الوقت- وسط استمرار التوتر في مدينة الشيخ جراح في مدينة القدس، على إثر التحركات الإسرائيلية الأخيرة الهادفة لإخلاء منازل السكان، قررت السلطة الفلسطينية تحريك هذه القضية في المحكمة الجنائية الدولية.
وتوجه وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة الفلسطينية، رياض المالكي، برسالة إلى المدعية العامة للجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، يستعرض فيها ما يتعرض له أهل حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، من جرائم الطرد والتهجير، ويطالب باتخاذ موقف علني وواضح تجاهها.
السلطة الفلسطينية تركز فقط على المحاولات السلمية لردع الاحتلال عما يقوم به، والسؤال هل تصدق السلطة هذه الكذبة الكبيرة، منذ اتفاق أوسلو وهي تحاول بالطريقة السلمية مع الاحتلال للحفاظ على الحقوق الفلسطينية أو استردادها وماذا كانت النتيجة المزيد من قضم الاراضي والمزيد من الاحتلال والمزيد من التهجير وبالقوة كما نشاهد اليوم في حي الشيخ جراح، هل تقابل اسرائيل السلطة السلمية بالسلمية؟.
مع ذلك لا تزال السلطة تفضل الجانب السلمي، حيث أعلن المتحدث بإسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم عن إحالة ملف البيوت المستهدفة بالاستيلاء عليها في حي الشيخ جراح إلى محكمة الجنايات الدولية.
وقال ملحم في تصريح صحفي “بتوجيهات من رئيس السلطة محمود عباس، إحالة ملف البيوت المستهدفة بالاستيلاء عليها في الشيخ جراح إلى محكمة الجنايات الدولية باعتبارها جريمة حرب وفق ميثاق روما، ومخالفة صريحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.
السلطة الفلسطينية لم تدعوا أحد للمقاومة ورص الصفوف كما فعلت حماس التي دعت الفصائل ومكونات الشعب الفلسطيني إلى “تبنّي استراتيجية عمل مقاوم، لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية في حيّ الشيخ جرّاح بمدينة القدس المُحتلّة، وتعزيز صمود سكانها”.
الأخطر من هذا أن السلطة الفلسطينية تتعاون مع الاحتلال الاسرائيلي لالقاء القبض على المقاومين، حيث أثار إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن دور أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في اعتقال منفذ عملية حاجز زعترة العسكري، غضبا واسعا في الشارع الفلسطيني، وسط مطالبات بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
ومساء الأربعاء، أعلنت شرطة الاحتلال اعتقال منتصر شبلي (44 عاما)، الذي ينسب له تنفيذ عملية إطلاق النار قرب حاجز زعترة العسكري، شمالي الضفة الغربية المحتلة، الأحد الماضي، التي أسفرت عن وفاة إسرائيلي وإصابة مستوطنين آخرين.
وقالت في بيان، إنها تلقت معلومات استخباراتية تفيد بأن شبلي يتواجد في أحد منازل سلواد التابعة لمحافظة رام الله والبيرة في الضفة الغربية المحتلة، وأشارت إلى إن الاعتقال نفذ بواسطة عناصر وحدة “يمام”، وعناصر من جهاز الأمن الإسرائيلي العام (شاباك).
واعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أفرادا من عائلة شبلي، بمن فيهم نجله أحمد، وهددوا زوجته، أثناء مداهمة منزل العائلة في ترمسعيا، ليلة الاثنين/الثلاثاء، بقتل زوجها منتصر إذا لم يسلم نفسه.
السلمية
في الحقيقة ألزمت اتفاقات أوسلو السلطة الفلسطينية باستخدام الوسائل السلمية فقط، لكنها لم تلزم الاحتلال بذلك. غير أن تبني المقاومة “السلمية” كأساس لانتزاع الحقوق الفلسطينية، لا يثير إلا سخرية الاحتلال، وربما بعض الشفقة من المجتمع الدولي، الذي سيترك الاحتلال يتابع بطشه وتهويده للأرض والإنسان.
فما الجديد الذي ستقدمه المقاومة “السلمية” بعد عشرات الأعوام من الفشل المتواصل لهكذا أساليب. وإذا كان ثمة فائدة لهذه المقاومة فلتكن أداة من أدوات الحد الأدنى، وليس جوهر الاستراتيجية النضالية الجهادية الفلسطينية التي تتطلب اللغة التي يفهمها الاحتلال والمجتمع الدولي.. وهي لغة القوة.
كما أن مواصلة النضال السلمي على المستوى الدولي وتبني رؤية الانتقال من “سلطة” تحت الاحتلال إلى “دولة” تحت الاحتلال، لن يُحدث فارقاً نوعياً يُغيّر مجرى الأحداث؛ فقد سبق للفلسطينيين أن أعلنوا دولتهم المستقلة في 1/10/1948، كما أعلنوا الاستقلال مرة أخرى في 15/11/1988؛ وجرى تجاوزهما في كلتا الحالتين. وحتى الآن تعترف نحو 135دولة بفلسطين كدولة محتلة، دون أن يمنع ذلك يهودياً صهيونياً واحداً من الاستيطان في أراضي هذه “الدولة” التي يجري قضمها وهضمها بشكل منهجي نشط.
الانتخابات
في موضوع الانتخابات الفلسطينية يعد قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تأجيل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، من القرارات التي تصب فقط في صالح اسرائيل على حساب مصالح الشعب الفلسطيني الذي يتوق للعملية الديمقراطية.
محمود عباس نفسه يعلم أن الانتخابات لاتصب في صالح اسرائيل وهي تشكل خطرا عليها لكونها توحد صفوف الفلسطينيين ومع ذلك قرر تأجيل الانتخابات، الأمر الذي يسمح لاسرائيل بأن تتطاول على الفلسطينيين أكثر فأكثر وهذا ما نشاهده يحصل في حي الشيخ جراح.
بعد 27 عاماً على اتفاق أوسلو، وصل مشروع السلطة الفلسطينية إلى طريق مسدود، فليس ثمة أفق لدولة فلسطينية حقيقية. والسلطة تواجه خيار تكريس دورها كسلطة في خدمة الاحتلال تنوب عنه في مهامه القذرة؛ أو خيار حلَّ نفسها وتحميل الاحتلال مسؤولياته؛ أو خيار فصل الجانب السياسي عن الخدماتي والمدني في دورها فتُبقي على الجانب المدني، وتعيد السياسي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، كما تلغي دورها الأمني المتعاون مع الاحتلال. وهي في كل الأحوال لم تعد تحمل مشروعاً وطنياً يمكن البناء عليه، بعد أن أصبحت في الضفة الغربية أداة مهترئة بيد العدو، فاشلة سياسياً ومنهارة اقتصادياً، وموظفة أمنياً لإسكات الشعب الفلسطيني ومنع انتفاضته وانفجاره في وجه العدو.
وأياً يكن الاختيار من بين الاحتمالات الثلاثة، فالسلطة الفلسطينية تجاوزها التاريخ وتجاوزتها الأحداث كمدخل لحلّ الدولتين أو للتحرير المرحلي لفلسطين، وتجاوزها الصهاينة والأمريكان، كما يجري تجاوزها من المُطبِّعين العرب. ولم يعد أمام الفلسطينيين، وخصوصاً القيادة الرسمية لمنظمة التحرير والسلطة نفسها وحركة فتح، من خيار إلا البحث عن “قاطرة” أو رافعة أخرى لمشروعهم الوطني ومشروعهم في التحرير؛ وإلا فسيتجاوزهم التاريخ أيضاً.
المراهنة على إصلاح السلطة الفلسطينية أو اعتبارها قاطرة للتغيير الوطني لم يعد أمراً ممكناً، إن الآمال في بناء شرعية فلسطينية حقيقية وبناء مؤسسات تشريعية ورئاسية وتنفيذية شفافة، ناتجة عن انتخابات حرة تحت الاحتلال هي أحلام بعيدة المنال.