المنهج الجديد في تربية الطفل 8
June 5, 2022
بحوث اسلامية
1,601 Views
الدرس التاسع: فضل الطفل وأهميّته في الأسرة والمجتمع
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتمكَّن من الإجابة إلى سؤال: لماذا الطفل؟
2- يفهم الآيات القرآنية التي يُمكن الاستدلال بها على فضل الطفل وأهمّيته في حياة والديه.
3- يعرض الروايات التي تدلّ على فضل الولد وأهمّيته في الدنيا والآخرة.
تمهيد
سنُسلّط الضوء في هذا الدرس على أهمّية الطفل والمصلحة من وجوده في حياة الأسرة والمجتمع في ضوء الرؤية الإسلامية، ممّا يلعب دوراً مهمّاً كعنصر تحفيزيّ وترغيبيّ على إنجاب الأطفال. فهذا الدرس باختصار هو جواب عن السؤال التّالي: لماذا الطفل؟
العامل الفطريّ: فطرة الأمومة والأبوّة
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: “قال موسى بن عمران: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبُّ الأطفال، فإنّي فطرتهم على توحيدي، فإن أمّتهم أدخلتهم برحمتي جنّتي”[1].
كلُّ إنسانٍ يشعر في أعماق وجدانه بأنّه مجبول على غريزة حبّ الأطفال، ومعجون بالميل إلى إنجاب الأطفال، وحبّ أن يكون أباً أو أمّاً. ومهما حاول إنسان ما التنكّر لهذا الشعور الفطريّ فإنّه سيبقى معجوناً في طينته، وسيطفو في بعض اللحظات على السطح، ويلّح على الإنسان بالاستجابة لندائه وتلبية صوت هذا الشعور، وإلا سيبقى الإنسان يتحرّك في دائرة القلق والشعور بعدم الطمأنينة.
فالسعي نحو إنجاب الطفل هو إشباع لحاجة فطرية جُبلت عليها كلّ نفس بشرية في حبّ الأمومة والأبوة.
غريزة حبّ البقاء
إنّ من الخصائص الرئيسة التي تتميّز بها الكائنات الحيّة الواقعة في الطبيعة تحت الحسّ والاستقراء من حيوانات ونباتات هي التكاثر الجنسيّ، وهو عبارة عن حصول عملية اتّصال وتلاقح بين زوجين – ذكر وأنثى – ينبثق عنها كائن حيّ ثالث جديد مغاير لهما. وهذه الخصيصة الطبيعية أيضاً تُدغدغ في الإنسان غريزة حبّ البقاء فيسعى لتوليد كائنات حيّة جديدة تؤمّن استمرارية النوع البشريّ لحفظه عن الفناء والزوال.
عامل القوّة بالكثرة العددية
يعرض لنا القرآن الكريم العديد من الآيات التي تُشير إلى كون الكثرة العددية عامل قوّة وعزّة للمجتمع والأمة. يقول تعالى:
– ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾[2].
– ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾[3].
وقد كانت وما زالت الكثرة العددية للأمم مثار فخر واعتزاز.
– ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾[4].
– ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾[5].
عامل الوراثة والخلافة
يقول تعالى: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾[6].
وعن أبي عبد الله عليه السلام، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقرأ: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي﴾، يعني أنّه لم يكن له وارث حتّى وهب الله له بعد الكبر.
كلّ إنسان يرغب في استمرار وجوده الشخصيّ بمثال وشبيه له، يخلّد اسم العائلة، بنحو لا ينقطع ذكره بين الناس، ويُعبّر عن هذه الحالة بالوراثة أو الخلافة. وقد اعتبرت الروايات أنّ من محقّقات سعادة الإنسان أن يرى وريثه وخليفته.
وقد تقدّم ذكر العديد من الروايات – في الدرس السابق فقرة: تعليم أئمة أهل البيت الناس بعض الأعمال لإنجاب الأطفال – تُفيد هذا المعنى، منها:
– عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، قال لبعض أصحابه: “قل في طلب الولد: ربّ لا تذرني فرداً، وأنت خير الوارثين، واجعل لي من لدنك وليّاً يرثني في حياتي…”[7].
– وعن بكر بن موسى الواسطي، قال:كُنتُ عند أبي إبراهيم – الكاظم – عليه السلام، فقال: إنّ أبي جعفراً كان يقول: “سعد من لم يمت حتّى يرى خلفه من نفسه”[8].
ثم أومى بيده إلى ابنه عليّ – الرضا عليه السلام -، فقال: “وقد أراني الله خلفي من نفسي“[9].
وعن أبي الحسن عليه السلام: “سعد امرؤ لم يمت حتى يرى خلفاً من نفسه“[10].
– وعن أبي الحسن عليه السلام: “إنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيراً لم يُمته حتى يُريه الخلف“[11].
سعادة الإنسان بالأطفال
اتّضح من بعض الروايات السابقة أنّ من سعادة الإنسان وجود الأطفال في حياته، ونُضيف إليها:
– عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من سعادة الرجل الولد الصالح“[12].
– وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أربعة من سعادة المرء: الخلطاء الصالحون والولد البار…”[13].
– وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: “من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبهه خلقه وخلقه وشمائله“[14].
عامل العون والخدمة والمساعدة للوالدين
يقول تعالى: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾[15].
إنّ التدبّر في هذه الآية القرآنية الكريمة يُعطينا عدّة دلالات:
الأولى: أنّ إنجاب الأطفال أحد أهداف بناء بيت الزوجية.
الثانية: كما تُفيد الآية بقرينة سياق الآيات التي تسبقها – وهي في مقام عدّ النعم والآلاء الإلهية على الإنسان – أنّ الأولاد نعمة إلهية[16].
والثالثة: أنّ الأولاد بالإضافة إلى كونهم هدفاً لتأسيس بيت الزوجية، ونعمة إلهية، هم مددٌ وعونٌ لوالديهم، كما تُشير إليه مفردة: ﴿وَحَفَدَةً﴾. فالحفدة لغة جمع حافد، وهو من الحفد، والحفد في اللغة: الخدمة[17]. وأصل الحفد يدلّ على الخفّة في العمل والتجمّع،
فالحفدة الأعوان لأنّه يجتمع فيهم التجمّع والتخفّف[18]، والسرعة إلى الطاعة. ومنه قيل للأعوان حفدة، لإسراعهم في الطاعة[19].
وقد اختلف المفسّرون في مصداق المعنى المراد من كلمة حفدة في الآية:
– قال بعضهم: إنّ بنين تُطلق على الأولاد الصغار، والحفدة تُطلق على الأولاد الكبار الذين يستطيعون إعانة ومساعدة آبائهم[20].
– وتبنّى بعضهم: أنّ المقصود بها أولاد الأولاد.
– واعتبرها بعض ثالث: أنّها من باب العطف لتغاير الوصفين[21]، أي أنّ الأولاد جامعون للأمرين معاً، فهم بنون وهم حافدون أي يخدمون أهلهم ويعاونونهم[22]. أو من باب عطف الخاصّ على العامّ بحيث يكون المقصود بالحفدة خصوص البنين الذين يُعاونون والديهم ويُساعدونهم ويخدمونهم ويُسارعون إلى طاعتهم.
– وقد حملها بعض المفسّرين على كلّ المعاني السابقة[23].
وعلى كلّ حال، بأيّ معنى أُخذت، يبقى الجامع المشترك هو جهة العون والمدد والخدمة والمساعدة للوالدين[24].
يقول السيد الطباطبائي: “المراد بالحفدة في الآية الأعوان الخدم من البنين…، وجعل لكم من أزواجكم بالإيلاد بنين وحفدة وأعواناً تستعينون بخدمتهم على حوائجكم وتدفعون بهم عن أنفسكم المكاره“[25].
وبعض الروايات يشهد على هذا الفهم للآية: فعن جميل بن درّاج، عن أبي عبد
الله عليه السلام، عن قول الله: ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ قال عليه السلام: “هم الحفدة، وهم العون منهم، يعني البنين”[26].
عامل المعاونة والمعاضدة في الروايات
وقد صرّحت الروايات بأنّ أحد أهداف وجود الولد في حياة الوالدين هو أن يكون عضداً لهما، وأصل العضد في اللغة: ما بين المرفق إلى الكتف، ويدلّ على العضو الذي يستعار في موضع القوّة والمعين[27]، وجمعه: أعضاد، و”أعضاد كلّ شيء ما يشدّ من حاليه من البناء وغيره“[28]. وقد شبّه الولد بأنّه عضد لوالديه لأنّه العامل الذي يفترض أن يستندون إليه ويعتمدون عليه في الحياة بكافّة جوانبها ومجالاتها، فعندما تشتدّ الظروف يجد الوالدان في الولد العنصر الذي يقف إلى جانبهم ويُعينهم على تجاوز صعابها.
– عن عيسى بن صبيح[29]، قال: دخل الحسن العسكريّ عليه السلام علينا الحبس، وكُنتُ به عارفاً، فقال لي: “لك خمس وستون سنة وشهر ويومان”.
وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي، وإنّي نظرت فيه فكان كما قال.
ثم قال: “هل رُزقتَ من ولد”؟
قُلتُ: لا.
قال: “اللهم ارزقه ولداً يكون له عضداً. فنعم العضد الولد“. ثم تمثّل عليه السلام: “من كان ذا عضد يُدرك ظلامته إنّ الذليل الذي ليس له عضد“[30]
قُلتُ: ألك ولد؟
قال عليه السلام: “أي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فأمّا الآن فلا“[31].
– وعن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، قال: “من سعادة الرجل أن يكون له وُلْدٌ يستعين بهم”[32].
نعم الشيء الولد
– روي عن الحسن البصريّ أنّه قال: بئس الشيء الولد، إن عاش كدّني، وإن مات هدّني. فبلغ ذلك الإمام زين العابدين عليه السلام، فقال: “كذب، والله نِعْمَ الشيء الولد، إن عاش فدعاء حاضر، وإن مات فشفيع سابق“[33].
تُستعمل كلمة نِعْمَ في مقام المدح للشيء، ويظهر من أصلها الاشتقاقيّ في اللغة العربية أنّها من النعمة، ويرجع معناها إلى ما “يدل على ترفّه وطيب عيش وصلاح“[34]، ولا ريب في أنّ الولد نعمة من الله تعالى، فعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “البنون نعيم، والبنات حسنات…”[35]. وهذه النعمة الإلهية تجعل الإنسان يعيش حياة طيّبة، إذ بدون الولد يبقى الإنسان ناقص العيش، كما سيأتي في بعض الروايات اللاحقة.
إثقال الأرض بالتوحيد والتسبيح
إنّ الله عزّ وجلّ خلق الإنسان لهدف العبادة، وحقيقة العبادة متقوّمة بالتوحيد، ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[36]، فعبادة الله تعالى وذكره وتسبيحه وحمده… هي الهدف الغائيّ لخلقة الإنسان كما ذكرنا في الدروس السابقة. ووظيفة التربية هي إيصال الإنسان إلى هذه المنزلة. وكي يصل الإنسان إلى هذه المنزلة لا بد من وجود الإنسان على الأرض، ووجوده رهن إرادة والديه، من هنا حثّت الروايات الأهل على إنجاب الأطفال من أجل تحقيق هذا الهدف الأعلى.
– عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً، لعلّ الله يرزقه نسمة، تُثقل الأرض بلا إله إلا الله”[37].
– وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “لمّا لقي يوسف أخاه، قال له: يا أخي كيف استطعت أن تتزوّج النساء بعدي؟! قال: إنّ أبي أمرني، وقال: إن استطعت أن تكون لك ذرية تُثقل الأرض بالتسبيح فافعل”[38].
الأولاد أنس للوالدين
الإنسان كائن اجتماعيّ بالفطرة، أي يميل بأصل الخلقة إلى التشكّل داخل وحدات اجتماعية، لأنّه لا يستغني عنهم في تأمين متطلّبات حياته ووجوده، من جهة، كما أنّه يستأنس بالآخرين، ولذا لو بقي الإنسان بمفرده سرعان ما يشعر بالغربة والوحشة، وأصغر وحدة يتكوّن منها المجتمع هي الأسرة، التي تُظلّل حياة الإنسان، وتُخرجه من حالة الوحدة والفرادة التي تجعله يعيش الشعور بالوحشة، إلى حالة السكن والطمأنينة، فالولد يمنح حياة الإنسان أُنساً خاصاً، ويُعطيه إحساساً بالألفة.
– عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: “إذا أبطأ علي أحدكم الولد فليقل: اللهمّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين، وحيداً وحشاً فيقصر شكري عن تفكري، بل هب لي عاقبة صدق ذكوراً وإناثاً، آنس بهم من الوحشة، وأسكن إليهم من الوحدة…”[39].
– وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “خمس خصال من فقد واحدة منهنّ لم يزل ناقص العيش، زائل العقل، مشغول القلب: فأوّلها: صحّة البدن، والثانية: الأمن، والثالثة: السعة في الرزق، والرابعة: الأنيس الموافق”.
قُلتُ – أي الرواي -: وما الأنيس الموافق؟
قال عليه السلام: “الزوجة الصالحة، والولد الصالح، والخليط الصالح”.
والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال، الدّعة”[40].
الولد قرّة عين الإنسان وكبده وريحانة قلبه
الولد بضعة من الإنسان حقيقة لا مجازاً. وهذه البضعة على نحو الحقيقة تتقلّب في أعضاء الإنسان على نحو المجاز، فتارة يُعبّر الإنسان عن ولده أنّه عينه التي يرى بها، وأخرى أنّه يده التي تمدّه بالعون، وثالثة أنّه قلبه وفؤاده، ورابعة أنّه كبده…إلخ. ويلحظ في كلّ تعبير جنبة من الجوانب المناسبة للتعبير. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ الإنسان لا يُمكنه الاستغناء عن الولد كما لا يُمكنه الاستغناء عن أيّ عضو من أعضائه. وهذا ما نُلاحظه بشكل واضح في الروايات.
– وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “اطلبوا الولد والتمسوه، فإنّه قرّة العين وريحانة القلب“[41].
– وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “الولد كبد المؤمن…”[42].
– عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “أولادنا أكبادنا”[43].
– وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام يوماً لولده العباس لمّا كان صغيراً: “قل: واحد، فقال: واحد، فقال: قل: اثنان، قال: استحي أن أقول باللسان الذي قُلت واحد اثنان، فقبّل عليّ عليه السلام عينيه، ثمّ التفت إلى زينب، وكانت على يساره والعباس عن يمينه، فقالت:يا أبتاه أتُحبّنا؟ قال عليه السلام: نعم يا بني، أولادنا أكبادنا“[44].
– عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الولد الصالح ريحانة من الله قسمها بين عباده…”[45].
العامل الأخرويّ
إنّ الولد ليس نعمة وأنساً وريحانة وعوناً وسنداً… لأهله في الدنيا فقط، بل الولد الصالح ذخيرة لأهله بعد موتهم، فباستغفاره ودعائه وقيامه بالأعمال الصالحة قد يكون نجاتهم من العذاب والنار.
– عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم يُنتفع به“[46].
– وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مرّ عيسى ابن مريم عليه السلام بقبر يُعذّب صاحبه. ثم مرّ به من قابل[47]، فإذا هو ليس يُعذّب. فقال عليه السلام: يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أول وهو يُعذّب، ومررت به العام وهو ليس يُعذبّ! فأوحى الله جلّ جلاله إليه: يا روحالله، قد أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوى يتيماً، فغفرت له بما عمل ابنه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ميراث الله عزّ وجلّ من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده…”[48].
– عن معاوية بن عمار، قال: قُلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: “سنّة يسنّها يعمل بها بعد موته، فيكون له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، والصدقة الجارية تجري من بعده، والولد الصالح يدعولوالديه بعد موتهما، ويحجّ ويتصدّق عنهما، ويعتق ويصوم ويُصلّي عنهما.
فقلتُ: أشركهما في حجّي؟
قال عليه السلام: “نعم“[49].
– وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: “ستّة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له...”[50].
– وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “الولد كبد المؤمن، إن مات قبله صار شفيعاً، وإن مات بعده يستغفر له فيغفر الله له”[51].
فانتفاع الوالدين بالولد يوم القيامة ينبغي أن يكون عنصراً مرغِّباً في إنجاب الأطفال، وهذا ما نُلاحظه فيما رواه إسحاق بن عمار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “إنّ فلاناً
– رجل سمّاه – قال: إنّي كنتُ زاهداً في الولد، حتّى وقفت بعرفة، فإذا إلىجنبي غلام شابّ يدعو ويبكي ويقول: يا رب، والدي والدي، فرغّبني في الولد حين سمعت ذلك“[52].
ما للوالدين من الأجر في موت أطفالهم
يقول تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾[53].
قد يمتحن الله تعالى الإنسان ويبتليه بموت أطفاله قبل الولادة أو بعد الولادة، ولأنّ الله تعالى كتب على نفسه الرحمة بعباده فقد جعل لمن يفقد أحبّته من الأطفال عوضاً وأجراً وثواباً عظيماً يوم القيامة، فحتّى الطفل السقط يكون له أثر في نجاة والديه يوم القيامة.
– عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “اعلموا أنّ أحدكم يلقى سقطه محبنطئاً على باب الجنّة، حتى إذا رآه أخذ بيده حتى يُدخله الجنّة، وإن ولد أحدكم إذا مات أجر فيه، وإن بقي بعده استغفر له بعد موته“[54].
– وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:… أما علمتم أنّي أُباهي بكم الأمم يوم القيامة حتّى بالسقط، يظلّ محبنطئاً على باب الجنّة فيقول الله عزّ وجلّ: ادخل الجنّة، فيقول: لا أدخل حتّى يدخل أبواي قبلي. فيقول الله تبارك وتعالى لملكمن الملائكة: ايتني بأبويه فيأمر بهما إلى الجنّة. فيقول: هذا بفضل رحمتي لك”[55].
– وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل: … أوما علمت أنّ الوِلدان تحت العرش يستغفرون لآبائهم، يحضنهم إبراهيم وتُربّيهم سارة، في جبل من مسك وعنبر وزعفران؟”[56].
هذه النصوص الدينية بأجمعها، مؤشّر واضح على وجوب سعي الوالدين إلى حسن تربية أطفالهما كي تكون ثمرة تلك التربية وعاقبتها وجود ولد صالح. فالإنسان يأنس ويفتخر ويفرح ويسعد بطفله وولده إذا كان صالحاً، ويأسف ويحزن ويتألّم إذا لم يكن الطفل كذلك، فـ “ولد السوء يهدم الشرف، ويشين السلف“[57]، كما ورد عن الإمام علي عليه السلام. وعنه أيضاً: “ولد السوء يعرّ الشرف”[58]. وعنه أيضاً: “أشدّ المصائب سوء الخلف“[59].
المفاهيم الرئيسة
– جبل الله تعالى الإنسان على حبّ الأطفال، وعجن في طينته الإحساس الذي يُحفزّه فطرياً على الإنجاب من أجل أن يُشبع نداء الأبوة أو الأمومة.
– يؤمّن إنجاب الأطفال استمرارية النوع البشريّ على الكرة الأرضية.
– إنّ الكثرة السكّانية عامل قوّة للمجتمع وبالتّالي فإنّ كثرة الإنجاب تزيد من عناصر قوّة الأمّة والمجتمع والدولة.
– أحد محقّقات سعادة الإنسان وخيره، أن يرى الوراثة والخلافة له في أبنائه، كما ورد عن أبي الحسن عليه السلام: “إنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيراً لم يُمته حتى يُريه الخلف”.
– يُشكّل الأبناء عنصر مساعدة للوالدين، لذا يُعتبر إنجاب الأطفال خير عون للوالدين في المستقبل على خدمتهما وقضاء حوائجهما ودفع المكاره عنهما.
– إنّ وجود الأطفال في الأسرة هو عامل أنس للوالدين بنحو يدفع الوحدة والوحشة عن حياتهما.
– من أهمّ العوامل المساعدة على تخفيف العذاب عن الإنسان يوم القيامة هم أولاده من خلال قيامهم بالأعمال الصالحة عن روح والديهم.
أسئلة الدرس
1- هل الاندفاع نحو إنجاب الأطفال هو بسبب عوامل خارجية كالامتثال لأوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم وليدة عوامل فطرية داخلية، أم كلاهما معاً؟
2- هل توافق على أنّ الكثرة السكّانية عامل قوّة للمجتمع والأمة والدولة؟ وكيف تربط ذلك بمحبوبية كثرة الإنجاب؟
3- كيف تستدلّ على أهمّية الطفل في حياة الأسرة من خلال آيات وروايات الوراثة والخلافة؟
4- ما هي أهمّية الطفل بالنسبة لوالديه في المستقبل؟ وكيف يُشكّل ذلك عاملاً محفّزاً على إنجاب الأطفال؟
5- كيف يُمكن أن يكون العامل الأخرويّ محرّكاً للإنسان للشعور بأهمّية الولد وفائدته في حياته؟ اذكر دليلاً من الروايات على ذلك.
[1] المحاسن، ج1، ص200.
[2] سورة الإسراء، الآية 6.
[3] سورة نوح، الآيات 10-11-12.
[4] سورة الكهف، الآية 34.
[5] سورة سبأ، الآية 35.
[6] سورة مريم، الآيات 5-7.
[7] الكافي، ج6، ص3.
[8] من لا يحضره الفقيه، ح3، ص474، ح4660.
[9] الخزاز القمي، علي بن محمد، كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، ص273. ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة، ص41، ح22.
[10] الكافي، ج6، ص5.
[11] من لا يحضره الفقيه، ج3، ص482، ح4690.
[12] الكافي، ج6، ص3.
[13] الرواندي، النوادر، ص110.
[14] الكافي، ج6، ص4.
[15] سورة النحل، الآية 72.
[16] الميزان في تفسير القرآن، ج12، ص297. يقول السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الآية: “… النعمة هي جعل الأزواج من أنفسهم، وجعل البنين والحفدة من أزواجهم، فإن ذلك من أعظم النعم وأجلاها، لكونه أساساً تكوينياً يبتني عليه المجتمع البشري، ويظهر به فيهم حكم التعاون والتعاضد بين الأفراد، وينتظم به لهم أمر تشريك الأعمال والمساعي، فيتيسّر لهم الظفر بسعادتهم في الدنيا والآخرة .ولو أنّ الإنسان قطع هذا الرابط التكويني الذي أنعم الله به عليه وهجر هذا السبب الجميل وإن توسّل بأيّ وسيلة غيره لتلاشى جمعه وتشتّت شمله وفي ذلك هلاك الإنسانية”.
[17] العين، ج3، ص185.
[18] معجم مقاييس اللغة، ج2، ص84.
[19] أنظر: مجمع البيان، ج6، ص178.
[20] يراجع: الطبرسي، مصدر سابق. والطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج14، ص191. والأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج8، ص256 وما بعد.
[21] البيضاوي، عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المعروف بتفسير البيضاوي، ج3، ص411.
[22] الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ج2، ص419.
[23] الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، ج20، ص80.
[24] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج8، ص257.
[25] الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج12، ص297.
[26] العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، ج2، ص264. والحويزي، عبد علي بن جمعة العروسي، تفسير نور الثقلين، ج3، ص68. والبحراني، هاشم، البرهان في تفسير القرآن، ج3، ص438.
[27] معجم مقاييس اللغة، ج4، ص348.
[28] العين، ج1، ص268.
[29] وفي: الأربلي، علي بن عيسى، كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج3، ص307: عيسى بن شج. وفي الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ص1087: عيسى بن الفتح.
[30] نسب الدينوري ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، في عيون الأخبار، ج3، ص5، هذا البيت إلى عمرو بن حبيب الثقفي أحد شعراء الجاهلية، أسلم سنة 9 ه. والبيت الثاني منه:
تنبو يداه إذا ما قل ناصره ويأنف الضيم إن أثرى له عدد
[31] الخرائج والجرائح، ج1، ص478.
[32] الكافي، ج6، ص2.
[33] الراوندي، سعيد بن هبة الله، الدعوات سلوة الحزين-، ص285.
[34] معجم مقاييس اللغة، ج5، ص446.
[35] الكافي، ج6، ص7.
[36] سورة طه، الآية 14.
[37] من لا يحضره الفقيه، ج3، ص382.
[38] الكافي، ج6، ص3.
[39] م.ن، ص7.
[40] الخصال، ص284.
[41] مكارم الأخلاق، ص224.
[42] عوالي اللآلي، ج1، ص270.
[43] بحار الأنوار، ج101، ص97.
[44] مستدرك الوسائل، ج15، ص215.
[45] الكافي، ج6، ص3.
[46] عوالي اللآلي، ج1، ص97. ويراجع: النسائي، أحمد بن شعيب، سنن النسائي بشرح جلال الدين السيوطي، ج6، ص25.
[47] قابل: وقت لاحق.
[48] الكافي، ج6، ص4.
[49] نفس المصدر، ص57.
[50] من لا يحضره الفقيه، ج4، ص246.
[51] عوالي اللآلي، ج1، ص270.
[52] الكليني، الكافي، ج6، ص3.
[53] سورة البقرة، الآيتان 155-156.
[54] من لا يحضره الفقيه، ج3، ص483.
[56] الكليني، الكافي، ج5، ص334.
[57] مستدرك الوسائل، ج15، ص215، ح18039.
[58] عيون الحكم، ص503.
[59] ميزان الحكمة، ج4، ص3671.
2022-06-05