؟ قالوا: الأنصار. فقال من هيهنا من اهل بيتي ؟ قالوا: علي والعباس، فدعاهما وخرج متوكئا عليهما فاستند إلى جذع من اساطين مسجده - وكان الجذع جريد نخل - فاجتمع الناس وخطب فقال في كلامه:
(1) محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيدالله بن بهلول الشيباني كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفى، كان في أول عمره ثبتا ثم خلط منتهى المقال ص 280.
[ 90 ]
(معاشر الناس) انه لم يمت نبي قط الا خلف تركة، وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله واهل بيتي، ألا فمن ضيعهم ضيعه الله، ألا وان الانصار كرشي وعيبتي (1) التي آوى إليها، وانى اوصيكم بتقوى الله والاحسان إليهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. ثم دعا اسامة بن زيد فقال: سر على بركة الله والنصر والعافية حيث امرتك بمن امرتك عليه، وكان صلى الله عليه واله قد امره على جماعة من المهاجرين والانصار فيهم أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأولين، وامره ان يغير على مؤتة واد في فلسطين (2). فقال له اسامة: بأبي انت وامي يارسول الله اتأذن لى في المقام اياما حتى يشفيك الله، فانى متى خرجت وانت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي منك قرحة فقال: انفذ يا اسامة لما امرتك فان القعود عن الجهاد لا يجب في حال من الأحوال قال: فبلغ رسول الله صلى الله عليه واله ان الناس طعنوا في عمله، فقال رسول الله صلى الله عليه واله بلغني انكم طعنتم في عمل اسامة وفي عمل ابيه من قبل، وأيم الله انه لخليق للامارة
وان اباه كان خليقا لها، وانه واباه من احب الناس الي فأوصيكم به خيرا، فلئن قلتم في امارته لقد قال قائلكم في امارة ابيه. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه واله بيته، وخرج اسامة من يومه حتى عسكر على رأس فرسخ من المدينة، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه واله: ان لا يتخلف عن اسامة احد ممن أمرته عليه، فلحق الناس به، وكان اول من سارع إليه أبو بكر وعمر
(1) الكرش: الجماعة من الناس، وعيال الرجل، وصغار اولاده. والعيبة: ما يجعل فيه الثياب، وعيبة الرجل: موضع سره. (2) مؤتة: قرية من قرى البلقان في حدود الشام، وقيل انها من مشارف الشام على اثنى عشر ميلا من أذرح بها قبر جعفر بن ابى طالب وزيد بن ابى حارثة وعبد الله ابن رواحة على كل قبر منها بناء منفرد، مراصد الاطلاع 3 - 1330.
[ 91 ]
وأبو عبيدة بن الجراح، فنزلوا في رقاق (1) واحد مع جملة اهل العسكر. قال: وثقل رسول الله صلى الله عليه واله، فجعل الناس ممن لم يكن في بعث اسامة يدخلون عليه أرسالا (2) وسعد بن عبادة يومئذ شاك (3) وكان لايدخل احد من الانصار على النبي صلى الله عليه واله الا انصرف إلى سعد يعوده. قال: وقبض رسول الله صلى الله عليه واله وقت الضحى من يوم الاثنين بعد خروج اسامة إلى معسكره بيومين، فرجع اهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها، فأقبل أبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد فقال: ايها الناس مالكم تموجون (4) ان كان محمد قد مات فرب محمد لم يمت " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا " (5) قال ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاؤا به إلى سقيفة بني ساعدة (6) فلما سمع بذلك عمر اخبر بذلك ابا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو
عبيدة بن الجراح، وفي السقيفة خلق كثير من الانصار وسعد بن عبادة بينهم مريض فتنازعوا الأمر بينهم فآل الأمر إلى ان قال أبو بكر في آخر كلامه للانصار: انما ادعوكم إلى ابي عبيدة بن الجراح أو عمر وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما اراهما له اهلا. فقال عمر وابو عبيدة: ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا ابا بكر وانت اقدمنا اسلاما وانت صاحب الغار وثاني اثنين فأنت احق بهذا الأمر واولى به فقال الانصار: نحذر أن يغلب على هذا الامر من ليس منا ولامنكم، فنجعل منا اميرا ومنكم اميرا ونرضى به على انه ان هلك اخترنا آخر من الأنصار
(1) الرقاق: الصحراء والارض المستوية اللينة التراب تحته صلابة، وقيل التي نضب عنها الماء، وقيل اللينة المتسعة. (2) أي قطائع مجتمعين (3) أي مريض. (4) تموجون: تختلف اموركم وتضطربون (5) آل عمران: 144. (6) سقيفة بنى ساعدة: بالمدينة، وهى ظلة كانوا يجلسون تحتها. مراصد الاطلاع 2 - 721.
[ 92 ]
فقال أبو بكر بعد ان مدح المهاجرين: وانتم يا معشر الانصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الاسلام، رضيكم الله انصارا لدينه وكهفا لرسوله وجعل اليكم مهاجرته وفيكم محل ازواجه، فليس احد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم، فهم الامراء وانتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر الانصاري: يا معشر الانصار أمسكوا على ايديكم، فانما الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس الا عن رأيكم. واثنى على الانصار ثم قال: فان ابى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ولا نقنع بدون ان يكون منا امير ومنهم امير.
فقام عمر بن الخطاب فقال: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد، انه لا ترضى العرب ان تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع إلى تولي امرها من كانت النبوة فيهم وألو الأمر منهم، ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين، فيما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته الا مدل بباطل أو متجانف باثم (1) أو متورط في الهلكة محب للفتنة. فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار امسكوا على ايديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل واصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وان ابوا ان يكون منا امير ومنهم امير فاجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله احق به منهم، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وانا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب (2)، والله لئن احد رد قولي لاحطمن انفه بالسيف.
(1) المدل: الذى يقيم الدليل على مدعاه، والمدل بباطل: الذى استدل بباطل والمتجانف: المائل عن الحق. (2) جذيل: تصغير جذل، وهو العود الذى ينصب للابل الجربى لتحتك به وهو تصغير، تعظيم، أي انا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الابل الجربى بالاحتكاك بهذا العود وعذيق تصغير العذق: النخلة. والرجبة: ان تعمد النخلة الكريمة ببناء من -
[ 93 ]
قال عمر بن الخطاب: فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام، فانه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله صلى الله عليه واله فنهاني رسول الله صلى الله عليه واله عن مهاترته (1) فحلفت ان لا اكلمه ابدا. قال عمر لابي عبيدة: تكلم. فقام أبو عبيدة بن الجراح وتكلم بكلام كثير وذكر فيه فضائل الانصار، وكان بشير بن سعد سيدا من سادات الانصار لما رأى
اجتماع الانصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده وسعى في افساد الأمر عليه وتكلم في ذلك ورضى بتأمير قريش وحث الناس كلهم لاسيما الانصار على الرضا، بما يفعله المهاجرون. فقال أبو بكر: هذا عمر وابو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا ايهما شئتم فقال عمر وابو عبيدة: ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك. فقال بشير بن سعد: وانا ثالثكما، وكان سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج، فلما رأت الاوس صنيع سيدها بشير وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد اكبوا على ابى بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا، فجعلوا يطأون سعدا من شدة الزحمة وهو بينهم على فراشه مريض. فقال: قتلتموني، قال عمر: أقتلوا سعدا قتله الله، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال: والله يابن صهاك الجبان في الحرب والفرار الليث في الملأ والأمن لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة (2) فقال أبو بكر مهلا يا عمر مهلا فان الرفق ابلغ وافضل. فقال سعد: يابن صهاك - وكانت جدة عمر - الحبشية اما والله لو ان لي قوة على النهوض لسمعتها مني في سككها زئيرا ازعجك واصحابك منها ولألحقنكما بقوم كنتما فيهم اذنابا اذلاء تابعين
- حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع، وقد يكون ترجيب النخلة بأن يجعل حولها شوك لئلا يرقى إليها. وملخص المراد من هذا الكلام. اننى الذى يؤخذ برأيه وهو ستر وحفظ لما يخاف عليه من المكاره والاضرار. (1) المهاترة مأخوذة من الهتر، وهو السقط في الكلام والخطأ فيه (2) الواضحة: الاسنان التى تبدو عند الضحك
[ 94 ]
غير متبوعين لقد اجترأتما. ثم قال للخزرج: احملوني من مكان الفتنة، فحملوه وادخلوه منزله، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع. فقال: لا والله حتى ارميكم بكل سهم في كنانتي واخضب منكم سنان رمحي واضربكم بسيفي ما اقلت
يدي فأقاتلكم بمن تبعني من اهل بيتي وعشيرتي، ثم وايم الله لو اجتمع الجن والانس علي لما بايعتكما ايهما الغاصبان حتى اعرض على ربي واعلم ما حسابي. فلما جاءهم كلامه قال عمر: لابد من بيعته. فقال بشير بن سعد: انه قد أبى ولج وليس بمبايع أو يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج والاوس فاتركوه فليس تركه بضائر، فقبلوا قوله وتركوا سعدا، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعوانا لصال بهم ولقاتلهم، فلم يزل كذلك مدة ولاية ابى بكر حتى هلك أبو بكر، ثم ولى عمر وكان كذلك، فخشى سعد غائلة عمر فخرج إلى الشام فمات بحوران (1) في ولاية عمر ولم يبايع أحدا. وكان سبب موته ان رمي بسهم في الليل فقتله، وزعم ان الجن رموه، وقيل ايضا ان محمد بن سلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعل له عليه، وروى انه تولى ذلك المغيرة بن شعبة وقيل خالد بن الوليد. قال وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن ابى طالب مشغول بجهاز رسول الله صلى الله عليه واله، فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي صلى الله عليه واله والناس يصلون عليه من بايع ابا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام، واجتمعت بنو امية إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر وابو عبيدة بن الجراح فقالوا: مالنا نراكم خلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الانصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا،
(1) حوران بالفتح: كورة واسعة من أعمال دمشق في القبلة ذات قرى كثيرة ومزارع، قصبتها بصرى، ومنها أذرعات وزرع وغيرهما. مراصد الاطلاع 1 - 435
[ 95 ]
وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي عليه السلام ومعهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم اسيد بن حصين وسلمة بن
سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره، واحدقوا بمن كان هناك من بنى هاشم ومضوا بجماعتهم إلى ابى بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وايم الله لئن ابيتم ذلك لنحا كمنكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر الا علي بن ابي طالب، فقالوا له بايع ابا بكر. فقال علي عليه السلام: انا احق بهذا الامر منه وانتم اولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الانصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا اهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للانصار انكم اولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه واله فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الامارة، وانا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الانصار، انا اولى برسول الله حيا وميتا، وانا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه، وانا الصديق الاكبر والفاروق الاعظم اول من آمن به وصدقه، واحسنكم بلاءا في جهاد المشركين واعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين واعلمكم بعواقب الامور، واذر بكم لسانا (1) واثبتكم جنانا، فعلام تنازعونا هذا الأمر ؟ انصفونا ان كنتم تخافون الله من انفسكم، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الانصار، والا فبوؤا بالظلم والعدوان وانتم تعلمون. فقال عمر: يا علي اما لك بأهل بيتك اسوة ؟ فقال علي عليه السلام: سلوهم عن ذلك، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا: والله مابيعنا لكم بحجة على علي، ومعاذ الله ان نقول انا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول الله صلى الله عليه واله.
فقال عمر: انك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها. فقال علي عليه السلام احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا اقبل قولك ولا احفل بمقامك ولا ابايع. فقال أبو بكر: مهلا يا ابا الحسن ما نشك فيك ولانكرهك فقال أبو عبيدة إلى علي عليه السلام فقال: يابن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولاعلمك ولا نصرتك، ولكنك حدث السن - وكان لعلي عليه السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة - وابو بكر شيخ من مشايخ قومك، وهو احمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الامر بما فيه فسلم له، فان عمرك الله يسلموا هذا الامر اليك، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا الا وانت به خليق وله حقيق، ولا تبعث الفتنة في أو ان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك. فقال امير المؤمنين عليه السلام: يا معاشر المهاجرين والانصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم اليكم في امرى، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس. فوالله معاشر الجمع ان الله قضى وحكم ونبيه أعلم وانتم تعلمون بأنا اهل البيت احق بهذا الامر منكم، أما كان القارئ منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية، والله انه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم. فقال بشير بن سعد الانصاري الذى وطأ الارض لابي بكر وقالت جماعة من الانصار: يا ابا الحسن لو كان هذا الامر سمعته منك الانصار قبل بيعتها لابي بكر ما اختلف فيك اثنان. فقال علي عليه السلام: يا هؤلاء كنت أدع رسول الله مسجى لا أواريه واخرج انازع في سلطانه، والله ما خفت احدا يسمو له وينازعنا اهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه، ولا علمت ان رسول الله صلى الله عليه واله ترك يوم غدير خم
لاحد حجة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وخذل من خذله " أن يشهد الآن بما سمع.
[ 97 ]
قال زيد بن ارقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله صلى الله عليه واله فكتمت الشهادة يومئذ، فدعا علي علي فذهب بصرى. قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشى عمر أن يصغي الناس إلى قول علي عليه السلام، ففسح المجلس وقال: ان الله يقلب القلوب، ولا تزال يا ابا الحسن ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك. وعن ابان بن تغلب قال: قلت لابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله انكر على ابى بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قال: نعم كان الذى انكر على ابى بكر اثنى عشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وابوذر الغفاري والمقداد بن الاسود وعمار بن ياسر وبريدة الاسلمي ومن الانصار أبو الهشيم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبى بن كعب وأبو أيوب الأنصاري. قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلى الله عليه واله، وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عزوجل: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (1) فانطلقوا بنا إلى امير المؤمنين عليه السلام لنستشيره ونستطلع رأيه. فانطلق القوم إلى امير المؤمنين بأجمعهم فقالوا: يا امير المؤمنين تركت حقا انت احق به واولى به من غيرك، لانا سمعنا رسول الله يقول " علي مع الحق والحق
مع علي يميل مع الحق كيف ما مال " ولقد هممنا ان نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله صلى الله عليه واله، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟ فقال امير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم الا حربا، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع والا قتلناك، فلابد
(1) البقرة: 195
[ 98 ]
لي من ادفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله اوعز الي قبل وفاته وقال لي: " يا ابا الحسن ان الامة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وانك مني بمنزلة هارون من موسى وان الامة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه " فقلت: يارسول الله فما تعهد الي إذا كان كذلك ؟ فقال: إذا وجدت اعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وان لم تجد اعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما. فلما توفى رسول الله صلى الله عليه واله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا ان لا ارتدي برداء الا للصلاة حتى اجمع القرآن، ففعلت ثم اخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على اهل بدر واهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما اجابني منهم الا اربعة رهط سلمان وعمار وابوذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية اهل بيتي، فأبوا علي الا السكوت لما علموا من وغارة (1) صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وابلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله صلى الله عليه واله إذا وردوا عليه. فسار القوم حتى احدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه واله وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للانصار: تقدموا وتكلموا فقال الانصار
للمهاجرين: بل تكلموا وتقدموا أنتم، فان الله عزوجل بدأ بكم في الكتاب إذ قال الله عزوجل: " لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة " (2). قال ابان: قلت له يابن رسول الله ان العامة لا تقرأ كما عندك. قال: وكيف تقرأ ؟ قال: قلت انها تقرأ " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار " فقال ويلهم فأي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه واله حتى تاب الله عليه عنه، انما تاب الله به على امته فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم بعدهم الانصار.
وروى انهم كانوا غيبا عن وفاة رسول الله صلى الله عليه واله فقدموا وقد تولى أبو بكر وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: اتق الله يا ابا بكر فقد علمت ان رسول الله صلى الله عليه واله قال ونحن محتوشوه (1) يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن ابى طالب عليه السلام يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والانصار اني موصيكم بوصية فاحفظوها وموعدكم امرا فاحفظوه، ألا ان علي بن ابي طالب اميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك اوصاني ربي، ألا وانكم ان لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في احكامكم واضطرب عليكم امر دينكم ووليكم اشراركم، ألا وان اهل بيتي هم الوارثون لامرى والعالمون لامر امتي من بعدي اللهم من اطاعهم من امتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبا من مرافقتي يدركون به نور الآخرة، اللهم ومن اساء خلافتي في اهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والارض. فقال له عمر بن الخطاب: اسكت يا خالد فلست من اهل المشورة ولا ممن
يقتدى برأيه. فقال له خالد: بل اسكت انت يابن الخطاب فانك تنطق على لسان غيرك، وايم الله لقد علمت قريش انك من ألأمها حسبا وادناها منصبا واخسها قدرا واخملها ذكرا واقلهم عناءا عن الله ورسوله، وانك لجبان في الحروب بخيل بالمال لئيم العنصر، مالك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر، وانك في هذا الامر بمنزلة الشيطان " إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني برئ منك اني اخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين " (2) فأبلس (3) عمر وجلس خالد بن سعيد. ثم قام سلمان الفارسي وقال " كرديد ونكرديد " اي فعلتم ولم تفعلوا، وقد كان امتنع من البيعة قبل
(1) احتوشوه واحتوشوا به: احاطوا به. (2) الحشر: 16 - 17 (3) ابلس: سكت على مضض أو خوف.
[ 100 ]
ذلك حتى وجئ (1) عنقه، فقال: يا ابا بكر إلى من تسند امرك إذا نزل بك مالا تعرفه، والى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه، وما عذرك في تقدمك على من هو اعلم منك واقرب إلى رسول الله واعلم بتأويل كتاب الله عزوجل وسنة نبيه ومن قدمه النبي صلى الله عليه واله في حياته وأوصاكم به عند وفاته، فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته وأخلفتم الوعد ونقضتم العهد وحللتم العقد الذى كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية اسامة بن زيد حذرا من مثل ما اتيتموه وتنبيها للامة على عظيم ما احترمتموه ومن مخالفة امره فعن قليل يصفو لك الامر وقد اثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك، فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو نصرتك، فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا، فلم يردعك ذلك عما انت متشبث به من هذا الامر الذي لا عذر لك في تقلده ولاحظ للدين
ولا المسلمين في قيامك به، فالله الله في نفسك، فقد أعذر من انذر ولا تكن كمن أدبر واستكبر. ثم قام أبو ذر الغفاري فقال: يا معشر قريش أصبتم قباحة وتركتم قرابة، والله ليرتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين، ولو جعلتم الامر في اهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان، والله لقد صارت لمن غلب، ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها، وليسفكن في طلبها دماء كثيرة - فكان كما قال أبو ذر - ثم قال: لقد علمتم وعلم خياركم ان رسول الله صلى الله عليه واله قال " الامر بعدي لعلي ثم لابنى الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي " فاطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به اليكم، فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن اهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزئل، فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على اعقابها (2) وغيرت وبدلت
(1) وجئ عنقه: لوي وضرب. (2) نكصت على اعقابها: رجعت إلى القهقرى.
[ 101 ]
واختلفت، فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وعما قليل تذوقون وبال امركم وتجزون بما قدمت ايديكم. وما الله بظلام للعبيد. ثم قام المقداد بن الاسود فقال: يا ابا بكر ارجع عن ظلمك، وتب إلى ربك والزم بيتك، وابك على خطيئتك، وسلم الامر لصاحبه الذى هو أولى به منك، فقد علمت ما عقده رسول الله صلى الله عليه واله في عنقك من بيعته، وألزمك من النفوذ تحت راية اسامة بن زيد وهو مولاه، ونبه على بطلان وجوب هذا الامر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنان والشقاق عمرو بن العاص الذى انزل الله فيه على نبيه صلى الله عليه واله " ان شانئك هو الأبتر " (1) فلا اختلاف بين اهل العلم انها نزلت في عمرو، وهو كان اميرا عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه
رسول الله صلى الله عليه واله في غزاة ذات السلاسل، وان عمرا قلد كما حرس عسكره، فأين الحرس إلى الخلافة، اتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها، فان ذلك اسلم لك في حياتك وبعد وفاتك، ولا تركن إلى دنياك ولا تغرنك قريش وغيرها، فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت وتيقنت ان علي ابن ابى طالب عليه السلام هو صاحب الامر بعد رسول الله، فسلمه إليه بما جعله الله له فانه اتم لسترك واخف لوزرك، فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي والى الله ترجع الامور. ثم قام إليه بريدة الاسلمي فقال: انا لله وانا إليه راجعون، ماذا لقى الحق من الباطل، يا ابا بكر أنسيت ام تناسيت وخدعت ام خدعتك نفسك ام سولت لك الاباطيل، أو لم تذكر ما امرنا به رسول الله صلى الله عليه واله من تسمية علي عليه السلام بامرة المؤمنين والنبي صلى الله عليه واله بين اظهرنا، وقوله له في عدة اوقات " هذا علي امير المؤمنين وقاتل القاسطين "، اتق الله وتدارك نفسك قبل ان لا تدركها وانقذها مما يهلكها واردد الامر إلى من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وراجع وانت
(1) الكوثر: 3
[ 102 ]
تستطيع ان تراجع، فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة، فلا تكونن ظهيرا للمجرين. ثم قام عمار بن ياسر فقال: يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين ان كنتم علمتم والا فاعلموا أن اهل بيت نبيكم اولى به واحق بارثه واقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين واحفظ لملته وانصح لامته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى اهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف امركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم ان بنى هاشم أولى بهذا
الامر منكم، وعلي [ اقرب منكم إلى نبيكم وهو ] من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي صلى الله عليه واله أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه، وايثاره اياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم، وقوله صلى الله عليه واله " انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد الحكمة فليأتها من بابها " وانكم جميعا مضطرون فيما اشكل عليكم من امور دينكم إليه وهو مستغن عن كل احد منكم إلى ماله من السوابق التي ليست لافضلكم عند نفسه، فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون عليا حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمين بدلا، اعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا ترتدوا على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين. ثم قام ابي بن كعب فقال: يا ابا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولا تكن اول من عصى رسول الله صلى الله عليه واله في وصيه وصفيه وصدف عن امره، أردد الحق إلى اهله تسلم، ولاتتماد في غيك فتندم، وبادر الانابة يخف وزرك، ولا تخصص بهذا الامر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما انت فيه وتصير إلى ربك، فيسألك عما جنيت وما ربك بظلام للعبيد. ثم قام خزيمة بن ثابت فقال: ايها الناس ألستم تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معى غيرى ؟ قالوا: بلى. قال: فاشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول " اهل بيتى يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين
[ 103 ]
يقتدى بهم " وقد قلت ما علمت، وما على الرسول الا البلاغ المبين. ثم قام أبو الهشيم بن التيهان فقال: وانا اشهد على نبينا صلى الله عليه واله انه اقام عليا - يعني في يوم غدير خم - فقالت الانصار: ما اقامه للخلافة، وقال بعضهم: ما اقامه الا ليعم الناس انه مولى من كان رسول الله صلى الله عليه واله مولاه، وكثر الخوض في ذلك
فبعثنا رجالا منا إلى رسول الله صلى الله عليه واله فسألوه عن ذلك فقال: قولوا لهم علي ولي المؤمنين بعدى وانصح الناس لأمتى، وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ان يوم الفصل كان ميقاتا. ثم قام سهل بن حنيف فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي محمد واله ثم قال: يا معاشر قريش إشهدوا علي أني اشهد على رسول الله وقد رأيته في هذا المكان - يعنى الروضة - وقد اخذ بيد علي بن ابى طالب عليه السلام وهو يقول: ايها الناس هذا على إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي دينى ومنجز وعدى واول من يصافحني على حوضى، فطوبى لمن اتبعه ونصره، والويل لمن تخلف عنه وخذله. وقام معه اخوه عثمان بن حنيف وقال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه واله يقول: اهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدى، فقام إليه رجل فقال: يارسول الله وأي اهل بيتك ؟ فقال، علي والطاهرون من ولده. وقد بين صلى الله عليه واله فلا تكن يا ابا بكر اول كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون. ثم قام أبو ايوب الانصاري فقال، اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم، وارددوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع اخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه واله ومجلس بعد مجلس يقول: " اهل بيتي ائمتكم بعدى " ويؤمى إلى علي ويقول " هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره " فتوبوا إلى الله من ظلمكم اياه ان الله تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين.
[ 104 ]
قال الصادق عليه السلام: فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جوابا، ثم
قال: وليتكم ولست بخيركم اقيلوني اقيلوني، فقال له عمر بن الخطاب: انزل عنها يالكع (1) إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم اقمت نفسك هذا المقام ؟ والله لقد هممت ان اخلعك واجعلها في سالم مولى ابى حذيفة. قال: فنزل ثم اخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة ايام لا يدخلون مسجد رسول الله صلى الله عليه واله، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم ؟ وجاءهم سالم مولى ابى حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فمازال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله صلى الله عليه واله، فقال عمر: والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذى تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه. فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال، يابن صهاك الحبشية ابأسيافكم تهددوننا ام بجمعكم تفزعوننا، والله ان اسيافنا احد من اسيافكم وانا لأكثر منكم وان كنا قليلين لان حجة الله فينا، والله لو لا انى اعلم ان طاعة الله ورسوله وطاعة امامي اولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى ان ابلى عذرى. فقام امير المؤمنين: اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك، فجلس وقام إليه سلمان الفارسى فقال، الله اكبر الله اكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه واله بهاتين الأذنين والا صمتا يقول " بينا اخى وابن عمى جالس في مسجدي مع نفر من اصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب اصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست اشك ألا وانكم هم " فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه امير المؤمنين عليه السلام واخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: يابن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتك اينا اضعف ناصرا واقل عددا. ثم التفت إلى اصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فوالله لادخلت المسجد الا
(1) للكع اللئيم والعبد والأحمق.
[ 105 ]
كما دخل اخواى موسى وهارون، إذ قال له اصحابه " فاذهب انت وربك فقاتلا انا هيهنا قاعدون " (1) والله لادخلنه ؟ ؟ الا لزيارة رسول الله صلى الله عليه واله أو لقضية أقضيها فانه لا يجوز بحجة اقامها رسول الله صلى الله عليه واله ان يترك الناس في حيرة. وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: ثم ان عمر احتزم بأزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي: ألا ان ابا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال (2) الناس يبايعون، فعرف ان جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت ايام اقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه. فقيل له: ان فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله صلى الله عليه واله فيه، وانكر الناس ذلك من قوله، فلما عرف انكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك انما اردت التهويل، فراسلهم علي ان ليس إلى خروجي حيلة لانى في جمع كتاب الله الذى قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت ان لا اخرج من بيتي ولا ادع ردائي على عاتقي حتى اجمع القرآن. قال وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت: لاعهد لى بقوم اسوء محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه واله جنازة بين ايدينا وقطعتم امركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكم قطعتم الاسباب بينكم وبين نبيكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة. وفي رواية سليم بن قيس الهلالي (3) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه انه
(1) المائدة: 24. (2) انثال الناس: انصبوا واجتمعوا.
(3) أبو صادق سليم بن قيس الهلالي، كان من اصحاب علي عليه السلام، وكان هاربا من الحجاج لانه طلبه ليقتله فجلا إلى ابان بن عياش، فآاه فلما حضرته الوفاة قال لأبان " ان لك علي حقا وقد حضرتني الوفاة يابن اخى انه كان من امر رسول الله كيت وكيت " واعطاه كتابا وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور ورواه عنه -
[ 106 ]
قال: اتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه واله، وقد كان اوصى ان لا يغسله غير علي عليه السلام، واخبر انه لا يريد ان يقلب منه عضوا الا قلب له، وقد قال امير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه واله: من يعينني على غسلك يارسول الله ؟ قال جبرئيل. فلما غسله وكفنه ادخلني وادخل اباذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشة في الحجرة لاتعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثم ادخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الانصار فيصلون ويخرجون، حتى لم يبق من المهاجرين والانصار الا صلى عليه، وقلت لعلي عليه السلام حين يغسل رسول الله صلى الله عليه واله: ان القوم فعلوا كذا وكذا وان ابا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه واله وما يرضى الناس ان يبايعوا له بيد واحدة انهم ليبايعون بيديه جميعا يمينا وشمالا. فقال علي عليه السلام: يا سلمان فهل تدرى من اول من يبايعه على منبر رسول الله صلى الله عليه واله ؟ فقلت: لا الا اني قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الانصار، وكان اول من بايعه بشير بن سعد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبى حذيفة [ ومعاذ بن جبل ]. قال: لست اسألك عن هذا، ولكن تدرى من اول من بايعه حين صعد منبر رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قلت: لا ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير وهو يبكي ويقول: الحمد لله الذي لم يمتني ولم يخرجني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعه ثم نزل
فخرج من المسجد. فقال لى علي عليه السلام: يا سلمان وهل تدري من هو ؟ قلت: لا ولكني ساءتنى مقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه واله، قال علي ان ذلك ابليس لعنه الله، اخبرني رسول الله ان ابليس ورؤساء اصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه واله اياى بغدير خم بأمر الله تعالى، فأخبرهم ان يبلغ الشاهد الغائب، فأتاه ابا لسة ومردة اصحابه فقالوا: ان هذه امة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك عليهم من سبيل، قد
- ابان بن عياش: الفهرست للطوسي 81.
[ 107 ]
علموا امامهم ومفزعهم بعد نبيهم، فانطلق ابليس كئيبا حزينا، فأخبرني رسول الله صلى الله عليه واله ان لو قد قبض ان الناس سيبايعون ابا بكر في ظلة بني ساعدة بعد ان تخاصمهم بحقك وحجتك، ثم يأتون المسجد فيكون اول من يبايعه على منبري ابليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا، ثم تجتمع شياطينه وابالسته فيخر ويكسع (1) ثم يقول كذا زعمتم ان ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا امر من امرهم الله بطاعته وامرهم رسوله. فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين، فلم يدع احدا من اهل بدر من المهاجرين ولا من الانصار الا اتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم الا اربعة واربعون رجلا، فأمرهم ان يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم احد غير اربعة. قلت لسلمان: من الأربعة ؟ قال: انا وابوذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم اتاهم من الليلة الثانية فناشدهم الله فقالوا: نصحبك بكرة، فما منهم احد وفى غيرنا، ثم الليلة الثالثة فما وفى احد غيرنا، فلما رأى علي عليه السلام عذرهم وقلة وفائهم لزم بيته واقبل على القرآن يؤلفه
ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر ان اخرج فبايع، فبعث إليه اني مشغول فقد آليت بيمين ان لا ارتدى برداء إلا للصلواة حتى اؤلف القرآن واجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع ابى بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فنادى عليه السلام بأعلى صوته: ايها الناس انى لم ازل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه واله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن الا وقد جمعتها كلها في هذا الثواب، وليست منه آية الا وقد اقرأنيها رسول الله صلى عليه وآله وعلمني تأويلها. فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله. ثم دخل بيته فقال عمر لأبي بكر: ارسل
(1) يكسع: يضرب دبره بيده أو بصدر قدمه.
[ 108 ]
إلى علي فليبايع فانا لسنا في شئ حتى يبايع ولو قد بايع امناه وغائلته. فأرسل أبو بكر رسولا ان اجب خليفة رسول الله صلى الله عليه واله، فأتاه الرسول فأخبره بذلك، فقال علي عليه السلام: ما اسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه واله، انه ليعلم ويعلم الذين حوله ان الله ورسوله لم يستخلفا غيري، فذهب الرسول فأخبره بما قاله فقال: اذهب فقل اجب امير المؤمنين ابا بكر، فأتاه فأخبره بذلك فقال علي عليه السلام: سبحان الله والله ما طال العهد بالنبي منى وانه ليعلم ان هذا الاسم لا يصلح الا لي، وقد امره رسول الله صلى الله عليه واله سابع سبعة فسلموا علي بامرة المؤمنين، فاستفهمه هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: امر من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه واله: نعم حقا من الله ورسوله انه امير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل اولياءه الجنة واعداءه النار. قال: فانطلق الرسول إلى ابى بكر فأخبره بما قال، فكفوا عنه يومئذ، فلما
كان الليل حمل فاطمة عليها السلام على حمار ثم دعاها إلى نصرته فما استجاب له رجل غيرنا اربعة، فانا حلقنا رؤسنا وبذلنا نفوسنا ونصرتنا وكان على بن ابي طالب عليه السلام لما رأى خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمة الناس مع ابى بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك ان تبعث إليه فيبايع، فانه لم يبق احد ألا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة معه. وكان أبو بكر أرق الرجلين وارفقهما وادهاهما وابعدهما غورا، والآخر افظهما واغلظهما وأخشنهما واجفاهما. فقال: من نرسل إليه ؟ فقال عمر: ارسل إليه قنفذا - وكان رجلا فظا غليظا جافيا من الطلقاء احد بني تيم - فأرسله وارسل معه اعوانا، فانطلق فاستأذن فأبي علي عليه السلام ان يأذن له، فرجع اصحاب قنفذ إلى ابى بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا. فقال عمر: هو ان اذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام احرج عليكم (1) ان تدخلوا بيتي بغير اذن، فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة
(1) التحرج: التضيق وعدم الاذن والالجاء.
[ 109 ]
قالت كذا وكذا فحرجتنا ان ندخل عليها البيت بغير اذن منها، فغضب عمر وقال: مالنا وللنساء. ثم امر أناسا حوله فحملوا حطبا وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام، ثم نادى عمر حتى اسمع عليا عليه السلام: والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله أو لأضرمن عليك بيتك نارا، ثم رجع فقعد إلى ابى بكر وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته. ثم قال لقنفذ: ان خرج وإلا فاقتحم عليه، فان امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا. فانطلق قنفذ فاقتحم هو واصحابه بغير اذن، وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فظبطوه وألقوا في عنقه حبلا اسود،
وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنقذ بالسوط على عضدها، فبقى أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج (1) من ضرب قنفذ اياها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فالجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها. ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى ابى بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وابو عبيدة بن الجراح وسالم والمغيرة بن شعبة واسيد بن حصين وبشير بن سعد وسائر الناس قعود حول ابى بكر عليهم السلاح وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي بيدي لعلمتم انكم لن تصلوا الي، هذا جزاء مني وبالله لا ألوم نفسي في جهد ولو كنت في أربعين رجلا لفرقت جماعتكم، فلعن الله قوما بايعوني ثم خذلوني، فانتهره عمر فقال: بايع. فقال: وان لم افعل ؟ قال: إذا نقتلك ذلا وضعارا. قال: اذن تقتلون عبد الله واخا رسول الله صلى الله عليه واله. فقال أبو بكر: اما عبد الله فنعم [ كلنا عبيد الله ] واما اخو رسوله فلا نقر لك به. قال عليه السلام: اتجحدون ان رسول الله صلى الله عليه واله آخى بين نفسه وبيني، فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات ثم اقبل علي عليه السلام فقال:
(1) الدملوج: حلي يلبس في المعصم.
[ 110 ]
يا معاشر المهاجرين والأنصار انشدكم بالله أسمعتم رسول الله صلى الله عليه واله يقول يوم غدير خم كذا وكذا، وفي غزاة تبوك كذا وكذا، فلم يدع شيئا قاله فيه عليه السلام علانية للعامة إلا ذكره ؟ فقالوا: اللهم نعم. فلما خاف أبو بكر ان ينصروه ويمنعوه بادرهم فقال: كل ما قتله قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول بعد هذا: إنا اهل بيت اصطفانا الله واكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وان الله لم يكن لجيمع لنا اهل البيت النبوة والخلافة.
فقال على عليه السلام: اما أحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله شهد هذا معك ؟ قال عمر: صدق خليفة رسول الله صلى الله عليه واله قد سمعنا منه هذا كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى ابى حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله. فقال لهم: لشد ما وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة: ان قتل الله محمدا أو اماته ان تزووا هذا الأمر عنا اهل البيت. فقال أبو بكر: وما علمك بذلك اطلعناك عليها ؟ قال علي يا زبير ويا سلمان وانت يا مقداد أذكركم بالله وبالاسلام أسمعتم رسول الله صلى الله عليه واله يقول ذلك لمان فلانا وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا ؟ قالوا: اللهم نعم قد سمعناه يقول ذلك لك، فقلت له بأبي انت وامي يا نبي الله فما تأمرني ان افعل إذا كان ذلك ؟ فقال لك: ان وجدت عليهم اعوانا فجاهدهم ونابذهم، وان لم تجد اعوانا فبايعهم واحقن دمك. فقال علي عليه السلام: اما والله لو أن اولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني ووفوا لجاهدتكم في الله ولله، لا أما والله لا ينالها احد من عقبكم إلى يوم القيامة. ثم نادى قبل ان يبايع: " يا ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " (1) ثم تناول يد ابي بكر فبايعه، فقيل للزبير بايع الآن، فأبى فوثب عليه عمر وخالد ابن الوليد والمغيرة بن شعبة في اناس فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الارض حتى كسر، فقال الزبير وعمر على صدوه: يابن صهاك أما والله لو ان سيفي في
(1) الأعراف: 15.
[ 111 ]
يدي لحدت عني، ثم بايع. قال: سلمان: ثم اخذوني وفوجؤا عنقي حتى تركوها مثل السلعة (1) ثم فتلوا يدى، فبايعت مكرها، ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما من الامة
احد بايع مكرها غير علي واربعتنا. ولم يكن احد منا اشد قولا من الزبير، فلما بايع قال: يابن صهاك أما والله لولا هؤلاء الطلقاء الذين اعانوك ما كنت لتقدم علي ومعي السيف لما قد علمت من جبنك ولؤمك، ولكنك وجدت من تقوى بهم وتصول بهم، فغضب عمر فقال، اتذكر صهاك ؟ فقال الزبير: ومن صهاك وما يمنعني من ذلك، وانما كانت صهاك امة حبشية لجدي عبد المطلب فزنا بها نفيل فولدت اباك الخطاب فوهبها عبد المطلب له بعد ما ولدته، فانه لعبد جدي فولد زنى، فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل منهما عن صاحبه. فقال سليم: فقلت يا سلمان بايعت ابا بكر ولم تقل شيئا ؟ قال: قد قلت بعد ما بايعت: تبا لكم سائر الدهر، أو تدرون ماذا صنعتم بأناسكم، اصبتم واخطأتم: اصبتم سنة الأولين، وأخطأتم سنة نبيكم حتى اخرجتموها من معدنها واهلها. فقال لي عمر: أما إذا بايع صاحبك وبايعت فقل مابدا لك وليقل مابدا له. قال: قلت فاني اشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إن عليك وعلى صاحبك الذى بايعته مثل ذنوب امته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم. وقال: قل ما شئت أليس قد بايع ولم يقر الله عينك بأن يليها صاحبك. قال، قلت فاني اشهداني قرأت في بعض كتب الله المنزلة آية باسمك ونسبك وصفتك باب من ابواب جهنم. قال: قل ما شئت أليس قد عزلها الله عن اهل البيت الذين قد اتخذتموهم اربابا. قال: قلت فأشهد اني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول وقد سألته عن هذه الآية " فيومئذ لا يعذب عذابه احد. ولا يوثق وثاقه احد " (2) فقال: انك انت هو.
(1) السلعة: خراج كهيئة الغدة. (2) الفجر: 25 - 26.
[ 112 ]
فقال عمر اسكت: قال: قلت اسكت الله نأمتك (1) ايها العبد يابن اللخناء (2). فقال لي علي عليه السلام اسكت يا سلمان، فسكت فوالله لولا انه امرني بالسكوت لأخبرته بكل شئ نزل فيه وفي صاحبه، فلما رأى ذلك عمر انه قد سكت قال: انك له مطيع مسلم وإذا لم يقل أبو ذر والمقداد شيئا كما قال سلمان. قال عمر: يا سلمان ألا تكف عنا كما كف صاحباك، فوالله ما انت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا اشد تعظيما لهم ولحقهم، فقد كفا كما ترق وبايعا. فقال أبو ذر أفتعيرنا يا عمر بحب آل محمد وتعظيمهم، لعن الله من ابغضهم وابتز عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد الناس على ادبارهم القهقري وقد فعل ذلك بهم. فقال عمر آمين فلعن الله من ظلمهم حقهم، لا والله ما لهم فيها حق وماهم وعرض الناس في هذا الأمر الا سواء. قال أبو ذر: فلم خاصمتم بحقهم وحجتهم ؟ فقال علي عليه السلام: يابن صهاك فليس لنا حق وهو لك ولابن آكلة الذباب. فقال عمر: كف الآن يا ابا الحسن إذا بايعت، فان العامة رضوا بصحابتي ولم يرضوا بك فما ذنبي. قال علي عليه السلام لكن الله ورسوله لم يرضيا إلا بي فابشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما وآزركما بسخط من الله وعذابه وخزيه، ويلك يابن الخطاب أو تدرى مما خرجت وفيم دخلت وماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك، فقال أبو بكر: يا عمر اما إذا بايع وأمنا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء. فقال علي عليه السلام: لست بقائل غير شئ واحد، أذكركم بالله ايها الأربعة - يعنيني والزبير وأبا ذر والمقداد - أسمعتم رسول الله يقول ان تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا ستة من الأولين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله ان يسعر نار جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت جهنم من وهج ذلك الجب، فسألناه عنهم وانتم شهود ؟ فقال صلى الله عليه واله:
(1) النامة: الصوت، يقال " اسكت الله نامته " أي نغمته وصوته. (2) للخناء: المرأة المنتنة الفرج.
[ 113 ]
اما الأولون فابن آدم الذى قتل اخاه، وفرعون الفراعنة نمرود، والذى حاج ابراهيم في ربه، ورجلان من بني اسرئيل بدلا كتابهم وغير اسنتهم، اما احدهما فهود اليهود والآخر نصر النصارى (1)، وابليس سادسهم، والدجال في الآخرين، وهؤلاء الخمسة اصحاب الصحيفة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا اخي والتظاهر عليك بعدي هذا وهذا وهذا حتى عدهم وسماهم. قال سلمان: فقلنا صدقت نشهد انا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله فقال عثمان: يا ابا الحسن أما عندك وعند اصحابك هؤلاء في حديث ؟ فقال: بلى قد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يلعنك ثم لم يستغفر الله لك مذ لعنك فغضب عثمان فقال، مالي ولك أما تدعني على حالي على عهد رسول الله ولابعده. فقال الزبير: نعم فأرغم الله انفك. فقال عثمان، فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ان الزبير يقتل مرتدا عن الاسلام، قال سلمان: فقال لي علي عليه السلام فيما بيني وبينه صدق عثمان، وذلك انه يبايعني بعد قتل عثمان ثم ينكث بيعتي فيقتل مرتدا عن الاسلام. قال سليم: ثم اقبل علي سلمان فقال، ان القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه واله إلا من عصمه الله بآل محمد، ان الناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في سنة هارون وعتيق في سنة السامري، وسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول " لتركبن امتي سنة بني اسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع ". وروي عن الصادق عليه السلام انه قال، لما استخرج امير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه فما بقيت امرأة هاشمية الا خرجت معها حتى
انتهت قريبا من القبير فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمدا أبي صلى الله عليه واله بالحق ان لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله صلى الله عليه واله على رأسي ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من ابي ولا الناقة بأكرم
(1) يعنى احدهما غير دين موسى وحرف كتابه بعده، والآخر غير دين عيسى وحرف كتابه بعده.
[ 114 ]
مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي. قال سلمان رضي الله عنه: كنت قريبا منها، فرأيت والله اساس حيطان مسجد رسول الله صلى الله عليه واله تقلعت من اسفلها حتى لو أراد رجل ان ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي ان الله تبارك وتعالى بعث اباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من اسفلها فدخلت في خياشيمنا. وروي عن الباقر عليه السلام ان عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: اكتب إلى اسامة ابن زيد يقدم عليك، فان في قدومه قطع الشنيعة عنا. فكتب أبو بكر إليه: " من ابى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه واله إلى اسامة بن زيد. - اما بعد فانظر إذا اتاك كتابي فاقبل الي انت ومن معك، فان المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني امرهم فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تكره والسلام ". قال: فكتب اسامة إليه جواب كتابه " من اسامة بن زيد عامل رسول الله صلى الله عليه واله على غزوة الشام. اما بعد فقد اتاني منك كتاب ينقض اوله آخره، ذكرت في اوله انك خليفة رسول الله، وذكرت في آخره ان المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك امرهم ورضوك، فاعلم اني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا والله ما رضيناك ولا وليناك امرنا، وانظر ان تدفع الحق إلى اهله وتخليهم واياه فانهم احق به منك، فقد علمت ماكان من قول رسول الله صلى الله عليه واله في علي يوم الغدير، فما
طال العهد فتنسى، انظر مركزك ولا تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصي من استخلفه رسول الله صلى الله عليه واله عليك وعلى صاحبك، ولم يعزلني حتى قبض رسول الله صلى الله عليه واله وانك وصاحبك رجعتما وعصيتما فأقمتما في المدينة بغير اذن ". فأراد أبو بكر ان يخلعها من عنقه قال: فقال له عمر لا تفعل قميص قمصك الله لا تخلعه فتندم ولكن ألح عليه بالكتب والرسائل ومر فلانا وفلانا ان يكتبوا إلى اسامة ان لا يفرق جماعة المسلمين وان يدخل معهم فيما صنعوا. قال: فكتب إليه أبو بكر وكتب إليه الناس من المنافقين " ان ارض بما اجتمعنا عليه واياك ان تشتمل المسلمين فتنة من قبلك فانهم حديثو عهد بالكفر ".
[ 115 ]
قال: فلما وردت الكتب على اسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما رأى اجتماع الخلق على ابى بكر انطلق إلى علي بن ابي طالب عليه السلام فقال له: ماهذا ؟ قال له علي: هذا ما ترى. قال له اسامة: فهل بايعته ؟ فقال: نعم يا اسامة. فقال: طائعا أو كارها ؟ فقال: لابل كارها. قال: فانطلق اسامة فدخل على ابى بكر وقال له، السلام عليك يا خليفة المسلمين. قال، فرد عليه أبو بكر وقال، السلام عليك ايها الأمير. وروى ان ابا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول اله صلى الله عليه واله وبويع لأبى بكر، فكتب ابنه إليه كتابا عنوانه " من خليفة رسول الله إلى ابى قحافة. اما بعد فان الناس قد تراضوا بى، فانى اليوم خليفة الله، فلو قدمت علينا كان أقر لعينك " قال: فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول: ما منعكم من علي ؟ قال: هو حدث السن وقد اكثر القتل في قريش وغيرها وابو بكر اسن منه. قال أبو قحافة: ان كان الأمر في ذلك بالسن فانا احق من ابى بكر، لقد ظلموا عليا حقه وقد بايه له النبي صلى الله عليه واله وامرنا ببيعته.
ثم كتب إليه " من ابى قحافة إلى ابنه ابى بكر. اما بعد فقد اتاني كتابك فوجدته كتاب احمق ينقض بعضه بعضا، مرة تقول خليفة رسول الله صلى الله عليه واله ومرة تقول خليفة الله ومرة تقول تراضى بي الناس، وهو امر ملتبس فلا تدخلن في امر يصعب عليك الخروج منه غدا ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة، فان للامور مداخل ومخارج وانت تعرف من هو اولى بها منك، فراقب الله كأنك تراه ولا تدعن صاحبها، فان تركها اليوم اخف عليك واسلم لك ". وعن عامر الشعبي عن عروة بن الزبير بن العوام قال، لما قال المنافقون ان ابا بكر تقدم عليا وهو يقول انا اولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال: صبرا على من ليس يؤل إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوى لولاية، اظهر الأيمان ذلة وأسر النفاق غلة، هؤلاء عصبة الشيطان وجمع الطغيان يزعمون انى اقول اني
[ 116 ]
افضل من علي، وكيف اقول ذلك ومالى سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته، وحد الله وانا ملحده وعبده علي قبل ان أعبده ووالى الرسول وانا عدوه، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شأوه ولم اقطع غباره، وان علي بن ابى طالب فاز والله من الله بمحبة ومن الرسول بقرابة ومن الايمان برتبة، لو جهد الأولون والآخرون الا النبيين لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه، بذل في الله مهجته ولابن عمه مودته كاشف الكرب ودامغ الريب وقاطع السبب الا سبب الرشاد وقامع الشرك ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق، محنة لهذا العالم، لحق قبل ان يلاحق وبرز قبل ان يسابق، جمع العلم والحلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا لا يدخر منها مثقال ذرة الا انفقه في بابه، فمن ذا يؤمل ان ينال درجته وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليا وللنبي وصيا وللخلافة راعيا وبالامامة قائما، افيغتر الجاهل بمقام
قمته إذ أقامنى واطعته إذ أمرنى، سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول " الحق مع علي وعلي مع الحق، من اطاع عليا رشد ومن عصى عليا فسد، ومن احبه سعد ومن ابغضه شقي " والله لو لم يحب ابن ابى طالب الا لأجل انه لم يواقع الله محرما ولا عبد من دونه صنما ولحاجة الناس إليه بعد نبيهم لكان في ذلك ما يجب، فكيف لاسباب اقلها موجب واهونها مرغب، للرحم الماسة بالرسول والعلم بالدقيق والجليل والرضا بالصبر الجميل والمواساة في الكثير والقليل، وخلال لا يبلغ عدها ولا يدرك مجدها ود المتمنون ان لو كانوا تراب اقدام ابن ابى طالب، أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كل كرم وعالم كل علم والوسيلة إلى الله والى رسوله. وعن محمد بن عمر بن علي عن ابيه عن ابى رافع قال، انى لعند ابى بكر إذ طلع علي والعباس يتدافعان ويختصمان في ميراث النبي صلى الله عليه واله، فقال أبو بكر: يكفيكم القصير الطويل - يعنى بالقصير عليا وبالطويل العباس - فقال العباس: انا عم النبي صلى الله عليه واله ووارثه، وقد حال علي بيني وبين تركته. فقال أبو بكر: فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلى الله عليه واله بنى عبد المطلب
[ 117 ]
وانت احدهم فقال " ايكم يوازرني ويكون وصيي وخليفتي في اهلي ينجز عدتي ويقضي دينى " فاحجمتم عنها الا علي، فقال النبي صلى الله عليه واله انت كذك ؟ فقال العباس: فما اقعدك في مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه ؟ قال أبو بكر: اعذروني يا بني عبد المطلب. وروى رافع بن ابى رافع الطائي عن ابى بكر وقد صحبه في سفر قال، قلت له: يا ابا بكر علمني شيئا ينفعني الله به. قال: قد كنت فاعلا ولو لم يسألنى لا تشرك بالله شيئا، واقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم شهر رمضان، وحج البيت واعتمر، ولا
تأمرن على اثنين من المسلمين. قال: قلت له أما ما امرتني به من الايمان والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة فانا افعله، وأما الامارة فانى رأيت الناس لا يصيبون هذا الشرف وهذا الغنى والعز والمنزلة عند رسول الله الا بها. قال: انك استنصحتني فاجهدت نفسي لك. فلما توفى رسول الله صلى الله عليه واله واستخلف أبو بكر جئته وقلت له: يا ابا بكر ألم تنهنى ان اتأمر على اثنين ؟ قال بلى. قلت: فما بالك تأمرت على امة محمد صلى الله عليه واله قال اختلف الناس وخفت عليهم الضلالة ودعوني فلم اجد من ذلك بدا. وروى ان ابا بكر وعمر بعثا إلى خالد بن الوليد فواعداه وفارقاه على قتل على عليه السلام وضمن ذلك لهما، فسمعت ذلك الخبر اسماء بنت عميس امرأة ابى بكر في خدرها، فارسلت خادمة لها، وقالت ترددي في دار علي وقولى له " الملأ يأتمرون بك ليقتلوك " (1) ففعلت الجارية وسمعها علي عليه السلام، فقال رحمها الله قولي لمولاتك فمن يقتل الناكثين والمارقين والقاسطين ؟ ووقعت المواعدة لصلاة الفجر إذ كان اخفى، واختيرت للسدفة (2) والشبهة [ فانهم كانوا يغسلون (3) بالصلاة حتى لا تعرف المرأة من الرجل ] ولكن الله
(1) القصص: 20. (2) السدفة: ظلمة فيها ضوء من أول النهار وآخره. (3) الغلس: ظلمة آخر الليل، يغلسون بالصلاة: يصلون في الغلس
[ 118 ]
بالغ امره، وكان أبو بكر قال لخالد بن الوليد: إذا انصرفت من صلاة الفجر فاضرب عنق علي. فصلى إلى جنبه لأجل ذلك وابو بكر في الصلاة يفكر في العواقب فندم فجلس في صلاته حتى كادت الشمس تطلع يتعقب الآراء ويخاف الفتنة ولا يأمن على نفسه. فقال قبل ان يسلم في صلاته: يا خالد لا تفعل ما امرتك به - ثلاثا - وفي رواية اخرى لا يفعلن خالد ما امر به، فالتفت علي عليه السلام فإذا خالد مشتمل
على السيف إلى جانبه فقال: يا خالد ما الذي امرك به ؟ قال: بقتلك يا امير المؤمنين قال: أو كنت فاعلا ؟ فقال، أي والله لو لا انه نهانى لوضعته في اكثرك (1) شعرا فقال له علي عليه السلام: كذبت لا ام لك من يفعله اضيق حلقة است منك، أما والذى فلق الحبة وبرئ النسمة لو لا ما سبق به القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكانا واضعف جندا. وفي رواية اخرى لأبى ذر رحمه الله ان امير المؤمنين عليه السلام اخذ خالدا بأصبعيه السبابة والوسطى في ذلك الوقت، فعصره عصرا فصاح خالد صيحة منكرة، ففزع الناس وهمتهم انفسهم واحدث خالد في ثيابه وجعل يضرب برجليه الأرض ولا يتكلم. فقال أبو بكر لعمر: هذه مشورتك المنكوسة، كأني كنت انظر إلى هذا واحمد الله على سلامتنا، وكلما دنى احد ليخلصه من يده لحظة تنحى عنه رعبا فبعث أبو بكر وعمر إلى العباس فجاء وتشفع إليه واقسم عليه فقال: بحق هذا القبر ومن فيه وبحق ولديه وامهما الا تركته، ففعل ذلك وقبل العباس بين عينيه.
(1) يريد الرأس لأنه اكثر الأعضاء. شعرا.
[ 119 ]
" احتجاج امير المؤمنين (ع) على ابى بكر وعمر لما منعا فاطمة الزهراء (ع) فدك بالكتاب والسنة ". عن حماد بن عثمان (1) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الامر على جميع المهاجرين والانصار بعث إلى فدك (2) من اخرج وكيل
(1) قال العلامة الحلى في خلاصته: حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزارى مولاهم كوفى وكان يسكن عرزم فذهب إليها واخوه عبد الله ثقتان رويا عن ابى عبد الله عليه السلام وروى حماد عن ابى الحسن الرضا (ع) ومات حماد بالكوفة رحمه الله سنة تسعين ومائة ذكرهما أبو العباس في كتابه. وسبقه بذكر حماد بن عثمان الناب مولى غنى
وعده من اصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام. وعده الشيخ في رجاله تارة من اصحاب الصادق (ع) واخرى من اصحاب الكاظم (ع) وثالثة من اصحاب الرضا (ع) وسماه ذو الناب ولم يتعرض لذكر حماد الفزارى. ولعله انما لم يتعرض لذكره لاعتقاده باتحادهما فقد اعتقد ذلك بعض اصحاب الرجال واستدلوا على ما ذهبوا إليه باتحاد سنة الوفاة واتحاد عشيرتيهما. ونقل المامقانى بتفصيل اقوال الرجاليين فيهما وقال في تنقيح المقال اقول: " الاظهر اتحاد الرجلين فان غنيا حى من غطفان، وفزارة أبو قبيلة من غطفان " انتهى. اقول: وهذا لا يكفي بل ان دليل التعدد ظاهر والاختلاف بينهما واضح بين لاختلاف اسم الجد والاخوة فحماد ذو الناب هو: حماد بن عثمان بن زياد، والفزاري هو: حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد والاول اخواه حسين وجعفر، والثانى اخوه عبد الله وعليه فيكون المراد هنا حمادا الفزارى لانه يروى عن الصادق (ع) وذو الناب يروى عن الكاظم والرضا فقط كما في الخلاصة. راجع رجال الطوسى، رجال الكشى، رجال المامقانى، الخلاصة للعلامة. فهرست الشيخ الطوسى، اعيان الشيعة، قاموس الرجال. (2) " فدك ": قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة وهى ارض يهودية، كان يسكنها طائفة من اليهود حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب اهليها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله على النصف من فدك، وروى انه صالحهم -
[ 120 ]
فاطمة عليها السلام بنت رسول الله منها، فجاءت فاطمة الزهراء عليها السلام إلى ابى بكر ثم قالت
- عليها كلها. فصارت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ثم قدمها لابنته الزهراء (ع) وكانت بيدها في عهد ابيها وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وكانت وضعت عليها وكيلا عنها فانتزعها الخليفة الاول وطرد وكيلها ولما تولى عمر الخلافة
ردها إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولى عثمان بن عفان اقطعها مروان بن الحكم فلما صار الامر إلى معاوية بن ابى سفيان اقطع مروان ثلثها، وعمر بن عثمان ثلثا، ويزيد ابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتدا ولونها حتى خلصت لمروان بن الحكم ايام ملكه ثم صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان، فلما ولى الامر ردها لولد فاطمة (ع)، ثم انتزعها يزيد ابن عبد الملك من اولاد فاطمة وظلت في ايدى بنى مروان حتى انقرضت دولتهم. فلما تقلد الخلافة أبو العباس السفاح ردها على عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن على (ع) ثم قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته من بنى الحسن، وردها المهدى بن المنصور على الفاطميين، ثم انتزعها موسى بن المهدى من ايديهم، ثم ردها المأمون عليهم سنة مائتين وعشرة ولما بويع المتوكل انتزعها منهم واقطعها عبد الله بن عمر البازيار من اهل طبرستان. وردها المعتضد، وحازها المكتفى، وقيل ان المقتدر ردها عليهم وكان فيها بضعة عشر نخلة غرسها رسول الله بيده. قال ابن ابى الحديد: - في شرح النهج - وقلت لمتكلم من متكلمي الامامية يعرف بعلى بن تقى من بلدة النيل. وهل كانت فدك الا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير ؟ فقال لى ليس الامر كذلك بل كانت جليلة جدا وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها الا ان لا يتقوى على بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة الخ وقال ايضا: وسألت على بن الفارقى مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له: أكانت فاطمة صادقة ؟ قال نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهى عنده صادقة فتبسم ثم قال: كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال لو اعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجائت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار بشئ لانه يكون قد سجل على نفسه بانها صادقة فيما تدعى راجع: معجم البلدان لياقوت الحموى، اعيان الشيعة للسيد الامين، فدك في التاريخ للسيد الصدر، فتوح البلدان للبلاذرى، شرح النهج لابن ابى الحديد. (*)
[ 121 ]
لم تمنعني ميراثي من ابى رسول الله صلى الله عليه واله واخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى ؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم ايمن، فقالت له ام ايمن: لا اشهد يا ابا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، انشدك بالله ألست تعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال " ام ايمن امرأة من اهل الجنة (1) " فقال: بلى. قالت " فاشهد: أن الله عزوجل أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه واله " وآت ذا القربى حقه " (2)
(1) ام ايمن: مولاة النبي صلى الله عليه وآله وحاضته.. اسمها بركة بنت ثعلبة ابن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، مهاجرة جليلة هاجرت الهجرتين إلى ارض الحبشة، والى المدينة، وشهدت حنينا واحدا وخيبرا وكانت في احد تسقى الماء وتداوى الجرحى. وكان النبي صلى الله عليه وآله يخاطبها يا امه ويقول: " هي امى بعد امى " وكان إذا نظر إليها يقول " هذه بقية اهل بيتى ". قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: " روت عن النبي صلى الله عليه وآله وعنها انس بن مالك وحنش بن عبد الله الصنعانى وابو يزيد المدنى ". وكنيت بابنها ايمن بن عبيد وهى ام اسامة بن زيد بن حارثة تزوجها زيد بعد عبيد الحبشى. قيل كانت لعبد الله بن عبد المطلب (ع) فصارت للنبى صلى الله عليه وآله ميراثا وقيل انها كانت لامه صلى الله عليه وآله وروى انها كانت لاخت خديجة فوهبتها للنبى صلى الله عليه وآله فلما تزوج من خديجة (ع) اعتقها. وفى الاصابة: ان النبي صلى الله عليه وآله قال: " من سره ان يتزوج امرأة من اهل الجنة فاليتزوج ام ايمن ".. وتوفيت في أوائل عهد عثمان وروى البخاري انها توفيت بعد النبي بخمسة اشهر.
راجع الاصابة، تهذيب التهذيب، اعلام النساء، طبقات ابن سعد، البخاري قاموس الرجال، اعيان الشيعة. (1) قال الطبرسي في مجمع البيان: " واخبرنا السيد أبو الحمد مهدى بن نزار الحسينى قراءة قال حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن الحسكاني قال حدثنا الحاكم الوالد أبو محمد -
[ 122 ]
فجعل فدكا لها طعمة بأمر الله، فجاء علي عليه السلام فشهد: بمثل ذلك فكتب لها كتابا ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ماهذا الكتاب ؟ فقال: ان فاطمة عليها السلام ادعت في فدك، وشهدت لها ام ايمن وعلي عليه السلام، فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزقه فخرجت فاطمة عليها السلام تبكى، فلما كان بعد ذلك جاء علي عليه السلام إلى أبى بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله صلى الله عليه واله ؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (ص) فقال أبو بكر: هذا فيئ للمسلمين، فان اقامت شهودا أن رسول الله جعله لها والا فلا حق لها فيه، فقال امير المؤمنين عليه السلام: يا ابا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين. قال: لا. قال: فان كان في يد المسلمين شئ يملكونه، ثم ادعيت انا فيه من تسأل البينة ؟ قال: اياك اسئل البينة، قال: فما بال فاطمة سئلتها البينة على ما في يديها ؟ وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده، ولم تسئل المسلمين بينة على ما ادعوها شهودا، كما سئلتنى على ما ادعيت عليهم ؟ (1) فسكت أبو بكر فقال عمر: يا علي دعنا من كلامك. فانا لا نقوى على حجتك، فان اتيت بشهود عدول، والا فهو فئ للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه، فقال امير المؤمنين عليه السلام يا ابا بكر تقرء كتاب الله ؟ قال: نعم. قال: اخبرني عن قول الله عزوجل: " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا " (2) فيمن
- قال حدثنا عبد الله عن عمر بن عثمان ببغداد شفاها قال: اخبرني عمر بن الحسن بن
على بن مالك قال: حدثنا جعفر بن محمد الاحمسي قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثنا أبو معمر سعيد بن خثيم وعلى بن القاسم الكندى ويحيى بن يعلى وعلى بن مسهر عن فضل بن مرزوق عن عطية العوفى عن ابى سعيد الخدرى قال: لما نزل قوله: (آت ذا القربى حقه " اعطى رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة فدكا. قال عبد الرحمن بن صالح كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى يسأله عن قصة فدك فكتب عبد الله بهذا الحديث رواه الفضل بن مرزوق عن عطية فرد المأمون فدكا إلى ولد فاطمة انتهى. (1) إذ انها عليها السلام كانت صاحبة اليد والمسلمون يمثلون دور المدعى. (2) روى محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: عن عمر بن ابى سلمة ربيب رسول
[ 123 ]
نزلت فينا ام في غيرنا ؟ قال: بل فيكم، قال: فلو ان شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله بفاحشة ماكنت صانعا بها ؟ قال كنت اقيم عليها الحد، كما اقيمة على نساء المسلمين، قال: اذن كنت عند الله من الكافرين، قال: ولم قال: لانك رددت شهادة الله لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله، أن جعل لها فدكا قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة اعرابي بائل على عقبيه عليها، واخذت منها فدكا، وزعمت انه فئ للمسلمين، وقد قال رسول الله " ص ": البينة على المدعي: واليمين على المدعى عليه " فرددت قول: رسول الله " ص ": البينة على من ادعى، واليمين على من ادعي عليه، قال: فدمدم الناس وانكروا، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: " صدق والله علي بن ابى طالب عليه السلام " ورجع إلى منزله. قال: ثم دخلت فاطمة المسجد، وطافت بقبر ابيها، وهي تقول: قد كان بعدك انباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب انا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (1)
قد كان جبريل بالآيات يونسنا * فغاب عنا فكل الخير محتجب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذى العزة الكتب تجهمتنا رجال واستحف بنا * إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
- الله صلى الله عليه وآله قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا - سورة الاحزاب آية: 33 " في بيت ام سلمة رضى الله عنها فدعى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره ثم قال: " اللهم هؤلاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". قالت ام سلمة وانا معهم يارسول الله قال: " انت على مكانك وانت على خير ". (1) في كشف الغمة " ثم التفتت إلى قبر ابيها متمثلة بقول هند ابنة اثانة: قد كان بعدك ابناء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب انا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل قومك لما غبت وانقلبوا
[ 124 ]
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منا العيون بتهمال لها سكب قال: فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه ثم قال: له أما رأيت مجلس علي منا في هذا اليوم ؟ والله لئن قعد مقعدا اخر مثله ليفسدن علينا امرنا، فما الرأى ؟ فقال عمر: الرأى أن تأمر بقتله، قال: فمن يقتله ؟ قال: " خالد بن الوليد " (1).
(1) خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشى المخزومى. قال ابن حجر: - في الاصابة - " وشهد مع كفار قريش الحروب إلى غزوة الحديبية، كما ثبت في الصحيح: انه كان على خيل قريش طليعة، ثم اسلم في سنة سبع بعد خيبر وقيل قبلها، ووهم من زعم ان اسلم سنة خمسة ". وقال ابن الاثير - في اسد الغابة -: " ولا يصح لخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله
قبل فتح مكة. ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة بعثه إلى بنى جذيمة من بنى عامر بن لؤى فقتل منهم من لم يجز قتله. فقال النبي صلى الله عليه وآله: " اللهم انى ابرأ اليك مما صنع خالد ". فارسل مالا مع على بن ابى طالب - رضى الله عنه - فودى القتلى واعطاهم ثمن ما اخذ منهم حتى ثمن ميلغة الكلب، وفضل معه فضلة من المال فقسمها فيهم فلما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك استحسنه. ".. و (قال) فيه ايضا: " ثم ان ابا بكر امره بعد رسول الله صلى الله عليه وآله على قتال المرتدين منهم مسيلمة الحنفي في اليمامة، وله في قتالهم الاثر العظيم، و (منهم): مالك ابن نويرة من بنى يربوع من تميم وغيرهم الا أن الناس اختلفوا في قتل مالك بن نويرة فقيل: (انه قتل مسلما) لظن ظنه خالد به، وكلام سمعه منه، وانكر عليه أبو قتادة واقسم انه لا يقاتل تحت رايته، وانكر عليه ذلك عمر بن الخطاب.. ". و (قال) في اسد الغابة ايضا: - في ترجمة مالك بن نويرة - " فلما فرغ خالد من بنى اسد وغطفان، سار إلى مالك وقدم البطاح فلم يجد به احدا كان مالك قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع فلما قدم خالد البطاح بث سرايا فاتى بمالك بن نويرة ونفر من قومه فاختلف السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة وكان فيمن شهد انهم اذنوا واقاموا وصلوا فحبسهم في ليلة باردة، وامر خالد فنادى: ادفئوا اسراكم - وهى في لغة كنانة: القتل - فقتلوهم
[ 125 ]
فبعثوا إلى خالد فأتاهما، فقالا: نريد أن نحملك على امر عظيم، قال: احملاني على ما شئتما، ولو على قتل علي بن ابى طالب، قالا: فهو ذلك، قال خالد: متى اقتله ؟ قال أبو بكر: احضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة، فإذا سلمت فقم إليه واضرب عنقه، قال: نعم. فسمعت اسماء بنت عميس (1) وكانت تحت ابى بكر. فقالت: لجاريتها
- فسمع خالد الواعية، فخرج وقد قتلوا، فتزوج خالد امرأته، فقال عمر لابي بكر: سيف
خالد فيه رهق واكثر عليه فقال أبو بكر: تأول فاخطا ولا اشيم سيفا سله الله على المشركين، وودى مالكا، وقدم خالد على ابى بكر، فقال له عمر: يا عدو الله قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته لارجمنك ". (قال): " وقيل ان المسلمين لما غشوا مالكا واصحابه ليلا، اخذوا السلاح فقالوا: نحن المسلمون، فقال اصحاب مالك: ونحن المسلمون، فقالوا لهم: ضعوا السلاح فوضعوه وصلوا. وكان خالد يعتذر في قتله، ان مالكا قال: ما اخال صاحبكم الا قال كذا فقال أو ما تعده لك صاحبا ؟ فقتله. فقدم متمم على ابى بكر، يطلب بدم اخيه وان يرد عليهم سبيهم فامر أبو بكر برد السبى، وودى مالكا من بيت المال، فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدل على انه لم يرتد. " انتهى. وجعله أبو بكر واليا من قبله على الشام فلما ولى عمر الخلافة عزله ومات فيها بحمص في خلافة عمر. راجع (الاصابة لابن حجر، اسد الغابة لابن الاثير، ابن ابى الحديد ج 4 من شرح النهج، الاستيعاب). (1) اسماء بنت عميس الخثعمية: هي اخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله واخت لبابة زوج العباس بن عبد المطلب وام الفضل وعبد الله. هاجرت مع زوجها جعفر بن ابى طالب (ع) إلى الحبشة. ذكر ابن الاثير في (اسد الغابة): " ان عمر بن الخطاب قال لها: نعم القوم لو لا اننا سبقناكم إلى الهجرة، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وآله فقال: بل لكم هجرتان: إلى ارض الحبشة والى المدينة " واعقبت اسماء من جعفر بن ابى طالب الطيار -
[ 126 ]
اذهبي إلى منزل علي وفاطمة عليهما السلام، واقرأيهما السلام، وقولي لعلي " إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين " فجائت فقال امير المؤمنين عليه السلام
" قولي لها: إن الله يحول بينهم وبين ما يريدون ". ثم قام وتهيأ للصلاة، وحضر المسجد، وصلى خلف ابى بكر، وخالد بن الوليد يصلي بجنبه، ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر في التشهد، ندم على ما قال وخاف الفتنة، وعرف شدة علي وبأسه، فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم، حتى ظن الناس أنه قد سهى.
- في الجنان (ع) ثمانية بنين. وهم عبد الله، وعون، ومحمد الاكبر، ومحمد الاصغر، وعبد الله الاكبر، وعبد الله الاصغر، وحميد، وحسين. اما (محمد الاكبر) فقتل مع عمه امير المؤمنين (ع) بصفين. واما (عون) و (محمد الاصغر) فقتلا مع ابن عمهما الحسين عليه السلام يوم الطف واما (عبد الله الاكبر) فهو احد اجواد بنى هاشم الاربعة وهم: (الحسن والحسين وعبد الله بن العباس وهو الرابع " ع "). ولم يبايع رسول الله صلى الله عليه وآله طفلا غير هؤلاء الاربعة. ولد بارض الحبشة. وله في الجود اخبار كثيرة حتى لقب بقطب السخاء، حضر مع عمه صفين، وعقد له يوم الجمل على عشرة آلاف، وليس لجعفر عقب الا منه. فلما قتل جعفر بن ابى طالب (ع) تزوجها أبو بكر فأولدت له محمدا حبيب على وربيب حجره وواليه على مصر، قتله معاوية بن ابى سفيان وللامام (ع) عند قتل محمد بن ابى بكر خطبة موجودة في النهج ولما مات أبو بكر، تزوجها امير المؤمنين ع فأولدت له يحيى باجماع، واختلف في عون بن على بن ابى طالب فقيل انه منها. وروى انها كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فأولدت له بنتا اسمها امامة. في كشف الغمة: (عن اسماء بنت عميس قالت: اوصتني فاطمة " ع " ان لا يغسلها الا انا وعلى فغسلتها انا وعلى (ع) راجع: الاصابة، اسد الغابة، اعلام النساء
ريحانة الادب، شرح النهج لابن ابى الحديد، كشف الغمة للاربلي، اعيان الشيعة.
[ 127 ]
ثم التفت إلى خالد، فقال: " يا خالد لا تفعلن ما امرتك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ". فقال امير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذى امرك به ؟ فقال امرني بضرب عنقك، قال: أو كنت فاعلا ؟ قال: اي والله، لو لا انه قال لي لا تقتله قبل التسليم لقتلتك. قال: فأخذه علي عليه السلام فجلد به الارض، فاجتمع الناس عليه، فقال عمر يقتله ورب الكعبة، فقال الناس، يا ابا الحسن الله الله، بحق صاحب القبر، فخلى عنه، ثم التفت إلى عمر، فأخذ بتلابيبه وقال: يابن صهاك والله لولا عهد من رسول الله، وكتاب من الله سبق، لعلمت اينا اضعف ناصرا واقل عددا ودخل منزله. رسالة لامير المؤمنين (ع) إلى ابى بكر لما بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء (ع) فدك. شقوا متلاطمات امواج الفتن بحيازيم سفن النجاة، وحطوا تيجان اهل الفخر بجميع اهل الغدر، واستضاؤا بنور الانوار، واقتسموا مواريث الطاهرات الابرار، واحتقبوا (1) ثقل الاوزار، بغصبهم نحلة النبي المختار، فكأني بكم تترددون في العمى، كما يتردد البعير في الطاحونة اما والله لو اذن لى بما ليس لكم به علم لحصدت رؤسكم عن اجسادكم كحب الحصيد، بقواضب من حديد، ولقلعت من جماجم شجعانكم ما اقرح به اماقكم، واوحش به محالكم، فاني - مذ عرفت - مردى العساكر، ومفني الجحافل، ومبيد خضرائكم، ومخمل ضوضائكم، وجرار الدوارين إذ انتم في بيوتكم معتكفون، واني لصاحبكم بالامس، لعمر ابي وامي لن تحبوا أن يكون فينا الخلافة والنبوة، وانتم تذكرون احقاد بدر، وثارات
احد، أما والله لو قلت ما سبق الله فيكم، لتداخلت اضلاعكم في اجوافكم،
(1) احتقبوا: حملوا على ظهورهم.
[ 128 ]
كتداخل اسنان دوارة الرحى، فان نطقت يقولون حسدا، وان سكت فيقال ابن أبى طالب جزع من الموت، هيهات هيهات ! الساعة يقال لى هذا ؟ ! وانا المميت المائت، وخواض المنايا في جوف ليل حالك، حامل السيفين الثقيلين، والرمحين الطويلين، ومنكس الرايات في غطامط الغمرات (1)، ومفرج الكربات عن وجه خير البريات، ايهنوا فوالله لابن أبى طالب انس بالموت من الطفل إلى محالب امه هبلتكم الهوابل (2) لو بحت بما انزل الله سبحانه في كتابه فيكم، لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة (3) ولخرجتم من بيوتكم هاربين، وعلى وجوهكم هائمين، ولكني اهون وجدى حتى القى ربي، بيد جذاء صفراء من لذاتكم، خلو من طحناتكم، فما مثل دنياكم عندي الا كمثل غيم علا فاستعلا ثم استغلظ فاستوى، ثم تمزق فانجلا، رويدا فعن قليل ينجلى لكم القسطل (4) وتجنون ثمر فعلكم مرا، وتحصدون غرس ايديكم ذعافا ممقرا (5) وسما قاتلا وكفى بالله حكيما، وبرسول الله خصيما، وبالقيامة موقفا، فلا ابعد الله فيها سواكم، ولا اتعس فيها غيركم، والسلام على من اتبع الهدى. فلما أن قرأ أبو بكر الكتاب رعب من ذلك رعبا شديدا، وقال: يا سبحان الله ما اجرأه علي وانكله عن غيرى. معاشر المهاجرين والانصار تعلمون أني شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول الله صلى الله عليه واله، فقلتم: أن الانبياء لا يورثون، وان هذه اموال يجب ان تضاف إلى
(1) غطامط: عظيم الامواج والغمرات جمع غمرة وهى: الشدة وغمرة الشئ شدته ومزدحمه
(2) هبلت فلانا امه: ثكلته فهى هابل. (3) الارشية جمع رشاء: وهو حبل الدلو. والطوى السقاء الذى يجعلون فيها الماء. (4) القسطل: الغبار الساطع في الحرب. (5) الذعاف: السم الذى يقتل من ساعته - والممقر: المر.
[ 129 ]
مال الفئ، وتصرف في ثمن الكراع والسلاح، وابواب الجهاد، ومصالح الثغور فامضينا رأيكم، ولم يمضه من يدعيه، وهو ذا يبرق وعيدا، ويرعد تهديدا، ايلاء بحق محمد صلى الله عليه واله أن يمضحها (1) دما ذعافا، والله لقد استقلت منها فلم اقل واستعزلتها عن نفسي فلم اعزل، كل ذلك كراهية منى لابن ابى طالب، وهربا من نزاعه، مالى ولابن ابى طالب أهل نازعه أحد ففلج (2) عليه ؟ فقال: له عمر أبيت أن تقول الا هكذا ؟ فانت ابن من لم يكن مقداما في الحروب ولا سخيا في الجدوب سبحان الله ما اهلع (3) فؤادك، واصغر نفسك، قد صفيت لك سجالا (4) لتشربها فأبيت الا ان تظمأ كظمائك، وانخت لك رقاب العرب، وثبت لك الاشارة والتدبير ولو لا ذلك لكان ابن أبى طالب قد صير عظامك رميما، فاحمد الله على ما قد وهب لك مني، واشكره على ذلك، فانه من رقى منبر رسول الله صلى الله عليه واله كان حقيقا عليه ان يحدث لله شكرا، وهذا علي بن أبى طالب الصخرة الصماء التي لا ينفجر ماءها الا بعد كسرها، والحية الرقشاء التي لا تجيب الا بالرقي، والشجرة المرة التي لو طليت بالعسل لم تنبت الا مرا، قتل سادات قريش فابادهم، وألزم اخرهم العار ففضحهم، فطب عن نفسك نفسا، ولا تغرنك صواعقه، ولا يهولنك رواعده وبوارقه، فاني اسد بابه قبل ان يسد بابك، فقال له أبو بكر: ناشدتك الله يا عمر لما أن تركتني من اغاليطك وتربيدك، فوالله لو هم ابن ابى طالب بقتلي وقتلك
لقتلنا بشماله دون يمينه، وما ينجينا منه الا احدى ثلاث خصال: احديها: انه وحيد ولا ناصر له، والثانية انه ينتهج فينا وصية رسول الله صلى الله عليه واله، والثالثة: انه ما من هذه القبائل احد الا وهو يتخضمه (5) كتخضم الثنية الابل أوان الربيع، فتعلم لو لا ذلك لرجع الامر إليه وان كنا له كارهين، اما ان هذه الدنيا اهون إليه من
(1) وفى نسخة يمضخها. (2) فلج عليه: فاز. (3) الهلع: الجبن عند اللقاء. (4) السجال جمع سجل وهو: دلو عظيم فيه ماء. (5) في بعض النسخ " يتهضمه كتهضم ".
[ 130 ]
لقاء احدنا للموت، انسيت له يوم احد ؟ وقد فررنا باجمعنا، وصعدنا الجبل، وقد احاطت به ملوك القوم، وصناديدهم موقنين بقتله، لا يجد محيصا للخروج من اوساطهم، فلما ان سدد عليه القوم رماحهم نكس نفسه عن دابته حتى جاوزه طعان القوم، ثم قام قائما في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول: " يا الله يا الله يا جبرئيل يا جبرئيل يا محمد يا محمد النجاة النجاة " ثم عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على ام رأسه فبقي على فك واحد ولسان، ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها، ومر السيف يهوى في جسده فبراه ودابته بنصفين: ولما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه، فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهم جراثيم جمودا على تلعة من الارض، يتمرغون في حسرات المنايا، يتجرعون كؤوس الموت، قد اختطف ارواحهم بسيفه، ونحن نتوقع منه اكثر من ذلك، ولم نكن نضبط من انفسنا من مخافته حتى ابتدئت منك إليه التفاتة، وكان منه اليك ما تعلم، ولولا انه نزلت آية من كتاب الله لكنا من الهالكين، وهو قوله تعالى ": ولقد عفا عنكم (1) " فاترك هذا الرجل ما تركك، ولا يغرنك قول
خالد أنه يقتله ؟ فانه لا يجسر على ذلك، ولو رام لكان اول مقتول بيده، فانه من ولد عبد مناف، إذا هاجوا هيبوا، وإذا غضبوا ادموا، ولاسيما علي بن ابى طالب عليه السلام نابها الاكبر، وسنامها الاطول، وهامتها الاعظم، والسلام على من اتبع الهدى.
(1) آل عمران / 152.
[ 131 ]
احتجاج فاطمة الزهراء (ع) على القوم لما منعوها فدك وقولها لهم عند الوفاة في الامامة. روى عبد الله بن الحسن (1) باسناده عن آبائه عليهم السلام: انه لما اجمع (2) أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكا وبلغها ذلك (3)..
(1) هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن على بن ابى طالب عليه السلام. في عمدة الطالب وانما سمى المحض لان اباه الحسن بن الحسن عليه السلام وامه فاطمة بنت الحسين (ع) وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وآله. وكان شيخ بنى هاشم في زمانه، وقيل له: بما صرتم افضل الناس، قال: لان الناس كلهم يتمنون ان يكونوا منا ولا نتمنى ان نكون من احد. وقال أبو الفرح الاصفهاني - في مقاتل الطالبيين - عند ذكر من قتل ايام ابى جعفر المنصور وكان أبو جعفر المنصور قد طلب محمدا وابراهيم فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن واخوته وجماعة من اهل بيته بالمدينة ثم احضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس إلى ان قال وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابى طالب عليه السلام، يكنى ابا محمد. إلى ان قال: وقتل عبد الله بن الحسن في محبسه بالهاشمية، وهو ابن خمس وسبعين، سنة خمس واربعين ومائة. وفى معجم البلدان: والهاشمية ايضا مدينة بناها السفاح بالكوفة إلى ان قال
وبالهاشمية هذه حبس المنصور عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن ابى طالب رضى الله عنه ومن كان معه من اهل بيته. (2) اجمع: احكم النية والعزيمة. (3) قال ابن أبى الحديد في شرح النهج: قال أبو بكر - يعنى: الجوهرى - فحدثني محمد بن زكريا قال: حدثنى حعفربن محمد بن عمارة الكندى قال: حدثنى أبى عن الحسين بن صالح بن حى قال حدثنى رجلان من بنى هاشم عن زينب بنت على بن ابى طالب " ع ". قال: وقال جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن ابيه. قال أبو بكر: وحدثني عثمان بن عمران العجيفى عن نائل بن نجيح بن عمير بن -
[ 132 ]
لاثت خمارها (1) على رأسها، واشتملت بجلبابها (2)، واقبلت في لمة (3) من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها (4)، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه واله (5) حتى دخلت على أبى بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم (6) فنيطت دونها ملاءة (7) فجلست ثم انت انة اجهش (8) القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم امهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما امسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السلام: الحمد لله على ما انعم، وله الشكر على ما الهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن اولاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء امدها، وتفاوت عن الادراك ابدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق باجزالها، وثنى بالندب إلى امثالها، واشهد ان لا اله الا الله
- شمر عن جابر الجعفي عن أبى جعفر محمد بن على " ع ".
قال أبو بكر: وحدثني احمد بن محمد بن زيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن ابيه عن عبد الله بن حسن بن حسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة.. الخ (1) اللوث: الطى والجمع، ولاث العمامة شدها وربطها، ولانت خمارها لفته والخمار بالكسر: المقنعة، سميت بذلك لان الرأس يخمر بها أي يغطى. (2) الاشتمال بالشئ جعله شاملا ومحيطا لنفسه - والجلباب: الرداء والازار (3) في لمة: أي جماعة وفى بعض النسخ في لميمة بصيغة التصغير أي في جماعة قليلة والحفدة بالتحريك: الاعوان والخدم. (4) أي ان اثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشى وفى بعض النسخ تجر ادراعها والمعنى واحد. (5) الخرم بضم الخاء وسكون الراء الترك، والنقص، والعدول. (6) الحشد: الجماعة. (7) نيطت: علقت وناط الشئ علقه: والملاءة الازار. (8) اجهش القوم: تهيئوا.
[ 133 ]
وحده لا شريك له، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وانار في التفكر معقولها، الممتنع من الابصار رؤيته، ومن الالسن صفته، ومن الاوهام كيفيته، ابتدع الاشياء لا من شئ كان قبلها، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، الا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، واظهارا لقدرته، تعبدا لبريته واعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده من نقمته، وحياشة (1) لهم إلى جنته، واشهد ان ابى محمدا عبده ورسوله اختاره قبل ان ارسله، وسماه قبل ان اجتباه، واصطفاه قبل ان ابتعثه، إذ
الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الاهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما يلى الامور، واحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بموقع الامور ابتعثه الله اتماما لامره، وعزيمة على امضاء حكمه، وانفاذا لمقادير حتمه، فرأى الامم فرقا في اديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لاوثانها، منكرة لله مع عرفانها فانار الله بابى محمد صلى الله عليه واله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها (2)، وجلى عن الابصار غممها (3)، وقام في الناس بالهداية، فانقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم. ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وايثار، فمحمد صلى الله عليه واله من تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الابرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبى نبيه، وامينه، وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. ثم التفتت إلى اهل المجلس وقالت: انتم عباد الله نصب امره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وامناء الله على انفسكم، وبلغائه إلى الامم، زعيم حق له فيكم، وعهد
(1) حاش الابل: جمعها وساقها. (2) بهمها: أي مبهماتها وهى المشكلات من الامور. (3) الغمم: جمع غمة وهى: المبهم والملتبس وفى بعض النسخ " عماها ".
[ 134 ]
قدمه اليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به اشياعه، قائدا إلى الرضوان اتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل الله الايمان: تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة: تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة:
تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام: تثبيتا للاخلاص، والحج: تشييدا للدين، والعدل: تنسيقا للقلوب، وطاعتنا: نظاما للملة، وامامتنا: امانا للفرقة والجهاد: عزا للاسلام، والصبر، معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف: مصلحة للعامة، وبر الوالدين: وقاية من السخط، وصلة الارحام: منساة في العمر (1) ومنماة للعدد، والقصاص: حقنا للدماء، والوفاء بالنذر: تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين: تغييرا للبخس، والنهى عن شرب الخمر: تنزيها عن الرجس واجتناب القذف: حجابا عن اللعنة، وترك السرقة: ايجابا بالعفة، وحرم الله الشرك اخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون، واطيعوا الله فيما امركم به ونهاكم عنه، فانه انما يخشى الله من عباده العلماء. ثم قالت ايها الناس اعلموا: اني فاطمة وابى محمد صلى الله عليه واله اقول عودا وبدوا، ولا اقول ما اقول غلطا، ولا افعل ما افعل شططا (2) لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم (3) حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم. فان تعزوه (4) وتعرفوه: تجدوه ابى دون نسائكم، واخا ابن عمي دون رجالكم (5)
(1) منساة للعمر: مؤخرة. (2) شططا: الشطط بالتحريك: هو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شئ. (3) عنتم: انكرتم وجحدتم. (4) تعزوه: تنبوة (5) سيأتي قول النبي لعلى انت اخى وحديث المؤاخاة.
[ 135 ]
ولنعم المعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة (1) مائلا عن مدرجة المشركين (2) ضاربا ثبجهم (3) اخذا باكظامهم (4) داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الاصنام (5) وينكث الهام، حتى
انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه (6) واسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين (7) وطاح وشيظ النفاق (8) وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الاخلاص (9) في نفر من البيض الخماص (10) وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب (11) ونهزة الطامع (12) وقبسة العجلان، وموطئ الاقدام (13) تشربون الطرق (14)
(1) صادعا: الصدع هو الاظهار: والنذارة بالكسر الانذار وهو الاعلام على وجه التخويف. (2) المدرجة: هي المذهب والمسلك. (3) ثبجهم: الثبج بالتحريك: وسط الشئ ومعظمه. (4) اكظامهم: الكظم بالتحريك: مخرج النفس من الحلق. (5) يجف الاصنام: في بعض النسخ " يكسر الاصنام " وفى بعضها " يجذ " أي يكسر. (6) تفرى الليل عن صبحه: أي انشق حتى ظهر وجه الصباح. (7) شقاشق الشياطين: الشقاشق: جمع شقشقة بالكسر وهى: شئ كالربة يخرجها البعير من فيه إذا هاج. (8) طاح: هلك. والوشيظ السفلة والرذل من الناس. (9) كلمة الاخلاص: كلمة التوحيد. (10) البيض الخماص: المرد بهم اهل البيت عليهم السلام. (11) مذقة الشارب: شربته. (12) نهزة الطامع: بالضم - الفرصة أي محل نهزته. (13) قبسة العجلان: مثل في الاستعجال. وموطئ الاقدام: مثل مشهور في المغلوبية والمذلة. (14) الطرق: بالفتح ماء السماء الذى تبول به الابل وتبعر.
[ 136 ]
وتقتاتون القد (1) اذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فانقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه واله، وبعد أن مني ببهم (2) الرجال وذؤبان العرب، ومردة اهل الكتاب، كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان (3) أو فغرت فاغرة من المشركين (4) قذف أخاه في لهواتها (5) فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها باخمصه (6) ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في امر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا، كادحا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وانتم في رفاهية من العيش، وادعون (7) فاكهون (8) آمنون، تتربصون بنا الدوائر (9) وتتوكفون الاخبار (10) وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال، فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى اصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق (11) وسمل جلباب الدين (12) ونطق كاظم الغاوين (13) ونبغ خامل
(1) القد: بكسر القاف وتشديد الدال - سير بقد من جلد غير مدبوغ. (2) بهم الرجال: شجعانهم. (3) نجم: ظهر، وقرن الشيطان امته وتابعوه. (4) فغرفاه: أي فتحه، والفاغرة من المشركين: الطائفة منهم. (5) قذف: رمى، واللهوات بالتحريك: - جمع لهات -: وهى اللحمة في اقصى شفة الفم. (6) ينكفئ: يرجع، والاخمص مالا يصيب الارض من باطن القدم. (7) وادعون: ساكنون (8) فاكهون: ناعمون (9) الدوائر: صروف الزمان أي كنتم تنظرون نزول البلايا علينا. (10) تتوقعون اخبار المصائب والفتن النازلة بنا. (11) في بعض النسخ " حسيكة " وحسكة النفاق عداوته.
(12) وسمل جلباب الدين: سمل صار خلقا، والجلباب الازار. (13) الكظوم: السكوت.
[ 137 ]
الاقلين (1) وهدر فنيق المبطلين (2) فخطر في عرصاتكم (3) واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم (4) فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، واحشمكم فألفاكم غضابا (5) فوسمتم غير ابلكم (6) ووردتم غير مشربكم (7) هذا والعهد قريب والكلم رحيب (8)، والجرح لما يندمل (9) والرسول لما يقبر، ابتدارا، زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وانى تؤفكون، وكتاب الله بين اظهركم، اموره ظاهرة، واحكامه زاهرة واعلامه باهرة، وزواجره لايحة، واوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون " * " ؟ ام بغيره تحكمون ؟ بئس للظالمين بدلا، ومن يبتع غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا الا ريث أن تسكن نفرتها (10) ويسلس قيادها (11) ثم اخذتم تورون وقدتها (12) وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، واطفاء انوار الدين الجلي
في بعض النسخ " تدبرون ". (2) الخامل: من خفى ذكره وكان ساقطا لانباهة له. (2) الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل المكرم من الابل الذى لا يركب ولا يهان. (3) خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه. (4) مغرزه: أي ما يختفى فيه تشبيها له بالقنفذ فانه يطلع رأسه بعد زوال الخوف (5) أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه.
(6) الوسم اثر الكى. (7) الورود: حضور الماء للشرب. (8) الكلم بالضم: الجرح، الرحب بالضم: السعة. (9) أي لم يصلح بعد. (10) نفرتها: نفرت الدابة جزعت وتباعدت. (11) يسلس: يسهل. (12) أي: لهبها.
[ 138 ]
واهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء (1) وتمشون لاهله وولده في الخمرة والضراء (2) ويصير " * " منكم على مثل حز المدى (3) ووخز السنان في الحشاء، وانتم الان تزعمون: أن لا إرث لنا، افحكم الجاهلية تبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ ! أفلا تعلمون ؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته. ايها المسلمون أغلب على ارثي " * " ؟ يابن ابى قحافة أفي كتاب الله ترث اباك ولا ارث ابى ؟ لقد جئت شيئا فريا ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول: " وورث سليمان داود " (4) وقال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: " فهب لى من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب (5) " وقال: " واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله (6) " وقال: " يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين (7) " وقال: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين (8) وزعمتم: ان لا حظوة (9) لى ولا ارث من أبى، ولارحم بيننا، افخصكم الله بآية اخرج ابى منها ؟ ام هل تقولون: أن اهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست انا وأبي من اهل ملة واحدة ؟ أم
وفى بعض النسخ " يصير ". " * " في بعض النسخ " ارثه ".
(1) الحسو: هو الشرب شيئا فشيئا، والارتغاء: هو شرب الرغوة وهى اللبن المشوب بالماء وحسوا في ارتغاء: مثل يضرب لمن يظهر ويريد غيره. (2) الخمر بالفتح: ما واراك من شجر وغيره، والضراء بالفتح: الشجر الملتف بالوادي. (3) الحز: القطع، والمدى، السكاكين. (4) النمل: 16. (5) مريم: 6. (6) الانفال: 75. (7) النساء: 11. (8) البقرة 180. (9) الحظوة: المكانة.
[ 139 ]
انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة مرحولة (1) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ثم رمت بطرفهانحو الانصار فقالت: يا معشر النقيبة واعضاد الملة (2) وحضنة الاسلام، ما هذه الغميزة في حقي (3) والسنة عن ظلامتي (4) ؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ابي يقول (المرء يحفظ في ولده) ؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا اهالة (5) ولكم طاقة بما احاول، وقوة على ما اطلب وازاول، أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله ؟ فخطب جليل: استوسع وهنه واستنهر فتقه (6) وانفتق رتقه، واظلمت الارض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، واكدت (7) الامال، وخشعت الجبال، واضيع الحريم، وازيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لامثلها نازلة، ولابائقة (8) عاجلة، اعلن بها كتاب الله جل ثناؤه، في افنيتكم، وفي ممساكم، ومصبحكم، يهتف في
افنيتكم هتافا، وصراخا، وتلاوة، والحانا، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله، حكم
في بعض النسخ " رنت ". (1) مخطومة: من الخطام بالكسر وهو: كل ما يدخل في انف البعير ليقاد به والرحل بالفتح: هو للناقة كالسرج للفرس. (2) النقيبة: الفتية. (3) الغميزة: - بفتح الغين المعجمة والزاى - ضعفة في العمل. (4) السنة بالكسر: النوم الخفيف. (5) إهالة: بكسر الهمزة الدسم. وسرعان ذا اهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشئ قبل وقته. (6) وهنه الوهن: الخرق، واستنهر: اتسع. (7) اكدت: قل خيرها. (8) بائقة: داهية.
[ 140 ]
فصل، وقضاء حتم: " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين " (1) ايها بني قيلة (2) ءأهضم تراث ابي ؟ وانتم بمرئ مني ومسمع، ومنتدى (3) ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وانتم ذوو العدد والعدة، والاداة والقوة وعندكم السلاح والجنة (4) توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وانتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا اهل البيت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الامم، وكافحتم " * " البهم، لانبرح أو تبرحون (5) نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الاسلام، ودر حلب الايام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الافك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج،
واستوسق نظام الدين (6) فأنى حزتم بعد البيان ؟ واسررتم بعد الاعلان ؟ ونكصتم بعد الاقدام ؟ واشركتم بعد الايمان ؟ بؤسا لقوم نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم، وهموا باخراج الرسول، وهم بدؤكم اول مرة، اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين ألا وقد أرى أن قد اخلدتم إلى الخفض (7) وابعدتم من هو احق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة (8) ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذى تسوغتم (9) فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا
وفى بعض النسخ " كالحتم ". (1) آل عمران: 144. (2) بنو قيله: قبيلتا الانصار: الاوس والخزرج. (3) المنتدى المجلس. (4) الجنة بالضم: ما استترت به من السلاح. (5) لانبرح: لانزال. (6) استوشق: اجمتع. (7) اخلدتم: ملتم. والخفض: السعة والخصب واللين. (8) الدعة: الراحة والسكون. (9) الدسغ: القئ وتسوغ الشراب شربه بسهولة.
[ 141 ]
فان الله لغنى حميد. ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم (1) والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة (2) وبثة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة (3) الظهر نقبة الخف (4) باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الابد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الافئدة، فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون. وأنا ابنة نذير لكم بين يدى عذاب شديد فاعلموا انا عاملون، وانتظروا انا منتظرون. فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان. وقال: يا بنت رسول الله لقد كان
ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا اليما، وعقابا عظيما، ان عزوناه وجدناه اباك دون النساء، واخا إلفك دون الاخلاء (5) آثر على كل حميم، وساعده في كل امر جسيم، لا يحبكم الا سعيد، ولا يبغضكم الا شقي (6) بعيد فانتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير ادلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وانت ياخيرة النساء، وابنة خير الانبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك،
(1) الجذلة: ترك النصر، خامرتكم خالطتكم. (2) الخور: الضعف، والقناة الرمح. والمراد من ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة. (3) فاحتقبوها: أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير اصابته الدبرة بالتحريك وهى جراحة تحدث من الرحل. (4) نقب خف البعير رق وتثقب. (5) الالف: هو الاليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لانه إلف الزوجة وفى بعض النسخ " ابن عمك ". (6) في ذخائر العقبى: - لمحب الدين الطبري - قال: قال رسول الله " ص " " لايحبنا اهل البيت الا مؤمن تقى، ولا يبغضنا الا منافق شقى " اجره الملا.
[ 142 ]
والله ما عدوت رأى رسول الله، ولاعملت الا باذنه، والرائد لا يكذب اهله، واني اشهد الله وكفى به شهيدا، أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " نحن معاشر الانبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولى الامر بعدنا ان يحكم فيه بحكمه " (1) وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون
المردة الفجار، وذلك باجماع من المسلمين، لم انفرد به وحدي، ولم استبد بما كان الرأى عندي (2) وهذه حالى ومالى، هي لك وبين يديك، لاتزوى عنك،
(1) نقل الامام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين " قدس سره " في كتابه الجليل " النص والاجتهاد " عن الاستاذ المصرى المعاصر محمود أبو رية ما يلي " " قال ": بقى امر لابد ان نقول فيه كلمة صريحة، ذلك هو موقف ابى بكر من فاطمة رضى الله عنها بنت رسول الله " ص " وما فعل معها في ميراث ابيها، لانا إذا سلمنا بان خبر الاحاد الظنى يخصص الكتاب القطعي، وانه قد ثبت أن النبي " ص " قد قال: انه لا يورث. وانه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فان ابا بكر كان يسعه ان يعطى فاطمة رضى الله عنها بعض تركة ابيها " ص " كأن يخصها بفدك، وهذا من حقه الذى ليس يعارضه فيه احد، إذ يجوز للخليفة ان يخص من يشاء بما يشاء. " قال ": وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي " ص " على ان فدكا هذه التى منعها أبو بكر لم تلبث ان اقطعها الخليفة عثمان لمروان، هذا كلامه بنصه. ثم اعقب السيد " ره " قائلا: ونقل ابن ابى الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب على الخليفتين والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد ابيها " ص " قالوا في آخره: " وقد كان الاجل ان يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله " ص " فضلا عن الدين " فذيله ابن ابى الحديد بقوله: " هذا الكلام لاجواب عنه " النص والاجتهاد ص 123 - 124 (2) خطر ببالى وانا افكر في قول الخليفة: " وذلك باجماع المسلمين لم انفرد به " -
- وقوله في آخر الحديث الذى تفرد بنقله عن النبي " ص " " وما كان لنا من طعمة فلولى الامر ان يحكم فيه بحكمه " نعم خطر ببالى وانا افكر في هاتين الفقرتين وما إذا كانت فدك من حق المسلمين حتى يؤخذ رأيهم فيه ام من حقه الخاص حتى يحكم فيه بحكمه كما جاء في ذيل الحديث الذى استنكرته الصديقة الطاهرة " ع " واعتبرته كذبا وزورا وافتراء على الرسول " ص " اعتلالا منهم لما اجمعوا على الغدر بذريته كما اعتبرته طعنا في عصمته " ص " لو صدر ذلك منه. واسمع ذلك كله في جوابها لابي بكر: " سبحان الله، ماكان ابى رسول الله " ص " عن كتاب الله صادقا، ولا لاحكامه مخالفا، بل كان يتبع اثره، ويقفوا سوره، افتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل في حياته " ثم ان كان من حقه الخاص فلماذا لم يعطها سيدة النساء وبنت سيد الانبياء اكراما لمقام ابيها " ص " وإذا كان من حق المسلمين لماذا لم يؤخذ رأيهم اولا في اعطائه اياها. نعم خطر ببالى وانا اجيل الفكر في هذا وشبهه قول الشريف قتادة بن ادريس من قصيدته العصماء في رثاء سيدة النساء " ع " والتى يقول في اولها: ما لعيني غاب عنها كراها * وعراها من عبرة ما عراها الدار نعمت فيها زمانا * ثم فارقتها فلا اغشاها إلى ان يقول: بل بكائى لمن خصها * الله تعالى بلطفه واجتباها وحباها بالسيدين الجليل * - ين العظمين منه حين حباها ولفكرى في الصاحبين اللذين * استحسنا ظلمها وما راعياها منعا بعلها من الحل والعق * - د وكان المنيب والا واها والتى يقول فيها: واتت فاطم تطالب بالار ث * من المصطفى فما ورثاها
إلى ان قال - وهو محل الشاهد منها -: اترى المسلمين كانوا يلومو * نهما في العطاء لو اعطياها كان تحت الخضراء بنت نبى * ناطق صادق امين سواها بنت من ؟ أم من ؟ حليلة من ؟ *.... من سن ظلمها واذاها
[ 144 ]
مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك واصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداى فهل ترين ان اخالف في ذلك اباك صلى الله عليه واله فقالت عليها السلام: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه واله عن كتاب الله صادفا (1) ولا لأ لاحكامه مخالفا ! بل كان يتبع اثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل (2) في حياته هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب (3) ويقول: وورث سليمان داود (4) وبين عزوجل فيما وزع من الاقساط، وشرع من الفرائض والميراث، واباح من حظ الذكران والاناث، ما ازاح به علة المبطلين، وازال التظنى والشبهات في الغابرين، كلا بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، انت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا ابعد صوابك، ولا انكر خطابك هؤلاء المسلمون بينى وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم اخذت ما اخذت غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس وقالت: معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل (5) المغضية على الفعل القبيح الخاسر افلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على قلوبكم
ما اسأتم من اعمالكم، فاخذ بسمعكم وابصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا، وغبه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء وبان باورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون.
(1) صادفا معرضا. (2) الغوائل: المهالك. (3) سورة مريم: 6 (4) سورة النمل: 16 (5) في بعض النسخ " قبول الباطل ".
[ 145 ]
ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه واله وقالت: قد كان بعدك انباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب انا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب وكل اهل له قربى ومنزلة * عند الاله على الادنين مقترب ابدت رجال لنا نجوى صدورهم (1) * لما مضيت وحالت دونك الترب تجهمتنا رجال واستخف بنا * لما فقدت وكل الارض مغتصب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذى العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يونسنا * فقد فقدت وكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الكثب (2) ثم انكفئت عليها السلام، وامير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت: لامير المؤمنين عليه السلام: يابن أبى طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الاجدل (3) فخانك ريش الاعزل (4) هذا ابن ابي قحافة يبتزنى نحلة أبى وبلغة (5) ابني ! لقد اجهد (6) في خصامى، والفيته الد في كلامي (7) حتى
حبستنى قيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، اضرعت خدك (8) يوم اضعت حدك
(1) النجوى: السر. (2) الكثب - بضمتين -: جمع الكثيب وهو: الرمل. (3) قوادم الطير: مقادم ريشه وهى عشرة - والاجدل: الصقر. (4) الاعزل من الطير: ما لا يقدر على الطيران. (5) يبتزنى: يسلبني والبلغة ما يتبلغ به من العيش. (6) في بعض النسخ " اجهر " (7) الفيته: وجدته، والالد: شديد الخصومة. (8) ضرع: خضع وذل.
[ 146 ]
إفترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا اغنيت طائلا (1) ولا خيار لى، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا (2) ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق ! ويلاي في كل غارب ! مات العمد، ووهن العضد (3) شكواي إلى أبي ! وعدواي (4) إلى ربي ! اللهم انك اشد منهم قوة وحولا، واشد بأسا وتنكيلا. فقال امير المؤمنين عليه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك (5) ثم نهنهى عن وجدك (6) يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت (7) عن دينى، ولا اخطأت مقدورى (8) فان كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما اعد لك اضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله وامسكت. وقال سويد بن غفلة: (9) لما مرضت فاطمة سلام الله عليها، المرضة التي
(1) أي ما فعلت شيئا نافعا، وفى بعض النسخ (ولا اغنيت باطلا): أي كففته (2) العذير بمعنى العاذر أي: الله قابل عذرى، وعاديا، متجاوزا. (3) الوهن: الضعف في العمل أو الامر أو البدن. (4) العدوى: طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك. (5) الشانئ: المبغض (6) أي كفى: عن حزنك وخففى من غضبك. (7) ماكللت ولا ضعفت ولا عييت (8) ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادرا على الانتصاف لك لما اوصاني به الرسول " ص ". (9) قال العلامة في الخلاصة: سويد بن غفلة الجعفي قال البرقى: انه من اولياء امير المؤمنين عليه السلام. انتهى وفى اسد الغابة " ادرك الجاهلية كبيرا واسلم في حياة رسول " ص " ولم يره، وادى صدقته إلى مصدق النبي " ص " ثم قدم المدينة فوصل يوم دفن النبي " ص " وكان مولده عام الفيل وسكن الكوفة..،
[ 147 ]
توفيت فيها (1) دخلت عليها نساء المهاجرين والانصار يعدنها، فقلن لها: كيف اصبحت من علتك يا بنت رسول الله ؟ فحمدت الله، وصلت على ابيها، ثم قالت: اصبحت والله: عائفة لدنيا كن، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد ان عجمتهم (2) وسئمتهم بعد ان سبرتهم (3) فقبحا لفلول الحد، واللعب بعد الجد، وقرع الصفات وصدع القناة، وختل الآراء (4) وزلل الاهواء، وبئس ما قدمت لهم انفسهم: أن سخط الله عليهم، وفى العذاب هم خالدون. لاجرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم اوقتها (5) وشننت عليهم غاراتها (6) فجدعا، وعقرا وبعدا، للقوم الظالمين.
ويحهم انى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الامين، والطبين بأمور الدنيا (7) والدين ؟ ! ألا ذلك هو الخسران المبين ! وما الذى نقموا من ابى الحسن عليه السلام ؟ ! نقموا والله منه نكير سيفه، وقلة مبالاته
- وفى تهذيب " ادرك الجاهلية وقد قيل انه صلى مع النبي " ص " ولا يصح وقدم المدينة حين نفضت الايدى من دفن رسول الله " ص " وهذا أصح.. إلى ان قال: قال ابن معين والعجلي: ثقة.. وقال أبو نعيم مات سنة ثمانين وقال أبو عبيد القاسم بن سلام وغير واحد مات سنة احدى وثمانين وقال عمرو بن على وغيره مات سنة 88 (1) قال ابن أبى الحديد في المحلد الرابع من شرحه على النهج " قال أبو بكر وحدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبى عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن امه فاطمة بنت الحسين " ع " قالت لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله " ص " الوجع وثقلت في علتها دخلت عليها.. الخ (2) لفظتهم: رميت بهم وطرحتهم بعد ان عجمتهم: أي بعد ان اختبرتهم وامتحنتهم (3) سئمتهم: مللتهم، وسبرتهم: جريتهم واختبرتهم واحدا واحدا. (4) ختل الاراء: زيفها وخداعها (5) اوقتها: ثقلها (6) شننت الغارة عليهم: وجهتها عليهم من كل جهة (7) الطبين: الفطن الحاذق العالم بكل شئ.
[ 148 ]
لحتفه، وشدة وطأته، ونكال (1) وقعته، وتنمره في ذات الله (2) وتالله لو مالوا عن المحجة اللايحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهم إليها، وحملهم عليها ولسار بهم سيرا سجحا (3) لا يكلم حشاشه (4) ولا يكل سائره (5) ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا، صافيا، رويا، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا واعلانا، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا
يحظى منها بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب، ولو أن اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض، ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين ! الا هلم فاسمع ؟ ! وما عشت اراك الدهر عجبا ! وان تعجب فعجب قولهم !.. ليت شعرى إلى أي اسناد استندوا ؟ ! والى اي عماد اعتمدوا ؟ ! وبأية عروة تمسكوا ؟ ! وعلى اية ذرية اقدموا واحتنكوا (6) لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم (7) والعجز بالكاهل (8) فرغما لمعاطس (9) قوم يحسبون انهم يحسنون صنعا. ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون. ويحهم أفمن يهدى إلى الحق احق ان يتبع ام من لا يهدى الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون ؟ ! أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دما عبيطا (10) وزعافا مبيدا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف البطالون غب (11) ما اسس الاولون، ثم طيبوا عن دنياكم
(1) النكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان (2) تنمر: عبس وغضب (3) سجحا: سهلا (4) كلمه: جرحه (5) يكل: يتعب (6) احتنكه: استولى عليه (7) الذنابى: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه (8) العجز: مؤخر الشئ، والكاهل: مقدم اعلى الظهر مما يلى العنق (9) المعطس: الانف (10) القعب: القدح، والدم العبيط: الخالص الطرى (11) الغب: المعاقبة ؟ ؟
[ 149 ]
انفسا، واطمأنوا للفتنة جاشا، وابشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين: يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم ! وانى بكم وقد عميت عليكم ! انلزمكموها وانتم لها كارهون. قال سويد بن غفلة فاعادت النساء: قولها عليها السلام على رجالهن فجاء إليها: قوم من المهاجرين والانصار متعذرين، وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا لامر قبل ان يبرم العهد، ويحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره، فقالت عليها السلام: إليكم عني فلا عذر بعد تعذير كم، ولا امر بعد تقصيركم احتجاج سلمان الفارسى رضى الله عنه (1) في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله على القوم لما تركوا أمير المؤمنين (ع) واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال: خطب الناس سلمان الفارسي
(1) أبو عبد الله سلمان الفارسى أو المحمدى ويلقب ايضا بسلمان الخير اصله من رامهرمز وقيل من اصفهان من بلدة يقال لها: جى. كان من اوصياء عيسى عليه السلام، وهذا هو السبب الذى جعل امير المؤمنين عليه السلام يحضر عنده بالمدائن حين حضرته الوفاة، ويتولى تغسيله بيده الشريفة، إذ أن الوصي لا يغسله الا وصى مثله. هرب سلمان عليه السلام من فارس لان اهلها كانوا يعبدون النار وصادف ذلك سفر قافلة إلى الشام فذهب معها، ونزل بحمص وكان يجتمع بالقسس والرهبان ويجادلهم في الدين برهة من الزمن. ثم صحب جماعة من التجار وسار معهم قاصدا مكة المكرمة ليحظى بالتشرف بحضرة النبي الامي وصحبته، وكان سلمان عليه السلام يعلم انه سيبعث من هناك لانه كما مر كان -
[ 150 ]
رحمة الله عليه، بعد أن دفن النبي صلى الله عليه واله بثلاثة ايام، فقال فيها:
- من اوصياء عيسى " ع ". واعتدى عليه هؤلاء الذين سار بصحبتهم واساءوا الصحبة فانتهبوا ماكان عنده واسروه ثم باعوه من يهودى في المدينة على انه رق. وبقى عند ذلك اليهودي إلى ان هاجر النبي " ص " إلى المدينة وكان سلمان " ع " كاتب ذلك اليهودي على ان يدفع له مبلغا من المال ليحرره من الرق، فاعانه رسول الله " ص " على ذلك فتحرر. ولما زحف الجيش بقيادة ابى سفيان - لقتل النبي " ص " واصحابه وهدم المدينة على اهلها، في غزوة الاحزاب - اشار سلمان بحفر الخندق، فقال أبو سفيان لما رآه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. وكان إذا قيل له ابن من انت ؟ يقول انا سلمان بن الاسلام، انا من بنى آدم. وقد روى عن رسول الله " ص " من وجوه انه قال: لو كان الدين في الثريا لناله سلمان، وفي رواية اخرى لناله رجل من فارس وروى عنه " ص " انه قال: " ان الله يحب من اصحابي اربعة - فذكره منهم " وقال " ص ": " ثلاثة تشتاق إليهم الحور العين: على، وسلمان، وعمار " وعن انس بن مالك قال: قال رسول الله " ص ": " انا سابق ولد آدم، وسلمان سابق اهل فارس ". وعنه ايضا: سمعت رسول الله " ص " يقول: " ان الجنة تشتاق إلى اربعة: على وسلمان، وعمار، والمقداد ". ودخل ذات يوم مجلس رسول الله " ص " فوجد وجهاء قريش فتخطاهم وجلس في صدر المجلس، فغلى الدم في عروقهم، وقال له بعضهم: " من انت حتى تتخطانا ؟ " وقال له آخر: " ما حسبك ونسبك ؟ ! ".
قال سلمان انا ابن الاسلام، كنت عبدا فاعتقني الله بمحمد " ص " ووضيعا فرفعني بمحمد " ص " وفقيرا فأغناني بمحمد " ص " فهذا حسبى ونسبي. فقال رسول الله " ص ": صدق سلمان، صدق سلمان، من اراد ان ينظر إلى رجل نور الله قلبه بالايمان، فلينظر إلى سلمان.
[ 151 ]
ألا يا ايها الناس: اسمعوا عنى حديثى، ثم اعقلوه عني، ألا وانى اوتيت علما كثيرا، فلو حدثتكم بكل ما اعلم من فضايل امير المؤمنين عليه السلام، لقالت طائفة منكم: هو مجنون، وقالت طائفة اخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان، الا ان لكم منايا، تتبعها بلايا، الا وان عند علي عليه السلام، علم المنايا، والبلايا، وميراث الوصايا وفصل الخطاب، واصل الانساب، على منهاج هارون بن عمران من موسى عليهما السلام إذ يقول له رسول الله صلى الله عليه واله: انت وصيى في اهل بيتي، وخليفتي في امتي، وانت مني بمنزلة هارون من موسى، ولكنكم اخذتم سنة بنى اسرائيل، فأخطأتم الحق فانتم تعلمون ولا تعلمون، أما والله لتركبن طبقا عن طبق، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة اما والذى نفس سلمان بيده: لو وليتموها عليا لاكلتم من
- وتنافس المهاجرون والانصار كل يقول: " سلمان منا " فقال رسول الله " ص " " بل سلمان منا اهل البيت ". وروى عن أبى الأسود الدؤلى قال: كنا عند على ذات يوم فقالوا: يا امير المؤمنين " ع " حدثنا عن سلمان ". قال " ع ": من لكم بمثل لقمان الحكيم، ذلك امرؤ منا اهل البيت ادرك العلم الاول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الاول والكتاب الآخر، بحر لا ينزف. ولى المدائن في عهد عمر بن الخطاب، وكان يسف الخوص وهو امير عليها ويبيعه ويأكل منه، ويقول: لا احب ان آكل الا من عمل يدى.
وتوفى في المدائن سنة 36، وقيل 37، وقيل بل 33. ولما حضرته الوفاة بكى فقيل ما يبكيك ؟ قال: عهد عهده الينا رسول الله " ص " قال: " ليكن بلاغ احدكم كزاد الراكب " فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا الا اكافا ووطاء ومتاعا، قوم نحوا من عشرين درهما. راجع صفة الصفوة ج 1 ص 210 تهذيب التهذيب ج 4 ص 137 اسد الغابة ج 2 ص 328 تنقيح المقال ج 2 ص 45 وكتاب نفس الرحمان في اخبار سلمان والمجلد الرابع من ابن ابى الحديد وكتاب مع علماء النجف الاشرف.
[ 152 ]
فوقكم، ومن تحت اقدامكم، ولو دعوتم الطير لاجابتكم في جو السماء، ولو دعوتم الحيتان من البحار لاتتكم، ولما عال (1) ولي الله، ولا طاش لكم سهم من فرائص الله (2) ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولكن ابيتم فوليتموها غيره فابشروا بالبلايا، واقنطوا من الرخاء، وقد نابذتكم على سواء، فانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء. عليكم بآل محمد عليهم السلام، فانهم القادة إلى الجنة، والدعاة إليها يوم القيامة. عليكم بأمير المؤمنين علي بن ابى طالب عليه السلام، فوالله لقد سلمنا عليه بالولاية وامرة المؤمنين، مرارا جمة (3) مع نبينا، كل ذلك يأمرنا به، ويؤكده علينا فما بال القوم ؟ عرفوا فضله فحسدوه، وقد حسد هابيل قابيل فقتله، وكفارا قد ارتدت امة موسى بن عمران، فأمر هذه الامة كامر بني اسرائيل، فأين يذهب بكم ايها الناس ويحكم ما لنا وابو فلان وفلان ؟ ! أجهلتم أم تجاهلتم ؟ ام حسدتم ام تحاسدتم ؟ والله لترتدن كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، يشهد الشاهد على الناجى بالهلكة، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة، ألا واني اظهرت امرى، وسلمت لنبيى، واتبعت مولاى ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليا امير المؤمنين عليه السلام
وسيد الوصيين، وقائد الغر المحجلين، وامام الصديقين، والشهداء والصالحين.
(1) عال: افتقر. (2) طاش إليهم: مال عن الهدف. (3) جمة: كثيرة
[ 153 ]
احتجاج لابي بن كعب (1) على القوم مثل ما احتج به سلمان رضى الله عنه. عن محمد ويحيى (2 - 3) ابني عبد الله بن الحسن عن ابيهما عن جدهما عن علي بن ابى طالب عليه السلام قال، لما خطب أبو بكر قام إليه أبى بن كعب وكان يوم الجمعة اول يوم من شهر رمضان وقال:
(1) ابى بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار. عده الشيخ رحمه الله في رجاله بهذا العنوان من اصحاب رسول الله " ص " وقال يكنى ابا المنذر شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحى آخى رسول الله " ص " بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدرا والعقبة وبايع لرسول الله " ص ". ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ما في الخلاصة في قسم المعتمدين وكذا في رجال ابن داود، وعن المجالس ما يظهر منه جلالته واخلاصه لاهل البيت.. وقال العلامة الطبا طبائى: انه من الاثنى عشر الذين انكروا على ابى بكر تقدمه وجلوسه في مجلس رسول الله " ص " قال له، يا ابا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولا تكن اول من عصى رسول الله " ص " في وصيته، واول من صدف عن امره، ورد الحق إلى اهله تسلم، ولا تتمادى في غيك تستندم، وبادر بالانابة يخف وزنك، ولا تخصص بهذا الامر الذى لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما انت
فيه، وتصير إلى ربك فيسألك عما جئت وما ربك بظلام للعبيد، وعن تقريب بن حجر متصلا بنسبه المذكور ما لفظه: الانصاري الخزرجي، أبو المنذر سيد القراء، يكنى ابا الطفيل، ايضا من فضلاء الصحابة، مات في زمن عمر فقال عمر: مات اليوم سيد المسلمين، شهد العقبة مع السبعين. ج 1 ص 44 من رجال المامقانى. (2 - 3) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب (ع) ذو النفس الزكية، ويكنى ابا عبد الله، وقيل ابا القاسم. ولد سنة (100) وقتل سنة (145). بايعه المنصور مع جماعة من بنى هاشم، فلما بويع لبنى العباس اختفى محمد وابراهيم -
[ 154 ]
يا معشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضات الله، واثنى الله عليهم في القرآن
- مدة خلافة العباس، فلما ملك المنصور وعلم انهما على عزم الخروج عليه جد في طلبهما وقبض على ابيهما كما مر ذلك في هامش ص 131. واتيا اباهما وهو في السجن فقالا له يقتل رجلان من آل محمد خير من ان يقتل ثمانية، فقال لهما: ان منعكما أبو جعفر ان تعيشا كريمين فلا يمنعكما ان تموتا كريمين ولما عزم محمد على الخروج، واعد اخاه ابراهيم على الظهور في يوم واحد، وذهب محمد إلى المدينة، وابراهيم إلى البصرة، فاتفق ان ابراهيم مرض، فخرج اخوه بالمدينة وهو مريض بالبصرة، ولما خلص من مرضه وظهر اتاه خبر اخيه انه قتل وهو على المنبر فقال سأبكيك بالبيض الصفاح وبالقنا * فان بها ما يدرك الطالب الوترا ولست كمن يبكى اخاه بعبرة * يعصرها من ماء مقلته عصرا ولكن اروى النفس منى بغارة * تلهب في قطرى كتابتها جمرا وانا اناس لا تفيض دموعنا * على هالك منا وان قصم الظهرا ولما بلغ المنصور خروج محمد بن عبد الله خلا ببعض اصحابه فقال له، ويحك !
قد ظهر محمد فماذا ترى ؟ فقال: واين ظهر ؟ قال، بالمدينة، فقال: غلبت عليه ورب الكعبة، وقال: وكيف ؟ ! قال لانه خرج بحيث لا مال ولا رجال، فعالجه بالحرب فارسل إليه عيسى بن موسى بن على بن عبد الله بن العباس في جيش كثيف، فحاربهم محمد خارج المدينة وتفرق اصحابه عنه حتى بقى وحده فلما احس بالخذلان دخل داره وامر بالتنور فسجر، ثم عمد إلى الدفتر الذى اثبت فيه اسماء الذين بايعوه فالقاه في التنور فاحترق ثم خرج فقاتل حتى قتل باحجار الزيت ومن هنا لقب بذى النفس الزكية لانه صدق عليه ماروى عن النبي " ص " انه قال: " تقتل باحجار الزيت من ولدى نفس زكية ". راجع عمدة الطالب ص 89، ومقاتل الطالبيين ص 232. ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب " ع ". " صاحب الديلم " الشهيد، ويكنى ابا الحسن، وامه قريبة بنت عبد الله. كان مقدما في اهل بيته، بعيدا مما يعاب على مثله. وقد روى الحديث واكثر الرواية عن جعفر بن محمد (ع) وروى عن ابيه وعن اخيه محمد راجع رجال ابن داود ص 139 مقاتل الطالبيين ص 337.
[ 155 ]
ويا معشر الانصار الذين تبوؤا الدار والايمان، واثنى الله عليهم في القرآن، تناسيتم ام نسيتم، ام بدلتم، ام غيرتم، ام خذلتم، ام عجزتم ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قام فينا مقاما اقام في عليا فقال: " من كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا ومن كنت نبيه فهذا اميره " ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: " يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدى كطاعتي في حياتي غير أنه لانبي بعدي " ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: " اوصيكم باهل بيتي خيرا فقدموهم ولا تقدموهم، وامروهم ولا تأمروا عليهم " ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال " اهل بيتي منار الهدى، والدالون على الله " ؟ أو لستم
تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لعلي عليه السلام: " انت الهادى لمن ضل " ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال " علي المحيى لسنتي " ومعلم امتي، والقائم بحجتي وخير من اخلف من بعدي، وسيد اهل بيتي، واحب الناس الي طاعته كطاعتي على امتي " ؟ ألستم تعلمون أنه لم يول على علي احدا منكم وولاه في كل غيبته عليكم ؟ ألستم تعلمون انه كان منزلهما في اسفارهما واحدا وارتحالهما واحد ؟ ألستم تعلمون أنه قال: " إذا غبت فخلفت عليكم عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي " ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة عليها السلام فقال لنا: ان الله اوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ اخا من اهلك فاجعله نبيا، واجعل اهله لك ولدا، اطهرهم من الافات، واخلصهم من الريب فاتخذ موسى هارون اخا، وولده أئمة لبني اسرائيل من بعده، الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى، وأن الله تعالى اوحى إلى ان اتخذ عليا اخا، كما ان موسى اتخذ هارون اخا، واتخذ ولده ولدا، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون، الا اني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك " فهم الائمة الهادية، أفما تبصرون أفما تفهمون أفما تسمعون ؟ ! ضربت عليكم الشبهات، فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد، حتى خشى أن يهلك، فلقى رجلا هاديا في الطريق، فسأله عن الماء، فقال له: أمامك عينان: احديهما مالحة، والاخرى
[ 156 ]
عذبة، فان اصبت المالحة ضللت، وان اصبت العذبة هديت ورويت، فهذا مثلكم ايتها الامة المهملة كما زعمتم، وايم الله ما اهملتم، لقد نصب لكم علم، يحل لكم الحلال، ويحرم عليكم الحرام، ولو اطعتموه ما اختلفتم، ولا تدابرتم، ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض، فوالله انكم بعده لناقضون عهد رسول الله صلى الله عليه واله، وانكم على عترته لمختلفون، وان سئل هذا عن غير ما يعلم افتى برأيه، فقد ابعدتم،
وتخارستم وزعمتم ان الخلاف رحمة، هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم، يقول الله تعالى جده (1): " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جائتهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم (2) " ثم اخبرنا باختلافكم، فقال سبحانه: " ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم (3) " أي: للرحمة وهم آل محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: يا علي أنت وشيعتك على الفطرة، والناس منها براء، فهلا قبلتم من نبيكم كيف وهو خبركم بانتكاصتكم (4) عن وصيه علي بن أبي طالب وامينه، ووزيره، واخيه، ووليه، دونكم اجمعين. واطهركم قلبا، واقدمكم سلما واعظمكم وعيا، من رسول الله صلى الله عليه واله اعطاه تراثه، واوصاه بعداته، فاستخلفه على امته، ووضع عنده سره، فهو وليه دونكم اجمعين، واحق به منكم اكتعين (5) سيد الوصيين، ووصي خاتم المرسلين، افضل المتقين، واطوع الامة لرب العالمين سلمتم عليه بامرة المؤمنين، في حياة سيد النبيين، وخاتم المرسلين، فقد اعذر من انذر، وادى النصيحة من وعظ وبصر من عمى، فقد سمعتم كما سمعنا، ورأيتم كما رأينا، وشهدتم كما شهدنا. فقام إليه عبد الرحمن بن عوف، وابو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل فقالوا يا أبى أصابك خبل ؟ أم بك جنة ؟ فقال: بل الخبل فيكم، والله كنت عند رسول الله صلى الله عليه واله يوما فالفيته يكلم رجلا أسمع كلامه ولا أرى شخصه، فقال فيما
(1) جده: عظمته. (2) آل عمران 105. (3) هود 118. (4) أي برجوعكم القهقرى. (5) اكتعين: كلكم.
[ 157 ]
يخاطبه: ما أنصحه لك ولامتك ! واعلمه بسنتك ! فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أفترى أمتى تنقاد له من بعدى ؟ قال: يا محمد يتبعه من امتك ابرارها، ويخالف عليهم من
امتك فجارها، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك، يا محمد ان موسى بن عمران اوصى إلى يوشع بن نون، وكان أعلم بنى اسرائيل واخوفهم لله، واطوعهم له، فأمره الله عزوجل ان يتخذه وصيا كما اتخذت عليا وصيا، وكما امرت بذلك، فحسده بنو اسرائيل، سبط موسى خاصة، فلعنوه، وشتموه، وعنفوه، ووضعوا له، فان اخذت امتك سنن بني اسرائيل كذبوا وصيك، وجحدوا امرته، وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه، فقلت: يارسول الله من هذا ؟ فقال رسول لله صلى الله عليه واله: " هذا ملك من ملائكة ربي عزوجل، ينبئني أن امتى تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه السلام، واني اوصيك يا أبي بوصية، ان حفظتها لم تزل بخير يا ابي عليك بعلي، فانه الهادى المهدى، الناصح لامتي، المحيى لسنتي، وهو امامكم بعدى، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يا أبي ومن غير أو بدل لقيني ناكثا لبيعتي، عاصيا امرى، جاحدا لنبوتي، لااشفع له عند ربي، ولا اسقيه من حوضي " فقامت إليه رجال من الانصار فقالوا: " اقعد رحمك الله يا أبى، فقد اديت ما سمعت الذى معك ووفيت بعهدك ". احتجاج امير المؤمنين (ع) على أبى بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له. عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهم السلام، قال: لما كان من امر أبى بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض فكبر ذلك على ابى بكر، واحب لقائه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه وتقليدهم اياه امر الامة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه. أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة، فقال: يا أبا الحسن والله ما كان هذا
[ 158 ]
الامر عن مواطاة مني ولا رغبة فيما وقعت عليه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما
تحتاج إليه الامة ولا قوة لى بمال ولا كثرة لعشيرة ولا استيثار به دون غيرى فما لك تضمر علي ما لم استحقه منك وتظهر لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر الي بعين الشنآن ؟ قال: فقال امير المؤمنين عليه السلام: فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا اثقت بنفسك في القيام به ؟ ! قال: فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله: " ان الله لا يجمع امتي على ضلال " ولما رأيت اجماعهم اتبعت قول النبي صلى الله عليه واله، واحلت ان يكون اجماعهم على خلاف الهدى من ضلال، فاعطيتهم قود الاجابة، ولو علمت أن احدا يتخلف لامتنعت. فقال علي عليه السلام: اما ما ذكرت من قول النبي صلى الله عليه واله " ان الله لا يجمع امتي على ضلال " فكنت من الأمة ام لم اكن ؟ قال: بلى. قال: وكذلك العصابة الممتنعة عنك: من سلمان، وعمار، وابى ذر، والمقداد، وابن عبادة، ومن معه من الانصار. قال: كل من الأمة قال علي عليه السلام: فكيف تحتج بحديث النبي وامثال هؤلاء قد تخلفوا عنك ؟ ! وليس للامة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول لصحبته منهم تقصير، قال: ما علمت بتخلفهم الا بعد ابرام الامر، وخفت ان قعدت عن الامر ان يرجع الناس مرتدين عن الدين، وكان ممارستهم الي إن اجبتهم أهون مؤنة على الدين وابقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعون كفارا، وعلمت أنك لست بدوني في الابقاء عليهم وعلى اديانهم. فقال علي عليه السلام: أجل ولكن اخبرني عن الذى يستحق هذا الامر بما يستحقه ؟ فقال أبو بكر: بالنصيحة، والوفاء، ودفع المداهنة، وحسن السيرة، واظهار العدل، والعلم بالكتاب والسنة، وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا، وقلة الرغبة فيها، وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد، ثم سكت.
فقال علي عليه السلام: والسابقة، والقرابة.
[ 159 ]
فقال أبو بكر: والسابقة والقرابة. فقال علي عليه السلام: انشدك بالله يا ابا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في فقال أبو بكر: بل فيك يا ابا الحسن. قال: فانشدك بالله انا المجيب لرسول الله صلى الله عليه واله قبل ذكران المسلمين (1) ام انت ؟ قال: بل انت. قال عليه السلام: فانشدك بالله، انا صاحب الاذان لاهل الموسم والجمع الاعظم للامة بسورة براءة (2) ام انت ؟ قال: بل انت.
(1) في " ذخائر العقبى ": عن زيد بن ارقم قال: " كان اول من اسلم على بن ابى طالب ". وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: " على اول من اسلم بعد خديجة ". وذكر الحجة الاميني في ج 3 من كتاب الغدير ص 219 مائة حديث من طرق مختلفة، رواها ائمة الحديث وحفاظه، في ان عليا اول من اسلم. وروى محب الدين الطبري في " ذخائر العقبى " عن عمر بن الخطاب قال: " كنت انا وابو عبيدة وابو بكر وجماعة، إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله منكب على بن ابى طالب فقال: " يا على انت اول المؤمنين ايمانا، وانت اول المسلمين اسلاما، وانت منى بمنزلة هارون من موسى " وبعد ان نقل عدة روايات في الموضوع اعقبها بقوله: وقد وردت احاديث في ان ابا بكر اول من اسلم وهي محمولة على انه اول من اظهر اسلامه، وعلى (ع) اول من بدر إلى الاسلام. ذخائر العقبى ص 58 (2) عن ابى سعيد وابى هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله ابا بكر على الحج فلما بلغ ضجنان، سمع بغام ناقة علي، فعرفه فأتاه، فقال: ما شأنك ؟ فقال:
خيرا، ان رسول الله صلى الله عليه وآله بعثنى ببرائة. فلما رجعا، انطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يارسول الله مالى ؟ قال: خيرا انت صاحبي في الغار، غير انه لا يبلغ عنى غيرى أو رجل منى يعنى عليا: اخرجه أبو حاتم.
[ 160 ]
قال: فانشدك بالله انا وقيت رسول الله صلى الله عليه واله بنفسي يوم الغار (1) ام انت ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلى الله عليه واله يوم الغدير (2) ام انت ؟ قال: بل انت
- وفى رواية عنده من حديث جابر: ان ابا بكر قال له: امير ام رسول ؟ فقال: بل رسول، ارسلني رسول الله صلى الله عليه وآله ببرائة اقرؤها على الناس في مواقف الحج. وفى رواية من حديث احمد عن على ان النبي صلى الله عليه وآله لما راجعه أبو بكر قال له: " جبريل جائنى فقال: لن يؤدى عنك الا انت أو رجل منك " عن ذخائر العقبى ص 96 وذكر الشيخ الاميني في ج 6 من الغدير ص 338 (73) مصدرا قدم لها بقوله: " هذه الاثارة اخرجها كثير من ائمة الحديث وحفاظه بعدة طرق صحيحة يتأتى التواتر باقل منها، عند جمع من القوم، واليك امة ممن اخرجها،.. الخ (1) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما اراد الهجرة خلف على بن ابى طالب (ع) بمكة لقضاء ديونه ورد الودايع التى كانت عنده، وامره ليلة خرج إلى الغار - وقد احاط المشركون بالدار - ان ينام على فراشه، وقال له: " اتشح ببردى الحضرمي الاخضر، فانه لا يخلص اليك منهم مكروه ان شاء الله تعالى، ففعل ذلك فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل (ع): انى اخيت بينكما، وجعلت عمر احدكما اطول من عمر الاخر، فايكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما الحياة، فأوحى الله عزوجل اليهما: افلا كنتما
مثل على بن ابى طالب، آخيت بينه وبين نبيى محمد صلى الله عليه وآله فبات على فراشه، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الارض، فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأس على وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادى: - خ - خ من مثلك يابن ابى طالب يباهى الله عزوجل به الملائكة ؟ ! فانزل الله عزوجل إلى رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي (ومن الناس من يشر نفسه ابتغاء مرضات الله) اسد الغابة ج 4 ص 95 (2) مر في ص 66 من هذا الكتاب حديث الغدير كما اشير في الهامش إلى ما ذكره الحجة الاميني في الجزء الاول من (كتاب الغدير) من عدد رواته من الصحابة والتابعين ومن أئمة الحديث وحفاظه والاساتذة وما استعرضه من اسماء من الفو فيه من الفريقين -
[ 161 ]
قال فانشدك بالله ألي الولاية من الله مع رسوله في آية الزكاة بالخاتم (1)
- كتبا مستقلة فبلغ عددهم (26) مؤلفا. وبالمناسبة احببنا ذكر ما نقله صاحب ينابيع المودة في ص 26 منه إذ قال: حكى العلامة على بن موسى، وعلى بن محمد ابى المعالى الجوينى الملقب بامام الحرمين، استاذ ابى حامد الغزالي يتعجب ويقول: رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوبا عليه المجلد الثامنة والعشرون من طرق قوله صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فعلى مولاه ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون. انتهى. وفى واقعة الغدير هذه يقول حسان بن ثابت - بعد ان استأذن النبي صلى الله عليه وآله فاذن له -: يناديهم يوم الغدير نبيهم * يخم واسمع بالنبي مناديا وقد جاء جبرئيل عن امر ربه * بانك معصوم فلاتك وانيا وبلغهم ما انزل الله ربهم * اليك ولا تخش هناك الاعاديا فقام به إذ ذاك رافع كفه * بكف على معلن الصوت عاليا
فقال: فمن مولاكم ووليكم ؟ * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وانت ولينا * ولن تجدن فينالك اليوم عاصيا فقال له: قم يا على فانني * رضيتك من بعدى اماما وهاديا (فمن كنت مولاه فهذا وليه) * فكونوا له انصار صدق مواليا هناك دعا: اللهم وال وليه * وكن للذى عادى عليا معاديا فيا رب انصر ناصريه لنصرهم * امام هدى كالبدر يجلو الدياجيا ويقول - مشيرا إليها - قيس بن سعد بن عبادة: وعلى امامنا وامام لسوانا اتى به التنزيل يوم قال النبي: من كنت مو * لاه فهذا خطب جليل انما قاله النبي على الامة * حتم ما فيه قال وقيل (1) عن انس بن مالك: ان سائلا أتى المسجد وهو يقول: (من يقرض الملى الوفى) وعلى عليه السلام راكع، يقول بيده خلفه للسائل أي اخلع الخاتم من يدى قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمر وجبت. قال: بابى انت وامى يارسول الله، ما وجبت ؟
[ 162 ]
ام لك ؟ قال: بل لك. قال فانشدك بالله ألي الوزارة مع رسول الله صلى الله عليه واله والمثل من هارون من موسى (1) ام لك ؟ قال: بل لك.
- قال وجبت له الجنة والله وما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب ومن كل خطيئة قال: فما خرج احد من المسجد حتى نزل جبرئيل بقوله عزوجل: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). ذكر الاميني في ج 3 من الغدير ص (156 - 162) 66 طريقا ممن رواه من الحفاظ والثقاة من الرواة.
ولحسان بن ثابت: ابا حسن تفديك نفسي ومهجتي * وكل بطئ في الهدى ومسارع ايذهب مدحى والمحبين ضايعا * وما المدح في ذات الأله بضائع فانت الذى اعطيت إذ انت راكع * فدتك نفوس القوم ياخير راكع بخاتمك الميمون ياخير سيد * وياخير شار ثم ياخير بايع فانزل فيك الله خير ولاية * وبينها في محكمات الشرايع (1) ان قول النبي " ص " لعلى انت منى بمنزلة هارون من موسى قد تكرر منه " ص " في مناسبات شتى، ففى حديث تبوك عندما قال على " ع " يارسول الله تخلفنى في النساء والصبيان ؟ ! قال: أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لانبى بعدى. الصواعق المحرقة ص 119. وحين آخى النبي " ص " بين اصحابه. فقال على " ع " آخيت بين اصحابك ولم تؤاخ بينى وبين أحد فقال: والذى بعثنى بالحق نبيا ما اخرتك الا لنفسي فانت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى ينابيع المودة ص 56. وعن عبد الله بن عباس: سمعت عمر وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الاسلام فقال عمر: اما على فسمعت رسول الله " ص " يقول فيه ثلاث خصال، لوددت ان تكون لى واحدة منهن، وكانت احب إلى مما طلعت عليه الشمس، كنت انا وابو عبيدة وابو بكر وجماعة من اصحابه: إذ ضرب " ص " على منكب على رضي الله عنه فقال له -
[ 163 ]
قال فانشدك بالله أبي برز رسول الله صلى الله عليه واله وباهلي وولدي في مباهلة المشركين ام بك وباهلك وولدك (1) ؟ قال: بل بكم. قال فانشدك بالله ألي ولاهلي وولدى آية التطهير من الرجس ام لك ولاهل
- يا على انت اول المؤمنين ايمانا، واول المسلمين اسلاما، وانت منى بمنزلة هارون
من موسى. شرح النهج لابن ابى الحديد ج 3 ص 258 وعن سعد بن ابى وقاص: ان النبي " ص " قال لعلى: " انت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى " اخرجه البخاري ومسلم. ذخائر العقبى ص 63. وعن اسماء بنت عميس رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله " ص " يقول: " اللهم انى اقول كما قال اخى موسى واجعل لى وزيرا من اهلي اخى عليا اشدد به ازرى واشركه في امرى كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا " اخرجه احمد في المناقب ذخائر العقبى ص 63 إلى غير ذلك من المواطن المتعددة. (1) وقد رويت هذه القصة على وجوه عن جماعة من التابعين واخرج الحاكم وصححه وابن مردوية وابو نعيم في الدلائل عن جابر قال: قدم على النبي " ص " العاقب والسيد، فدعاهما إلى الاسلام، فقالا اسلمنا يا محمد فقال كذبتما ان شئتما اخبرتكما ما يمنعكما من الاسلام قالا فهات ؟ ! قال حب الصليب، وشرب الخمر، واكل لحم الخنزير قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على الغد فغدا رسول الله " ص " واخذ بيد على وفاطمة والحسن والحسين، ثم ارسل اليهما فابيا ان يجيباه واقرا له، فقال: والذى بعثنى بالحق لو فعلا، لا مطر الوادي عليهما نارا. قال جابر فيهم نزلت: " تعالوا ندع ابنائنا " الاية. قال جابر: " انفسنا وانفسكم " رسول الله " ص " وعلى و " ابنائنا " الحسن والحسين، و " نسائنا " فاطمة ورواه ايضا الحاكم من وجه آخر عن جابر وصححه. واخرج مسلم. والترمذي. وابن منذر. والحاكم. والبيهقي. عن سعد بن ابى وقاص قال: لما نزلت هذه الآية " قل تعالوا " دعا رسول الله " ص " عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: " اللهم هؤلاء اهلي ". عن الفتح القدير للشوكاني في تفسير قوله تعالى: (تعالوا ندع)
[ 164 ]
بيتك (1) ؟ قال: بل لك ولاهل بيتك. قال فانشدك بالله انا صاحب دعوة رسول الله صلى الله عليه واله واهلي وولدي يوم الكساء " اللهم هؤلاء اهلي اليك لا إلى النار (2) " ام انت ؟ قال: بل انت واهلك وولدك قال فانشدك بالله انا صاحب آية " يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره
(1) اخرج احمد عن ابى سعيد الخدرى انها نزلت في خمسة: النبي صلى الله عليه وآله وعلى وفاطمة. والحسن. والحسين. واخرجه ابن جرير مرفوعا بلفظ: انزلت هذه الآية في خمسة: في وفى على والحسن والحسين وفاطمة. واخرجه الطبراني ايضا. عن الصواعق المحرقة " لابن حجر ": ص 141 وفى ينابيع المودة ص " 107 ": حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا محمد بن سليمان الاصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطا عن عمر بن ابى سلمة ربيب النبي " ص " قال: نزلت " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا " في بيت ام سلمه، فدعى النبي " ص " عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فجللهم بكساء، ثم قال: " اللهم هؤلاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " قالت ام سلمة. " وانا معهم يا نبى الله ؟ " قال: " انت على مكانك وانت إلى خير ". وفى ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص 22: عن انس بن مالك ان رسول الله " ص " كان يمر بباب فاطمة ستة اشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: " الصلاة يا اهل بيتى - انما يريد الله - الآية ". اخرجه احمد وعن ابى الحمراء قال صحبت رسول الله " ص " تسعة أشهر فكان إذا اصبح اتى على باب على وفاطمة وهو يقول: " يرحمكم الله - انما يريد الله - الآية ". اخرجه عبد بن حميد. (2) عن ام سلمة قالت: بينما رسول الله " ص " في بيته يوما إذ قالت الخادم:
" ان عليا وفاطمة بالسدة " قالت: فقال لى: " قومي فتنحى عن اهل بيتى، قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا، فدخل على وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران، فاخذ الصبيين فوضعهما في حجره وقبلهما واعتنق باحدى يديه عليا وفاطمة بالاخرى، وقبل فاطمة وقبل عليا، فاغدق عليهم خميصة سوداء، ثم قال: " اللهم -
[ 165 ]
مستطيرا (1) ام انت ؟ قال: بل انت.
- اليك لا إلى النار انا واهل بيتى " قالت: قلت وانا يارسول الله عليك، قال وانت. اخرجه احمد، وخرج الدولابى معناه مختصرا. عن ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص 21 - 22 (1) ينابيع المودة ص 93 قال: ايضا الحموينى اخرجه عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا) قال: مرض الحسن والحسين رضى الله عنهما فعادهما جدهما صلى الله عليه وآله وعادهما بعض الصحابة، فقالوا: (يا ابا الحسن لو نذرت على ولديك) فقال على رضى الله عنه: ان برأ ولداى مما بهما، صمت لله ثلاثة ايام شكرا الله، وقالت فاطمة رضى الله عنها مثل ذلك، وقالت جارية يقال لها فضة مثل ذلك، وقال الصبيان نحن نصوم ثلاثة ايام فالبسهما الله العافية:، وليس عندهم قليل ولا كثير، فانطلق على رضى الله عنه إلى رجل من اليهود يقال له: (شمعون بن حابا) فقال له: (هل تؤتينى جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد صلى الله عليه وآله بثلاثة اصواع من شعير) قال: نعم فاعطاه، ثم قامت فاطمة رضى الله عنها إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة اقراص لكل واحد منهم قرص وصلى على رضى الله عنه مع النبي صلى الله عليه وآله المغرب، ثم اتى فوضع الطعام بين يديه، إذ اتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم يا اهل بيت محمد " ص " انا مسكين اطعموني شيئا
فاعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح. وفى الليلة الثانية اتاهم يتيم فقال: اطعموني فاعطوه الطعام، وفى الليلة الثانية اتاهم اسير فقال: اطعموني فاعطوه ومكثوا ثلاثة ايام ولياليها لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح، فلما ان كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم، اخذ على بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين رضى الله عنهم، واقبل نحوهم رسول الله صلى الله عليه وآله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما ابصرهم صلى الله عليه وآله انطلق إلى ابنته فاطمة رضى الله عنها فانطلقوا إليها وهى في محرابها تصلى وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها - فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (واغوثاه اهل بيت محمد يموتون جوعا) فهبط جبرئيل عليه السلام فأقرأه: (هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) إلى آخر السورة وهذا الخبر مذكور -
[ 166 ]
قال فانشدك بالله انت الذي ردت عليه الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت ام انا (1) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الفتى نودى من السماء " لا سيف الا ذو الفقار ولافتى
- في تفسير البيضاوى، وروح البيان، والمسامرة. اقول: وذكر الحجة الاميني في ج 3 من الغدير ص 107 - 111 من رواة هذا الحديث (34) طريقا فراجع. (1) جاء في ينابيع المودة ص 137 - 138. وفى كتاب الارشاد أن ام سلمة واسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وابا سعيد الخدرى وغيرهم من جماعة الصحابة (رض) قالوا: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان في المنزل فلما تغشاه الوحى توسد فخذ على فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس، وصلى على صلاة العصر بالايماء، فلما افاق النبي صلى الله عليه وآله قال: (اللهم اردد الشمس لعلى فردت عليه الشمس حتى صارت في السماء وقت العصر، فصلى على العصر، ثم غربت.
فأنشأ حسان بن ثابت: يا قوم من مثل على وقد * ردت عليه الشمس من غائب اخو رسول الله وصهره * والاخ لا يعدل بالصاحب قال الحجة الاميني: في ج 3 من الغدير ص (127): ان حديث رد الشمس اخرجه جمع من الحفاظ الاثبات، باسانيد جمة، صحح جمع من مهرة الفن بعضها، وحكم آخرون بحسن آخر، وشدد جمع منهم النكير على من غمز فيه وضعفه، وهم الابناء الاربعة حملة الروح الاموية الخبيثة ألا وهم: ابن حزم. ابن الجوزى. ابن تيمية. ابن كثير. وجاء آخرون من الاعلام وقد عظم عليهم الخطب بانكار هذه المأثرة النبوية، والمكرمة العلوية الثابتة فافردوها بالتأليف وجمعوا فيه طرقها واسانيدها. وعد منهم (9) ثم قال: ولا يسعنا ذكر تلكم المتون وتلكم الطرق والاسانيد إذ يحتاج إلى تأليف ضخم يخص به غير انا نذكر نماذج ممن اخرجه من الحفاظ والاعلام بين من ذكره من غير غمز فيه، وبين من تكلم حوله وصححه، وفيها مقنع وكفاية وعد من ذلك (19) سندا فراجع.
[ 167 ]
الا علي " (1) ام انا ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الذي حباك رسول الله صلى الله عليه واله برايته يوم خيبر، ففتح الله له ام انا (2) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الذي نفست عن رسول الله وعن المسلمين بقتل عمرو بن
(1) وذلك في غزوة (احد) ذكر الطبري في ج 3 ص 17 عن عبيد الله بن ابى رافع قال: لما قتل على بن ابى طالب اصحاب الالوية ابصر رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من مشركي قريش فقال لعلى: (احمل عليهم) فحمل عليهم ففرق جمعهم، وقتل
عمرو بن عبد الله الجمحى قال: ثم ابصر رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من مشركي قريش فقال لعلى: احمل عليهم، فحمل عليهم، ففرق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك احد بنى عامر بن لؤى، فقال جبريل: يارسول الله ان هذا للمواسات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انه منى وانا منه فقال جبريل: وانا منكما: قال: فسمعوا صوتا: لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا على واخرج ابن هشام في سيرته ج 3 ص 52 عن ابن ابى نجيح قال: نادى مناد من السماء لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا على قال حسان بن ثابت: جبريل نادى معلنا * والنقع ليس بمنجلى والمسلمون قد احدقوا * حول النبي المرسل لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا على (2) عن سهل بن سعد ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لاعطين غدا الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه قال فبات الناس يدوكون ليلتهم ايهم يعطى. فلما اصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم يرجو ان يعطاها فقال صلى الله عليه وآله: اين على بن ابى طالب فقالو يشتكى عينيه يارسول الله صلى الله عليه وآله قال: فارسلوا إليه. فلما جاء بصق صلى الله عليه وآله في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع واعطاه الراية فقال على: يارسول الله اقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ قال: انفذ على رسلك -
[ 168 ]
عبدود ام انا (1) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الذى ائتمنك رسول الله صلى الله عليه واله على رسالته إلى الجن (2) فأجابت ام انا ؟ قال: بل انت.
- حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الاسلام واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لئن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من ان يكون لك حمر النعم. اخرجه البخاري ومسلم. ذخائر العقبى (1) وكان عمرو بن عبدود قد قاتل يوم بدر حتى اثبتته الجراحة فلم يشهد يوم احد، فلما كان يوم الخندق، خرج معلما ليرى مكانه وقف هو وخيله قال من يبارز، فبرز له على بن ابى طالب فقال له: يا عمرو انك قد كنت عاهدت الله ان لا يدعوك رجل من قريش إلى احدى خلتين الا اخذتها منه، قال له: اجل. قال له على: فانى ادعوك إلى الله والى رسوله والى الاسلام قال: لا حاجة لى بذلك. قال: فانى ادعوك إلى النزال فقال له: لم يابن اخى ؟ فوالله ما احب ان اقتلك. قال له على: ولكني والله احب ان اقتلك فحمى عمرو عند ذلك، فاقحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم اقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله على رضى الله عنه. قال ابن اسحاق: وقال على بن ابى طالب رضوان الله عليه في ذلك: نصر الحجارة من سفاهة رأية * ونصرت رب محمد بصوابى فصدرت حين تركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي وعففت عن اثوابه ولو اننى * كنت المقطر بزنى اثوابي لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الاحزاب (2) ج 6 بحار الانوار ص 315. عيون المعجزات من كتاب الانوار مسندا عن سلمان قال: كان النبي " ص " ذات يوم جالسا بالابطح وعنده جماعة من اصحابه وهو مقبل علينا بالحديث، إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى ان وقفت بحذاء النبي " ص " ثم برز منها شحث كان فيها، ثم قال: يارسول الله " ص " انى وافد قوم وقد استجرنا بك فاجرنا، وابعث معى من قبلك من يشرف على قومنا فان بعضهم قد - (*)
[ 169 ]
قال فانشدك بالله انا الذي طهره الله من السفاح من لدن آدم إلى أبيه بقول رسول
- بغى علينا، ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وكتابه، وخذ على العهود والمواثيق المؤكدة ان ارده اليك في غداة غد سالما الا ان تحدث على حادثة من عند الله، فقال النبي " ص ": من انت ومن قومك. ؟ قال: انا عطرفة بن شمراخ احد بنى نجاح، وانا وجماعة من اهلي كنا نسترق السمع فلما منعنا من ذلك آمنا ولما بعثك الله نبيا آمنا بك، على ما علمته وقد صدقناك وقد خالفنا بعض القوم، واقاموا على ما كانوا عليه فوقع بيننا وبينهم الخلاف، وهم اكثر منا عددا وقوة، وقد غلبوا على الماء والمرعى، واضروا بنا وبدوا بنا، فابعث معى من يحكم بيننا بالحق، فقال له النبي " ص ": فاكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التى انت عليها، قال: فكشف لنا عن صورته فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير، وإذا رأسه طويل، طويل العينين، عيناه في طول رأسه، صغير الحدقتين، وله اسنان كأنها اسنان السباع، ثم ان النبي " ص " اخذ عليه العهد والميثاق على ان يرد عليه في غد من يبعث به معه، فلما فرغ من ذلك التفت إلى ابى بكر فقال: سر مع اخينا عطرفة وانظر إلى ما هم عليه، واحكم بينهم بالحق، فقال: يارسول الله واين هم ؟ قال: هم تحت الارض، فقال أبو بكر وكيف اطيق النزول تحت الارض ؟ وكيف احكم بينهم ولا احسن كلامهم ؟ ثم التفت إلى عمر بن الخطاب فقال له مثل قوله لابي بكر، فأجاب مثل جواب ابى بكر. ثم اقبل على عثمان وقال له مثل قولهما فاجابه كجوابهما. ثم استدعى عليا وقال له: يا على سر مع اخينا عطرفة، وتشرف على قومه، وتنظر إلى ما هم عليه وتحكم بينهم بالحق فقام امير المؤمنين مع عطرفة وقد تقلد سيفه، قال سلمان: فتبعتهما إلى ان صارا إلى الوادي فلما توسطاه نظر إلى امير المؤمنين " ع " وقال قد شكر الله تعالى سعيك يا ابا عبد الله فارجع، فوقفت انظر اليهما، فانشقت الارض ودخلا فيها ورجعت، وتداخلني من
الحسرة ما الله اعلم به كل ذلك اشفاقا على امير المؤمنين واصبح النبي " ص " وصلى بالناس الغداة وجاء وجلس على الصفا وما زال يحدث اصحابه، إلى ان وجبت صلاة العصر واكثر القوم والكلام، واظهروا الياس من امير المؤمنين " ع " فصلى النبي " ص " صلاة العصر وجاء وجلس على الصفا، واظهر الفكر في امير المؤمنين " ع " وظهرت شماتة المنافقين بامير المؤمنين " ع " وكادت الشمس تغرب، فتيقن القوم انه قد هلك وإذا قد -
[ 170 ]
الله صلى الله عليه واله: " خرجت انا وانت من نكاح لا من سفاح (1) من لدن آدم إلى
- انشق الصفا، وطلع امير المؤمنين " ع " منه، وسيفه يقطر دما، ومعه عطرفة، فقام إليه النبي وقبل بين عينيه وجبينه، وقال له: ما الذى حبسك عنى إلى هذا الوقت ؟ فقال عليه السلام: صرت إلى جن كثير قد بغوا على عطرفة وقومه من المنافقين، فدعوتهم إلى ثلاث خصال فابوا على، وذلك انى دعوتهم إلى الايمان بالله تعالى والاقرار بنبوته ورسالتك فابوا، فدعوتهم إلى اداء الجزية فابوا، فسألتهم ان يصالحوا عطرفة وقومه فيكون بعض المرعى لعطرفة وقومه وكذلك الماء فابوا ذلك كله، فوضعت سيفى فيهم وقتلت منهم ثمانين الفا، فلما نظروا إلى ما حل بهم طلبوا الامان والصلح ثم آمنوا وزال الخلاف بينهم، وما زلت معهم إلى الساعة. فقال عطرفة يارسول الله جزاك الله وامير المؤمنين عنا خيرا. (1) ينابيع المودة ص 16 قال: " وفي " الشفاء وروى عن على كرم الله وجهه عنه " ص " في قوله تعالى: لقد جائكم رسول من انفسكم - قال: نسبا وصهرا وحسبا، ليس في آبائى من لدن آدم " ع " سفاح كلنا بنكاح ". وفى كنز العمال ج 6 ص 100 الحديث 1494. عن النبي " ص " قال في حديث له رواه البيهقى في الدلائل عن انس: " وخرجت
من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى ابى وامى، فانا خيركم نسبا وخيركم انا " والحديث 1495. منه ايضا عن عائشة عنه صلى الله عليه وآله. (خرجت من نكاح غير سفاح). والحديث 1497 عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله: (خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح). والحديث 1498 في ص 101 منه عن على (ع): (خرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم إلى ان ولدنى ابى وامى، لم يصبنى من سفاح الجاهلية شئ). وفى ص 16 من ينابيع المودة: (وفى جمع الفوائد رفعه: خرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم إلى -
[ 171 ]
عبد المطلب " ام انت ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انا الذي اختارني رسول الله وزوجني ابنته فاطمة عليها السلام، وقال: " الله زوجك اياها في السماء (1) " ام انت ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انا والد الحسن والحسين سبطيه وريحانتيه إذ يقول: " هما سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما (2) " ام انت ؟ قال: بل انت.
- ان ولدنى ابى وامى. للاوسط..) ابن عباس رفعه: ما ولدنى في سفاح الجاهلية شئ وما ولدنى الانكاح كنكاح الاسلام. للكبير. (1) ينابيع المودة ص 175 عن انس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فغشيه الوحى فلما افاق قال: يا انس اتدرى بما جائنى به جبرئيل من عند صاحب العرش
عزوجل، قلت: بابى وامى بما جائك جبرائيل ؟ قال: قال جبرائيل: ان الله يأمرك ان تزوج فاطمة بعلى، فانطلق فادع لى ابا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ونفرا من الانصار، قال. فانطلقت فدعوتهم فلما ان اخذوا مقاعدم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله المحمود: بنعمته. وذكر الخطبة المشتملة على التزويج وفى آخرها: فجمع الله شملهما، واطاب نسلهما، وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة، ومعادن الحكمة، وامن الأمة ثم حضر على وكان غائبا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا على ان الله امرني ان ازوجك فاطمة (ع) وانى قد زوجتكها على اربعمائة مثقال فضة، فقال على قد رضيتها يارسول الله صلى الله عليه وآله ثم ان عليا خر لله ساجدا شكرا، فلما رفع رأسه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: بارك الله لكما، وبارك فيكما، واسعد جدكما، واخرج منكما الكثير الطيب قال انس: والله لقد اخرج الله منهما الكثير الطيب. اخرجه أبو على الحسن بن شاذان فيما نقله عنه الحافظ جمال الدين الزرندى في نظم درر السمطين وقد اورده المحب الطبري في ذخائره واخرجه أبو الخير القزويني الحاكمى، انتهى. (2) ابن ماجة عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله " ص ": الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، وابوهما خير منهما. (وفى الاصابة) مالك بن الحويرث الليثى قال: قال رسول الله " ص ": الحسن -
[ 172 ]
قال فانشدك بالله اخوك المزين بالجناحين يطير في الجنة مع الملائكة ام اخي (1) ؟ قال: بل اخوك.
- والحسين سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما. ينابيع المودة ص 166 واخرج ابن عساكر عن على، وعن ابن عمر. - وابن ماجة والحاكم. عن ابن عمر. -
والطبراني عن قرة، وعن مالك بن الحويرث. - والحاكم عن ابن مسعود. -: ان النبي " ص " قال: ابناى هذان الحسن، والحسين، سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما. الصواعق المحرقة ص 189 (1) هو جعفر بن ابى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، كنيته أبو عبد الله، ابن عم الرسول، واخو على بن ابى طالب لابويه، اسلم قديما بعد اسلام اخيه على بن ابى طالب بقليل. هاجر الهجرتين إلى ارض الحبشة - في الهجرة الثانية، مع زوجته اسماء بنت عميس - فاسلم النجاشي ومن تبعه على يديه، واقام جعفر عنده: ثم هاجر منها إلى المدينة فقدم والنبى " ص " بخيبر. - فقال النبي " ص ": ما ادرى بايهما انا افرح بقدوم جعفر ام بفتح خيبر. وكان اشبه الناس برسول الله خلقا وخلقا وقال له النبي " ص ": " اشبهت خلقي وخلقي ". مر أبو طالب " ع " فرأى النبي " ص " وعليا " ع " يصليان، وعلى عن يمينه فقال لجعفر: صل جناح ابن عمك وصل عن يساره. استشهد بمؤتة من ارض الشام مقبلا غير مدبر مجاهدا للروم في حياة النبي " ص " سنة ثمان في جمادى الاولى. عن ابن عمر قال: وجد فيما اقبل من بدن جعفر ما بين منكبيه تسعين ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف.-
[ 173 ]
قال فانشدك بالله انا ضمنت دين رسول الله وناديت في المواسم بانجاز موعده
ام انت (1) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انا الذي دعاه رسول الله صلى الله عليه واله والطير عنده يريد اكله يقول: " اللهم ايتني باحب خلقك الي واليك بعدي يأكل معي من هذا الطير " (2) فلم يأته غيري ام انت ؟ قال: بل انت.
- وعن انس بن مالك: ان النبي " ص " نعى جعفرا وزيدا نعاهما قبل ان يجئ خبرهما نعاهما وعيناه تذرفان. وكان اسن من على بعشرة سنين، فاستوفى اربعين سنة وزاد عليها. ودخل رسول الله " ص " لما اتاه نعى جعفر " ع " على امرأته اسماء بنت عميس " ع " فعزاها فيه، ودخلت فاطمة " ع " وهى تبكى وتقول: واعماه. فقال رسول الله " ص " " على مثل جعفر فالتبك البواكي " ودخله هم شديد حتى اتاه جبرئيل، فاخبره ان الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة. وقال " ص ": رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة. وعن ابن عمر: انه " ص " كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يابن ذى الجناحين. راجع: الاصابة ج 1 ص 239 - 240، صفة الصفوة ج 1 ص 205 - 209 اسد الغابة ج 2 ص 286 - 289. (1) ينابيع المودة ص 105: " وفى مسند احمد بسنده عن عباد بن عبد الله الاسدي عن على " رض " قال: لما نزلت وانذر عشيرتك الاقربين. جمع النبي " ص " اهل بيته، فاجتمع ثلاثون نفرا فاكلوا وشربوا ثلاثا، ثم قال لهم: من يضمن عنى دينى ومواعيدى يكون معى في الجنة ويكون خليفتي في اهلي، فقال على: انا يارسول الله " ص ". ايضا الثعلبي ذكر هذا الحديث في تفسير هذه الآية.
(2) عن انس بن مالك: اهدى لرسول الله " ص " طير فقال: " اللهم ائتنى برجل يحبه الله ويحبه رسوله ". قال انس: فأتى على فقرع الباب، فقلت: ان رسول
[ 174 ]
قال فانشدك بالله انا الذي بشرني رسول الله صلى الله عليه واله بقتال الناكثين، والقاسطين والمارقين، على تأويل القرآن (1) ام انت ؟ قال: بل انت.
- الله " ص " مشغول، وكنت احب ان يكون رجلا من الانصار، ثم ان عليا فعل مثل ذلك، اتى الثالثة فقال رسول الله " ص ": ادخله فقد عنيته. وفى مسند احمد بن حنبل بسنده عن سفينة مولى النبي " ص " قال: اهدت امرأة من الانصار طيرين مشويين بين رغيفين فقال النبي " ص ": " اللهم ايتنى باحب خلقك اليك والى رسولك، فجاء على فاكل معه من الطيرين حتى كفينا. اسد الغابة ج 4 ص 30 وفى المستدرك ج 3 ص 130 - 131 عن انس بن مالك ايضا قال: كنت اخدم رسول الله " ص " فقدم لرسول الله " ص " فرخ مشوى فقال: " اللهم ايتنى باحب خلقك اليك يأكل معى من هذا الطير " قال: فقلت اللهم اجعله رجلا من الانصار، فجاء على رضى الله عنه فقلت: ان رسول الله " ص " على حاجة، ثم جاء فقلت: ان رسول الله " ص " على حاجة ثم جاء فقال رسول الله " ص " افتح فدخل فقال رسول الله " ص " ما حبسك يا على ؟ فقال: ان هذه آخر ثلاث كرات يردنى انس، يزعم انك على حاجة، فقال: ما حملك على ما صنعت. فقلت يارسول الله سمعت دعائك فاحببت ان يكون رجلا من قومي فقال رسول الله " ص " ان الرجل قد يحب قومه. ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (1) في ج 2 من الرياض النضرة ص 320:
وعن ابن مسعود ان رسول الله " ص " اتى منزل ام سلمة فجاء على فقال رسول الله " ص ": يا ام سلمة هذا قاتل القاسطين. والناكثين، والمارقين، من بعدى. وفى ج 6 من كنز العمال ص 155 الحديث 2585: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. قيل أبو بكر وعمر ؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل - يعنى عليا. وفى مستدرك الحاكم ج 3 ص 122: عن ابى سعيد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فانقطعت نعله فتخلف على يخصفها -
[ 175 ]
قال فانشدك بالله انا الذي دل عليه رسول الله صلى الله عليه واله بعلم القضاء وفصل الخطاب بقوله: " على اقضاكم " ام انت (1) ؟ قال بل انت.
- فمشى قليلا فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. فاستشرف لهما القوم وفيهم أبو بكر وعمر، قال أبو بكر: انا هو ؟ قال: لا قال عمر: انا هو ؟ قال: لا. ولكن خاصف النعل - يعنى عليا - فاتيناه فبشرناه، فلم يرفع به رأسه، كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وفيه الص 139 - 140 عن الاصبغ بن نباتة عن ابى ايوب الانصاري (رض) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لعلى بن ابى طالب تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات قال أبو ايوب: قلت يارسول الله مع من نقاتل هؤلاء الاقوام ؟ قال: مع على بن ابى طالب. (1) الاستيعاب ج 2 ص 461 وروى عن النبي " ص " انه قال: انا مدينة العلم وعلى بابها فمن اراد العلم فليأته من بابه -
وقال " ص " في اصحابه: اقضاهم على بن ابى طالب - وقال عمر بن الخطاب: على اقضانا وأبى اقرؤنا وانا لنترك اشياء من قراءة ابى وايضا مرفوعا عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لهما أبو حسن، وقال في المجنونة التى امر برجمها، وفى التى وضعت لستة اشهر فاراد عمر رجمها فقال له على: ان الله تعالى يقول: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الحديث. وقال له: ان الله رفع القلم عن المجنون الحديث. فكان عمر يقول: لولا على لهلك عمر وايضا ص 462 مرفوعا عن زر بن حبيش قال: جلس رجلان يتغديان مع احدهما خمسة ارغفة ومع الآخر ثلاثة ارغفة فلما وضعا الغذاء بين ايديهما مر بهما رجل فسلم فقالا: اجلس للغداء فجلس واكل معهما واستوفوا في اكلهم الارغفة الثمانية فقام الرجل وطرح اليهما ثمانية دراهم وقال: خذا هذا عوضا مما اكلت لكما ونلته من طعامكما فنزعا وقال صاحب الخمسة الارغفة لى خمسة دراهم ولك ثلاث فقال صاحب الثلاثة الارغفة لا ارضى الا ان تكون الدراهم بيننا -
[ 176 ]
قال فانشدك بالله انا الذي امر رسول الله صلى الله عليه واله اصحابه بالسلام عليه بالامرة في حياته ام انت (1) ؟ قال: بل انت.
- نصفين وارتفعا إلى امير المؤمنين على بن ابى طالب رضى الله عنه فقصا عليه قصتهما فقال لصاحب الثلاثة الارغفة قد عرض عليك صاحبك ما عرض وخبزه اكثر من خبزك فارض بثلاثته فقال: لا والله لا رضيت منه الا بمر الحق. فقال على رضى الله عنه: " ليس لك في مر الحق الادرهم واحد وله سبعة فقال الرجل: سبحان الله يا امير المؤمنين هو يعرض على ثلاثة فلم ارض، واشرت على باخذها فلم ارض. وتقول لى الآن انه لا يجب في مر الحق الادرهم واحد، فقال له على: " عرض عليك صاحبك الثلاثة صلحا فقلت لم ارض الا بمر الحق، ولا يجب لك بمر الحق الا واحد " فقال الرجل:
فعرفني بالوجه في مر الحق حتى اقبله. فقال على رضى الله عنه: أليس للثمانية الارغفة اربعة وعشرون ثلثا، اكلتموها وانتم ثلاثة انفس ولا يعلم الاكثر منكم اكلا ولا الأقل، فتحملون في اكلكم على السواء قال: بلى. قال فاكلت انت ثمانية اثلاث وانما لك تسعة اثلاث، واكل صاحبك ثمانية اثلاث وله خمسة عشر ثلثا اكل منها ثمانية ويبقى له سبعة واكل لك واحدة من نسعة فلك واحد بواحدك، وله سبعة بسبعته. فقال له الرجل رضيت الآن. (1) في ص 125 من كتاب (اليقين في امرة امير المؤمنين " ع ") قال: فيما نذكره من كتاب الرسالة الموضحة تأليف المظفر بن جعفر بن الحسين.. وهو ممن يروى عنه محمد بن جرير الطبري ننقل ذلك من خط مصنفه من الخزانة العتيقة بالنظامية ببغداد فقال ماهذا لفظه: (وعنه قال: حدثنا محمد بن همام عن علي بن العباس ومحمد بن الحسين بن حفص قالا: حدثنا اسماعيل بن اسحاق قال: حدثنا يحيى بن سالم عن صباح بن يحيى عن العلا بن المسيب عن ابى داود عن بريدة الاسلمي قال: كنا نسلم على علي بن ابى طالب (ع) بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله بامرة المؤمنين نقول: (السلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته) ويرد علينا. وفى ج 9 من بحار الانوار ص 246 عن بريدة وعن يحيى بن سالم قالا: امرنا النبي صلى الله عليه وآله ان نسلم على على بامرة المؤمنين. وفيه ايضا عن الرضا عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن على عليهما السلام -
[ 177 ]
قال فانشدك بالله انا الذي شهدت آخر كلام رسول الله صلى الله عليه واله ووليت غسله ودفنه ام انت (1) ؟ قال: بل انت.
قال: (قال لى بريدة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ان نسلم على ابيك بامرة المؤمنين) وفيه ايضا عن عمرو بن حصيب اخى بريدة بن حصيب قال:
بينا اخى بريدة عند النبي صلى الله عليه وآله إذ دخل أبو بكر فسلم على رسول الله فقال له: انطلق فسلم على امير المؤمنين، فقال: يارسول الله ومن امير المؤمنين ؟ قال: على بن ابى طالب (ع) قال: عن امر الله وامر رسوله. قال: نعم. ثم دخل عمر فسلم فقال انطلق فسلم على امير المؤمنين فقال يارسول الله ومن امير المؤمنين ؟ قال صلى الله عليه وآله: على ابن ابى طالب (ع) قال عن امر الله ورسوله قال: نعم. (1) في ذخائر العقبى ص 72 والرياض النضرة ج 2 ص 237. عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله - لما حضرته الوفاة - (ادعو لى حبيبي) فدعوا له ابا بكر. فنظر إليه ثم وضع رأسه فقال: (ادعو لى حبيبي) فدعوا له عمر فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال: (ادعو لى حبيبي) فدعوا له عليا رضى الله عنه فلما رآه ادخله معه الثوب الذى كان عليه فلم يزل يحتضنه حتى قبض صلى الله عليه وآله - اخرجه الرازي وفيهما أيضا وفى ج 3 من المستدرك عن ام سلمة (رض) قالت: والذى احلف به ان كان على اقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله عدنا رسول الله صلى الله عليه وآله غداة بعد غداة يقول: (جاء على - مرارا - ؟) واظنه كان بعثه في حاجة فجاء بعد فظننت ان له حاجة فخرجنا من البيت وقعدنا عند الباب فكنت من ادناهم إلى الباب فاكب عليه على فجعل يساره ويناجيه ثم قبض صلى الله عليه وآله يومه ذلك فكان من اقرب الناس به عهدا. اخرجه الامام احمد. وفى ج 3 من المستدرك ص 111 عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: لعلى اربع خصال ليست لاحد، هو اول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الذى كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذى صبر معه يوم المهراس، وهو الذى غسله وادخله قبره.
[ 178 ]
قال فانشدك بالله انت الذي سبقت له القرابة من رسول الله صلى الله عليه واله ام انا (1) ؟
قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الذي حباك الله بالدينار عند حاجته إليه وباعك جبرئيل واضفت محمدا فاطعمت ولده ام انا (2) قال: فبكى أبو بكر قال: بل انت.
(1) عن الشعبى: ان ابا بكر نظر إلى على بن ابى طالب فقال: من سره ان ينظر إلى اقرب الناس قرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله واعظمهم عنه غنا، واحظهم عنده منزلة، فلينظر واشار إلى على بن ابى طالب. خرجه ابن السمان. الرياض النضرة ج 2 ص 215 (2) اخرج الخوارزمي الحنفي في ص 224 من مناقبه، عن ابى هارون العبدى عن ابى سعيد قال: انقض على وفاطمة، فقالت له فاطمة ليس في الرحل شئ فخرج على يبتغى، قال: فوجد دينارا فعرفه فلم يجد له طالبا، ولم يصب شيئا، ورجع، فقالت له فاطمة، ما صنعت ؟ قال ما اصبت شيئا الا انى وجدت دينارا فعرفت حتى سئمت فلم اجد له طالبا باغيا، فقالت: هل لك في خير هل لك في ان نقترضه فنعتشى به، فإذا جاء صاحبه اعطيته دينارا، فانما هو دينار مكان دينار، فقال على (ع) افعل فاخذ الدينار واخذ وعاءا ثم خرج إلى السوق فإذا رجل عنده طعام يبيعه، فقال على (ع) كيف تبيع من طعامك هذا ؟ قال: كذا وكذا بدينار، فناوله على (ع) الدينار ثم فتح وعاء، وذهب ليقوم رد عليه الدينار وقال لتأخذنه والله، فاخذه ورجع إلى فاطمة فحدثها حديثه، فقالت فاطمة (ع) هذا رجل عرف حقنا وقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فاكلوه حتى انفذوه ولم يصيبوا ميسرة، فقالت له فاطمة " ع ": هل لك في خير تستقرضه فنعتشى به مثل قولها الاول ؟ قال: افعل. فخرج إلى السوق فإذا صاحبه فقال له مثل قوله الاول، وفعل الرجل مثل فعله الاول، فرجع فاخبر فاطمة " ع " فدعت له مثل دعائها الاول، فاكلوا حتى انفذوا فلما كان الثالثة، قالت له فاطمة ان رد عليك الدينار فلا تقبله، فذهب على عليه السلام فوجده فلما كان له. ذهب يرده
عليه، فقال له على " ع " والله لا آخذه فسكت عنه - قال أبو هارون: فقمت فانصرفت من عنده فمررت برجل من الانصار له صحبة -
[ 179 ]
قال فانشدك بالله انت الذي جعلك رسول الله صلى الله عليه واله على كتفه في طرح صنم الكعبة وكسره حتى لو شئت ان انال افق السماء لنلتها ام انا (1) ؟ قال بل انت
- يطين بيته، فسلمت عليه، فرد على وسايلنى، فقال ما حدثكم اليوم أبو سعيد ؟ فقلت حدثنا بكذا وكذا ؟ ! فقال الانصاري: من كان الذى اشترى منه على " ع " ! فقلت لا اعلم ! قال: كتمكم أبو سعيد ؟ ! قلت: ومن كان البايع ؟ قال: لما ذهب على " ع " إلى رسول الله " ص " قال له: يا على تخبرني أو اخبرك ؟ ! قال اخبرني يارسول الله قال صاحب الطعام جبرئيل، والله لو لا تحلف لوجدته مادام الدينار في يدك. (1) في ج 2 من الرياض النضرة ص 265 - 266 عن على قال: انطلقت انا والنبى " ص " حتى اتينا للكعبة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وآله: اجلس وصعد على منكبي، فذهبت لانهض به فرأى منى ضعفا فنزل، وجلس لى نبى الله صلى الله عليه وآله وقال: اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه، قال: فتهض. قال فنخيل إلى ان لو شئت لنلت افق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفراء ونحاس فجعلت ازاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه. قال لى رسول الله صلى الله عليه وآله: اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير ثم نزلت، فانطلقت انا ورسول الله صلى الله عليه وآله نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية ان يلقانا احد من الناس. اخرجه احمد. وصاحب الصفوة. واخرجه الحاكمى وقال: - بعد قوله: فصعدت على الكعبة - فقال لى: الق صنمهم الاكبر وكان من نحاس موتد باوتاد من حديد إلى الارض فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: عالجه فلم ازال اعالجه حتى استمكنت منه. فقال: اقذفه فقذفته. ثم ذكر باقى الحديث وزاد فما صعد حتى الساعة. انتهى.
والى هذه المكرمة الجليلة يشير الامام الشافعي بقوله: قيل لى قل في على مدحا * ذكره يخمد نارا موصدة قلت لا اقدم في مدح امره * ضل ذو اللب إلى ان عبده والنبى المصطفى قال لنا * ليلة المعراج لما صعده وضع الله بظهري يده * فاحس القلب مما برده وعلى واضع اقدامه * في محل وضع الله يده
[ 180 ]
قال: فانشدك بالله أنت الذي قال لك رسول الله صلى الله عليه واله: " أنت صاحب لواي في الدنيا والآخرة (1) " ام انا ؟ قال: بل انت. قال فانشدك الله انت الذي امرك رسول الله صلى الله عليه واله بفتح بابه في مسجده عندما امر بسد ابواب جميع اهل بيته واصحابه واحل لك فيه ما احل الله له ام انا (2) قال: بل انت.
(1) في ذخائر العقبى ص 75 عن على قال: كسرت يد على " رض " يوم احد فسقط اللواء من يده فقال رسول الله " ص " ضعوه في يده اليسرى فانه صاحب لوائى في الدنيا والآخرة. اخرجه ابن الحضرمي. وعن مالك بن دينار سألت سعيد بن جبير واخوانه من القراء: من كان حامل راية رسول لله " ص " ؟ قالوا: كان حاملها على " رض ". اخرجه احمد في المناقب. وفى الرياض النضرة ج 2 ص 267 عن جابر قالوا: يارسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة ؟ قال: من عسى أن يحملها يوم القيامة الا من كان يحملها في الدنيا ! على بن ابى طالب. اخرجه نظام الملك في اماليه. وفى ص 75 من ذخائر العقبى عن مخدوع الذهلى، ان النبي " ص " قال لعلى: اما علمت يا على انى اول من يدعى به يوم القيامة
فاقوم عن يمين العرش في ظله، فاكسي حلة خضراء من حلل الجنة ثم يدعى بالنبيين بعضهم على اثر بعض، فيقومون سماطين عن يمين العرش، وبكسون حللا خضراء من حلل الجنة ألا وانى اخبرك يا على: ان امتى اول الامم يحاسبون يوم القيامة ثم ابشرانك اول من يدعى بك لقرابتك منى، وميزتك ومنزلتك عندي فيدفع اليك لوائى وهو: " لواء الحمد " تسير به بين السماطين، آدم وجميع خلق الله تعالى مستظلون بظل لوائى يوم القيامة، فتسير باللواء، الحسن عن يمينك، والحسين عن يسارك، حتى تقف بينى وبين ابراهيم في ظل العرش، نعم الاب ابوك ابراهيم، ونعم الاخ اخوك يا على، ابشر يا على انك تكسى إذا كسيت، وتدعى إذا دعيت، وتحيى إذا حييت. اخرحه احمد في المناقب. (2) في ج 3 ص 125 من مستدرك الحاكم، وفى كنز العمال ج 6 ص 152 الحديث -
[ 181 ]
قال فانشدك بالله انت الذي قدمت بين يدي نجوى رسول الله صلى الله عليه واله صدقة (1)
- 2465 عن زيد بن ارقم قال: كانت لنفر من اصحاب رسول الله " ص " ابواب شارعة في المسجد، فقال يوما سدوا هذه الابواب الا باب على قال: فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله " ص " فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: اما بعد فانى امرت بسد هذه الابواب غير باب على فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن امرت بشئ فاتبعته. ثم قال، هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وفى الرياض النضرة ج 2 ص 253 - 254 عن ابى هريرة قال: قال عمر، ثلاث خصال لعلى لأن يكون لى خصلة منهن احب إلى من ان يكون لى حمر النعم: تزويجه فاطمة بنت النبي " ص " وسكناه في المسجد مع رسول الله " ص " والراية يوم خيبر. اخرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن ابى سعيد عنه قال: قال رسول الله " ص ": يا على لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيرى وغيرك. وايضا عن ابن عمر قال: لقد اوتى ابن ابى طالب ثلاث خصال لأن يكون لى واحدة منهن احب إلى من حمر النعم: زوجه رسول الله " ص " ابنته وولدت له، وسد الابواب الا بابه في المسجد، واعطاه الراية يوم خيبر. اخرجه احمد. وفى كنز العمال ص 159 ح 6 الحديث 2670. عن ام سلمة لا يحل لاحد ان يجنب في هذا المسجد الا انا وعلى والحديث 2671 عن ابى سعيد: يا على لا يحل لاحد ان يجنب في هذا المسجد غيرك. (1) الرياض النضرة ج 2 ص 265 عن على عليه السلام: انه قال: آية في كتاب الله عزوجل لم يعمل بها احد بعدى: آية النجوى. كان لى دينار فبعته بعشرة دراهم، فلما اردت ان اناجي رسول الله " ص " قدمت درهما، فنسختها الآية الأخرى (ءأشفقتم - الآية) اخرجه ابن الجوزى في اسباب النزول قال الحافظ محمد بن احمد بن جزى الكلبى في كتاب التسهيل لعلوم التنزيل ص 105 ج 4: روى انه كان له دينارا فصرفه بعشرة دراهم وناجاه عشر مرات تصدق في كل مرة -
[ 182 ]
فناجيته إذ عاتب الله قوما فقال: " أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجويكم صدقات (1) " ام انا قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت قال رسول الله صلى الله عليه واله لفاطمة: " زوجتك اول الناس ايمانا، وارجحهم اسلاما في كلام له " ام انا (2) قال: بل انت.
- منها بدرهم وقيل بصدق في كل مرة بدينار. الخ. وفى تفسير القرطبى ج 17 ص 302 قال.
وقد روى عن مجاهد: ان اول من تصدق في ذلك على بن ابى طالب رضى الله عنه وناجى الرسول صلى الله عليه وآله. روى انه تصدق بخاتم. وذكر القشيرى وقيره عن على بن ابى طالب انه قال: في كتاب الله آية ما عمل بها احد قبلى ولا يعمل بها احد بعدى، وهى: (يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة) كان لى دينار فبعته، فكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد، فنسخت بالآية الاخرى (أأشفقتم ان تقدموا بين يدى نجواكم صدقات). كذلك قال ابن عباس: نسخها الله بالآية التى بعدها. وقال ابن عمر: لقد كانت لعلى رضى الله عنه ثلاث لو كانت لى واحدة منهن كانت احب إلى من حمر النعم، تزويجه فاطمة، واعطائه الراية يوم خيبر، وآية النجوى. (1) المجادلة، 13 (2) كنز العمال ج 6 ص 153 الحديث 2543 عن ابى هريرة وعن ابن عباس: اما ترضين انى زوجتك اول المسلمين اسلاما، واعلمهم علما، فانك سيدة نساء امتى كما سادت مريم قومها، اما ترضين يا فاطمة ان الله اطلع على اهلي الارض فاختار منهم رجلين فجعل احدهما اباك والاخر بعلك. وايضا الحديث 2542 عن معقل بن يسار: اما ترضين انى زوجتك اقدم امتى سلما واكثرهم علما، واعظمهم حلما. والحديث 2544 عن بريدة: زوجتك خير اهلي اعلمهم علما، وافضلهم حلما، واولهم سلما. والحديث 2545 عن ابى اسحاق: لقد زوجتكه وانه لاول اصحابي سلما، واكثرهم علما، واعظمهم حلما.
[ 183 ]
قال فانشدك بالله يا ابا بكر انت الذي سلمت عليه ملائكة سبع سماوات
يوم القليب (1) ام انا ؟ قال: بل انت. قال: فلم يزل يورد مناقبه التي جعل الله له ورسوله دونه، ودون غيره، ويقول له أبو بكر: بل انت. قال: فبهذا وشبهه تستحق القيام بامور امة محمد، فما الذي غرك عن الله وعن
وفى ينابيع المودة ص 80 - 81. موفق بن احمد بسنده عن ابى ايوب الانصاري قال: ان فاطمة رضى الله عنها اتت في مرض ابيها صلى الله عليه وآله وبكت فقال: يا فاطمة ان لكرامة الله اياك زوجك من هو اقدمهم سلما، واكثرهم علما، واعظمهم حلما، ان الله عزوجل اطلع إلى اهل الارض اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيا مرسلا، ثم اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك، فأوحى إلى ان ازوجه اياك واتخذه وصيا. (1) في ص 28 من تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزى: قال احمد في الفضائل -: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الاشعث، حدثنا اسحاق ابن ابراهيم النهشلي، حدثنا سعيد بن الصلت، حدثنا أبو الجارود الرحبى عن ابى اسحاق الهمداني عن الحرث عن على قال: لما كانت ليلة بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يستقى لنا من الماء ؟ فاحجم الناس، قال: فقمت فاحتضنت قربة، ثم اتيت قليبا بعيد القعر مظلما، فانحدرت فيه فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل واسرافيل، تأهبوا لنصرة محمد صلى الله عليه وآله وحزبه، فهبطوا من السماء لهم دوى يذهل من يسمعه، فلما حاذوا القليب - وقفوا وسلموا على من عند آخرهم، اكراما، وتبجيلا وتعظيما وذكره ارباب المغازى وفى ذخائر العقبى ص 68 - 69 قال: لما كان ليلة يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يستقى لنا من الماء ؟ فاحجم الناس، فقام على فاحتضن قربة فاتى بئرا بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها فأوحى الله عزوجل إلى جبرئيل وميكائيل واسرافيل، تأهبوا لنصر محمد صلى الله عليه وآله وحزبه
فهبطوا من المساء لهم لغط يذهل من سمعه، فلما حاذوا بالبئر سلموا عليه من عند آخرهم اكراما وتبجيلا.
[ 184 ]
رسوله ودينه وانت خلو مما يحتاج إليه اهل دينه. قال: فبكى أبو بكر وقال: صدقت يا ابا الحسن انظرني قيام يومي فادبر ما انا فيه وما سمعت منك. فقال علي عليه السلام: لك ذلك يا ابا بكر. فرجع من عنده وطابت نفسه (1) يومه ولم يأذن لاحد إلى الليل، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي، فبات في ليلته فرأى في منامه كأن رسول الله صلى الله عليه واله تمثل له في مجلسه فقام إليه أبو بكر يسلم عليه فولى عنه وجهه فصار مقابل وجهه فسلم عليه فولى وجهه عنه، فقال أبو بكر: يارسول الله امرت بامر لم افعله ؟ فقال: رد عليك السلام وقد عاديت من والاه الله ورسوله ؟ رد الحق إلى اهله. فقلت: من اهله ؟ قال: من عاتبك عليه علي، قلت: فقد رددته عليه يارسول الله ثم لم يره. فاصبح وبكر (2) إلى علي عليه السلام وقال ابسط يدك يا ابا الحسن أبايعك وأخبره بما قد رأى، قال: فبسط علي يده فمسح عليها أبو بكر وبايعه وسلم إليه وقال له: اخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فاخبرهم بما رأيت من ليلتى وما جرى بيني وبينك، واخرج نفسي من هذا الامر واسلمه اليك، قال: فقال علي عليه السلام: نعم. فخرج من عنده متغيرا لونه عاتبا نفسه، فصادفه عمر وهو في طلبه، فقال له مالك يا خليفة رسول الله ؟ فاخبره بما كان وما رأى وما جرى بينه وبين علي، فقال: انشدك بالله يا خليفة رسول الله والاغترار بسحر بنى هاشم والثقة بهم فليس هذا باول سحر منهم، فما زال به حتى رده عن رأيه وصرفه عن عزمه ورغبه
فيما هو، بالثبات عليه، والقيام به. قال: فأتى علي المسجد على الميعاد فلم ير فيه منهم احدا فأحس بشئ
(1) طاب عن الشئ نفسا: تركه وفارقه. (2) بكر: اتاه بكرة وسبق إليه في اول احواله.
[ 185 ]
منهم، فقعد إلى قبر رسول الله صلى الله عليه واله قال: فمر به عمر، فقال: يا علي دون ما تريد خرط القتاد (1) فعلم عليه السلام بالأمر ورجع إلى بيته. احتجاج سلمان الفارسي على عمر بن الخطاب في جواب كتاب كتبه إليه حين كان عامله على المداين بعد حذيفة بن اليمان (2) بسم الله الرحمن الرحيم من سلمان مولى رسول الله صلى الله عليه واله إلى عمر بن الخطاب.
(1) القتاد: شجر صلب له شوك كالابر. وخرط القتاد: هو انتزاع قشره أو شوكه باليد يقال: (من دون ذلك خرط القتاد) أي انه لا ينال الا بمشقة عظيمة. (2) أبو عبد الله، حذيفة بن اليمان، واسم اليمان: حسل، اوحسيل وانما سمى باليمان لانه: اصاب دما فهرب إلى المدينة فحالف بنى عبد الاشهل، فسماه قومه اليمان لكونه حالف اليمانية. كان رحمه الله من كبار صحابة النبي " ص " هاجر إليه، فخيره النبي صلى الله عليه وآله بين الهجرة والنصرة، فاختار النصرة. وكان يقول: خيرنى رسول الله " ص " بين الهجرة والنصرة فاخترت النصرة. وشهد مع النبي " ص " احدا وقتل ابوه بها. وهو صاحب سر رسول الله " ص " في المنافقين. اعلمه بهم رسول الله " ص " وقد قيل ان عمر بن الخطاب كان إذا مات ميت يسأل عن حذيفة فان حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وان لم يحضر الصلاة، لم يحضر عمر. وفى الصحيحين: ان ابا الدرداء قال لعلقمة: أليس فيكم صاحب السر الذى لا
يعلمه غيره ؟ يعنى حذيفة. وروى مسلم عن عبد الله بن يزيد الخطمى عن حذيفة قال: لقد حدثنى رسول الله " ص " ما كان وما يكون حتى تقوم الساعة. وسأل يوما: أي الفتن اشد ؟ ان يعرض عليك الخير والشر لا تدرى ايهما تركب.
[ 186 ]
اما بعد: فانه أتاني منك كتاب يا عمر، تؤنبني (1) وتعيرني، وتذكر فيه: انك بعثتني اميرا على أهل المدائن، وامرتني أن اقص أثر حذيفة (2) واستقصي ايام اعماله وسيره، ثم اعلمك قبيحها، وقد نهاني الله عن ذلك يا عمر في محكم كتابه حيث قال: " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب احدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم " (3) وما كنت لاعصي الله في أثر حذيفة واطيعك. واما ما ذكرت: أنى اقبلت على سف الخوص (4) وأكل الشعير، فما هما مما يعير به مؤمن ويؤنب عليه، وأيم الله يا عمر لأكل الشعير وسف الخوص،
- وقال أبو ادريس الخولانى: سمعت حذيفة يقول: كان الناس يسألون رسول الله " ص " عن الخير وكنت اسأله عن الشر اخافة ان يدركنى. وعداده في الانصار وهو احد الاركان الاربعة من اصحاب امير المؤمنين عليه السلام وممن صلى على سيدة النساء فاطمة، وحضر تشييعها. روى عن زرارة عن ابى جعفر عن ابيه عن جده عن على عليهم السلام قال: ضاقت الارض بسبعة، بهم ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون. منهم سلمان الفارسى. والمقداد. وابوذر. وعمار. وحذيفة رحمهم الله بعالى وكان على عليه السلام
يقول: وانا امامهم. استعمله عمر على المدائن، فلم يزل بها حتى مات بعد مقتل عثمان وبيعة امير المؤمنين عليه السلام باربعين يوما سنة " 36 ". راجع: رجال الشيخ الطوسى ص 16، جامع الرواة ج 1 ص 182 رجال الكشى ص 27 اسد الغابة ج 1 ص 299، الاصابة ج 1 ص 316، صفة الصفوة ج 1 ص 249 تهذيب التهذيب ج 2 ص 219. (1) انبه: عنفه ولامه. (2) قص اثره: تتبعه شيئا فشيئا. (3) الحجرات: 12. (4) سف الخوص: نسجه.
[ 187 ]
والأستغناء به عن رفيع المطعم والمشرب، وعن غصب مؤمن حقه وادعاء ما ليس له بحق، أفضل وأحب إلى الله عزوجل وأقرب للتقوى، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه واله إذا أصاب الشعير أكل وفرح به ولم يسخطه. وأما ما ذكرت: من اعطائي فانى قدمته ليوم فاقتي وحاجتي، ورب العزة يا عمر، ما أبالى إذا جاز طعامي لهواتى وانساغ (1) في حلقى، لباب البر ومخ المعزة كان أو خشارة الشعير (2). وأما قولك: انى ضعفت سلطان الله ووهنته، وأذللت نفسي وامتهنتها (3) حتى جهل أهل المدائن إمارتى، واتخذوني جسرا يمشون فوقى، ويحملون علي ثقل حمولتهم (4) وزعمت ان ذلك مما يوهن سلطان الله ويذله. فاعلم: ان التذلل في طاعة الله أحب إلى من التعزز في معصيته، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه واله يتألف الناس (5) ويتقرب منهم ويتقربون منه في نبوته وسلطانه، حتى كأنه بعضهم في الدنو منهم، وقد كان يأكل الجشب (6) ويلبس
الخشن، وكان الناس عنده قرشيهم، وعربيهم، وأبيضهم، وأسودهم، سواء في الدين وأشهد أنى سمعته يقول: " من ولي سبعة من المسلمين بعدى ثم لم يعدل فيهم لقي الله وهو عليه غضبان " فليتني يا عمر اسلم من عمارة المدائن (7) مع ما ذكرت انى
(1) انساغ: مر في حلقه. (2) الخشارة: مالا لب له من الشعير. (3) أي وضعتها موضع الأهانة. (4) كل ماله قدر، ووزن فهو: ثقل. والحمولة بالفتح: الابل التى تطيق ان يحمل عليها. (5) التألف المدارات والاستيناس. (6) الجشب بفتح الجيم وسكون الشين: الغليظ الخشن. (7) العمارة: بالفتح: الحى العظيم. والمدائن هي: مدينة كسرى وقبل هي عدة مدن متقاربة، تقع على سبع فراسخ من بغداد، وهى دار مملكة الفرس، واول من -
[ 188 ]
أذللت نفسي وامتهنتها، فكيف يا عمر حال من ولي الامة بعد رسول الله صلى الله عليه واله ؟ وإني سمعت الله يقول: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (1) ". إعلم: أني لم اتوجه أسوسهم وأقيم حدود الله فيهم الا بارشاد دليل عالم فنهجت فيهم بنهجه، وسرت فيهم بسيرته (2). واعلم: أن الله تبارك وتعالى لو أراد بهذه الأمة خيرا أو أراد بهم رشدا لولى عليهم أعلمهم وأفضلهم، ولو كانت هذه الأمة من الله خائفين، ولقول نبي الله متبعين، وبالحق عاملين، ما سموك أمير المؤمنين، فاقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، ولا تغتر بطول عفو الله عنك وتمديده بذلك من تعجيل عقوبته واعلم: انك سيدركك عواقب ظلمك في دنياك وآخرتك، وسوف تسأل
عما قدمت وأخرت، والحمد لله وحده. احتجاج امير المؤمنين (ع) على القوم لما مات عمر بن الخطاب وقد جعل الخلافة شورى بينهم (3).
- نزلها انو شيروان، وبها ايوانه، ولم تزل آثاره باقية حتى يومنا هذا، وبها قبرا سلمان وحذيفة وهما مشيدان ويعرف المكان باسم: " سلمان باك ". (1) القصص: 38 (2) يريد عليا عليه السلام. (3) في ج 2 من شرح النهج لابن ابى الحديد ص 61 قال: ونحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدته أصحاب الشورى وتعديده فضائله وخصائصه التى بان بها منهم ومن غيرهم، قد روى الناس ذلك فاكثروا.. إلى ان قال: - في كلام قد ذكره اهل السيرة وقد اوردنا بعضه فيما تقدم ثم قال لهم: انشدكم الله أفيكم احد آخى رسول الله " ص " بينه وبين نفسه حيث آخى بين بعض المسلمين وبعض غيرى ؟ فقالوا: لا. فقال أفيكم احد قال له رسول الله " ص ": من كنت
[ 189 ]
مولاه فهذا مولاه غيرى ؟ فقالوا: لا. قال: أفيكم احد قال له رسول الله " ص " انت - منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبى بعدى غيرى ؟ قالوا: لا. قال: أفيكم من أوتمن على سورة براءة وقال له رسول الله " ص ": انه لا يؤدي عنى الا انا أو رجل منى غيرى ؟ قالوا: لا. قال: ألا تعلمون ان اصحاب رسول الله " ص " فروا عنه في مأقط الحرب في غير موطن وما فررت قط. قالوا بلى. قال ألا تعلمون انى اول الناس اسلاما، قالوا: بلى. قال: فاينا اقرب إلى رسول الله نسبا. قالوا: انت. فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف.. الخ وفى الصواعق المحرقة ص 24 -:
واخرج الدارقطني: ان عليا قال للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاما طويلا من جملته: انشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله " ص " يا على انت قسيم الجنة والنار يوم القيامة غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. وفى ج 2 من لسان الميزان ص 156 - 157 عن ابن ابى الطفيل قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الاصوات، فسمعت عليا يقول: " بايع الناس لابي بكر، وانا والله اولى بالامر منه واحق به، فسمعت واطعت، مخافة ان يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض. ثم بايع الناس عمر وانا والله اولى بالامر منه، فسمعت واطعت، مخافة ان يضرب بعضهم رقاب بعض، ثم انتم تريدون ان تبايعوا عثمان.. إلى ان قال: وايم الله لو اشاء ان اتكلم فثم لايستطيع عربيهم ولا عجميهم رده: نشدتكم بالله أفيكم من آخى رسول الله " ص " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله أفيكم احد له مثل عمى حمزة ؟ قالوا: اللهم لا قال نشدتكم بالله أفيكم احد له اخ مثل اخى جعفر ذى الجناحين يطير بهما في الجنة ؟ قالوا: لا. قال أفيكم احد له مثل سبطى الحسن والحسين سيدى شباب اهل الجنة ؟ قالوا: لا. قال: أفيكم احد له زوجة مثل زوجتى، قالوا: لا. قال: أفيكم احد كان اقتل لمشركي قريش عند كل شديدة تنزل برسول الله " ص " منى قالوا: لا. وفى مناقب الخوارزمي ص 217 -: اخبرني الشيخ الأمام شهاب الدين افضل الحفاظ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن -
[ 190 ]
- الحسن الهمداني المعروف بالمروزى فيما كتب إلى من همدان، اخبرني الحافظ أبو على الحسن بن احمد بن الحسين فيما اذن لى في الرواية عنه اخبرني الشيخ الاديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن ابراهيم الطهراني سنة 473، اخبرني الامام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر احمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني وقال الشيخ الامام شهاب الدين أبو نجيب
سعد بن عبد الله الهمداني. واخبرني بهذا الحديث عاليا الامام الحافظ سليمان بن ابراهيم الاصبهاني في كتابه إلى من اصبهان سنة 488 عن ابى بكر احمد بن موسى بن مروديه، حدثنى سليمان بن محمد بن احمد، حدثنى يعلى بن سعد الرازي، حدثنى محمد بن حميد، حدثنى زافر بن سليمان بن الحرث بن محمد عن ابى الطفيل عامر بن وائلة قال: كنت على الباب يوم الشورى مع على وسمعته يقول: لأحتجن بما لايستطيع عربيكم ولاعجميكم تغيير ذلك ثم قال: انشدكم الله ايها النفر جميعا أفيكم احد وحد الله قبلى ؟ قالوا: لا. قال فانشدكم الله هل منكم احد له مثل جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة ؟ قالوا: اللهم لا. قال انشدكم الله هل فيكم احد له عم كعمي حمزة اسد الله واسد رسوله سيد الشهداء غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: انشدكم الله هل فيكم احد له زوجة مثل زوجتى فاطمة بنت محمد سيدة نساء اهل الجنة غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: انشدكم بالله هل فيكم احد له سبطان مثل سبطى الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد ناجى رسول " ص " مرات قدم بين يدى نجواه صدقة قبلى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول " ص " من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره ليبلغ الشاهد النائب غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله " ص " اللهم أئتنى باحب خلقك اليك والى واسدهم لك حبا ولى حبا يأكل معى من هذا الطير فاتاه واكل معه غيرى ؟ قالوا. اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله " ص " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يده إذ رجع غيرى منهزما غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال فيه رسول الله " ص " لو فد بنى ربيعة لتؤمنن أو لأبعثن اليكم رجلا نفسه كنفسي وطاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي يقتلكم بالسيف غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. -
[ 191 ]
- قال فانشدكم الله هل فيكم احد قال رسول الله " ص " كذب من زعم انه يحبنى ويبغض هذا غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة منهم جبرئيل وميكائيل واسرافيل حيث جئت بالماء إلى رسول الله من القليب غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له جبرئيل: هذه هي المواساة فقال له رسول الله " ص " انه منى وانا منه وقال جبرئيل وانا منكما غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد نودى من السماء لا سيف الا ذو الفقار ولافتى الا على غيرى ؟ قالوا: اللهم لا قال: فانشدكم الله هل فيكم احد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي " ص " غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله " ص " قاتلت على تنزيل القرآن وتقاتل على تأويل القرآن غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال فانشدكم الله هل فيكم احد ردت عليه الشمس حتى صلى العصر في وقتها غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال فانشدكم بالله هل فيكم احد امره رسول الله ان يأخذ براءة من ابى بكر فقال أبو بكر: يارسول الله " ص " نزل في شئ فقال: انه لا يؤدي عنى الا على غيرى ؟ قالوا اللهم لا. قال فانشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله " ص " لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا كافر غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله اتعلمون انه امر بسد ابوابكم وفتح بابى فقلتم في ذلك فقال رسول الله " ص ": ما سددت ابوابكم ولا فتحت بابه بل الله سد ابوابكم وفتح بابه غيرى ؟ قالوا: اللهم نعم. قال فانشدكم بالله اتعلمون انه ناجانى يوم الطائف دون الناس فاطال ذلك فقلتم ناجاه دوننا فقال: ما انا انتجيته بل الله انتجاه غيرى ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فانشدكم الله أتعلمون ان رسول الله " ص " قال: الحق مع على وعلى مع الحق يدور الحق مع على كيف ما دار ؟ قالوا: اللهم نعم. قال فانشدكم بالله اتعلمون ان رسول الله " ص " قال: انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتى لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض قالوا: اللهم نعم
قال: فانشدكم الله هل فيكم احد وقى رسول الله من المشركين بنفسه واضطجع في مضجعه غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال فانشدكم الله هل فيكم احد بارز عمرو بن عبدود العامري حيث دعاكم إلى البراز غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احدا نزل -
[ 192 ]
روى عمرو بن شمر (1) عن جابر الجعفي (2) عن أبى جعفر محمد بن علي الباقر عليه وعلى آبائه السلام.
- الله فيه آية التطهير حيث قال: " انما يريد. الخ " غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله " ص " انت سيد العرب غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله " ص ": ما سئلت الله شيئا الا سئلت لك غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. وارتفعت الاصوات بينهم فسمعت عليا عليه السلام يقول: بايع الناس ابا بكر وانا والله اولى بالامر واحق به منه، فسمعت واطعت مخافة ان يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف. ثم بايع أبو بكر لعمر وانا والله احق بالامر منه فسمعت واطعت مخافة ان يرجع الناس كفارا. ثم انتم تريدون ان تبايعوا لعثمان الخ. (1) عمرو بن شمر: قال العلامة الحلى في خلاصته عمرو بن شمر بالشين المعجمة والراء اخيرا: أبو عبد الله الجعفي كوفى. - روى عن ابى عبد الله " ع " وعن جابر وهو ضعيف جدا، زيد احاديث في كتب جابر بن يزيد الجعفي، ينسب إليه بعضها، فالامر ملتبس، فلا اعتمد على شئ مما يرويه وعده الشيخ الطوسى في اصحاب الباقر والصادق " ع ". وقال في " الفهرست ": عمرو بن شمر، له كتاب، رويناه بالأسناد عن حميد عن ابراهيم بن سليمان الخزاز ابى اسحاق عنه. وفى رجال النجاشي: عمرو بن شمر، أبو عبد الله الجعفي عربي، روى عن ابى
عبد الله ضعيف جدا زيد احاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه والامر ملتبس (2) في خلاصة العلامة: جابر بن يزيد. روى الكشى فيه: مدحا وبعض الذم والطريقان ضعيفان ذكرناهما في الكتاب الكبير. - وقال السيد على بن احمد العقيقى العلوى: روى عن ابى عمار بن ابان عن الحسين ابن أبى العلا: ان الصادق " ع " ترحم عليه وقال: انه كان يصدق علينا. وقال ابن عقدة روى احمد بن محمد بن البراء الصابغ عن احمد بن الفضل بن حنان بن سدير عن زياد بن ابى الجلال، ان الصادق " ع " ترحم على جابر وقال: انه كان يصدق علينا، ولعن المغيرة وقال: انه كان يكذب علينا. وقال ابن الغضايرى، ان جابر بن يزيد الجعفي -
[ 193 ]
قال: ان عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة واجمع على الشورى، بعث إلى ستة نفر من قريش: إلى علي بن أبى طالب، والى عثمان بن عفان، والى زبير بن العوام، والى طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص وامرهم ان يدخلوا إلى بيت ولا يخرجوا منه حتى يبايعوا لأحدهم، فان اجتمع اربعة على واحد وابى واحد أن يبايعهم قتل، وان امتنع اثنان وبايع ثلاثة قتلا فأجمع رأيهم على عثمان. فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام ما هم القوم به من البيعة لعثمان قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة قال عليه السلام لهم: اسمعوا مني كلامي فان يك ما اقول حقا فاقبلوا وإن يك باطلا فانكروا ثم قال: انشدكم بالله الذى يعلم صدقكم ان صدقتم ويعلم كذبكم ان كذبتم هل فيكم احد صلى القبلتين كلتيهما (1) غيري قالوا: لا.
- الكوفى ثقة في نفسه، ولكن جل من روى عنه ضعيف، فممن اكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر الجعفي ومفضل بن صالح والسكونى ومنخل بن جميل الاسدي..
وارى الترك لما روى هؤلاء عنه والوقف في الباقي الا ما خرج شاهدا. وقال النجاشي: جابر بن يزيد الجعفي لقى ابا جعفر وابا عبد الله عليهما السلام ومات في ايامه سنة ثمان وعشرين ومائة، وروى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا منهم عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب، وكان نفسه مختلطا، وكان شيخنا محمد بن محمد بن النعمان ينشدنا اشعارا كثيرة في معناه تدل على الاختلاط ليس هذا موضعا لذكرها والأقوى عندي التوقف فيما يرويه هؤلاء كما قاله الشيخ الغضائري " ره " وفى اصحاب الأمام الباقر " ع " من رجال الشيخ الطوسى " ره " جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوث الجعفي. توفى سنة ثمان وعشرين ومائة على ما ذكر ابن حنبل، وقال ابن معين: مات سنة اثنين وثلاثين ومائة، وقال القتيبى هو من الازد - وفى اصحاب الأمام الصادق " ع " جابر بن يزيد أبو عبد الله الجعفي تابعي. اسند عنه روى عنهما عليهما السلام. (1) القبلة الاولى هي: بيت المقدس وكان قبلة المسلمين حتى بعد الهجرة ب " 16 " -
[ 194 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم من بايع البيعتين كلتيهما الفتح وبيعة الرضوان غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اخوه المزين بالجناحين في الجنة غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد عمه سيد الشهداء غيري ؟ (1) قالوا: لا
- أو " 17 " شهرا فلما نزل قوله تعالى: " ولقد نعلم تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها.. الخ " توجه النبي " ص " لى القبلة الثانية " شطر المسجد الحرام " وهى قبلة ابراهيم " ع ". (1) هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. امه هالة بنت اهيب بن
عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة. وهى ابنة عم آمنة بنت وهب ام النبي " ص " رضيع رسول الله " ص " ارضعتهما ثوببة امرأة ابى لهب. وكان اسن من رسول الله " ص " بسنتين. كنيته أبو عمارة، وقيل أبو يعلى. آخى رسول الله " ص " بينه وبين زيد بن حارثة. اسلم في السنة الثانية من المبعث قال محمد بن كعب القرظى: قال أبو جهل في رسول الله فبلغ ذلك حمزة فدخل المسجد مغضبا فضرب رأس ابى جهل بالقوس ضربة اوضحته واسلم حمزة فعز به رسول الله " ص " والمسلمون. وهاجر إلى المدينة واول لواء عقده رسول الله " ص " حين قدم المدينة لحمزة، وشهد بدرا وابلى فيها بلاءا عظيما مشهورا، وشهد احدا وقتل بها ومثل به المشركون وبقرت هند بطن حمزة سلام الله عليه فاخرجت كبده، فجعلت تلوكها فلما شهده النبي " ص " اشتد وجده عليه، وروى انه " ص " وقف عليه وقد مثل به فلم ير منظرا كان اوجع لقلبه منه، فقال: رحمك الله أي عم فلقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات. وروى عن جابر قال لما رأى رسول الله " ص " حمزة قتيلا بكى فلما رأى ما مثل به شهق. ولما عاد " ص " إلى المدينة سمع النوح على قتلى الانصار قال: لكن حمزة لابواكى له فسمع الانصار فامروا نساءهم ان يندبن حمزة قبل قتلاهم. ففعلن ذلك. قال الواقدي -
[ 195 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد زوجته سيدة نساء العالمين غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد ابناه ابنا رسول الله صلى الله عليه واله وهما سيدا شباب اهل الجنة غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد عرف الناسخ من المنسوخ (1) غيري ؟
قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد عاين حبرئيل في مثال دحية الكلبي غيري (2) ؟ قالوا: لا.
- فلم يزلن يبدأن بالندب لحمزة. وقال " ص ": كل نادبة كاذبة الا نادبة حمزة وقال. سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب. وقال: والذى نفسي بيده انه لمكتوب عند الله سبحانه وتعالى في السماء السابعة حمزة بن عبد المطلب اسد الله واسد رسوله. وكان مقتله للنصف من شوال من سنة ثلاث وكان عمره سبعا وخمسين سنة. وصل النبي على حمزة ثم لم يؤت بقتيل الا وصلى عليه معه حتى صلى عليه " 72 " صلاة (1) اخرج ابن سعد وغيره عن ابى الطفيل قال: قال على: سلونى عن كتاب الله فانه ليس من آية الا وقد عرفت بليل نزلت ام بنهار، ام في سهل ام جبل. واخرج ابن سعد ايضا عن ابن عباس عنه " ع " قال: والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيم نزلت واين نزلت وعلى من نزلت. ان ربى وهب لى قلبا عقولا ولسانا ناطقا الصواعق المحرقة ص 125 - 126 (2) في ج 9 من بحار الانوار ص 549 عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال: دخل على " ع " على رسول الله " ص " في مرضه وقد اغمى عليه، ورأسه في حجر جبرئيل، وجبرئيل في صورة دحية الكلبى -
[ 196 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد ادى الزكاة وهو راكع غيري ؟ قالوا: لا.
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد مسح رسول الله صلى الله عليه واله عينيه واعطاه الراية يوم خيبر فلم يجد حرا ولا بردا غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نصبه رسول الله صلى الله عليه واله يوم غدير خم بأمر الله تعالى فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (1) غيري " قالوا: لا.
فلما دخل علي " ع " قال جبرئيل: دونك رأس ابن عمك فانت أحق به مني، لان الله يقول في كتابه: " وأولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله " فجلس علي (ع) وأخذ رأس رسول الله صلى الله عليه وآله فوضعه في حجره. فلم يزل رأس رسول الله في حجره حتى غابت الشمس، وان رسول الله صلى الله عليه وآله افاق فرفع رأسه فنظر إلى علي (ع) فقال يا علي اين جبرئيل فقال يار سول الله ما رأيت الا دحية الكلبي، دفع الي رأسك، قال يا علي: دونك رأس ابن عمك فانت احق به مني.. الخ. (1) في ج 2 من الرياض النضرة ص 224 - 225: عن عمر بن الخطاب وقد جائه اعرابيان يختصمان فقال لعلي: اقض بينهما يا ابا الحسن فقضى علي بينهما. فقال احدهما: هذا يقضي بيننا ؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا ! هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. وعن زيد بن ارقم قال: استنشد علي الناس فقال: انشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقام ستة عشر رجلا فشهدوا. وعن زياد بن ابي زياد قال: سمعت علي بن ابي طالب ينشد الناس فقال، انشد الله رجلا مسلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول، يوم غدير خم ما قال، فقام اثنا عشر رجلا بدريا فشهدوا.
وعن رباح بن الحارث قال، جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: (السلام عليك يا مولانا). قال وكيف اكون مولاكم وانتم عرب ؟ قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله
[ 197 ]
قال نشدتكم بالله هل فيكم احد هو اخو رسول الله في الحضر ورفيقه في السفر غيري ؟ قالوا لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد بارز عمرو بن عبد ود يوم الخندق وقتله غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي " غيري ؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم احد سماه الله في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيرى (1) ؟ قالوا: لا.
- يقول - يوم غدير خم -، من كنت مولاه فعلى مولاه. قال رباح، فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء ؟ قالوا، نفر من الانصار - فيهم أبو ايوب الانصاري - خرجه احمد (1) اخرج موفق بن احمد عن مجاهد وعكرمة وهما عن ابن عباس رضى الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما انزل الله في القرآن آية يقول فيها: (يا ايها الذين آمنوا) الا وعلى رئيسها واميرها. واخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن الاعمش عن اصحاب ابن عباس رضى الله عنه قال. ما انزل الله (يا ايها الذين آمنوا) الا وعلى اميرها وشريفها، ولقد عاتب الله اصحاب محمد صلى الله عليه وآله في غير مكان، وما ذكر عليا الا بخير. ينابيع المودة ص 125 - 126 والآيات العشرة هي:
اولا - قوله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) السجدة - 18 ذكر الطبري في ج 21 ص 62 من تفسيره عن عطاء بن يسار قال، نزلت بالمدينة في على بن ابى طالب والوليد بن عقبة بن ابى معيط، كان بين الوليد وعلى كلام فقال الوليد انا ابسط منك لسانا، واحد منك سنانا، وارد منك للكتيبة. فقال على: اسكت فانك فاسق فانزل الله فيهما: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قال: لا والله ما استووا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة.
[ 198 ]
قال نشدتكم بالله هل فيكم احد ناول رسول الله صلى الله عليه واله قبضة من التراب فرمى بها في وجوه الكفار فانهزموا غيري ؟ قالوا: لا.
- ثانيا: قوله تعالى: " يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " الانفال: 64 قال المجلسي " ره " في الجزء التاسع من البحار ص 94 روى أبو نعيم باسناده عن جعفر بن محمد عن ابيه قال: نزلت في على بن ابى طالب " ع " وقال العلامة قدس الله روحه: روى الجمهور: انها نزلت في على. ثالثا: قوله تعالى: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين، التوبة: 19 ذكر الطبري في تفسيره ج 10 ص 59 مسندا عن ابى صخر قال: سمعت محمد بن ابى كعب القرظى يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بنى عبد الدار، وعباس بن عبد المطلب وعلى بن ابى طالب، فقال طلحة: انا صاحب البيت معى مفتاحه، لو اشاء بت فيه. وقال عباس: انا صاحب السقاية، والقائم، ولو اشاء بت في المسجد. وقال على: ما ادرى ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة اشهر قبل الناس، وانا صاحب الجهاد فانزل الله أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام. الآية،
رابعا: قوله تعالى: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " الجائية: 21. روى سبط ابن الجوزى في تذكرة الخواص ص 11 عن ابن عباس: نزلت في على يوم بدر، فالذين اجترحوا السيئات: عتبة، وشيبة، والوليد بن المغيرة. والذين آمنوا وعملوا الصالحات: على عليه السلام. خامسا: قوله تعالى: " ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " مريم: 96. في ص 10 من تذكرة الخواص: قال ابن عباس: هذا الود جعله الله لعلى في قلوب المؤمنين. وقد روى أبو اسحاق الثعلبي: هذا المعنى مسندا في تفسيره إلى البراء بن عازب قال: قال رسول الله " ص " لعلى: قل اللهم اجعل لى عندك عهدا واجعل لى في صدور المؤمنين مودة فانزل الله: هذه الآية.
[ 199 ]
قال نشدتكم بالله هل فيكم احد وقفت الملائكة معه يوم احد حتى ذهب
- سادسا: قوله تعالى: " ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية " البينة: 7 ذكر ابن حجر في الصواعق ص 195: عن ابن عباس: ان هذه الآية لما نزلت قال صلى الله عليه وآله لعلى: هو انت وشيعتك تأتى انت وشيعتك يوم القيامة، راضين مرضيين، ويأتى عدوك غضابا مقمحين. قال: ومن عدوى ؟ قال: من تبرأ منك ولعنك سابعا: قوله تعالى: " والعصر ان الانسان لفى خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " سورة العصر. في ج 6 من تفسير الدر المنثور ص 392: اخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: والعصر ان الانسان لفى خسر - يعنى، ابا جهل بن هشام. الا الذين آمنوا
وعملوا الصالحات. ذكر: عليا وسلمان. ثامنا: قوله تعالى: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ". الاحزاب 23. في الصواعق ص 122: وسئل وهو على المنبر بالكوفة عن قوله تعالى: " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " فقال اللهم غفرا هذه الآية نزلت في، وفى عمى حمزة، وفى عمى عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب فاما عبيدة: فقضى نحبه شهيدا يوم بدر، وحمزة، قضى نحبه شهيدا يوم احد، واما انا فانتظر اشقاها، يخضب هذه من هذه - واشار بيده إلى لحيته ورأسه عهد عهدا لى حبيبي ابو القاسم " ص ". تاسعا: قوله تعالى: " هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين " الانفال: 62 في ينابيع المودة ص 94: أبو نعيم الحافظ بسنده عن ابى هريرة. ايضا عن ابى صالح عن ابن عباس. ايضا عن جعفر الصادق " ع " في قوله تعالى، " هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين " قالوا، نزلت في على. وأن رسول الله " ص " قال، رأيت مكتوبا على العرش، " لا إله الا الله وحده لا شريك له محمد عبدي ورسولي ايدته ونصرته بعلى ابن ابى طالب. عاشرا - قوله تعالى " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون -
[ 200 ]
الناس غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قضى دين رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا: لا قال نشدتكم بالله هل فيكم احد غسل رسول الله وكفنه ولحده غيري ؟ قالوا: لا.
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد ورث سلاح رسول الله صلى الله عليه واله ورايته وخاتمه غيري ؟ قالوا لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد جعل رسول الله صلى الله عليه واله طلاق نسائه بيده غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد حمله رسول الله صلى الله عليه واله على ظهره حتى كسر الأصنام على باب الكعبة غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نودى باسمه من السماء يوم بدر " لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا على غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم الله هل فيكم احد أكل مع رسول الله صلى الله عليه واله من الطائر المشوي الذي اهدي إليه غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انت صاحب رايتي في الدنيا وصاحب لوائي في الآخرة " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري ؟ قالوا: لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد خصف نعل رسول الله صلى الله عليه واله غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انا اخوك وانت اخي " غيري ؟ قالوا: لا.
- الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ". المائدة، 55. راجع هامش ص 161 من هذا الكتاب.
[ 201 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " أنت أحب الخلق الي وأقولهم بالحق غيري ؟ " قالوا: لا.
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد وجد رسول الله صلى الله عليه واله جايعا فاستقى مائة دلو بمائة تمرة وجاء بالتمرة فاطعمه رسول الله غيري وهو جائع ؟ قالوا: لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد سلم عليه جبرئيل وميكائيل واسرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد غمض عين رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد وحد الله قبلي غيري ؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم احد كان أول داخل على رسول الله صلى الله عليه واله وآخر خارج من عنده غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد مشى مع رسول الله صلى الله عليه واله فمر على حديقة فقلت ما احسن هذه الحديقة فقال رسول الله صلى الله عليه واله " وحديقتك في الجنة احسن من هذه " حتى مررت على ثلاث حدائق كل ذلك يقول رسول الله " حديقتك في الجنة احسن من هذه " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انت اول من آمن بي وصدقني واول من يرد علي الحوض يوم القيامة ". غيري (1) ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اخذ رسول الله رسول الله صلى الله عليه واله بيده ويد امرأته وابنيه حين اراد ان يباهل نصارى اهل نجران غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " اول طالع يطلع عليكم من هذا الباب يا انس فانه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وأولى الناس
(1) الاستيعاب ص 457 ج 2 قال، وروى عن سلمان انه قال: اول هذه الامة ورودا على نبيها صلى الله عليه وآله الحوض اولها اسلاما على بن ابى طالب رضى الله عنه وقد روى هذا الحديث مرفوعا عن سلمان عن النبي " ص " انه قال اول هذه الامة ورودا على الحوض اولها اسلاما على بن ابى طالب. (*)
[ 202 ]
بالناس (1) فقال انس: اللهم اجعله رجلا من من الانصار، فكنت انا الطالع فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لأنس ما انت بأول رجل احب قومه " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نزلت فيه هذه الآية " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد أنزل الله فيه وفي ولده " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا " (2) إلى آخر السورة غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد أنزل الله فيه " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخرة وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله (3) " غيري ؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم احد علمه رسول الله صلى الله عليه واله الف كلمة كل كلمة مفتاح الف كلمة (4) غيري ؟ قالوا: لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد ناجاه رسول الله يوم الطائف فقال أبو بكر وعمر " يارسول الله ناجيت عليا دوننا " فقال لهما النبي صلى الله عليه واله: " ما انا ناجيته بل
(1) حلية الاولياء ج 1 ص 63 عن انس قال: قال رسول الله " ص " يا انس اسكب لى وضوءا ؟ ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب امير المؤمنين، وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين. قال انس قلت: اللهم اجعله رجلا من الانصار وكتمته إذ جاء على فقال: من هذا يا انس ؟ فقلت: على فقام مستبشرا فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق على بوجهه. قال على: يارسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بى من قبل. قال: وما يمنعنى - وانت تؤدى عنى وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدى
(2) الدهر: 5. (2) راجع هامش ص 198 (4) ينابيع المودة ص 76 وفى المناقب عن الاصبغ بن نباتة قال كنت مع امير المؤمنين " ع " فأتاه رجل فقال: يا امير المؤمنين انى احبك في الله قال: ان رسول الله ص " حدثنى الف حديث وكل حديث مفتاح الف باب.. الخ ".
[ 203 ]
الله امرني بذلك " (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد سقاه رسول الله صلى الله عليه واله من المهراس غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انت اقرب الخلق مني يوم القيامة يدخل بشفاعتك الجنة اكثر من عدد ربيعة ومضر " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " يا علي انت تكسى حين اكسى " (2) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " انت وشيعتك الفائزون يوم القيامة " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " كذب من زعم انه يحبني ويبغض هذا " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " من احب شطراتي هذه فقد احبني ومن احبني فقد احب الله - فقيل له وما شطراتك - قال علي، والحسن، والحسين، وفاطمة " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " انت خير البشر بعد النبيين " (3) غيري ؟ قالوا: لا.
(1) الرياض النضرة ج 2 ص 265 عن جابر قال: دعا النبي " ص " عليا يوم الطائف فانتجاه فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه فقال " ص ": ما انتجيته ولكن الله انتجاه. اخرجه الترمذي. (2) الرياض النضرة ج 2 ص 267: واخرج المخلص الذهبي عن ابى سعيد: ان النبي " ص " كسى نفرا من اصحابه، ولم يكس عليا، فكأنه رأى في وجه علي فقال: يا على ما ترضى انك تكسى إذا كسيت، وتعطى إذا اعطيت. (3) كنز العمال ج 6 ص 159 عن جابر: على خير البشر من أبى فقد كفر.
[ 204 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انت الفاروق تفرق بين الحق والباطل " (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله قل فيكم احد قال له رسول الله " انت افضل الخلايق عملا يوم القيامة بعد النبيين " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اخذ رسول الله صلى الله عليه واله كساه عليه وعلى زوجته وعلى ابنيه ثم قال " اللهم انا واهل بيتي اليك لا إلى النار " غيري ؟ قالوا لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد كان يبعث إلى رسول الله صلى الله عليه واله الطعام وهو في الغار ويخبره بالاخبار غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انت اخي ووزيري وصاحبي من اهلي " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله " انت اقدمهم سلما وافضلهم علما واكثرهم حلما " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قتل مرحبا اليهودي فارس اليهود مبارزة
غيري ؟ (2) قالوا: لا.
(1) في ذخائر العقبى: عن ابى ذر قال: سمعت رسول الله " ص " يقول لعلى " انت الصديق الأكبر، وانت الفاروق الذى يفرق بين الحق والباطل، وانت يعسوب الدين " (2) مر في ص 167 قصة إعطاء الراية لعلى عليه السلام في غزوة خيبر. - وفى هذه الواقعة نفسها خرج مرحب ملك خيبر يرتجز ويقول: قد علمت خيبر انى مرحب * شاكى السلاح بطل مجرب إذا الحروب اقبلت تلتهب فاجابه على عليه السلام مرتجزا ايضا: انا الذى سمتنى امى حيدره * ضرغام آجام وليث قسورة ثم ضرب مرحبا فشقه نصفين، وفتح باب خيبر وقلعها ثم مشى بها مائة ذراع ورمى بها اربعين ذراعا وكانت لضخامتها قد وكل بها اربعون بطلا من شجعان اليهود، يقول ابن ابى الحديد في عينيته:
[ 205 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد عرض عليه النبي صلى الله عليه واله الاسلام فقال له " انظرني حتى القى والدي " فقال له النبي صلى الله عليه واله " فانها امانة عندك " فقلت فان كانت امانة عندي فقد اسلمت غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد احتمل باب خيبر حين فتحها فمشى به مائة ذراع، ثم عالجه بعده اربعين رجلا فلم يطيقوه غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نزلت فيه هذه الآية: " يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة فكنت انا الذي قدم الصدقة " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " من سب عليا
فقد سبني ومن سبني فقد سب الله (1) " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " منزلي مواجه منزلك في الجنة " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " قاتل الله من قاتلك وعادى الله من عاداك " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول لله صلى الله عليه واله حين
يا قالع الباب الذى عن هزه * عجزت أكف أربعون وأربع (1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 121 مسندا عن بكير بن عثمان البجلى قال: سمعت أبا اسحاق التميمي يقول: سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول: حججت وانا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم، فدخلوا على " ام سلمة " زوج النبي " ص " فسمعتها تقول: " يا شبيب بن ربعى " فأجابها رجل جلف جاف: لبيك يا أمتاه، قالت " يسب رسول الله " في ناديكم ؟ ! " قال: " وانى ذلك ؟ ! " قالت: " فعلى بن ابى طالب (ع) " قال: (انا لنقول اشياء نريد عرض الدنيا) قالت: فانى سمعت رسول الله (ع) يقول: (من سب عليا فقد سبنى ومن سبنى فقد سب الله تعالى).
[ 206 ]
أراد أن يسير إلى المدينة ووقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري ؟ قالوا: لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " أنت أولى الناس بأمتي بعدي " (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انت يوم القيامة عن يمين العرش والله يكسوك ثوبين: أحدها أخضر والآخر وردي " غيري ؟ قالوا: لا.
قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد صلى قبل الناس بسبع سنين واشهر (2) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى عليه واله " أنا يوم القيامة آخذ بحجزة ربي والحجزة النور وأنت آخذ بحجزتي وأهل بيتي آخذ بحجزتك " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " أنت كنفسي وحبك حبي وبغضك بغضي " (3) غيري ؟ قالوا: لا.
كنز العمال ج 6 ص 155 الحديث 2579 عن وهب بن حمزة: لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدى - يعنى عليا. (2) الرياض النضرة ج 2 ص 209 عن رافع قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، وصلت حديجة آخر يوم الاثنين، وصلى يوم الثلاثاء من الغد قبل ان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله أحد سبع سنين واشهر. وعنه قال: صليت قبل أن تصلى الناس بسبع سنين. وعنه: انه كان يقول: انا عبد الله واخو رسول الله صلى الله عليه وآله، انا الصديق الأكبر، ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين. خرجهن الخلعي. (3) الأستيعاب ج 2 ص 464 عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لوفد ثقيف حين جاءه: لنسلمن أو لابعثن رجلا منى أو قال مثل نفسي فليضربن اعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم. قال عمر: -
[ 207 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " ولايتك كولايتي عهد عهده الي ربي وأمرني ان ابلغكموه " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " اللهم اجعله لي
عونا وعضدا وناصرا " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " المال يعسوب الظلمة وانت يعسوب المؤمنين " (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " لأبعثن إليكم رجلا امتحن الله قلبه للايمان " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أطعمه رسول الله صلى الله عليه واله رمانة وقال " هذه من رمان الجنة لا ينبغي أن يأكل منه الا نبي أو وصي نبي " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " ما سئلت ربي شيئا الا اعطانيه ولم اسئل ربي شيئا الا سئلت لك مثله " (2) غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " أنت أقومهم بأمر الله وأوفاهم بعهد الله وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند الله مزية " غيري، قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر وكفضل القمر على النجوم " غيري ؟ قالوا: لا.
فوالله ما تمنيت الأمارة إلا يومئذ، وجعلت انصب صدري له رجاء ان يقول: هو هذا قال: فالتفت إلى على رضى الله عنه، فاخذ بيده، ثم قال: هو هذا. (1) كنز العمال ج 2 ص 153 الحديث 2536: على يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين. (2) كنز العمال ج 6 ص 159 الحديث 2667 قم يا على فقد برئت. ما سألت الله شيئا الا سألت لك مثله، إلا أنه قيل لى: لانبوة بعدك.
[ 208 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " يدخل الله وليك الجنة وعدوك النار " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " الناس من اشجار شتى وانا وانت من شجرة واحدة " (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله " انا سيد ولد آدم وانت سيد العرب والعجم ولا فخر " (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد رضي الله عنه في الآيتين من القرآن غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " موعدك موعدي وموعد شيعتك عند الحوض إذا خافت الامم ووضعت الموازين " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " اللهم إني احبه فأحبه اللهم إني استودعكه " غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انت تحاج الناس فتحججهم باقامة الصلاة، وايتاء الزكاة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واقام الحدود، والقسم بالسوية " غيري ؟ قالوا: لا.
(1) كنز العمال ج 6 ص 154 الحديث 2561 عن جابر: انا وعلى من شجرة واحدة والناس من اشجار شتى. والحديث 2562 عنه: يا على الناس من شجر شتى وانا وانت من شجرة واحدة. (2) الصواعق المحرقة ص 120: روى البيهقى: انه ظهر على من البعد فقال صلى الله عليه وآله: هذا سيد العرب. فقالت عائشة: ألست سيد العرب ؟ فقال: انا سيد العالمين، وهو سيد العرب. -
ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عباس بلفظ انا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب وقال: انه صحيح ولم يخرجاه.
[ 209 ]
قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اخذ رسول الله صلى الله عليه واله بيده يوم بدر، فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض ابطيه وهو يقول: " ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه فانه وليكم " غيري ؟ قالوا لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نزلت فيه هذه الآية " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله فهل فيكم احد كان جبرئيل احد ضيفانه غيري ؟ قالوا: لا قال: فهل فيكم احد اعطاه رسول الله صلى الله عليه واله حنوطا من حنوط الجنة ثم اقسمه أثلاثا ثلثا لي تحنطني به، وثلثا لابنتي. وثلثا لك، غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول الله صلى الله عليه واله حياه وادناه ورحب به وتهلل له وجهه غيري ؟ قالوا: لا قال فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " انا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها " غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد سرحه رسول الله صلى الله عليه واله بسورة براءة إلى المشركين من أهل مكة غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله " إني لأرحمك من ضغائن في صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتى يفقدوني فإذا فقدوني خالفوا فيها " غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " ادى الله عن أمانتك أدى الله
عن ذمتك " غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " انت قسيم النار تخرج منها من زكى وتذر فيها كل كافر " (2) غيري ؟ قالوا: لا.
(1) هل أتى. (2) ينابيع المودة ص 84 قال:-
[ 210 ]
قال: فهل فيكم أحد فتح حصن خيبر وسبا بنت مرحب فاداها إلى رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: " ترد علي الحوض أنت وشيعتك رواء مرويين مبيضة وجوههم، ويرد علي عدوك ظماء مظمئين مقتحمين (1) مسودة وجوههم " غيري ؟ قالوا: لا. قال: لهم امير المؤمنين عليه السلام أما إذا أقررتم على انفسكم، واستبان لكم ذلك من قول نبيكم، فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأنهاكم عن سخطه ولا تعصوا امره، وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم، فانكم إن خالفتم خالفتم الله فادفعوها إلى من هو أهله وهي له. قال: فتغامزوا فيها بينهم وتشاوروا وقالوا: " قد عرفنا فضله، وعلمنا انه أحق الناس بها، ولكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد، فان وليتموها إياه جعلكم وجميع الناس فيها شرعا سواء، ولكن ولوها عثمان فانه يهوى الذى تهوون " فدفعوها إليه. * * * احتجاجه (ع) على جماعة كثيرة من المهاجرين والانصار لما تذاكروا فضلهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله من النص عليه وغيره من القول الجميل (2).
روي عن سليم بن قيس الهلالي أنه قال: " رأيت عليا عليه السلام في مسجد
أخرج ابن المغازلى الشافعي بسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا على انك قسيم الجنة والنار، أنت تقرع باب الجنة وتدخلها احبائك بغير حساب. (1) راجع هامش ص 199 في تفسير قوله تعالى: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية). وفى بعض النسخ " ظماء مفحمين " (2) قال الأميني - في ج 1 ص 163 من الغدير -: -
[ 211 ]
رسول الله صلى الله عليه واله، في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم، فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها، وما قال فيها رسول الله صلى الله عليه واله من الفضل، مثل قوله: " الأئمة من قريش " وقوله: " الناس تبع لقريش وقريش أئمة العرب " وقوله: " لا تسبقوا (1) قريشا " وقوله: " إن للقريشي مثل قوة رجلين من غيرهم " وقوله: " من أبغض قريشا أبغضه الله " وقوله: " من أراد هوان قريش أهانه الله "، وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها، وما أثنى الله عليهم في كتابه، وما قال فيهم رسول الله من الفضل مثل قوله: " الانصار كرشي وعيبتي " ومثل قوله: " من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله " ومثل قوله صلى الله عليه واله: " لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله وبرسوله " وقوله: " لو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار " وذكروا ما قال: في سعد بن معاذ في جنازته وأن العرش اهتز لموته، وقوله صلى الله عليه واله: لما جئ إليه بمناديل من اليمن فاعجب الناس بها، فقال: " لمناديل سعد في الجنة أحسن منها " والذي غسلته الملائكة، والذي حمته الدبر، فلم يدعوا شيئا من فضلهم، حتى قال كل حي منها: " منا فلان وفلان " وقالت قريش: " منا رسول الله، ومنا حمزة، ومنا جعفر، ومنا عبيدة
ابن الحارث، وزيد بن حارثة، ومنا أبو بكر، وعمر، وسعد وأبو عبيدة، وسالم وابن عوف، فلم يدعوا من الحيين أحدا من أهل السابقة إلا سموه، وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل، فيهم علي بن أبى طالب عليه السلام، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وعمار، والمقداد، وأبو ذر، وهاشم بن عتبة، وابن عمر، والحسن، والحسين عليهما السلام، وابن عباس، ومحمد بن أبى بكر، وعبد الله
- روى شيخ الاسلام أبو اسحاق ابراهيم بن سعد الدين ابن حمويه بأسناده في فرائد السمطين في السمط الاول في الباب الثامن والخمسين، عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي قال: رأيت عليا وساق الرواية.. ثم قال: هذا لفظ الحموينى وفى كتاب سليم بن قيس نفسه اختلاف يسير وزيادات. (1) وفى نسخة (لاتسبوا).
[ 212 ]
ابن جعفر، ومن الأنصار أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري وأبو هيثم بن التيهان، ومحمد بن سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن أبى أوفي، وأبو ليلى ومعه ابنه، وعبد الرحمن قاعد بجنبه غلام أمرد الوجه مديد القامة، فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة، قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبى ليلى فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمها وأطولهما وأكثر القوم في الحديث، وذلك من بكرة إلى حين الزوال، وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما هم فيه. وعلي بن أبى طالب لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته. فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم ؟ فقال عليه السلام لهم، ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا، وقال حقا، فأنا
أسألكم يا معشر قريش والأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل ؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم ؟ قالوا: بل أعطانا الله ومن به علينا بمحمد وعشيرته، لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتنا. قال: صدقتم، يا معشر قريش والأنصار أتعلمون الذي نلتم به من خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دون غيرهم ؟ فان ابن عمي رسول الله قال: " إني وأهل بيتي كنا نورا بين يدي الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه السلام، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السلام، ثم لم يزل الله عزوجل ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة، ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة، من الآباء والأمهات، لم يلتق واحد منهم على سفاح قط ". فقال أهل السابقة، وأهل بدر، وأهل أحد: نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله
[ 213 ]
ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون اني اول الأمة ايمانا بالله وبرسوله ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فانشدكم بالله أتعلمون أن الله عزوجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية. وأني لم يسبقني إلى الله عزوجل والى رسوله صلى الله عليه واله احد من هذه الأمة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فانشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار (1) " " والسابقون السابقون أولئك المقربون (2) " وسئل عنها رسول الله صلى الله عليه واله فقال: " انزله الله عزوجل في الأنبياء واوصيائهم فأنا افضل انبياء
الله ورسله وعلي بن ابى طالب عليه السلام وصيي افضل الأوصياء " قالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (3) " وحيث نزلت: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (4) " وحيث نزلت: " ولم يتخد من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة (5) " قال الناس: " يارسول الله أخاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم ؟ " فأمر الله عزوجل نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم، وزكاتهم وصومهم، وحجهم، فنصبني للناس علما بغدير خم. ثم خطب فقال: " أيها الناس إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري فظننت ان الناس مكذبي فأوعدني لابلغنها أو ليعذبني ". ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: " أيها الناس أتعملون أن الله عزوجل مولاي وانا مولى المؤمنين وانا اولى بهم من انفسهم " بلى يا رسول الله. قال: قم يا علي، فقمت فقال: " من كنت
مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". - فقام سلمان فقال: " يارسول الله والاه كماذا ؟ " فقال: " والاه كولائي، فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه " فأنزل الله عزوجل: " اليوم اكملت لكم دينكم، واتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الاسلام دينا (1) " فكبر رسول الله صلى الله عليه واله فقال: " الله اكبر على تمام نبوتي، وتمام دين الله، ولاية
علي بعدي ". - فقام أبو بكر وعمر فقالا: " يارسول الله هؤلاء الآيات خاصة في علي ؟ " قال صلى الله عليه واله: " بلى فيه، وفي اوصيائي إلى يوم القيامة ". قالا: " يارسول الله بينهم لنا ". قال: أخي، ووزيري، ووارثي، ووصيي، وخليفتي، في امتي، وولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن والحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتى يردوا علي الحوض فقالوا كلهم: " اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء " وقال بعضهم: " قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظ كله وهؤلاء الذين حفظوا اخيارنا وافاضلنا ". فقال علي عليه السلام: " صدقتم ليس كل الناس يستوي في الحفظ ". انشدكم بالله من حفظ ذلك من رسول الله لما قام واخبر به. فقام زيد بن ارقم، والبراء بن عازب، وابوذر، والمقداد، وعمار، فقالوا " نشهد لقد حفظنا قول رسول الله صلى الله عليه واله وهو قائم على المنبر وانت إلى جنبه وهو يقول: ايها الناس امرني الله ان انصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي، والذي فرض على المؤمنين في كتابه طاعته، وقرنه بطاعته وطاعتي، وامركم بولايته، واني راجعت ربي خشية طعن اهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني
(1) المائدة: 3
[ 215 ]
لأبلغنها أو ليعذبني، أيها الناس إن الله أمركم في كتابه بالصلاة. فقد بينتها لكم والزكاة، والصوم، والحج. فقد بينتها لكم وفسرتها، وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة، ووضع يده على يد علي بن أبى طالب، ثم لأبنيه من بعده، ثم للأوصياء من بعدهم، ومن ولدهم عليه السلام، لا يفارقون القرآن، ولا
يفارقهم القرآن، حتى يردوا علي الحوض، أيها الناس قد بينت لكم مفزعكم (1) بعدي، وإمامكم، ودليلكم، وهاديكم، وهو: أخي علي بن أبى طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم، وأطيعوه في جميع أموركم، فان عنده جميع ما علمني الله عزوجل من علمه وحكمته، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم، ولا تتقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لايزايلهم (2) " ثم جلسوا. قال سليم: ثم قال علي عليه السلام: أيها الناس أتعلمون أن الله عزوجل أنزل في كتابه: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " فجمعني وفاطمة وابنيه حسنا وحسينا ثم ألقى علينا كساء فدكيا وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي ولحمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فقالت أم سلمة: وأنا يارسول الله فقال: " أنت إلى خير، إنما نزلت في، وفي أخي علي، وفي ابنتي فاطمة، وفى ابني، وفى تسعة من ولد الحسين خاصة، وليس معنا أحد غيرنا ". فقالوا كلهم: " نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلى الله عليه واله فحدثنا كما حدثتنا به أم سلمة ". قال علي عليه السلام: أنشدكم بالله أتعلمون أن الله أنزل " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (3) " فقال سلمان: " يارسول الله عامة هذه الآية
أم خاصة ؟ " فقال: " أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون
خاصة لأخي علي وأوصيائي بعده إلى يوم القيامة ". فقالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أني قلت لرسول الله صلى الله عليه واله في غزاة تبوك: لم تخلفني فقال: " إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن الله عزوجل أنزل في سورة الحج: " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير. لعلكم تفلحون (1) " إلى آخر السورة، فقام سلمان فقال: " يارسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد، وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم " قال: عني بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة " فقال سلمان: " بينهم لنا يارسول الله " فقال: " أنا، وأخي علي، وأحد عشر من ولدي " قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قام خطيبا ولم يخطب بعد ذلك. فقال: " يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين (2) كتاب الله، وعترتي أهل
(1) الحج 77. (2) قال السيد شرف الدين: - في المراجعات - ص 51 في المراجعة " 8 " ! والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة وقد صدع بها رسول الله " ص " في مواقف له شتى: تارة يوم غدير خم كما سمعت، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع، وتارة بعد انصرافه من الطائف، ومرة على منبره في المدينة، وأخرى في حجرته المباركة في مرضه، والحجرة غاصة باصحابه إذ قال: " أيها الناس يوشك ان اقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب الله عزوجل، وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض "
الحديث وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور، حتى قال ابن حجر - إذ اورد -
[ 217 ]
بيتي، فتمسكوا بهما، لا تضلوا، فان اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " فقام عمر بن الخطاب - وهو شبه المغضب - فقال: يارسول الله أكل أهل بيتك ؟ " قال: لا ولكن أوصيائي منهم، أولهم أخي، ووزيري، وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء لله في أرضه، وحججه على خلقه، وخزان علمه، ومعادن حكمته، من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله ". فقالوا كلهم: " نشهد أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: ذلك ". ثم تمادى بعلي عليه السلام السؤال والمناشدة، فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه، حتى أتى علي على أكثر مناقبه، وما قال له رسول الله صلى الله عليه واله كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق. ثم قال حين فرغ: " اللهم اشهد عليهم " وقالوا: " اللهم اشهد أنا لم نقل إلا ما سمعناه من رسول الله صلى الله عليه واله، وما حدثنا من نثق به من هؤلاء وغيرهم انهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه واله ". قال: أتقرون بأن رسول الله صلى الله عليه واله قال: " من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب وليس يحبني " ووضع يده على رأسي فقال له قائل: " كيف ذلك
- حديث الثقلين -: " ثم اعلم ان لحديث التمسك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا " " قال " ومر له طرق مبسوطة في حادى عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك: بحجة الوداع بعرفه، وفي أخرى انه قاله بالمدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة باصحابه، وفى أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفى أخرى انه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر " " قال " " ولا تنافى إذ لامانع من
انه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة " إلى آخر كلامه انتهى ما اردنا نقله من كتاب المراجعات. وتجد ما نقله السيد " قدس سره " من كلام ابن حجر في ص 75 و 89 من صواعقه.
[ 218 ]
يا رسول الله ؟ " قال: " لأنه مني وأنا منه، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله " قال نحو عشرين رجلا من أفاضل الحيين: اللهم نعم. وسكت بقيتهم. فقال: للسكوت مالكم سكتم ؟ قالوا: " هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاة في قولهم، وفضلهم، وسابقتهم " فقال: اللهم اشهد عليهم. فقال طلحة بن عبد الله: وكان يقال له: " داهية قريش " فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وأصحابه الذين صدقوه، وشهدوا على مقالته يوم اتوه بك بعتل (1) وفي عنقك حبل، فقالوا لك: " بايع " فاحتججت بما احتججت به، فصدقوك جميعا ثم ادعى أنه سمع رسول الله يقول: أبى الله أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فصدقه بذلك عمر، وأبو عبيدة، وسالم، ومعاذ. ثم قال طلحة: كل الذي قلت وادعيت واحتججت به من السابقة والفضل حق نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الأربعة بما سمعت. فقام علي عليه السلام عند ذلك، وغضب من مقالته، فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر شيئا قال له عمر يوم مات لم يدر ماعنى به، فأقبل على طلحة - والناس يسمعون - فقال: أما والله يا طلحة ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة الأربعة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو توفاه أن يتوازروا دون علي ويتظاهروا فلا تصل إلي الخلافة ".
والدليل والله على باطل ما شهدوا، وما قلت يا طلحة: قول نبي الله يوم غدير خم: " من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ". فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام ؟ وقول رسول الله صلى الله عليه واله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة " فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلى الله عليه واله.
(1) العتل: الجذب العنيف تقول عتلت الرجل إذ اجذبته جذبا عنيفا.
[ 219 ]
وقوله: " إني تركت فيكم أمرين كتاب الله وعترتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما لا تقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، ولا تعلموهم، فانهم أعلم منكم أفينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه ؟ ! وقد قال الله عزوجل: " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون (1) " ؟ ! وقال تعالى: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم (2) " وقال: " ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم (3) " وقال رسول الله صلى الله عليه واله: " ماولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه، إلا لم يزل يذهب أمرهم سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا " فما الولاية غير الآمارة ؟ والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم، أنهم سلموا علي بأمرة المؤمنين بأمر رسول الله. ومن الحجة عليهم وعليك خاصة، وعلى هذا معك، يعني: الزبير، وعلى الأمة، وعلى سعد ابن أبى وقاص، وابن عوف، وخليفتكم هذا القائم، يعني عثمان فانا معشر الشورى أحياء كلنا، ان جعلني عمر بن الخطاب في الشورى إن كان قد صدق هو وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه واله، أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في
غيرها ؟ فان زعمتم أنه جعلها شورى في غير الأمارة، فليس لعثمان إمارة وإنما أمرنا أن نتشاور في غيرها، وان كانت الشورى فيها، فلم أدخلني فيكم، فهلا أخرجنى ؟ وقد قال: ان رسول الله صلى الله عليه واله أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب، ولم قال عمر حين دعانا رجلا رجلا. - فقال علي عليه السلام: لعبد الله ابنه، وها هو ذا، انشدك بالله عبد الله بن عمر ما قال لك حين خرجت ؟
(1) يونس: 35 (2) البقرة 247 (3) الاحقاف: 4
[ 220 ]
قال: اما إذ ناشدتنى بالله فانه قال: إن يتبعوا أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم. قال: يابن عمر فما قلت له عند ذلك ؟ قال: قلت له: فما يمنعك أن تستخلفه ؟ قال: وما رد عليك ؟ قال: رد علي شيئا أكتمه. قال علي: فان رسول الله صلى الله عليه واله خبرني به في حياته، ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي، ومن رأى رسول الله صلى الله عليه واله مناما فقد رآه. قال: فما أخبرك به ؟ قال عليه السلام: فانشدك بالله يابن عمر لئن أخبرتك به لتصدقن ؟ قال: اذن سكت. قال: فانه قال لك حين قلت له: فما يمنعك أن تستخلفه ؟ قال: الصحيفة التى كتبناها بيننا، والعهد في الكعبة، فسكت ابن عمر. فقلا أسئلك بحق رسولك لم سكت عني ؟ قال سليم فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس خنقته العبرة وعيناه تسيلان.
وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام على طلحة، والزبير، وابن عوف، وسعد، فقال: لئن كان أولئك الخمسة أو الأربعة كذبوا على رسول الله صلى الله عليه واله ما يحل لكم ولايتهم وإن كانوا صدقوا ماحل لكم أيها الخمسة أو الأربعة أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيها خلاف على رسول الله صلى الله عليه واله ورد عليه. ثم أقبل على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصادق أنا فيكم أم كاذب ؟ قالوا: صدوق لا والله ما علمناك كذبت قط في الجاهلية ولا الاسلام قال: فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة، وجعل منا محمدا وأكرمنا بعده بأن جعلنا أئمة للمؤمنين، لا يبلغ عنه غيرنا، ولا تصلح الامامة والخلافة إلا فينا، ولم يجعل لأحد من الناس فيها معنا أهل البيت نصيبا ولا حقا، اما رسول الله صلى الله عليه واله خاتم النبيين ليس بعده نبي ولا رسول، ختم برسول الله الانبياء إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه فرض طاعتنا في كتابه
[ 221 ]
وقرننا بنفسه ونبيه، في غير آية من القرآن، فالله عزوجل جعل محمدا نبيا، وجعلنا خلفاء من بعده في كتابه المنزل، ثم أن الله عزوجل أمر نبيه أن يبلغ ذلك أمته فبلغهم كما أمره الله، فأيكما أحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه واله ومكانه ؟ وقد سمعتم رسول الله صلى الله عليه واله حين بعثني ببراءة فقال: " لا يبلغ عني إلا رجل مني ". أنشدتكم بالله أسمعتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قالوا: " اللهم نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله حين بعثك ببرائة ". فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة (1) أربع أصابع، ولن يصلح أن يكون المبلغ عنه غيري، فأيهما أحق بمجلسه ومكانه الذي سمي بخاصه، انه من رسول الله صلى الله عليه واله ومن حضر مجلسه من الأمة ؟ فقال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله، ففسر لنا كيف لا يصلح
لأحد أن يبلغ عن رسول الله غيرك ؟ وقد قال - لنا ولسائر الناس -: " ليبلغ الشاهد الغائب " فقال - بعرفة في حجة الوداع -: " نصر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره، فرب حامل فقه لافقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يحل عليهن قلب امرء مسلم أخلص العمل لله عزوجل: السمع، والطاعة والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم، فان دعوتهم محيطة من ورائهم ". وقال: في غير موطن - " ليبلغ الشاهد الغائب ". فقال علي عليه السلام: إن الذي قال رسول الله صلى الله عليه واله يوم غدير خم، ويوم عرفة في حجة الوداع، في آخر خطبة خطبها حين قال: " إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله، وأهل بيتي، فان اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض، كهاتين ولا اقول كهاتين - فأشار إلى سبابته وإبهامه، لأن أحدهما قدام الآخر - فتمسكوا بهما لن تضلوا ولا تزالوا، ولا تقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، ولا تعلموهم، فانهم أعلم منكم " إنما أمر الله العامة جميعا أن يبلغوا من لقوا من العامة ايجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم السلام وايجاب * (هامش) (1) يريد الصحيفة التى كتبت بها سورة براءة.
[ 222 ]
حقهم، ولم يقل ذلك في شئ من الإشياء غير ذلك، وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة حجة من لا يبلغ عن رسول الله جميع ما بعثه الله به غيرهم، ألا ترى يا طلحة أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لي - وانتم تسمعون -: " يا أخي إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك، تبرئ ذمتي، وتؤدي ديني وغراماتي، وتقاتل على سنتي " فلما ولي أبو بكر قضى عن رسول الله صلى الله عليه واله عداته ودينه، فاتبعتموه جميعا، فقضيت دينه وعداته، وقد أخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري، ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه وعداته، وإنما كان الذي قضى من الدين والعدة هو الذي
أبرءه منه، وإنما بلغ عن رسول الله صلى الله عليه واله جميع ما جاء به من عند الله من بعد الأئمة الذين فرض الله في الكتاب طاعتهم، وأمر بولايتهم، الذين من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله. فقال طلحة: " فرجت عني، ماكنت أدري ماعنى بذلك رسول الله صلى الله عليه واله حتي فسرته لي، فجزاك الله يا أبا الحسن عن جميع أمة محمد الجنة، يا أبا الحسن شيئا اريد أن أسألك عنه، رأيتك خرجت بثوب مختوم، فقلت: أيها الناس إني لم أزل مشتغلا برسول الله بغسله، وكفنه، ودفنه، ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته، فهذا كتاب الله عندي مجموعا لم يسقط حتى حرف واحد، ولم أر ذلك الذي كتبت وألفت، وقد رأيت عمر بعث إليك أن ابعث به إلي فأبيت أن تفعل فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية كتبها، وإن لم يشهد عليها غير رجل واحد أرجأها (1) فلم يكتب، فقال عمر: وأنا أسمع إنه قد قتل يوم اليمامة قوم كانوا يقرؤن قرآنا لا يقرأه غيرهم، فقد ذهب وقد جائت شاة إلى صحيفة وكتاب يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها والكاتب يومئذ عثمان، وسمعت عمر وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عمر وعلى عهد عثمان يقولون: ان الاحزاب كانت تعدل سورة البقرة، وان النور ستون ومائة آية، والحجر تسعون ومائة آية، فما هذا ؟ وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج كتاب الله إلى الناس، وقد عهد عثمان حين أخذ
(1) أرجأها: أخرها.
[ 223 ]
ما ألف عمر فجمع له الكتاب، وحمل الناس على قراءة واحدة، فمزق مصحف أبي بن كعب، وابن مسعود، وأحرقهما بالنار ؟ فقال له علي عليه السلام، يا طلحة إن كل آية أنزلها الله جل وعلا على محمد عندي بأملاء رسول الله وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حرام
وحلال أو حد أو حكم أو شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بأملاء رسول الله صلى الله عليه واله وخط يدي، حتى أرش الخدش (1). قال طلحة: كل شئ من صغير وكبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب ؟ قال: نعم وسوى ذلك، إن رسول الله صلى الله عليه واله أسر الي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، ولو ان الأمة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه واله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يا طلحة ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه واله حين دعا بالكتف ليكتب فيه ما لا تضل أمته، فقال صاحبك إن نبي الله يهجر (2)، فغضب رسول الله صلى الله عليه واله وتركها ؟ فقال، بلى قد شهدته.
(1) الأرش: الدية. (2) في شرح النهج لابن ابى الحديد ص 20 من الج 2 مسندا عن على بن عبد الله بن العباس عن ابيه قال: - لما حضرت رسول الله " ص " الوفاة - وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب - قال رسول الله " ص ": " إئتوني بكتاب وصحيفة، أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدى " فقال عمر: كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله " ص ". ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف من في البيت واختصموا فمن قائل يقول: " القول ما قال رسول الله " ص " ومن قائل يقول: " القول ما قال عمر " فلما أكثروا اللغط واللغو والاختلاف، غضب رسول الله " ص " فقال: " قوموا إنه لا ينبغى لنبى ان يختلف عنده هكذا " فقاموا. فمات رسول الله " ص " في ذلك اليوم، - فكان ابن عباس يقول ان الرزية كل الرزية: ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله " ص " -
[ 224 ]
قال: فانكم لما خرجتم أخبرني رسول الله صلى الله عليه واله بالذي أراد يكتب
ويشهد عليه العامة، فأخبره جبرئيل أن الله قد قضى على أمتك الاختلاف والفرقة ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف، واشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وابا ذر، والمقداد. وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة (1) فسماني أولهم، ثم ابني هذا واشار بيده إلى الحسن والحسين. ثم تسعة من ولد ابني الحسين، كذلك كان يا أبا ذر ويا مقداد ؟ فقاما ثم قالا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه واله. فقال طلحة: والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق ولا أبر عند الله من ابي ذر " وانا اشهد انهما لم يشهدا إلا بالحق، ولأنت عندي اصدق وأبر منهما. ثم اقبل علي عليه السلام فقال: اتق الله يا طلحة وانت يا زبير، وانت يا سعد، وانت يابن عوف. اتقوا الله وآثروا رضاه، واختاروا ما عنده، ولا تخافوا في الله لومة لائم.
- قال ابن ابى الحديد قلت: هذا الحديث قد خرجه الشيخان: محمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيرى في صحيحيهما، واتفق المحدثون كافة على روايته. (1) ينابيع المودة ص 440 قال: وفى فرائد السمطين بسنده عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قدم يهودى يقال له: " الأعتل " فقال: يا محمد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فان أجبتني عنها أسلمت على يديك، قال: " سل يا ابا عمارة " فقال: يا محمد صف لى ربك.. إلى أن قال: صدقت فاخبرني عن وصيك من هو ؟ فما من نبى الا وله وصى، وإن نبينا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون. فقال: " ان وصى على بن أبى طالب وبعده سبطاى الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين ". قال: يا محمد فسمهم لى قال: " إذا مضى الحسين فابنه على، فإذا مضى على فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه على، فإذا مضى
على فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه على، فإذا مضى على فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدى فهؤلاء اثنى عشر " الخ.
[ 225 ]
ثم قال طلحة: لا اراك يا ابا الحسن اجبتني عما سألتك عنه من امر القرآن ألا تظهره للناس ؟ قال: يا طلحة عمدا كففت عن جوابك، فاخبرني عما كتب عمر وعثمان أقرآن كله ام فيه ما ليس بقرآن ؟ قال طلحة: بل قرآن كله. قال: ان اخذتم بما فيه نجوتم من النار، ودخلتم الجنة، فان فيه حجتنا وبيان حقنا، وفرض طاعتنا. قال طلحة حسبي اما إذا كان قرآن فحسبي. ثم قال طلحة: فأخبرني عما في يدك من القرآن وتأويله، وعلم الحلال والحرام، إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك ؟ قال: ان الذي امرني رسول الله صلى الله عليه واله ان ادفعه إليه وصبي وأولى الناس بعدي بالناس ابني الحسن، ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم حوضه، هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم، اما ان معاوية وابنه سيليان بعد عثمان، ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن ابي العاص، واحد بعد واحد، تكملة اثنا عشر أمام ضلالة، وهم الذين رأى رسول الله صلى الله عليه واله على منبره: يردون الأمة على ادبارهم القهقري (1) عشرة منهم من بني امية ورجلان اسسا ذلك لهم وعليهما مثل جميع اوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة. وفي رواية ابى ذر الغفاري (2) انه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه واله جمع
(1) تفسير الطبري ج 15 ص 73 والقرطبى ج 10 ص 283 من طريق سهل ابن سعد قال:
رأى رسول الله " ص " بنى أمية ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات. وأنزل الله تعالى: " وما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا. الأسراء: 60 (2) أبو ذر الغفاري. واسمه. جندب - بالجيم المضمومة والنون الساكنة والدال غير المعجمة المفتوحة. والباء المنقطة تحتها نقطة - بن جنادة - بالجيم المضمومة والنون -
[ 226 ]
علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والانصار وعرضه عليهم لما قد اوصاه
- والدال بعد الألف غير المعجمة - وقيل جندب بن السكن وقيل بريد بن جنادة. عن عبد الله بن الصامت قال: قال لى أبو ذر: " يابن أخى صليت قبل الاسلام باربع سنين " قلت له من كنت تعبد ؟ قال: (إله السماء) قلت فأين كانت قبلتك قال: (حيث وجهنى الله عزوجل). وهو رابع من أسلم من الرجال فأول من أسلم على بن أبى طالب، ثم أخوه جعفر الطيار، ثم زيد بن حارثة، وكان أبو ذر رحمه الله رابعهم. وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله بالرجوع إلى أهله وقال له: (انطق إلى بلادك حتى يظهر أمرنا) فرجع إليها حتى ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهاجر إلى المدينة وآخى النبي صلى الله عليه وآله بينه وبين المنذر بن عمرو في المؤاخاة الثانية، وهى مؤاخاة الأنصار مع المهاجرين بعد الهجرة بثمانية أشهر، ثم شهد مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله. وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر يعيش وحده، ويموت وحده، ويحشره وحده، ويدخل الجنة وحده. وقال: صلى الله عليه وآله أبو ذر في أمتى شبيه عيسى بن مريم في زهده وورعه. وقال أمير المؤمنين (ع) وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أولى عليه فلم يخرج شيئا.
وعن أبى عبد الله (ع): دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل فقال جبرئيل: من هذا يارسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: أبو ذر. قال أبو ذر أما إنه في السماء أعرف منه في الارض، سل عن كلمات يقولهن إذا أصبح. قال: فقال يا أبا ذر كلمات تقولهن إذا أصبحت فما هن ؟ قال يارسول الله (اللهم إنى أسألك الأيمان بك والتصديق بنبيك، والعافية من جميع البلايا، والشكر على العافية، والغنى عن شرار الناس) وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرتد أبو ذر، وامتنع عن البيعة لأبى بكر. وانكر عليه قيامه مقام النبي صلى الله عليه وآله وغصبه للخلافة، وهو احد الأركان الأربعة وهم: سلمان والمقداد، وحذيفة، وابوذر، وممن حضر تشييع فاطمة، ولزم عليا عليه السلام وجاهر بذكر مناقب اهل البيت، ومثالب اعدائهم، وصبر على المشقة والعناء. وما كانت تأخذه في الله لومة لأئم. وكان يقول: اوصاني خليلي بست: -
[ 227 ]
بذلك رسول الله صلى الله عليه واله، فلما فتحه أبو بكر خرج في اول صفحة فتحها فضائح
- حب المساكين، وان انظر إلى من هو فوقى، وان اقول الحق وان كان مرا، وان لا تأخذني في الله لومة لائم. وقال له فتى من قريش مرة: اما نهاك امير المؤمنين عن الفتيا ؟ فقال: أرقيب انت على ؟ فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمامة هيهنا، ثم ظننت انى منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ان تحتزوا لأنفذتها. وبينا هو واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوما إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا اباذر انت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدى) قال أبو ذر: في الله ؟ قال: (في الله) فقال ابو ذر: مرحبا بأمر الله. ولما قام ثالث القوم نافجا حضنيه - كما قال امير المؤمنين (ع) - بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضم الأبل نبتة الربيع. كان من الطبيعي ان يشتد
نكير ابى ذر على الدولة الأموية، والسلالة الخبيثة، والشجرة الملعونة. فارسل إليه عثمان " 200 " دينار بيد موليين له وقال لهما انطلقا إلى ابى ذر وقولا له: ان عثمان يقرئك السلام ويقول لك: هذه " 200 " دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال أبو ذر: هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما اعطاني ؟ قالا: لا. فردها عليه. ودخل يوما على عثمان، وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف وكان عنده كعب فقال عثمان لكعب: ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه، ويعطى في السبل ويفعل ويفعل. قال كعب: انى لأرجو له خيرا، فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال: " يابن اليهودية انت تعلمنا معالم ديننا، وما يدريك ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السوبداء من قلبه ". ولما اشتد انكاره على عثمان نفاه إلى الشام، فواصل النكير على عثمان ومعاوية، وكان يقول: والله انى لأرى حقا يطمى، وباطلا يحيى، وصادقا مكذبا، واثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه. فكتب معاوية بذلك إلى عثمان فكتب إليه ان احمل ابا ذر على باب صعبة، وقتب ثم ابعث من ينجش به نجشا عنيفا حتى يدخل به على. ثم نفاه عثمان إلى الربذة وشيعه عند خروجه إلى الربذة امير المؤمنين، والحسن، -
[ 228 ]
القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه عليه السلام وانصرف ثم احضروا زيد بن ثابت - وكان قاريا للقرآن - فقال له عمر: ان عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والانصار، وقد رأينا ان نؤلف القرآن ونسقط منه ماكان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والانصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فان انا فرغت من القرآن على ما سألتم واظهر علي القرآن الذي ألفه اليس قد بطل كل ما عملتم ؟ قال عمر: فما الحيلة ؟ قال زيد: انتم اعلم بالحيلة، فقال عمر:
ما حيلته دون ان نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك. فلما استخلف عمر سئل عليا عليه السلام ان يدفع إليهم القرآن فيحر فوه فيما بينهم، فقال: يا ابا الحسن ان جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى ابى بكر حتى نجتمع عليه، فقال عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل، انما جئت به إلى ابى بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا ما جئتنا به ان القرآن الذي عندي لا يمسه الا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر: فهل لأضهاره وقت معلوم. فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي، يظهره ويجمل الناس عليه، فتجري السنة به صلوات الله عليه (1). وقال سليم بن قيس: بينا أنا وحبش بن معمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ
- والحسين عليهم السلام ومات رحمه الله في الربذة سنة " 32 " وصلى عليه ابن مسعود. خلاصة العلامة ص 36، رجال، الكشى ص 27 تهذيب التهذيب ج 12 ص 90 حلية الأولياء ج 1 ص 156، صفة الصفوة ج 1 ص 238 وج 1 م رجال المامقانى، رجال الشيخ الطوسى ص 13 - 36. (1) ذكر المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 462 بعد نقل هذه الرواية عن الأحتجاج ما يلى: اقول روى الصدوق " ره " مختصرا من هذا الأحتجاج عن ابيه وابن الوليد معا عن سعد عن ابن يزيد عن حماد بن عيسى عن اذينة عن ابان بن ابي عياش عن سليم بن قيس
[ 229 ]
بحلقة الباب ثم نادى بأعلا صوته في الموسم: " أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن جهلني فانا جندب بن جنادة، انا أبو ذر أيها الناس اني قد سمعت نبيكم يقول: " إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجى
ومن تركها غرق، ومثل باب حطة في بني اسرائيل " أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول: " إني تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي إلى آخر الحديث " فلما قدم إلى المدينة بعث إليه عثمان وقال له: " ما حملك على ما قمت به في الموسم " قال: عهد عهده الي رسول الله صلى الله عليه واله وأمرني به فقال من يشهد بذلك، فقام علي والمقداد فشهدا، ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم فقال عثمان: " إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شئ ". وروي: أن يوما من الأيام قال عثمان بن عفان لعلي بن ابي طالب عليه السلام: " إن تربصت بي فقد تربصت بمن هو خير مني ومنك " قال علي عليه السلام: ومن هو خير مني، قال: أبو بكر وعمر. فقال علي عليه السلام: كذبت أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم. قال سليم بن قيس: حدثني سلمان والمقداد، وحدثنيه بعد ذلك أبو ذر، ثم سمعته من علي بن أبي طالب عليه السلام، قالوا: إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول الله لما سمع به لعلي بن أبي طالب: فاخر العرب وأنت أكرمهم ابن عما، وأكرمهم صهرا، وأكرمهم زوجة، وأكرمهم ولدا، وأكرمهم أخا، وأكرمهم عما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما، وأقدمهم سلما، وأعظمهم غنا بنفسك ومالك، وأقرئهم بكتاب الله، وأعلمهم بسنتي، وأشجعهم لقاء، وأجودهم كفا، وأزهدهم في الدنيا، وأشدهم اجتهادا، واحسنهم خلقا، وأصدقهم لسانا، وأحبهم إلى الله والي، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش لك، ثم تجاهدهم في سبيل الله إذا وجدت اعوانا، فتقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله، ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك، قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد منه.
[ 230 ]
قال سليم بن قيس: جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشدا، فقال له سلمان: " عليك بكتاب الله فالزمه، وعلي ابن أبي طالب فانه مع القرآن لا يفارقه، فأنا اشهد انا سمعنا رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " ان عليا يدور مع الحق حيث دار، وإن عليا هو الصديق والفاروق يفرق بين الحق والباطل " قال: فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق قال: نحلهما الناس إسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى الله عليه واله، وإمرة المؤمنين. لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه واله وأمرهما معنا فسلمنا جميعا على علي بأمرة المؤمنين. وروى القاسم بن معاوية (1) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هؤلاء يروون حديثا في معراجهم انه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوبا لا إله إلا الله، محمد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: " سبحان الله غير واكل شئ حتى هذا " قلت: نعم. قال: " إن الله عزوجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل الماء كتب في مجراه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل الكرسي كتب على قوائمه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل اللوح كتب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي امير المؤمنين ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل السموات كتب في أكتافها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل الأرضين كتب في أطباقها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل
لم اعثر في كتب الرجال على صاحب هذا الأسم ولعله القاسم بن بريد بن معاوية العجلى عده الشيخ الطوسى في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وفي خلاصة
العلامة: القاسم بن بريد - بالباء المنقطة تحتها نقطة مضمومة - ابن معاوية العجلى ثقة روى عن أبي عبد الله " ع ".
[ 231 ]
الجبال كتب في رؤسها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل الشمس كتب عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عزوجل القمر كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليه السلام وعن عبد الله بن الصامت (1) قال: رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلا بوجهه للناس وهو يقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي أنا جندب ابن السكن بن عبد الله أنا أبو ذر الغفاري أنا رابع أربعة ممن أسلم مع رسول الله صلى الله عليه واله سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: وذكر الحديث بطوله إلى قوله، ألا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها، لو قدمتم من قدمه الله واخرتم من أخره الله، وجعلتم الولاية حيث جعلها الله، لما عال ولي الله، ولما ضاع فرض من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام الله، الا كان علم ذلك عند أهل بيت نبيكم، فذوقوا وبال ما كسبتم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وروى عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: إن العلم الذي هبط به آدم من الجنة وما فضلت به النبيون عليهم السلام في عترة نبيكم، فاين يتاه بكم ؟ قال سليم بن قيس: سأل رجل علي بن ابي طالب عليه السلام فقال - وانا اسمع - أخبرني بافضل منقبة لك، قال: ما أنزل الله في كتابه ؟ قال: وما انزل لله فيك
(1) عبد الله بن الصامت، ابن اخي ابي ذر عنونه ابن داود في الباب الأول
كذلك، ونسب إلى الشيخ " ره " في رجاله عده من اصحاب أمير المؤمنين عليه السلام مضيفا إلى ما في العنوان قوله: ممن أقام بالبصرة وكان شيعيا انتهى. ولكني لم أقف على ذلك في رجال الشيخ " ره "، وعندي نسخ عديدة مصححة، ليس من ذلك في شئ منها اثر وإنما الموجود فيها: عبادة بن صامت آخر ما نسبه في رجال الشيخ " ره " فهو سهو من قلمه الشريف. رجال المامقانى ج 2 ص 189
[ 232 ]
قال " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه (1) " انا الشاهد من رسول الله صلى الله عليه واله وقوله: " ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (2) " اياي عنى بمن عنده علم الكتاب فلم يدع شيئا انزله الله فيه الا ذكره، مثل قوله: " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " وقوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (3) " وغير ذلك، قال قلت: فأخبرني بأفضل منقبة
(1) هود: 17 الحموينى في فرائد السمطين اخرج بسنده عن ابن عباس وبسنده عن زاده وهما عن على كرم الله وجهه قال: ان رسول الله " ص " كان على بينة من ربه وانا التالى الشاهد منه. - ايضا ابن المغازلى اخرج بسنده عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليا كرم الله وجهه يقول في خطبته - ما نزلت آية من كتاب الله الا وقد علمت متى انزلت، فيمن انزلت، وما من قريش رجل الا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله عزوجل تسوقه إلى جنة أو نار قال رجل: يا امير المؤمنين فما نزلت فيك ؟ قال: اما تقرأ " افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه الآية فرسول الله على بينة من ربه وانا التالى الشاهد منه ينابيع المودة ص 99
(2) الرعد: 43. عن عطية العوفى عن ابى سعيد الخدرى قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذه الآية: (الذى عنده علم من الكتاب) قال: (ذاك وزير اخى سليمان بن داود (ع). وسألته عن قول الله عزوجل: (قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: ذاك اخى على بن ابى طالب. ينابيع المودة ص 103 (3) النساء: 59. في ص 114 من ينابيع المودة قال: في المناقب في تفسير مجاهد: ان هذه الآية نزلت في امير المؤمنين (ع) حين خلفه -
[ 233 ]
لك من رسول الله صلى الله عليه واله، فقال نصبه اياي يوم غدير خم فقال لي بالولاية بأمر الله عزوجل. وقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وسافرت مع رسول الله صلى الله عليه واله ليس له خادم غيري، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره، فإذا قام إلى صلاة الليل يخط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا، فاخذتني الحمى ليلة فاسهرتني فسهر رسول الله صلى الله عليه واله لسهري، فبات ليلته بيني وبين مصلاه يصلي ما قدر له، ثم يأتيني يسألني وينظر الي فلم يزل ذلك دأبه حتى اصبح فلما صلى بأصحابه الغداة قال: " اللهم اشف عليا وعافه فانه، اسهرني الليلة مما به " ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: - بمسمع من اصحابه -: " ابشر يا علي " قلت: بشرك الله بخير يارسول الله وجعلني فداك، قال: " اني لم اسئل الله الليلة شيئا الا اعطانيه، ولم اسأله لنفسي شيئا الا سئلت لك مثله، واني دعوت الله عزوجل ان يؤاخي بيني وبينك ففعل، وسئلته ان يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل
وسألته ان يجمع عليك امتي بعدي فابى علي " فقال رجلان احدهما لصاحبه: " أرأيت ما سأل ؟ فوالله لصاع من تمر خير مما سأل: ولو كان سأل ربه ان ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه، أو ينزل عليه كنزا ينفقه واصحابه فان بهم حاجة كان خيرا مما سأل، وما دعا عليا قط إلى خير الا استجاب له. * * * احتجاجه (ع) على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها. فقال: ان الله ذا الجلال والأكرام لما خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده، وارسل رسولا منهم، وأنزل عليه كتابه، وشرع له دينه
- رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال: اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى حين قال موسى: اخلفنى في قومي واصلح.
[ 234 ]
وفرض فرائضه، فكانت الجملة قول الله عزوجل ذكره حيث أمر فقال: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا، فانقلبتم على أعقابكم، وارتددتم ونقضتم الأمر، ونكثتم العهد، ولم تضرا الله شيئا، وقد أمركم الله أن تردوا الأمر إلى الله والى رسوله والى أولي الأمر منكم المستنبطين للعلم، فاقررتم ثم جحدتم، وقد قال الله لكم: " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم واياي فارهبون (1) " ان أهل الكتاب والحكمة والأيمان آل إبراهيم عليه السلام بينه الله لهم فحسدوا، فأنزل الله جل ذكره: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (2) " " فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا (3) " فنحن آل ابراهيم فقد حسدنا آبائنا، وأول من حسد آدم الذي خلقه الله عزوجل بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها، واصطفاه على
العالمين، فحسده الشيطان فكان من الغاوين، ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين، ونوح حسده قومه فقالوا: " ماهذا الا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم انكم إذا لخاسرون (4) " ولله الخيرة يختار من يشاء ويختص برحمته من يشاء ويؤتي الحكمة والعلم من يشاء ثم حسدوا نبينا محمدا صلى الله عليه واله، ألا ونحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، ونحن المحسودون كما حسد آبائنا، قال الله عزوجل: " ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي (5) " وقال: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (6) " فنحن أولى الناس بابراهيم، ونحن ورثناه ونحن أولوا الأرحام الذين ورثنا الكعبة، ونحن آل ابراهيم، افترغبون عن ملة
ابراهيم ؟ وقد قال الله تعالى: " ومن تبعني فانه مني (1) " يا قوم أدعوكم إلى الله والى رسوله، والى كتابه، والى ولي أمره، والى وصيه ووارثه من بعده، فاستجيبوا لنا، واتبعوا آل ابراهيم، واقتدوا بنا، فان ذلك لنا آل ابراهيم فرضا واجبا والأفئدة من الناس تهوي الينا، وذلك دعوة ابراهيم عليه السلام حيث قال: " فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم (2) " فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل علينا، ولا تتفرقوا فتضلوا، والله شهيد عليكم، قد انذرتكم، ودعوتكم، وأرشدتكم، ثم أنتم وما تختارون. * * * احتجاج امير المؤمنين (ع) على الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله لما
ازمعا على الخروج عليه والحجة في انهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة. روي عن ابن عباس رحمه الله انه قال: كنت قاعدا عند علي عليه السلام حين دخل عليه طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما، وقال: قد اعتمرتما فاعادا عليه الكلام فأذن لهما، ثم التفت الي فقال: والله ما يريدان العمرة، وانما يريدان الغدرة قلت له فلا تأذن لهما فردهما، ثم قال لهما: والله ما تريدان العمرة وما تريدان الا نكثا لبيعتكما، وفرقة لامتكما، فحلفا له فأذن لهما، ثم التفت الي فقال: والله ما يريدان العمرة قلت: فلم اذنت لهما ؟ قال، حلفا لي بالله، قال: فخرجا إلى مكة فدخلا على عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها. وروي انه عليه السلام قال عند توجههما إلى مكة للاجتماع مع عايشة للتأليب عليه بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه: اما بعد فان الله عزوجل بعث محمدا صلى الله عليه واله للناس كافة، وجعله رحمة للعالمين
(1) ابراهيم: 36 (2) ابراهيم: 37
[ 236 ]
فصدع بما أمر به (1) وبلغ رسالات ربه، فلم به الصدع (2) ورتق به الفتق (3) وأمن به السبل (4) وحقن بو الدماء (5) وألف بين ذوي الأحن (6) والعداوة والوغر في الصدور، والضغائن الراسخة في القلوب، ثم قبضه الله إليه حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة، ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه عند الفقد وكان من بعده ما كان من التنازع في الأمرة، وتولى أبو بكر، وبعده عمر، ثم عثمان، فلما كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم: " بايعنا " فقلت: " لا افعل " فقلتم: " بلى " فقلت: " لا " وقبضت يدي فبسطتموها، ونازعتكم فجذبتموها، وتداككتم علي تداك الأبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتلي
وأن بعضكم قاتل بعض، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين، ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة، فجددت عليهما العهد في الطاعة، وأن لا يبغيا للأمة الغوائل، فعاهداني، ثم لم يفيا لي، ونكثا بيعتي، ونقضا عهدي، فعجبا من انقيادهما لأبى بكر وعمر، وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين، ولو شئت أن أقول لقلت: " اللهم اغضب عليهما بما صنعا وظفرني بهما ". وقال: عليه السلام في أثناء كلام آخر. وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوة، ولا من ذرية الرسول، حين رأيا أن قد رد علينا حقنا، بعد أعصر فلم يصبرا حولا كاملا، ولا شهرا كاملا، حتى وثبا علي، دأب الماضين قبلهما، ليذهبا بحقي ويفرقا جماعة المسلمين عني، ثم دعا عليهما.
(1) صدع بالأمر: أبانه وأظهره (2) الصدع: الكسر. (3) الرتق: ضد الفتق وهو: الألتيام. (4) السبل: الطرق. (5) حقنت دمه: خلاف هدرته، كأنك جمعته في صاحبه. (6) الأحن: الضغائن.
[ 237 ]
وعن سليم بن قيس الهلالي قال: لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام أهل البصرة يوم الجمل. نادى الزبير يا أبا عبد الله أخرج الي: فخرج الزبير ومعه طلحة. فقال لهما والله إنكما لتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبى بكر: أن كل أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه واله، وقد خاب من افترى. قالا كيف نكون ملعونين ونحن أصحاب بدر وأهل الجنة ؟ !
فقال عليه السلام: لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم، فقال له الزبير: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي: انه سمع من رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " عشرة من قريش في الجنة " ؟ قال علي عليه السلام: سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته، فقال الزبير أفترا كذب على رسول الله صلى الله عليه واله ؟ فقال له علي عليه السلام: " لست أخبرك بشئ حتى تسميهم " قال الزبير: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، وابو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن عمرو بن نفيل. فقال له علي عليه السلام: " عددت تسعة فمن العاشر ؟ " قال له: أنت قال علي عليه السلام: قد اقررت اني من أهل الجنة، واما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فانا به من الجاحدين الكافرين، قال له، أفتراه كذب على رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قال عليه السلام: ما أراه كذب، ولكنه والله اليقين. فقال علي عليه السلام: والله ان بعض من سميته لفي تابوت في شعب في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة، سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله والا اظفرك الله بي وسفك دمى على يديك، والا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك وسفك دمائكم على يدي وعجل ارواحكم إلى النار، فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي. وروى نصر بن مزاحم (1) ان امير المؤمنين عليه السلام حين وقع القتال وقتل طلحة، تقدم على بغلة رسول الله صلى الله عليه واله الشهباء بين الصفين، فدعا الزبير فدنى إليه حتى
(1) نصر بن مزاحم المنقرى العطار، أبو الفضل كوفى مستقيم الطريقة صالح الأمر، غير أنه يروى عن الضعفاء، كتبه حسان كما في خلاصة العلامة
[ 238 ]
اختلف أعناق دابتيهما، فقال: يا زبير أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول انك ستقاتل عليا وأنت له ظالم ؟ قال: نعم. قال: فلم جئت ؟ قال: جئت لأصلح
بين الناس فأدبر الزبير وهو يقول: ترك الأمور التي تخشى عواقبها * لله أجمل في الدنيا وفي الدين أتى علي بامر كنت اعرفه * قد كان عمر ابيك الخير مذحين فقلت حسبك من عذل أبا حسن * بعض الذي قلت هذا اليوم يكفيني فاخترت عارا على نار مؤججة * أنى يقوم لها خلق من الطين نبئت طلحة وسط النقع منجدلا * مأوى الضيوف ومأوى كل مسكين قد كنت أنصر احيانا وينصرني * في النائبات ويرمي من يراميني حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره * فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني قال: وأقبل الزبير على عائشة، فقال: يا أمه مالي في هذا بصيرة، واني منصرف. فقالت عائشة: يا أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب ؟ فقال، انها والله طوال حداد، تحملها فتية انجاد (1)، ثم خرج راجعا فمر بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم، أخبر الاحنف بانصرافه فقال: ما أصنع به ان كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثم هو يريد اللحاق بأهله. فسمعه ابن جرموز فخرج هو ورجلان معه - وقد كان لحق بالزبير رجل من كليب ومعه غلامه - فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير، فحرك الرجلان رواحلهما، وخلفا الزبير وحده، فقال لهما الزبير: مالكما هم ثلاثة ونحن ثلاثة، فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير: اليك عني فقال ابن جرموز: يا أبا عبد الله اني جئتك لأسئلك عن أمور الناس. قال: تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسيف. قال ابن جرموز: أخبرني عن أشياء أسألك عنها. قال: هات قال: أخبرني عن خذلك عثمان، وعن بيعتك عليا وعن نقضك بيعته، وعن إخراجك عائشة، وعن صلاتك خلف ابنك، وعن هذا
(1) انجاد: اشداء شجعان. (*)
[ 239 ]
الحرب التي جنيتها، وعن لحوقك بأهلك. فقال: اما خذلي عثمان فأمر قدم الله فيه الخطية، وأخر فيه التوبة، وأما بيعتي عليا، فلم أجد منها بدا، إذ بايعه المهاجرون والأنصار. وأما نقضي بيعته، فانما بايعته بيدي دون قلبي. واما إخراجي أم المؤمنين، فاردنا أمرا واراد الله أمرا غيره. واما صلاتي خلف ابني فان خالته قدمته فتنحى ابن جرموز عنه. وقال: قتلني الله إن لم أقتلك. وروي انه جئ إلى امير المؤمنين برأس الزبير وسيفه، فتناول سيفه وقال: طال ما والله جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه واله ولكن الحين، ومصارع السوء وروي انه عليه السلام لما مر على طلحة من بين القتلى قال اقعدوه فأقعد فقال: انه كانت لك سابقة من رسول الله، لكن الشيطان دخل في منخريك فاوردك النار. وروي انه مر عليه فقال: هذا ناكث بيعتي، والمنشئ للفتنة في الأمة والمجلب علي الداعي إلى قتلي وقتل عترتي، أجلسوا طلحة: فاجلس. فقال امير المؤمنين: يا طلحة بن عبيد الله قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال: أضجعوا طلحة ! وسار فقال له بعض من كان معه: يا امير المؤمنين أتكلم طلحة بعد قتله ؟ فقال أما والله سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر. وهكذا فعل عليه السلام بكعب بن شور القاضي، لما مر به قتيلا، وقال: هذا الذي خرج علينا في عنقه مصحف، يزعم انه ناصر امه (1) يدعو الناس إلى ما فيه، وهو لا يعلم ما فيه، ثم استفتح وخاب كل جبار عنيد اما انه دعا الله ان يقتلني فقتله الله. وروي ان مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة بسهم رماه به. وروي ايضا ان مروان بن الحكم يوم الجمل كان يرمي بسهامه في العسكرين معا، ويقول: من اصبت منهما فهو فتح، لقلة دينه، وتهمته للجميع، وقيل: ان
اسم الجمل الذي ركبته يوم الجمل عائشة " عسكر " من ولد ابليس اللعين ورؤى منه ذلك اليوم كل عجيب، لأنه كلما ابتر منه قائمة من قوائمه ثبت على أخرى
(1) أي ناصر عائشة.
[ 240 ]
حتى نادى امير المؤمنين عليه السلام: اقتلوا الجمل فانه شيطان، وتولى محمد بن أبى بكر وعمار بن ياسر رحمة الله عليهما عقره بعد طول دمائه. وروى الواقدي (1) ان عمار بن ياسر رحمة الله عليه، لما دخل على عائشة فقال كيف رأيت ضرب نبيك على الحق ؟ فقالت: استبصرت من أجل انك غلبت فقال عمار: انا اشد استبصارا من ذلك. والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعيفات هجر لعلمنا انا على الحق، وانكم على الباطل. فقالت عائشة: هكذا يخيل اليك يا عمار. اذهبت دينك لابن أبي طالب. وروى عن الباقر عليه السلام انه قال: لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما أراني الا مطلقها فانشد الله رجلا سمع من رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي " لما قام فشهد ؟ فقال: فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا: انهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه واله يقول علي بن ابي طالب عليه السلام: " يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي " قال: فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها فقال علي عليه السلام: لقد انبأني رسول الله صلى الله عليه واله بنبأ فقال: ان الله تعالى يمدك يا علي يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.
(1) أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد المدني كان اماما عالما له التصانيف، والمغازى وفتوح الأمصار، وله كتاب الردة وغير ذلك. تولى القضاء بشرقي بغداد وولاه المأمون القضاء بعسكر المهدى، وهى المحلة المعروفة بالرصافة بالجانب الشرقي من بغداد عمرها
المنصور لولده المهدى فنسب إليه. - قال ابن النديم: ان الوقدي كان يتشيع، حسن المذهب، يلزم التقية وهو الذي روى: ان عليا " ع " كان من معجزات النبي " ص " كالعصا لموسى " ع " واحياء الموتى لعيسى بن مريم. - ولد سنة " 130 " وتوفي سنة " 207 " وصلى عليه محمد بن سماعة، ودفن بمقابر خيزران عن الكنى والالقاب للقمى ج 3 ص 230 - 233
[ 241 ]
وروي عن ابن عباس (1) قال لأمير المؤمنين عليه السلام حين أبت عائشة الرجوع دعها في البصرة ولا ترحلها فقال علي عليه السلام: انها لا تألوا شرا، ولكني أردها إلى بيتها. وروى محمد بن اسحاق (2) ان عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على امير المؤمنين، وكتبت إلى معاوية واهل الشام، مع الأسود بن البختري، تحرضهم عليه عليه السلام. وروي ان عمرو بن العاص قال لعائشة: لوددت انك قتلت يوم الجمل فقالت ولم لا أبا لك ؟ قال: كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة، ونجعلك اكثر للتشنيع على علي عليه السلام. * * * احتجاج ام سلمة (رض) (3) زوجة رسول الله على عائشة في الانكار عليها بخروجها على علي امير المؤمنين (ع).
(1) عبد الله بن العباس من اصحاب رسول الله " ص " كان محبا لعلى " ع " وتلميذه، حاله في الجلالة والأخلاص لأمير المؤمنين " ع " أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشى أحاديث تتضمن قدحا فيه، وهو اجل من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير
وأجبنا عليها رضى الله تعالى عنه. خلاصة العلامة ص 102 (2) محمد بن اسحاق اخو يزيد شعر - بالشين المعجمة والعين المهملة والراء - روى الكشى عن حمدويه عن الحسن بن موسى قال: حدثنى يزيد بن اسحاق شعر: ان محمدا اخاه كان يقول بحيات الكاظم " ع " فدعا له الرضا عليه السلام حتى قال بالحق خلاصة العلامة ص 151 (3) ام المؤمنين ام سلمة: بنت ابى امية بن المغيرة بن عبد الله عمر بن مخزوم القرشية المخزومية، وامها عاتكة بنت عبد المطلب زوج النبي " ص " واسمها هند، وكان ابوها يعرف بزاد الركب، من المهاجرات إلى الحبشة، والى المدينة. وكانت مستودعة لبعض الوصايا وميراث النبوة وكان عندها البساط الذى سار به -
[ 242 ]
روى الشعبي (1) عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي (2) قال كنت بمكة مع عبد الله بن الزبير وطلحة والزبير فأرسلا عبد الله بن الزبير فقالا له: ان عثمان
- امير المؤمنين إلى اصحاب الكهف. ولما سار امير المؤمنين " ع " إلى الكوفة استودعها كتبه والوصية، فلما رجع الحسن " ع " دفعتها إليه. ولما توجه الحسين " ع " إلى العراق استودعها كتبه والوصية واوصاها ان تدفعها إلى على بن الحسين ففعلت. وفى الدر النظيم للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي قال بعد خطبة لفاطمة " ع " وكلام ابى بكر فقالت ام سلمة رضى الله عنها، حيث سمعت ما جرى لفاطمة " ع " المثل فاطمة بنت رسول الله " ص " يقال هذا القول ؟ ! هي والله الحوراء بين الأنس، والنفس للنفس، ربيت في حجور الأتقياء، وتناولتها ايدى الملائكة، ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خير نشأ، وربيت خير مربى، اتزعمون ان رسول الله " ص " حرم عليها ميراثه ولم يعلمها، وقد قال الله تعالى " وانذر عشيرتك الأقربين " افأنذرها وخالفت متطلبه وهى خيرة النسوان، وام سادة
الشبان، وعديلة ابنة عمران، تمت بأبيها رسالات ربه، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، ويوسدها يمينه، ويلحفها بشماله، رويدا ورسول الله " ص " بمرأى منكم ! وعلى الله تردون واهالكم ؟ ؟ فسوف تعلمون ! قال: فحرمت ام سلمة عطاها تلك السنة. نعم وفى بيتها نزلت آية التطهير. وهى آخر من مات من نساء النبي " ص " ماتت في زمن يزيد سنة " 63 " راجع اسد الغابة ج 5 ص 588 سفينة البحار ج 1 ص 642 - 643. (1) الشعبى - بفتح الاول وسكون الثاني - أبو عمر عامر بن شراحيل الكوفى، ينسب إلى شعب بطن من همدان. يعد من كبار التابعين وجلتهم، وكان فقيها شاعرا. روى عن خمسين ومائة من اصحاب رسول الله " ص " كذا عن السمعاني. مات فجأة بالكوفة سنة 104 ويظهر من ابن خلكان ان الشعبى كان قاضيا على الكوفة. الكنى والألقاب ج 2 ص 327 - 328 (2) صحابي مجهول.
[ 243 ]
قتل مظلوما، وانا نخاف أمر أمة محمد صلى الله عليه واله ان يختل، فان رأت عائشة أن تخرج معنا لعل الله أن يرتق بها فتقا ويشعب بها صدعا. فخرجنا نمشي حتى انتهينا إليها فدخل عبد الله بن الزبير في سترها وجلست على الباب فأبلغها ما أرسلا به إليها فقالت: سبحان الله ما أمرت بالخروج، وما تحضرني من أمهات المؤمنين الا أم سلمة فان خرجت، خرجت معها. فرجع اليهما فبلغهما ذلك فقالا: ارجع إليها فلتأتها فهى أثقل عليها منا، فرجع إليها فبلغها، فاقبلت حتى دخلت على أم سلمة فقالت: أم سلمة مرحبا بعائشة، والله ما كنت لي بزوارة فما بدالك ؟ قالت: قدم طلحة والزبير فخبرا أن
امير المؤمنين عثمان قتل مظلوما. فصرخت أم سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت يا عائشة بالأمس انت تشهدين عليه بالكفر، وهو اليوم امير المؤمنين قتل مظلوما ! فما تريدين ؟ قالت: تخرجين معنا فعل الله أن يصلح بخروجنا أمر أمة محمد صلى الله عليه واله قالت: يا عائشة تخرجين وقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه واله ما سمعنا ؟ ! نشدتك بالله يا عائشة الذي يعلم صدقك ان صدقت أتذكرين يوما كان نوبتك من رسول الله صلى الله عليه واله، فصنعت حريرة في بيتي فاتيته بها وهو صلى الله عليه واله يقول: والله لا يذهب الليالي والأيام حتى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له: " الحوأب " امرأة من نسائي في فئة باغية، فسقط الاناء من يدي، فرفع رأسه الي وقال: ما بالك يا أم سلمة ؟ فقلت: يارسول الله صلى الله عليه واله ألا يسقط الاناء من يدي وانت تقول ما تقول ما يؤمنني ان اكون هي انا ؟ ! فضحكت أنت فالتفت اليك فقال صلى الله عليه واله مما تضحكين يا حميراء الساقين ؟ اني احسبك هيه. ونشدتك بالله يا عائشة أتذكرين ليلة أسري بنا مع رسول الله صلى الله عليه واله من مكان كذا وكذا وهو بيني وبين علي بن أبي طالب عليه السلام يحدثنا، فأدخلت جملك فحال بينه وبين علي فرفع مقرعة كانت معه يضرب بها وجه جملك قال: اما والله ما يومه منك بواحدة، اما انه لا يبغضه الا منافق كذاب ؟ وانشدك بالله أتذكرين مرض رسول الله صلى الله عليه واله الذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر. وقد كان علي
[ 244 ]
ابن أبى طالب عليه السلام يتعاهد ثوب رسول الله صلى الله عليه واله ونعله وخفه ويصلح ما وهي منها فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول الله وهي حضرمية فهو يخصفها خلف البيت، فاستأذنا عليه فاذن لهما، فقالا: يارسول الله كيف أصبحت ؟ قال أصبحت أحمد الله، قالا: لابد من الموت، قال: اجل لابد من الموت، قالا: يارسول الله فهل استخلفت أحدا قال: ما خليفتي فيكم الا خاصف النعل فخرجا فمرا على علي بن
ابى طالب عليه السلام وهو يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه واله، كل ذلك تعرفينه يا عائشة وتشهدين عليه، ثم قالت أم سلمة يا عائشة أنا اخرج على علي بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله ؟ ! فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت يابن الزبير ابلغهما انى لست بخارجة من بعد الذي سمعت من أم سلمة، فرجع فبلغهما قال: فما انتصف الليل حتى سمعت رغاء ابلهما ترتحل فارتحلت معهما. وروي عن الصادق عليه السلام انه قال دخلت أم سلمة بنت أبى أمية على عائشة لما أزمعت الخروج إلى البصرة فحمدت الله وصلت على النبي صلى الله عليه واله ثم قالت: يا هذه انك سدة بين رسول الله وبين امته، وحجابه عليك مضروب وعلى حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه (1) وضم ظفرك فلا تنشريه، وشد عقيرتك فلا تصحريها (2) ان الله من وراء هذه الأمة وقد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد اليك فعل بل نها عن الفرطة في البلاد (3) ان عمود الدين لن يثاب بالنساء ان مال (4) ولا يراب بهن ان انصدع (5)، جمال النساء غض الأطراف، وضم الذيول والأعطاف وما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه واله عارضك في بعض هذه الفلوات وأنت ناصة قعودا من منهل إلى منهل، ومنزل إلى منزل، ولغير الله مهواك، وعلى رسول الله