ايهاب زكي
في حمأة النتائج الانتخابية في العراق، يتعرض رئيس الوزراء العراقي إلى عملية اغتيالٍ فاشلة، ويبدو أنّها – بحمد الله – صُممت لتفشل، لأنّ من قام بهذه العملية لا يريد الكاظمي ميتاً، فالشهيد الحي أكثر جاذبيةً لتمرير المشاريع السياسية، لذلك لا يمكن استبعاد الدور الأمريكي المباشر أو غير المباشر، عبر أدواتٍ إقليمية، كما يحدث في لبنان.
إنّ المحور الأمريكي يدرك أنّه يتجه إلى هزائم محققة في مختلف ساحات الصراع، في اليمن وسوريا، وإلى حدٍ كبير في لبنان، حيث حصار آخر الأدوات الدموية، بعد كمين الطيونة، جعل الولايات المتحدة تتعلق بقشة الرعونة السعودية، بينما في العراق تبدو الأمور أكثر خطورة، رغم أنّها أقل رعونة، حيث إنّ هذا الاستهداف سيضع عدة ملفاتٍ على الطاولة، تعتقد الولايات المتحدة أنّه حان قطف ثمارها.
وأول تلك الملفات هو ملف الانتخابات العراقية، حيث يجب التسليم بالنتائج المعلنة، بغض النظر عن كل الطعون المقدمة، والملف الثاني هو ملف خروج القوات الأمريكية نهاية العام من العراق، حيث تسعى لافتعال الأزمات كمبرر لبقائها، والملف الثالث وهو الأخطر على الإطلاق، هو سحب ما يسمى سلاح “الميليشات”، وحصر السلاح بيد الدولة.
وهنا يتم تظهير الأمر بعد هذه المحاولة الفاشلة، على أنّه صراع بين دولة القانون ودويلة الانفلات و”الميليشيات”، وتبدو هذه المحاولة الفاشلة من باب سحب مبرر وجود سلاح الحشد الشعبي، باعتباره محرراً للعراق من داعش وحامياً له، حيث يتم تصويره بعد هذه المحاولة أنّه خطرٌ على الدولة وخطرٌ على العراق والعراقيين.
قد تكون التغطية على إطلاق النار على المعترضين على نتائج الانتخابات، وسقوط عددٍ من الضحايا جزءًا مما توخاه مصممو عملية الاغتيال الفاشلة، وهنا يبدو التجرؤ على الدم العراقي، أحد أوراق الاعتماد المقدمة في المرحلة المقبلة، حيث تهدف لافتعال تصادم بين قوة الحشد الشعبي والجيش العراقي وقوى الأمن، وهذا هدفٌ أمريكي، والسعودية كما في لبنان هي رأس حربته في العراق، حيث إنّه بعد فشل مشروع داعش وفشل مشروع الحرب المذهبية، يبدو تفجير البيئة الشيعية من الداخل هو الخيار المعتمد حالياً.
لذلك لن تكون هذه المحاولة الفاشلة هي آخر الفتن، فالسعودية التي تحاول تظهير الأمر سياسياً وإعلامياً باعتباره فعلًا إيرانيًا، لن تعدم وسائل تفجير الألغام السياسية لتعيد العراق إلى المراحل الدموية، وذلك في سبيل محاولة استدراك هزائمها المتنقلة، والتي تلاحقها مثل ظلها. ويُلاحظ هنا أنّ السعودية في هذه المرحلة، تخلّت عن موقعها كـ”زعيمة للعالم السني”، والتي خاضت كل حروبها تحت هذه الراية، في سوريا ولبنان واليمن والعراق، وكذلك مع تركيا ومصر مرسي وغيرها، ورفعت راية العروبة، وهي عروبة تماثل عروبة أبي رغال.
ورغم خطورة هذه العملية الفاشلة التي سارعت السعودية لإدانتها، يثور سؤالٌ مشروع، أيهما أشد خطورة، محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء العراقي، أم اعتقال السعودية لرئيس الوزراء اللبناني في فندق”الريتز”، وإجباره على تقديم استقالته، ما كان يهدف لإشعال فتنةٍ وحربٍ أهلية في لبنان؟ لذلك لا يجب استبعاد تكرار السيناريو العراقي في لبنان، وافتعال عمليات اغتيالٍ فاشلة أو ناجحة، تهدف إلى ذات ما تهدف إليه في العراق، من إشعال الفتن وتمزيق المجتمع، وكل ذلك يتم في إطار مصلحةٍ “إسرائيلية” خالصة.
في العراق حدثت عملية الاغتيال الفاشلة بعد الانتخابات، بينما في لبنان بدأ محللون يحذرون من عمليات مشابهة قبل او بعد الانتخابات، حيث إنّ عملية التزوير في لبنان قد لا تكون متاحة بسهولة، وإذا كانت عملية الاغتيال الفاشلة في العراق تهدف لتمرير النتائج، قد تكون العمليات في لبنان للتأثير على النتائج، أو التأثير على الانتخابات برمتها، لناحية عدم الوصول للاستحقاق الانتخابي وتأجيله.
إنّ العراق بحاجة للكثير من الحكمة والصبر، وهو بحاجةٍ لإعادة النظر في نظامه السياسي كلياً، ابتداءً بالدستور وليس انتهاءً بالحياة المعيشية والفساد وإدارة الدولة. كما إنّ أخطر ما يواجه العراق، هو الاصطفاف السياسي، حيث ونتيجة تراكم الأحداث والدستور الخطأ، أصبح بعض العراق يمارس سياسته على اعتبار أنّ وجود الاحتلال الأمريكي هو ضرورة مصيرية، فهذا الوجود هو ما يمنع تغول البعض العراقي على البعض الآخر، وهو ما يصنع التوازن للبعض مع البعض الآخر. إنها سخريات الدهر، حين يتغول ضيق المصلحة على سعة الأوطان.