الطرف الأول في علم الربوبية وفيه مشاهد
المشهد الأول في معرفة الحق الأول جل ذكره ووحدانيته وفيه قواعد :
( 1 ) قاعدة في إثبات وجوده
« شَهِدَ اللهُ أَنَّه ُ لا إِله َ إِلَّا هُوَ »
اعلم أن أعظم البراهين وأسد الطرق وأنور المسالك وأشرفها وأحكمها هو الاستدلال على ذاته بذاته وذلك لأن أظهر الأشياء هو طبيعة الوجود المطلق بما هو مطلق وهو نفس حقيقة الواجب تعالى وليس شيء من الأشياء غير الحق الأول نفس حقيقة الوجود لأن غيره إما ماهية من الماهيات أو وجود من الوجودات الناقصة المشوبة بنقص أو قصور أو عدم فليس شيء منها مصداق معنى الوجود بنفس ذاته وواجب الوجود هو صرف الوجود الذي لا أتم منه ولا حد له ولا نهاية ولا يشوبه شيء آخر من عموم أو خصوص أو صفة غير الوجود بخلاف غيره .
فنقول : لو لم يكن حقيقة الوجود موجودا لم يكن شيء من الأشياء موجودا لأن غير حقيقة الوجود إما ماهية من الماهيات ومعلوم أنها من حيث ذاتها غير موجودة
أو وجود ناقص غير تام فلا محالة يلزمه تركيب وتخصيص بمرتبة معينة وحد خاص من مطلق الوجود فيفتقر بالضرورة إلى سبب به يتم
وجوده ومحدد يحدده بحد الخاص ويخرجه من القوة إلى الفعل ومن الإمكان إلى الوجوب إذ كل ما ليست حقيقته حقيقة الوجود فلا يقتضي ماهيته وجود ولا هويته حدا خاصا من الوجود فيحتاج إلى قاهر عليه محدد له مفيد لمرتبة المعين في الوجود وذلك المقتضي يجب أن يكون مقدما في الوجود على الجميع تقدم البسيط على المركب والواحد على الكثير والتام على الناقص والغني على الفقير والفياض على المفاض عليه فحقيقة الحق الأول هو البرهان على ذاته والبرهان على كل شيء كما قال جل شأنه :
« أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّه ُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » فهذه سبيل الصديقين الذين يتوسلون به إليه ويستدلون به عليه ويستشهدون بوجوده على سائر الأشياء لا بوجود الأشياء عليه كما في طريقة غيرهم من السالكين الذين يستدلون بوجود الأثر على الصفات وبالصفات على الذات وهي طرق كثيرة أجودها منهجان :
أحدهما معرفة النفس الإنسانية
« وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ وهذا أجود الطرق بعد طريق الصديقين لأن المسلك هاهنا عين الطالب وفي طريقهم عين المطلوب .
وثانيهما النظر في الآفاق والأنفس كما أشار إليه تعالى :
« سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّه ُ الْحَقُّ » وفي القرآن آيات كثيرة في هذا المنهج قد مدح اللَّه على الناظرين في خلق السماوات والأرض وأثنى على المتفكرين في آثار صنعه وجوده .