07 أسرار الآيات وأنوار البينات
May 20, 2021
القرآن الكريم
305 Views
( 6 ) قاعدة في وجوه الفرق بين إنزال كلام اللَّه على قلب النبي صلى اللَّه عليه وآله
وبين إنزال الكتب السماوية وتنزيلها إلى سائر الأنبياء عليهم السلام .
قوله تعالى :
« نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْه ِ »
أي نزل على قلبك حقائق القرآن وأنواره متجلية بسرك لا صورة ألفاظ مسموعة أو مكتوبة على ألواح زمردية مقروة لكل قارئ .
دليل ذلك قوله تعالى :
« وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناه ُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ »
يعني نزل بالحقيقة لا بالتصوير والحكاية .
وقوله :
« ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناه ُ نُوراً نَهْدِي بِه ِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا »
يعني ما كنت تكتسب بالدراية والفهم صورة ما في الكتب العلمية ولست تتعلم الإيمان من معلم غير اللَّه ولكن جعل اللَّه قلبك نورا عقليا تتنور به حقائق الأشياء ويهتدي بها إلى ملكوت الأرض والسماء .
وقوله :
« وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِه ِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّه ُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ »
وقد وقعت الإشارة إلى أن تعليم القرآن من قبل اللَّه بأن يتجلى بنور الحكمة الذي هو حقيقة الكلام ونور الإيمان على قلب من كان من عباده الكرام وأحبائه العظام .
وبالجملة القرآن خلق النبي صلى اللَّه عليه وآله كما مر وسائر الكتب ليست كذلك .
وبالجملة من علمه اللَّه القرآن بهذا التعليم كان عليه من اللَّه فضلا عظيما كما قال لحبيبه صلى اللَّه عليه وآله :
« وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً » .
بل نقول التعليم على ثلاثة أقسام : تعليم بشري وتعليم ملكي وتعليم إلهي .
والأول كما لسائر الناس
والثاني كما لسائر الرسل « عليهم السلام » كان يمثل لهم الملك ويعلمهم الكتاب
والثالث كما لخواص الأنبياء وعظماء الأولياء عند عروجهم المعنوي إلى اللَّه .
وإلى هذه الأقسام الثلاثة أشار
بقوله :تعالى :
« ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَه ُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا »
فالأول هو التعليم الإلهي والثاني هو الملكي والثالث هو البشري
فافهم أن كنت من أهله .
ولا يفهم هذه الرموز إلا من خرج طائر روحه الأمري من قالبه البشري ونفسه فإنه منطق الطير وأنت بعد بيضة محبوسة في القشر الصوري لست من السيارين في أرض الملكوت ولا من الطيارين في جو الجبروت .
وجه آخر من الفرق إنه قال تعالى :
« وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناه ُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ »
وقال :
« وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ »
وقال في حق القرآن :
« ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيه ِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ »
والفرق ظاهر بين كتاب فيه هدى للناس ويستوون في هداه الأنبياء والأمم وبين كتاب فيه هدى الأنبياء والمتقين من هذه الأمة المخصوصين بالعناية
كما قال :
« وَلكِنْ جَعَلْناه ُ نُوراً نَهْدِي بِه ِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا »
وجه آخر قال :
« وَكَتَبْنا لَه ُ فِي الأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً »
وقال في حق القرآن :
« فَأَوْحى إِلى عَبْدِه ِ ما أَوْحى »
وقال :
« يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً » .
والفرق عظيم بين الكتابة والوحي وكذا بين الموعظة والبرهان
ثم إنه جعل اللَّه تشريف سائر الأنبياء عليهم السلام مثل تشريف هذه الأمة المرحومة لمحمد صلَّى اللَّه عليه وآله
حيث قال لهذه الأمة :
« أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ » فشتان بين نبي تشرف بكتابة الموعظة له في الألواح وبين نبي تشرف أمته بكتابة الإيمان لهم في قلوبهم .
وجه آخر : القرآن تنزل على قلب الرسول وسائر الكتب نازلة على صدر الأنبياء وفرق بين تعلمهم الكتاب وبين تعلم نبينا الكتاب فكانوا يتدارسون الكتب وخاتمهم صلى اللَّه عليه وآله كان متخلقا بالقرآن .
وجه آخر في الفرق بين ما أفاد له صلَّى اللَّه عليه وآله تنزيل الكلام وبين ما أفاد لهم عليهم السلام أنزل الكتب فإن أفاد الإنزال لهم الحكمة فقد أفاد له صلى اللَّه عليه وآله إن أوتي جوامع الكلم وبه فضل على الأنبياء عليهم السلام وبخمسة أمور أخرى لقوله صلى اللَّه عليه وآله : « فضلت على الأنبياء بست » وكذا تحقق الفرق بين تصرف تنزيل الكلام على قلبه وتصرف الإنزال عليهم فإن كان إنزال الكتب تصرف فيهم بأن كان الكتاب مع أحدهم نورا من اللَّه يجيء به إلى أمته ليكون هدى لهم
كما قال تعالى :
« قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِه ِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ »
فإن تصرف تنزيل القرآن على قلبه جعله نورا من اللَّه يجيء إلى الأمة ومعه الكتاب
لقوله :
« قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ » وهو محمد صلى اللَّه عليه وآله وكتاب مبين فشتان بين نبي يجيء ويكون هو بذاته نورا ومعه كتاب وبين نبي يجيء ويكون معه نور من الكتاب .
هذا وقد انكشف عليك من تضاعيف ما ذكرناه لك أن الكلام غير الكتاب وأن الحكمة والنور والقرآن والكلام الإلهي يجري مجرى الألفاظ المترادفة في لسان هذا الكتاب وأنها جميعا عبارة عن مرتبة العقل البسيط الذي فيه حقائق الأشياء مجملة وأن الكتاب عبارة عن مقام نفسي فيه صور العلوم التفصيلية ونسبة الأول إلى الثاني كنسبة الكيمياء إلى الدنانير وكنسبة البذر إلى الشجرة بل كنسبة المبدإ الفعال إلى مجعولاته .
شارك
2021-05-20