الوقت- تقترب الذكرى الأولى لاستشهاد لواء القلوب الشهيد الحاج قاسم سليماني ومجموعة من رفاقه بالقرب من مطار بغداد في 3 كانون الثاني 2017، ولا يزال الشعب الإيراني، إلى جانب بقية الأحرار في العالم، حزين على فقدان هذا الجندي المخلص للوطن والولاية.
لقد اعتبره أعداؤه استراتيجيًا مخلصًا، وتحدث أصدقاؤه وزملاؤه عن الشخصية الإنسانية والدينية للقائد.
على الرغم من أن النقاش حول الأبعاد المختلفة للشخصية والعمل والإرث الذي خلفه الحاج قاسم خارج نطاق الوصف والشرح، إلا أنه بمناسبة الذكرى الأولى لاستشهاد الحاج قاسم، أجری موقع “الوقت” التحلیلي حواراً مع الدکتور “سعد الله زراعي” مدير مؤسسة “اندیشه سازان نور” للدراسات، والذي كان على معرفة وثيقة باللواء سليماني، للحديث عن خصائص الحاج قاسم وأفكاره وأفعاله.
الوقت: كقائد، ما هي سمات الشهيد سليماني؟
الدکتور زارعي: إذا أردنا التعبير عن سمات الشهيد سليماني في جمل قليلة، يجب أن نذكر أولاً الإحساس بالمسؤولية الكبيرة تجاه الجمهورية الإسلامية، والثاني إدارة الشؤون على أساس مصالح الجمهورية الإسلامية وتجهيز الإمکانات للدفاع عن الجمهورية الإسلامية.
في المقام الأول، لا بد من القول إنه کان يعتبر الجمهورية الإسلامية كل الإسلام وأساس الإسلام، وكان يعتقد أن الجمهورية الإسلامية كلها حرم. وکان يعتبر سلامة إيران التي تبلغ مساحتها حوالي مليون و800 ألف كيلومتر مربع حرماً، والدفاع عن الجمهورية الإسلامية دفاع عن الحرم، وكان قد ذكر هذه المسألة عدة مرات بصفته المدافع عن الحرم، بأن أي عمل يتم اتخاذه للدفاع عن الجمهورية الإسلامية وتقويتها هو في الواقع الدفاع عن الحرم، وکان يعرب عن هذا الدفاع عن الحرم بأنه مطلق، إلى حد الدفاع عن حرم رسول الله(ص) وسيد الشهداء (ع)وأمير المؤمنين(ع).
ولذلك، کان يعتبر أن الدفاع عن أطفال ونساء الجمهورية الإسلامية، مساوٍ للدفاع عن السيدة زينب ورقية(عليهما السلام)، وقد صرح بذلك مرات عديدة أننا عندما نمسح علی رأس فتاة يتيمة ومحتاجة، نحن نفعل ذلك في الواقع احتذاءً بالأئمة في احتضان أبناء الإمام الحسين(ع) والسيدة زينب(س). هذا اعتقاد عميق وراسخ يظهر التحيز الشديد للفرد تجاه أراضي الجمهورية الإسلامية، ويعتقد الكثير من الناس الآن أنه لأن نطاق نشاط ذلك الشهيد كان خارج إيران، فربما لم تكن أراضي الجمهورية الإسلامية مهمةً بالنسبة له، بينما بالنسبة للواء الشهيد، لم تكن أراضي الجمهورية الإسلامية قابلةً للمقارنة مع أي أرض أخری. في نظره، كانت أراضي الجمهورية الإسلامية مختلفةً عن غيرها من الأماكن، ولذلك ورغم إمكانية دفنه أينما شاء سواءً في كربلاء أو غيرها من المزارات حيث أوصی كثير من العلماء ليُدفنوا في وادي السلام أو مراقد الأئمة، ولكن اللواء سليماني أمر بدفنه في إيران وفي قبور شهداء كرمان، الأمر الذي أظهر حساسية وتحيز اللواء سليماني الشديدين لجمهورية إيران الإسلامية.
والمحور الثاني هو أنه كان يعمل في سبیل الجمهورية الإسلامية. وبعبارة أخرى، کان يتصرَّف بطريقة تؤدي إلى تعزيز الجمهورية الإسلامية حتماً. هو نفسه کان يقول في الاجتماعات إننا إذا قمنا بعمل واحد في الخارج، فلا بد أن يكون له نتيجة ملموسة للجمهورية الإسلامية. وإذا تم إنفاق ريال واحد في الخارج فلا بد أن يكون له نتيجة ملموسة لتقوية الجمهورية الإسلامية، ولم يكن يؤمن بأي عمل بلا هدف أو غير مخطط له في الخارج، ولذلك كل ما فعله في الخارج كان بهدف تعزيز الجمهورية الإسلامية، وواصل هذا العمل بهدف أن يكون له مساهمة وطنية، وقد كان هکذا بالفعل، وقد فعل كل ما في وسعه لزيادة أمن جمهورية إيران الإسلامية، إما لحل مشكلة أو لمساعدة اقتدار الجمهورية الإسلامية في العالم.
أما المحور الثالث فهو أنه کان لدي إيمان جاد بتجميع الإمکانات والقوى وغيرها، وهو ما جاء في الآية القرآنية أيضًا{ وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ}، وكان بالفعل يجمع القوة والعدة. لذلك، فإن إرث اللواء سليماني بعد 15 عامًا من الحرب في العراق، سواءً عندما كان العراق تحت الاحتلال الأمريكي أو أثناء الحرب مع داعش، ليس فقط أن نقول إنه قد حرَّر العراق من الاحتلال الأمريكي أو أنه هزم داعش؛ نعم هذه كانت الآثار والنتائج وقد تحققت هذه الأهداف، ولكنه في الوقت نفسه قد أرسى الأساس في هذه البلدان أنه إذا أرادت دولة مثل الولايات المتحدة خوض الحرب في العراق واحتلال العراق غدًا، أو ظهرت جماعة مثل داعش في العراق، فإنها ستواجه اللواء سليماني مجدداً، لأن أسس اللواء سليماني قوية ودفاعية ومتماسكة وفعالة في العراق.
الآن لا يخطر ببال الأمريكيين أن العراق يتبع نفس المسار الذي كان عليه عام 2003، لأن العراق ليس مثل عام 2003 عندما تمت الإطاحة بنظام بالٍ، ويعلم الأمريكيون أنهم إذا اتبعوا طريقًا مثل عام 2003، فسيواجهون ما لا يقل عن 150 ألف جندي قوي، سيواجه كل منهم خمسة أو أكثر من القوات الأجنبية والأمريكية. أو في سوريا ولبنان، وضع أساساً لا يصدّ العدوان الإسرائيلي فحسب، بل لم تعد هذه البلدان عرضةً للعدوان كما كانت في الماضي، وأنقذ هذه الدول إلى الأبد، وكل معتد سواءً كان الولايات المتحدة أو فرنسا أو الکيان الصهيوني أو تركيا أو غيرها، سيواجه في سوريا أو لبنان قوةً دفاعيةً قويةً تم إنشاؤها في هذه البلدان.
بالطبع، لم يكن لدى اللواء سليماني أي مسؤولية في هذا المجال وقت تأسيس حزب الله في لبنان، لكن ما فعله بعد ذلك، منذ 1997 أو 1997، عندما تولى قيادة قوة القدس حتى استشهاده في 2020، كان خارقاً للعادة. في الواقع، حوّل حزب الله من منظمة دفاعية صغيرة وهشة إلى حد ما، إلى منظمة قوية وصامدة. إن نقل حزب الله كمنظمة صغيرة إلى منظمة سياسية معروفة بمعداته المقاومة، جعل حزب الله قوةً إقليميةً تتحمل المسؤولية في سوريا على سبيل المثال، وهذا ما فعله اللواء سليماني.
وينطبق الشيء نفسه في اليمن أيضاً. في اليمن، تقاتل قوات أنصار الله الجيش السعودي والإماراتي الغازي، بدعم من الجيوش البريطانية والأمريكية والفرنسية التي تملك كل الإمكانيات. وهذه الحرب مستمرة منذ ست سنوات. في بداية الحرب، توقع السعوديون خلال اتصال بقادة الدول الإسلامية، حربًا تستمر أسبوعًا وطلبوا المساعدة لسبعة أيام للقضاء علی اليمن کما کانوا يقولون، ولكن بعد 21 يومًا من الحرب، استسلم السعوديون وصدر قرار أممي، وهو في الواقع اعتراف بهزيمة السعوديين، لأن القرار قد اعترف بجماعة تسمى أنصار الله.
بالطبع، تفرض الأمم المتحدة أيضًا عقوبات على هذه المجموعة وتشكك فيها، لكن في الوقت نفسه، تعترف الأمم المتحدة بهذه المجموعة وتتعامل معها كمجموعة مسؤولة. وكان هذا القرار انتكاسةً كبيرةً للسعوديين بعد 21 يومًا من بدء الحرب. أي في 26 أبريل 2015 بدأ السعوديون الحرب والعدوان الشاملين ضد اليمن، وفي 17 أبريل أصدرت الأمم المتحدة القرار. لقد أصبحت حرکة أنصار الله اليمنية الآن في وضع يمكنها من التحذير من انعدام الأمن في الموانئ السعودية، في حين أن الموانئ السعودية بعيدة جدًا عن اليمن، وهناك مسافة بنحو 2000 كيلومتر أو أكثر بين الحدود الشمالية لليمن والموانئ السعودية في الخليج الفارسي أو البحر الأحمر، لكن أنصار الله تمتلك هذه القوة والقدرة وعندما تحذر تأخذ الدول المعتدية هذا التحذير على محمل الجد.
لكن قبل الحرب، كان اليمنيون بحاجة إلى قطعة كلاشينكوف واحدة، ولم يكن لديهم حتى هذا القدر من الأسلحة. في بداية الحرب، تناولت هذه القضية في مقال بعنوان “صراع الحفاة مع السلاطين المترفين”، لأن اليمنيين في ذلك الوقت كانوا يفتقرون حقًا إلى الإمکانات، لكن اليوم يرسل السعوديون وسطاء إلی أنصار الله لتقبل الحاجز بين السعودية واليمن، بينما في بداية الحرب سعت السعودية للإطاحة الكاملة باليمن، ثم توجهت إلى نزع سلاح اليمنيين بالكامل، ثم طالبت بألا يمتلك اليمنيون أسلحةً ثقيلةً فحسب، واليوم اکتفت بوجود خط حاجز داخل اليمن، لكن أنصار الله تقبل بهذا الحاجز داخل السعودية وليس داخل اليمن. إن موقع أنصار الله هذا هو من نفس القوة التجميعية التي سعى اللواء سليماني إليها، واليوم في كل من هذه المناطق هناك قوة موحدة، وهناك قوة شرعية وهناك سلطة معترف بها.
ومع كل هذه القوى، تم تشكيل سلسلة من القوى في المنطقة، بحيث يعترف العالم اليوم أن جبهة المقاومة هي التي لديها سلسلة من القوى إلى جانبها فحسب، بينما الروس ليس لديهم مثل هذه القوة. حيث أنهم لا يمتلکون حركةً، ولا منظمةً، ولا شيء من هذا القبيل، کما أن الصين لا تملك مثل هذه القوة أيضاً حيث لا توجد حكومات تتمحور حول الصين، ولا تتمتع فرنسا وبريطانيا بنفس القوة، وإيران والولايات المتحدة فقط لديهما مثل هذه القوة والمكانة في العالم. حتى السعوديين لا يملكون هذه القوة، وهم متورطون في الصراع اليمني مع حلفائهم، ويخوضون كل يوم حربًا أهليةً مع القوات المدعومة من الإمارات في جنوب اليمن. کما أن الدول الخليجية أو الإفريقية ليست مع السعودية، والسعودية ليس لديها مثل هذه الجبهة، لكن المقاومة لها جبهة إقليمية قوية، ومثل هذه الجبهة أنشأها اللواء سليماني.
الوقت: کيف كانت علاقة اللواء سليماني بالقوات التي كانت تحت إمرته؟
الدکتور زارعي: كانت علاقته مزيجًا من الحزم والصرامة واللطف. ما کان ممکناً للمرء أن يکون مرتاحاً عند الاجتماع مع اللواء سليماني ولا غير مرتاح. لم يكن الأمر سهلاً لأن ذلك الشهيد لم يکن يقبل بأي شيء، وكان دقيقاً وصارماً ومسيطراً. الشخص المسيطر يعرف كل التفاصيل ويتوقع المزيد، لكنه في الوقت نفسه لم يكن يبحث عن صلابة غير ضرورية وهشاشة ونفور. وأنا لا أعرف أحداً عمل مع اللواء ثم عارضه بعد الانفصال أو انتهاء عمله. قد تكون هناك فجوة في مكان العمل، لكن لم يعارضه أحد. كل من عمل معه آمن به، وحتی أولئك الذين تعرضوا لقسوة ما آمنوا به أيضاً. وقد علمت العديد من القوى أن هذه الصرامة لم تكن بسبب الغضب، بل بدافع الحب. وكانت الأخلاق الإدارية للواء سليماني مزيجًا من الصرامة واللطف بشکل متزامن.
الوقت: حدِّثنا عن مكانة ودور الشهيد سليماني في الدفاع المقدس.
الدکتور زارعي: في حرب الثماني سنوات، كان هناك عدد من اللواءات القيادية. ربما كان عدد اللواءات في الحرس الثوري حوالي 27 فرقة، وعدد الألوية حوالي 60 لواء، إضافةً إلى وجود عدد من المجموعات الهندسية النشطة. وكان الجيش يعيش الوضع نفسه، حيث كان في الجيش عدد من الفرق والمجموعات والألوية والكتائب. من بين كل هذه القوى كان هناك عدد من الفرق الرائدة التي أدت عملاً شاقًا، وكانت إحدى هذه الفرق الرئيسية هي فرقة “ثار الله” في كرمان بقيادة الشهيد سليماني، والتي نفذت عمليات صعبة للغاية في “كربلاء 4 و 5” و”والفجر 8″، وكانت هذه الفرقة تتقدم وتفتح الطرق، وبقية القوات كانت ورائها، وهذه القوات القيادية كانت الأكثر مقاومةً لهجمات العدو. قال اللواء سليماني نفسه مرارًا وتكرارًا إنه في بعض العمليات لاستعادة جزيرتي “مجنون” أو “الفاو”، مُنعت قوات أخرى من المغادرة. وکانت هناك مجموعات قيادية أخرى مثل لواء الإمام الحسين(ع) بقيادة الشهيد حسين خرازي، أو لواء المهدي بقيادة محمد جعفر أسدي، أو لواء النجف بقيادة الشهيد كاظمي. كانت هذه الألوية من بين الفرق الخاصة التي قامت بعمل خاص وشاق للغاية في الحرب.
الوقت: ما سبب الشعبية الواسعة للواء سليماني في المجتمع الإيراني؟
الدکتور زارعي: عندما تحب شخصًا ما وتهتم به، يدرك ذلك الشخص، كما يقول المثل إن القلوب عند بعضها، وتتشكل هذه العلاقات العاطفية بلا وعي. كما قلت، کان اللواء سليماني يعتبر إيران كلها حرمًا ومقدسًا، أو حب اللواء سليماني لأبناء إيران، والذي أحب هؤلاء الأبناء بقدر ما أحب أبناء أهل البيت، وحتى أحب المذنبين من الناس، ناهيك عن المؤمنين. لم يشمت أحدًا أبدًا ليقول مثلاً لماذا هذا الشاب هکذا، لكنه کان يسأل نفسه لماذا هذا الشاب هکذا؟ حتى أنه کان يعتقد أن معارضي الثورة قليلون جدًا، کما كان يعتقد حتى أنه إذا تم إعدام أي من أفراد بعض الأسر، فإن معظم هذه العائلات ستظل من أنصار الجمهورية الإسلامية.
ولم يكن لديه قاعدة لاستبعاد قسم من الشعب وتقسيمه كجبهة مضادة للثورة، لكنه أحب أمة إيران كلها وأحب كل شعب إيران، وفي الحقيقة لم يكن حبه للناس فقط لفظيًا وظاهرياً، لكنه أظهر هذا الحب في الممارسة والعمل. لقد كان على ركبتيه في الوحل في محافظة خوزستان، بينما لم يكن مسؤولاً عن الشؤون الداخلية لإيران وكانت مهمته في مكان آخر، ولم يتوقعه أحد أن يعمل في فيضانات خوزستان، لكنه ذهب إلى خوزستان ولاطف من ضربتهم الفيضانات من الناس، وتوجَّه إلى خوزستان بهذه الظروف، فمثلاً طلب من شاب ما أن يترك منزله حفاظاً على سلامته في السيول، وهذا النوع من السلوك أدخله في سويداء قلوب المواطنين. على سبيل المثال، بكت فتاة صغيرة في قرية في “أردبيل” أو في “قشم” أو في “دير” على اللواء سليماني مثل سحابة الربيع وغضبت، وربما لم تكن تعرف اللواء سليماني على الإطلاق، لكنها بكت عليه الدموع السجام، وبسبب هذا الإخلاص الكبير للواء سليماني زاد الله عز وجل حبه وحنانه في القلوب. أراد الكثيرون التظاهر بأنهم يعملون لمصلحة الشعب، لكن لم يصل أحد ما وصله سليماني، ولم يُشيَّع أحد کما شُيِّع اللواء سليماني.
الوقت: کيف کانت نظرته إلی قضية فلسطين؟
الدکتور زارعي: كانت فلسطين في ذهن اللواء سليماني كنقطة تحيز وجرح غير ملتئم أو قضية لا يمکن التساهل بشأنها، وكان يعتقد أن فلسطين لن تتحرر إلا بحرب کبری، وكان يری أن هذه الحرب يجب خوضها من خارج فلسطين. کما كان يعتقد أنه كما تم احتلال فلسطين من الخارج، وليس من الداخل، ومن قبل الوكالة اليهودية خلال الاحتلال البريطاني، فعلى الجنود الاستشهاديين أن يصلوا إلی خلف الحدود الفلسطينية لتحريرها. وکان يجد صعوبةً في تحرير فلسطين بالمسار الحالي. بالطبع، قام ببعض الأعمال وأوصل أفواجًا إلى محيط الحدود الفلسطينية المحتلة في هضبة الجولان ولبنان، وكان يحقِّق هذه الفكرة ببطء، ويعتقد أن هذا يجب أن يحدث لتحرير فلسطين.
الوقت: كيف ترون دور الحاج قاسم في تعزيز وحدة إيران وحزب الله وفلسطين؟
الدکتور زارعي: كان اللواء نقطة اتصال. والخلافات بين الفلسطينيين واللبنانيين كانت موجودةً منذ فترة طويلة، وكان دور الفلسطينيين في هذه الخلافات أكثر بروزاً. كان اللبنانيون أكثر صرامةً في هذه الخلافات، وکان لهم اعتراضان، الأول أن الفلسطينيين ليس لديهم تماسك داخلي، والاعتراض الثاني أنهم قالوا إن الفلسطينيين لا يحفظون الأسرار وأن الکيان الإسرائيلي يمكن أن يتسلل إليهم بسهولة. يعتقد اللبنانيون أنه لولا هذين المأخذين في الفلسطينيين لكان بإمكانهم هزيمة الکيان الإسرائيلي. والسبب في ذلك هو أنهم يقولون إن الشيعة في لبنان قد وقفوا ضد الکيان الإسرائيلي وكانوا قادرين على طرده من لبنان، والفلسطينيون داخل فلسطين حوالي 5.5 ملايين، وإذا كان لديهم هذا القدر من التماسك الداخلي، لكان بإمكانهم بسهولة هزيمة “إسرائيل” وطردها. هذا هو الانتقاد الذي يوجِّهه اللبنانيون إلی الفلسطينيين. لکن اللواء سليماني قام بتقريب هذه المجموعات من بعضها البعض، ومنع حدوث التباعد بين الفلسطينيين واللبنانيين.
الوقت: کيف كانت نظرة اللواء سليماني إلی الکيان الصهيوني؟
الدکتور زارعي: کان اللواء يعتقد أن الکيان الصهيوني معقد ويحتاج إلى عمل معقد، ولا يمكن العمل ضد الکيان الصهيوني بشکل بسيط وساذج، ونحن بحاجة إلى اتصالات واستخبارات وعمل إنساني معقد ضد الصهاينة. وكان يعتقد أن كل أوراق الصهاينة يجب أن تُسحب منهم، لأن الکيان الصهيوني لديه نظام استخبارات معقد، ويقال إن الموساد الإسرائيلي أكثر تعقيدًا وقوةً حتى من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. کما أن الإسرائيليين أقوياء في مجال الاتصالات والتكنولوجيا، وهم أقوياء في بناء نظام سياسي أيضاً، وكان يعتقد أن علينا العمل على هذه القضايا الواحدة تلو الأخرى، وننتزع هذه القدرات من الصهاينة. طبعاً، عمل اللواء سليماني بشكل جيد ضد الصهاينة في عدة مجالات، بما في ذلك القضاء علی التفوق العسكري للصهاينة، والآن نرى أن هناك توازناً بين حزب الله و”إسرائيل”، أو الفلسطينيين الذين اقتربوا من هذا التوازن العسكري ضد الكيان الصهيوني.
الوقت: ما رأي اللواء سليماني تجاه الصحوة الإسلامية؟
الدکتور زارعي: في هذا الصدد، ينبغي القول إن اللواء سليماني حاول أن يحدث شيئا، رغم أنه لم يحدث. لقد استثمر اللواء كثيرًا في المصريين، وكان لديه آمال كبيرة على مصر، لكن مصر كانت تعاني من ضعف كبير، وهي أنه في مصر هناك بعض الجماعات المعروفة التي لا تعمل بشكل صحيح ولکنها تمسك بزمام الأمور في مصر. هؤلاء لم يكونوا يقبلون النصائح ولم تکن لهم إدارة جيدة، ولذلك سرعان ما تم إبعادهم عن مسرح التطورات المصرية، وجاؤوا وذهبوا بسرعة، وكان هذا مؤسفًا للغاية، وبالطبع استمرت آمال اللواء سليماني في مصر.
الوقت: خلال هذه الفترة، اتخذ الشهيد سليماني إجراءات مكثفة ضد الجماعات التكفيرية.
الدکتور زارعي: من المعروف أن العديد من الأمريكيين اعترفوا بأن اللواء سليماني كان أول رجل في ساحة المعركة. حتى الشخصيات اعترفت بهذه الميزة وقدرة القائد.
الوقت: ما هي السمات البارزة لمواجهة اللواء سليماني الذكية مع الولايات المتحدة؟
الدکتور زارعي: لم يكن اللواء سليماني ساذجًا ليستخفّ بالقوة الأمريكية، ولم تخفه الولايات المتحدة ليقول إنه لا يمكن فعل أي شيء. کان اللواء سليماني يعتقد أن الولايات المتحدة لديها بنية صلبة لا تهتزّ بسهولة، وخاصةً أن اللواء كان لديه تحليل حول داخل الولايات المتحدة، وقد عرف عناصر القوة الأمريكية وعرف الكثير عن التطورات الداخلية في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، فيما يتعلق بما يسمى باحتجاجات وول ستريت، وعلى عكس العديد من المحللين الذين قالوا إنها ستضر بالولايات المتحدة، فقد اعتقد أن قضية وول ستريت لن تضر الولايات المتحدة، لأنه کان يعتقد أن القوة الأمريكية لا تستند إلى الرأي العام. ورأى أن الرأي العام في الولايات المتحدة ليس هو المحدِّد وركيزة القوة في هذا البلد على الإطلاق، بل القوة في الولايات المتحدة تنشأ من التيارات التي تلعب بالرأي العام، وبالتالي فإن حدة وبطء الرأي العام لا يضران بالولايات المتحدة. کما كان يعتقد أن الولايات المتحدة لديها ركائز أخرى للقوة، ولم يکن يستخفّ بهذا الهيكل الصعب وفي نفس الوقت لم يکن مرعوباً منه، وكان يعتقد أن نفس أمريكا هذه ذات الهيكل الصلب يمكن التغلب عليها، وقد فعل ذلك بالطبع في بعض الحالات، حيث فعل ذلك في المنطقة على الأقل، وهزم الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا في منطقتنا. كما کان يعرف نقاط ضعف الولايات المتحدة، ومن هذه النقاط کان يدخل ويلحق الضرر بالولايات المتحدة، وبعد الضربة کان يدير التطورات والنتائج.