الوقت– من النقاط الرئيسة في اتفاقيات تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وبعض الدول الخليجية، الكشف عن أبعاد التعاون العسكري والأمني الذي كان موجوداً في السر في الماضي.
وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية، أمس، أن الإدارة الأمريكية تعتزم نشر بطاريات “القبة الحديدية” في قواعدها في الدول الخليجية وبعض دول الشرق الأوسط وأوروبا.
وبينما أشارت الصحيفة إلى أن نشر هذه الأنظمة سيتم بعد موافقة الکيان الإسرائيلي على هذا الأمر، كتبت أيضاً: “لقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتي الإمارات والبحرين، فضلاً عن صفقتين كبيرتين للسلاح بين أمريكا ودولتي الإمارات والسعودية“.
تسويق السلاح باسم الشراكة الأمنية
منذ توقيع اتفاقيات التطبيع، تحاول أمريكا والكيان الصهيوني تعزيز تشكيل التحالف السياسي العبري العربي في المنطقة، من خلال توسيعه ليشمل المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وبالتالي طمأنة الحكومات العربية بفعالية التحالف مع الکيان الصهيوني في المجالين الدفاعي والعسكري.
على مدى السنوات الماضية، كانت السعودية والإمارات وبسبب تورطهما في الحرب ضد الشعب اليمني وعدوانهما العسكري المستمر منذ سنوات على هذا البلد، وبسبب التنافس الإقليمي مع محور المقاومة وتركيا، من كبار المشترين للأسلحة العسكرية في العالم.
في غضون ذلك، شكَّل التغيير في معادلات الحرب في اليمن على وجه الخصوص، بعد التقدم الكبير لليمنيين في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، وانكشاف الضعف الخطير للسعودية والإمارات في هذا المجال، رغبةً مشتركةً بين الصهاينة وقادة السعودية والإمارات في التعامل بشأن أنظمة الدفاع الصاروخي.
فمن ناحية، للكيان الصهيوني مصالح أمنية مهمة في الحرب اليمنية، تعود إلى قضية الاعتماد الاقتصادي القوي على مضيق “باب المندب”، والمخاوف بشأن دور أنصار الله كقوة ناشئة مناهضة للصهيونية في التطورات في اليمن والمنطقة.
في الأشهر الأخيرة وبسبب دور الصهاينة الخفي في استمرار الحرب والإجرام بحق الشعب اليمني، وكذلك وجود أنباء عن الحضور المباشر للقوات الصهيونية في الجزر اليمنية، وجّهت أنصار الله تهديداتها الصاروخية إلى الأراضي المحتلة.
إن مدى الصواريخ اليمنية، الذي يبلغ حالياً أكثر من ألف كيلومتر، قادر على مهاجمة السفن العسكرية والتجارية الصهيونية في أي مكان في البحر الأحمر. وفي وقت سابق من أكتوبر 2017، وجَّه “عزيز راشد” المتحدث باسم الجيش واللجان الشعبية اليمنية تهديدات ضد القواعد العسكرية الإسرائيلية في إريتريا، وقال إنه إذا استمر الکيان الإسرائيلي في التعاون مع الغزو السعودي الإماراتي لليمن، تستطيع اللجان الشعبية استهداف هذه القواعد.
كذلك، في حين أن المسافة بين الأراضي المحتلة واليمن أقل من 2200 كيلومتر، كانت بعض المصادر اليمنية قد أثارت مسألة وصول أنصار الله إلی صواريخ بمدى 2500 كم تسمى “قدس 1”. ونتيجةً لذلك، يمكن القول إن أحد أهداف نقل نظام القبة الحديدية، هو جهود أمريكا والصهاينة لإقامة حماية أمنية بالقرب من الحدود اليمنية.
من ناحية أخری، من المؤكد أن الصهاينة يتطلعون إلى سوق الأسلحة المزدهرة في الدول الخليجية، وفي الوقت الذي تنفق فيه الإمارات والسعودية وقطر ميزانيات دفاعية سنوية ضخمة على مشتريات الأسلحة (تقدر ميزانية الدفاع السنوية لدولة الإمارات بـ 23 مليار دولار، منها 20 مليار دولار تنفق على شراء الأسلحة من أمريكا، والميزانية العسكرية للسعودية في عام 2020 قد تجاوزت 44 مليار دولار)، يسعى الصهاينة إلى الاستفادة من هذه المائدة بمساعدة أمريكا، حيث ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” في 17 أغسطس 2020، أنه مع تطبيع العلاقات، تحدثت مصادر في صناعة الأسلحة الإسرائيلية عن أن الإمارات لديها القدرة على تعويض خسائرها.
القبة الأمنية الخيالية
لكن بغض النظر عن أهداف الکيان الصهيوني وأمريكا فإن السؤال المهم في مسألة نقل أو شراء نظام القبة الحديدية إلى الدول الخليجية، هو ما إذا كان هذا النظام يمكن أن يوفر المظلة الأمنية التي يتوقعها القادة السعوديون والإماراتيون والبحرينيون أم لا؟
يمكن دراسة الإجابة على هذا السؤال من بعدين:
سجل عمليات القبة الحديدية: في سبتمبر 2019، ومع هجوم أنصار الله بالصواريخ والطائرات المسيرة على منشآت النفط السعودية، ما أوقف نصف إنتاج البلاد من النفط، حدث كابوس كبير للسعودية، ومنذ ذلك الحين لجأ السعوديون إلى كل الوسائل للتعويض عن عدم قدرتهم على الصمود أمام ضربات الطائرات بدون طيار والصواريخ اليمنية، وقد فشلوا حتى الآن، حيث تمكنت أنصار الله مراراً وتكراراً من استهداف المراكز العسكرية والاقتصادية السعودية بنجاح في جميع أنحاء البلاد.
في تلك الفترة نفسها، ذكرت وسائل الإعلام أنباءً عن محاولة السعودية شراء نظام القبة الحديدية الدفاعي للکيان الصهيوني، حتى أن موقع “الخليج أونلاين” الإخباري العربي أعلن في سبتمبر 2016، نقلاً عن مصادر دبلوماسية مطلعة، أن الرياض اشترت نظام القبة الحديدية من الکيان الصهيوني.
والمهم الآن أن هذا النظام قد أثبت بالفعل عدم فعاليته أمام صواريخ فصائل المقاومة في فلسطين، ففي معركة الصهاينة الأخيرة في مايو 2017 ضد حركة حماس في قطاع غزة، أعلنت حكومة نتنياهو وقف إطلاق النار بعد ثلاثة أيام فقط من بدء المعركة، وفي هذه الحرب التي استمرت ثلاثة أيام، أطلقت حماس والجهاد الإسلامي 700 صاروخ على الكيان الصهيوني.
ووفق بعض التقارير الواردة من وسائل الإعلام الصهيونية، فقد تم إطلاق117 من هذه الصواريخ في ساعة واحدة، ما شلَّ عملياً نظام القبة الحديدية، ولم يتمكن هذا النظام المكلف للغاية والمتقدم في الظاهر من اعتراض معظم الصواريخ.
وكتبت صحيفة “معاريف” الصهيونية في تقرير في ذلك الوقت، أن الجيش الصهيوني يفكر في تحديث نظام الليزر لمواجهة ضعف القبة الحديدية. وقد تم تفسير ذلك على أنه اعتراف رسمي بعجز الکيان عن منع التعرض لهجمات صواريخ المقاومة.
ونقل مراسل الجزيرة عن مصادر في المقاومة الفلسطينية قولها، إن الصواريخ استهدفت قاعدة “حتسريم” الجوية وقاعدة “نیفاتیم” العسكرية قرب بئر السبع. كما تعرضت مدينة “أسدود” للقصف، وأُلحقت أضراراً ببعض القواعد العسكرية والبنى التحتية.
في ذلك الوقت، اعترف الصهاينة بقتل أربعة إسرائيليين فقط في هجمات المقاومة، لكن فصائل المقاومة أكدت أن الخسائر أكبر بكثير وأن الصهاينة يخفون الأرقام الحقيقية.
شراء التهديدات الأمنية: غني عن القول أن الکيان الصهيوني ومن خلال اتفاقيات التطبيع، يبحث عن خلق تهديدات للمصالح الأمنية للجمهورية الإسلامية في الخليج الفارسي، والبقاء بالقرب من حدود إيران. وقد حذرت طهران هذه الدول مراراً وتكراراً من مغبة التعاون مع أطماع الکيان الصهيوني المناهضة لإيران بعد إبرام اتفاقيات التطبيع.
تسعى أمريكا والکيان الصهيوني إلى تحقيق مصالحهما الخاصة، عبر خلق الانقسامات والخلافات والعداوات بين دول المنطقة.
ولهذا السبب، يمكن القول إن زيادة التعاون العسكري والأمني والاستخباراتي مع الکيان الصهيوني، ليس فقط لن يساعد في تحسين أمن هذه الدول، بل سيزيد أيضاً من مخاطرها الأمنية، من خلال إبعادها عن إيجاد طرق للتفاوض وحل الخلافات مع طهران.