فالفريق الأول من الأشقياء الذين هم أهل القهر الإلهي لا ينجع فيهم الإنذار ولا سبيل إلى خلاصهم من النار
« كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و « كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ » وهؤلاء سدت عليهم الطرق
« وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ » وأغلقت عليهم الأبواب لأن القلب هو أصل الأبواب وهو المشعر الإلهي الذي هو محل الإلهامات وقد حجبوا عنه بختمه وكذا السمع والبصر اللذان هما بابان للفهم والاعتبار للإنسان وقد حرموا عن جدواهما لامتناع نفوذ المعنى فيهما إلى القلب فلا سبيل لهم في
الباطن إلى العلم الكشفي الباطني ولا في الظاهر إلى العلم التعليمي الكسبي فحبسوا في سجون الظلمات وعظم عذابهم وحجابهم .
والفريق الثاني من الأشقياء هم الذين سلب عنهم الإيمان مع ادعائهم له لأن محل الإيمان هو القلب لا اللسان قال اللَّه تعالى :
« قالَتِ الأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ » ومعنى قولهم فيما حكى للَّه عنهم
« آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ » ادعائهم علمي التوحيد والمعاد اللذين هما أشرف العلوم الإلهية وأجل المعارف الربانية فكذبهم اللَّه بقوله :
« وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ » فأشار إلى أن علومهم خدع وتلبيسات يشتبه بها الجهل بالعلم ويظهر بها الباطل بصورة الحق كما هو دأب المغالطين المماكرين على ما قال تعالى :
« وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً . . . إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً » لكن أهل البصيرة يعرفون وجوه الخلط والتلبيس وتدفعون خداع أصحاب الوهم والظلمات وأوهامهم بأنوار الإلهامات وأضواء اليقينيات كما قال :
« وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه ِ
« وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِه ِ » وفي القرآن آيات كثيرة مشيرة إلى أحوال هاتين الطائفتين أعني الضالين الغاوين والمضلين المغوين المكذبين كقوله تعالى :
« وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ » وقوله :
« بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِه ِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه ُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ » وقوله :
« وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ » .