بسم الله الرحمن الرحيم
بعدما تعرفنا على مقدّمة هذا الكتاب والهدف من تأليفه والغاية من كتابته وقبل الدخول في محتواه ومواضيعه الشيّقة ومطالبه الجمّة والمفيدة، نودّ أن نُعَرِّف القارئ العزيز على هويّة هذا المخلوق «ابليس» المطرود. ونكشف الغطاء عن بعض أسرارالحرب الدائمة، ضدّه وضدّ أعوانه لعنهم الله.
ثمّ إنّ الغاية من هذا التعريف المختصر بإبليس القائد العام للجيش المعادي والعدوّ اللدود لذرية آدم× في هذه الحرب الدائمة، هو أن يتّضح للناس ويتبيّن لهم من هو هذا المخلوق المطرود اليائس الملعون حتی يحذروه.
السرّ رقم (1):
ما اسم إبليس؟ وما كُنيته؟ وهل هو من الملائكة أم كان معهم؟
قال الطريحي في مجمع البحرين: «”إِبْلِيسُ“ إفعيل من أَبْلَسَ أي يئس من رحمة الله، يقال إنه اسم أعجمي فلذلك لا ينصرف، وقيل عربي. وفي حياة الحيوان: وكنية إبليس “أبو مرة“»([1]).
وله ألقاب وكنى عديدة، منها: الخنّاس، والأجدع، والباطل، وأبو مرة، وأبو لبينى وهي ابنته، وأبو خلاف، وأبو العيزار وغيرها.
و«إبليس» هو الاسم المعروف به، وقد ذكر اسمه ـ إبليس ـ في القرآن الكريم أحد عشر مرّة.
والشيطان کذا اسمه المعروف بل كلّ عات متمرّد من الجنّ والإنس والدواب شيطان([2]). وأصله فيعال من شطن أي بَعُدَ([3]).
هل هو من الملائكة أم كان معهم؟
وهنا بحث طويل وعريض ونختصر علی الرواية التي يذكرها المحقّق الكبير الطريحي: رُوِيَ عَنْ رسول الله| أَنَّهُ قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَدَخَلَ فِي أَمْرِهِ الْمَلَائِكَةُ وإِبْلِيسُ، فَإِنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ يَعْبُدُ اللَّهَ وكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَظُنُّ أَنَّهُ مِنْهُمْ ولَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ خَرَجَ مَا كَانَ فِي قَلْبِ إِبْلِيسَ مِنَ الْحَسَدِ فَعَلِمَتِ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ. فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ وَقَعَ الْأَمْرُ عَلَى إِبْلِيسَ ومَا أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُود لِآدَمَ؟ فَقَالَ|: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْهُمْ بِالْوَلَاءِ ولَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ، وذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقاً قَبْلَ آدَمَ وكَانَ إِبْلِيسُ فِيهِمْ فِي الْأَرْضِ، فَاعْتَدَوْا وأَفْسَدُوا وسَفَكُوا الدِّمَاءَ، فَبَعَثَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَقَتَلُوهُمْ وأَسَرُوا إِبْلِيسَ ورَفَعُوهُ إِلَى السَّمَاءِ، وكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ يَعْبُدُ اللَّهَ إِلَى أَنْ خَلَقَ اللَّهُ آدَم»([4]).
وقد وصفه القرآن الكريم بــ «الرجيم»: {قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجيم}([5]).
عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيَّ× يَقُولُ: (مَعْنَى الرَّجِيمِ أَنَّهُ مَرْجُومٌ بِاللَّعْنِ مَطْرُودٌ مِنْ مَوَاضِعِ الْخَيْرِ لَا يَذْكُرُهُ مُؤْمِنٌ إِلَّا لَعَنَهُ وإِنَّ فِي عِلْمِ اللَّهِ السَّابِقِ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ. لَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ فِي زَمَانِهِ إِلَّا رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَرْجُوماً بِاللَّعْنِ)([6]).
وقد أشار اصحاب الخبرة إلى أنّ لإبليس دورٌ مهم لدى السحرة والمشعوذين، وعن طريقه ينجزون أعمالهم الشريرة ومآربهم الفاسدة، ويعتبرونه رئيساً للأرواح الشريرة السفليّة. ومن المعلوم أنهم لا يؤثرون بأحد من البشر إلّا بإذن الله تعالى.
([1]) مجمع البحرين: 4/54.
([2]) مجمع البحرين: 6/272.
([3]) كتاب العين: 6/236.
([4]) بحار الأنوار: 60/273 ؛ مجمع البحرين: 4/54.
([5]) سورة الحجر: 34.
([6]) بحار الأنوار: 60/242.