وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام، من بني آدم.
يعرف بـ(سلمان الخير) من أهل مدينة أصبهان.
أبوه: خشنودان.
عانى كثيراً في البحث عن الحقيقة، والوصول إلى الإسلام.
شهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الخندق وما بعدها.
هو الذي أشار على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بحفر الخندق، كما أشار عليه يوم الطائف بنصب المنجنيق، وعمل الرسول (صلّى الله عليه وآله) بهما معاً.
كانت له من النبي (صلّى الله عليه وآله) منزلة رفيعة[1].
ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست 110 من مؤلفي الشيعة.
أحد أعلام الصحابة، من المبرّزين منهم في العلم.
في الرعيل الأول من زهاد المسلمين.
نزل فيه من آي القرآن الكريم، وخلده الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بأحاديث كثيرة.
امتنع من بيعة أبي بكر، وخطب عدة خطب في المسجد النبوي الشريف معارضاً السلطة.
أحد الأركان الأربعة[2].
ولاه عمر المدائن[3].
توفي في المدائن سنة 33هـ.
عمره 250 سنة[4].
قبره مزار يقصد للزيارة والدعاء، وبقربه قبر حذيفة بن اليمان، رضوان الله عليهما.
——————————————————————————–
[1] من حديث لأبي الدرداء عن سلمان: إن فيكم رجلاً كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا خلا به لم يبغ أحداً غيره. حياة الصحابة ج4، ص481.
[2] انظر كتاب أبي ذر من هذه السلسلة.
[3] قاعدة الملك الكسروي، تبعد عن بغداد حوالي 35 كيلومتراً.
[4] في أسد الغابة، ج2، ص269 قال العباس بن يزيد: قال أهل العلم: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكّوا فيها.
على درب سلمان
على مقربة من بغداد صوب الشرق. تلوح للناظر من بعيد بلدة صغيرة تدعى (المدائن) يلتقي فيها شاهدان. شاهد كسرى وشاهد سلمان.
أما شاهد كسرى، فذلك الطاق المحدودب الهرم الذي يحكي قصة جبروت صانعيه، والذي بقي أثراً من الإيوان الشهير الذي أقامه كسرى أنو شروان ليصبح فيما بعد مقراً للأكاسرة حيث كانوا يطلقون عليه اسم (القصر الأبيض) وكانوا يديرون من بين أروقته حكم ثالث إمبراطورية في العالم القديم. لم يبق منه اليوم سوى هذا الطاق. وهو إن دل على شيء فإنما يدل على شموخ الإسلام وعظمته حيث استطاع أن يقضي على مظاهر الأباطرة والأكاسرة بفترة وجيزة من أيام حكمه.
وأما شاهد سلمان، فضريح ومزار وقبة ومئذنتان ينطلق منهما صوت الحق عالياً مدوياً كل يوم يحكي قصة الإيمان والتضحية والشرف. وهنالك تحت تلك القبة الشامخة يتمدد جسد ذلك الصحابي العظيم (سلمان سابق فارس نحو الإيمان) والذي ستبقى روحه الزكية مناراً يشع عبر العصور بأسمى معاني النبل والوفاء للإسلام العظيم ولرسالته الخالدة، كما ستظل سيرته مؤشراً يلوح للمسلمين بأن يوجدوا خطاهم على درب الله.
إن من عظيم الحكمة وبديع التدبير أن يهيئ الله سبحانه أفراداً من أمم شتى وقوميات مختلفة يساهمون في دعم دينه وهو بعد لم يزل في طور نشأته ونموه. فكان منهم العربي والفارسي والرومي والحبشي والنبطي وكانوا كلهم سواء في ساحته يجسدون عنوان وحدته وشموله ويمثل هو عنوان وحدتهم وقوتهم دون أن يكون لاختلاف الدم أو العنصر أي تأثير.
ولقد كان للمبادرين الأول في هذا المضمار ميزة خاصة من بين سائر المسلمين مكنتهم من احتلال الصدارة في التاريخ الإسلامي، وأعطتهم لقب السبّاق نحو الإسلام وكان من بينهم صاحبنا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه.
قال علي (عليه السلام): السبّاق خمسة، فأنا سابقُ العرب، وسلمان سابق فارس وصهيبُ سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وخباب سابق النبط.
لقد استطاع هؤلاء النفر أن يجسدوا نظرية الإسلام حول التفاضل بين بني الإنسان، هذه النظرية التي تقوم على أساس التقوى، تقوى الله سبحانه وإطاعته والسير على منهاجه الذي ارتضاه. كما هو صريح التعبير القرآني. قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[1].
فكانوا أوضح مصداق لهذا المضمون بفضل سلوكهم الصحيح المتسم بالإخلاص والجدية والتفاني في سبيل الله ورفع كلمته، وبهذا صار كل واحد منهم سابق أمته باستحقاق وجدارة.
ومن ثم، فقد شن الإسلام حرباً شاملةً في وجه العصبيات بشكل عام، وكافح دعاتها. فالعصبية ـ عنصرية كانت أو عرقيةً أو قبلية ـ لا ترتبط بأي مبدأ ذي قيمة من الوجهة الأخلاقية، ولا تخضع لأي منطق عقلي، بل الحكم فيها يرجع إلى العاطفة وحدها، لأن العصبية لا تعدو كونها ثورة عاطفية تنتاب الفرد إزاء قرابته أو قبيلته أو بني قومه، دون أن يكون للعدل فيها دور. لذا فإن الإسلام قد دعا إلى هذه العقلية التي يتسم بها المجتمع الإنساني بشكل عام وتوجيهها بطريقة انعكاسية نحو الإيمان بالله سبحانه، فهو أداة الربط بين المؤمنين يجمع شتاتهم، ويشد عزائمهم، ويوحد صفوفهم، وهو أيضاً الوسيلة الناجعة للوصول إلى درب الخلاص، ومن ثم النهوض بالإنسانية إلى أرقى وأسمى القيم التي تنشدها على هذه الأرض، الإيمان بالله، ورسوله، وكتبه، واليوم الآخر بكل ما انطوت عليه هذه الكلمات من مضامين عالية نبيلة تتهافت عندها جميع الحواجز المادية التي تلف حياة الإنسان، كما تتلاقى في ساحتها جميع القلوب الخيرة المفتوحة لا فرق في ذلك بين الإنسان الأبيض والأحمر والأسود والأصفر والقريب والبعيد. قال سبحانه وتعالى:
(لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[2].
ولقد كان صاحبنا (سلمان الفارسي) رضي الله عنه أحد المجسدين لهذا الشعار القرآني بعزم وإرادة وتصميم يفوق حد الوصف، جسده في بداية إيمانه حين هجر أهله ووطنه في سبيل الوصول إلى منابع الإيمان ـ كما ستقرأ ـ ضارباً عرض الحائط كل تفاهات المجوسية وأساطيرها دون تردد أو وجل وجسده بعد إسلامه حين غزا المسلمون أرض فارس سنة 15 للهجرة وأطاحوا بأكاسرتها وأساورتها حيث كان هذا الرجل العظيم (داعية المسلمين ورائدهم) في تلك الوقعة ـ على حد تعبير ابن الأثير ـ فكان يدعو قومه إلى الإسلام. يدعوهم كما كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يدعوهم. فإن أبوا ناجزهم ونهد إليهم.
إن قصة إسلام هذا الصحابي الجليل فريدة من نوعها في عالم التدين ـ حسبما أعلم اللهم عدا ما يختص بالأنبياء والرسل وأوصيائهم. فهي لا تخلو من مآثر وكرامات وخوارق تتصل كلها بعالم التدين وما يربط بين الأديان جميعاً، بل هي في ذاتها حافز للمؤمنين يمدهم بمزيد من الثبات والثقة. وهي أيضاً بقدر كونها وثيقة تاريخية تثبت أصالة الأديان السماوية، تؤكد ـ وبكل وضوح ـ كون الإسلام هو خاتمة تلك الأديان.
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)[3].
فأنت حين تقرأ سلمان في هذا الكتاب، ستجد نفسك وجهاً لوجه أمام إنسان وقف كل حياته لأجل أن يحظى بنصيب أكبر من عالم الروح والإيمان، وحين تتعمق في قراءته أكثر، ستدرك ولا شك أن هذا الإنسان المثل كان فريداً من نوعه، وفي أبناء جنسه وفي مسلكه وفي عمق إدراكه. حتى ليخيّل إليك إنه كان أمةً في جانب، والناس في جانب، وستلمس أن هذا الإنسان الذي بدأت حياته بالغرائب والعجائب، انتهت حياته كذلك.
رحم الله سلمان، هلالاً أطل من سماء فارس ليشرق بدراً في دنيا الإسلام.
——————————————————————————–
[1] سورة الحجرات، الآية 13.
[2] سورة المجادلة، الآية 22.
[3] سورة آل عمران، آية 19.
مواقف سلمان
1- غزوة الخندق
الذي عليه أكثر المؤرخين أن سلمان لم يشارك في غزوات النبي الأولى كبدر وأحد، لأنه كان لا يزال في حينها قيد الرق، أما بعد أن أعتقه الإسلام من رقه فإنه لم ينفك عن مصاحبته (صلّى الله عليه وآله) ومواكبته له في غزواته وحروبه، وإسداء الرأي والنصيحة حينما تطلب الأمر ذلك، فكان له مواقف خالدة في هذا المضمار احتفظ لنا التاريخ ببعض منها نظراً لما كان يترتب عليها من أهمية تتصل بالحفاظ على قوة المسلمين العسكرية.
وأهم هذه المواقف وأعظمها ما أشار به على المسلمين في حربهم ضد الشرك فيما يسمى بـ(غزوة الخندق) وغزوة الخندق هذه اشتملت على مشاهد مثيرة يعيشها القارئ من خلال ما سجلته أقلام المؤرخين حولها، ففيها التقت الكثافة العددية لجيش العدو بالقلة العددية لجيش المسلمين. مع ما دبر من مكائد تجمعها كلمة (الحرب خدعة) بين الطرفين، وتدخل العنصر الغيبي (الإلهي) لحسم الموقف، ممّا يدعو القارئ والكاتب إلى ضرورة الإلمام بها وبظروفها ولو بنحو الإجمال.
لقد بدأت هذه الحرب في شوال من السنة الخامسة للهجرة بتحريض جماعة من اليهود وذلك: أن نقرأ من يهود بني النضير قرروا فيما بينهم أن يقوموا بجملة تستهدف تجميع القوى المناهضة للرسول (صلّى الله عليه وآله) ولرسالته الإسلامية ومن ثم مهاجمته في المدينة والقضاء عليه وعلى من يكون معه، فقدموا على قريش بمكة ودعوهم إلى ذلك وقالوا نكون معكم حتى نستأصله. وكان من هؤلاء اليهود سلام ابن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي وغيرهم.
فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود! إنكم أهل الكتاب الأول، وتعلمون بما أصبحنا عليه نحن ومحمد، ونحن نسألكم أديننا خير أم دينه؟
فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه!
وبهذه المناسبة نزلت الآية الكريمة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً)[1].
ولما سمعت قريش من اليهود ذلك استبشرت وطمعت في أن يحقق لها هذا التكتل النصر على محمد (صلّى الله عليه وآله) فتواعدوا وإياهم على حربه عندما يتيسر لهم من العرب من يناصرهم عليه.
ولم يكتف اليهود بذلك، بل حرضوا بعض القبائل الأخرى على حربه (صلّى الله عليه وآله) واعدين إيّاه النصر الأكيد، إذ لا طاقة لمحمد وأصحابه على مناجزتهم والثبات في وجههم، وهم بهذا العدد الضخم من الأفراد والعدة الكاملة من السلاح، فاستجابت لهم غطفان وكان قائدها عيينة بن حصن، وبنو سليم بقيادة سفيان بن شمس، وبنو أسد، وفزارة، وبعض قبيلة الأشجع وبنو مرة وغيرهم، وكان أبو سفيان قائد قريش، فبلغ مجموعهم أكثر من عشرة آلاف مقاتل وكان في قريش وحدها ثلاثة آلاف فارس ومعها ألف وخمسمائة بعير.
وبلغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذلك فجمع أصحابه وأمرهم بالاستعداد للمواجهة وحثهم على الجهاد واستشارهم في وضع خطة تمنع دخولهم إلى المدينة، فأشار عليه سلمان الفارسي (رضي الله عنه) بحفر الخندق قائلاً له:
(كنا بفارس إذا حوصرنا حفرنا خندقاً يحول بيننا وبين عدونا..).
فاستحسن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه هذا الرأي وأمر بحفره، وبهذه المناسبة صار المهاجرون والأنصار يبدون تقربهم لسمان فاختلفوا فيما بينهم وكل يقول: سلمان منا، لكن النبي (صلّى الله عليه وآله) حسم الأمر بقوله: (سلمان من أهل البيت) فكانت هذه الكلمة من الرسول في حقه أكبر وأعظم وسام يناله صحابي.
ثم أن النبي حدد لكل عشرة من المسلمين أن يحفروا أربعين ذراعاً، وكان هو كأحدهم يحفر بيديه مؤاساةً وتشجيعاً لهم، وكان المسلمون يحفرون وينشدون الأشعار، أما سلمان، فلا نشيد ولا كلمة على لسانه تلهب حماسه، لكنه مع ذلك كان من أنشطهم وأخلصهم في العمل، وسر النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يسمع من سلمان شعراً كما يسمع من غيره، فقال (صلّى الله عليه وآله) اللهم أطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر فأنشأ سلمان يقول:
ما لــــي لســـــان فأقـــــول الشعرا أســـــأل ربـــــي قــــــوّةً ونـــصرا
علــــى عــــدوي وعــــــدو الطهر محـــــمد المـــــختار حـــــاز الفخرا
حتى أنـــــال فــــي الجـــنان قصرا مع كـــل حوراء تحاكي البدرا[2]
وبينما كان سلمان مع تسعة نفر يحفرون في المساحة المحددة لهم وإذا بصخرة بيضاء قد اعترضتهم، فأعجزتهم ولم تصنع بها المعاول شيئاً، فقالوا لسلمان: اذهب إلى رسول الله وأخبره بذلك، فلعله يأمرنا بالعدول عنها، فإنا لا نريد أن نتخطى أمره.
فلما أخبره سلمان بذلك، أقبل عليهم وهبط بنفسه إلى الخندق وأخذ المعول من سلمان وضرب الصخرة ضربةً صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة حتى لكأنها مصباح في بيت مظلم ـ على حد تعبير الراوي ـ فكبّر رسول الله. ثم ضربها ضربةً ثانية فتصدعت وخرج منها نفس البريق الأول، وفي الضربة الثالثة تكسرت وظهر لها بريق أضاء ما وراء المدينة. فكبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأشرقت نفسه الكبيرة للنصر المؤمل في النهاية، ثم أخذ بيد سلمان وصعد خارج الخندق.
فقال له سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئاً ما رأيته قط!
فالتفت رسول الله إلى القوم وقال: هل رأيتم ما يقول سلمان؟
فقالوا: نعم يا رسول الله، بأبينا أنت وأمنا، لقد رأيناك تضرب، فيخرج البرق كالموج، فرأيناك تكبر فكبرنا، ولم نر غير ذلك.
قال: صدقتم، أضاءت لي في البرقة الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت الثانية، فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم وأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها.. وفي الضربة الثالثة أضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها.. فاستبشر المسلمون بذلك.
وكان النصر حليف المسلمين، وما ذلك إلا بفضل دعاء النبي (صلّى الله عليه وآله) وتأييد الله له، وبضربة علي (عليه السلام) لعمرو، وبإشارة سلمان بحفر الخندق.
2- حصار الطائف
بعد أن فرغ النبي (صلّى الله عليه وآله) من فتح مكة واستقامت له الأمور فيها، قام بإرسال السرايا نحو القبائل المجاورة لمكة لتطهير المنطقة من عبادة الأوثان ونشر راية التوحيد، وكانت الظروف مهيأةً له بالنسبة لذلك.
وفي ذات يوم بلغه أن (هوازن) وأحلافها من (ثقيف) و(جشم) و(نصر) قد ساءهم انتصاره بمكة وقدّروا أن الدائرة ستدور عليهم، وأن المسلمين سيقتحمون عليهم بلادهم، فاجتمعوا فيها بينهم وقرروا القيام بمبادرة عسكرية لصد الهجوم المرتقب من النبي وأصحابه، فبلغ عددهم مجتمعين نحو ثلاثين ألف مقاتل أو أكثر، ونزلوا بسهل (أوطاس) المعروف بـ(حنين) بقيادة مالك بن عوف.
وتجهز النبي (صلّى الله عليه وآله) لملاقاتهم ومعه نحو عشرة آلاف مقاتل، وبدأت الحرب بين الفريقين ونظراً لتفوّق المشركين عددياً، ووجود بعض المنافقين والمتخاذلين ومن أسلموا رهبةً في صفوف المسلمين، فقد رجحت كفّةُ المشركين عسكرياً وحلّت الهزيمة في صفوف المسلمين ولولا ثبات النبي (صلّى الله عليه وآله) وخروجه إلى المعركة بنفسه وثبات بعض أصحابه معه وتذكير المسلمين ببيعتهم للرسول (صلّى الله عليه وآله) تحت الشجرة وحثهم على مواصلة الكفاح لولا هذا لكانت هزيمتهم محتمةً والفشل حليفهم، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فقد انتهت المعركة بنصر المسلمين، وفي ذلك نزلة الآية الكريمة:
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا)[3].
وقد ظفر المسلمون في هذه الحرب بغنائم كثيرة بلغت اثنتين وعشرين ألفاً من الشياه، وأربعة آلاف أوقية من الفضة، وكان عدد الأسرى ستة آلاف أسير، أما قائد المشركين مالك بن عوف فقد فرّ في عدد من ثقيف إلى الطائف، وكانت الطائف مدينةً محصنةً لها أبواب، وكان أهلها ذوو خبرةٍ في الحرب وثروات طائلة مكّنتهم أن يجعلوا حصونهم من أمنع الحصون، فجمع النبي (صلّى الله عليه وآله) الغنائم والأسرى وجعل على حراستها بُديل بن ورقاء وجماعة من المسلمين، وأمر مناديه بالرواح إلى الطائف لمحاصرتها طمعاً في أن يسلم أهلها، فسار المسلمون نحوها ونزلوا في مكان قريب منها، ولما أشرف عليهم أهل الطائف هالتهم كثرتهم، فأمروهم بوابل من النبل وأصابوا عدداً من المسلمين ممّا حدا بالنبي (صلّى الله عليه وآله) أن يأمرهم بالانتقال إلى مكان آخر.
أقام المسلمون في ذلك المكان أياماً ينتظرون مواجهة ثقيف لهم، لكن ثقيف لم تكن بحالة من الاستعداد تمكنهم من المواجهة بعد هزيمتهم في حنين، فأثرت الانتظار على المواجهة والمكوث داخل الحصن، سيّما وأن الحصن منيعٌ والمؤن متوفرة، وليس لدى المسلمين السلاح الذي يمكنهم من اقتحام الحصن.
وطال الانتظار بالمسلمين. وهنا أشار سلمان الفارسي (رضي الله عنه) باستعمال المنجنيق قائلاً: يا رسول الله، أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم، فإنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيق على الحصون وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، وإن لم يكن المنجنيق طال الثواء[4].
فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فعمل منجنيقاً بيده، فنصبه على حصن الطائف[5] وقذفوا به الصخور إلى ما وراء الحصن فلم نعمل فيه، ثم استعملوا نوعاً آخر من الأسلحة كان لبعض القبائل المقيمة بأسفل مكة علم بها وهو الدبابة وهي آلة من جلود البقر يدخلون في جوفها تقيهم النبال والسيوف، ثم يندفعون بها إلى الحصون، ومنها ينفذون إلى ما وراءها، ولكن رجال الطائف كانوا من المهارة بمكان، حيث أرسلوا عليهم سكك الحديد المحماة. فلاذوا بالفرار.. ولم يطل انتظار المسلمين كثيراً فقد أشار النبي عليهم بقطع كرومهم وأشجارهم، وحين ناشدوه الله والرحم كفّ عن ذلك، ثم أمر مناديه أن ينادي: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حرّ، فنزل إليه نفرٌ منهم، منهم أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة فأخبر النبي أنهم يملكون من المؤن والذخائر ما يكفيهم زمناً طويلاً، فاستدعى رسول الله نوفل بن معاوية الدؤلي واستشاره في أمرهم، فقال نوفل:
يا رسول الله، إن ثقيفاً كثعلب في جحر، فإن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرّك.
وكان قد مضى على النبي نحواً من خمسة عشر يوماً أو تزيد وقد أصبحوا على أبواب شهر (ذي القعدة) وهو من الأشهر الحُرُم وقد حرّم الإسلام فيه القتال، فآثر النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يرجع عنهم ليعود إليهم بعد انقضاء الأشهر الحرم فيما لو أصرّوا على موقفهم المعادي للإسلام. لكنهم عادوا إلى صوابهم وأرسلوا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وفداً يعرضون عليه إسلامهم ثم أسلموا.
——————————————————————————–
[1] سورة النساء، الآيتان 51-52.
[2] الدرجات الرفيعة، ص218.
[3] سورة التوبة، الآيتان 25-26.
[4] المغازي للواقدي، ص937. والثواء: الإقامة.
[5] شرح النهج، ج18، ص35.
كراماته وفضائله
1- في القرآن الكريم
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): نزل القرآن أرباعاً: فربع فينا، وربع في عدونا، وربع سير وأمثال، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن[1] وسلمان رضوان الله عليه لما كان منهم صلوات الله عليهم، فخليق أن ينزل فيه آي من القرآن الكريم تخلده على مر الدهور والأعوام.
نذكر بعض ذلك:
1ـ قال ناس من الصحابة: نزل قوله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا..)[2] في سلمان[3].
2ـ قال قتادة في قوله تعالى: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)[4] قال: منهم سلمان، وعبد الله بن سلام[5].
3ـ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[6] فهذه نزلت في سلمان الفارسي فكان عليه كساء فيه يكون طعامه وهو دثاره ورداؤه، وكان كساء من صوف، فدخل عيينة بن حصين على النبي (صلّى الله عليه وآله) وسلمان عنده، فتأذى عيينة بريح كساء سلمان وقد كان عرق فيه، وكان يوم شديد الحر، فعرق في الكساء، فقال: يا رسول الله إذا نحن دخلنا عليك فاخرج هذا واصرفه من عندك، فإذا نحن خرجنا فأدخل من شئت، فأنزل الله (وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) وهو عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري[7].
4ـ قال أنس في قوله تعالى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً)[8] هم قوم يفرّون إلى الله فيعطون ويحبون ويكرمون ويشفعون، منهم سلمان الفارسي[9].
5ـ عن أبي هريرة: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تلا هذه الآية: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[10] قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من فارس[11].
وسام الشرف
قال عمر بن عبد العزيز وقد قام من عنده علي بن الحسين (عليه السلام): من أشرف الناس؟ فقالوا: أنتم، فقال: كلا، فإن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفاً، من أحبّ الناس أن يكونوا منه، ولم يحب أن يكون من أحد[12].
فشرف محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين لا يدانيه شرف، وفضلهم لا يوازيه فضل، وسؤددهم لا يشابه سؤدد.
وهذا الشرف الباذخ، والفضل العظيم، شمل سلمان الفارسي رضوان الله عليه، فكل من ترجم له ذكر الحديث النبوي الشريف (سلمان منا أهل البيت)[13].
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
لعـــــمرك مــــا الإنـــــــسان إلا بــدينه فلا تـــــترك التقـــوى اتكالاً على النسب
لقد رفــــــع الإســـــــلام سلمان فارس وقد هجّن الشرك الشريف أبا لهب[14]
ويقول الشيخ محيي الدين بن العربي: ولما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عبداً محضاً، قد طهره الله وأهل بيته تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس وهو كل ما يشينهم، فإن الرجس هو القذر عند العرب، هكذا حكى الفراء، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[15] فلا يضاف إليهم إلا مطهّر، ولابد فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس، فهذه شهادة من النبي (صلّى الله عليه وآله) لسلمان الفارسي بالطهارة، والحفظ الإلهي، والعصمة، حيث قال فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سلمان منا أهل البيت، وشهد الله لهم بالتطهير، وذهاب الرجس عنهم، وإذا كان لا ينضاف إليهم إلا مطهر مقدس، وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم، فهم المطهرون، بل هم عين الطهارة[16].
2- في الحديث الشريف
كان الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يكرّم أصحابه، ويشيد بمواقفهم الكريمة، ويثمّن جهود المخلصين منهم، وهو الذي شكر لنسيبة بنت كعب الأنصارية رضوان الله عليها موقفها المشرّف يوم أحد، وقتالها المشركين، فقال: لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان. وكان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها، حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً[17].
فلا غرو منه صلوات الله عليه إطراء سلمان رضوان الله عليه، وذكر فضائله ومناقبه تثميناً لإيمانه، ودعوة للآخرين في اللحوق به.
نذكر بعض هذه الأحاديث:
1ـ روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) من وجوه أنه قال: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان[18].
2ـ عن النبي (صلّى الله عليه وآله): أمرني ربي بحبّ أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم: علي وأبو ذر والمقداد وسلمان، رضي الله عنهم[19].
3ـ إن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال، في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وأتى النبي (صلّى الله عليه وآله) فأخبره، فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضب ربك جلّ وعلا. فأتاهم أبو بكر فقال: يا أخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يا أبا بكر، يغفر الله لك[20].
4ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سلمان يبعث أمة لقد أشبع من العلم[21].
5ـ وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): السبّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة[22].
6ـ وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سلمان سابق فارس[23].
7ـ وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): اشتاقت الجنّة إلى ثلاثة: علي وعمّار وسلمان[24].
3- في حديث أهل البيت
سئل علي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سلمان، قال:
(امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحراً لا ينزف!)[25].
عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (ضاقت الأرض بسبعة، بهم ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، منهم: سلمان الفارسي والمقداد، وأبو ذر، وعمار، وحذيفة. وكان علي (عليه السلام) يقول: وأنا إمامهم، وهم الذين صلوا على فاطمة (عليها السلام)).
أخرج الشيخ الطوسي في أماليه، عن منصور بن بزرج، قال:
قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ما أكثر ما أسمع منك ـ سيدي ـ ذكر سلمان الفارسي؟
قال (عليه السلام): لا تقل سلمان الفارسي، ولكن قل سلمان المحمدي، أتدري ما أكثر ذكري له؟ قلت: لا.
قال: لثلاث خصال: إيثاره هوى أمير المؤمنين (عليه السلام) على نفسه، والثانية: حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة: حبه للعلم والعلماء.
وأخرج الكشي عن محمد بن حكيم، قال:
ذكر عند أبي جعفر (عليه السلام) سلمان المحمدي، فقال: إن سلمان منا أهل البيت، إنه كان يقول للناس: هربتم من القرآن إلى الأحاديث، وجدتم كتاباً دقيقاً حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبة الخردل، فضاق عليكم ذلك، وهربتم إلى الأحاديث التي اتسعت عليكم[26].
وبسنده عن الحسين بن صهيب عن أبي جعفر، قال: ذكر عنده سلمان الفارسي قال فقال أبو جعفر (عليه السلام):
لا تقولوا سلمان الفارسي، ولكن قولوا: سلمان المحمدي، ذاك رجل منا أهل البيت[27].
الصدوق، بسنده عن ابن نباتة قال:
سألت أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه وقلت: ما تقول فيه
فقال: ما أقول في رجل خلق من طينتنا، وروحه مقرونة بروحنا، خصه الله تبارك وتعالى من العلوم بأولها وآخرها وظاهرها وباطنها وسرها وعلانيتها. ولقد حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسلمان بين يديه. فدخل أعرابي فنحاه عن مكانه وجلس فيه. فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى در العرق بين عينيه واحمرتا عيناه ثم قال: يا أعرابي. أتنحي رجلاً يحبه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبه رسوله في الأرض! يا أعرابي، أتنحي رجلاً ما حضرني جبرئيل إلا أمرني عن ربي عزّ وجلّ أن أقرئه السلام! يا أعرابي، إن سلمان مني، من جفاه فقد جفاني ومن آذاه فقد آذاني، ومن باعده فقد باعدني، ومن قربه فقد قربني، يا أعرابي لا تغلطن في سلمان، فإن الله تبارك وتعالى قد أمرني أن أطلعه على علم المنايا والبلايا[28] ، والأنساب وفصل الخطاب.
قال: فقال الأعرابي: يا رسول الله، ما ظننت أن يبلغ من فضل سلمان ما ذكرت، أليس كان مجوسياً ثم أسلم؟
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) يا أعرابي أخاطبك عن ربي، وتقاولني؟! إن سلمان ما كان مجوسياً، ولكنه كان مظهراً للشرك، مبطناً للإيمان.
يا أعرابي، أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). يا أعرابي خذ ما آتيتك وكن من الشاكرين، ولا تجحد فتكون من المعذبين، وسلم لرسول الله قوله تكن من الآمنين[29].
——————————————————————————–
[1] ينابيع المودة، ص126.
[2] سورة البقرة، الآية 62.
[3] تهذيب تاريخ دمشق الكبير، ج6، ص304.
[4] سورة الرعد، الآية 43.
[5] تهذيب تاريخ دمشق الكبير، ج6، ص204.
[6] سورة الكهف، الآية 28.
[7] تفسير القمي، ج2، ص34.
[8] سورة مريم، الآية 85.
[9] تهذيب تاريخ دمشق الكبير، ج6، ص204.
[10] سورة محمد، الآية 38.
[11] تهذيب تاريخ دمشق الكبير، ج6، ص203.
[12] أعيان الشيعة، ج1، ص631، ط2.
[13] السيرة النبوية لابن هشام، ج2، ص224.
[14] تهذيب تاريخ دمشق الكبير، ج1، ص205.
[15] سورة الأحزاب، الآية 33.
[16] الفتوحات المكية، ج1، ص196.
[17] شرح نهج البلاغة، ج14، ص266.
[18] الاستيعاب، ج2، ص59.
[19] الاستيعاب، ج2، ص59.
[20] الاستيعاب، ج2، ص60.
[21] أنساب الأشراف، ج1، ص488.
[22] صفة الصفوة، ج1، ص534.
[23] الطبقات الكبرى، ج7، ص318.
[24] المستدرك على الصحيحين، ج3، ص137.
[25] الأعلام للزركلي، م3، ص169.
[26] الدرجات الرفيعة، ص209-210.
[27] البحار، ج22، ص349.
[28] علم المنايا والبلايا: ربما يقصد به اطلاعه على ما يجري على بعض الناس. ومنه إخبار علي (عليه السلام) لميثم التمار بأنه سيقتل ويصلب وإخباره لرشيد الهجري كذلك، وأمثال هذا ممّا هو معروف مشهور.
[29] البحار، ج22، ص347.