تمثّل نتيجة الانتخابات الرئاسية في إيران رسالة تحدٍّ لأميركا مفادها أن المشروع الإيراني بانتخاب رئيسي سيتجاوز المشروع الأميركي في المنطقة.
انتهى سباق الانتخابات الرئاسية الإيرانية بفوز المرشح إبراهيم رئيسي برئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بنسبة قوية تجاوزت 62%، وسط متابعة واهتمام واسعين من قبل المراقبين والأوساط الرسمية في المنطقة، إلى جانب “دولة” الاحتلال الإسرائيلي، التي عبّرت عن صدمتها وخيبة أملها وإحباطها وقلقها من هذه النتائج، واعتبرتها كابوساً جديداً حلَّ على المنطقة. مثل هذه النتائج لا بدَّ من التوقف عندها، لقراءة انعكاسات فوز الرئيس رئيسي، ولا سيَّما على محور المقاومة، باعتباره ملفّاً مهماً من الملفات التي تحتلّ اهتماماً إيرانياً كبيراً.
المتابع للمشهد منذ إعلان نتائج الانتخابات الإيرانية يلحظ حالةً من الرضا والارتياح الكبيرين لدى أطراف محور المقاومة، التي باشرت بتقديم التهاني للرئيس رئيسي، وهو ما يمكن قراءته بأهمية كبيرة، كما أنه يشكّل دليلاً واضحاً على ما يمثله الرجل من رمزية ثورية خاصة، تعبّر عن نهج الثورة الإيرانية ونظامها في مواجهة محور الشرّ في المنطقة، إذ إنَّ هذا الفوز يشكّل انتصاراً ساحقاً لمحور المقاومة، وهزيمة كبيرة لـ”إسرائيل” وحلفائها. كما أنه رسالة تحدٍّ من الشعب الإيراني لأميركا، مفادها أن المشروع الإيراني بانتخاب رئيسي سيتجاوز المشروع الأميركي في المنطقة.
قوى المقاومة الإسلامية التي هنأت رئيسي بفوزه بالانتخابات الرئاسية اعتبرت هذا الفوز بمثابة منعطف حقيقيّ سينعكس إيجاباً على مسارات إيران المقبلة، ورأت أن ثمة تحولاً جذرياً قادماً في عهده، فالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، عندما وجّه برقية تهنئة إلى الرئيس الإيراني الجديد لفوزه بالانتخابات، دعاه إلى مواصلة دعم محور المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وقال له: “كنتم داعماً لمحور المقاومة طيلة مراحل تصديكم للمسؤوليات المختلفة. اليوم، يتطلّع إليكم كلّ المقاومين، ويرون فيكم حصناً منيعاً وملاذاً آمناً وسنداً قوياً”.
كما وجّه رئيس المجلس السياسيّ الأعلى في اليمن تهنئة لرئيسي، أكَّد فيها أنَّ نجاح العملية الانتخابية في الجمهورية الإسلامية في إيران يعتبر انتصاراً لمبادئ الثورة الإسلامية وترسيخاً لخيار مواجهة المشروع الصهيو-أميركي.
ولم تقف التهاني هنا، فقد أرسلت حركة “حماس”، بما تمثّله من رأس حربة في وجه “إسرائيل”، برقية تهنئة إلى رئيسي، وأعربت عن أملها بأن يتمكّن من خدمة الجمهورية الإسلامية أولاً، وأن يواصل تعزيز مواقف إيران المشرّفة في دعم فلسطين ومقاومتها وقضيتها العادلة، إلى جانب حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين، التي أكَّدت في تهنئتها الأمر نفسه.
فوز رئيسي يعني أنَّ محور المقاومة الذي تقوده الجهورية الإسلامية الإيرانية في حالة صعود كبير. والراصد لسيرة الرجل ومسيرته يدرك تماماً أنَّ إيران اليوم دخلت عهداً ثورياً جديداً، وستكون لها الكلمة العليا واليد الطولى في التعامل مع الكثير من الملفات المعروفة، ولا سيما ملف محور المقاومة، الذي يعتبر أحد أهم الملفات لدى القيادة الإيرانية و”قوة القدس”.
هذا المحور سيكون في عهد رئيسي أقوى، وأصلب عوداً، وأشد بأساً، وأكثر صموداً في مواجهة التحديات، وسيتعزز حضوراً وقوةً بالتنسيق والتناغم، بدءاً من طهران، مروراً باليمن والعراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى فلسطين المقاومة، في وجه كلّ المخططات والمؤامرات، بما يحقق لجم “إسرائيل” والقضاء على مشروعها الخبيث في المنطقة.
ثمة معطيات مهمة ستكون حاضرة في عهد الرئيس رئيسي، فسياسة إيران الخارجية ثابتة وراسخة في دعم حركات محور المقاومة بأكمله، مستندةً إلى قاعدة متينة قوية من الصناعات العسكرية الصاروخية والتقنيات العسكرية والوسائل الأخرى التي تؤهلها لأن تقود محوراً مركزياً في المنطقة يكون قادراً على مواجهة كل التحديات الراهنة.
لفوز إبراهيم رئيسي رسائل مهمة يجب ألا نغفلها تجاه محور المقاومة بشكل عام، وحركات المقاومة في فلسطين بشكل خاص، والتي تعتبر جزءاً مهمةً من هذا المحور:
1- دور محور المقاومة سيتّسع وفق رؤية استراتيجية عميقة، سيكون هدفها الأساس القضاء على المشروع الصهيوني وأطماعه في المنطقة، وصد المؤامرات الخارجية على المحور كله.
2- سيعزّز رئيسي منسوب الدعم الإيراني لكلّ قوى المحور عامة، ولقوى المقاومة في فلسطين خاصّة، بما يمكّن هذه الفصائل من تحقيق الانتصار الكبير على العدو الصهيوني.
3- تعزيز وتقوية أواصر العلاقات بين كل أطراف محور المقاومة، بما يؤسس التكامل لمحور متين تكون دمشق جزءاً أساسياً فيه، وسيكلّل بعودة العلاقات بين حركة “حماس” وسوريا إلى سابق عهدها، باعتبار ذلك ملفاً مهماً لدى محور المقاومة يجب إغلاقه، ناهيك بالتحديات التي تواجهه، والتي تفرض إنهاء هذا الملف، وخصوصاً أن إيران قطعت شوطاً كبيراً في هذا السياق.
تقديراتي للمشهد أنَّ فوز رئيسي يبعث بعهد ثوري متكامل جديد، يعزّز مكانة إيران كدولة مهمة في المنطقة؛ عهد عنوانه القوة والغلبة لمحور المقاومة الذي تقوده إيران، والذي سيقضي على سرطان الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وصولاً إلى تحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى، فقد أصبح ما يرعب الأعداء الصهاينة في هذه الفترة، وبعد معركة “سيف القدس”، هو قدرة محور المقاومة على التحكّم في المشهد، وعدم تعامله مع مجريات الأوضاع بردود الفعل، وهو دليل حكمة وقوة واقتدار، كما أنه أكثر ما بات يقلق “إسرائيل”، التي بدأ مشروعها يتهاوى ويتراجع أمام ما حقّقته المقاومة ومحورها من تراكم للقوّة وفرض للمعادلات التي تجعلنا إلى النصر أقرب.