Home / *مقالات متنوعة / 3 أفكار أساسيّة حول المعركة الدائرة.. عن اللحظة ومستقبلها

3 أفكار أساسيّة حول المعركة الدائرة.. عن اللحظة ومستقبلها

محمد فرج

المعيار بسيط وواضح وتدعمه الأرقام، إذ تعرّض المسجد الأقصى بعد “أوسلو” للاعتداء 73 مرة على مدار 5 سنوات في ظل لجم المقاومة وتقييدها.

  • مع عالم اليوم، تدخل مؤشرات أخرى في حسم المعارك.
    مع عالم اليوم، تدخل مؤشرات أخرى في حسم المعارك.

مع ما أثبتته قدرات المقاومة وانكشاف الثقوب الكثيرة في بيت العنكبوت الإسرائيلي، تصبح اللحظة الراهنة مناسبة لإعادة الحديث مجدداً عن الأفكار الأساسية؛ أفكار أصل الصراع وماهيته ومعناه الحقيقي.

 

أولاً: المقاومة كمعيار قيمي أول

مع كلّ صاروخ أطلقته المقاومة من غزة، ومع صمود الشباب الفلسطيني في الضفة، والانتفاضة العميقة والجذرية في أراضي فلسطين المحتلة العام 1948م، عاد مبدأ المقاومة كمعيار قيمي أول على سلم التكتيك والاستراتيجيا في آن واحد.

حلقات المفاوضات والاتفاقيات و”الحوارات الرسمية وغير الرسمية” التي شكلت مسار التسوية العبثي، أصبحت جميعها خلفنا، من قمة فاس، واتفاقية “أوسلو” ومبادرة جنيف، و”واي بلانتيشين”، والمبادرة العربية في بيروت، و”أنابوليس”، وسياسة الانسحاب الأحادي الجانب، إلى خريطة الطريق… أصبحت جميعها اليوم خلفنا مع تكريس المقاومة كمسار واقعي وعملي، وليس كما حاولت أطراف “الاعتدال” (الانحياز والتبعية) وصفها في أكثر من محطة كمشروع حالم أو مغامر. 

المعيار العملي بسيط وواضح، وتدعمه الأرقام والإحصائيات. بعد “أوسلو” على مدار 5 سنوات، منذ العام 1993م إلى العام 1998م، تعرض المسجد الأقصى للاعتداء 73 مرة، في ظل لجم المقاومة وتقييدها ببنود اتفاقية تسويفية. 

بمعنى آخر، كلّما تعمّق مسار التسويات، ازداد الاعتداء الصهيوني. عندما هتف الفلسطينيون في القدس “مشان الله، غزة يلا”، كان الرد الحقيقي الذي أجبر قوات الاحتلال على أن تتردد قبل الدخول، وأن تنسحب. هذا تماماً ما نقصده في معنى أفضلية مسار المقاومة من الناحية العملية، واستناداً إلى قيمتها الأخلاقية في الوقت نفسه.  

إنَّ سلسلة مسار التسوية تخضع للمعايير الإسرائيلية نفسها، باختلاف مسمياتها وعناوينها. المعيار الأول عدم السّماح بقيام دولة فلسطينية، لا حدود 1967م ولا غيرها. في أحسن الأحوال، أن يمنح الفلسطينيون ما هو أكثر من حكم ذاتي، وأقل من دولة مستقلة، وتحويلهم من أصحاب الحق التاريخي إلى “سكان”.

المعيار الثاني هو أن يكون الحديث عن الثوابت الفلسطينية في جولة مؤجّلة من الحوار لا تأتي أبداً، استناداً إلى مبدأ رابين: “لا مواعيد مقدسة”. إذاً، هو الاعتماد على التسويف وشراء الوقت، وتأجيل المفاوضات في جوهر القضية (القدس، اللاجئين، المستوطنات) إلى جولة لا تأتي، ولن تأتي!

 المعيار الثالث أنّ الكيان الصهيوني يدخل مسار التسويات من بوابة واحدة؛ أنها أساس في بقائه، وليست شرطاً لفنائه. هذا ما رواه ناحوم غولدمان عن بن غوريون في “سيكولوجيا السلام في الشرق الأوسط”، (لا يوجد لـ”إسرائيل” مستقبل على المدى الطويل من دون تسوية سلمية مع العرب).

 

ثانياً: نهاية أسطورة السلاح الحاسم 

تبدو فكرة الاعتماد على الصّواريخ كقلب للاستراتيجيا العسكرية فعّالة إلى حد كبير في حروب اليوم، وهي في المناسبة ليست استراتيجيات تنظيمات المقاومة فقط، وإنما استراتيجيات دول أيضاً، تمتدّ من إيران التي تمكّنت عبرها من لجم الوجود الأميركي في الخليج، وهي كذلك مبدأ ثابت في استراتيجية الصين العسكرية “الدفاع النشط”، لحماية جغرافيا “الحزام والطريق”، إن لزم الأمر لاحقاً.

إنها ببساطة الفكرة القائمة على تأمين قدرات الردع اللازمة لأي عدوان بأقل التكاليف. إرهاقك ميزانيتك الاقتصادية في شراء أطنان من الأسلحة الهجومية، قد لا يبدو أمراً حكيماً، إن كان بإمكانك منع حدوث الحرب، أو لجم الحرب الشاملة، أو إحداث أضرار مكافئة في حال وقوعها.

تقوم فكرة صواريخ المقاومة – إلى حد ما – على هذا المبدأ، فالطيران الإسرائيلي بدأ يشعر بمزيد من قلق المغامرات العدوانية المتطرفة والتحفّظ في الإيغال أكثر (قارن أيامنا هذه بعملية “الرصاص المصبوب” أو اجتياح العام 2014م). الصواريخ التي تصل إلى الأراضي المحتلة وتحدد أهدافها بدقة تجعل الرد مكافئاً للأضرار، فالوقت اللازم لهدم غزة بأكملها، ليس أقصر من الوقت اللازم لتدمير الكيان. 

إن الفارق في نوعية السلاح لم يترافق مع فارق في عامل الوقت اللازم للتدمير. يسمّون ذلك في الاقتصاد “المنفعة الحدية”. لا يختلف الأمر كثيراً بين امتلاكك 5 مليارات دولار و10! إذاً، تترافق خسارة الإسرائيلي عسكرياً مع فشل نظام القبة الحديدية، مع خسارة أخرى كبيرة في معركة الكلفة!

الكثير من سياسات الاحتلال المتوحشة، اليوم، يرتد عليه في الميدان، فالتوسع الاستيطاني أعطى المقاومة المزيد من بنوك الأهداف: 132 مستوطنة يسكنها ما يقارب 440 ألف مستوطن. تبعد أكبر المستوطنات، موديعين إيليت، مسافة 72 كم عن نقطة انطلاق الصواريخ (غزة)، الأمر الذي يجعل الفتك بها لا يتطلّب استخدام نظام “عياش-250”.

مع عالم اليوم، تدخل مؤشرات أخرى في حسم المعارك؛ فاقتصاد الكيان الاستيطانيّ الذي لا يستطيع احتمال الحروب الطويلة، والإنهاك النفسيّ لجمهور مهاجر مستوطن لا يتوازى مع إرادة شعوب مؤمنة وراسخة، والضرر الذي يلحق بأسعار التأمين، وتراجع قيمة العملة الإسرائيلية، وتعطل حركة البضائع، وتراجع مردود السياحة، كل ذلك يفشل في مواجهة مجتمع جرّب الحصار.

تشير الدّراسات إلى أنّ نسب الانتحار الأعلى في الكيان الصهيوني تحدث في مستوطنات غلاف غزة. إنّ العامل الذي رفعها إلى رأس جدول الإحصائيات يتوسّع جغرافياً، ويجعل من الإنهاك النفسي المعمّم عاملاً إضافياً لكسب الحرب.

 

ثالثاً: الدبلوماسية سلاح حاسم

مثّلت “حرب أكتوبر” انتصاراً عسكرياً عربياً، بما تحمل الكلمة من معنى، وكانت الخيمة 101 هي مقبرة الانتصار التاريخي، عندما كرّس السادات معادلة حرب التحريك بديلاً من حرب التحرير.

في معادلة الحرب الدائرة، ومع الحاجة الإسرائيلية الملحّة إلى مسار المفاوضات والهدنة، تنشط دبلوماسيات الوسيط (proxy diplomacy) التي تشكّل قطر مفتاحاً أساسياً فيها.

إن تكريس الانتصار في المعركة الدائرة يستلزم توثيق العلاقة مع الدبلوماسية المؤيدة لمبدأ المقاومة، كأولوية قصوى في خريطة العلاقات السياسية، وهي ببساطة الدبلوماسيّة نفسها التي تقدم الصواريخ وتدرّب وتدعم بالمال والسّلاح، ولا صعوبة تُذكر في تحديد موقعها في الخريطة؛ دمشق وطهران.

أُبقي الشقّ الأخير مختصراً إلى هذا الحد، إلى حين ما تكشفه الأيام أو الأسابيع المقبلة!

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

Check Also

العودة الی احضان دمشق…اجباریة ام تأسفیة؟

شهدت الآونة الأخيرة تراكض عربي في سبيل إعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع سوريا، في ظل ...