فاطمة سلامة
في العاشر من آب/أغسطس المنصرم، أعلن الرئيس حسان دياب استقالة حكومته لتدخل نادي تصريف الأعمال. منذ ذلك الحين، أكثر من ثلاثة أشهر مرّت دون أي تقدم يُذكر في ملف تشكيل الحكومة، وأكثر من شهر مرّ على تكليف رئيس الحكومة سعد الحريري. في الظاهر، لا تبدو المدة طويلة في بلد كلبنان اعتدنا فيه على أن تأخذ عملية تشكيل الحكومات وقتاً. على سبيل المثال، حكومة الرئيس تمام سلام التي استغرقت أكثر من عشرة أشهر حتى أبصرت تشكيلتها النور. هذا في الشكل، أما في الباطن، فالمسألة تختلف كثيراً. واقع لبنان الحالي لا يُشبه أي فترة سابقة. كل يوم يكاد يكون دهراً يكبّد الاقتصاد اللبناني المزيد من الخسارة. وعليه، فإنّ مقولة “ضرورة تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد” ليست جملة تقال أو محط كلام، بل حقيقة تستمد واقعيتها من الظروف الصعبة جداً التي يعيشها لبنان، والتي تحتّم الإسراع بالتأليف منعاً من الانزلاق أكثر نحو قعر الهاوية.
وبغض النظر عن الظروف المحيطة بعملية التأليف، والتي ليست خافية على أحد حيث تركن هذه العملية في مكانها لأسباب تتعلّق بالعقلية التي تدار بها، وبغض النظر عن كل ما يدور في كواليس التأليف والضغوطات التي تعرقل إخراج التشكيلة الحكومية، يبدو من الضرورة بمكان أن تتوجّه الأنظار نحو مكان آخر. لا ينبغي الانتظار على قارعة التأليف، بل ينبغي بالموازاة العمل. نعم، “حراجة” الأوضاع واستثنائيتها تحتّم على حكومة تصريف الأعمال أن تمارس صلاحياتها كما يجب. هذا الأمر أكثر من ضرورة، والدستور لا يسلب حكومة تصريف الأعمال هذا الواجب وإن اختلفت وجهات النظر في تفسير المعنى الضيق لتصريف الأعمال والظروف الاستثنائية. فماذا يقول الدستور في هذا الإطار؟ وهل يحق لحكومة تصريف الأعمال الاجتماع واتخاذ القرارات؟.
اسماعيل: الحكومة قائمة وواجبها الاجتماع
الخبير المتخصّص في القانون الدستوري الدكتور عصام اسماعيل يرفض رفضاً قاطعاً استخدام مصطلح “تفعيل” حكومة تصريف الأعمال، فالحكومة -بشهادة الدستور- قائمة وواجبها الاجتماع وتصريف الأعمال حتى ولو كانت مستقيلة. الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور تنص على أنّ” الحكومة “تمارس صلاحياتها بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”. أما في الظروف الاستثنائية، فهناك اجتهاد ينص على أنّ مدة تصريف الأعمال يجب أن لا تتجاوز الأربعة أسابيع، واذا تجاوزت هذه المدة تعود الحكومة لممارسة كامل صلاحياتها. وفق اسماعيل، فإنّ عدم اجتماع الحكومة يشكّل خرقا للدستور. عليها واجب الانعقاد والخروج من المماطلة والتلكؤ الى العمل، وإلا تُتهم بتعطيل مصالح البلاد والإخلال بواجباتها وخرق الدستور والسماح لسلطة بديلة بأن تحل مكان مجلس الوزراء. وبهذا المعنى، على الحكومة أن تجتمع كتصريف أعمال خلال شهر على الأكثر من تاريخ اعتبارها مستقيلة، وبعد ذلك تعود لممارسة صلاحياتها عملاً بنظرية الظروف الاستثنائية التي تبرر الخروج عن قواعد المشروعية العادية واتخاذ التدابير المناسبة لمعالجة الأزمات.
الدستور ميّز بين الحكومة كهيئة جماعية ومجموع أعضائها
وخلال مناقشته هذه القضية، يشدّد اسماعيل في حديث لموقع “العهد” الإخباري على أنّه لا يجوز أن يصدر إعلان تمديد حالة الطوارئ بكتاب من أمين عام مجلس الوزارء، فيما الحكومة قادرة على الاجتماع واتخاذ القرارات. نحن بهذا التصرف أحللنا سلطة بديلة وهذا الأمر مخالف للدستور. ويستشهد اسماعيل بالمادة “64” من الدستور التي تتحدث عن حكومة تصريف الأعمال وليس عن وزير تصريف أعمال. وفق اسماعيل، لقد فرض الدستور على الحكومة أن تتولى تصريف الأعمال، والمقصود بالحكومة مجلس الوزراء كهيئة جماعية لا مجموع أعضائه كل بمفرده، وما يعزز هذا التفسير -بحسب اسماعيل- أن الدستور ميّز بين الحكومة كهيئة جماعية ومجموع أعضائها، فإذا كان المخاطب مجموع الوزراء فإن النص يخاطب الوزراء كالمادة 66 التي تقول بوجوب أن يتحمل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة. ففي هذه المادة تمييز واضح بين الوزراء إجمالياً أو إفرادياً وبين الحكومة كهيئة جماعية.
اذا تجاوزت حكومة تصريف الأعمال فترة الأسابيع يجب أن تمارس كامل صلاحياتها
بالنسبة لاسماعيل، يجب أن تمارس حكومة تصريف الأعمال الحالية كامل صلاحياتها في ظل هذه الظروف الاقتصادية السيئة والوباء الصحي الذي يوجب تدابير مستعجلة لمواجهته. هناك اجتهادان في هذا الصدد، أحدهما للقاضي يوسف نصر صدر في العام 2015 واعتبر فيه أنّ “تصريف الأعمال هي نظرية معدة للتطبيق خلال فترة زمنية محددة انتقالية، يجب ألا تتعدى الأسابيع أو حتى الايام. وأن تمددها لفترة أطول لا بد أن ينعكس على مفهومها برمته حتى يستطيع تحقيق الهدف منها وهو تأمين استمرارية الدولة ومصالحها العامة ومصالح المواطنين”. وبهذا المعنى، يوضح اسماعيل أنّ حكومة تصريف الأعمال اذا تجاوزت فترة الأسابيع أو الأيام تلك يجب أن تعود لممارسة كامل صلاحياتها.
رمال: نحن في صلب الانهيار
هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية الاقتصادية، فيؤكّد عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والخبير الاقتصادي الأستاذ عدنان رمال لدى سؤاله عما اذا كانت الأوضاع الاقتصادية والمالية استثنائية، أنّ الوضع الاقتصادي استثنائي سلبي يحتاج الى قرارات فعالة وجدية، فنحن في صلب الانهيار.
وفي حديث لموقعنا، يرفض رمال ربط هذه الظروف الاقتصادية والمالية بإمكانية اجتماع الحكومة من عدمه. برأيه، بإمكان الدولة اتخاذ اجراءات وقرارات عبر الوزارات المختصة سواء اجتمعت الحكومة أم لا، تماماً كما يحصل في لجنة الكورونا التي تتخذ القرارات. وفق رمال، بإمكان المعنيين الاجتماع واتخاذ قرارات تحفيزية للاقتصاد اللبناني وإعطاء رزم دعم وإعفاءات وتقديم مقاربات اقتصادية ومالية جدية وفعلية وليست نظرية.
https://chat.whatsapp.com/Fava5Ifru8330dDMfhs0gn