قبل سبعة أعوام و في ظهر الأحد العاشر من شهر شباط عام ۲۰۰۸ ، وصل صانع الانتصارين و القائد الاسطوري للمقاومة واللغز المحير لـ ۴۲ جهاز استخبارات عالمية الحاج عماد مغنية إلى منزل أهله ، و كان الموعد شبه الدوري للقاء العائلة أسبوعياً على مائدة غداء تتولى إعداد أطباقها ام الشهداء الحاجة أم عماد ، و الحاجة أم مصطفى زوجة الشهيد الحاج رضوان .
و فی اللیلة السابقة ، کان الحاج قد وصل فجأة إلى منزل الأهل ، وکانت زوجته برفقته . دخلا بعدما انتظرا طویلاً لیفتح أحد الباب ، و اکتشفا أن الحاج فایز والحاجة أم عماد قد خلدا إلى النوم باکراً . غادرا بهدوء. وعادا فی الیوم التالی حیث کان الجمیع بالانتظار .
لم یکن هناک شیء لافت . أحادیث عامة عن العائلة والأولاد وأخبار الأهل. وکما فی کل مرة، یحاول بعض الحاضرین من الأهل استدراج الرجل للحدیث عن أعماله ، کان جوابه هو ذاته: ابتسامة وصمت وعودة إلى حدیث آخر .
أخبار الحاج عماد وأسفاره لم تکن معلومة أبداً حتى بعد حصولها . تعودت العائلة غیابه . مرات یسافر لوقت طویل قبل أن یطرق الباب فجأة . فی تلک اللیلة لم یشر الحاج إلى سفر قریب له. لکن فی الیوم التالی، جرى حدیث بین أم عماد وأم مصطفى .
قالت الأخیرة إن الحاج سافر إلى سوریا على ما یبدو، وقال إنه لن یتأخر فی العودة. وسارت الأمور على ما تعوّده الجمیع. علماً بأنّ العائلة کلها صارت تنتبه إلى أن الحاج الشهید صار أکثر انشغالاً من قبل، وهو حاول تکریس اللقاءات الأسبوعیة لتعویض غیابه الدائم. وکان الکل یسمع عن مرحلة إعادة البناء للمقاومة على أسس جدیدة. لکن العائلة لم تکن تعرف على الإطلاق طبیعة الدور الذی یقوم به الشهید .
لیلة الثلاثاء فی 12 شباط ، سمع الجمیع بالخبر الوارد فی دمشق عن انفجار غامض فی محلة کفرسوسة. الحاجة أم عماد استفاقت فی الیوم التالی، وأعدت نفسها لزیارة ابنتها التی دخلت المستشفى فی حالة طارئة. قرب المنزل صادفت «أحد الشباب»، کانت عیناه متورمتین من بکاء. توجه إلیها وسألها إلى أین تذهب. ثم طلب منها العودة إلى المنزل بانتظار أن یحضر هو سیارة ویأخذها إلى المستشفى. وبعد قلیل، وصل قیادیان من الحزب ، ومن أصدقاء الحاج وأصدقاء العائلة .
لم ینتظر الوالدان الوقت لیسألا عمّا یجری . قال الأول إن الحاج أُصیب فی حادث سیارة ، وهو الآن فی المستشفى. لم ترق الروایة للوالدین . أبو عماد صمت، وفکر فی أن یکون عماد قد مات بحادث سیر ، کاد یموت حنقاً لو أن الخبر صحیح. لکن المسؤول الآخر أجاب عن سؤال مباشرة للوالدة قائلاً: لقد استُشهد الحاج .
صرخت أم عماد بأعلى صوت لها منذ ولادتها . أما الحاج فایز ، فقد فهم أن الحاج استُشهد اغتیالاً ، فتوجه کما الحاجة أم عماد إلى غرفة داخلیة . أدیا صلوات فیها شکر للباری تعالى ، بینما قررت الحاج وقف البکاء . قائلة فی نفسها : إذا شاهدنی العالم وأنا أبکی، فإن قتلة عماد سیفرحون أکثر. أما الحاج فایز ، فجلس مرتاحاً ؛ لأن عماد رحل بالطریقة التی تلیق به، شهیداً فی المعرکة التی أمضى حیاته فی قلبها .
ربع قرن من المطاردة . روایات وأساطیر نسجتها الاستخبارات «الإسرائیلیة» والأمیرکیة عن عماد مغنیة . القسم الأکبر کان واضحاً أنه نتیجة الفشل فی الوصول إلى الرجل . ولما حصل الأمر، احتفى «الإسرائیلیون» الارهابیون بإنجازهم الأکبر ضد المقاومة فی لبنان .. لکن أشباح “الشبح” مازالت تلاحقهم حتى فی منامهم .