Home / الاسلام والحياة / اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟ 5

اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟ 5

تدوين السنة الشريفة
بدايته المبكرة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ومصيره في عهود الخلفاء إلى نهاية القرن الأول
– السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

هذا البحث جدير بالقراءة والتمعن.

القسم 4

التاسع: زعم أن أمير المؤمنين 8 قال: إن أبا بكر أسلم وأنا جذعه

أقول ولا يسمع لقولي. وهذا شطط من الأضاليل، وحسبنا في بطلانه ما كان في مبدأ الدعوة الإسلامية قبل ظهورها بمكة إذ أنزل الله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى دار عمه أبي طالب، وهم يومئذ أربعون

(هامش)

(1) هي مع كل ما نقلناه عنه وكثير من أمثاله موجود في نهج البلاغة فليراجع. (*)

ص 44

رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب. والحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة، وفي آخره قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على أمري هذا. فقال علي – وكان أحدثهم سنا -: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله برقبة علي، وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. أه‍ فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (1).

(هامش)

(1) تجد مصادر هذا الحديث في المراجعة العشرين من كتاب المراجعات وفيها علقناه عليها. (*)

ص 45

قلت: لو لم يكن لأمير المؤمنين في بدء الإسلام إلا هذا المقام لكفى في تسفيه من قال إنه كان يومئذ إذا قال لا يسمع لقوله بل كان إذا قال بد القائلين بجلالة تعنو لها الجباه، وعظمة يخفض لها جناح الضعة.

العاشر: زعم أن الشيعة الإمامية أعمتهم السياسة، فأنشأوا من حزب سياسي مذهبا ديني

الجواب، أنهم أبعد الناس عن السياسة الظالم أهلها، وعن ساستها، وإنما أعمت هذه السياسة قوما آخرين أدى بهم العمة إلى مخالفة نصوصها الجليلة الثابتة عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم: وما كان لمؤمن ولا لمؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا.

الحادي عشر: زعم أن الشيعة كفروا كل من لم يوافقهم على هواهم.

ص 46

قلت: هذه إفكة أفاك، وفرية صواغ يدس النمائم، ويبس العقارب، نعوذ بالله من سماسرة الشقاق، وزراع العداوات ظلما وعدوانا، ونبرأ إلى الله من تكفير أحد من أهل الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، والصلوات الخمس إلى القبلة، والزكاة المفروضة وصوم الشهر وحج البيت، ووجوب العمل بالكتاب والسنة وكيف نكفر المسلمين، وقد قال إمامنا الذي نهتدي بهديه، ونكون نصب أمره ونهيه أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في صحيح حمران ابن أعين من كلام رفعه إليه: والإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان. أه‍

ص 47

وقال الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام في خبر سفيان بن السمط: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان. وقال عليه السلام في خبر سماعة: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله، وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس. إلى كثير مما هو مأثور عنهم في هذا المعنى مما لا يسعنا استيفاؤه، وهذا القدر كاف لتزييف المبطلين، ورد عاديتهم.

الثاني عشر: زعم أن الشيعة الإمامية أرمضوا نفسه الزكية

إذ جاؤا بأشد ما يرمض النفوس، وذلك أنهم عبثوا بالتاريخ على زعمه، وعاثوا فيه بتصوير

ص 48

الأحداث على ما يقتضيه مذهبهم في موالاة الطالبيين، وعداوة الأمويين. قلت، إني وأيم الحق لا أعرف مؤرخا مثله يعبث بالتاريخ ويعبث فيه من أجل الهوى، ومن ألم بما زوره قي خطط الشام وصاغه في مجلة المجمع (1) من مناقب

(هامش)

(1) وحسبك مما زوره من مناقب الأمويين ما تجده في ص 408 إلى آخر ص 411 من المجلد السادس عشر من مجلة المجمع، وما تجده في ص 450 وما بعدها إلى ص 455 من المجلد نفسه، وهناك تفضيل بني أمية على قريش، وهناك شرف أبي سفيان بالخصوص، وعلو مكانته في باحة الشرف في الجاهلية والإسلام، وهناك تميز نساء بني أمية في ملكاتهن وشرف نفوسهن على نساء العرب، ولا سيما جويرية بت أبي سفيان وهند بنت عتبة التي يقول فيها حسان بن ثابت: لعن الإله وزوجها هند الهنود * البيت وهناك منن أبي سفيان وأبيه حرب على العرب، وتميز معاوية بأعوانه ومقوية سلطانه فيما يصلح الإسلام، وهناك ميزات بني أمية ولا سيما مروان الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون وبنوه، كالوليد وسليمان ويزيد وهشام والوليد بن يزيد، وهناك تأثيراتهم الدينية والمدنية وخصائص قوادهم ومناهج عمالهم التي تركوها أحدوثة في الغابرين. وهناك الخيانة بتصوير الأحداث بخلاف ما كانت عليه في الواقع وتزويرها على ما يقتضيه هواه في سلفه الصالح من بني أمية وأعوانهم، فراجع، وأعجب من أمانة الأستاذ على التاريخ، وبعده عن التحزب، والتعصب لتلك الجيف المنتنة التي ملأت الدنيا وباء في الأخلاق. (*)

ص 49

بني أمية، ومثالب خصومهم وجد العيث الفظيع بتصوير الأمرين على ما يقتضيه هواه في بني أمية، وانحرافه عن خصومهم، ولا سيما أهل البيت وأشياعهم ومن هنا صورنا حضرة الأستاذ كذبة لا نؤتمن على التاريخ، غلاة في الطالبيين قائلين بأن لهم الكمال المطلق، وأنهم فوق البشر، وأن المعاصي حلال لهم، إلى آخر ما سمعت إرجافه بنا، والآن يحملنا وزره الذي أنقض ظهره من العيث في التاريخ، فكان في كل ذلك مصداق المثل السائر – رمتني بدائها وانسلت –

الثالث عشر: تسور الأستاذ على مقام ابن شهر اشوب

ص 50

رشيد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب شيخ مشائخ الإمامية في عصره وصاحب كتابي المناقب والمعالم وغيرهما من الكتب الممتعة فشتمه وازدرى به على غير ذنب للرجل إلا ورعه، وإخلاصه في علمه وعمله وأحاطته بالسنن المقدسة وآثار أهل بيت الرحمة، ولا غرو في تسفيه الأستاذ إياه، فإن المرء عدو ما جهل. وكفى في فضل ابن شهرآشوب إذعان الفحول من أعلام أهل السنة له بجلالة القدر وعلو المنزلة، وقد ترجمه الشيخ صلاح الدين الصفدي خليل بن ايبك الشافعي، فذكر أنه حفظ أكثر القرآن الكريم وله ثمان سنين، وبلغ النهاية في أصول الشيعة، (قال) وكان يرحل إليه من البلاد، ثم تقدم في علم القرآن، والغريب، والنحو، ووعظ على المنبر

ص 51

أيام المقتفي ببغداد، فأعجبه وخلع عليه (قال) وكان بهي المنظر حسن الوجه والشيبة، صدوق اللهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الخشوع والعبادة والتهجد، لا يكون إلا على وضوء (قال) وأثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناءا كثيرا، توفي سنة 588 انتهى كلام الصفدي. وذكره الفيروز آبادي في محكى بلغته، وأثنى عليه بما يقرب من ثناء الصفدي، وذكر أنه عاش أكثر من مائة سنة إلا عشرة أشهر. وعن بعض أهل المعاجم في التراجم من أهل السنة أنه قال في ترجمته، وكان إمام عصره، ووحيد دهره أحسن الجمع والتأليف، وغلب عليه علم القرآن والحديث، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه وتعليقات الحديث

ص 52

ورجاله ومراسيله، ومتفقه ومتفرقه إلى غير ذلك من أنواعه، واسع العلم، كثير الفنون مات في شعبان سنة 588.

الرابع عشر: زعم الأستاذ أن كتاب المناقب لابن شهرآشوب كله كذب وسخافات

في مناقب آل أبي طالب كله سخافات وخرافات وكذب وهو من أسخف سلسلة سخافات الشيعة، واسترسل في هذا الكلام العذب اللطيف الدال على حكمة المتكلم وأخلاقه. ونحن ننصف الأستاذ، فإنه لا يستطيع أن يسمع بذكر آل محمد، فضلا عن خصائصهم، ولئن عدها سخافة وخرافة، وعد مؤلفها سفيها فلا حرج عليه، فإن له مذهبه ولنا مذهبنا، ولو كان كتاب ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي سفيان، أو آل أبي معيط، أو آل أبي العاص لكان على رأي الأستاذ

ص 53

زبورا وكانت مضامينه هدى ونورا. استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل فجدعا لمعاطس قوم، يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم.

كلام الأستاذ بلفظه

قال (1): ولشيعية المسعودي، مدخل كبير في آرائه، لأن من جوزوا الكذب على مخالفيهم، وغلوا في حب الطالبيين، حتى جعلوهم فوق البشر، (1)*

(هامش)

*(1) في آخر صة 395 والتي بعدها، من المجلد 22 من مجلة المجمع. (*)

ص 54

وجعلوا لهم الكمال المطلق، وأن المعاصي حلال لهم، حرام على غيرهم، لا يؤتمنون على التاريخ، (1) والمتعصب لفئة يجب الاحتياط في الأخذ عنه (2) بخلاف المتسامح الذي لا ضلع له مع أحد، (3) وما خدم به المسعودي التشيع، لم يرض به الشيعة (4

(هامش)

(1) أفردنا لكل من هذه التهم الخمس، كلاما خاصا بها، فكان والحمد لله، على فسه، فإن تعصبه لفئته الأموية، ثابت لكل من ألم بخطط الشام، أو بمجلة المجمع، أو يكرد علي نفسه، أو بمجرد طبعه أو وضعه. (3) ما أجرأ هذا الرجل على الدعاوي الباطلة، فإن ضلعه الضليغ، مع آل أبي العاص وسائر الأمويين، ثابت بمحاضراته ومناظراته، وسائر نفثات فمه ولسانه، المسخرين لأعداء الله ورسوله فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله. (4) لئن لم يرض بعض الشيعة، بمروج الذهب إذ لم يخدمهم به، فقد أرضاهم بما خدم به الحقيقة، من غير تقية، ككتابيه في الإمامة، وهما الإستبصار والصفوة، وكتابه في إثبات الوصية لأمير المؤمنين، وكتابه أخبار الزمان الذي يحيل عليه، في مروج الذهب. (*)

ص 55

فهو مخالف للإماميين والجماعيين وكل فريق يريده أن يكون له وحده، وأن يقبل مذهبه بحذافيره، ويدافع عنه بالحق والباطل (1)، والتشيع، ما كان بادئ ذي بدء، إلا بتفضيل على بالإمامة على الشيخين (2)، حتى أن الشريف الرضي، من أكبر أئمتهم، كان يترضى عن الشيخين، ويشمئز ممن ينالهما بسوء، ويقول: أنهما وليا وعدلا (3)، وكذلك شأن جده الأعلى، أمير المؤمنين على ابن أبي طالب كرم الله وجهه (4) كان يقول: إن أبا بكر ما ظلماني

(هامش)

(1) أن أهل الحق في غنية بحقهم عن الدفاع عنه بالباطل، وإنما يدافع بالباطل عن الظلال حيث لا دليل عليه سوى الأباطيل. (2) بل كان ما هو عليه الآن، كما ذكرناه في ص 37 (3) هذا كله كذب وافتراء على الشريف الرضي والثابت عنه ما نقلناه في ص 38 فراجع. (4) يريد الأستاذ أن يستر ما انطوت عليه أحناء صدره، وانحنت عليه أضلعه، فقال مرغما علي أمير المؤمنين، كرم الله وجهه. (*)

ص 56

ذرة، (1) وإن أبا بكر أسلم وأنا جذعة، أقول فلا يسمع لقولي فكيف أكون أحق بمقام أبي بكر (2 (الق): عفا الله عن قوم أعمتهم السياسة (3) فأنشأوا من حزب سياسي مذهبا دينيا (4) وكفروا كل من لم يوافقهم على هواهم (5) وجاء متأخروهم فأدخلوا في معتقداتهم، ما يقل به متقدموهم (6) من أخلص الناس لدعوتهم، وفرقوا بين أجزاء

(هامش)

(1) هذا لم يثبت عن أمير المؤمنين والثابت عنه ما أوردناه ص 40 فراجع. (2) هذا يناقض الثابت عن أمير المؤمنين وعلو مقامه يوم أسلم أبو بكر كما بيناه في ص 43 فراجع. (3) السياسة أنما أعمت من لم يبصر نصوصها عن نبيه كما بيناه سابقا. (4) لا وجه لهذا الكلام سوى الأرجاف والمجازفة. (5) كذب علينا من نسب إلينا تكفير المسلمين، كما أوضحناه في ص 45 وما بعدها فراجع. (6) هذا مجرد عدوان، والله المستعان. (*)

ص 57

القلوب (1) قال: وأشد ما يرمض النفوس، في هذا الباب أن يعبث بالتاريخ، من أجل المذهب، ويموه السخفاء، ليصوروا الأحداث، على ما يشاؤون لتأييد مذهبهم (2) هذا نص كلامه وقد علق عليه فقال ما هذا لفظه: ومن سفهائهم رجل اسمه شهرا شوب (3) من أهل القرن السادس، كتب كتابا في مناقب

(هامش)

(1) إنما شق عصا المسلمين وفرق قلوبهم، أهل الظلم والعدوان. والأفك والبهتان. (2) هذه الكلمة في نفسها حق، أجراه الله على لسانه لتكون حجة عليه، فإن دأبه وديدنه العبث بالتاريخ من أجل هواه لكن الرجل أراد بها الباطل، كالتي رمتني بدائها وانسلت. (3) بل هو الشيخ رشيد الدين أبو جعفر، محمد بن علي بن شهرآشوب، المشهور بفضله وتقواه ورشده وهداه بشهادة جماعة من أعلام أهل السنة، كما بيناه في الأصل قريبا فراجع. (*)

ص 58

آل أبي طالب (1)، حشاه كذبا واختلافا (2)، ما نظن عاقلا في الأرض يوافقه عليه (3)، وكتابه من أسخف ما أثر، من سلسلة تلك السخافات (4)، سيتم فيه الصحابة الكرام كلهم (5)، ما عدا بضعة منهم، كانوا مع علي، واختلق كل قبيح، ألصقه برجال الدين الإسلام لغيرهم في انتشاره (1)،

(هامش)

(1) هذا جرمه الذي أبيح به ظلمه. (2) بل قوله هذا هو الكذب والاختلاف. (3) بل يوافقه من المسلمين مائة مليون من الشيعة، فيهم الحكماء والعلماء والأدباء والساسة المدبرون، والفلاسفة المفكرون وأهل الورع والاحتياط والقوة والنشاط. (4) هذا مجرد أرجاف وأجحاف فلا قيمة له. (5) ما شتم الصحابة الكرام وإنما شتم المنافقين اللئام لنفاقهم في دين الإسلام. (6) هذا عدوان وبهتان وتحريش وتأريش وسعي بين المسلمين بالأكاذيب والتضاريب نعوذ بالله من رسل الشر وسفراء السوء وسماسرة الشقاق وتجار الفساد وزراع العداوات وبه نعوذ من شرورهم وندرأ به في نحورهم. (*)

ص 59

وأورد من الشعر لإثبات أباطيله، ما هو سبة على قائله وناقله، على وجه الدهر (1). أهـ.

استئناف الاحتجاج على هذا العدوان بشكل آخر

كان الأجدر بنا، إذ بلغ الأستاذ من ظلمنا هذا المبلغ، أن نعمل بقوله تعالى، مخاطبا لأعز خلقه عليه، وأقربهم منزلة إليه ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور، خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين،

(هامش)

(1) من كان يخلق ما يقول * فحيلتي به قليلة (*)

ص 60

على أن الترفع عن استعراض هذه الثرثرات، التي لا وزن لها أولى بنا، وبمثلنا العليا، إذ لو قام بها مرجف مجحف، من مجازفي القرون الوسطى لوسعه الناس إنكارا، فما قيمة عرضها اليوم على الناس، والناس لا يكادون يؤمنون بغير المحسوس، والمحسوس الملموس من مذهبنا، المتمثل في أعمالنا وأقوالنا، والألوف المؤلفة من أسفارنا، خلاف ما يرجفون لكني – مع ذلك – آثرت الاقتداء بالذكر الحكيم، والفرقان العظيم إذ يقول وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيدهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان، ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة تعالى عما يشركون،

ص 61

ونحن لو كلفنا الأستاذ، بإثبات شيء مما عزاه إلينا جناه لأحر مزجورا مدحورا، بل لو اجتمع الأمويون بعضارطهم، والخوارج بحثالتهم، والنواصب بطغامهم وسائر أعداء الله ورسوله، بقضهم وقضيضهم، على أن يأتوا بدليل على تلك المفتريات، لا يأتون به، ولو كان لبعضهم ظهيرا، وها أنا نتحداهم، هاتفين: هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين. والأستاذ قد كاشر كثيرا من رجال الشيعة، وحاضر في أنديتهم وتقلب بينهم، متخللا دهماءهم، وأبلى أخلاق كثير من فضلائهم، ولا سيما شركاؤه في المجمع، متعرفا دخائلهم، فهل استشعر من أحدهم شيئا، مما قذفهم به،؟ كلا ثم كلا، بل رأى منهم بعينيه، وسمع منهم بأذنيه، ولمس منهم بكلتا يديه، هدي محمد وآل محمد، ماثلا في

ص 62

أقوالهم، جليا في أفعالهم، وبهذا دبت بيننا وبينه عقارب الحسد، وسعت آكلة الأكباد. وأن مما يثير العجب والاستغراب، أن سخافات الأستاذ، التي بهتنا بها – على ريق لم يبلعه، ونفس لم يقطعه – لو بهت بها أمة أبادها الله قبل الطوفان مثلا، فانمحت آثارها وأخبارها، من عالم الوجود، لكان له أن يأمن من الفضيحة. أما وقد أرسلها عمن هم حوله وفي مجمعه، وهم هم كما يعلمهم قد ملأوا الدنيا الإسلامية، بعلمهم الغزير، وعملهم الصالح، وآثارهم الممتعة الخالدة فإنه لا محالة مغلوب بنشوته على عقله. ولو أن الأستاذ سبرغور ابن شهرآشوب العبد الصالح الذي ما عصى الله تعالى منذ عرفه، ما حكم عليه بالسفه والاختلاق، ولو أمعن في كتابه لعرف

ص 63

أنه نصوح فيه لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم، لكن الأستاذ لا يطيق ذكر آل أبي طالب فضلا عن سبر غورهم وتدبر مناقبهم فحكمه على ابن شهرآشوب وعلى كتابه لم يكن عن تثبت أو روية وإنما كان عن حسيكة مضمرة وعين ساخطة وتلك بينته على ما ادعى، وبها نعى علينا كل ما نعى والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات ابناؤها ادعياء. ولو أن زوطيا أو كرديا ألف في مناقب آل أبي العاص أو آل أبي معيط لعده الستاذ في الرعيل ممن عندهم مقطع الحق ومشعب السداد، ولجعل مؤلفه الحد الفاصل، بين الحق والباطل، ومن عشق شيئا أعشى بصره، وأمرض قلبه. وعين الرضا عن كل عيب كليلة * كما أن عين السخط تبدي المساويا

ص 64

ولو فرض أن في كتاب ابن شهرآشوب أحاديث لا يعرفها الأستاذ ولا يتعرف عليها أمثاله، بل لو فرض ضعفها عندنا فأي وزر يلحق الرجل بإيرادها في كتابه وكتابه غير خاص بصحاح السنن، ولا هو ممن أخذ على نفسه شرطا في جمعه وقد استمرت سيرة السلف والخلف من إثبات الأمة كافة على جمع كل ما هو مأثور من السنن من غير انتفاء ولا تمحيص ولا سيما السنن المأثورة في المناقب، وعلى جواز ذلك انعقد الإجماع العملي من جميع فرق المسلمين من صدر الإسلام إلى هذه الأيام (1) وهل هو إلا واحد من مئات الأثبات سلكوا

(هامش)

(1) لا كلام في أكثر أصحاب المسانيد من إثبات أهل السنة لم يمحصوا ما أثبتوه في مسانيدهم بل أثبتوا المأثور من ذلك سواء أكان صحيحا أم غير صحيح إذ لم يكونوا إلا في صدد الجمع فقط احتفاظا بالمأثور واحتياطا على أن لا يضيع منه شيء وتركوا التمحيص لغيرهم. (*)

ص 65

في حفظ المأثورات مسلك الاحتفاظ بها، والاحتياط عليها، بجمعها كلها على علاتها لئلا يفوت الأمة شيء منها، وتركوا تمحيصها – وهو واجب كفائي – اعتمادا على جهابذة آخرين تخصصوا بالتمحيص وهم أهله.

Check Also

الدرس الخامس: الموت وسكراته

الدرس الخامس: الموت وسكراته       أهداف الدرس: على الطالب مع نهاية هذا الدرس ...