تشكلت حكومة جديدة موالية للتحالف السعودي في عدن، وذلك بعد أكثر من عام على توقيع “اتفاق الرياض”.. هل تنجح تلك الحكومة في رأب الصدع الذي طال التحالف السعودي؟ أم أنها مجرّد محاولة سعودية فارغة من أي مضمون سياسي أو عسكري؟
جاءت تفجيرات مطار عدن الأخيرة لترسم معالم المرحلة المقبلة في جنوب اليمن عنوانها “اللااستقرار”، في ظل الحرب الدائرة، وإن كانت هامدة حالياً، بين أذرع التحالف السعودي، المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً من جهة، وقوات هادي من جهة أخرى التي تضم حزب الإصلاح المحسوب على جماعة “الإخوان المسلمين”.
لم تعطِ عملية تشكيل حكومة جديدة برئاسة معين عبد الملك، إشارات جدية لحصول توافق ولو مرحلي بين المجلس الانتقالي الجنوبي وسلطة هادي، بعد عدة جولات من القتال استطاع من خلالها المجلس الانتقالي وبمساندة إماراتية علنية السيطرة على مناطق واسعة من الجنوب اليمني ومن ضمنها عدن، العاصمة المؤقتة لسلطة هادي، قبل أن ينسحب من بعض تلك المناطق ضمن ترتيبات معينة، مع بقاء قدراته على العودة سارية المفعول عسكرياً وسياسياً.
تلك الحكومة التي تشكلت بناءً على “اتفاق الرياض” الموقع في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2019، لم تعالج مكامن الخلل في صفوف “التحالف السعودي” بل تم تجهيزها على عجل في الوقت الذي تحقق فيه حكومة صنعاء تقدماً بارزاً في الشمال اليمني، وتحديداً في أهم معقل لقوى التحالف أي مأرب.
عليه، سيكون الجنوب اليمني أمام عدة سيناريوهات تدعمها عوامل مختلفة، داخلياً وخارجياً، على وقع تشكيل الحكومة الجديدة الموالية للتحالف السعودي من 24 وزيراً، والتي جاءت مناصفة بين الشمال والجنوب، والتي حصل فيها الانتقالي على 4 حقائب وغريمه الإصلاح على 4 حقائب والمؤتمر الشعبي – جناح هادي على 4 أيضاً، فيما احتفظ هادي بالوزارات السيادية وهي: الدفاع والداخلية والخارجية والمالية، وتوزعت الحقائب الأخرى على مكونات يمنية أخرى مع التشديد على أن جزءاً كبيراً من تلك المكونات السياسية أصدر العديد من التصريحات، المناوئة للتحالف السعودي مؤخراً، ولا سيما التصرفات الإماراتية في جنوب اليمن وحتى السعودية شمالاً، من ضمنها “الحزب الناصري” و”مكون حضر موت الجامع”.
تشكيل الحكومة الموالية للتحالف السعودي، صاحبه حراك خارجي، من خلال المصالحة الخليجية، وهذا في حد ذاته من العوامل المؤثرة في السيناريوهات المتوقعة، لما سيترتب عليها من انعكاسات ستطال الجبهة السياسية والعسكرية، بما أن المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً ينطلق في ذرائع مواجهته حكومة هادي من أنها “تحت سيطرة جماعة الإخوان المسلمين” المقربة من قطر وتركيا، وإن كان لليمن بعض الاستثناءات بما يخص الولاء السياسي للإخوان هناك، لكن لا يمكن إغفال هذا العامل في قراءة الواقع السياسي لجنوب اليمن.
لذا، فإن السيناريوهات تبقى مرتبطة بنجاح الاتفاق المعلن بين سلطة هادي والمجلس الانتقالي والذي ترجم بتشكيل حكومة منبثقة عن “اتفاق الرياض” من جهة، وبين جدية الأطراف الخليجية في المصالحة، قطر والإمارات خاصة، وقدرة التحالف السعودي على استعادة زمام المبادرة في المعارك ضد حكومة صنعاء، لا سيما في مأرب وخطوط التماس الفاصلة بين المحافظات الجنوبية والشمالية.
وتنقسم تلك السيناريوهات إلى 3 مسارات محتملة:
المسار الأول، هو فشل الاتفاق بين هادي وحلفائه من حزب “الإصلاح” والمجلس الانتقالي وانهيار الائتلاف الحكومي، وهو مرجح بنسبة كبيرة لا سيما وأن التشكيلة الجديدة لا ترضي الانتقالي ولا تعبر عن موازين القوى العسكرية والأمنية جنوباً. فرغم تولي “الانتقالي” وزارة النقل، وما لها من أهمية في إدارة الموانىء، إلا أن هادي احتفظ بالوزارات الأساسية، وتحديداً وزارة الدفاع التي تولاها محمد علي المقدشي، وهو مقرب من نائب هادي، علي محسن الأحمر، والمقرب بدوره من حزب “الإصلاح”، وهي الوزارة التي كان “الانتقالي” يسعى للسيطرة ووضعها كشرطٍ لوقف القتال في بعض المراحل.
انهيار الائتلاف الحكومي سيعيد المعارك العسكرية والأمنية إلى الواجهة، وفي هذه الحالة ستسعى قوات الانتقالي الأكثر تجهيزاً من الناحيتين العسكرية والبشرية، لإعادة بسط سيطرتها الكاملة على محافظة عدن والمقر الرئاسي فيها كما حصل سابقاً، وتثبيت سيطرتها على المحافظات الأخرى في أبين وشبوة على وجه التحديد، كمقدمة للذهاب بعيداً في إعلان “الانفصال”، وبرزت نوايا الانتقالي في ذلك، من خلال إعلانه الحكم الذاتي للمحافظات اليمني في نيسان/أبريل العام الماضي، ليتخلى الانتقالي عن هذا الإعلان لاحقاً، بطلب سعودي، مقابل “تنفيذ اتفاق الرياض” كما أعلن “الانتقالي”.
المسار الثاني يتمثل برضوخ الانتقالي للتشكيلة الحكومية المتفق عليها، تحت وطأة الاستعدادات لمواجهة حكومة صنعاء. وهذا السيناريو تدعمه عوامل منها: الحكومة تشكلت فيما كانت حكومة صنعاء توسع من مساحة سيطرتها شمالاً، مع تقدمها السريع في مأرب، والذي سيؤثر بشكل شبه حاسم على مسار الحرب التي يشنها التحالف السعودي.
كما أن الاتفاق بين هادي والانتقالي تزامن مع وضع واشنطن لحركة “أنصار الله” على لائحة الإرهاب وهو ما يشي برغبة أميركية – سعودية في تصعيد الأمور ضد صنعاء، ما دفع الرياض إلى الضغط من أجل توحيد صفوف الموالين للتحالف السعودي، أي قوات الانتقالي وقوات هادي، وهذا ما يفسر نوعاً ما التشكيلة الحكومية على عجل، رغم مرور أكثر من عام على اتفاق الرياض، والتي تبعها تحشيد عسكري في عدة محافظات ضد حكومة صنعاء، في الضالع وأبين والبيضاء، وغيرها من الجبهات.
والمسار الثالث، هو بقاء الأمور على ما هي عليه ظاهرياً، أي أن الانتقالي لن ينسحب من الحكومة، لكن في الوقت ذاته سيعمد إلى القيام بعمليات أمنية محددة تؤثر على نفوذ هادي في الجنوب اليمني ولا يستبعد قيامه باغتيال وزراء مقربين من هادي والإصلاح مع وجود ذريعة وهي “استهدافهم من قبل أنصار الله”، كما حصل في استهداف مطار عدن الأخير والتي تشير الترجيحات مدعومة بتساؤلات حول من له مصلحة بذلك، إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، لا سيما وأن استهداف مطار عدن تبعه استهداف لمقرات تابعة لقوات هادي، بالإضافة إلى تفجيرات حصلت في محيط القصر الرئاسي “المعاشيق”، كما تعرض مقر اللجنة العسكرية السعودي في أبين لانفجارات مماثلة، ما دفع “التحالف السعودي” إلى إخلائه والتوجه إلى عدن.
وفي حال بروز هذا المسار، فإن “الانتقالي” سيحتفظ لنفسه بدورٍ عسكري وأمني مؤثر في الجنوب اليمني بانتظار ما ستؤول إليه المعارك مع حكومة صنعاء، والربط بينهما يعود إلى تجارب سابقة كانت فيها المعارك تشتد بين “الانتقالي” والقوات المحسوبة على هادي كلما أخفق “التحالف السعودي” في جبهة من جبهات القتال، وهذا ما حصل تحديداً بعد فشل التحالف في السيطرة على منطقة الحديدة الاستراتيجية على الساحل الغربي لليمن.
جميع تلك المسارات تفضي إلى صورة مضطربة بالنسبة للسعودية تحاول الأخيرة عدم الاعتراف به، وهو التضعضع الذي أصاب التحالف الذي تتزعمه. وإذا كانت السيناريوهات في جنوب اليمن، خاضعة لتطورات الميدان ضد حكومة صنعاء بالإضافة إلى قدرة الانتقالي وسلطة هادي وحلفائه على السير تحت مظلة “اتفاق الرياض”، فإن مستقبل حكومة هادي المشكلة حديثاً، واستناداً إلى هشاشة التشكيل نوعاً وتوقيتاً، سيبقى خاضعاً لنتائج جولات المعارك السابقة بين قوات هادي وقوات الانتقالي المدعوم إماراتياً، والتي فرضت تحت وطأة الرصاص والمدافع والغارات، واقعاً باتت فيه “السلطة الشرعية” التي تزعم السعودية أنها شنت الحرب لأجلها غير مرحب بها لا في عدن، ولا في صنعاء.
أما الجنوب اليمني عامة، فإن استقراره السياسي والأمني والاجتماعي لن يتم تحت سلطة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد الإمارات محمد بن زايد، كما هو الوضع حالياً، والتجارب خلال السنوات التي تلت تواجد الرياض وابوظبي في جنوب اليمن خير مثال.